فصل: تفسير الآية رقم (44):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لأسعد حومد



.تفسير الآية رقم (44):

{وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44)}
{أَصْحَابُ} {أَصْحَابَ} {الظالمين}
(44)- وَبَعْدَ أَنْ يَسْتَقِرَّ أَهْلَ الجَنَّةِ فِيهَا، وَيَحْمَدُونَ اللهَ تَعَالَى عَلَى النَّعِيمِ الذِي أَسْبَغَهُ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ، يَطَّلِعُونَ عَلَى أَهْلِ النَّارِ، فَيَرَوْنَ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ العَذَابِ وَالنَّصَبِ، وَيَرَوْنَ قَوْماً مِمَّنْ عَرَفُوهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيا، وَكَانُوا يُكَذِّبُونَ بِآيَاتِ اللهِ، وَيَكْفُرُونَ بِهَا، وَيَسْخَرُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ، وَيُشَكِّكُونَ فِي صِدْقِ مَا جَاءَ بِهِ الأَنْبِيَاءُ عَنْ ثَوَابِ اللهِ لِلْمُؤْمِنِينَ، فَاعِلِي الخَيْرِ، وَعَنِ العَذَابِ الذِي يَنْتَظِرُ المُكَذِّبِينَ المُجْرِمينَ، فَيُخَاطِبُونَهُمْ قَائِلِينَ: لَقَدْ وَجَدْنَا نَحْنُ مَا وَعَدَنَا رَبُّنا مِنْ نَعِيمٍ، وَجَنَّاتٍ، حَقّاً، جَزَاءً عَلَى الإِيمَانِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ، فَهَلْ وَجَدْتُمْ أَنْتُمْ يَا أَصْحَابَ النَّارِ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ عَذَابٍ وَنَكَالٍ حَقّاً؟ فَيُجِيبُهُمْ أَهْلُ النَّارِ: أَنْ نَعَمْ، لَقَدْ وَجَدْنَا ذَلِكَ. وَبَعْدَ أَنْ يُقِروا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالكُفْرِ، يُعْلِنُ مُعْلِنٌ: أَنْ لَعْنَةَ اللهِ مُسْتَقِرَّةٌ عَلَى الظَّالِمِينَ لأَنْفُسِهِمْ بِالكُفْرِ وَالمَعَاصِي.
أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ- نَادَى مُنَادٍ، أَوْ أَعْلَنَ مُعْلِنٌ.

.تفسير الآية رقم (45):

{الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ (45)}
{بالآخرة} {كَافِرُونَ}
(45)- وَيُعَرِّفُ اللهُ تَعَالَى هَؤُلاءِ الظَّالِمِينَ لأَنْفُسِهِمْ فَيَقُولُ: إِنَّهُمُ الذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ، وَيَمْنَعُونَ النَّاسَ مِنْ اتِّبَاعِ مَا شَرَعَ اللهُ مِنَ الهُدَى، وَمَا جَاءَتْ بِهِ النُّبُوَّاتَ، وَيَبْغُونَ أَنْ تَكُونَ سَبيلُ اللهِ مُعْوَجَّةً غَيْرَ مُسْتَقِيمَةٍ حَتَّى لا يَسْلُكَهَا أَحَدٌ، وَيَكْفُرُونَ بِلِقَاءِ اللهِ فِي الآخِرَةِ، لا يُصَدِّقُونَ وَلا يُؤْمِنُونَ، وَلِذَلِكَ فَإنَّهُمْ لا يُبَالُونَ بِمَا يَأْتُونَ مِنْ مُنْكَرِ القَوْلِ وَالفِعْلِ، لأنَّهُمْ لا يَرْجُونَ لِقَاءَ اللهِ وَحِسَابَهُ.
يَبُغُونَهَا عِوَجاً- يَطْلُبُونَهَا ذَاتَ اعْوِجَاجٍ.

