فصل: سورة الضحى:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.سورة الشمس:

.تفسير الآيات (1- 10):

{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)}

.شرح الكلمات:

{وضحاها}: أي ونهارها.
{إذا تلاها}: أي تلا الشمس فطلع بعد غروبها مباشرة وذلك ليلة النصف من الشهر.
{إذا جلاها}: أي إذا أضاءها.
{إذا يغشاها}: أي غشى الشمس حتى تظلم الآفاق.
{وما بناها}: أي ومن بناها وهو الله عز وجل حيث جعل السماء كالسقف للأرض.
{وما طحاها}: أي ومن بسطها وهو الله عز وجل.
{وما سواها}: أي ومن سوى خلقها وعدله وهو الله عز وجل.
{فألهمها فجورها}: أي فبيّن لها ما ينبغي لها أن تأتيه أو تتركه من الخير والشر.
{أفلح من زكاها}: أي فاز بالنجاة من النار ودخول الجنة من طهر نفسه من الذنوب والآثام.
{وقد خاب}: أي خسر في الآخرة نفسه وأهله يوم القيامة.
{من دساها}: أي دسّى نفسه غذا أخفاها وأخملها بالكفر والمعاصي وأصل دسها دسسها فأُبدلت إحدى السِينَيْن ياءً.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {والشمس وضحاها} إلى قوله: {وقد خاب من دساها} تضمنت هذه الآيات العشر قسماً إلهياً من أعظم الأقسام ومقسماً عليه وهو جواب القسم ومقسما لهم وهم سائر الناس فالقسم كان بما يلي بالشمس وضحاها وبالقمر إذا تلاها أي تلا الشمس إذا طلع بعد غروبها وذلك ليلة النصف من الشهر وبالنهار إذا جلاها إذا أضاء فكشف الظلمة أو الدنيا، وبالليل إذا يغشاها أي يغشى الشمس حتى تظلم الآفاق وبالسماء وما بناها على أن ما تكون غالبا لغير العالم وقد تكون للعالم كما هي هنا فالذي بناها هو الله سبحانه وتعالى بالأرض وما طحاها أي بسطها وهو الله تعالى وبالنفس وما سواها أي خلقها وعدل خلقها وهو الله تعالى وقوله فألهمها فجورها وتقواها أي خلقها وسوى خلقها والهمها أي بين لها الخير والشر أي ما تعمله من الصالحات وما تتجنبه من المفسدات فأقسم تعالى باربع من مخلوقاته العظام وبنفسه وهو العلي العظيم على ما دل عليه قوله: {قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها} وهو المقسم عليه وهو أن من وفقه الله وأعانه فزكى نفسه أي طهرها بالإِميان والعمل الصالح مبعدا لها عما يدنسها من الشرك والمعاصي فقد افلح بمعنى فاز يوم القيامة وذلك بالنجاة من النار ودخول الجنة لأن معنى الفوز لغة هو السلامة من المرهوب والظفر بالمرغوب وأن من خذله الله تعالى لما له من سوابق في الشر والفساد فلم يزك نفسه بالإِيمان والعمل الصالح ودساها أي دسسها اخفاها وأخملها بما أفرغ عليها من الذنوب وما غطاها من آثار الخطايا والآثام فقد خاب بمعنى خسر في آخرته فلم يفلح فخسر نفسه وأهله وهو الخسران المبين.

.من هداية الآيات:

1- بيان مظاهر القدرة الإِلهية في الآيات التي أقسم بها الرب تعالى.
2- بيان بما يكون به الفلاح، وما يكون به الخسران.
3- الترغيب في الإِيمان والعمل الصالح والترهيب من الشرك والمعاصي.

