فصل: تفسير الآية رقم (69):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لأسعد حومد



.تفسير الآية رقم (69):

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69)}
{آمَنُواْ} {والصابئون} {والنصارى} {آمَنَ} {صَالِحاً}
(69)- الذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم (المُسْلِمُونَ)، وَالذِينَ هَادُوا (أَهْلَ التَّوْرَاةِ)، وَالصَّابِئُونَ (وَهُمْ طَائِفَةٌ يَعْبِدُونَ النُّجُومَ، وَقَيلِ بَلْ إنَّهُمْ يَعْبُدُونَ المَلائِكَةَ وَيَقْرَؤُونَ الزَّبُورَ)، وَالنَّصَارَى (أَهْلُ الإِنْجِيلِ)، مَنْ أَخْلَصَ مِنْهُمُ الإِيمَانَ للهِ، وَمَنْ آمَنَ بِاليَومِ الآخِرِ، وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً يَرْضَاهُ اللهُ، فَلا خَوْفَ عَلَيْهِمْ فِيمَا يَسْتَقْبِلُونَهُ مِنْ أَهْوَالِ القِيَامَةِ، وَلا يَحْزَنُونَ عَلَى مَا تَرَكُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ مِنْ لَذَّاتِ الدُّنْيا وَعَيْشِهَا، بَعْدَ أنْ يُعَايِنوا مَا أكْرَمَهُمُ اللهُ بِهِ مِنْ جَزِيلِ الثَّوَابِ.
الصَّابِئُونَ- عُبَّادُ الكَوَاكِبِ أَوْ عُبَّادُ المَلائِكَةِ.

.تفسير الآية رقم (70):

{لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ (70)}
{مِيثَاقَ} {ا إِسْرَائِيلَ}
(70)- يَذْكُرُ اللهُ تَعَالَى أنَّهُ أَخَذَ العَهْدَ وَالمِيثَاقَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، فِي التَّوْرَاةِ، عَلَى تَوْحِيدِهِ تَعَالَى، وَعَلَى اتِّبَاعِ الأَحْكَامِ التِي شَرَعَهَا لِهَدْيِ خَلْقِهِ، وَعَلَى تَحَلِّيهِمْ بِالفَضَائِلِ وَمَكَارِمِ الأَخْلاقِ، وَعَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ للهِ وَرَسُولِهِ، وَأنَّهُ أرْسَلَ إلَيْهِمُ النًّبِيِّينَ لِيُبَيِّنُوا لَهُمْ أَحْكَامَ التَّوْرَاةِ، وَيُؤَكِّدُوا عَهْدَ اللهِ، فَنَقَضُوا العَهْدَ وَالمِيثَاقَ، وَاتَّبَعُوا آرَاءَهُمْ، وَقَدَّمُوهَا عَلَى الشَرَائِعِ، فَمَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ مِنَ الشَرَائِعِ قَبَلُوهُ، وَمَا خَالَفَهَا رَدُّوهُ، وَرَفَضُوهُ، وَكُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَاهُ أَنْفُسَهُمْ، وَلا يَتَّفِقُ مَعَ رَغَبَاتِهِمْ وَأَهْوَائِهِمْ، كَذَّبُوهُ أَوْ قَتَلُوهُ.
المِيثَاقُ- العَهْدُ المُوَثَّقُ بِالإِيمَانِ.
بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ- بِمَا لا يُحِبُّونَ وَلا يُوافِقُ مِزَاجَهُمْ وَأَهْوَاءَهُمْ.

