فصل: تفسير الآية رقم (3):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لأسعد حومد



.تفسير الآية رقم (3):

{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3)}
{بالأزلام} {يَئِسَ} {الإسلام}
(3)- يُبَيِّنُ اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الآيَةش مَا حَرَّمَ أكْلَهُ عَلَى عِبَادِهِ مِنْ لَحْمِ الأنْعَامِ وَهِيَ:
المَيْتَةُ- وَهِيَ التِي مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا مِنْ غَيْرِ ذَكَاةٍ وَلا اصْطِيَادٍ وَذَلِكَ لِمَ فِيهَا مِنَ المَضَرَّةِ، وَيُسْتَثْنَى مِنَ المَيْتَةِ السَّمَكُ، فَإنَّهُ حَلالٌ سَوَاءٌ مَاتَ بتَذْكِيَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا.
وَالدَّمُ المَسْفُوحُ- وَهُوَ الدَّمُ الذِي يَسِيلُ مِنَ الحَيَوَانَاتِ.
وَكَانَ الأَعْرَابُ فِي البَادِيَةِ إذا جَاعُوا فِي الصَّحْرَاءِ يَأخُذُونَ شَيْئاً مُحَدَّداً مِنْ عَظْمٍ أوْ نَحْوِهِ فَيَفْصِدُونَ بِهِ حَيَواناً فَيَجْمَعُونَ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ مِنْ دَمٍ فَيَشْرَبُونَهُ، فَحَرَّمَ اللهُ ذَلِكَ.
وَجَاءَ فِي الحَدِيثِ: أحِلَّتْ لَنَا مِيتَتَانِ وَدَمَانِ، فَأمَّا المِيتَتَانِ فَالسَّمَكُ وَالجَرَادُ، وَأمَّا الدَّمَانِ فَالكَبِدُ وَالطِّحَالُ. (رَوَاهُ أحْمَدُ وَالبَيْهَقِيُّ).
لَحْمُ الخِنْزِيرِ- إنْسِيَّهِ وَوَحْشِيِّهِ. فَلَحْمُهُ حَرَامٌ.
مَا أهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ- أيْ مَا ذُبِحَ فَذُكِرَ اسْمٌ غَيْرُ اسْمِ اللهِ عِنْدَ ذَبْحِهِ. لأنَّ اللهَ تَعَالَى أوْجَبَ أنْ تُذْبَحَ الأنْعَامُ عَلَى اسْمِهِ العَظِيمِ.
وَالإِهْلالُ هُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ، وَالإِهْلالُ هُنَا رَفْعُ الصَّوْتِ بِذِكْرِ اسْمٍ غَيْرِ اسْمِ اللهِ عِنْدَ المُسْلِمِينَ.
وَالمَوْقُوذَةُ- وَهِيَ التِي تَضرَبُ بِشَيءٍ ثَقيلٍ غَيْرِ مُحَدَّدٍ حَتَّى تَمُوتَ.
وَالمُتَرَدِّيَةُ- وَهِيَ التِي تَقَعُ مِنْ مَكَانِ مُرْتَفِعٍ، أوْ تَقَعُ فِي بِئْرٍ فَتَمُوتُ فَلا يَحِلُّ أكْلُ لَحْمِهَا.
وَالنَّطِيحَةُ- وَهِيَ التِي مَاتَتْ بِسَبَبِ نَطْحِ غَيْرِهَا لَهَا، فَهِيَ حَرَامٌ وَلَوُ خَرَجَ مِنَهَا الدَّمُ، وَلَوْ مِنْ مَذْبَحِهَا.
وَمَا أكَلَ السَّبُعُ- وَهِيَ مَا عَدَتْ عَلَيهَا الحَيَوَانَاتُ الجَارِحَةُ فَقَتَلَتْها فَلا تَحِلُّ بِالإِجْمَاعِ.
وَاسْتَثْنَى اللهُ تَعَالَى مِنْ جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ الحَيَوَانُ الذِي لَحِقَهُ الإِنْسَانُ بِالذَّبْحِ، قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ، وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، فَإنَّهُ إذَا ذُبِحَ أَصْبَحَ حَلالاً يَجُوزُ أَكْلُهُ لِلْمُسْلِمِينَ.
وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ- مُحَرَّمٌ أَكْلُهُ.
وَالنُّصُبُ هِيَ حِجَارَةٌ حَوْلَ الكَعْبَةِ، كَانَتِ العَرَبُ فِي جَاهِلِيَّتِهَا تَذْبَحُ عِنْدَهَا الذَّبَائِحَ، وَيُنْضَحُ مَا أَقْبلَ مِنْها إلَى البَيْتَ بِدِمَاءِ تِلْكَ الذَّبَائِحِ، وَيُشَرِّحُونَ اللحْمَ وَيَضَعُونَهُ عَلَى النُّصُبِ فَحَرَّمَ اللهُ تَعَالَى عَلَى المُؤْمِنِينَ أَكْلَ الذَّبَائِحِ التِي تَمَّ ذَبْحُها عِنْدَ تِلْكَ النُّصُبِ. فَالذَّبْحُ عِنْدَ النُّصُبِ مِنْ الشِّرْكِ.
