فصل: سورة النحل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.سورة النحل:

.تفسير الآيات (1- 7):

{أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4) وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7)}

.شرح الكلمات:

{أتى أمر الله}: أي دنا وقرب أمر الله بعذابكم أيها المشركون فلا تستعجلون. {ينزل الملائكة بالروح}: أي بالوحي الذي به حياة الأرواح والمراد من الملائكة جبريل. {خلق الإنسان من نطفة}: أي من قطرة المني. {دفء ومنافع}: أي ما تستدفئون به، ومنافع من العسل واللبن واللحم والركوب. {حين تريحون}: أي حين ترونها من مراحها. {وحين تسرحون}: أي وحين إخراجها من مراحها إلى مسارحها أي الأماكن التي تسرح فيها. {الا بشق الأنفس}: أي بجهد الأنفس ومشقة عظيمة.

.معنى الآيات:

لقد استعجل المشركون بمكة العذاب وطالبوا به غير مرة فأنزل الله تعالى قوله: {أتى أمر الله} أي بعذابكم أيها المستعجلون له. لقد دنا منكم وقرب فالنضر بن الحارث القائل: {اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم}، جاءه بعد سُنيات قلائل فهلك ببدر صبراً، إلى جهنم، وعذاب يوم القيامة لمن استعجله قد قرب وقته ولذا عبر عنه بالماضي لتحقق وقوعه مجيئه فلا معنى لاستعجاله فلذا قال الله تعالى: {فلا تستعجلوه} وقوله: {سبحان وتعالى عما يشركون} أي تنزه وتقدس عما يشكرون به من الآلهة الباطلة إذ لا الله الا هو: وقوله: {ينزل الملائكة بالروح من أمره} أي بإرادته وإذنه {على من يشاء من عباده}. أي ينزل جبريل عليه السلام بالوحي على من يشاء من عباده وهو محمد صلى الله عليه وسلم وقوله: {أن أنذروا انه لا إله الا أنا فاتقون} أي بأن انذروا أي خوفوا المشركين عاقبة شركهم فإن شركهم باطل سيجر عليهم عذاباً لا طاقة لهم به، لأنه لا الله الا الله، وكل الآلهة دون باطلة. أذ فاتقوا الله بترك الشرك والمعاصي والا تعرضتم للعذاب الأليم. في هاتين الآيتين تقرير للوحي والنبوة للنبي صلى الله عليه وسلم وتقرير التوحيد أيضاً وقوله تعالى في الآيات التالية: {خلق السموات والأرض بالحق تعالى عما يشركون} استدلال على وجوب التوحيد وبطلان الشرك فالذي خلق السموات والأرض بقدرته وعمله وحده دون ما معين له ولا مساعد حق ان يعبد، لا تلك الآلهة الميتة التي لا تسمع ولا تبصر ولا تنطق {تعالى عما يشركون} أي تنزه وتقدس تعالى عما يشركون به من أصنام وأوثان. وقوله: {خلق الإنسان من نطفة} أي من أضعف شيء واحقره قطرة المني خلقه في ظلمات ثلاث وأخرجه من بطن أمه لا يعلم شيئاً حتى إذ رباه وأصبح رجلاً إذا هو خصيم لله يجادل ويعاند، ويقول من يحيى العظام وهي رميم. وقوله تعالى: {والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون} فهذه مظاهر القدرة الإلهية والعلم والحكمة والرحمة وهي الموجبة لعبادته تعالى وترك عبادة ما سواه.
فالأنعام وهي الإبل والبقر والغنم خلقها الله تعالى لبني آدم ةلم يخلقها لغيرهم، لهم فيها دفء إذ يصنعون الملابس والفرش والأغطية من صوف الغنم ووبر الإبل ولهم فيها منافع كاللين والزبدة والسمن والجبن والنسل جيث تلد كل سنة فينتفعون بأولادها. ومنا يأكلون اللحوم المختلفة فالمنعم هو الواجب العبادة دون غيره من سائر. مخلوقاته وقوله: {ولكم فيها جمال} أي منظر حسن جميل حين تريحونها عشية من المرعى إلى المراح {وحين تسرحون} أي تخرجونها صباحاً من مراحها إلى مراعيها، فهذه لذة روحية ببهجة المنظر. وقوله: {وتحمل أثقالكم إلى بلدٍ لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس} وبذل الجهو والطاقة، لولا الإبل سفن الصحراء ومثل الإبل الخيل والبغال والحمير في حمل الأثقال. فالخلق لهذه الأنعام هو ربكم لا الله الا هو فاعبدوه ولا تشركوا به شيئاً وقوله تعالى: {إن ربكم} أي خالقكم ورازقكم ومربيكم وإلهكم الحق الذي لا الله لكم غير لرؤوف رحيم، ومظاهر رحمته ورأفته ظاهره في كل حياة الإنسان فلولا لطف الله بالإنسان ورحمته له لما عاش ساعة في الحياة الدنيا فلله الحمد وله المنة.