.تفسير الآية رقم (71):

{وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (71)}
(71)- وَظَنُّوا أنَّ اللهَ لَنْ يَخْتَبِرَهُمْ بِشَدَائِدِ الأُمُورِ، كَتَسْلِيطِ الأُمَمِ القَوِيَّةِ عَلَيْهِم بِالقَتْلِ وَالتَّخْرِيبِ وَالاضْطِهَادِ، لِمَا كَانُوا يَقُولُونَهُ مِنْ أَنَّهُمْ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، وَلِمَا كَانُوا يَظُنُّونَهُ مِنْ أنَّ نُبُوَّةِ أَنْبِيَائِهِمْ سَتَدْفَعُ عَنْهُمُ العِقَابَ الذِي يَسْتَحِقُونَهُ بِسَبَبِ قَتْلِ الأَنْبِيَاءِ وَتَكْذِيبِهِمْ، فَعَمُّوا عَنْ آيَاتِ اللهِ التِي أَنْزَلَها فِي كُتُبِهِ عَنْ عِقَابِ المُفْسِدِينَ، فَلَمْ يُبْصِرُوهَا، وَصَمُّوا أَسْمَاعَهُمْ عَنْ سَمَاعِ المَوَاعِظِ فَلَمْ يَهْتَدُوا بِهَا، فَسَلَّطَ اللهُ عَلَيْهِم مَنْ أَذَاقَهُمُ الذُّلَّ، ثُمَّ رَجَعُوا إلَى اللهِ تَائِبِينَ فَتَقَّبلَ مِنْهُم تَوْبَتَهُمْ، وَأَعَادَ إِلَيْهِمْ عَزْمَهُمْ، ثُمَّ عَادَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الضَّلالِ، وَصَارُوا كَالعُمْيِ الصُّمِّ، بِسَبَبِ دَعْوَتِهِمْ إلَى ظُلْمِهِمْ، وَأَعْمَالِهِمْ السَّيِّئَةِ، وَاللهُ مُطَّلِعٌ عَلَى أَعْمَالِهِمْ، وَسَيُجَازِيهِمْ عَلَيْهَا.
الفِتْنَةُ- الاخْتِبَارُ وَالابْتِلاءُ.

.تفسير الآية رقم (72):

{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72)}
{يابني إِسْرَائِيلَ} {وَمَأْوَاهُ} {لِلظَّالِمِينَ}
(72)- حَكَمَ اللهُ تَعَالَى بِتَكْفِيرِ الذِينَ أدَّعُوا أنَّ اللهَ هُوَ المَسِيحُ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ. وَقَالَ اللهُ تَعَالَى إنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً، إذْ أَنَّهُمْ فِي إِطْرَائِهِمْ إيَّاهُ، وَمَدْحِهِ غَلَوا غُلُوّاً كَبِيراً، يَفُوقُ غُلُوَّ اليَهُودِ فِي تَكْذِيبِهِ وَالافْتِرَاءِ عَلَيهِ وَعَلَى أُمِّهِ، وَقَوْلِهِمْ عَلَيْهَا بُهْتَاناً عَظِيماً، مَعْ أنَّ المَسِيحَ قَالَ لَهُمْ غَيْرَ مَا يَقُولُونَ، فَقَدْ أمَرَهُمْ بِعِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، مُعْتَرِفاً بِأنَّهُ رَبُّهُ وَرَبُّهُمْ، وَأنَّهُ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَأَوَّلُ كَلِمَةٍ نَطَقَ بِهَا المَسِيحُ وَهُوَ صَغِيرٌ فِي المَهْدِ قَوْلُهُ: {إنِّي عَبْدُ اللهِ}.
وَيَقُولُ تَعَالَى: إنَّ المَسِيحَ قَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: إنَّ مَنْ أَشْرَكَ بِاللهِ أَحَداً فِي أُلُوهِيَّتِهِ، فَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ عَلَيْهِ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الجَنَّةَ، وَلَنْ يَجِدَ الظَّالِمُونَ نَصِيراً لَهُمْ وَلا مُعِيناً، وَلا مُنْقِذاً مِنْ عَذَابِ اللهِ الذِي سَيَصِيرُونَ إِلَيْهِ.

