فصل: تفسير الآية رقم (100):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لأسعد حومد



.تفسير الآية رقم (100):

{وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (100)}
{بَنَاتٍ} {سُبْحَانَهُ} {تعالى}
(100)- قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي الزَّنَادِقَةِ مِنَ المَجُوسِ، الذِينَ قَالُوا إنَّ اللهَ خَالِقُ النَّاسِ وَالدَّوَابِ وَالأَنْعَامِ، فَهُوَ إلهُ الخَيْرِ. وَإِبْلِيسُ خَالِقُ السِّبَاعِ وَالضَّوَارِي وَالحَيَّاتِ وَالشَّرِّ، فَهُوَ إلهُ الشَّرِّ. وَيَقُولُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الآيَةِ: لَقَدْ جَعَلَ المُشْرِكُونَ للهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، شُرَكَاءَ مِنَ الجِنِّ، وَالحَاُل أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ هَؤُلاءِ الشُّرَكَاءَ الذِينَ عَبَدَهُمُ المُشْرِكُونَ، كَمَا خَلَقَ غَيْرَهُمْ، فَجَمِيعُ الخَلْقِ عَبِيدُهُ، وَالمَخْلُوقُ لا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ رَبّاً وَلا إِلهاً، وَاخْتَلَقَ هَؤُلاءِ المُشْرِكُونَ بِحُمْقِهِمْ، وَجَهْلِهِمْ، للهِ بَنَاتٍ وَبَنِينَ، وَجَعَلُوهُمْ أَبْنَاءَهُ (فَجَعَلَ العَرَبُ المَلائِكَةَ بَنَاتِ اللهِ، وَجَعَلَ اليَهُودُ عُزَيْراً ابْنُ اللهِ، وَجَعَلَ النَّصَارَى المَسِيحَ ابْنَ اللهِ). وَهُمْ لا يَعْلَمُونَ حَقِيقَةَ مَا قَالُوا إنْ كَانَ خَطَأً أَوْ صَوَاباً (بِغَير عِلْمٍ). تَنَزَّهَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُهُ هَؤُلاءِ الضَّالُّونَ، وَعَنْ كُلِّ نَقْصٍ يُنَافِي انْفِرَادَهُ بِالخَلْقِ وَالتَّدْبِيرِ، إِذْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ.
الجِنَّ- الشَّيَاطِينَ.
خَرَقُوا لَهُ- اخْتَلَقُوا وَافْتَرَوْا وَنَسَبُوا إِلَيْهِ افْتِراءً وَحَمَاقَةً.

.تفسير الآية رقم (101):

{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101)}
{السماوات} {صَاحِبَةٌ}
(101)- لَقَدْ أَبْدَعَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، وَخَلَقَهُمَا عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَ، فَكَيْفَ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ، وَالوَلَدُ يَتَوَلَّدُ مِنْ شَيْئَيْنِ مُتَنَاسِبَيْنِ، وَاللهُ لا يُشْبِهُهُ شَيءٌ مِنْ خَلْقِهِ، لأنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيءٍ، فَلا صَاحِبَةَ لَهُ وَلا وَلَدَ، لَقَدْ خَلَقَ كُلَّ شَيءٍ فِي الوُجُودِ، وَهُوَ عَليمٌ بِكُلِّ شَيءٍ.
بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ- مُبْدِعُهَا وَخَالِقُها عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَ.
أنَّى يَكُونُ- كَيْفَ يَكُونُ، أَوْ مِنْ أَيْنَ يَكُونُ؟

.تفسير الآية رقم (102):

{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)}
{خَالِقُ}
(102)- وَيَقُولُ تَعَالَى لِهَؤُلاءِ المُشْرِكِينَ، الذِينَ قَامَتْ عَلَيْهِمُ الحُجَّةَ: إنَّ الإِلهَ المُنَزَّهَ عَنْ كُلِّ مَا يَقُولُونَ، المُتَّصِفَ بِصِفَاتِ الكَمَالِ وَالخَلْقِ وَالإِبْدَاعِ، الذِي خَلَقَ كُلَّ شَيءٍ، وَلا صَاحِبَةً لَهُ وَلا وَلَدْ، هُوَ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ غَيْرُهُ، فَاعْبُدُوهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَقِرُّوا بِوَحْدَانِيَّتِهِ، وَبِعُبُودِيَّتِكُمْ لَهُ، وَهُوَ وَكِيلٌ عَلَى كُلِّ شَيءٍ، مُتَوَلٍّ شُؤُونَ خَلْقِهِ، وَمُدَبِّرُ مُلْكِهِ بِعِمْلِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَهُوَ حَفِيظٌ عَلَيْهِ، فَهُوَ الخَالِقُ الرَّازِقُ المُدَبِّرُ.
وَكِيلٌ- رَقِيبٌ وَمُتَوَلٍّ.