.من هداية الآيات:

1- قرب يوم القيامة فلا معنى لاستعجاله فإنه آتٍ لا محالة، وكل أتٍ قريب.
2- تسمية الوحي بالروح من أجل أنه يحيى القلوب، كما تحيى الأجسام بالأرواح.
3- تقرير التوحيد والنبوة والبعث الآخر بذكر مظاهر القدرة الإلهية والعلم والحكمة والرأفة والرحمة.

.تفسير الآيات (8- 13):

{وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8) وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13)}

.شرح الكلمات:

{ويخلق ما لا تعلمون}: من سائر الحيوانات ومن ذلك السيارات والطائرات والقطر.
{وعلى الله قصد السبيل}: أي تفضلاً وامتناناً ببيان السبيل القاصده وهي الإسلام.
{ومنها جائر}: أي عادل عن القصد وهو سائر الملل كاليهودية والنصرانية.
{ومن شجر}: أي وبسببه يكون الشجر وهو هنا عام في سائر النباتات.
{فيه تسيمون}: ترعون مواشكيم.
{مسخرات بأمره}: أي بإذنه وقدرته.
{وما ذرأ لكم في الأرض}: أي خلق لكم في الأرض من الحيوان والنباتات المختلفة.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في تقرير التوحيد بذكر مظاهر قدرة الله وعلمه وحكمته ورحمته إذ قال تعالى: {والخيل والبغال والحمير} أي خلقها وهو خالق كل شيء لعله ركوبهم إياها إذ قال: {لتركبوها وزينة} أي ولأجل أن تكون زينة لكم في حياتكم وقوله: {ويخلق مالا تعلمون} أي مما هو مركوب وغير مركوب من مخلوقات عجيبة ومن المركوب هذه السيارات على اختلافها والطائرات والقطر السريعة والبطيئة هذا كله إفضاله وإنعامه على عباده فهل يليق بهم أن يكفوره ولا يشكروه؟ وهل يليق بهم أن يشركوا في عبادته سواه. وقوله: {وعلى الله قصد السبيل} ومن إفضاله وإنعامه الموجب لشكره ولعبادته دون غيره أن بين السبيل القاصد الموصل إلى رضاه وهو الإسلام، في حبن أن ما عدا الإسلام من سائر الملل كاليهودية والنصرانية والمجوسية وغيرها سبل جائره عن العدل والقصد سالكوها ضالون غير مهتدين إلى كمال ولا إلى إسعاد هذا معنى قوله تعالى: {وعلى الله قصد السبيل} وقوله: {ولو شاء لهداكم أجمعين} أي لو تعلقت بإرادته هداية الناس أجمعين لهداهم أجمعين وذلك لكمال قدرته وعلمه، الا أن حكمته لم تقتض هداية لكل الناس فهدئ من رغب في الهداية وأضل من رغب في الضلال. ومن مظاهر ربوبيته الموجبة لألوهيته أي عبادته ما جاء في الآيات التالية (10، 11، 12، 13، 14، 15) إذ قال تعالى: {هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب} تشربون منه وتطهرون، {ومنه} أي من الماء الذي أنزل من السماء شجر لأن الشجرة والمراد هنا سائر النباتات يتوقف وجوده على الماء وقوله: {فيه تسيمون} أي في ذلك النبات ترعون مواشيكم. يقال سام الماشية أي ساقها إلى المرعى وسامت الماشية أي رعت بنفسها. وقوله تعالى: {ينبت لكم به} أي بما أنزل من السماء من ماء {الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات} كالفواكه والخضر على اختلافها إذ كلها متوقفة على الماء. وقوله: {إن في ذلك} أي المذكور من نزول الماء وحصول المنافع الكثيرة به {لآية} أي علامة واضحة على وجود الله وقدرته وعلمه وحكمته ورحمته وهي مقتضية لعبادته وترك عبادة غيره. ولكن {لقوم يتفكرون} فيتعظون. أما اشباه البهائم الذين لا يفكرون في شيء فلا يجدون آية ولا شبه آية في الكون كله وهو يعشيون فيه.
وقوله تعالى: {وسخر لكم الليل والنهار} الليل للسكون والراحة، والنهار للعمل ابتغاء الرزق وتسخيرهما كونهما موجودين باستمرار لا يفترقان أبداً إلى أن ياذن الله بانتهائهما وقوله: {والشمس والقمر} أي سخرهما كذلك للانتفاع بضوء الشمس وحرارتها، وضوء القمر لمعرفة عدد السنين والحساب، وقوله: {والنجوم مسخرات بأمره} كذلك ومن فؤائد النجوم الاهتداء بها في ظلمات البر والبحر وكونها زينة وجمالاً للسماء التي هي سقف دارنا هذه. وقوله: {إن في ذلك} المذكور من تسخير الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم {لآيات} عدة يستدل بها على الخالق وعلى وجوب عبادته وعلى توحيده فيها، ولكن {لقوم يعقلون} أي الذين يستخدمون طاقة عقولهم في فهم الأشياء وإدراك اسرارها وحقائقها أما أشباه البهائم والمجانين الذين لا يفكرون ولا يتعقلون ولا يعقلون، فليس لهم في الكون كله آية واحدة يستدلون بها على ربهم ورحمته بهم وواجب شكره عليهم وقوله تعالى: {وما ذرأ لكم في الأرض} أي وما خلق لكم في الأرض من إنسان وحيوان ونبات {مختلفاً ألوانه} وخصائصه وشيانه ومنافعه وآثاره {إن في ذلك} الخلق العجيب {لآية} أي دلالة واضحة على وجود الخالق عز وجل ووجوب عبادته وترك عبادة غيره ولكن {لقومٍ يذكرون} فيتعظون فينتبهون إلى ربهم فيعبدونه وحده بامتثال أمره واجتناب نهيه فيكملون على ذلك ويسعدون في الحياتين.

