فصل: تفسير الآية رقم (47):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لأسعد حومد



.تفسير الآية رقم (47):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (47)}
{يَا أَيُّهَآ} {الكتاب} {آمِنُواْ} {أَصْحَابَ}
(47)- يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى أَهْلَ الكِتَابِ، مِنَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى، بِالإِيْمَانِ بِمَا أَنْزَلَ عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم مِنَ الكِتَابِ العَظِيمِ، الذِي فِيهِ تَصْدِيقُ الأَخْبَارِ التِي جَاءَتْ فِي كُتُبِهِمْ، مِنْ تَقْرِيرِ التَّوْحِيدِ، وَالابْتِعَادِ عَنِ الشِّرْكِ، وَمِنَ التَّبْشِيرِ بِمُحَمَّدٍ وَشَرِيعَتِهِ، وَيَتَّهَدَّدُهُمْ، إنْ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ، بِأنَّ اللهَ قَدْ يُعَاقِبُهُمْ بِطَمْسِ وُجُوهِهِمْ، فَلا يَبْقَى لَهُمْ سَمْعاً وَلا بَصَراً وَلا أَنْفاً، وَيَجْعَلُ وُجُوهَهُمْ إلى جِهَةِ ظُهُورِهِمْ، فَيَمْشُونَ القَهْقَرَى إلى الوَرَاءِ، أوْ يَلْعَنُهُمْ كَمَا لَعَنَ الذِينَ اعْتَدُوا فِي السَّبْتِ، بِالاحْتِيالِ فِي صَيْدِ الأَسْمَاكِ، وَقََدْ مَسَخَهُمُ اللهُ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ.
وَأَمَرَ اللهُ تَعَالَى مَفْعُولٌ لا يُخَالَفُ وَلا يُمَانَعُ، وَهُوَ وَاقِعٌ لا مَحَالَةَ فَاحْذَرُوهُ.
نَطْمِسُ وُجُوهاً- نَمْحُوَهَا أَوْ نَتْرُكَهُمْ فِي الضَّلالَةِ.

.تفسير الآية رقم (48):

{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)}
(48)- يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى العِبَادَ بِأَنَّهُ لا يَغْفِرُ لِعَبْدٍ جَاءَ اللهُ مُشْرِكاً بِعِبَادَتِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَأَنَّهُ يَغْفِرُ مَا دُونَ الشِّرْكِ مِنَ الذُّنُوبِ، لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ ارْتَكَبَ ذَنْباً عَظِيماً، لا يَسْتَحِقُّ مَعَهُ الغُفْرَانَ.
وَالشِّرْكُ ضَرْبَانِ:
- شِرْكٌ فِي الأُلُوهِيَّةِ- وَهُوَ الشُّعُورُ بِسْلَطَةٍ وَرَاءَ الأسْبَابِ وَالسُّنَنِ الكَوْنِيَّةِ لِغَيْرِ اللهِ.
- شِرْكٌ فِي الرّبُوبِيَّةِ- وَهُوَ الأَخْذُ بِشَيءٍ مِنْ أَحْكَامِ الدِّينِ بِالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ عَنْ بَعْضِ البَشَرِ دُونَ الوَحْي.

.تفسير الآية رقم (49):

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (49)}
(49)- نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي اليَهُودِ وَالنَّصَارَى حِينَ قََالُوا: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأحِبَّاؤُهُ، وَحِينَ قَالُوا: لَنْ يَدْخُلَ الجَنَّةَ إلا مَنْ كَانَ هُوداً أوْ نَصَارَى.
(وَقِيلَ إنَّها نَزَلَتْ فِي ذَمِّ مَدْحِ النَّفْسِ، وَتَزْكِيَةِ الإِنْسَانِ نَفْسَهُ بِصُورَةٍ عَامَّةٍ).
فَقَالَ تَعَالَى: ألا تَعْجَبُ، يَا مُحَمَّدُ، مِنْ هَؤُلاءِ الكَافِرِينَ الذِينَ نُبَيِّنُ لَهُمْ سُوءَ عَمَلِهِمْ، فَيَرَوْنَهُ حَسَناً، وَيُثْنُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مُزَكِّينَ إيَّاهَا، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى هُوَ المَرْجِعْ فِي تَقْدِيرِ أَفْعَالِ العِبَادِ، لأنَّهُ العَالَمُ بِحَقَائِقِ الأمُورِ وَغَوامِضِهَا، وَهُوَ يَعْلَمُ مَا يَكْتُمُهُ النَّاسُ وَمَا يُعْلِنُونَهُ، وَهُوَ لا يَتْرُكُ لأحَدٍ شَيئاً مِنَ العَمَلِ، وَلَوُ كَانَ مِقْدَارَ الفَتِيلِ فِي شِقِّ نَوَاةِ التَّمْرَةِ، إلا وَيَحْتَسِبُهُ لَهُ.
الفَتِيلُ- الخَيْطُ الرَّفِيعُ فِي شِقِّ نَواةِ التَّمْرَةِ.
يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ- يَمْدَحُونَهَا بِالبَرَاءَةِ مِنَ الذُّنُوبِ.