.تفسير الآية رقم (46):

{وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46)}
{بِسِيمَاهُمْ} {أَصْحَابَ} {سَلامٌ}
(46)- وَيَقُولُ تَعَالَى: إِنَّ بَيْنَ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَأَهْلِ النَّارِ حِاجَزاً (حِجَاباً) يَمْنَعُ وُصُولَ أَهْلِ النَّارِ إِلَى الجَنَّةِ، وَهُوَ السُّورُ الذِي قَالَ عَنْهُ تَعَالَى فِي آيَةٍ أَخْرَى {فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ} وَهُوَ الأَعْرَافُ.
وَيَقُولُ المُفسِّرُونَ: يَقِفُ عَلَى الأَعْرَافِ أُنَاسٌ تَسَاوَتْ حَسَنَاتُهُمْ مَعْ سَيِّئَاتِهِمْ، فَلا هُمْ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَلا هُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَ حَتَّى يَقْضِيَ اللهُ فِيهِمْ، وَلكِنَّهُمْ يَطْمَعُونَ فِي أَنْ يُدْخِلَهُمُ اللهُ الجَنَّةَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ وَرَحْمَتِهِ.
وَأَهْلُ الأَعْرَافِ يَعْرِفُونَ كُلاًّ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَأَهْلِ الجَنَّةِ بِسِيمَاهُمُ التِي وَصَفَهُمُ اللهُ بِهَا (وَهِيَ بَيَاضُ الوَجْهِ، وَنَضْرَةُ النَّعِيمِ التِي تَعْلُو وُجُوهَ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَسَوادُ الوَجْهِ وَالقَتَرَةُ التِي تَرْهَقُ وُجُوهَ أَهْلِ النَّارِ). وَيَتَوَجَّهُ أَهْلُ الأَعْرَافِ إلَى أَهْلِ الجَنَّةِ بِالسَّلامِ قَائِلِينَ لَهُمْ: سَلامٌ عَلَيْكُمْ، يَقُولُونَهَا مُهَنِّئِينَ بِالفَوْزِ بِالحِسَابِ، طَامِعِينَ فِي أَنْ يُدِخِلََهُمُ اللهُ الجَنَّةَ مَعَهُمْ.
(وَقَالَ مُفَسِّرُونَ آخَرُونَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ} إِنَّ أَهْلَ الأَعْرَافِ يُسَلِّمُونَ عَلَى أَهْلِ الجَنَّةِ بَعْدَ أَنْ يَجْتَازُوا الحِسَابَ، وَقَبْلَ أَنْ يَدْخُلُوا الجَنَّةَ، إِذْ يَكُونُونَ طَامِعِينَ فِي دُخُولِهَا لِمَا رَأَوْهُ مِنْ يُسْرِ الحِسَابِ).
بَيْنَهُمَا حِجَابٌ- حَاجِزٌ- وَهُوَ سُورٌ بَيْنَهُمَا.
الأَعْرَافِ- أَعَالِي السُّورِ الفَاصِلِ بَيْنَ النَّارِ وَالجَنَّةِ.
بِسِيمَاهُمْ- بِعَلامَاتٍ مُمَيِّزَةٍ فِيهِمْ.

.تفسير الآية رقم (47):

{وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47)}
{أَبْصَارُهُمْ} {أَصْحَابِ} {الظالمين}
(47)- وَكُلَّمَا اتَّجَهَتْ أَبْصَارُهُمْ إلَى جِهَةِ أَهْلِ النَّارِ تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ مَنَازِلِهِمْ، وَقَالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ.

.تفسير الآية رقم (48):

{وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48)}
{أَصْحَابُ} {بِسِيمَاهُمْ}
(48)- وَيَعْرِفُ أَهْلُ الأَعْرَافِ رُؤُوسَ الكُفْرِ، وَقَادَةَ الشِّرْكِ، وَهُمْ فِي النَّارِ، بِسِيمَاهُمْ (أَيْ بِسَوَادِ وُجُوهِهِمْ) فَيُقَرِّعُونَهُمْ قَائِلِينَ: لَمْ تَنْفَعْكُمْ كَثْرَتُكُمْ، وَجَمْعُكُمُ المَالَ، وَلَمْ يُغْنِ عَنْكُمُ اسْتِكْبَارُكُمْ، مِنْ عَذَابِ اللهِ، وَهَا أَنْتُمْ قَدْ صِرْتُمْ إلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ العَذَابِ، وَسُوءِ المَصِيرِ.
لَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ- لَمْ تُفِدْكُمْ وَلَمْ تَنْفَعْكُمْ.