.من هداية الآيات:

1- كون الخيل والبغال والحمير خلقت للركوب والزينة لا ينفي منفعة أخرى فيها وهي أكل لحوم الخيل لثبوت السنة بإباحة لحوم الخيل، ومنع لحوم البغال والحمير كما في الصحيحين.
2- الإسلام هو السبيل التي بينها تعالى فضلاً منه ورحمة وما عداه فهي سبل جائرة عن العدل والحق.
3- فضيلة التفكر والتذكر والتعقل وذم أضدادها لأن الايات الكونية كالآيات القرآنية إذا لم يتفكر فيها العبد لا يهتدي إلى معرفة الحق المنشود وهو معرفة الله تعالى ليعبده بالذكر والشكر وحده دون سواه.

.تفسير الآيات (14- 19):

{وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18) وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (19)}

.شرح الكلمات:

{حلية تلبسونها}: هي اللؤلؤ والمرجان.
{مواخر فيه}: أي تشقه بجريها فيه مقبلة ومدبرة بريح واحدة وبالبخار اليوم.
{من فضله}: أي من فضل الله تعالى بالتجارة.
{ان تميد بكم}: أي تميل وتتحرك فيخرب ما عليها ويسقط.
{لا تحصوها}: أي عداً فتضبطوها فضلاً عن شكرها للمنعم بها عز وجل.
{ما تسرون وما تلعنون}: عن المكر بالنبي صلى الله عليه وسلم ومن أذاه علانية هذا بالنسبة إلى اهل مكة، إذ الخطاب يتناولهم أولاً ثم اللفظ عام فالله يعلم كل سرٍ وعلانية في أي أحد.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في ذكر مظاهر قدرة الله وعلمه وحكمته ورحمته تلك المظاهر الموجبة لتوحيده وعبادته وشكره وذكره قال تعالى: {وهو الذي سخر لكم البحر} وهو كل ماء غمر كثير عذباً كان أو ملحاً وتسخيره تيسير الغوص فيه وجرى السفن عليه. وقوله: {لتأكلوا منه لحماً طرياً وتستخرجوا منه حلية تلبسونها} بيان لعلة تسخير البحر وهي ليصيد الناس منه السمك يأكلونه، ويستخرجون اللؤلؤ والمرجان حيلة لنسائهم. وقوله: {وترى الفلك مواخر فيه} أي وترى أيها الناظر إلى البحر ترى السفن تمخر الماء أي تشقه ذاهبة وجائية. وقوله: {ولتبتغوا} أي سخر البحر والفلك لتطلبوا الرزق بالتجارة بنقل البضائع والسلع من إقليم إلى إقليم وذلك كله من فضل الله وحوله {لعلكم تشكرون} أي كي تشكروا الله تعالى. أي سخر لكم ذلك لتحصلوا على الرزق من فضل الله فتأكلوا وتشكروا الله على ذلك والشكر يكون بحمد الله والاعتراف