فصل: تفسير الآيات (56- 60):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (56- 60):

{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57) وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (58) وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (59) وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا (60)}

.شرح الكلمات:

{فلا يملكون}: أي لا يستطيعون.
{كشف الضر}: أي بإزالته بشفاء المريض.
{ولا تحويلا}: أي للمرض من شخص مريض إلى آخر صحيح ليمرض به.
{يدعون}: أي ينادونهم طالبين منهم أو متوسلين بهم.
{يبتغون إلى ربهم الوسلية}: أي يطلبون القرب منه باالطاعات وأنواع القربات.
{كان محذوراً}: أي يحذره المؤمنون ويحترسون منه بترك معاصي الله تعالى.
{في الكتاب مسطوراً}: أي في كتاب المقادير الذي هو اللوح المحفوظ مكتوباً.
{أن نرسل بالآيات}: أي بالآيات التي طلبها أهل مكة كتحويل الصفا إلى جبل ذهب. أو إزالة جبال مكة لتكون أرضاً زراعية وإجراء العيون فيها.
{إلا ان كذب بها الأولون}: إذ طالب قوم بالآية ولما جاءتهم كفروا بها فأهلكهم الله تعالى.
{الناقة مبصرة}: أي وأعطينا قوم صالح الناقة آية مبصرة واضحة بينة.
{فظلموا بها}: أي كفروا بها وكذبوا فأهلكهم الله تعالى.
{إلا تخويفاً}: إلا من أجل تخويف العباد بأنا إذا أعطيناهم الآيات ولم يؤمنوا أهلكناهم.
{أحاط بالناس}: أي قدرة وعلما فهم في قبضته وتحت سلطانه فلا تخفهم.
{وما جعلنا الرؤيا}: هي ما رآه الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة الأسراء والمعراج عن عجائب خلق الله تعالى.
{والشجرة المعلونة}: هي شجرة الزقوم الوارد لفظها في الصافات والدخان.
{ونخوفهم}: بعذابنا في الدنيا والآخرة والإبادة وفي الآخرة بالزقوم والعذاب الأليم.
{فما يزيدهم}: أي التخويف إلا طغينانا وكفراً.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في تقرير التوحيد فيقول تعالى لرسوله قل يا محمد صلى الله عليه وسلم لأولئك المشركين أدعوا الذين زعمتم أنهم آلهة من دون الله سبحانه وتعالى فإنهم لا يملكون أن يكشفوا الضر عن مريض ولا يستطيعون تحويله عنه إلى آخر عدو له يريد أن يمسه الضر لأنهم أصنام وتماثيل لا يسمعون ولا يبصرون فضلاً على أن يستجيبوا دعاء من دعاهم لكشف ضر أو تحويله إلى غيره، هذا ما دلت عليه الآية الأوى (54): {قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلاً}.
وقوله تعالى: {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته} {ويخافون عذابه}. يخبرهم تعالى بان أولئك الذين يعبدونهم من الجن أو الملائكة أو الأنبياء أو الصالحين هم أنفسهم يدعون ربهم ويتوسلون للحصول على رضاه. بشتى أنواع الطاعات والقربات فالذي يَعْبُدُ لا يُعْبَد، والذي يتقرب إلى الله بالطاعات لا يتقرب إليه وإنما يتقرب إلى من هو يتقرب إليه ليحظى بالمنزلة عنده، وقوله: {يرجون رحمته ويخافون عذابه}، أي أن أولئك الذين يدعوهم الجهال من الناس ويطلبون منهم قضاء حاجاتهم هم أنفسهم يطلبون الله ويرجون رحمته ويخافون عذابه. لأن عذابه تعالى كان وما زال يحذره العقلاء، لأنه شديد لا يطاق. فكيف يُدعى ويُرجى ويُخاف من هو يَدعو ويَرجو ويَخاف لو كان المشركون يعقلون.