.تفسير الآية رقم (73):

{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73)}
{ثَلاثَةٍ} {وَاحِدٌ}
(73)- يُؤَكِّدُ اللهُ تَعَالَى أنَّ الذِينَ قَالُوا إنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ هُمْ كُفَّارٌ، وَأنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ إلا إلَه وَاحِدٌ، وَهُوَ رَبُّ جَمِيعِ الكَائِنَاتِ وَإلهُهَا. وَيَتَوعَدُ اللهُ القَائِلِينَ (إنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ مِنَ الأَقَانِيمِ)، وَيَتَهَدَّدُهُمْ بِأَنَّهُمْ إنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَهُ مِنَ الكَذِبِ وَالافْتِرَاءِ، لَيَمَسَّنَّ الذِينَ كَفُرُوا مِنْهُمْ، عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدَّارِ الآخِرَةِ.
(وَتَقُولُ فِئَةٌ مِنَ النَّصَارَى بِالأَقَانِيمِ الثَّلاثَةِ، أقْنُومِ الأَبِ، وَأقْنُومِ الابْنِ، وَأقْنُومِ الكَلِمَةِ المُنْبَثِقَةِ مِنَ الأبِ إلى الابْنِ).

.تفسير الآية رقم (74):

{أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74)}
(74)- يَقُولُ تَعَالَى كَيْفَ يَسْمَعُ هَؤُلاءِ مَا ذُكِرَ مِنَ التَّفْنِيدِ لأَقْوَالِهِمْ، وَالوَعِيدِ عَلَيْهَا، ثُمَّ لا يَحْمِلُهُمْ ذَلِكَ عَلَى التَّوْبَةِ وَالرُّجُوعِ إلَى التَّوْحِيدِ، وَعَلَى اسْتِغْفَارِ اللهِ عَمَّا فَرَّطَ مِنْهُمْ؟ ثُمَّ يَحُثُهُمْ تَعَالَى عَلَى طَلَبِ المَغْفِرَةِ مِنَ اللهِ لِيَتُوبَ عَلَيْهِم سُبْحَانَهُ، وَهُوَ الجَوَادُ الكَرِيمُ.

.تفسير الآية رقم (75):

{مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75)}
{الآيات}
(75)- المَسيحُ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ اللهِ، أنْعَمَ اللهُ عَلَيهِ بِالرِّسَالَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْهُ رُسُلٌ مِنَ اللهِ، وَلَهُ أسْوَةٌ بِهِمْ. وَأمُّهُ مُؤْمِنَةٌ مٌصَدِّقَةٌ لَهُ (صِدِّيقَةٌ- وَهَذا أعْلَى مَقَامَاتِهَا فَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى أنَّها لَيْسَتْ نَبِيّةً)، وَكَانَ المَسِيحُ وَأمُّهُ يَحْتَاجَانِ إلى الطَّعَامِ وَالغِذاءِ، وَمَا يَسْتَتْبِعُ الطَّعَامَ وَالغِذَاءَ، فَهُمَا مَخْلُوقَانِ مِنَ البَشَرِ، وَلا يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا إلهاً خَالِقاً، وَلا رَبّاً مَعْبُوداً. فَانْظُرْ يَا مُحَمَّدٌ كَيْفَ نُوَضِّحُ لَهُمُ الآيَاتِ وَنُظْهِرُهَا، ثُمَّ انْظُرْ، بَعْدَ ذَلِكَ التَّوْضِيحِ، أيْنَ يَذْهَبُونَ، وَبأيِّ قَوْلٍ يَتَمَسَّكُونَ، وَكَيْفَ يُصْرَفُونَ عَنِ الحَقِّ؟
نُبَيِّنُ- نُفَسِّرُ وَنُوَضِّحُ.
يُؤْفَكُونَ- يُصْرَفُونَ عَنِ الحَقِّ إلى البَاطِلِ.
خَلَتْ- مَضَتْ.

.تفسير الآية رقم (76):

{قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76)}
(76)- يُنْكِرُ اللهُ تَعَالَى عَلَى الذِينَ يَعْبُدُونَ الأَصْنَامَ وَالأنْدَادَ وَالأوْثَانَ وَالمَخْلُوقَاتِ، ضَلالَهُمْ وَكُفْرَهُمْ وَعِبَادَتَهُمْ مَا لا يَضُرُّ وَلا يَنْفَعُ، فَيَقُولُ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم: قُلْ لِهَؤُلاءِ النَّصَارَى وَأَمْثَالِهِمْ مِمَّنْ عَبَدُوا غَيْرَ اللهِ: أَتَتْرُكُونَ عِبَادَةَ اللهِ الوَاحِدِ الأحَدِ، وَهُوَ القَوِيُّ القَادِرُ، الخَالِقُ السَّمِيعُ العَلِيمُ، وَتَعْبدُونَ مَا لا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ وَلا لِغَيْرِهِ ضَرّاً وَلا نَفْعاً؟ وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوزاً، مِنْ بَشَرٍ وَصَنَمٍ وَأنْدَادٍ؟

