فصل: تفسير الآيات (34- 44):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (34- 44):

{قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (35) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (37) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38) قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (44)}

.شرح الكلمات:

{قال فاخرج منها}: أي من الجنة.
{فإنك رجيم}: أي مرجوم مطرود ملعون. {الى يوم الوقت المعلوم}: أي وقت النفخة الأولى التي تموت فيها الخلائق كلها.
{بما أغويتني}: أي بسبب إغوائك لي أي إضلالك وإفسادك لي.
{المخلصين}: أي الذين استخلصتهم لطاعتك فإن كيدي لا يعمل فيهم.
{هذا صراط علي مستقيم}: أي هذا طريق مستقيم موصل الي وعليّ مراعاته وحفظه.
{لها سبعة أبواب}: أي أبواب طبقاتها السبع التي هي جهنم، ثم لظى، ثم الحُطمة، ثم السعير، ثم سَقَر، ثم الجحيم، ثم الهاوية.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {فاخرج منها} هذا جواب عن قول إبليس، {لم أكن لأسجد لبشر} الآية إذا فاخرج منها أي من الجنة {فإنك رجيم} أي مرجوم مطرود مُبعد، {وإن عليك} لعنتي أي غضبي وإبعادي لك من السموات {الى يوم الدين} أي إلى يوم القيامة وهو يوم الجزاء. فقال اللعين ما أخبر تعالى به عنه: {فإنك من المنظرين} أي الممهلين {الى يوم الوقت المعلوم} وهو فناء بني آدم حيث لم يبق منهم أحد وذلك عند النفخة الأولى. فلما سمع اللعين ما حكم به الرب تعالى عليه قال ما أخبر الله عنه بقوله: {قال رب بما أغويتني} أي بسبب إغوائك {لأزينن لهم في الأرض} أي الكفر والشرك وكبائر الذنوب، و{لأغوينهم} أي لأضلنهم {أجمعين} {الا عبادك منهم المخلصين} فاستثنى اللعين من استخلصهم الله تعالى وأكرمهم بولايته وهم الذين لا يَسْتَبِدُ بهم غضبٌ ولا تتتحكم فيهم شهوة ولا هوى. وقوله تعالى: {قال هذا صراط علي مستقيم} أي هذا طريق مستقيم الي ارعاه واحفظه وهو {إن عبادي لك عليهم سلطان الا من اتبعك من الغاوين} {وإن جهنم} لموعدك وموعد أتباعك الغاوين أجمعين {لها سبعة أبواب} إذ هي سبع طبقات لكل طبقة باب فوقها يدخل معه أهل تلك الطبقة، وهو معنى قوله تعالى: {لكل بابٍ منهم جزء مقسوم} أي نصيب معين وطبقاتها هي: جهنم، لظى، الحطمة، السعير، سقر، الجحيم، الهاوية.

.من هداية الآيات:

1- حرمان إبليس من التوبة لاستمرار غضب الله عليه إلى يوم القيامة.
2- استجاب الله لشر خلقه وهو إبليس فمن الجائز ان يستجيب الله دعاء الكافر لحكمة يريدها الله تعالى.
3- أمضى سلاح يغوي به إبليس بني آدم هو التزين الاشياء حتى ولو كانت دميمة قبيحة يصيرها بوسواسة زينة حسنة حتى يأتيها الآدمي.
4- عصمة الرسل وحفظ الله للاولياء حتى لا يتلوثوا بأوضار الذنوب.
5- طريق الله مستقيم إلى الله تعالى يسلكه الناس حتى ينتهوا إلى الله سبحانه فيحاسبهم ويجزيهم بكسبهم الخير بالخير والشر بالشر.
7- بيان أن لجهنم طبقات واحدة فوق أخرى ولكل طبقة بابها فوقها يدخل معه اهل تلك الطبقة لا غير.