وقوله تعالى: {وإن من قرية} أي مدينة من المدن {الإ نحن مهلكوها} أي بعذاب إبادة قبل يوم القيامة، {أو معذبوها عذاباً شديداً} بمرض أو قحط أو خوف من عدو {كان ذلك في الكتاب مسطوراً} أي مكتوباً في اللوح المحفوظ، فلذا لا يستعجل أهل مكة العذاب فإنه إن كان قد كتب عليهم فإنه نازل بهم لا محالة وان لم يكن قد كتب عليهم فلا معنى لاستعجاله فإنه غير واقع بهم وهم مرجون للتوبة أو لعذاب يوم القيامة وقوله تعالى: {وما منعنا أن نرسل بالآيات} أي بالمعجزات وخوارق العادات {إلا أن كذب بها} أي بالمعجزات الأولون من الأمم فأهلكناهم بتكذيبهم بها، فلو أرسلنا نبينا محمداً بمثل تلك الآيات وكذبت بها قريش لأهلكهم، وهو تعالى لا يريد أهلاكهم بل يريد هدايتهم ليهتدي على أيهديهم خلقاً كثيراً من العرب والعجم والأبيض والأصفر فسبحان الله العليم الحكيم وقوله تعالى: {وآتينا ثمود الناقة مبصرة} أي آية مبصرة أي مضيئة بينة فظلموا بها أي كذبوا بها فعقورها فظلموا بذلك أنفسهم وعرضوها لعذاب الإبادة فأبادهم الله فأخذتهم الصيحة وهو ظالمون هذا دليل على ان المانع من الأرسال بالآيات هو ما ذكر تعالى في هذه الآية وقوله تعالى: {وما نرسل بالآيات إلا تخويفاً} يخبر تعالى أنه ما يرسل الرسل مؤيدين بالآيات التي هي المعجزات والعبر والعظات إلا لتخويف الناس عاقبة الكفر والعصيان لعلهم يخافون فيؤمنون ويطيعون قوله تعالى: {وإذا قلنا لك إن ربك أحاط بالناس} أي اذكر يا محمد إذ قلنا لك بواسطة وحينا هذا إن ربك أحاط بالناس. فهم في قبضته وتحت قهره وسلطانه فلا ترهبهم ولا تخش منهم أحداً فإن الله ناصرك عليهم، ومنزل نقمته بمن تمادى في الظلم والعناد، وقوله تعالى: {وما جلعنا الرؤيا التي أريناك} يريد رؤيا الإسراء والمعراج حيث أراه من آياته وعجائب صنعه وخلقه، ما أراه {إلا فتنة للناس} أي لأهل مكة اختباراً لهم هل يصدقون أو يكذبون، إذ ليس لازماً لتقرير نبوتك وإثبات رسالتك وفضلك أن نريك الملكوت الأعلى وما فيه من مظاهر القدرة والعلم والحكمة والرحمة.
وقوله تعالى: {والشجرة الملعونة} أي وما جعلنا الشجرة الملعونة في القرآن الكريم وهي شجرة الزقزم وأنها {تخرج في أصل الجحيم} إلا فتنة كذلك لأهل مكة حيث قالوا كيف يصح وجود نخلة ذات طلع في وسط النار، كيف لا تحرقها النار قياساً للغائب على الشاهد وهو قياس فاسد، وقوله تعالى: {ونخوفهم} بالشجرة الملعونة وأنها {طعام الأثيم تغلي في البطون كغلي الحميم} وبغيرها من أنواع العذاب الدنيوي والأخروي، وما يزيدهم ذلك إلا طغياناً كبيراً أي ارتفاعاً وتكبراً عن قول الحق والاستجابة له لما سبق في علم الله من خزيهم وعذابهم فاصبر أيها الرسول وامض في دعوتك فإن العاقبة ذلك.