.تفسير الآية رقم (49):

{أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49)}
(49)- ثُمَّ يَقُولُونَ لَهُمْ مُوَبِّخِينَ مُقَرِّعِينَ، وَهُمْ يَلْفِتُونَ أَنْظَارَهُمْ إِلَى أَهْلِ الجَنَّةِ الذِينَ كَانُوا يَسْخَرُونَ مِنْهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيا، وَيَسْتَبْعِدُونَ أَنْ يُصِيبَهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ: أَهَؤُلاءِ الذِينَ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لَنْ يَرْحَمَهُمْ؟ ألا تَرَوْنَ مَا قِيلَ لَهُمْ بِأَمْرِ اللهِ: ادْخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلامٍ، لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَسْتَقْبِلُونَهُ مِنْ أَمْرِكُمْ، وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ عَلَى مَا خَلَّفْتُمْ وَرَاءَكُمْ فِي الدُّنْيَا.

.تفسير الآية رقم (50):

{وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50)}
{أَصْحَابُ} {أَصْحَابَ} {الكافرين}
(50)- يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى عَنْ ذِلَّةِ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ القِيَامَةِ فِي ذَلِكَ المَوْقِفِ العَظِيمِ، وَسُؤَالِهِمْ أَهْلَ الجَنَّةِ أَنْ يُعْطُوهُمْ شَيْئاً مِنْ شَرَابِهِمْ وَطَعَامِهِمْ، فَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَهْلُ الجَنَّةِ: إِنَّ اللهَ حَرَّم ذَلِكَ عَلَى الكَافِرِينَ.
أَفِيضُوا عَلَينَا- صُبُّوا عَلَينا أَوْ أَعْطُونَا.

.تفسير الآية رقم (51):

{الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51)}
{الحياة} {نَنسَاهُمْ} {بِآيَاتِنَا}
(51)- وَوَصَفَ أَهْلُ الجَنَّةِ هَؤُلاءِ الكَافِرِينَ، الذِينَ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِمُ المَاءَ وَالطَّعَامَ، بِأَنَّهُمْ: الذِينَ اتَّخَذُوا الدِّينَ لَهْواً وَلَعِباً، وَاغْتَرُّوا بِالدُّنيا وَزِينَتِهَا وَزُخْرُفِها، فَانْصَرَفُوا إِليها، وَتَرَكُوا مَا أَمَرَهُمُ اللهُ بِهِ مِنَ العَمَلِ لِلآخِرَةِ.
وَكَمَا نَسِيَ هَؤُلاءِ دِينَهُمْ وَمَا أَمَرَهُمْ بِهِ رَبُّهُمْ، وَكَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ وَجَحَدُوا بِهَا، فَإِنَّ اللهَ يُعَامِلُهُمْ مُعَامَلَةَ الشَّيءِ المَنْسِيِّ، الذِي لا يَبْحَثُ عَنْهُ أَحَدٌ، وَيَنْسَاهُمْ فَلا يُجِيبُ دُعَاءَهُمْ، وَيَتْرُكُهُمْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يُعَذَّبُونَ.
غَرَّتْهُمُ الحَيَاةُ الدُّنْيا- خَدَعَتْهُمْ بِزَخَارِفِهَا وَزِينَتِهَا.
نَنْسَاهُمْ- نَتْرُكُهُمْ فِي العَذَابِ كَالمَنْسِيِّينَ.
وَمَا كَانُوا- وَكَمَا كَانُوا.

.تفسير الآية رقم (52):

{وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52)}
{جِئْنَاهُمْ} {بِكِتَابٍ} {فَصَّلْنَاهُ}
(52)- يَقُولُ تَعَالَى إِنَّه أَعْذَرَ إِلَى المُشْرِكِينَ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ مُحَمَّداً رَسُولاً، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ القُرْآنَ، وَفَصَّلَهُ تَفْصِيلاً لِيُبَيِّنَ لِلْنَّاسِ مَا يَحْتَاجُهُ المُكَلِّفُونَ مِنَ العِلْمِ وَالعَمَلِ، تَزْكِيَةً لِلْنُفُوسِ، وَتَطْهِيراً لِلْقُلُوبِ، وَجَعَلَهُ سَبَبَ سَعَادَتِهِمْ وَمَعَاشِهِمْ وَمَعَادِهِمْ، وَجَعَلَهُ هُدًى وَرَحْمَةً لِمَنْ يُؤْمِنُ بِهِ إِيمَاناً يَبْعَثُهُ إلَى العَمَلِ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ رَبُّهُ، وَالانْتِهَاءِ عَمَّا نَهَاهُ عَنْهُ.