ثُمَّ أضَافَ اللهُ تَعَالَى إلَى مُحَرَّمَاتِ الطَّعَامِ التِي كَانَ أهْلُ الجَاهِلِيَّةِ يَسْتَحِلُّونَهَا، عَمَلاً آخَرَ مِنْ أعْمَالِهِمْ وَهُوَ الاسْتِقْسَامُ بِالأَزْلامِ.
وَالأَزْلامُ وَاحِدُهَا (زَلَمٌ)، هِيَ عِبَارَةَ عَنْ قِدَاحٍ (سِهَامٍ) ثَلاثَةٍ أحَدُهَا مُكْتُوبٌ عَلَيْهِ: (افْعَلْ) وَثَانِيهَا مَكْتُوبٌ عَلَيهِ. (لا تَفْعَلْ). وثَالِثُهَا لَمْ يُكْتَبُ عَلَيهِ شَيءٌ. فَإِذا أجَالَهَا فَطَلَعَ السَّهْمُ المَكْتُوبُ عَلَيْهِ (لا تَفْعَلْ)، لَمْ يَفْعَلْ. وَإِذَا خَرَجَ السَّهْمُ المَكْتُوبُ عَلَيْهِ (افْعَلْ) فَعَلَ. وَإذَا خَرَجَ السَّهْمُ الغُفْلُ مِنَ الكِتَابَةِ أعَادَ. فَحَرَّمَ اللهُ الاسْتِقْسَامَ بِالأزْلامِ، وَعَدَّهُ فِسْقاً، وخُرُوجاً عَنَ طَاعَةِ اللهِ.
وَقَدْ أَمَرَ اللهُ المُؤْمِنِينَ إذَا تَرَدَّدُوا فِي أمْرِهِمْ أنْ يَسْتَخِيرُوهُ بِأَنْ يَعْبُدُوهُ، ثُمَّ يَسْأَلُوهُ الخِيَرَةَ فِي الأَمْرِ الذِي يُرِيدُونَ.
ثُمَّ يَقُولُ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنينَ: اليَوْمَ يَئِسَ الكُفَّارُ مِنَ القَضَاءِ عَلَى دِينِ اللهِ، وَمِنْ رُجُوعٍ المُؤْمِنِينَ عَنْ دِينِهِمْ، لِمَا شَاهَدُوهُ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيكُمْ، إذْ وَفى بِوَعْدِهِ، وَأظْهَرَ دِينَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، فَلا تَخُافُوهُمْ فِي مُخَالَفَتِكُمْ إيَّاهُمْ، وَاخشوني أنا، فَأنَا أنْصُرُكُمْ عَلَيْهِمْ، وَأجْعَلُكُمْ فَوْقَهُمْ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ.
ثُمَّ يَقُولُ مُخَاطِباً المُؤْمِنِينَ: إنَّهُ أكْمَلَ لَهُمُ اليَوْمَ دِينَهُمُ الإِسْلامَ، فَلا يَحْتَاجُونَ إلى دِينٍ غَيْرِهِ، وَلا إلى نَبِيٍّ غَيْرِ نَبِيِّهِمْ. وَلَمَّا أَكْمَلَ اللهُ لَهُمْ دِينَهُمْ تَمَّتْ عَلَيهِمْ نِعْمَةُ رَبِّهِمْ، فَلْيَرْضَوْا بِالإِسْلامِ دِيناً لَهُمْ، فَإنَّهُ الدِّينُ الذِي أحَبَّهُ اللهُ وَرَضِيَهُ لَهُمْ. فَمَنِ اضْطُرَّ إلى تَنَاوُلِ شَيءٍ مِمّا حَرَّمَ اللهُ مِمَّا سَبَقَ ذِكْرُهُ، لِضَرُورَةٍ ألْجَأتْهُ إلى ذَلِكَ، فَلا بَأْسَ فِي ذَلِكَ، وَلَهُ تَنَاوُلُهُ فِي حُدُودِ مَا يَدْفَعُ عَنْهُ الضَّرُورَةَ، واللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، لأنَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ حَاجَةَ العَبْدِ المُضْطَرِّ، وَافْتِقَارِهِ إلَى ذَلِكَ فَيَتَجَاوَزُ عَنْهُ، وَيَغْفِرُ لَهُ. بِشَرْطِ ألا يَكُونَ تَنَاوُلُهُ المُحَرَّمَ مَيْلاً مِنْهُ إلى مَعْصِيَةِ اللهِ، وَرَغْبَةً في الاعْتِدَاءِ عَلَى حُرُمَاتِ اللهِ (غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ).
وَفِي الحَدِيثِ: «إنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ، كَمَا يَكْرَهُ أنْ تُؤْتَى مَعْصِيتُهُ».
وَرُوِيَ أَيْضاً: «إنَّ مَنْ لَمْ يَفْعَلُ رُخْصَةَ اللهِ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ جِبَالِ عَرَفَةَ». رَوَاهُمَا أَحْمَدُ.
المَخْمَصَةُ- حَالَةُ الجُوعِ الشَّدِيدِ.
غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ- غَيْرَ رَاغِبٍ فِي ارْتِكَابِ إِثْمٍ.
الأَزْلامُ- سِهَامٌ ثَلاثَةٌ يَسْتَعْمِلُونَها فِي الاسْتِسْقَامِ، وَالاقْتِرَاعِ.

