فصل: تفسير الآيات (41- 44):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (41- 44):

{وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)}

.شرح الكلمات:

{والذين هاجروا في الله}: أي خرجوا من مكة في سبيل الله ونصرة لدينه وإقامته بين الناس.
{لنبوئنهم في الدنيا حسنة}: أي لننزلهم داراً حسنة هي المدينة النبوية هذا بالنسبة لمن نزلت فيهم الآية.
{الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون}: أي على أذى المشركين وهاجروا متوكلين على ربهم في دار هجرتهم.
{فاسألوا أهل الذكر}: أي أيها الشاكون فيما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فاسألوا أهل التوارة والإنجيل لإزالة شككم ووقوفكم على الحقيقة وأن ما جاء به محمد حق وأن الرسل قبله كلهم كانوا بشراً مثله.
{بالبينات والزبر}: أي أرسلناهم بشراً بالبينات والزبر لهداية الناس.
{وانزلنا إليك الذكر}: أي القرآن.
{لتبين للناس ما نزل إليهم}: علة لإنزال الذكر إذ وظيفة الرسل، البيان.

.معنى الآيات:

أنه بعد اشتداد الأذى على المؤمنين لعناد المشركين وظغيانهم، أذن الله تعالى على لسان رسوله للمؤمنين بالهجرة من مكة إلى الحبشة ثم إلى المدنية فهاجر رجال ونساء فذكر تعالى ثناء عليهم وتشجيعاً على الهجرة من دار الكفر فقال عز وجل: {والذين هاجروا في الله} أي في ذات الله ومن أجل عبادة الله ونصرة دينه {من بعد ما ظلموا} أي من قبل المشركين {لنبوئنهم} أي لننزلهم ولنسكننهم {في الدنيا حسنة} وهي المدينة النبوية ولنرزقنهم فيها رزقاً حسناً هذا بالنسبة لمن نزلت فيهم الآية، والا فكل من هاجر في الله ينجز له الرب هذا الوعد كما قال تعالى: {ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الارض مراغماً كثيراً واسعة} أي في العيش والرزق {ولأجر الآخرة} المعد لمن هاجر في سبيل الله {اكبر لو كانوا يعلمون}. هذا ترغيب في الهجرة وتشجيع للمتباطئين على الهجرة وقوله: {الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون} بيان لحالهم وثناء عليهم بخير لأنهم صبروا أولاً على الأذى في مكة لما أذن لهم بالهجرة وهاجروا متوكلين على الله تعالى مفوضين امورهم اليه، واثقين في وعده. هذا ما دلت عليه الآيتان (41)، (42). وأما الآية الثالثة (43) والرابعة من هذا السياق فهما تقرير حقيقة علمية بعد إبطال شبهة المشركين القائلين كيف يرسل الله محمداً رسولاً وهو بشر مثلنا لم يرسل ملكاً.. وهو ما أخبر الله تعالى في قوله: {وما أرسلنا من قبلك} أي من الرسل {إلا رجالاً} لا ملائكة {نوحي إليهم} بأمرنا وهو الكتاب الأول أي أسالوا علماء أهل الكتاب اليهود والنصارى هل كان الله تعالى يرسل الرسل من غير البشر {إن كنتم لا تعمون} فإنهم يخبرونكم. وما موسى ولا عيسى الا بشر، وقوله: {بالبينات والزبر} أي أرسلنا أولئك الرسل من البشر بالبينات أي الحجج والدلائل الدالة على وجوب عبادتنا وترك عبادة من سوانا. والزبر أي الكتب. ثم يقول تعالى لرسوله: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} وفي هذا تقرير لنبوته وقوله: {ولعلهم يتفكرون} فيعرفون صدق ما جئتهم به فيؤمنوا. ويتوبوا إلى ربهم فينجوا ويسعدوا.

.من هداية الآيات:

1- فضل الهجرة ووجوبها عند اضطهاد المؤمن وعدم تمكنه من عبادة الله تعالى.
2- وجوب سؤال أهل العلم على كل من لا يعلم أمور دينه من عقيدة وعبادة وحكم.
3- السنة لا غنى عنها لأنها المبينة لمجمل القرآن والموضحة لمعانيه.