بنعمته وصرفها في مرضاته وقوله: {وألقى في الأرض رواسي} أي ألقى في الأرض جبالاً ثوابت {أن تميد بكم} كي لا تميد بكم، وميدانها ميلها وحركتها إذ لو كانت تتحرك لما استقام العيش عليها والحياة فيها. وقوله: {وأنهاراً} أي وأجرى لكهم أنهاراً في الأرض كالنيل والفرات وغيرهما {وسبلاً} أي وشق لكم طرقاً {لعلكم تهتدون} إلى منازلكم في بلادكم وقوله: {وعلامات} أي وجعل لكم علامات للطرق وأمارات كالهضاب والأودية والأشجار وكل ما يستدل به على الطريق والناحية، وقوله: {وبالنجم} أي والنجوم {هم يهتدون} فركاب البحر لا يعرفون وجهة سيرهم في الليل الا النجوم وكذا المسافرون في الصحارى والوهاد لا يعرفون وجهة سفرهم الا بالنجوم وذلك قبل وجود آلة البوصلة البحرية ولم توجد الا على ضوء النجم وهدايته وقوله في الآية (17): {أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون} هذا تأنيب عظيم لأولئك الذين يصرون على عبادة الأصنام ويجادلون عليها ويجالدون فهل عبادة من يخلق ويرزق ويدبر حياة الإنسان وهو الله رب العالمين كعبادة من لا يخلق ولا يرزق ولا يدير؟ فمن يسوي من العقلاء بين الحي المحيي الفعال لما يريد واهب الحياة كلها وبين الأحجار والأوثان؟ فلذا وبخهم بقوله: {أفلا تذكرون} فتذكرون فتعرفون ان عبادة الأصنام باطلة وان عبادة الله حق فتتوبوا إلى ربكم وتسلموا له قبل أن يأتيكم العذاب.
وقوله تعالى: {وإن تعدو نعمة الله لا تحصوها} بعدما عدد في هذه الآيات من النعم الكثيرة أخبر أن الناس لو أرادوا أن يعدوا نعم الله ما استطاعوا عدها فضلاً عن شكرها، ولذا قال: {إن الله لغفور رحيم} ولولا ان كذلك ليؤاخذهم على تقصيرهم في شكر نعمه عليهم ولسلبها منهم عند كفرها وعدم الاعتراف بالمنعم بها عز وجل وقوله تعالى: {والله يعلم ما تسرون وما تعلنون} هذه آخر مظاهر القدرة والعلم والحكمة والنعمة في هذا السياق الكريم فالله وحده يعلم سر الناس وجهرهم فهو يعلم إذا حاجاتهم وما تتطلبه حياتهم، فإذا عادوه وكفروا به فكيف يأمنون على حياتهم ولما كان الخطاب في سياق دعوة مشركي مكة إلى الايمان والتوحيد فالآية اخطار لهم بان الله عليم بمكرهم برسوله وتبييت الشر له وأذاهم له بالنهار. فهي تحمل التهديد والوعيد لكفار مكة.