.تفسير الآية رقم (4):

{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4)}
{يَسْأَلُونَكَ} {الطيبات}
(4)- سَأَلَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ، وَزَيْدُ بْنُ مُهَلْهِلٍ الطَّائِييَّنِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالا: قَدْ حَرَّمَ اللهُ المَيْتَةَ، فَمَاذَا يَحِلُّ لَنَا مِنْهَا؟ فَأَنْزَلَ اللهَ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ.
وَهَذِهِ الآيَةُ تَعْنِي: أنَّ اللهَ أَحَلَّ الذَبَائِحَ الحَلالَ الطَّيِّبَةَ لَهُمْ، التِي ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهَا، وَأَحَلَّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ، وَأَحَلَّ لَهُمْ مَا اصْطَادُوهُ بالجَوَارِحِ كَالكِلابِ وَالصُّقُورِ وَالفُهُودِ.
(وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الحَيَوانَاتُ بِالجَوَارِحِ، اشْتِقَاقاً مِنَ الجَرْحِ وَهُوَ الكَسْبُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: فُلانٌ لا جَارِحَ لَهُ، أَيْ لا كَاسِبَ لَهُ).
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بالنهار} أَيْ مَا كَسَبْتُمْ.
وَهَذِهِ الجَوَارِحُ تَقْتَنِصُ الفَرَائِسَ بِمَخَالِبِهَا وَأَظْفَارِهَا، وَتَكُونُ قَدْ عُلِّمَتْ عَلَى الصَّيْدِ، فَإِذَا أَرْسَلَهَا أَصْحَابُها اسْتَرْسَلَتْ، وَإِذَا أَشْلَوْهَا اسْتَشْلَتْ، وَإِذَا أخَذَتِ الصَّيْدَ أَمْسَكَتْهُ عَلَى أَصْحَابٍهَا حَتَّى يَجِيئُوا إِلَيْهَا، وَلا تُمْسكُهُ لِنَفْسِهَا، فَمَتَى كَانَ الجَارِحَ مُعَلِّماً، وَأَمْسَكَ الصَّيْدَ عَلَى صَاحِبِهِ، وَكَانَ صَاحِبِهِ قَدْ ذَكَرَ اسْمَ اللهِ قَبْلَ إِطْلاقِهِ، حَلَّ الصَّيْدُ، وَإِنْ قَتَلَهُ بِالإِجْمَاعِ.
وَيَأمُرُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ بِتَقْوَاهُ، وَبِأنْ لا يُقْدِمُوا عَلَى مُخَالَفَةِ أوَامِرِهِ، بِالأَكْلِ مِنَ المُحَرَّمَاتِ التي سَبَقَ ذِكْرُهَا، وَيُعْلِمُهُمْ أنَّهُ سَيُحَاسِبُهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ فِي الدُّنيا جَميعِها، وَأنَّهُ تَعَالَى سَرِيعُ الحِسَابِ، يُحَاسِبُ النَّاسَ كُلَّهُمْ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ.
الجَوَارِحَ- الحَيوانَاتُ التِي يُصَادُ بِهَا كَالكِلابِ وَالصُّقُورِ.
التَّكْلِيبُ- تَعْلِيمُ الجَوَارِحِ عَلَى الصَّيْدِ وَتَضْرِيَتُهَا.
الطَّيِّبُ- هُوَ مَا تَسْتَطِيبُهُ النُّفُوسُ السَّلِيمَةُ.