.من هداية الآيات:

1- تقرير التوحيد بالحكم على عدم استجابة الآلهة المدعاة لعابديها.
2- بيان حقيقة عقيلة وهي أن الأولياء والاستغاثة بهم والتوسل إليهم بالذبح والنذر هو أمر بالطل ومضحك في نفس الوقت، إذ الأولياء كانوا قبل موتهم يطلبون الوسيلة إلى ربهم بأنواع الطاعات والقربات ومن كان يَعْبُدْ لا يُعْبَدْ. ومن كان يقترب إليه، ومن كان يتوسل لا يتوسل اليه بل يعبد الذي كان يعبد ويتوسل إلى الذي كان يتوسل إليه ويتقرب إلى الذي كان يتقرب اليه، وهو الله سبحانه وتعالى.
3- تقرير عقيدة القضاء والقدر.
4- بيان المانع من عدم إعطاء الرسول صلى الله عليه وسلم الآيات على قريش.
5- بيان علة الإسراء والمعراج، وذكر شجرة الزقزم في القرآن الكريم.

.تفسير الآيات (61- 65):

{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61) قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62) قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (65)}

.شرح الكلمات:

{لمن خلقت طيناً}: أي من الطين.
{أرأيتك}: أي أخبرني.
{كرمت على}: أي فضلته علي بالأمر بالسجود له.
{لأحتنكن}: لأستولين عليهم فأقودهم إلى الغواية كالدابة إذا جعل الرسن في حنكها، تقاد حيث شاء راكبها!.
{اذهب}: أي وافراً كاملاً.
{جزاءً موفوراً}: أي وافراً كاملاً.
{بصوتك}: أي بدعائك إياهم إلى طاعتك ومعصيتي بأصوات المزامير والأغاني واللهو.
{واجلب عليهم}: أي صح فيهم بركبانك ومُشاتك.
{وشاركهم في الأموال}: بحملهم على أكل الربا وتعاطيه.
{والأولاد}: بتزيين الزنا ودفعهم إليه.
{وعدهم}: أي بان لا بعث ولا حساب ولا جزاء.
{إلا غرواً}: أي باطلاً.
{ليس لك عليهم سلطان}: أي إن عبادي المؤمنين ليس لك قوة تتسلط عليهم بها.
{وكفى بربك وكيلا}: أي حافظاً لهم منك أيها العدو.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم} أي اذكر يا رسولنا لهؤلاء المشركين الجلهة الذين اطاعوا عدوهم وعدو أبيهم من قبل، وعصوا ربهم، اذكر لهم كيف صدقوا ظن إبليس فيهم، واذكر لهم {إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم} فامتثلوا أمرنا {وسجدوا الا إبليس} قال منكرً أمرنا، مستكبراً عن آدم عبدنا {أأسجد لمن خلقت طيناً}؟ أي لمن خلقته من الطين لأن آدم خلقه الله تعالى من أديم الأرض عذبها وملحها ولذا سمى آدم آدم ثم قال في صلفه وكبريائه {أأرايتك} أي أخبرني أهذا {الذي كرمت علي}؟! قال هذا استصغار لآدم واستخفافا بشأنه، {لئن أخرتني} أي وعزتك لئن أخرت موتي {إلى يوم يبعثون لأحتنكن ذريته} أي لأستولين عليهم وأسوقهم إلى أودية الغواية والضلال حتى يهلكوا مثلي {إلا قليلاً} منهم ممن تستخلصهم لعبادتك فأجابه الرب تبارك وتعالى: {قال اذهب} أي منظر ومهملاً إلى وقت النفخة الأولى وقوله تعالى: {فمن تبعك منهم} أي عصاني وأطاعك {فإن جهنم جزاؤكم جزآءً موفوراً} أي وافراً.
وقوله تعالى: {واستفزز من استطعت منهم بصوتك} قال هذا لإبليس بعد ان انظره إلى يوم الوقت المعلوم أذن له في أن يعمل ما استطاع في إضلال أتباعه، {واستفزز من استطعت منهم بصوتك} أي واستخفف منهم بدعائك إلى الباطل بأصوات المزامير والأغاني وصور الملاهي وأنديتها وجمعياتها، {وأجلب عليهم} أي صح على خيلك ورجلك الركبان والمشأة وسقهم جميعاً على بني آدم لإغوائهم وإضلالهم {وشاركهم في الأموال} بحملهم على الربا وجمع الأموال من الحرام وفي {الأولاد} بتزيين الزنا وتحسين الفجور وعدهم بالأماني الكاذبة وبأن لا بعث يوم القيامة ولا حساب ولا جزاء قال تعالى: {وما يعدهم الشيطان إلا غروراً} أي باطلاً وكذباً وزوراً. وقوله تعالى: {إن عبادي} أي المؤمنين بي، المصدقين بلقائي ووعدي ووعيدي ليس لك عليهم قوة تتسلط عليهم بها، {وكفى بربك وكيلا} أي حافظاً لهم: منك فلا تقدر على إضلالهم ولا أغوائهم يا عدوي وعدهم.