.من هداية الآيات:

1- بيان العلة في الرزق وانها الشكر لله سبحانه وتعالى يرزق لِيُشكر.
2- إباحة أكل الحوت وكل دواب البحر.
3- لا زكاة في اللؤلؤ والمرجان لأنه من حيلة النساء.
4- المقارنه بين الحي الخلاق العليم، وبين الأصنام الميتة المخلوقة لتقرير بطلان عبادة غير الله تعالى لأن من يَخلُق ليس كمن يَخلَق.
5- عجز الإنسان عن شكر نعم الله تعالى يتطلب منه أن يشكر ما يمكنه منها وكلمة (الحمد لله) تعد رأس الشكر والاعتراف بالعجز عن الشكر من الشكر، والشكر صرف النعم فيما أجله أنعم الله تعالى بها.

.تفسير الآيات (20- 25):

{وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22) لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24) لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25)}

.شرح الكلمات:

{وهم يخلقون}: أي يصورون من الحجارة وغيرها.
{وما يشعرون إيان يبعثون}: أي وما تشعر الأصنام ولا تعلم الوقت الذي تبعث فيه وهو يوم القيامة. ولا يبعث فيه عابدوها من دون الله.
{قلوبهم منكرة}: أي جاحدة للوحدانية والنبوة والبعث والجزاء.
{وهو مستكبرون}: لظلمة قلوبهم بالكفر يتكبرون.
{لا جرم}: أي حقاً.
{أساطير الأولين}: أي أكاذيب الأولين.
{ليحملو أوزارهم}: أي ذنوبهم يوم القيامة.
{ألا ساء ما يزرون}: أي بئس ما يحملون من الأوزار.

.معنى الآيات:

في هذا السياق مواجهة صريحة للمشركين بعد تقدم الأدلة على اشراكهم وضلالهم فقوله تعالى: {والذين يدعون من دون الله} أي تعبدونهم أيها المشركون {أموات غير احياء} أي هم اموات إذ لا حياة لهم ودليل ذلك أنهم لا يسمعون ولا يبصرون ولا ينطقون، وقوله: {وما يشعرون أيان يبعثون} أي لا يعلمون متى يبعثون وهو أموات ولا يعلمون متى يبعثون للاستنطاق والاستجواب والجزاء على الكسب في هذه الحياة، وقوله: {إلهكم إله واحد} هذه النتيجة العقلية التي ينكرها العقلاء وهي أن المعبود واحد لا شريك له، وهو الله جل جلاله، إذ هو الخالق الرازق المدبر المحي المميت ذو الصفات العلا والأسماء الحسنى، وما عداه فلا يخلق ولا يرزق ولا يدبر ولا يحيي ولا يميت فتأليهه سفه وضلال، وبعد تقرير ألوهية الله تعالى واثباتها بالمنطق السليم قال تعالى: {فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون} ذكر علة الكفر لدى الكافرين والفساد عند المفسدين وهي تكذيبهم بالبعث الآخر إذ لا يستقيم عبد على منهج الحق والخير وهو لا يؤمن باليوم الآخر يوم الجزاء على العمل في الحياة الدنيا، فأخبر تعالى أن الذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة لكل ما يسمعون من الحق الذي يدعو اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبينه آيات القرأن الكريم، وهم مع إنكار قلوبهم لما يسمعون من الحق مستكبرون عن قبول الحق والإذعان، وقوله تعالى: {لا جرم الله يعلم ما يسرون وما يعلنون انه لا يحب المستكبرين} أي حقاً ان الله يعلم ما يسر أولئك المكذبون بالآخرة وما يعلنون وسيحصى ذلك عليهم ويجزيهم به لا محالة في يوم كانوا به يكذبون.. ويا للحسرة ويا للندامة!! وهذا الجزاء كان بعذاب النار متسبب عن بغض الله للمستكبرين وعدم حبه لهم، وقوله تعالى: {وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين} يخبر تعالى عن أولئك المنكرة قلوبهم للوحي الإلهي وما جاء به رسول الله هؤلاء المستكبرون كانوا إذا سئلوا عن القرآن من قبل من يريد ان يعرف ممن سمع بالدعوة المحمدية فجاء من بلاد يتعرف عليها قالوا: {أساطير الأولين} أخبار كاذبة عن الأولين مسطره عند الناس فهو يحكيها ويقول بها، وبذلك يصرفون عن الإسلام ويصدون عن سبيل الله، قال تعالى: {ليحملوا أوزارهم} أي تبعة آثامهم وتبعة آثام من صدوهم عن سبيل الله كاملة غير منقوصة يوم القيامة، وهو لا يعلمون ذلك ولكن الحقيقة هي: أن من دعا إلى ضلالة كان عليه وزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزار من عملها شيء، وكذا من دعا إلى هدى فله أجر من عمل به من غير أن ينقص من أجر بهى شيء، وقوله تعالى: {ألا ساء ما يزرون} أي قبح الوزر الذي يزرونه فإنه قائدهم إلى النار موبقهم في نار جهنم.