.تفسير الآية رقم (5):

{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5)}
{الطيبات} {الكتاب} {والمحصنات} {المؤمنات} {آتَيْتُمُوهُنَّ} {مُسَافِحِينَ} {بالإيمان} {الخاسرين}
(5)- لَمَّا ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى مَا حَرَّمَ عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ مِنَ الخَبَائِثِ، وَمَا أَحَلَّ لَهُمْ مِنَ الطَّيبَاتِ، ذَكَرَ حُكْمَ ذَبَائِحِ أَهْلِ الكِتَابِ مِنَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى: فَقَالَ: إِنَّهَا حَلالٌ لِلْمُسْلِمِينَ لأنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَ ذَبْحِ الذَّبَائِحِ لِغَيْرِ اللهِ، وَلا يَذْكُرُونَ عَلَى ذَبَائِحِهِمْ غَيْرِ اسْمِ اللهِ.
وَقَالَ تَعَالَى: إنَّهُ يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَطْعَمُوا مِنْ ذَبَائِحِ أَهْلِ الكِتَابِ مِمَّا لَمْ يَرِدْ نَصٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ. وَأَحَلُّ اللهُ لِلْمُسْلِمِينَ نِكَاحَ العَفِيفَاتِ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ (وَقِيلَ بَلْ مَعْنَاهُ المُحْصَنَاتُ بِالحُرِّيَّةِ)، إذَا دَفَعُوا لَهُنَّ مُهُورَهُنَّ (أُجُورَهُنَّ).
وَكَمَا شَرَطَ اللهُ الإِحْصَانَ، وَهُوَ العِفَّةُ، فِي النِّسَاءِ، كَذَلِكَ شَرَطَهُ فِي الرِّجَالِ، وَهُوَ أنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مُحْصَناً عَفِيفاً، وَلِهذا قَالَ: {غَيْرَ مُسَافِحِينَ} (وَالمُسَافِحُونَ هُمُ الزُّنَاةُ الذِينَ لا يَرْتَدِعُونَ عَنْ مَعْصِيَةٍ، وَلا يَرُدُّونَ أنْفُسَهُمْ عَمَّنْ جَاءَهُمْ، أوْ هُمُ الذِينَ يُجَاهِرُونَ بِالمَعْصِيَةِ التِي يَأتُونَهَا)، وَلا مَتَّخِذِي أخْدَانٍ (وَهُمْ أصْحَابُ العَشِيقَاتِ- أوْ هُمُ الذِينَ يَأتُونَ المَعْصِيَةَ سِرّاً)، لِذَلِكَ ذَهَبَ الإِمَامُ أًحْمَدُ إلى أنَّهُ لا يَصِحُّ عِنْدَهُ عَقْدُ الرَّجُلِ الفَاجِرِ عَلَى امْرَأةٍ عَفِيفَةٍ حَتَّى يَتُوبَ.
وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ، وَيَجْحَدْ بِالدِّينِ فَقَدْ هَلَكَ عَمَلُهُ وَبَطَلَ (حَبِطَ) وَسَيَكُونُ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ.
مُحْصِنِينَ- أَصْحَابُ عِفَّةٍ يَتَعَففُونَ بِالزَّوَاجِ عَنْ الزِّنَى.
غَيْرَ مُسَافِحِينَ- غَيْرَ مُجَاهِرِينَ بِالزِّنَى.
مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ- مُصَاحِبِي خَلِيلاتٍ لِلزِّنَى سِرّاً.
حَبِطَ عَمَلُهُ- هَلَكَ عَمَلُهُ وَبَطَلَ ثَوَابُهُ.
طَعَامُ- ذَبَائِحُ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى.
يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ- يُنْكِرْ شَرَائِعَ الإِسْلامِ.