.من هداية الآيات:

1- مشروعية التذكير بالأحداث الماضية للتحذير من الوقوع في الهلاك.
2- ذم الكبر وأنه من شر الصفات.
3- تقرير عداوة إبليس والتحذير منها.
4- بيان مشاركة إبليس أتباعه في أموالهم وأولادهم ونساءهم.
5- بيان أن أصوات الأغاني والمزامير والملاهي وأندية الملاهي وجمعياتها الجميع من جند إبليس الذي يحارب به الآدمي المسكين الضعيف.
6- بيان حفظ الله تعالى لأوليائه، وهم المؤمنون المتقون، وجعلنا الله تعالى منهم وحفظنا بما يحفظهم به إنه بر كريم.

.تفسير الآيات (66- 70):

{رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (66) وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا (67) أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (68) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا (69) وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)}

.شرح الكلمات:

{يزجي لكم الفلك}: أي يسوقها فتسير فيه.
{لتبتغوا من فضله}: أي لتطلبوا رزق الله بالتجارة من إقليم إلى آخر.
{وإذا مسكم الضر}: أي الشدة والبلاء والخوف من الغرق.
{ضل من تدعون إلا إياه}: أي غاب عنكم من كنتم تدعونهم من آلهتكم.
{أعرضتم}: أي من دعاء الله وتوحيده في ذلك.
{أو يرسل عليكم حاصباً}: أي ريحاً ترمي بالحصباء لشدتها.
{ثم لا تجدوا لكم ريحاً}: أي حافظاً منه أي من الخسف أو الريح الحاصب.
{قاصفاً من الريح}: أي ريحاً شديدة تقصف الأشجار وتكسرها لقوتها.
{علينا به تبيعاً}: أي نصيراً ومعيناً ليثأر لكم منا.
{وقد كرمنا بني آدم}: أي فضلناهم بالعلم والنطق واعتدال الخلق.
{حملناهم في البر والبحر}: في البر على البهائم والبحر على السفن.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في تقرير التوحيد والدعوة إليه. فقوله تعالى: {ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله} يخبرهم تعالى بأن ربهم الحق الذي يجب ان يعبدوه ويطيعوه بعد أن يؤمنوا هو الذي {يزجي لهم بالفلك} أي السفينة {في البحر} أي يسوقها فتسير بهم في البحر إلى حيث يريدون من أجل أن يطلبوا رزق الله لهم بالتجارة من إقليم لآخر. هذا هو إلهكم الحق، أما الأصنام والأوثان فهي مخلوقة لله مربوية له، لا تملك لنفسها فضلاً عن غيرها، نفعاً ولا ضراً.
وقوله تعالى: {إنه كان بكم رحيماً} ومن رحمته تعالى تسخيره البحر لهم وإزحاء السفن وسوقها فيه ليحصلوا على أقواتهم عن طريق السفر والتجارة. وقوله تعالى: {وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه} يذكرهم بحقيقة واقعة لهم وهي أنهم إذا ركبوا في الفلك وأصابتهم شدة من مرض أو ضلال طريق أو عواصف بحرية واضطربت لها السفن وخافوا الغرق دعوا الله وحده لم يبق من يدعوه سواه تعالى لكنهم إذا نجاهم من الهلكة التي خافوها ونزلوا بشاطئ السلامة اعرضوا عن ذكر الله آلهتهم ونسوا ما كانوا يدعونه وهو الله من قبل {وكان الإنسان كفرواً} هذا طبعه وهذه حاله سرعة النسيان، وشدة الكفران وقوله تعالى وهو يخاطبهم لهدايتهم: {أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر} يقرعهم على إعراضهم فيقول {أفأمنتم} الله تعالى {أن يخسف بكم} جانب الأرض الذي نزلمتوه عند خروجكم من البحر {أو يرسل عليكم حاصباً} أي ريحاً شديدة تحمل الحصباء فيهلككم كما أهلك عاداً {ثم لا تجدوا لكم} من غير الله {وكيلاً} يتولى دفع العذاب عنكم ويقول: {أم أمنتم} الله تعالى {أن يعيدكم فيه} أي في البحر {تارة أخرى} أي مرة أخرى {فيرسل عليكم قاصفاً من الريح} أي ريحاً شديدة تقصف الأشجار وتحطمها {فيغركم بما كفرتم} أي بسبب كفركم كما أغرق آل فرعون {ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعاً} أي تابعاً يثأر لكم منا ويتبعنا مطالباً بما نلنا منكم من العذاب.
فما لكم إذا لا تؤمنون وتوحدون وبالباطل تكفرون. وقوله تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم} ففضلناهم بالنطق والعقل والعلم واعتدال الخلق {وحملناهم في البر والبحر} على ما سخرنا لهم من المراكب {ورزقناهم من الطيبات} أي المستلذان من اللحوم والحبوب والفواكه والخضر والمياه العذبة الفرات. وقوله تعالى: {وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا} فالآدميون أفضل من الجن وسائر الحيوانات، وخواصهم أفضل من الملائكة، وعامة الملائكة أفضل من عامة الادميين ومع هذا فإن الآدمي إذا كفر به وأشرك في عبادته غيره، وترك عبادته، وتخلى عن محبته ومراقبته أصبح شر الخليقة كلها. قال تعالى: {إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية}

