فصل: تفسير الآية رقم (17):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لأسعد حومد



.تفسير الآية رقم (17):

{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17)}
{السماوات}
(17)- يَقُولُ تَعَالَى إنَّ الذِينَ قَالُوا: إنَّ المَسِيحَ عِيسَى بِنْ مَرْيَمَ هُوَ اللهُ، قَدْ كَفَرُوا بِذَلِكَ القَوْلِ، لأنَّ المَسْيحَ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَخَلْقٌ مِنْ خَلْقِهِ، فَقُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ: مَنْ ذَا الذِي يَقْدِرُ أَنْ يَمْنَعَ المَسْيِحَ وَأُمَّهُ مِنَ اللهِ، وَأنْ يَحْمِيَهُمَا مِنْهُ إنْ أرَادَ اللهُ أنْ يُهْلِكَهُمَا؟ بَلْ مَنْ يَسْتَطِيعُ أنْ يَعْتَرِضَ سَبِيلَ إِرَادَةِ اللهِ إنْ أَرَادَ أنْ يُهْلِكَ جَميعَ مَنْ فِي الأَرْضِ مِنَ الخَلائِقِ؟ فَاللهُ هُوَ مَالِكُ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَتَصَرَّفُ فِيهِمَا كَيْفَ يَشَاءُ، وَهُوَ القَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَلا مُعَقِّبَ عَلَى تَصَرُّفِهِ، فَإِذَا كَانَ الأمْرُ قَدِ التَبَسَ عَلَى هَؤُلاءِ بِسَبَبِ خَلْقِ عِيسَى مِنْ دُونِ أبٍ، فَإنَّ اللهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ مِنْ دُونِ أبٍ وَلا أمٍّ.

.تفسير الآية رقم (18):

{وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18)}
{والنصارى} {أَبْنَاءُ} {وَأَحِبَّاؤُهُ} {السماوات}
(18)- قَالَ كُلٌّ مِنَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى نَحْنُ مُنْتَسِبُونَ إلى أنْبِيَاءِ اللهِ، وَهُمْ بَنُوهُ، وَلَهُ بِهِمْ عِنَايَةٌ، وَهُوَ يُحِبُّنَا.
وَأوْرَدُوا فِي كِتَابِهِمْ أنَّ اللهَ قَالَ لِعَبْدِهِ إِسْرَائِيلَ (يَعْقُوبَ) أنْتَ ابْنِي البِكْرُ. فَحَمَلُوا هَذا القَوْلَ عَلَى غَيْرِ تَأوِيلِهِ وَحَرَّفُوهُ. وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِمْ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُقَلائِهِمْ: إنَّ هذا القَوْلَ يُطْلَقُ عِنْدَهُمْ عَلَى سَبيلِ التَّكْرِيمِ وَالتَّشْرِيفِ.
وَوَرَدَ فِي الإِنجيلِ: إنَّ المَسِيحَ قَالَ لَهُمْ: إنِّي ذَاهِبٌ إلى أبي وَأبِيكُمْ، يَعْنِي رَبِّي وَرَبِّكُمْ.
وَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى لِمُحَمَّدٍ رَدّاً عَلَى أقْوالِ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ أنْ يَقُولَ لَهُمْ: لَوْ كَنْتُمْ كَمَا تَدَّعُونَ أبْنَاءَ اللهِ وَأحِبَّاءَهُ فَلِمَ أعَدَّ اللهُ لَكُمْ جَهَنَّمَ جَزَاءً لَكُمْ عَلَى كُفْرِكُمْ وَكَذِبِكُمْ وَافِتِرائِكُمْ؟ بَلْ أنْتُمْ بَشَرٌ مِنَّنْ خَلَقَ اللهُ، وَلَكُمْ أسْوَةٌ بِأمْثَالِكُمْ، وَهُوَ سَبْحَانَهُ خَالِقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ، وَالحَاكِمُ المَتَصَرِّفُ فِي جَمِيعِ عِبَادِهِ، فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ، وَيُعَذِبُ مَنْ يَشَاءُ، وَلا مَعَقِّبَ عَلَى حُكْمِهِ، وَهُوَ سَريعُ الحِسَابِ.