.تفسير الآية رقم (50):

{انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا (50)}
(50)- انْظُرْ يَا مُحَمَّدُ كَيْفَ يَفْتَرِي هَؤُلاءِ الكَذِبَ عَلَى اللهِ، فِي تَزْكِيَّةِ أَنْفُسِهِمْ، وَادِّعَائِهِمْ أَنَّهُمْ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، وَأَنَّهُمْ لَنْ تَمَسَّهُمُ النَّارُ إلا أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ، وَكَفَى بِهَذَا الذِي يَقُولُونَهُ وَيَفْعَلُونَهُ كَذِباً ظَاهِراً.

.تفسير الآية رقم (51):

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (51)}
{الكتاب} {والطاغوت} {آمَنُواْ}
(51)- جَاءَ بَعْضُ رُؤَسَاءِ اليَهُودِ إلَى قُرَيْشٍ فَسَألْتَهُمْ قُرَيْشٍ: أَهُمْ، وَمَا هُمْ عَلَيهِ مِنَ الكُفْرِ وَعِبَادَةِ الأَصْنَامِ، خَيْرٌ أَمْ مُحَمَّدٌ وَمَا هُوَ عَلَيهِ مِنَ الإِيمَانِ بِاللهِ؟ فَقَالَ اليَهُودُ: بَلْ قُرَيْشٌ أهْدَى سَبيلاً. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ، يَعِيبُ فِيهَا عَلَى اليَهُودِ قَوْلَهُمْ هذا، وَتَفْضِيلَهُمُ الكُفْرَ، وَعِبَادَةَ الأَصْنَامِ، عَلَى هُدَى اللهِ، وَدِينِهِ الحَقِّ.
الجِبْتِ- أَصْلَهُ الجِبْسُ- وَهُوَ الرَّدِيءُ الذِي لا خَيْرَ فِيهِ أوِ السِّحْرُ وَالأَصْنَامُ وَالكُهَّانُ وَالخُرَافَاتُ.
الطَّاغُوتِ- مَا تَكُونُ عِبَادَتُهُ وَالإِيمَانُ بِهِ سَبَباً لِلطُّغْيَانِ وَالخُرُوجِ مِنَ الحَقِّ، مِنْ مَخْلُوقٍ يُعْبَدُ، أَوْ رَئِيسٍ يُقَلَّدُ، أَوْ هَوىً يُتَّبَعُ. وَقِيلَ إنَّهُ الشَّيْطَانُ.

.تفسير الآية رقم (52):

{أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (52)}
{أولئك}
(52)- وَالذِينَ يُفَضِّلُونَ الكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ بِاللهِ وَحْدَهُ، إِرْضَاءً لِلْكَافِرِينَ، وَاسْتِنْصَاراً بِهِمْ، فَهؤُلاءِ يَلْعَنُهُمُ اللهُ. وَمَنْ لَعَنَهُ اللهُ، وَطَرَدَهُ مِنْ رَحْمَتِهِ، فَلا نَاصِرَ لَهُ مِنْ غَضَبِ اللهِ، وَلا وَلِيَّ لَهُ يَنْصُرُهُ مِنَ الذُّلِّ وَالعَذَابِ.