.تفسير الآية رقم (103):

{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)}
{الأبصار} {الأبصار}
(103)- لا تَرَى الأَبْصَارُ اللهَ رُؤْيَةَ إِحَاطَةٍ تَعْرِفُ كُنْهَهُ، عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ تَعَالَى يَرَى العُيُونَ المُبْصِرَةَ رُؤْيَةَ إِدْرَاكٍ وَإِحَاطَةٍ، فَلا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيءٌ مِنْ حَقِيقَتِهَا، وَلا شَيءٌ مِنْ عِلْمِهَا، وَهُوَ اللَّطِيفُ بِذَاتِهِ، يُعْجِزُ الأَبْصَارَ عَنْ إِدْرَاكِ حَقِيقَتِهِ، وَهُوَ الخَبِيرُ بِدَقَائِقِ الأَشْيَاءِ، فَلا يَعْزُبُ عَنْ إِدْرَاكِهِ شَيءٌ.
لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ- لا تُحِيطُ بِهِ تَعَالَى.

.تفسير الآية رقم (104):

{قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104)}
{بَصَآئِرُ}
(104)- وَقُلْ لَهُمْ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ: قَدْ جَاءَتْكُمْ مِنْ خَالِقِكُمْ بَصَائِرُ فِي هَذا القُرْآنِ، مِنَ الحُجَجِ الكَوْنِيَّةِ، وَالبَرَاهِينِ العَظِيمَةِ، تُثْبِتُ لَكُمْ عَقَائِدَ الحَقِّ اليَقِينِيَّةِ، فَمَنْ أَبْصَرَ الحَقَّ وَآمَنَ، وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى، فَيَكُونُ قَدْ قَدَّمَ لِنَفْسِهِ الخَيْرَ وَالسَّعَادَةَ، وَمَنْ عَمِيَ عَنِ الحَقِّ وَأَعْرَضَ عَنْهُ، وَأَصَرَّ عَلى الضَّلالَةِ، فَيَكُونُ قَدْ جَنَى عَلَى نَفْسِهِ، وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِرَقِيبٍ أُحْصِي عَلَيْكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَأَفْعَالَكُمْ، وَإِنَّمَا أَنَا رَسُولٌ أُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ، وَاللهُ هُوَ الحَفِيظُ عَلَيْكُمْ.
بَصَائِرُ- آيَاتٌ وَبَرَاهِينُ تَهْدِي إلَى الحَقِّ وَتُبَصِّرُ بِهِ.
حَفِيظٌ- رَقِيبٌ يُحْصِي الأَعْمَالَ لِيُحَاسِبَ عَلَيْهَا.

.تفسير الآية رقم (105):

{وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105)}
{الآيات}
(105)- وَمِثْلَ ذَلِكَ التَّصرِيفِ البَدِيعِ، فِي عَرْضِ الدَّلائِلِ الكَوْنِيَّةِ، نَعْرِضُ آيَاتِنَا فِي القُرْآنِ، مُنَوَّعَةً مُفَصَّلَةً، لإِثْبَاتِ أُصُولِ الإِيمَانِ، وَتَهْذِيبِ النُّفُوسِ وَالأَخْلاقِ، فَنُحَوِّلُها مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ. فَالْمُسْتَعِدُّونَ لِلإِيمَانِ يَهْتَدُونَ بِهُدَى اللهِ وَحُجَجِهِ، وَالجَاحِدُونَ المُعَانِدُونَ، مِنَ المُشْرِكِينَ يَقُولُونَ قَدْ دَرَسْتَ يَا مُحَمَّدُ مِنْ قَبْلُ، وَتَعَلَّمْتَ مِنْ غَيْرِكَ هَذا الذِي تَقُولُهُ، وَلَيْسَ هُوَ بِوَحيٍ مُنْزَلٍ عَلَيْكَ مِنْ عِنْدِ اللهِ كَمَا زَعَمْتَ. وَقَدْ رَدَّ اللهُ تَعَالَى عَلَى قَوْلِهِمْ هَذَا فِي آيَةٍ أُخْرَى:
{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الذي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وهذا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ.} ثُمَّ يَقُولُ تَعَالَى: وَنُبَيِّنُ هَذَا القُرْآنَ المُشْتَمِلَ عَلَى تَصْرِيفِ الآيَاتِ، لِقَوْمٍ لَدَيْهِم الاسْتِعْدَادُ إذَا عَلِمُوا الحَقَّ أَنْ يَتَّبِعُوهُ، وَإِذَا أَدْرَكُوا البَاطِلَ أَنْ يَجْتَنِبُوهُ.
نُصَرِّفُ الآيَاتِ- نُكَرِّرُهَا بِأَسَالِيبَ مُخْتَلِفَةٍ.
دَرَسْتَ- قَرَأْتَ وَتَعَلَّمْتَ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ (مِنَ الدِّرَاسَةِ).

.تفسير الآية رقم (106):

{اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106)}
(106)- يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ يَتَّبِعَ مَا يُوحِيهِ إِلَيْهِ رَبُّهُ، لا إلهَ إلا هُوَ سُبْحَانَهُ، لِيُرَبِّي نَفْسَهُ، وَلِيَكُونَ قُدْوَةً وَإِمَاماً لِلْمُؤْمِنِينَ، فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ. ثُمَّ يَأْمُرُهُ، بَعْدَ ذَلِكَ، بِالإِعْرَاضِ عَنِ المُشْرِكِينَ، لأنَّ الحَقَّ يَعْلُو بِالقَوْلِ وَبِالإِخْلاصِ وَبِالعَمَلِ.

.تفسير الآية رقم (107):

{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107)}
{جَعَلْنَاكَ}
(107)- وَلَوْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى ألا يُشْرِكُوا لَمَا أَشْرَكُوا، وَذَلِكَ بِأَنْ يَخْلُقَ البَشَرَ مُؤْمِنِينَ، مُطِيعِينَ بِالفِطْرَةِ كَالمَلائِكَةِ، لَكِنْ لِحِكْمَةٍ مِنْهُ خَلَقَهُمْ مُخْتَارِينَ فِي أَعْمَالِهِمْ، وَفِي كَسْبِهِمْ لِعُلُومِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ. وَقَدْ جَعَلَ فِيهِمُ الخَيْرَ وَالشَّرَّ. وَمَا جَعَلَكَ اللهُ عَلَيْهِم حَفِيظاً تَحْفَظُ أَعْمَالَهُمْ لِتُحَاسِبَهُمْ عَلَيْهَا، وَلا وَكِيلاً تَتَوَّلَى أُمُورَهُمْ وَتَتَصَرَّفُ بِهَا. وَإِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ، عَلَيكَ البَلاغُ، وَعَلَى اللهِ الحِسَابُ.

.تفسير الآية رقم (108):

{وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108)}
(108)- يَنْهَى اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم وَالمُؤْمِنِينَ عَنْ سَبِّ الآلِهَةِ التِي يَعْبُدُهَا المُشْرِكُونَ، لِكَيْلا يَقُومَ هَؤُلاءِ بِسَبِّ اللهِ، الذِي يَعْبُدُهُ المُؤْمِنُونَ، عَدْواً وَتَجَاوُزاً مِنْهُمْ لِلْحَدِّ فِي السِّبَابِ وَالمُشَاتَمَةِ، لِيَغِيظُوا المُؤْمِنِينَ، وَهُمْ جَاهِلُونَ بِاللهِ، وَبِمَا يَسْتَحِقُهُ تَعَالَى مِنَ التَّقْدِيسِ وَالإِجْلالِ وَالاحْتِرَامِ.
(وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إنَّ المُشْرِكِينَ قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ لِتَنْتَهِي عَنْ سَبِّ آلِهَتِنَا أَوْ لَنَهْجُوَنَّ رَبَّكَ. فَنَهَى اللهُ المُؤْمِنِينَ عَنْ أَنْ يَسُبّوا أَوْثَانَ المُشْرِكِينَ لِكَيْلاً يَسُبّوا اللهَ عَدْواً بِغَيرِ عِلْمٍ).
وَكَمَا زُيِّنَ لِهَؤُلاءِ الكُفَّارِ حُبَّ أَصْنَامِهِمْ، وَالمُحَامَاةِ عَنْهَا، وَالانْتِصَارِ لَهَا، كَذَلِكَ، زُيِّنَ لِكُلِّ أُمْةٍ مِنَ الأُمَمِ الضَّالَّةِ الخَالِيَةِ عَمَلُهُمُ الذِي كَانُوا فِيهِ، وَللهِ الحِكْمَةُ التَّامَّةُ، وَالحُجَّةُ البَالِغَةُ فِيمَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ، ثُمَّ يَرْجِعُونَ إلَيهِ تَعَالَى فَيُنَبِئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيا، وَيَجْزِيهِمْ عَلَيْهِ الجَزَاءَ الأَوْفَى إِنْ خَيْراً فَخَيراً، وَإِنْ شَرّاً فَشَرّاً.
عَدْواً- اعْتِدَاءً وَظُلْماً وَتَجَاوُزاً.