.تفسير الآية رقم (77):

{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (77)}
{ياأهل الكتاب}
(77) قُلْ يَا أيُّها الرَّسُولُ لأهْلِ الكِتَابِ مِنَ اليَهُودِ وَالنَّصَارى: إنَّ اللهَ يَنْهَاكُمْ أنْ تَتَجَاوَزُوا فِي مُعْتَقَدَاتِكُمْ حُدُودَ الحَقِّ إلى البَاطِلِ، فَتَجْعَلُوا بَعْضَ خَلْقِ اللهِ آلِهَةً، وَتَنْكِرُوا رِسَالَةَ بَعْضِ الرُّسُلِ، وَيَنْهَاكُمْ أنْ تَسِيرُوا وَرَاءَ شَهَوَاتِ أنَاسٍ سَبَقُوكُمْ، قَدْ تَجَنَّبُوا طَرِيقَ الهُدَى، وَمَنَعُوا كَثيراً مِنَ النَّاسِ أنْ يَسْلُكُوهَا، وَاسْتَمَرُّوا عَلَى مُجَافَاتِهِمْ طَرِيقَ الحَقِّ الوَاضِحِ.
الغُلُوُّ وَالمُغَالاةُ: تَجَاوُزُ الاعْتِدَالِ فِي القَوْلِ وَالفِعْلِ.

.تفسير الآية رقم (78):

{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78)}
{ا إِسْرَائِيلَ}
(78)- لَعَنَ اللهُ الذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الزَّبُورِ وَالإِنْجِيلِ، فَقَدْ لَعَنَ دَاوُدُ، عَلَيْهِ السَّلامُ، مِنْ اعْتَدَى مِنْهُمْ فِي السَّبْتِ، أَوْ لَعَنَ العَاصِينَ المُعْتَدِينَ مِنْهُمْ عَامَّةً، وَكَذَلِكَ لَعَنَهُمْ عِيسَى بِنِ مَرْيَمَ، وَسَبَبُ ذَلِكَ اللَّعْنِ هُوَ تَمَادِيهِمْ فِي العِصْيَانِ، وَتَمَرُّدُهُمْ عَنْ طَاعَةِ اللهِ، وَتَمَادِيهِمْ فِي الظُّلْمِ وَالفَسَادِ (بِمَا كَانُوا يَعْتَدُونَ).

.تفسير الآية رقم (79):

{كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)}
(79) فَقَدْ كَانُوا لا يَنْهَى أَحَدٌ مِنْهُمْ أَحَداً عَنِ مُنْكَرٍ يَقْتَرِفُهُ مَهْمَا بَلَغَ مِنَ القُبْحِ وَالضَّرَرِ. وَالنَّهِيُ عَنِ المُنْكَرِ هُوَ حِفَاظُ الدِّينِ، وَسِيَاجُ الفَضَائِلِ وَالآدَابِ، فَإذَا تَجَرّأ المُسْتَهْتِرُونَ عَلى إِظْهَارِ فِسْقِهِمْ وَفُجُورِهِمْ، وَرَآهُمُ الغَوْغَاءَ مِنَ النَّاسِ قَلَّدُوهُمْ فِيهِ، وَزَالَ قُبْحُهُ مِنْ نُفُوسِهِمْ، وَصَارَ عَادَةً لَهُمْ، وَزَالَ سُلْطَانُ الدِّينِ مِنْ قُلُوبِهِمْ، وَتُرِكَتْ أَحْكَامُهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، وَفِي ذَلِكَ إِشَارَةٌ إلى فَشْوِ المُنْكَرَاتِ فِيهِمْ. وَيُقَبِّحُ اللهُ تَعَالَى سُوءَ فِعْلِهِمْ، وَيَذُمُّهُمْ عَلَى اقْتِرَافِ المُنْكَرَاتِ، وَإِصْرَارِهِمْ عَلَيْهَا وَسُكُوتِ الآخَرِينَ عَنْهَا، وَرِضَاهُمْ بِهَا.
وَقَدْ جَاءَ فِي الحَدِيثِ: «إنَّ أَوْلَ مَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أنْ كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولُ: يَا هَذَا اتَّقِ اللهِ وَدَعْ مَا تَصْنَعُ، فَإنَّهُ لا يَحِلُّ لَكَ. ثُمْ يَلْقَاهُ مِنَ الغَدِّ وَهُوَ عَلَى حَالِهِ فَلا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللهِ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ». رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ.
يَتَنَاهَوْنَ- يَنْهَى بَعْضُهُمْ بَعْضاً.