.تفسير الآيات (45- 50):

{أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (47) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (48) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50)}

.شرح الكلمات:

{مكروا السيئات}: أي مكروا المكرات السيئات فالسيئات وصف للمكرات التي مكروها.
{في تقلبهم}: أي في البلاد مسافرين للتجارة وغيرها.
{على تخوف}: أي تنقص.
{يتفيئوا ظلاله}: أي تتميل من جهة إلى جهة.
{سجداً لله}: أي خضعاً لله كلما أراد منهم.
{داخرون}: أي صاغرون ذليلون.
{من فوقهم}: من أعلى منهم إذ هو تعالى فوق كل شيء ذاتاً وسلطاناً وقهراً.
{ما يؤمرون}: أي ما يأمرهم ربهم تعالى به.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في تخويف المشركين وتذكيرهم لعلهم يرجعون بالتوبة من الشرك والجحود للنبوة والبعث والجزاء. قال تعالى: {أفأمن الذين مكروا} المكرات {السيئات} من محاولة قتل النبي صلى الله عليه وسلم والشرك والتكذيب بالنبوة والبعث وظلم المؤمنين وتعذيب بعضهم، أفامنوا {أن يخسف الله بهم الأرض} من تحتهم فيقرون في اعماقها، {أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون} ولا يتوقعون من ريح عاصف تعصف بهم أو وباء يشملهم أو قحط يذهب بمالهم. وقوله تعالى: {أو يأخذهم في تقلبهم} أي في تجارتهم وأسفارهم ذاهبين آيبين من بلد إلى بلد. {فما هم بمعجزين} له تعالى لو أراد أخذهم وإهلاكهم. وقوله تعالى: {او يأخذهم على تخوف} أي تنقص بان يهلكهم واحداً أو جماعة بعد جماعة حتى لا يبقى منهم أحداً، وقد أخذ منهم ببدر من اخذ وفي أحد. وقوله تعالى: {فإن ربكم لرؤوف رحيم} تذكير لهم برأفته ورحمته إذ لولاهما لأنزل بهم نقمته وأذاقهم عذابه بدون إنظار لتوبة أو إمهال لرجوع إلى الحق. وقوله تعالى: {أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء} من شجر وجبل وإنسان وحيوان {يتفيئوا ظلاله} بالصباح والمساء {عن اليمين والشمائل} جمع شمال {سجداً لله} خضعاً بظلالهم {وهم داخرون} أي صاغرون ذليلون. أما يكفيهم ذلك دلالةً على خضوعهم لله وذلتهم بين يديه، فيؤمنوا به ويعبدونه ويوحدونه فينجوا من عذابه ويفوزوا برحمته. وقوله تعالى: {ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة} أي ولله لا لغيره يسجد بمعنى يخضع وينقاد لما يريده الله تعالى من إحياء أو إماتة أو صحة أو مرض أو خير أو غيره من دأبة من كل يدب من كائن على هذه الأرض {والملائكة} على شرفهم يسجدون {وهم لا يستكبرون} عن عبادة ربهم {ويخافون ربهم منم فوقهم} إذ هو العلي الأعلى وكل الخلق تحته. {ويفعلون ما يؤمرون} فلا يعصون ربهم ما أمرهم. إذا كان هذا حال الملائكة فما بال هؤلاء المشركين يلجون في الفساد والاستكبار والجحود والمكابرة وهم أحقر سائر المخلوقات، وشر البريات إن بقوا على كفرهم وشركهم.

.من هداية الآيات:

1- حرمة الأمن من مكر الله.
2- كل شيء ساجد لله، أي خاضع لما يريده منهم، الا ان السجود الطوعي الاختياري هو الذي يثاب عليه العبد، أما الطاعة اللا إرادية فلا ثواب فيها ولا عقاب.
3- فضل السجود الطوعي الاختياري.
4- مشروعية السجود عند هذه الآية: إذا قرأ القارئ أو المستمع: {يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون}، عليه أن يسجد ان كان متطهراً إلى القبلة أن امكن ويسبح في السجود ويكبر في الخفض والرفع ولا يسلم، ولا يسجد عند طلوع الشمس ولا عند غروبها.