.تفسير الآية رقم (53):

{أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (53)}
(53)- يُنْكِرُ اللهُ تَعَالَى عَلَى هَؤُلاءِ اليَهُودِ أنْ يَكُونَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ المُلْكِ وَالتَّصَرُّفِ، بَعْدَ أنْ فَقَدُوهُ بِكُفْرِهِمْ، وَظُلْمِهِمْ، وَطُغْيَانِهِمْ، وَإيمَانِهِمْ بِالجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ، ثُمَّ يَصِفُهُمُ اللهُ تَعَالَى بِالبُخْلِ وَالأثَرَةِ، وَيَقُولُ: لَوْ أَنَّهُمْ كَانَ لَهُمُ المُلْكُ، وَحَقُّ التَّصَرُّفِ، لَمَا أَعْطَوا النَّاسَ شَيئاً، خَوْفاً مِنْ أنْ يَنْفَدَ مَا لَدَيْهِمْ، وَلَحَصَرُوا مَنَافِعَهُ فِي أَنْفُسِهِمْ.
لنَّقِيرُ- نُقْطَةٌ صَغِيرَةٌ فِي نَوَاةِ التَّمْرِ.

.تفسير الآية رقم (54):

{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54)}
{آتَاهُمُ} {آتَيْنَآ} {آلَ} {إِبْرَاهِيمَ} {الكتاب} {وَآتَيْنَاهُمْ}
(54)- إنَّ هَؤُلاءِ يُرِيدُونَ أنْ يَضِيقَ فَضْلُ اللهِ بِعِبَادِهِ، وَلا يُحِبُّونَ أَنْ يَكُونَ لأمَّةٍ فَضْلٌ أَكْثَرُ مِمَّا لَهُمْ أَوْ مِثْلُهُمْ، لِمَا اسْتَحْوذَ عَلَيْهِمْ مِنَ الغُرُورِ بِنَسَبِهِمْ، وَتَقَالِيدِهِمْ، مَعَ سُوءِ حَالِهِمْ. وَإنَّ حَسَدَهُمْ لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، عَلَى مَا رَزَقَهُ اللهُ مِنَ النُّبُوَّةِ العَظِيمَةِ، هُوَ الذِي مَنَعَهُمْ مِنَ التَّصْدِيقِ وَالإِيمَانِ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، لأَنَّهُ مِنَ العَرَبِ، وَلَيْسَ مِنْ بَني إِسْرَائِيلَ.
وَإنْ يَحْسُدُوا مُحَمَّداً عَلَى مَا أوتِيَ، فَقَدْ أخْطَؤُوا إذْ أنَّ مَا أتَى اللهُ مُحَمَّداً لَيْس بِدْعاً مِنَ اللهِ، فَقَدْ آتَى اللهُ هَذا آلَ إِبْرَاهِيمَ، وَالعَرَبُ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِسْمَاعِيلَ، فَلِمَاذَا يَعْجَبُونَ مِمَّا آتَى اللهُ مُحَمَّداً، وَلَمْ يَعْجَبُوا مِمَّا آتَى آلَ إِبْرَاهِيمَ؟

.تفسير الآية رقم (55):

{فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55)}
{آمَنَ}
(55)- وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ آمَنَ فَرِيقٌ، مِنْ أَقْوَامِ هَؤُلاءِ الأَنْبِيَاءِ، بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ أَنْبِيَاؤُهُمْ، وَكَفَرَ فَرِيقٌ وَسَعَى فِي الأَرْضِ يُفْسِدَ فِيهَا، وَيَصُدُّ النَّاسَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ، وَعَنِ اتِّبَاعِ الحَقِّ، وَكَفَى بِالنَّارِ عُقُوبَةً لَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ وَعِنَادِهِمْ، وَمُخَالَفَتِهِمْ كُتُبَ اللهِ وَرُسُلَهُ.

.تفسير الآية رقم (56):

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56)}
{بِآيَاتِنَا} {بَدَّلْنَاهُمْ}
(56)- يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى: بِأَنَّهُ سَيُعَاقِبُ الكَافِرِينَ بِآيَاتِ اللهِ وَبِرُسُلِهِ، بِإِحْرَاقِهِمْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، وَكُلَّمَا احْتَرَقَتْ جُلُودُهُمْ أَبْدَلَهُمْ غَيْرَها لِيَسْتَمِرُّوا فِي تَحَسُّسِ العَذَابِ وَآلامِهِ، وَاللهُ عَزِيزٌ لا يَتَحَدَّاهُ أَحَدٌ، حَكِيمٌ فِي تَصَرُّفِهِ، يَعْرِفُ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلْعُقُوبَةِ فَيُعَاقِبُهُ، وَمَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلْثَّوَابِ فَيُثِيبُهُ.
نُصْلِيهِمْ نَاراً- نُدْخِلُهُمْ نَاراً هَائِلَةً نَشْويِهِمْ فِيها.
نَضِجَتْ- احْتَرَق وَتَهَرَّأَتْ وَتَلاشَتْ.