.تفسير الآية رقم (80):

{تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80)}
{خَالِدُونَ}
(80)- وَتَرَى يَا مُحَمَّدُ كَثِيراً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، يَتَوَلَّوْنَ الذِينَ كَفَرُوا مِنْ مُشْرِكِي العَرَبِ وَيُحَالِفُونَهُمْ عَلَيْكَ، وَيُحَرِّضُونَهُمْ عَلَى قِتَالِكَ، وَأَنْتَ تُؤْمِنُ بِاللهِ، وَبِمَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى رُسُلِهِ وَأَنْبِيَائِهِ، وَتَشْهَدُ لَهُمْ بِصِدْقِ الرِّسَالَةِ، وَأُولَئِكَ لا يُؤْمِنُونَ بِكِتَابٍ وَلا رَسُولٍ، وَلا يَعْبُدُونَ اللهَ وَحْدَهُ، وَلَولا اتِّبَاعُ الهَوَى، وَتَزْيينُ الشَّيْطَانِ لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ، مَا فَعَلُوا ذَلِكَ، فَبِئْسَ مَا قَدَّمُوهُ لأَنْفُسِهِمْ فِي آخِرَتِهِمْ مِنَ الأَعْمَالِ التِي اسْتَوْجَبَتْ سَخَطَ اللهِ، وَعَظِيمَ غَضَبِهِ عَلَيْهِمْ، وَسَيُجْزَوْنَ عَلَى ذَلِكَ شَرَّ الجَزَاءِ، وَسَيُحِيطَ بِهُمُ العَذَابُ، وَلا يَجِدُونَ عَنْهُ مَصْرِفاً، وَيَخْلُدُونَ فِي النَّارِ أَبَداً.
السَّخَطُ- أَشَدُّ الغَضَبِ.
يَتَوَلَّوْنَ- يُحَالِفُونَ وَيُنَاصِرُونَ.

.تفسير الآية رقم (81):

{وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (81)}
{فَاسِقُونَ}
(81)- وَلَوْ كَانَ هَؤُلاءِ اليَهُودُ، الذِينَ يَتَوَلَّوْنَ الكَافِرِينَ مِنْ مُشْرِكِي العَرَبِ، يُؤْمِنُونَ بِالنَّبِيِّ الذِي يَدَّعُونَ اتِّبَاعَهُ (وَهُوَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ)، وَمَا أُنْزِلَ إلَيْهِ مِنَ الهُدَى وَالبَيِّنَاتِ، لَمَا اتَّخَذُوا أُولَئِكَ الكَافِرِينَ مِنْ عَابِدِي الأَوْثَانِ، أَوْلِياءً وَأَنْصَاراً، وَلَكَانَتْ عَقِيدَتُهُمْ الدِّينِيَّةُ صَدَّتْهُمْ عَنْ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مُتَمَرِّدُونَ فِي النِّفَاقِ، خَارِجُونَ عَنْ حَظِيرَةِ الدِّينِ، وَلا يُرِيدُونَ إلا الجَاهَ وَالرِّيَاسَةَ، وَيَسْعَوْنَ إلى تَحْصِيلِهِمَا بِأيَّةِ طَرِيقَةٍ كَانَتْ، وَبِأيَّةِ وَسِيلَةٍ قَدَرُوا عَلَيْها.