.تفسير الآيات (51- 56):

{وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52) وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53) ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55) وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (56)}

.شرح الكلمات:

{لا تتخذوا إلهين}: أي تعبدونهما إذ ليس لكم الا الله واحد.
{وله ما في السموات والأرض}: أي خلقنا وملكاً، إذا فما تعبدونه مع الله هو لله ولم يأذن بعبادته.
{فإليه تجأرون}: أي ترفعون أصواتكم بدعائه طالبين الشفاء منه.
{فتمتعوا فسوف تعلمون}: تهديد على كفرهم وشركهم ونسائهم دعاء الله تعالى.
{ويجعلون لما لا يعلمون نصيباً}: أي يجعلون لآلهتهم نصيباً من الحرث والأنعام.
{عما كنتم تفترون}: أي تختلفون بالكذب وتفترون على الله عز وجل.

.معنى الآيات:

بعد إقامة الحجج على التوحيد وبطلان الشرك اخبرهم ان الله ربهم رب كل شيء قد قال لهم: أيها الناس {لا تتخذوا إلهين اثنين} فلفظ اثنين توكيد للفظ إلهين أي لا تعبدوا إلهين بل اعبدوا غلهاً واحداً وهو الله إذ ليس من الله الا هو فكيف تتخذون الهين والحال انه {إله واحد} لا غير وهو الله الخالق الرازق المالك، ومن عداه من مخلوقاته كيف تُسوى به وتعبد معه؟ وقوله تعالى: {فإياي فارهبون} أي ارهبوني وحدي ولا ترهبوا سواي إن بيدي كل شيء، وليس لغيري شيء فأنا المحيي المميت، الضار النافع، يوبخهم على رهبتهم غيره سبحانه وتعالى من لا يستحق ان يرهب لعجزه وعدم قدرته على ان ينفع أو يضر. وقوله تعالى: {وله ما في السموات والأرض} برهان على بطلان رهبة غيره أو الرغبة في سواه ما دام له ما في السموات والأرض خلقاً وملكاً. وقوله: {وله الدين واصباً} أي العبادة والطاعة دائماً وثابتاً واجياً، الا لله الدين الخالص. وقوله تعالى: {أفغير الله تتقون} يوبخهم على خوف سواه وهو الذي يجب ان يرهب ويخاف لانه الملك الحق القادر على إعطاء النعم وسبلها، فكيف يتقى من لا يملك ضراً ولا نفعاً ويعصى من بيده كل شيء وإليه مرد كل شيء، وما شاءه كام وما لم يشأه لم يكن. وقوله: {وما بكم من نعمةٍ فمن الله} يخبرهم تعالى بالواقع الذي يتنكرون له فيخبرهم أنه ما بهم من نعمة جلت أو صغرت من صحةٍ أو مالٍ أو ولد فهي من الله تعالى خالقهم وهو أنهم إذا مسهم الضر من فقرٍ أو مرض أو تغير حال كخوف غرقٍ في البحر فإنهم يرفعون أصواتهم إلى أعلاها مستغيثين بالله سائلينه أن يكشف ضرهم أو ينجيهم من هلكتهم المتوقعة لهم فقال عز وجل: {ثم إذا مسكم الضر فإليه} دون غيره {تجأرون} رفع أصواتكم بالدعاء والإستغاثة به سبحانه وتعالى وقوله: {ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق} كبير {منكم بربهم يشركون} فيعبدون غيره بأنواع العبادات متناسين الله الذي كشف ضرهم وأنجاهم من هلكتهم.
وقوله: {ليكفروا بما آتيناهم} أي ليؤول أمرهم إلى كفران ونسيان ما آتاهم الله من نعمٍ وما أنجاهم من محن.
أفهكذا يكون الجزاء؟ أينعم بكل أنواع النعم وينجى من كل كرب ثم ينسى له ذلك كله، ويعبد غيره؟ بل ويحارب دينه ورسوله؟ إذا {فتمتعوا} أيها الكافرون {فسوف تعلمون} عاقبة كفركم وإعراضكم عن طاعة الله وذكره وشكره. وقوله تعالى: {ويجعلون لما لا يعلمون نصيباً مما رزقناهم} وهذا ذكر لعيب آخر من عيوبهم وباطلٍ من باطلهم أنهم يجعلون لأوثانهم التي لا يعلمون عنها شيئاً من نفعٍ أو ضر أو إعطاء أو منع أو إماتة أو أحياء يجعلونها لها طاعة للشيطان نصيباً وحظاً من أموالهم يتقربون به إليها فسيبوا لها السوائب، وبحروا لها البحائر من الأنعام، وجعلوا لها من الحرث والغرس كذلك كما جاء ذلك في سورة الأنعام والمائدة قبلها: وقوله تعالى: {تالله لتسئلن عما كنتم تفترون} أقسم الجبار لهم تهديداً لهم وتوعداً أنهم سيسألون يوم القيامة عما كانوا يفترون أي من هذا التشريع الباطل حيث يحرمون ويحللون ويعطون آلهتهم ما شاءوا وسوف يوبخهم عليه ويجزيهم به جهنم وبئس المهاد.