.تفسير الآية رقم (53):

{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53)}
(53)- إِنَّ هَؤُلاءِ الكَافِرِينَ المُكَذِّبِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالقُرْآنِ، وَيَشُكُّونَ فِي صِدْقِ مَا أَنْذَرَهُمْ بِهِ، فَهَلْ يَسْتَمِرُّ هَؤُلاءِ الجَاحِدُونَ فِي تَرَدُّدِهِمْ حَتَّى يَتَحَقَّقَ وَقُوعُ مَا أَشَارَ القُرْآنُ إِلى حُدُوثِهِ مِنْ أُمُورِ الغَيْبِ وَالمَعَادِ؟ وَمَا وَعَدَ اللهُ بِهِ المُؤْمِنِينَ مِنْ نَصْرٍ وَعِزَّةٍ فِي الدُّنْيا، وَجَنَّةٍ وَنَعيمٍ فِي الآخِرَةِ، وَمَا أَنْذَرَ بِهِ الكَافِرِينَ مِنْ ذِلَّةٍ وَخِذْلانٍ فِي الدُّنْيا، وَعَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الآخِرَةِ (هَلْ يَنْظُرُونَ إلا تَأْوِيلَهُ). فَإِذَا وَقَعَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ القُرْآنُ، وَبَيَّنَتِ الأَحْدَاثُ الوَاقِعَةُ تَأْوِيلَهُ وَتَفْسِيرَ مَا جَاءَ فِيهِ، وَبَعَثَ النَّاسُ مِنْ قُبُورِهِمْ لِلْحِسَابِ، حِينَئِذٍ يُفِيقُ هؤُلاءِ الكَفَرَةُ مِنْ غَفْلَتِهِمْ، وَهُمُ الذِينَ نَسُوا هذا القُرْآنَ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيا، وَيَقُولُونَ لأَنْفُسِهِمْ (أَوْ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ): إِنَّ رُسُلَ اللهِ قَدْ جَاؤُونَا بِالحَقِّ وَلَكِنَّنَا لَمْ نُؤْمِنْ بِذَلِكَ، فَهَلْ لَنَا مَنْ يَشْفَعُ لَنَا عِنْدَ رَبِّنَا؟ أَوْ هَلْ يَرُدُّنَا اللهُ إلى الدَّارِ الدُّنْيا فَنَرْجِعَ عَمَّا كُنّا فِيهِ مِنَ الكُفْرِ وَالضَّلالَةِ، وَنُؤْمِنَ بِاللهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَنَعْمَلَ عَمَلاً صَالِحاً يُرْضِيهِ؟
وَهَؤُلاءِ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَغَبَنُوهَا حُظُوظَهَا بِدُخُولِهِمُ النَّارَ، وَخُلُودِهِمْ فِيهَا، وَغَابَ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ المَوْقِفِ العَسِيرِ (ضَلَّ عَنْهُمْ) الذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ، فَلا يَشْفَعُونَ فِيهِمْ، وَلا يَنْصُرُونَهُمْ، وَلا يُنْقِذُونَهُمْ مِمَّا هُمْ فِيهِ.
تَأْوِيلُهُ- عَاقِبَةُ مَا وَعَدَ الكِتَابُ (القُرْآنُ) وَمَآلُهُ مِنَ البَعْثِ وَالحِسَابِ وَالجَزَاءِ.
يَفْتَرُونَ- يَقُولُونَ كَذِباً وَاخْتِلاقاً عَنِ الشُّرَكَاءِ وَشَفَاعَتِهِمْ.