.تفسير الآيات (11- 15):

{كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15)}

.شرح الكلمات:

{ثمود}: أي أصحاب الحجر كذبوا رسولهم صالحا عليه السلام.
{بطغواها}: أي بسبب طغيانها في الشرك والمعاصي.
{إذ انبعث}: أي انطلق مسرعا.
{أشقاها}: أي أشقى القبيلة وهو قُدار بن سالف الذي يضرب به المثل فيقال أشأم من قدار.
{رسول الله}: أي صالح عليه السلام.
{ناقة الله وسقياها}: أي ذروها وشربها في يومها.
{فكذبوه}: أي فيما أخبرهم به من شأن الناقة.
{فعقروها}: أي قتلوها ليخلص لهم ماء شربها في يومها.
{فدمدم}: أي اطبق عليهم العذاب فأهلكهم.
{بذنبهم}: أي بسبب ذنوبهم التي هي الشرك والتكذيب وقتل الناقة.
{فسواها}: أي سوى الدمدم عليهم فلم يفلت منهم أحد.
{ولا يخاف عقباها}: أي ولا يخاف الربّ تعالى تبعة إهلاكهم كما يخاف الإِنسان عاقبة فعله إذا هو قتل أحدا أو عذبه.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {كذبت ثمود} إلى قوله: {ولا يخاف عقباها} هذه الآيات سيقت للتدليل على أمور هي أن الذنوب موجبة لعذاب الله في الدنيا والآخرة، وأن تكذيب السرول الذي عليه كفار مكة منذر بخطر عظيم إذا استمروا عليه فقد يهلكهم الله به كما أهلك أصحاب الحجر قوم صالح، وأن محمداً رسول الله حقا وصدقا وإن انكار قريش له لا قيمة له، وأنه لا إله إلا الله. وأن البعث والجزاء ثابتان بأدلة قدرة الله وعلمه فقوله تعالى: {كذبت ثمود} إخبار منه تعالى المراد به إنذار قريش من خطر استمرارها على التكذيب وتسلية الرسول والمؤمنين وقوله: {بطغواها} أي بسبب ذنوبها التي بلغت فيها حد الطغيان الذي هو الإِسراف ومجاوزة الحد في الأمر. وبيّن تعالى ظرف ذلك بقوله: {إذ انبعث} اشقى تلك القبيلة الذي هو قُدار بن سالف الذي يضرب به المثل في الشقاوة فيقال أشأم من قدار وقال فيه رسول الله اشقى الأولين والآخرين قدار بن سالف وقوله فقال لهم رسول الله أي صالح {ناقة الله} أي احذروها فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم ذروها وسقياها أي وماء شربها إذ كان الماء قسمة بينهم لها يوم ولهم يوم. {فكذبوه} في ذلك وفي غيره من رسالته ودعوته إلى عبادة الله وحده {فعقروها} أي فذبحوها {فدمدم عليهم ربهم} أي أطبق عليهم العذاب وعمهم به فلم ينج منهم أحد وذلك بذنبهم لا بظلم منه تعالى، {فسواها} في النقمة والعذاب {ولا يخاف عقباها} أي تبعة تلحقه من هلاكها إذ هو رب الكل ومالك الكل وهو القاهر فوق عباده وهو العزيز الحكيم.

.من هداية الآيات:

1- بيان أن نجاة العبد من النار ودخوله الجنة متوقف على زكاة نفسه وتطهيرها من أوضار الذنوب والمعاصي، وأن شقاء العبد وخسرانه سببه تدنيسه نفسه بالشرك والمعاصي وكل هذا من سنن الله تعالى في الأسباب والمسببات.
2- التحذير من الطغيان وهو الإِسراف في الشر والفساد فإِنه مهلك ومدمر وموجب للهلاك والدمار في الدنيا والعذاب في الآخرة.
3- تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم والتخفيف عنه إذ كذبت قبل قريش ثمود وغيرها من الأمم كأصحاب مدين وقوم لوط وفرعون.
4- انذرا كفار قريش عاقبة الشرك والتكذيب والمعاصي من الظلم والاعتداء.