.من هداية الآيات:

1- بطلان الشرك وتقرير التوحيد.
2- التكذيب باليوم الآخر والبعث والجزاء هو سبب كل شر وفساد يأتيه العبد.
3- التنديد بجريمة الاستكبار عن الحق والإذعان له.
4- بيان اثم وتبعة من يصد عن سبيل الله بصرف الناس عن الإسلام.
5- بيان تبعة من يدعو إلى ضلالة فإنه يتحمل وزر كل من عمل بها.

.تفسير الآيات (26- 34):

{قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (26) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (27) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29) وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (34)}

.شرح الكلمات:

{من قبلهم}: أي من قبل كفار قريش بمكة كالنمرود وغيره.
{فأتى الله بنيانهم}: أي قصد إليه ليدمره فلسط عليه الريح والزلزلة فسقط من أسسه.
{وخر عليهم السقف}: أي سقط لتداعي القواعد وسقوطها.
{كنتم تشاقون فيهم}: أي تخالفون المؤمنين فيهم بعبادتكم إياهم وجدالكم عنه، وتشاقون الله بمخالفتكم إياه بترك عبادته إياها.
{وقال الذين أوتوا العلم}: أي الأنبياء والمؤمنون.
{ظالمي أنفسهم}: بالشرك والمعاصي.
{فألقوا السلم}: أي استسلموا وانقادوا.
{فلبئس مثوى المتكبرين}: مثوى المتكبرن: أي قبح منزل المتكبرين في جهنم مثلاُ.
{وقيل للذين اتقوا}: أي اتقوا الشرك والمعاصي.
{للذين أحسنوا}: أي أعمالهم وأقوالهم ونياتهم فأتوا بها وفق مراد الله تعالى.
{حسنة}: أي الحياة الطيبة حياة العز والكرامة.
{ولنعم دار المتقين}: أي الجنة دار السلام.
{طيبين}: أي الأرواح بما زكوها من الإيمان والعمل الصالح. وبما ابعدوها عنه من الشرك والمعاصي.
{يقولون سرم عليكم}: أي لقبض ملك الموت (عزرائيل) وأعوانه.
{هل ينظرون الا ان تأتيهم الملائكة}: أي لقبض أرواحهم وعند ذلك يؤمنون.
{أو يأتي أمر ربك}: أي بالعذاب أو بقيام الساعة وحشرهم إلى الله عز وجل.
{وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون}: أي نزل بهم العذاب وأحاط بهم وقد كانوا به يستهزئون.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم مع كفار قريش في تذكيرهم وتبصرهم بما هم فيه من الجهالة والصلالة. فيقول تعالى: {قد مكر الذين من قبلهم} أي من قبل مكر كفار قريش وذلك كالنمرود وفرعون وغيرهم كم الجبابرة الذين تطاولوا على الله عز وجل ومكروا برسلهم، فالنمرود ألقى بإبراهيم في النار، وفرعون قال ذروني اقتل موسى وليدع ربه.. وقوله: {فأتى الله بنيانهم من القواعد} أي أتاه أمر الله بهدمه وإسقاطه على الظلمة الطغاة {فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون}. وذهب باطلهم وزال مكرهم. ألم يتعظ بهذا كفرة قريش وهم يمكرون بنبيهم ويبيتون له السوء بالقتل أو النفي أو الحبس؟ وقوله تعالى: {ثم يوم القيامة يخزيهم} أي يهينهم ويذلهم ويوبخهم بقوله: {أين شركائي الذين تشتاقون فيهم} أي أصنامكم وأوثانكم الذين كنتم تخالوني بعبادتكم إياهم دوني كما تشتاقون اوليائي المؤمنين أي تخالفونهم بذلك وتحاربونهم فيه. وهنا يقول الأشهاد والذين أوتوا العلم من الأنبياء والعلماء الربانيين: {إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين} أي إن الذل والهون والدون على الكافرين. وقوله تعالى: {الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} بالشرك والمعاصي ومن جملة المعاصي ترك الهجرة والبقاء بين ظهراني الكافرين والفساق المجرمين حيث لا يتمكن المؤمن من عبادة الله تعالى بترك المعاصي والقيام بالعبادات. وقوله: {فألقوا السلم} أي عند معانيتهم ملك الموت وأعوانه أي استسلموا وانقادوا وحاولوا الاعتذار بالكذب وقالوا {ما كنا نعمل من سوء} فترد عليهم الملائكة قائلين: {بلى} أي كنتم تعملون السوء {أن الله عليم بما كنتم تعملون} ويقال لهم أيضاً {فادخلوا أبواب جهنم} أي ابواب طبقاتها {خالدين فيها فلبئس} جهنم {مثوى} أي مقاماُ ومنزلاً {للمتكبرين} عن عبادة الله وحده.