.تفسير الآيات (45- 56):

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47) لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48) نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50) وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (53) قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (55) قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56)}

.شرح الكلمات:

{إن المتقين}: أي الذين خافوا ربهم فعبدوه بما شرع لهم من العبادات.
{ونزعنا ما في صدروهم من غل}: أي حقد وحسد وعداوة وبغضاء.
{على سرر متقابلين}: أي ينظر بعضهم إلى بعض ما داموا جالسين وإذا انصرفوا دارت بهم الأسرة فلا ينظر بعضهم إلى قفا بعض.
{لا يمسهم فسها نصب}: أي تعب.
{العذاب الأليم}: أي الموجع شديد الإيجاع.
{ضيف إبراهيم}: هم ملائكة نزلوا عليه وهم في طريقهم إلى قوم لوط لإهلاكهم كان من بينهم جبريل وكانوا في صورة شباب من الناس.
{إنا منكم وجلون}: أي خائفون وذلك لما رفضوا أن يأكلوا.
{بغلام عليم}: أي بولد ذي علم كثير هو أسحق عليه السلام.
{فيم تبشرون}: أي تعجب من بشارتهم مع كبره بولد.
{من القانطين}: أي الآيسين.

.معنى الآيات:

لما ذكر تعالى جزاء اتباع إبليس الغاوين، ناسب ذكر جزاء عباد الرحمن أهل التقوى والإيمان فقال تعالى مخبراً عما أعد لهم من نعيم مقيم: {إن المتقين} أي الله بترك الشرك والمعاصي {في جنات وعيون} يقال لهم {ادخلوها بسلامٍ آمنين} أي حال كونكم مصحوبين بالسلام آمنين من الخوف والفزع. وقوله: {ونزعنا ما في صدورهم من غل} أي لم يبق الله تعالى في صدور أهل الجنة ما ينغص نعيمها، أو يكدر صفوها كحقد أو حسد أو عداوة أو شحناء. وقوله: {إخواناً على سررٍِ متقابلين} لما طهر صدورهم مما من شأنه ان ينغص أو يكدر، أصبحوا في المحبة لبعضهم بعضاً أخواناً يضمهم مجلس واحد يجلسون فيه على سررٍ متقابلين وجهاً لوجه، وإذا ارادوا الانصراف إلى قصورهم تدور بهم الأسرة فلا ينظر احدهم إلى قفا أخيه. وقوله تعالى: {لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين} فيه الإخبار بنعيمين: نعيم الراحة الأبدية إذ لا نصب ولا تعب في الجنة ونعيم البقاء والخلد فيها إذ لا يخرجون منها ابداً، وفي هذا التقرير لمعتقد البعث والجزاء بأبلغ عبارة واوضحها. وقوله تعالى: {نبئ عبادي اني أنا الغفور الرحيم} أي خبر يا رسولنا عبادنا المؤمنين الموحدين أن ربهم غفور لهم ان عصوه وتابوا من معصيتهم. رحيم بهم فلا يعذبهم. {وأن عذابي هو العذاب الأليم} ونبئهم أيضاً أن عذابي هو العذاب الأليم فليحذروا معصيتي بالشرك بي، أو مخالفة أوامري وغشيان محارمي. وقوله تعالى: {ونبئهم عن ضيف إبراهيم. إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً} أي سلموا عليه فرد عليهم السلام وقدم لهم قرى الضيف وكان عجلاً حيذا، كما تقدم في هود وعرض عليهم الأكل فامتنعوا وهنا قال: {إنا منكم وجلون} أي خائفون، وكانوا جبريل وميكائيل وإسرافيل في صورة لشباب حسان. فلما أخبرهم بخوفه منهم، لأن العادة أن النازل على الإنسان إذا لم ياكل طعامه ذل ذلك على انه يريد به سوء.
{قالوا لا توجل} أي لا تخف، {إنا نبشرك بغلام عليم} أي بولد ذي علم كثير. فرد إبراهيم قائلاً بما أخبر تعالى عنه بقوله: {قال أبشرتموني على أن مسنى الكبر فيم تبشرون} أي هذه البشارة بالولد على كبر سني أو عجيب، فلما تعجب من البشارة وظهرت عليه علامات الشك والتردد في صحة الخبر قالوا له: {بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين} أي الآيسين. وهنا ورد عليهم قائلاً نافياً القنوط عنه لأن القنوط حرام. {ومن يقنط من رحمة به الا الضالون} أي الكافرون بقدرة الله ورحمته لجهلهم بربهم وصفاته المتجلية في رحمته لهم وإنعامه عليهم.