.سورة الليل:

.تفسير الآيات (1- 11):

{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11)}

.شرح الكلمات:

{إذا يغشى}: أي بظلمته كل ما بين السماء والأرض في الإِقليم الذي يكون به.
{إذا تجلى}: أي تكشف وظهر في الإِقليم الذي هو به وإذا هنا وفي التي قبلها ظرفية وليست شرطية.
{وما خلق الذكر والأنثى}: أي ومن خلق الذكر والأنثى آدم وحواء وكل ذريتهما وهو الله تعالى.
{إن سعيكم لشتى}: أي ان عملكم أيها الناس لمختلف منه الحسنة الموروثة للجنة ومنه السيئة الموجبة للنار.
{من أعطى واتقى}: أي حق الله وانفق في سبيل الله واتقى ما يسخط الله تعالى من الشرك والمعاصي.
{وصدق بالحسنى}: أي بالخلف لحديث اللهم أعط منفقا خلفاً.
{فسنيسره لليسرى}: أي فسنيسره للخلة أي الخصلة اليسرى وهي العمل بما يرضاه الله منه في الدنيا ليوجب له به الجنة في الآخرة.
{وأما من بخل واستغنى}: أي منع حق الله والإِنفاق في سبيل الله واستغنى بماله عن الله فلم يساله من فضله ولم يعمل عملا صالحا يتقرب به إليه.
{وكذب بالحسنى}: أي بالخلف وما ثتمره الصدقة والإِيمان وهو الجنة.
{فسنيسره للعسرى}: فسنهيئه للخلة العسرى وهي العمل بما يكرهه الله ولا يرضاه ليكون قائده إلى النار.
{إذا تردى}: أي في جهنم فسقط فيها.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {والليل} أقسم تعالى بالليل {إذ يغشى} بظلامه الكون، وبالنهار {إذا تجلى} أي تكشف وظهر وهما آيتان من آيات الله الدالتان على ربوبيته تعالى الموجبة لألوهيته، وأقسم بنفسه جل وعز فقال: {وما خلق الذكر وانثى} أي والذي خلق الذكر والأنثى آدم وحواء ثم سائر الذكور وعامة الإِناث من كل الحيوانات وهو مظهر لا يقل عظمة على آيتي الليل والنهار والمقسم عليه أو جواب القسم هو قوله: {إن سعيكم لشتى} أي إن علمكم أيها الناس لمختلف منه الحسنات الموجبة للسعادة والكمال في الدارين ومنه السيئات الموجبة للشقاء في الدارين أي دار الدنيا ودار الآخرة. وبناءً على هذا {فأما من اعطى} حق الله في المال فأنفق وتصدق في سبيل الله {واتقى} الله تعالى فآمن به وعبده ولم يشرك به {وصدق بالحسنى} التي هي الخلف أي العوض المضاعف الذي واعد به تعالى من ينفق في سبيله في قوله: {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه} وفي قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الصحيح: «ما من يوم تطلع فيه الشمس إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم اعط منفقاً خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا» فَسَيُهيِّئُهُ للخلة اليسرى وهي العمل بما يرضاه الله منه ف الدنيا ويثيبه عليه في الآخرة بالجنة {وأما من بخل} بالمال فلم يعط حق الله فيه ولم يتصدق متطوعا في سبيل الله {واستغنى} بماله وولده وجاهه فلم يتقرب غلى الله تعالى بطاعته في ترك معاصيه ولا في أداء فرائضه وكذب بالخلف من الله تعالى على من ينفق في سبيله {فسنيسره للعسرى} أي فسنهيئه للخلة العسرى وهي العمل بما يكره الله تعالى ولا يرضاه من الذنوب والآثام ليكون ذلك قائده إلى النار.
وقوله تعالى: {وما يغني عنه ماله إذا تردى} يخبر تعالى بأن من بخل واستغنى وكذب بالحسنى حفاظا على ماله وشحا به وبخلا أن ينفقه في سبيل ربه هذا المال لا يغني عنه شيئا يوم القيامة إذا ألقي به في نار جهنم فتردى ساقطا فيها على أم رأسه كما قال تعالى: {وأما من خفت موازينه} أي لعدم الحسنات الكافية فيها {فأمه هاوية وما أدراك ما هي نار حامية}

.من هداية الآيات:

1- بيان عظمة الله وقدرته وعلمه الموجبة لربوبيته المقتضية لعبادته وحده دون سواه.
2- تقرير القضاء والقدر وهو أن كل إنسان ميسر لما خلق له من سعادة أو شقاء لحديث: «اعملوا فكل ميسر لما خلق له» مع تقرير أن من وفق للعمل بما يرضى الله تعالى كان ذلك دليلا على أنه مكتوب سعيدا إذا مات على ما وفق له من العمل الصالح. وأن من وفق للعمل المسخط لله تعالى كان دليلا على أنه مكتوب شقاوته إن هو مات على ذلك.
3- تقرير أن التوفيق للعمل بالطاعة يتوقف حسب سنة الله تعالى على رغبة العبد وطلبه ذلك والحرص عليه واختياره على غيره وتسخير النفس والجوارح له. كما أن التوفيق للعمل الفاسد قائم على ما ذكرنا في العمل الصالح وهو اختيار العبد وطلبه وحرصه وتسخير نفسه وجوارحه لذلك هذه سنة من سنن الله تعالى في خلقه.

.تفسير الآيات (12- 21):

{إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12) وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى (13) فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (14) لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21)}

.شرح الكلمات:

{إن علينا للهدى}: أي إن علينا لبيان الحق من الباطل والطاعة من المعصية.
{وإن لنا للآخرة والأولى}: أي ملك ما فيي الدنيا والآخرة نعطي ونحرم من نشاء لا مالك غيرنا.
{فأنذرتكم}: أي خوفتكم.
{نارا تلظى}: أي تتوقد.
{لا يصلاها}: أي لا يدخلها ويحترق بلهبها.
{إلا الأشقى}: أي إلا الشقى.
{الذي كذب وتولى}: كذب النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به وتولى أعرض عن الإِيمان به وبما جاء به من التوحيد والطاعة لله ورسوله.
{وسيجنبها الأتقى}: أي يتطهر به فلذا يخليه من النظر غلى غير الله فهو لذلك خال من الرياء والسمعة.
{وما لآحد عنه من نعمة تجزى}: أي ليس لأحد من الناس عليه منَّة فهو يكافئه بذلك.
{إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى}: أي يؤتي ماله في سبيل الله ابتغاء مرضاة الله عز وجل.
{ولسوف يرضى}: أي يعطيه الله تعالى من الكرامة ما يرضي به في دار السلام.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {إن علينا للهدى} الايات.. بعد أن علم تعالى عباده أن ييسر لليسرى من أعطى واتقى وصدق بالحسنى، وأنه ييسر للعسرى من بخل واستغنى وكذب بالحسنى أعلم بحقيقة أخرى وهي أن بيان الطريق الموصل بالعبد لليسرى هو على الله تعالى متكفل به وقد بينه بكتابه ورسوله فمن طلب اليسرى فأولا يؤمن بالله ورسوله ويوطن نفسه على طاعتهما ويأخذ في تلك الطاعة يعمل بها وثانيا ينفق في سبيل الله ما يطهر به نفسه من البخل وشح النفس ويظهر فقره وحاجته إلى الله تعالى بالتقرب إليه بالنوافل وصالح الأعمال وبذلك يكون قد يُسر فعلا لليسرى وقوله تعالى: {وإن لنا للآخرة والأولى} أي الدنيا وعليه فمن طلبها من غيرنا فقد أخطأ ولا يحصل عليها بحال فطلب الآخرة يكون بالإِيمان والتقوى، وطلب الدنيا يكون بالعمل حسب سنتنا في الكسب وحصول المال وقوله تعالى: {فأنذرتكم نارا تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى} أي فبناء على ما بيّنا لكم فقد أنذرتكم أي خوفتكم نارا تلظى أي تتوقد التهابا لا يصلاها لا يدخلها ويصطلي بحرها خالداً فيها ابدا إلا الأشقى أي الأكثر شقاوة وهو المشرك وقد يدخلها الشقي من اهل التوحيد ويخرج منها بتوحيده، حيث لم يكذب ولم يتول، ولكن فجر وعصى، وما اشرك وما تولى، وقوله تعالى: {وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى} أي يعطي ماله في سبيل الله يتزكى به من مرض الشح والبخل وآثار الذنوب والإِثم، وقوله: {وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى} أي فهو ينفق ما ينفقه في سبيل الله خاصة وليس ما ينفقه من أجل أن عليه لأحد من الناس فضلا أو يداً فهو يكافئه بها لالا، وإنما هو ينفق ابتغاء وجه ربه الأعلى أي يريد رضا ربه تعالى لا غير.
قال تعالى: {ولسوف يرضى} أي ما دام ينفق ابتغاء وجهنا فقط فسوف نكافئه ونعطيه عطاء يرضى به وذلك في الجنة دار السلام. هذه الآية الكريمة نزلت في ابي بكر الصديق رضي الله عنه فقد كان في مكة يشتري العبيد من مواليهم الذين يعذبونهم من أجل إسلامهم فكان يشتريهم ويعتقهم لوجه الله تعالى ومنهم بلال رضي الله عنه فقال المشركون إنما فعل ذلك ليد عنده أي نعمه فهو يكافيه بها فأكذبهم الله في ذلك وأنزل قوله وسيجنبها الأتقى الآيات.