.تفسير الآية رقم (109):

{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109)}
{أَيْمَانِهِمْ} {لَئِن} {آيَةٌ} {الآيات}
(109)- وَأَقْسَمَ المُشْرِكُونَ أَيْمَاناً مُؤَكَّدَةً، لَئِنْ أَتَتْهُمْ مُعْجِزَةٌ مِنَ اللهِ لِيُصَدِّقُنَّهَا، وَلَيُؤْمِنُنَّ بِهَا، فَقُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهؤُلاءِ الذِينَ يَسْأَلُونَ الآيَاتِ، تَعَنُّتاً وَكُفْراً، لا عَلَى سَبِيلِ الاسْتِهْدَاءِ وَالاسْتِرْشَادِ: إنَّ الآيَاتِ عِنْدَ اللهِ وَحْدَهُ، إنْ شَاءَ جَاءَكُمْ بِهَا، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَكُمْ. وَمَا يُدْرِيكُمْ يَا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ أنَّ هَذِهِ الآيَاتِ إذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا، وَيَسْتَمِرُّونَ عَلَى جُحُودِهِمْ بِهَا؟
(وَرُوِيَ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ رَداً عَلَى المُشْرِكِينَ، فَقَدْ كَلَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْماً قُرَيْشاً، فَقَالُوا يَا مُحَمَّدُ: تُخْبِرُنَا أَنَّ مُوسَى كَانَ مَعَهُ عَصَا يَضْرِبُ بِهَا الحَجَرَ، وَأَنَّ عِيسَى كَانَ يُحْيِي المَوْتَى، وَأَنَّ صَالِحاً كَانَتْ لَهُ نَاقَةٌ... فَأْتِنَا بِبَعْضِ تِلْكَ الآيَاتِ حَتَّى نُصَدِّقَكَ. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولَ اللهِ: أَيُّ شَيءٍ تُحِبُّونَ أَنْ آتِيَكُمْ بِهِ؟ قَالُوا: تُحَوِّلُ لَنَا الصَّفَا ذَهَباً. فَقَالَ لَهُمْ إنْ فَعَلْتُ تُصَدِّقُونِي؟ قَالُوا: نَعَمْ. وَاللهِ لَئِنْ فَعَلْتَ لَنَتْبَعَنَّكَ أَجْمَعِينَ. فَقَامَ رَسُولُ اللهِ يَدْعُو. فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلامُ، فَقَالَ: إنْ شِئْتَ أَصْبِحَ الصَّفَا ذَهَباً، فَإِنْ لَمْ يُصَدِّقُوا عِنْدَ ذَلِكَ لَنُعَذِّبَنَّهُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَاتْرُكْهُمْ حَتَّى يَتُوبَ تَائِبُهُمْ. فَقَالَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَتْرُكُهُمْ. فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ).
جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ- مُجْتَهِدِينَ فِي الحَلْفِ بِأَغْلَظِ الأَيْمَانِ وَأَوْكَدِهَا.