.تفسير الآية رقم (19):

{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19)}
{يَا أَهْلَ الكتاب}
(19)- يَقُولُ تَعَالَى لأهْلِ الكِتَابِ إِنَّهُ أرْسَلَ إلَيْهِمْ مُحَمَّداً رَسُولاً بَعْدَ مُدَّةٍ مُتَطَاوِلَةٍ مَا بَيْنَ إِرْسَالِ عِيسَى وَإِرْسَالِهِ، لَمْ يَكُنْ فِيهَا رَسُولٌ (عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ)، فَانْطَمَسَتْ سُبُلُ الهُدَى، وَتَغَيَّرَتِ الأدْيَان، وَكَثُرَ عُبَّادُ الأوْصَانِ وَالنِّيرَانِ، وَقَدْ بَعَثَهُ اللهُ إلى أهلِ الكِتَابِ، بَعْدَ أنْ بَشَّرَهُمْ بِهِ فِي الكُتُبِ التي أنْزَلَهَا عَلَى أنْبِيائِهِمْ، وَأَخْبَرَهُمْ بِهِ أنْبِيَاؤُهُمْ، وَذَلِكَ لِكَيْلا يَحْتَجُّوا وَيَقُولُوا: مَا جَاءَنا رَسُولٌ يُبَشِّرُ بِالخَيْرِ وَيُنْذِرُ بِالشَّرِّ. فَها قَدْ جَاءَكُمْ مُحَمَّدٌ بَشِيراً وَنَذِيراً، وَاللهُ قَدِيرٌ عَلَى عِقَابِ مَنْ عَصَاهُ، وَعَلَى إثَابَةِ مَنْ أطَاعَهُ.
عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ- بَعْدَ مُدَّةٍ طَويلةٍ لَمْ يَأتِ فِيهَا رُسُلٌ.

.تفسير الآية رقم (20):

{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (20)}
{يَاقَوْمِ} {وَآتَاكُمْ} {العالمين}
(20)- وَاذْكُرْ يا مُحَمَّدُ لأهْلِ الكِتَابِ، وَأَنْتَ تُبِلِّغُهُمْ دَعْوَةَ رَبِّهِمِ، مَا قَالَهُ مُوسَى لِقَوْمِهِ، وَمَا ذَكَّرَهُمْ بِهِ مِنْ أَنْعُمِ اللهِ وَأفْضَالِهِ عَلَيهِمْ، بِمَا جَمَعَهُ لَهُمْ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الهُدَى، فَقَدْ جَعَلَ الأَنْبِيَاءَ فِيهِمْ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ قَامَ فِيهِمْ نَبِيٌّ يَدْعُوهُم إلى اللهِ، وَيُحَذِّرُهُمْ نِقَمَهُ، وَأنَّهُ تَعَالَى قَدْ جَعَلَهُمْ مُلُوكاً (بِمَعْنَى أَنَّ وَاحِدَهُمْ يَمْلِكُ نَفْسَهُ وَمَالَهُ وَأَهْلَهُ- وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ الرَّجُلُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إذَا كَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ وَخَادِمٌ وَدَارٌ سُمِّيَ مَلِكاً). وَأنَّهُ تَعَالَى آتَاهُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ العَالَمِينَ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِمْ، فَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْهِمْ المَنَّ وَالسَّلْوَى، وَظَلَّلَهُمْ بِالغَمَامِ فِي مَسِيرَتِهِمْ فِي صَحْرَاءِ سِينَاءَ.