.تفسير الآية رقم (57):

{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (57)}
{آمَنُواْ} {الصالحات} {جَنَّاتٍ} {الأنهار} {خَالِدِينَ} {أَزْوَاجٌ}
(57)- وَالذِينَ صَدَّقُوا بِمَا جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ، وَعَمِلُوا الأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ، فَإنَّ اللهَ سَيُثِيبُهُمْ عَلَى إيمَانِهِمْ وَعَمَلِهِمُ الصَّالِحُ، بِإدْخَالِهِمُ الجَنَّةَ التِي تَجْرِي فِي أَرْضِهَا الأَنْهَارُ، وَيَبْقُونَ فِيهَا خَالِدِينَ أَبَداً، لا يَحُولُونَ عَنْهَا وَلا يَزُولُونَ، وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ، مِنَ الحَيْضِ وَالدَّنَسِ وَالأَذَى، وَالأَخْلاقِ الرَذِيلَةِ، وَالصِّفَاتِ النَّاقِصَة، وَيُدخِلُهُمْ فِي ظِلٍّ وَارِفٍ كَثِيفٍ لا حَرَّ فِيهِ وَلا قَرَّ.
ظَلِيلاً- دَائِماً لا حَرَّ فِيهِ وَلا قّرَّ.

.تفسير الآية رقم (58):

{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)}
{الأمانات}
(58)- يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ بِأَدَاءِ الأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا. وَأَدَاءِ الأَمَانَاتِ يَشْمَلُ جَمِيعَ الأَمَانَاتِ الوَاجِبَةِ عَلى الإِنْسَانِ: مِنْ حُقُوقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ (مِنْ صَلاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ...) وَمِنْ حُقُوقِ العِبَادِ (كَالوَدَائِعِ وَغَيرَ ذَلِكَ مِمَّا يُؤْتَمَنُ الإِنْسَانُ عَلَيهِ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ بِيَدِ أَصْحَابِهَا وَثَائِقَ وَبَيَنَاتٍ عَلَيهَا). هَذِهِ الآيَةُ نَزَلَتْ فِي عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، فَقَدْ كَانَتْ لَهُ حِجَابَةُ الكَعْبَةِ. وَلَمَّا فَتَحَ اللهُ مَكَّةَ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم طَافَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم بِالكَعْبَةِ، ثُمَّ دَعَا بِعُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَأَخَذَ مِنْهُ مُفْتَاحَ الكَعْبَةِ وَدَخَلَها. فَجَاءَهُ العَبَّاسُ (وَقِيلَ بَلْ جَاءَهُ عَلِي) فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اجْمَعْ لَنَا حَجَابَةَ الكَعْبَةِ مَعَ السِّقَايَةِ. فَدَعَا رَسُولَ اللهِ بِعُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَدَفَعَ إِلَيهِ المُفْتَاحَ، وَخَرَجَ يَقْرَأُ هَذِهِ الآيَةَ.
وَيَأْمُرُ اللهُ المُؤْمِنِينَ بِأَنْ يَحْكُمُوا بَيْنَ النَّاسِ بِالعَدْلِ، وَأَنْ يَكُونَ العَدْلُ عَاماً لِلْبَرِّ وَالفَاجِرِ، وَلِكُلِّ أحَدٍ، وَأنْ لا يَمْنَعَهُمْ مِنْ إِقَامَةِ العَدْلِ حِقْدٌ أَوْ كَرَاهِيَةٌ أوْ عَدَاؤةٌ.
ثُمَّ يَقُولُ تَعَالَى إنَّ مَا يَأْمُرُ بِهِ، وَيَعِظُ بِهِ المُؤْمِنِينَ، هُوَ الشَّرْعُ الكَامِلُ، وَفِيهِ خَيْرُهُمْ، وَاللهُ سَمِيعٌ لأَقْوَالِ العِبَادِ، بَصِيرٌ بِأَفْعَالِهِمْ، فَيُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ بِمَا يَسْتَحِقُّ.
تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ- جَميعَهَا حُقُوقَ اللهِ وَحُقُوقَ النَّاسِ.
نِعِمّا يَعِظُكُمْ بِهِ- نِعْمَ الذِي يَعِظُكُمْ بِهِ مِمَا ذَكَرَ.