.تفسير الآية رقم (110):

{وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110)}
{أَفْئِدَتَهُمْ} {وَأَبْصَارَهُمْ} {طُغْيَانِهِمْ}
(110)- وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّا نَخْتِمُ عَلَى أَفْئِدَتِهِمْ عَنْ إِدْرَاكِ الحَقِّ فَلا يُدْرِكُونَهُ، وَنَحُولُ بَيْنَ أَبْصَارِهِمْ وَبَيْنَ اجْتِلائِهِ فَلا يُبْصِرُونَهُ، وَيَكُونُ حَالُهُمْ حِينَئِذٍ كَحَالِهِمُ الأَوَّلِ فِي عَدَمِ الإِيمَانِ بِمَا جَاءَهُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ مِنَ الآيَاتِ. وَمَنْ لَمْ يُقْنِعْهُ مَا جَاءَ بِهِ القُرْآنُ مِنَ الدَّلائِلِ العَقْلِيَّةِ، وَالبَرَاهِينِ العَمَلِيَّةِ، لا يُقْنِعُهُ مَا يَرَاهُ بِعَيْنِهِ مِنَ الأَدِلَّةِ الحِسِّيَّةِ. وَإِنا نَدَعُهُمْ يَتَجَاوَزُونَ الحَدَّ فِي الكُفْرِ وَالعِصْيَانِ، وَيَتَرَدَّدُونَ حَيَارَى مُتَخَبِّطِينَ فِيمَا سَمِعُوا مِنَ الآيَاتِ وَهُمْ يُحَدِّثُونَ أَنْفُسَهُمْ: أَهَذَا هُوَ الحَقُّ المُبِينُ، أَمْ إِنَّهُ سِحْرٌ خَادِعٌ؟
نَذَرُهُمْ- نَتْرُكُهُمْ.
طُغْيَانِهِمْ- تَجَاوُزِهِمُ الحَدَّ بِالكُفْرِ وَالضَّلالَةِ.
يَعْمَهُونَ- يَعْمُونَ عَنِ الرُّشْدِ، أَوْ يَتَحَيَّرُونَ.

.تفسير الآية رقم (111):

{وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111)}
{الملائكة}
(111)- إنَّ هَؤُلاءِ الذِينَ أَقْسَمُوا أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لِيُؤْمِنُنَّ بِهَا، كَاذِبُونَ فِيمَا يَقُولُونَ: فَلُوْ أَجَابَكَ اللهُ عَلَى سُؤَالِكَ- يَا مُحَمَّدُ- فَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ تُخْبِرُهُمْ بِصِدْقِ الرِّسَالَةِ المُنْزَّلَةِ عَلَيْكَ مِنْ عِنْدِ اللهِ، أَوْ أَحْيَا اللهُ المَوْتَى فَكَلَّمُوهُمْ وَأَخْبَرُوهُمْ بِصِدْقِ مَا جِئْتَهُمْ بِهِ، أَوْ جَمَعَ اللهُ كُلَّ شَيءٍ مِنَ الآيَاتِ وَالدَّلائِلِ الأُخْرَى وَأَرْسَلَها إلَيْهِمْ مُعَايَنَةً وَمُوَاجَهَةً مَا كَانُوا لِيُؤمِنُوا بِحَسَبِ اسْتِعْدَادِهِمْ، إلا أَنْ يَشَاءَ اللهُ إِيمَانَ أَحَدٍ مِنْهُمْ، فَإِنَّهُ وَحْدَهُ القَادِرُ عَلَى هِدَايَتِهِمْ وَجَعْلِهِمْ يُؤْمِنُونَ. فَهُوَ الفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يَجْهَلُونَ هَذَا الأَمْرَ.
(وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: جَاءَ المُسْتَهْزِئُونَ مِنْ قُرَيشٍ، وَهُمْ خَمْسَةُ نَفَرٍ، فِي رَهْطٍ مِنْ قُرَيْشٍ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: أَرِنَا المَلائِكَةَ يَشْهَدُونَ لَكَ بِأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، أَوْ ابْعَثْ لَنَا بَعْضَ مَوْتَانَا نَسْأَلْهُمْ: أَحَقٌ مَا تَقُولُ أَوْ بَاطِلٌ. أَوْ ائْتِنَا وَالمَلائِكَةِ قَبِيلاً، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ).
حَشَرْنَا- جَمْعَنا.
قُبُلاً- مُقَابَلَةً وَمُوَاجَهَةً أَوْ جَمَاعَةً جَمَاعَةً.