.تفسير الآية رقم (54):

{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)}
{السماوات} {الليل} {مُسَخَّرَاتٍ} {العالمين}
(54)- يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى أَنَّهُ خَلَقَ كُلَّ شَيءٍ فِي الوُجُودِ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ: السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِما وَمَا بَيْنَهُمَا، ثُمَّ اسْتَوى عَلَى العَرْشِ اسْتِواءً يَليقُ بِجَلالِهِ، وَأَخَذَ يُدَبِّرُ أَمْرَهُمَا، فَيُتْبعُ اللَّيْلَ النَّهَارَ، فَيَغْشَى الوُجُودَ بِالظُّلْمَةِ، وَيُتْبعُ النَّهارَ اللَّيْلَ، فَيَغْشَاهُ بِالضِّيَاءِ، يَتَتَابَعَانِ سَرِيعاً، لا يَتَأَخَّرُ أَحَدُهُما عَنِ الآخَرِ، وَالشَّمْسُ وَالقَمَرُ وَالنَّجُومُ كُلُّهَا تَسِيرُ مُسَخَّرةً، بِأَمْرِ رَبِّهَا، وَمُنْقَادَةً لِحُكْمِهِ ومَشِيئَتِهِ، وَللهِ الأَمْرُ وَالمُلْكُ وَالتَّصَرُّفُ، وَهُوَ رَبُّ العَالَمِينَ.
وَنَسُوقُ هُنَا مَا قَالَهُ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ حَوْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ}: نَسْلكُ فِي هَذا المَقَامِ مَذْهَبَ السَّلَفِ الصَّالِحِ وَهُوَ إِمْرَارُهَا كَمَا جَاءَتْ مِنْ غَيْرِ تَكْييفٍ وَلا تَشْبيِهٍ وَلا تَعْطِيلٍ، وَالظَّاهِرُ المُتَبَادِرُ إلَى أَذْهَانِ المُشَبِّهِينَ مَنْفِيٌّ عَنِ اللهِ، فَإِنَّ اللهَ لا يُشْبِهُهُ شَيءٌ و(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ). وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ الخُزَاعِيُّ شَيْخُ البُخَارِيِّ: مَنْ شَبَّهَ اللهُ بِخَلْقِهِ كَفَرَ، وَمَن جَحَدَ مَا وَصَفَ اللهُ بِهِ نَفْسَهُ فَقَدْ كَفَرَ، وَلَيْسَ فِيمَا وَصَفَ اللهُ بِهِ نَفْسَهُ وَلا رَسُولهُ تَشْبِيهٌ، فَمَنْ أَثْبَتَ مَا وَرَدَتْ بِهِ الآثَارُ الصَّرِيحَةُ وَالأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ عَلَى الوَجْهِ الذِي يَلِيقُ بِجَلالِهِ، وَنَفَى عَنِ اللهِ النَّقَائِصَ فَقَدْ سَلَكَ سَبيلَ الهُدَى.

.تفسير الآية رقم (55):

{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)}
(55)- يُرْشِدُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ إلى دُعَائِهِ بِتَضَرُّعٍ وَبِصُورَةٍ خَفِيَّةٍ. (أَيْ بِخُشُوع وَصِحَّةِ يَقِينٍ بِوَحْدَانِيَّةِ اللهِ وَبُرُبُوبِيَّتِهِ) لا جَهَاراً وَلا مُرَاءَاةً، فَاللهُ لا يُحِبُّ أَنْ يَتَجَاوَزُوا فِي الدُّعَاءِ حُدُودَ مَا أُمِرُوا بِهِ (كَالمُبَالَغَةِ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الدُّعَاءِ، أَوْ طَلَبِ العَوْنِ مِنَ اللهِ عَلَى ارْتِكَابِ المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ، أَوْ التَّوجُّهِ بِالدُّعَاءِ إلَى غَيْرِ اللهِ لِيَشْفَعَ لَهُمْ عِنْدَ اللهِ...).
ادْعُوا رَبَّكُمْ- اسْأَلُوهُ قَضَاءَ حَاجَاتِكُمْ.
تَضَرُّعاً- مُظْهِرِينَ الضَّرَاعَةَ وَالذِّلَّةَ وَالاسْتِكَانَةَ وَالخُشُوعَ.
خُفْيَةً- سِرَاً فِي أَنْفُسِكُمْ.