.من هداية الآيات:

1- تقرير التوحيد بعبادة الله تعالى وحده.
2- وجوب الرهبة من الله دون سواه.
3- وجوب الدين لله إذ هو الإله الحق دون غيره.
4- كل نعمة بالعبد صغرت أو كبرت فهي من الله سبحانه وتعالى.
5- تهديد المشركين إن أصروا على شكرهم وعدم توبتهم.
6- التنديد بالمشركين وتشريعهم الباطل بالتحليل والتحريم والاعطاء والمنع.

.تفسير الآيات (57- 62):

{وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ (57) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59) لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60) وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (61) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (62)}

.شرح الكلمات:

{ويجعلون لله البنات}: إذ قالوا الملائكة بنات الله.
{ولهم ما يشتهون}: أي الذكور من الأولاد.
{ظل وجهه مسوداً}: أي متغيراً بالسواد لما عليه من كرب.
{وهو كظيم}: أي ممتلئ بالغم.
{أم يدسه في التراب}: أي يدفن تلك المولودة حية وهو الوأُد.
{مثل السوء}: أي الصفقة القبيحة.
{ولله المثل الأعلى}: أي الصفة العليا وهي لا إله الا الله.
{أن لهم الحسنى}: أي الجنة إذ قال بعضهم ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى.
{وأنهم مفرطون}: أي مقدمون إلى جهنم متروكون فيها.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في بيان أخطاء المشركين في اعتقادهم وسلوكهم فقال تعالى: {ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون} وهذا من سوء أقوالهم وأقبح اعتقادهم حيث ينسبون إلى الله تعالى البنات، إذ قالوا الملائكة بنات الله في الوقت الذي يكرهون نسبة البنات إليهم، حتى إذا بشر أحدهم بأنثى بأن اخبر بانه ولدت له بنت ظل نهاره كاملاً في غم وكرب {وجهه مسوداً وهو كظيم} ممتلئ بالغم والهم. {يتوارى} أي يستتر ويختفي عن أعين الناس خوفاً من المعرة، وذلك {من سوء ما بشر به} وهو البنت وهو في ذلك بين أمرين إزاء هذا المبشر به: إما أن يمسكه. أن يبقيه في بيته بين أولاده {على هون} أي مذلة وهوان، وإما أن {يدسه في التراب} أي يدفنه حياً وهو الوأد المعروف عندهم. قال تعالى مندداً بهذا الإجرام: {ألا ساء ما يحكمون} في حكمهم هذا من جهة نسبة البنات لله وتبرئهم منها، ومن جهة وأد البنات أو إذلالهن، قبح حكمهم الجاهلي هذا من حكم. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (57) وهي قوله: {ويجعلون لله البنات} حيث قالوا الملائكة بنات الله {سبحانه} أي نزه تعالى نفسه عن الولد والصحابة فلا ينبغي أن يكون له ولد ذكراً كان أم أنثى لأنه كل شيء ومليكه فما الحاجة إلى الولد إذا؟ والآية الثانية (58) وهي قوله تعالى: {وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً} أي أقام النهار كله مسود الوجه من الغم {وهو كظيم} أي ممتلئ بالغم والهم، {يتوارى من القوم من سوء ما بشر به} أي البنت {أيمسكه على هون أم يدسه في التراب الا ساء ما يحكمون} وقوله تعالى: {الذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء} يخبر تعالى ان الذين لا يؤمنون بالآخرة وهو منكروا البعث الاخر لهم المثل السوء أي الصفة السوء وذلك لجهلهم وظلمة نفوسهم