.من هداية الآيات:

1- تقرير نعيم الجنة، وأن بعضها جسماني روحاني معاً دائم أبداً.
2- صفاء نعيم الجنة من كل ما ينغصه أو يكدره.
3- وعد الله بالمغفرة لمن تاب من أهل الإيمان والتقوى من موحديه.
4- وعيده لأهل معاصيه إذ لم يتوبوا إليه قبل موتهم.
5- حرمة القنوط واليأس من رحمة الله تعالى.

.تفسير الآيات (57- 66):

{قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58) إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60) فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (61) قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (62) قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (63) وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (64) فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (65) وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (66)}

.شرح الكلمات:

{قال فما خطبكم}: أي ما شأنكم؟
{الى قوم مجرمين}: هم قوم لوط عليه السلام.
{إنا لمنجوهم أجمعين}: أي لإيمانهم وصالح اعمالهم.
{الغابرين}: أي الباقين في العذاب.
{قوم منكرون}: أي لا أعرفكم.
{بما كانوا فيه يمترون}: أي بالعذاب الذي كانوا يشكون في وقوعه بهم.
{حيث تؤمرون}: أي إلى الشام حيث أمروا بالخروج إليه.
{وقضينا إليه ذلك الأمر}: أي فرغنا إلى لوط من ذلك الامر، وأوحينا إليه أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في الحديث عن ضيف إبراهيم، وها هوذا قد سألهم بما اخبر به تعالى عنه بقوله: {قال فما خطبكم أيا المرسلون} أي ما شأنكم أيها المرسلون من قبل الله تعالى إذ هم ملائكته؟ {قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين} أي على أنفسهم، وعلى غيرهم وهو اللوطيون لعنهم الله. وقوله تعالى: {الا آل لوط} أي آل بيته والمؤمنين معه، {إنا لمنجوهم أجمعين الا امرأته قدرنا} أي قضينا {إنها لمن الغابرين} أي الباقين في العذاب، أي قضى الله وحكم بإهلاكها في جملة من يهلك لأنها كافرة مثلهم، إلى هنا انتهى الحديث مع إبراهيم وانتقلوا إلى مدينة لوط عليه السلام قال تعالى: {فلما جاء آل لوط المرسلون} أي انتهوا اليهم ودخلوا عليهم الدار قال لوط عليه السلام لهم {إنكم قوم منكرون} أي لا أعرفكم وأجابوه قائلين: نحن رسل ربك جئناك بما كان قومك فيه يمترون أي يشكون وهو عذابهم العاجل جزاء كفرهم وإجرامهم، {وأتيناك بالحق} الثابت الذي لا شك فيه {وإنا لصادقون} فيما أخبرناك به وهو عذاب قومه المجرمين. وعليه {فأسر بأهلك بقطع من الليل} أي أسر بهم في جزء من الليل، و{اتبع أدبارهم} أي امش وراءهم وهو أمامك {ولا يلتفت منكم أحد} بأن ينظر وراءه، أي حتى لا يرى ما يسوءه عند نزول العذاب بالمجرمين، وقوله: {وامضوا حيث تؤمرون} أي يأمركم ربكم وقد أمروا بالذهاب إلى الشام، وقوله تعالى: {وقضينا اليه ذلك الأمر ان دابر هؤلاء مقطوع مصبحين} أي وفرغنا إلى لوط من ذلك الأمر، وأوحينا إليه أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين، أي أنهم مهلكون عن آخرهم في الصباح الباكر ما أن يطلع الصباح حتى تقلب بهم الأرض ويهلكوا عن آخرهم.