.تفسير الآية رقم (59):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)}
{يَا أَيُّهَا} {آمَنُواْ} {تَنَازَعْتُمْ} {الآخر}
(59)- بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ، فَلَمَّا خَرَجُوا اسْتَاءَ مِنْهُمْ مِنْ شَيءٍ كَانَ مِنْهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ: أَلَيْسَ قَدْ أَمَرَكُمْ رَسُولُ اللهِ أنْ تُطِيعُونِي؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَاجْمَعُوا حَطَباً، ثُمَّ دَعَا بِنَارٍ فَأَضْرَمَهَا فِيهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُم: عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ لَتَدْخُلُنَّهَا (أَيْ لَتَقْتُلُنَّ أنْفُسَكُمْ فِي النَّارِ)، فَرَفَضُوا ذَلِكَ إلى أنْ يَسَأَلُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُمُ الرَّسُولُ: «الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ».
وَقَالَ رَسُولُ اللهِ: «السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى المَرْءِ المُسْلِمِ فِيمَا أحَبَّ وَكَرِهَ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِذَا أَمَرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلا سَمْعَ وَلا طَاعَةَ».
وَفِي هَذِهِ الآيَةِ يَأمُرُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ بِإِطَاعَتِهِ تَعَالَى، وَبِالعَمَلِ بِكِتَابِهِ، وَبِإِطَاعَةِ رَسُولِهِ، لأَنَّهُ يُبَيِّنُ لِلْنَّاسِ مَا نَزَلَ إِلَيْهِمْ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَيُبَلِّغُ عَنِ اللهِ شَرْع وَأَوَامِرَهُ، كَمَا يَأْمُرُ اللهُ بِإِطَاعَةِ أُوْلِي الأمْرِ، مِنْ حُكَّامٍ وَأُمَرَاءٍ وَرُؤَسَاءٍ جُنْدٍ، مِمَّنْ يَرْجِعُ النَّاسُ إلَيْهِمْ فِي الحَاجَاتِ، وَالمَصَالِحِ العَامَّةِ، فَهَؤُلاءِ إذَا اتَّفَقُوا عَلَى أَمْرٍ وَجَبَ أنْ يُطَاعُوا فِيهِ، بِشَرْطِ أنْ يَكُونُوا أُمَنَاءَ، وَأنْ لا يُخَالِفُوا أَمْرَ اللهِ، وَلا سُنَّةَ نَبِّيهِ التِي عُرِفَتْ بِالتَّوَاتُرِ، وَأنْ يَكُونُوا مُخْتَارِينَ فِي بَحْثِهِمْ فِي الأَمْرِ، وَاتِّفَاقِهِمْ عَلَيْهِ غَيْرَ مُكْرَهِينَ عَلَيهِ بِقُوَّةِ أَحَدٍ أَوْ نُفُوذِهِ.
وَكُلُّ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ المُسْلِمُونَ فَمِنَ الوَاجِبِ رَدُّهُ إلى كِتَابِ اللهِ، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ، وَيَحْتَكِمْ إلَى كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ، فَلَيْسَ مُؤْمِناً بِاللهِ وَلا بِاليَوْمِ الآخِرِ.
وَمَنْ يَحْتَكِم إلى شَرْعِ اللهِ، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، فَذَلِكَ خَيْرٌ لَهُ وَأَحْسَنُ عَاقِبَةً وَمَآلاً (تَأْوِيلاً)، لأنَّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يُشَرِّعْ لِلنَّاسِ إلا مَا فِيهِ مَصْلَحَتُهُمْ وَمَنْفَعَتُهُمْ، وَالاحْتِكَامِ إلى الشَّرْعِ يَمْنَعُ الاخْتِلافَ المُؤَدِّي إلَى التَّنَازُعِ وَالضَّلالِ.
أَحْسَنُ تَأوِيلاً- أَجْمَلُ عَاقِبَةً وَأحْسَنُ مَآلاً.