.تفسير الآية رقم (6):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)}
{يَا أَيُّهَا} {آمَنُواْ} {الصلاة} {الغائط} {لامَسْتُمُ}
(6)- فِي هَذِهِ الآيَةِ يَبَيِّنُ اللهُ تَعَالَى لِعِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ شُرُوطَ الوَضُوءِ وَالتَّيَمُمِ، وَيَأمُرُ المُؤْمِنِينَ بِالوُضُوءِ إذا قَامُوا إلى الصَّلاةِ وَهُمْ مُحْدِثُونَ (وَيُسْتَحَبُّ الوُضُوءَ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ). وَالوُضُوءُ هُوَ غَسْلُ الوَجْهِ، وَغَسْلُ اليَدَينِ إلى المِرْفَقَيْنِ، وَمَسْحُ الرَّأسِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ، وَغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ إلَى الكَعْبَيْنِ. وَيَقُولُ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ: إذَا كُنْتُمْ جُنُباً فَاغْتَسِلُوا، وَإِذَا كُنْتُمْ مَرْضَى لا تَسْتَطِيعُونَ مَسَّ المَاءِ لِلْوُضُوءِ وَالاغْتِسَالِ، أَوْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ، وَلَمْ يَتَيَسَّرْ لَكُمُ المَاءُ، وَإذا أَحْدَثْتُمْ (جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الغَائِطِ)، أَوْ بَاشَرْتُمُ النِّسَاءَ. وَلَمْ تَجِدُوا مَاءَ لِتَغْتَسِلُوا وَتَتَوضَّؤُوا فَتَيَمَّمُوا مَا صَعَدَ عَلى سَطْحِ الأَرْضِ مِنْ تُرَابٍ طَاهِرٍ (طَيِّبٍ) فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ، وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يُيَسِّرَ الأَمْرَ عَلَيْكُمْ، وَلا يُحْرِجَكُمْ فِي أمُورِ دِينِكُمْ، وَلَكِنَّهُ يُرِيدُ أنْ يُطَهِّرَكُمْ، وَأَنْ يُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ، فَيَجْمَعَ لَكُمْ بَيْنَ طَهَارَةِ الأَبْدَانِ وَطَهَارَةِ الرُّوحِ، لِيُعِدَّكُمْ بِذَلِكَ لِدَوَامِ شُكْرِهِ عَلَى نِعَمِهِ عَلَيْكُمْ، وَعَلَى مَا يَسَّرَهُ لَكُمْ.
الغَائِطِ- مَكَانَ قَضَاءِ الحَاجَةِ.
لامَسْتُمُ النِّسَاءَ- وَاقَعْتُمُوهُنَّ أَوْ مَسَسْتُمْ بَشَرَتَهُنَّ.
صَعِيداً طَيِّباً- تُرَاباً طَاهِراً.
حَرَجٍ- ضِيقٍ فِي دِينِهِ.

.تفسير الآية رقم (7):

{وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7)}
{وَمِيثَاقَهُ}
(7)- وَتَذَكَّرُوا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ إِذْ كُنْتُمْ كُفَّاراً مُتَبَاغِضِينَ فَأَصْبَحْتُمْ بِفَضْلِ اللهِ إِخْوَاناً مُتَحَابِّينَ، وَتَذَكَّرُوا العَهْدَ الذِي عَاهَدَكُمْ بِهِ، حِينَ بَايَعْتُمْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي المَنْشَطِ وَالمَكْرَهِ (أي المَحْبُوبِ وَالمَكْرُوهِ)، وَالعُسْرِ وَاليُسْرِ، حِينَ قُلْتُمْ سَمِعْنَا مَا أَمَرْتَنَا بِهِ، وَمَا نَهَيْتَنَا عَنْهُ، وَأَطَعْنَاكَ فِيهِ فَلا نَعْصِيكَ فِي مَعْرُوفٍ، وَكُلُّ مَا جِئْتَنَا بِهِ فَهُوَ مَعْرُوفٌ. وَاتَّقُوا اللهَ فَلا تَنْقُضُوا عَهْدَهُ، وَلا تُخَالِفُوا مَا أَمَرَكُمْ بِهِ، وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ، إنَّ اللهَ لا يَخْفَى عَلَيهْ شَيءٌ مِمَّا أَضْمَرَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مِمَّنْ أَخَذَ عَلَيْهِم المِيثَاقَ مِنَ الوَفَاءِ بِهِ، أَوْ عَدَمِ الوَفَاءِ بِهِ، وَمَا تَنْطَوِي عَلَيهِ السَّرَائِرُ مِنَ الإِخْلاصِ وَالرِّيَاءِ.
المِيثَاقُ- هُوَ البَيْعَةُ التِي كَانَ المُسْلِمُونَ يُبَايعُونَ رَسُولَ اللهِ عَلَيْها حِينَ إسْلامِهِمْ.