.من هداية الآيات:

1- التنديد بالإجرام وبيان عقوبة المجرمين.
2- لا قيمة للنسب ولا للمصاهرة ولا عبرة بالقرابة إذا فصل الكفر والإجرام بين الأنساب والأقرباء فأمراة لوط هلكت مع الهالكين ولم يشفع لها أنها زوجة نبي ورسول عليه السلام.
3- مشروعية المشي بالليل لقطع المسافات البعيدة.
4- مشروعية مشي المسئول وكبير القوم وراء الجيش والقافلة أحوالهم، والاطلاع على من يتخلف منهم لأمر، وكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل.
5- كراهية الإشفاق على الظلمة الهالكين، لقوله: {ولا يلتفت منكم أحد} أي: بقلبه.

.تفسير الآيات (67- 79):

{وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67) قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ (68) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ (69) قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ (70) قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (71) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75) وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (77) وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ (78) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ (79)}

.شرح الكلمات:

{وجاء أهل المدينة يستبشرون}: أي ومدينة سدوم، أي فرحين بإتيانهم الفاحشة.
{واتقوا الله ولا تخزون}: أي لا تذلوني في انتهاك حرمة ضيفي.
{أو لم ننهك عن العالمين}: أي عن إجارتك لهم واستضافتك.
{لفي سكرتهم يعمهون}: أي غوايتهم، وشدة غلمتهم التي أزالت عقولهم، يترددون.
{مشرقين}: أي وقت شروق الشمس.
{من سجيل}: أي طين طبخ بالنار.
{لآيات للمتوسمين}: أي الناظرين المعتبرين.
{لبسيل مقيم}: أي طريق قريش إلى الشام مقيم دائم ثابت.
{أصحاب الأيكة}: أي قوم شعيب عليه السلام، والأيكة غيصة شجر بقرب مدين.
{وإنهما لبإمام مبين}: أي قوم لوط، وأصحاب الأيكة لبطريق مبين واضح.

.معنى الآيات:

ما زال السياق مع لوط عليه السلام وضيفه من الملائكة من جهة، وقوم لوط من جهة. قال تعالى: {جاء أهل المدينة} أي مدينة سدوم وأهلها سكانها من اللوطيين، وقوله: {يستبشرون} أي فرحين مسرورين لطعمهم في ايتان الفاحشة، فقال لهم لوط ما أخبر الله تعالى به: {قال إن هؤلاء} يشير إلى الملائكة {ضيفي فلا تفضحون} أي فيه وأي بطلبكم الفاحشة، {وتقوا الله} أي خافوه {ولا تخزون} أي تهينوني وتذلوني. فأجابوا بما اخبر تعالى به عنهم: {قالوا أو لم ننهك عن العالمين} أي أتقول ما تقول ولم تذكر أنا نهيناك عن استضافة أحد من الناس أو تجيره، فأجابهم لوط عليه السلام بما أخبر تعالى به عنه: {قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين} أي هؤلاء بناتي فتزوجوهن إن كنتم فاعلين ما آمركم به أو أرشدكم إليه. وقوله تعالى: {لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون} أي وحياتك يا رسولنا، إنهم أي قوم لوط {لفي سكرتهم} غوايتهم التي أذهبت عقولهم فهبطوا إلى درك أسفل من درك الحيوان، {يعمهون} أي حيارى يترددون، {فأخذتهم الصيحة مشرقين} أي صيحة جبريل عليه السلام مشرقين مع إشراق الشمس. وقوله تعالى: {وأمطرنا عليهم} فوق ذلك {حجارة من سجيل} أي من طين مطبوخ بالنار.. وقوله تعالى: {إن في ذلك لآيات للمتوسمين} أي ان في ذلك المذكور من تدمير مدن كاملة بما فيها لآيات وعبر وعظات للمتوسمين أي الناظرين نظر تفكر وتأمل لمعرفة الأشياء بسماتها وعلاماتها. وقوله تعالى: {وإنها لسبيل مقيم} أي وإن تلك القرى الهالكة لبطريق ثابت باق يمر به أهل مكة في أسفارهم إلى الشام. وقوله: {إن في ذلك لآية للمؤمنين} أي لعبرة للمؤمنين فلا يقدمون على محارم الله، ولا يرتكبون معاصيه. وقوله تعالى: {وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين}. هذا إشارة خاطفة إلى قصة شعيب عليه السلام مع قومه أصحاب الأيكة، والأيكة الفيضة من الشجر الملتف.. وكانت منازلهم بها وكانوا مشركين وهو الظلم في قوله: {وأن كان أصحاب الأيكة لظالمين} لأنفسهم بعبادة غير الله تعالى، وقوله تعالى: {فانتقمنا منهم} أي أهلكناهم بحر شديد يوم الظله وسيأتي الحديث عنهم في سورة الشعراء قال تعالى هناك فأخذتهم عذاب يوم الظله أنه كان عذاب يوم عظيم.
وقوله: {وإنهما لبإمام مبين} الإمام الطريق لأن الناس يمشون فيه وهو أمامهم، ومبين واضح. والضمير في قوله وإنهما عائد على قوم لوط، وقوم شعيب وهم اصحاب الأيكة لا أصحاب مدين لأنه ارسل إلى اصحاب الأيكة والى اهل مدين، والطريق طريق قريش إلى الشام، والقصد من ذكر هذا وعظ قريش وتذكرهم، فهل يتعظون ويتذكرون؟