.من هداية الآيات:

1- بيان أن الله تعالى متكفل بطريق الهدى فأرسل الرسل وأنزل الكتاب فأبان الطريق وأوضح السبيل.
2- بيان أن الله تعالى وحده الدنيا والآخرة فمن أرادهما أو إحداهما فليطلب ذلك من الله تعالى فالآخرة تطلب بالإِيمان والتقوى والدنيا تطلب باتباع سنن الله تعالى في الحصول عليها.
3- بيان فضل أبي بكر الصديق وأنه مبشر بالجنة في هذه الآية الكريمة.

.سورة الضحى:

.تفسير الآيات (1- 11):

{وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)}

.شرح الكلمات:

{والضحى}: أي أول النهار ما بين طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح إلى الزوال.
{والليل إذا سجى}: غطى بظلامه المعمورة وسكن فسكن الناس وخلدوا إلى الراحة.
{ما ودعك}: أي ما تركك ولا تخلى عنك.
{وما قلى}: أي ما أبغضك.
{ألم يجدك يتيما}: أي فاقد الأب إذ مات والده قبل ولادته.
{فآوى}: أي فآواك بأن ضمك إلى عمك أبي طالب.
{ووجدك ضالا}: أي لا تعرف دينا ولا هدى.
{ووجدك عائلا}: أي فقيرا.
{فأغنى}: أي بالقناعة، وبما يسرَّ لك من مال خديجة وابي بكر الصديق.
{فلا تقهر}: أي لا تذله ولا تأخذ ماله.
{فلا تنهر}: أي لا تنهره بزجر ونحوه.
{وأما بنعمة ربك فحدث}: أي اذكر ما أنعم الله تعالى به عليك شكرا له على ذلك.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى} هذا قسم من الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم اقسم له به على أنه ما تركه ولا ابغضه. وذلك أنه أبطأ عنه الوحي أياما فلما رأى ذلك المشركون فرحوا به وعيَّروه فجاءت امرأة وقالت ما أرى شيطانك إلا قد تركك. فحزن لذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله سورة الضحى يقسم له فيها بالضحى وهو أول النهار من طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح إلى ما قبل الزوال بقليل، وبالليل إذا سجى أي غطى بظلامه المعمورة وسكن فسكن الناس وخلدوا إلى الراحة فيه {ما ودعك ربك} يا محمد أي تركك {وما قلى} أي ما أبغضك {وللآخرة خير لك من الأولى} أي الدنيا وذلك لما أعد الله لك فيها من الملك الكبير والنعيم العظيم المقيم. وسوف يعطيك ربك من فواضل نعمه حتى ترضى في الدنيا من كمال الدين وظهور الأمر في الآخرة الشفاعة وأن لا يبقى أحد من أمته أهل التوحيد في النار والوسيلة والدرجة الرفيعة التي لا تكون لأحد سواه.