وقوله تعالى: {وقيل للذين اتقوا} أي ربهم فلم يشركوا به ولم يعصوه في أمره ولا نهيه واطاعو رسوله كذلك: {ماذا أنزل ربكم} أي إذا سألهم من أتى مكة يتعرف على ما بلغه من دعوة الإسلام فيقولون له: {خيراً} أي أنزل خيراً لأن القرآن خير وبالخير نزل بخلاف تلاميذ المشركين يقولون اساطير الاولين كما تقدم في هذا السياق.
كما ذكر تعالى جزاء الكافرين من العذاب في نار جهنم وهم الذين أساءوا في هذه الحياة الدنيا إلى أنفسهم بشركهم بالله ومكرهم وظلمهم للمؤمنين، ذكر جزاء المحسنين. فقال: {للذين أحسنوا} أي آمنوا وعملوا الصالحات متبعين شرع الله في ذلك فأخلصوا عبادتهم لله تعالى ودعوا الناس إلى عبادة الله وحثوهم على ذلك فكانوا بذلك محسنين لأنفسهم ولغيرهم لهؤلاء الذين أحسنوا في الدنيا {حسنة} وهي الحياة الطيبة حياة الطهر والعزة والكرامة، ولدار خيرٌ لهم من دار الدنيا مع ما فيها من حسنة وقوله تعالى: {ولنعم دار المتقين} ثناء ومدح لتلك الدار الآخرة لما فيها من النعيم المقيم وإضافتها إلى المتقين باعتبار أنهم اهلها الجديرون بها إذ هي خاصة بهم ورثوها بإيمانهم وصالح أعمالهم بتركهم الشرك والمعاصي.
وقوله تعالى: {جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاءون} هو وصف وبيان لدار المتقين فأخبر أنها جنات جمع جنة وهي البستان المشتمل على الأشجار والانهار والقصور وما لذ وطاب من المطاعم والمشارب والملابس والمناكح والمراكب وقوله تعالى: {لهم فيها ما يشاءون} هذا نهاية لإكرام والإنعام إذ كون العبد يجد كل ما يشتهي ويطلب هو نعيم لا مزيد عليه وقوله تعالى: {كذلك يجزي الله المتقين} أي كهذا الجزاء الحسن العظيم يجزي الله المتقين في الدنيا والاخرة. وقوله تعالى: {الذين تتوفاهم الملائكة طيبين} أي طاهري الأرواح لأرواحهم ريح طيبة ثمرة إيمانهم وصالح أعمالهم ونتيجة بعدهم عما يدنس انفسهم من أوضار الشرك وعفن المعاصي وقوله: {يقولون} أي تقول لهم المكلائكة وهم ملك الموت واعوانه {سلام عليكم} تحييهم وفي ذلك بشارة لهم برضا ربهم وجواره الكريم. {ادخلوا الجنة} بأرواحهم اليوم وبأجسامهم غداً يوم القيامة. وقوله: {بما كنتم تعملون} أي بسبب ما كنتم تعملونه من الطاعات والمسابقة في الخيرات بعد عمل قلوبكم بالايمان واليقين والحب في الله والبغض فيه عز وجل والرغبة والتوكل عليه. هذا ما تضمنته الآيات (31، 32) وأما الآيات بعد ذلك فيقول الله مستبطئاً ايمان قريش وتوبتهم بعد تلك الحجج والبراهين والدلائل والبينات على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وعلى وجوب التوحيد وبطلان الشرك وعلى الايمان باليوم الآخر.
{هل ينظرون الا أن تأتيهم الملائكة} أي ما ينظرون بعد هذا الا ان تأتيهم الملائكة لقبض أرواحهم {أو يأتي أمر ربك} بإبادتهم واستئصالهم، إذ لم يبق ما ينتظرونه الا أحد هذين الأمرين وكلاهما مر وشر لهم. وقوله تعالى: {كذلك فعل الذين من قبلهم} من كفار الأمم السابقة فحلت بهم نقمة الله ونزل بهم عذابه فأهلكهم. {وما ظلمهم الله} تعالى في ذلك أبداً {ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} بإصرارهم على الشرك والعناد والمجاحدة والمكابرة {فأصابهم سيئات} أي جزاء سيئات {ما عملوا} من الكفر والظلم {وحاق بهم} أي نزل بهم وأحاط بهم {ما كانوا يستهزئون} إذ كانت رسلهم إذا خوفتهم من عذاب الله وسخروا منهم واستهزأوا بالعذاب واستخفوا به حتى نزل بهم والعياذ بالله تعالى.