.تفسير الآية رقم (21):

{يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21)}
{يَاقَوْمِ} {خَاسِرِينَ}
(21)- ثُمَّ أخْبَرَ اللهُ تَعَالَى أنَّ مُوسَى قَالَ لِقَوْمِهِ مُحَرِّضاً إيَّاهُمْ عَلَى الجِهَادِ لِلاسْتِيلاءِ عَلَى الأرْضِ المُقَدَّسَةِ (أي المُطَّهَرَةِ مِنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ لِمَا بَعَثَ اللهُ فِيها مِنَ الأَنْبِيَاءِ الدُّعَاةِ إلى التَّوحِيدِ)، فَقَالَ لَهُمْ: يَا قَوْم سِيرُوا إلى الأرْضِ المُقَدَّسَةِ التِي وَعَدَ اللهُ أبَاكُمْ إِبْرَاهِيمَ بأنْ يُسْكِنَ فِيها مَنْ آمَنَ مِنْ نَسْلِهِ، وَلا تَرْجِعُوا- بَعْدَ الذِي جِئْتُكُمْ بِهِ مِنَ التَّوْحِيدِ وَالهُدَى- إلَى الوَثَنِيَّةِ وَالفَسَادِ فِي الأَرْضِ المُقَدَّسَةِ وَالبَغْي وَاتِّبَاعِ الأهْوَاءِ، فَإِنَّ فِي هذا الرُّجُوعِ خُسْراناً لَكُمْ.

.تفسير الآية رقم (22):

{قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22)}
{قَالُوا ياموسى} {دَاخِلُونَ}
(22)- فَاعْتَذَرُوا عَنْ دُخُولِ البَلَدِ بِأَنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ ذَوي خِلَقٍ هَائِلَةٍ، وَأَجْسَامٍ ضَخْمَةٍ، وَقُوى شَدِيدةٍ، وَأنَّهُمْ لا يَقْدِرُونَ عَلَى قِتَالِهِمْ، وَلا يُمْكِنُهُمُ الدُّخُولُ إِلَيْهَا، مَا دَامَ الجَبَّارُونَ فِيهَا، فَإِنْ خَرَجُوا مِنْهَا، دَخَلَها قَوْمُ مُوْسَى، وَإلا فَإِنَّهُمْ لا طَاقَةَ لَهُمْ بِقِتَالِ الجَبَّارِينَ.
الجَبَّارُ- هُوَ القَوِيّ العَاتِي الذِي يُجْبِرُ غَيْرَهُ عَلَى فِعْلِ مَا يُرِيدُ.

.تفسير الآية رقم (23):

{قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23)}
{غَالِبُونَ}
(23)- فَلَمَّا نَكَلَ بَنُو إسْرَائِيلَ عَنْ إِطَاعَةِ أمْرِ رَبِّهِمْ، وَمُتَابَعَةِ مُوسَى، حَرَّضَهُمْ رَجُلانِ، للهِ عَلَيْهِمَا نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ، وَهُمَا مِمَّنْ يَخَافُ اللهُ وَيَخْشَى عِقَابَهُ، فَقَالا لِقَوْمِهِمَا: إنْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللهِ، وَتَبِعْتُمْ أمْرَهُ، وَوَافَقْتُمْ رَسُولَهُ، نَصَرَكُمْ رَبُّكُمْ عَلى أعْدَائِكُمْ، وَأيَّدَكُمْ وَأظْفَرَكُمْ بِهِمْ، وَدَخَلْتُمُ البَلَدَ الذِي كَتَبَ اللهُ لَكُمُ السُّكْنَى فِيها، فَلَمْ يَنْفَعْ فِيهِمْ هذا القَوْلُ شَيئاً.

.تفسير الآية رقم (24):

{قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24)}
{ياموسى} {فقاتلا} {هَاهُنَا} {قَاعِدُونَ}
(24)- وَلَكِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَصَرُّوا عَلَى النُّكُولِ عَنِ الجِهَادِ، وَعَلَى مُخَالَفَةِ رَسُولِهِمْ، فَقَالوُا لَهُ: إنَّهُمْ لَنْ يَدْخُلُوا البَلَدَ مَا دَامَ الجَبَّارُونَ مُقِيمِينَ فِيهَا، فَإِذا أصَرَّ مُوسَى عَلَى الجِهَادِ فَلْيَذْهَبْ هُوَ وَرَبُّهُ فَلْيُقَاتِلا الجَبَّارِينَ، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَ نَتِيجَةَ المَعْرَكَةِ قَاعِدِينَ، حَيْثُ هُمْ يُقِيمُونَ.