وقوله تعالى: {ألم يجدك يتيماً فآوى ووجدك ضالا فهدى ووجدك عائلا فأغنى} هذه ثلاث منن لله تعالى على رسوله منَّها عليه وذكّره بها ليوقن أن الله معه وله وأنه ما تركه ولن يتركه وحتى تنتهي فرحة المشركين ببطء الوحي وتأخّره بضعة أيام. فالمنّة الأولى أن والد النبي صلى الله عليه وسلم قد مات عقب ولادته وأمه ماتت بعيد فطامه فآواه ربّه بأن ضمّه إلى عمه أبي طالب فكان ابا رحيما وعما كريما له وحصنا منيعا له، ولم يتخل عن نصرته والدفاع عنه حتى وفاته والثانية منّة العلم والهداية فقد كان صلى الله عليه وسلم يعيش في مكة كأحد رجالاتها لا يعرف علما ولا شرعا وإن كان معصوما من معارفة أي ذنب أو ارتكاب اية خطيئة إلا أنه ما كان يعرف إيمانا ولا إسلاما ولا شرعا كما قال تعالى: {ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإِيمان} والثالثة منَّته عليه بالغنى بعد الحاجة فقد مات والده ولم يخلّف أكثر من جارية هي بركة أم أيمن وبضعة جمال، فأغناه الله بغنى القناعة فلم يمد يده لأحد قط وكان يقول: «ليس الغني عن كثرة العرض ولكن الغني غني النفس» هذه ثلاث منن إلهيّة وما أعظمها والمنة تتطلب شكرا والله يزيد على الشكر ومن هنا أرشد الله تعالى رسوله إلى شكر تلك النعم ليزيده عليها فقال فأما {فأما اليتيم فلا تقهر} لاتقهره بأخذ ماله أو إذلاله أو أذاه ذاكرا رعاية الله تعالى لك أيام يتمك. {وأما السائل} وهو الفقير المسكين وذو الحاجة يسألك ما يسدّ خلّته فاعطه ما وجدت عطاءً أو ورده بكلمة طيبة تشرح صدره وتخفف ألم نفسه ولا تنهره بزجر عنيف ولا بقول غير لطيف ذاكرا ما كنت عليه من حاجة وما كنت تشعر به من احتياج {وأما بنعمة ربك فحدث} أي اشكر نعمة الإِيمان والإِحسان والوحي والعلم والفرقان وذلك بالتحدث بها ابلاغا وتعلميا وتربية وهداية فذاك شكرها والله يحب الشاكرين هكذا أدّب الله جل جلاله ورسوله وخليله فأكمل تأديبه وأحسه.

.من هداية الآيات:

1- الدنيا لا تخلو من كدر وصدق الله العظيم {لقد خلقنا الإِنسان في كبد} 2- بيان علو المقام المحمدي وشرف مكانته.
3- مشروعية التذكير بالنعم والنقم حملا للعبد على الصبر والشكر.
4- وجوب شكر النعم بصرفها في مرضاة المنعم عز وجل.
5- تقرير معنى الحديث: «إذا أنعم الله تعالى على عبد نعمة أحب أن يرى أثرها عليه».

.سورة الشرح:

.تفسير الآيات (1- 8):

{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)}

.شرح الكلمات:

{الم}: الاستفهام للتقرير أي إن الله تعالى يقرر رسوله بنعمه عليه.
{نشرح لك صدرك}: أي بالنبوة، وبشقه وتطهيره وملئه إيمانا وحكمة.
{ووضعنا عنك وزرك}: أي حططنا عنك ما سلف من تبعات أيام الجاهلية قبل نبوتك.
{الذي أنقض ظهرك}: أي الذي أثقل ظهرك حيث كان يشعر صلى الله عليه وسلم بثقل السنين التي عاشها قبل النبوة لم يعبد فيها الله تعالى بفعل محابه وترك مكارهه لعدم علمه بذلك.
{ورفعنا لك ذكرك}: أي أعليناه فاصبحت تذكر معي في الآذان والإِقامة والتشهد.
{فإن مع العسر يسرا}: أي مع الشدة سهولة.
{فإذا فرغت}: أي من الصلاة.
{فانصب}: أي اتعب في الدعاء.
{وإلى ربك فارغب}: أي فاضرع إليه راغبا فيما عنده من الخيرات والبركات.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {الم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك} هذه ثلاث منن أخرى بعد المننن الثلاث التي جاءت في السورة قبلها منّها الله تعالى على رسوله بتقريره بها فالأولى بشرح صدره ليتسع للوحي ولما سيلقاه من قومه من سيء القول وباطل الكلام الذي يضيق به الإِنسان والثانية وضع الوزر عنه فإِنه صلى الله عليه وسلم وإن لم يكن له وزر حقيقة فإِنه كان يشعر بحمل ثقيل من جراء ترك العبادة والتقرب إلى الله تعالى في وقت ما قبل النبوة ونزول الوحي عليه إذ عاش عمرا أربعين سنة لم يعرف فيها عبادة ولا طاعة لله، أما مقارفة الخطايا فقد كان محفوظا بحفظ الله تعالى له فلم يسجد لصنم ولم يشرب خمرا ولم يقل أو يفعل إثما قط. فقد شق صدره وهو طفل في الرابعة من عمره وأخرجت منه العلقة التي هي محطة الشيطان التي ينزل بها من صدر الإِنسان ويوسوس بالشر للإِنسان والثالثة رفع الذكر أي ذكره صلى الله عليه وسلم إذ قرن اسمه باسمه تعالى في التشهد وفي الأذان والإِقامة وذلك الدهر كله وما بقيت الحياة. وقوله تعالى: {فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا} فهذه بشرى بقرب الفرج له ولأصحابه بعد ذلك العناء الذي يعانون والشدة التي يقاسون ومن ثم بشر صلى الله عليه وسلم اصحابه وهو يقول: «لن يغلب عسر يسرين لن يغلب عسر يسرين» وقوله: {فإِذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب} هذه خطة لحياة المسلم وضعت لنبي الإِسلام محمد صلى الله عليه وسلم ليطبقها أمام المسلمين ويطبقونها معهم حتى الفوز بالجنة والنجاة من النار وهي فإِذا فرغت من عمل ديني فانصب لعمل دنيوي وإذا فرغت من عمل دنيوي فانصب لعمل ديني أخروي فمثلا فرغت من الصلاة فانصب نفسك للذكر والدعاء بعدها، فرغت من الصلاة والدعاء فانصب نفسك لدنياك، فرغت من الجهاد فانصب نفسك للحج.
ومعنى هذا أن المسلم يحيا حياة الجد والتعب فلا يعرف وقتا للهو واللعب أو للكسل والبطالة قط وقوله إلى ربك فارغب ارغب بعد كل عمل تقوم به في مثوبة ربك وعطائه وما عنده من الفضل والخير إذ هو الذي تعمل له وتنصب من أجله فلا ترغب في غيره ولا تطلب سواه.

.من هداية الآيات:

1- بيان ما أكرم الله تعالى به رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم من شرح صدره ومغفرة ذنوبه ورفع ذكره.
2- بيان أن انشراح صدر المؤمن للدين واتساعه لتحمل الأذى في سبيل الله نعمة عظيمة.
3- بيان أن مع العسر يسرا دائما وأبدا، ولن يغلب عسر يسرين فرجاء المؤمن في الفرح دائم.
4- بيان أن حياة المؤمن ليس فيها لهو ولا باطل ولا فراغ لا عمل فيه ابدا ولا ساعة من الدهر قط وبرهان هذه الحقيقة أن المسلمين منيوم تركوا الجهاد والفتح وهم يتراجعون إلى الوراء في حياتهم حتى حكمهم الغرب وسامهم العذاب والخسف حتى المسخ والنسخ وقد نسخ إقليم الأندلس ومسخت أقاليم في بلاد الروس والصين حتى الأسماء غيّرت.