.من هداية الآيات:

1- سوء عاقبة المكر وأنه يحيق بأهله لا محالة والمراد به المكر السيء.
2- بيان خزي الله تعالى يوم القيامة لأهل الشرك به والمعاصي له ولرسوله.
3- فضل أهل العلم إذ يتخذ منهم شهداء يوم القيامة ويشتمون بأهل النار.
4- بيان استسلام الظلمة عند الموت وانهزامهم وكذبهم.
5- تقرير معتقد البعث والحياة الاخرة بأروع أسلوب وأحكمه وأمنته.
6- إطلاق لفظ خير على القرآن وهو حق خير فالذي أوتي القرآن أوتي الخير كله، فلا ينبغي ان يرى احداً من أهل الدنيا خيراً منه والا سخط نعمة الله تعالى عليه.
7- سعادة الدارين لأهل الإحسان وهم أهل الإيمان والإسلام والإحسان في إيمانهم بالاخلاص وفي إسلامهم بموافقة الشرع ومراقبة الله تعالى في ذلك.
8- بشرى أهل الإيمان والتقوى عند الموت، وعن القيام من القبور بالنعيم المقيم في جوار رب العالمين.
9- إعمال القلوب والجوارح سبب في دخول الجنة وليست ثمناً لها لغلائها، وإنما الأعمال تزكي النفس وتطهر الروح وبذلك يتأهل العبد لدخول الجنة.
10- ما ينتظر المجرمون بإصرارهم على الظلم والشر والفساد الا العذاب، عاجلاً أو آجلاً فهو نازل بهم حتماً مقضياً إن لم يبادروا إلى التوبة الصادقة.