.من هداية الآيات:

1- بيان إهلاك قوم لوط.
2- إنكار الفاحشة وأنها أقبح فاحشة تعرفها الإنسانية هي إيتان الذكور.
3- بيان دفاع لوط عليه السلام عن ضيفه حتى فداهم.
4- شرف النبي صلى الله عليه وسلم حيث أقسم تعالى بحياته في قوله: {لعمرك}.
5- الحث على نظر التفكير والاعتبار والتفرس فإنه أنفع للعقل البشري.
6- بيان نقمة الله تعالى من الظالمين للاعتبار والاتعاظ.
7- تقريرنبوة الرسول صلى وسلم إذ مثل هذه الأخبار لن تكون الا عن وحي إلهي.

.تفسير الآيات (80- 88):

{وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80) وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (81) وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ (82) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (83) فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (84) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (86) وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87) لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88)}

.شرح الكلمات:

{أصحاب الحجر}: هم قوم صالح ومنازلهم بين المدينة النبوية والشام.
{وآتيناهم آياتنا}: أي في الناقة وهي أعظم آية.
{ما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون}: من بناء الحصون وجمع الأموال.
{الصفح الجميل}: أي اعراض عنهم اعراضاً لا جزع فيه وهذا قبل الأمر بقتالهم.
{سبعاً من الثماني}: هي آيات سورة الفاتحة السيع.
{أزواجاً منهم}: أي أصنافاً من الكفار.
{واخفض منهم}: أي أصنافاً من الكفار.
{واخفض جناحك}: أي ألن جانبك للمؤمنين.

.معنى الآيات:

هذا مشروع في موجز قصة أخرى هي قصة أصحاب الحجر وهم ثمود قوم صالح، قال تعالى: {ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين} وفي هذا موعظة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كذبه قومه من أهل مكة فليصبر على تكذيبهم فقد كذبت قبلهم أقوام. وقال تعالى: {المرسلين} ولم يكذبوا الا صالحاً باعتبار ان من كذب رسولاً فقد كذب عامة الرسل، لأن دعوة الرسل واحدة وهي ان يعبد الله وحده بما شرع لإكمال الإنسان وإسعاده في الحالتين. وقوله: {وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين} إن المراد من الآيات القائمة بالناقة منها أنها خرجت من صخرة، وأنها تشرب ماء البلد يوماً، وانها تقف أمام كل بيت ليحلب اهله منها ما شاءوا، وإعراضهم عنها، عدم ايمانهم وتوبتهم إلى الله تعالى بعد أن آتاهم ما طلبوا من الآيات. وقوله: {وكانوا ينحتون من الجبال بيوتاً} أي كانوا يتخذون بالنحت بيوتاً داخل الجبال يسكونها شتاء آمنين من ان تسقط عليهم لقوتها ومن ان ينالهم برد أو حر لوقايتها لهم، وقوله تعالى: {فأخذتهم الصيحة مصبحين} وذلك صيحة اليوم الرابع وهو يوم السبت فهلكوا أجمعين، {فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون} من المال والعتاد وبناء الحصون بل هلكوا ولم ينجح منهم أحد الا من آمن وعمل صالحاً فقد نجاه الله تعالى مع نبيه صالح عليه السلام. وقوله تعالى: {وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما الا بالحق} أي الا من أجل أن أذكر وأشكر، فلذا من كفر بي فلم يذكرني وعصاني فلم يشكرني اهلكته. لأني لم أخلق هذا الخلق العظيم لهواً وباطلاً وعبثاً. وقوله: {وإن الساعة لآتية} أي حتماً لا محالة وثم يجزي كل بما كسب فلا تحزن على قومك ولا تجزع منهم فإن جزاءهم لازم وآت لابد، فأصبر واصفح عنهم وهو معنى قوله تعالى: {فاصفح الصفح الجميل} أي الذي لا جزع معه. وقوله: {إن ربك هو الخلاق العليم} خلق كل شيء وعلم بما خلق فعلة كثرة المخلوقات يعلم نياتها، وأعمالها، واحوالها ولا يخفى عليه شيء من أمرها كما بدأها ويحاسبها ويجزيها بما كسبت. وهذا من شأنه أن يساعد الرسول صلى الله عليه وسلم على الصبر والثبات على دعوته حتى ينصرها الله تعالى في الوقت الذي حدده لها.
وقوله تعالى: {ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم} أي أعطيناك سورة الفاتحة أم القرآن وأعطيناك القرآن العظيم وهو خير عظيم ولا يقادر قدره. إذاً {لا تمدن عينيك} متطلعاً {إلى ما متعنا به أزواجاً منهم} أي أصنافاً من رجالات قريش. فما آتيناك خير مما هم عليه من المال والحال التي يتمتعون فيها بلذيذ الطعام والشراب. وقوله: {ولا تحزن عليهم} إن هم لم يؤمنوا بك ولم يتابعوك على ما جئت به، فإن أمرهم إلى الله تعالى، وأمره تعالى أن يلين جانبه لأصحابه المؤمنين فقال: {واخفض جناحك للمؤمنين} فحسبك ولاية الله لك فذر المكذبين أولي النعمة، وتعايش مع المؤمنين، ولين جانبك لهم، واعطف عليهم فإن الخير فيهم وليس في أولئك الأغنياء الأثرياء الكفرة الفجرة.

.من هداية الآيات:

1- إذا أراد الله هلاك امة فإن قوتها المادية لا تغني عنها شيئاً.
2- لم يخلق الله الخلق عبثاً بل خلقه ليعبد بالذكر والشكر، فمن عبده نجا، ومن اعرض عن ذكره وترك عبادته أذاقه عذاب الخزي في الدنيا والآخرة أو في الاخرة وهو أشد وأخرى.
3- بيان أن الفصح الجميل هو الذي لا جزع معه.
4- بيان أن من أوتي القرآن لم يؤت أحد مثله من الخير قط.
5- فضل الفاتحة إذ هي السبع المثاني.
6- على الدعاء إلى الله ان لا يلتفتوا إلى ما في أيدي الناس من مالٍ ومتاع، فإن ما آتاهم الله من الايمان والعلم والتقوى خير مما آتى أولئك من المال والمتاع.
7- استحباب لين الجانب للمؤمنين والعطف عليهم والرحمة لهم.