.تفسير الآية رقم (25):

{قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25)}
{الفاسقين}
(25)- فَلَمَّا نَكَلُوا عَنِ القِتَالِ، غَضِبَ عَلَيْهِمْ مُوسَى، وَاتَّجَهَ إلى اللهِ بِالدُّعَاءِ، فَقَالَ: يَا رَبِّ لَيْسَ بَيْنَ هَؤُلاءِ مَنْ يُطِيعُنِي وَيُجِيبُنِي إلى تَنْفِيذِ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ إلا نَفْسِي وَأَخِي هَارُونَ، فَاقْضِ يَا رَبِّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ هَؤُلاءِ القَوْمِ، الخَارِجِينَ عَلَى طَاعَتِكَ (الفَاسِقِينَ)، بِقَضَاءِ تَقْضِيهِ بَيْنَنَا، فَتَحْكُمَ لَنَا بِمَا نَسْتَحِقُّ، وَتَحْكُمَ لَهُمْ بِمَا يَسْتَحِقُّونَ.
(وَقِيلَ إنَّ المَعْنَى هُوَ: إنَّكَ إذَا أَخَذْتَهُمْ بِالعِقَابِ عَلَى فِسْقِهِمْ، وَخُرُوجِهِمْ عَنْ طَاعَتِكِ، فَلا تُعَاقِبْنا مَعَهُمْ).
فَافْرُقْ- فَافَصِلْ بِحُكْمِكَ.

.تفسير الآية رقم (26):

{قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26)}
{الفاسقين}
(26)- فَلَمَّا دَعَا مُوسَى عَلَيهِم، حِينَ نَكَلُوا عَنِ الجِهَادِ، قَضَى اللهُ عَلَيْهِمْ بِأنْ حَرَّمَ عَلَيهِمْ دُخُولَها أربعينَ سَنَةً، يَتِيهُونَ خِلالَهَا فِي الأَرْضِ (أيْ فِي صَحْرَاءِ سِينَاءَ)، وَيَبْقَوْنَ مُتَحَيِّرِينَ مُتَرَدِّدينَ، لا يَدْرُونَ مَصِيرَهُمْ، وَلا يَهْتَدُونَ إلى الخُرُوجِ مِمَّا هُمْ فِيهِ، خِلالَ المُدَّةِ التِي قَضَاهَا. اللهُ عَلَيْهِمْ.
وَخِلالَ وُجُودِهِمْ فِي صَحْرَاءِ سِينَاءَ تُوُفِّيَ مُوسَى وَهَارُونُ، عَلَيْهِمَا السَّلامُ، وَتَوَلَّى قِيَادَةَ بَني إسْرَائِيلَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ (وَهُوَ مِنْ نَسْلِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ) وَجَعَلَهُ الله نَبِيّاً فِيهِمْ، وَتُوُفِّيَ أكْثَرُ الجِيلِ القَدِيمِ، وَنَشَأ فِي الصَّحْرَاءِ وَالحُرِّيَّةِ جِيلٌ جَدِيدٌ. فَلَمَّا انْقَضَتِ المُدَّةُ التِي قَضَاهَا اللهُ عَلَيهِمْ، خَرَجَ بِهِمْ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ، وَتَوَجَّهَ بِهِمْ إلى إحْدَى المُدُنِ فَحَاصَرَهَا وَفَتَحَها.
ثُمَّ سَلَّى اللهُ نَبِيَّهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ فَقَالَ لَهُ: لا تَأسَفْ عَلَيْهِمْ، وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ فِيمَا قَضَيْتُ عَلَيْهِمْ، فَإنَّهُمْ مُسْتَحِقُّونَ ذَلِكَ.
وَهَذِهِ القِصَّةُ تَتَضَمَّنُ تَقْرِيعاً لِليَهُودِ، وَبَياناً لِفَضَائِحِهِمْ وَمُخَالَفَتِهِمْ أمْرَ رَبِّهِمْ وَأمْرَ رَسُولِهِ، ونكُولِهِمْ عَنْ طَاعَتِهِمَا.
يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ- يَضِلُّونَ فِي الأرْضِ وَيَسيرُونَ عَلَى غَيرِ هُدىً.
فَلا تَأسَ- فَلا تَحْزَنْ.