لأنهم لا يعلمون خيراً ولا يتركون شراً، لعدم إيمانهم بالحساب والجزاء فهؤلاء لهم الصفة السوأى في كل شيء. {ولله المثل الأعلى} أي الصفة الحسنى وهو أنه لا إله الا الله منزه عن النقائص رب كل شيء ومالكه، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، لا شريك له ولا ند له ولا ولد وقوله: {وهو العزيز الحكيم} ثناء على نفسه بأعظم وصف العزة والقهر والغلبة لكل شيء والحكمة العليا في تدبيره وتصريفه شؤون عباده، وحكمه وقضائه لا الله الا هو رب سواه.
وقوله تعالى في الآية (61): {ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها} أي على الأرض {من دابة} أي نسمة تدب على الأرض من إنسان أو حيوان فهذه علة عدم مؤاخذة الذين لا يؤمنون بالآخرة وهم يفسدون ويجرمون وهذا الإهمال تابع لحكم عالية أشار إلى ذلك بقوله: {ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى} أي وقت معين محدد قد يكون نهاية عمر كل أحد، وقد يكون نهاية الحياة كلها فإذا جاء ذلك الأجل لا يستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون عنه أخرى ثم يجزيهم بأعمالهم السيئة بمثلها وما هو عز وجل بظلام للعبيد.
وآخر آية في هذا السياق (62) تضمنت التنديد بسوء الحال الذين لا يؤمنون بالآخرة وذلك أنهم لجهلهم بالله وقبح تصورهم لظلمه نفسوهم أنهم يجعلون لله تعالى ما يكرهونه لأنفسهم من البنات والشركاء وسب الرسول وازدرائه، ومع هذا يتبجحون بالكذب بان لهم الحسنى أي الجنة يوم القيامة. فرد تعالى على هذا الأفتراء والهراء السخيف بقوله: {لا جرم} أي حقاً وصدقاً ولا محالة {أن لهم النار} بدل الجنة {وأنهم مفرطون} إليها مقدرون متروكون فيها أبداً. هذا ما تضمنته الآية في قوله تعالى: {ويجعلون لله ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب ان لهم الحسنى لا جرم ان لهم النار وأنهم مفرطون} وإن قرئ مفرطون باسم الفاعل فهم حقاً مفرطون في الشر والفساد والكفر والضلال والانحطاط إلى ابعد حد.

.من هداية الآيات:

1- بيان الحال الإجتماعية التي كان عليها المشركون وهي كراهيتهم للبنات خوف العار.
2- بيان جهلهم بالرب تعالى فهم يؤمنون به ويجهلون صفاته حتى نسبوا اليه الولد والشريك.
3- بيان العلة في ترك الظلمة يتمادون زمناً في الظلم والشر والفساد.
4- بيان سوء اعتقاد الذين لا يؤمنون بالآخرة وهو أنهم ينسبون إلى نفوسهم الحسنى ويجعلون لله ما يكرهون من البنات والشركاء وسب الرسل وامتهانهم.

.تفسير الآيات (63- 66):

{تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64) وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66)}

.شرح الكلمات:

{تالله}: أي والله.
{أرسلنا إلى أمم من قبلك}: أي رسلاً.
{فزين لهم الشيطان أعمالهم}: فكذبوا لذلك الرسل.
{فهو وليهم اليوم}: أي الشيطان هو وليهم أي في الدنيا.
{إن في ذلك لآية}: أي دلالة واضحة على صحة عقيدة البعث الآخر.
{لآية لقوم يسمعون}: أي سماع تدبر وتفهم.
{لعبرة}: أي دلالة قوية يعبر بها من الجهل إلى العلم لان العبرة من العبور.
{من بين فرثٍ}: أي ثفل الكِرْش، أي الروث الموجود في الكرش.
{لبناً خالصاً}: أي ليس فيه شيء من الفرث ولا الدم، لا لونه ولا رائحته ولا طعمه.