.تفسير الآية رقم (27):

{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27)}
{ءَادَمَ}
(27)- يُبِيِّنُ اللهُ تَعَالَى عَاقِبَةَ البَغْي وَالحَسَدِ وَالظُّلْمِ، فِي خَبْرِ ابْنَي آدَمَ (قَابِيلَ وَهَابِيلَ)، وَكَيْفَ عَدا أحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ فَقَتَلَهُ بَغْياً عَلَيهِ، وَحَسَداً لَهُ، فِيمَا وَهَبَهُ اللهُ مِنَ النِّعْمَةِ، وَتَقَبَّلَ القُرْبَانَ الذِي أَخْلَصَ فِيهِ صَاحِبُهُ للهِ عَزَّ وَجَلَّ فَفَازَ المَقْتُولُ بِغُفْرَانِ اللهِ لَهُ خَطَايَاهُ، وَبِالدُّخُولِ إلَى الجَنَّةِ، وَعَادَ القَاتِلُ وَقَدْ خَسِرَ الدَّارَيْنِ الدُّنْيا وَالآخِرَةَ.
فَقَالَ تَعَالَى لِرَسُولِهِ الكَرِيمِ: أقْصُصْ عَلى البُغَاةِ الحَسَدَةِ مِنَ اليَهُودِ وَأَمْثَالِهِمْ وَأشْبَاهِهِمْ خَبَرَ ابْنَيْ آدَمَ الذِي يَرْوِيهِ النَّاسُ وَيَتَنَاقَلُونَهُ، لَقَدْ قَرَّبَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قُرْبَاناً إلى اللهِ، فِي أَمْرٍ اخْتَلَفَا عَلَيْهِ، فَتَقَبَّلَ اللهُ مِنْ أَحَدِهِمَا قُرْبَانَهُ (وَهُوَ هَابِيلُ) وَلَمْ يَتَقَبَّلْ قُرْبَانَ الآخَرِ (قَابِيلَ)، بِأَنْ أَنْزَلَ اللهُ نَاراً مِنَ السَّمَاءِ فَأَكَلَتْ قُرْبَانَ هَابِيلَ، وَلَمْ تَمَسَّ النَّارُ قُرْبَانَ قَابِيلَ. فَغَضِبَ قَابِيلُ، وَهَدَّدَ أَخَاهُ بِالقَتْلِ، فَقَالَ لَهُ هَابِيلُ: إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ القُرْبَانَ وَالصَّدَقَاتِ مِنَ المُتَّقِينَ، الذِينَ أَخْلَصُوا العِبَادَةَ للهِ، وَاتَّقَوْا الشِّرْكَ، وَخَافُوا عِقَابَ اللهِ، وَاجْتَنَبُوا المَعَاصِي.
قُرْبَاناً- مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلى اللهِ تَعَالَى.

.تفسير الآية رقم (28):

{لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28)}
{لَئِن} {العالمين}
(28)- وَإذِا أَرَدْتَ أنْ تَبْسِطَ إليَّ يَدَكَ وَتَمُدَّهَا بِالشَّرِّ، وَإذَا نَوَيْتَ قَتْلِي، فَإنِّي لَنْ أُقَابِلَكَ عَلَى صَنِيعِكَ الفَاسِدِ بِمِثْلِهِ، فَأَكُونُ أنَا وَأَنْتَ سَوَاءً فِي الخَطِيئَةِ، وَإنِّي أَخَافُ اللهَ مِنْ أنْ أَصْنَعَ بِكَ مَا تُرِيدُ أَنْتَ أنْ تَصْنَعَهُ بِي، وَلِذَلِكَ فَإنِّي أَصْبِرُ وَأَحْتَسِبُ.