.معنى الآيات:

يقسم الله تعالى بنفسه لرسوله فيقول بالله يا رسولنا {لقد أرسلنا} رسلاً {الى أمم من قبلك} كانوا مشركين كافرين كأمتك {فزين لهم الشيطان اعمالهم} فقاموا رسلنا وحاربوهم واصروا على الشرك والكفر فتولاهم الشيطان، لذلك {فهو وليهم اليوم} أي في الدنيا {ولهم} في الآخرة {عذاب أليم}، والسياق الكريم في تسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذا قال تعالى في الآية الثانية: {وما أنزلنا عليك الكتاب} أي لإرهاقك وتعذيبك ولكن لأجل أن تبين للناس الذي اختلفوا فيه من التوحيد والشرك والهدى والضلال. كما أنزلنا الكتاب هدى يهتدى به المؤمنون إلى سبل سعادتهم ونجاحهم، ورحمة تحصل لهم بالعمل به عقيدة وعبادة وخلقاً وأدباً وحكماً، فيعيشون متراحمين تسودهم الأخوة والمحبة وتغشاهم الرحمة والسلام.
بعد هذه التسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عاد السياق إلى الدعوة إلى التوحيد وعقيدة البعث والجزاء بعد تقرير النبوة المحمدية بقوله تعالى: {تالله لقد أرسلنا} الآية فقال تعالى: {والله انزل من السماء ماء فأحيا بها الارض بعد موتها} الماء هو ماء المطر وحياة الارض بالنبات انزل بعدما كانت ميتة لا نبات فيها وقوله: {إن في ذلك} المذكور من إنزال الماء من السماء واحياء الارض بعد موتها {لآية} واضحة الدلالة قاطعة على وجوده تعالى وقدرته وعمله ورحمته كما هو آية على البعث بعد الموت من باب أولى. وقوله تعالى: {وإن لكم في الأنعام لعبرة} أي حالاً تعبرون بها من الجهل إلى العلم... من الجهل بقدرة الله ورحمته ووجوب عبادته بذكره وشكره إلى العلم بذلك والمعرفة به فتؤمنوا وتوحدوا وتطيعوا.. وبين وجه العبرة العظمية فقال: {نسقيكم مما في بطونه} أي بطون المذكور من الأنعام {من بين فرث ودم ةولبناً خالصاً سائغاً للشاربين} فسبحان ذي القدرة العجيبة والعلم الواسع والحكمة التي لا يقادر قدرها.. اللبن يقع بين الفرث والدم، فينتقل الدم إلى الكبد فتوزعه على العروق لبقاء حياة الحيوان، واللبن يساق إلى الضرع، والفرث يبقى أسفل الكرش، ويخرج اللبن خالصاً من شائبة الدم وشائبة الفرث فلا يرى ذلك في لون اللبن ولا يشم في رائحته ولا يوجد في طعامه بدليل انه سائع للشاربين، فلا يغص به شارب ولا يشرق به، حقاً انها عبرة من اجل العبر تنقل صاحبها إلى نور العلم والمعرفة بالله في جلاله وكماله، فتورثه محبة الله وتدفعه إلى طاعته والتقرب إليه.

.من هداية الآيات:

1- بيان ان الله يقسم بنفسه وبما شاء من خلقه.
2- بيان ان الله ارسل رسلاً إلى أمم سبقت وان الشيطان زين لها اعمالها فخذلها.
3- تقرير النبوة وتسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم من جراء ما يلقاه من المشركين.
4- بيان مهمة رسول الله وأنها بيان ما أنزل الله تعالى لعباد وحيه في كتابه.
5- بيان كون القرآن الكريم هدًى ورحمة للمؤمنين الذين يعملون به.
6- دليل البعث والحياة الثانية احياء الأرض بعد موتها فالقادر على إحياء الأرض بعد موتها قادر على إحياء الأموات بعد فنائهم وبلاهم.