.من هداية الآيات:

1- تعريف الله تعالى بذكر صفائه الفعلية والذاتية.
2- تذكير المشركين بحالهم في الشدة والرخاء حيث يعرفون الله في الشدة ويخلصون له الدعاء، وينكرونه في الرخاء ويشركون به سواه.
3- تخويف المشركين بان الله تعالى قادر على أن يخسف بهم الأرض أو يرسل عليهم حاصباً من الريح فيهلكهم أو يردهم إلى البحر مرة أخرى ويرسل عليهم قاصفاً فيغرقهم بسبب كفرهم بالله، وعودتهم إلى الشرك بعد دعائه تعالى والتضرع إليه حال الشدة.
4- بيان من الله تعالى على الإنسان وافضاله عليه في تكريمه وتفضيله.
5- حال الرخاء أصعب على الناس من حال الشدة بالقحط والمرض، أو غيرهما من المصائب.
6- الاعلان عن كرامة الآدمي وشرفه على سائر المخلوقات الأرضية.

.تفسير الآيات (71- 77):

{يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71) وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (72) وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75) وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76) سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا (77)}

.شرح الكلمات:

{بإمامهم}: أي الذين كانوا يقتدون به ويتبعونه في الخير أو الشر.
{فتيلاً}: أي مقدار فتيل وهو الخيط الذي يوجد وسط النواة.
{ومن كان في هذه أعمى}: من كان في الدنيا أعمى عن حجج الله تعالى الدالة على وجوده وعمله وقدرته، فلم يؤمن به ولم يعبده فهو في الآخرة أشد عمى وأضل سبيلاً.
{وإن كادوا}: أي قاربوا.
{ليفتنونك}: أي يستتنزلونك عن الحق، أي يطلبون نزولك عنه.
{لتفتري علينا غيره}: أي لتقول علينا افتراءً غير الذي أوحينا إليك.
{إذا تخذوك خليلاً}: أي لو فعلت علينا افتراءً غير الذي الذي أوحينا إليك.
{إذا لاتخذوك خليلاً}: أي لو فعلت الذي طلبوا منك فعله لاتخذوك خليلاً لهم.
{ضعف الحياة وضعف الممات}: أي لعذبناك عذاب الدنيا مضاعفاً وعذاب الآخرة كذلك.
{ليستفزونك من الأرض}: أي ليستخفونك من الأرض أرض مكة.
{لا يلبثون خلافك}: أي لا يبقون خلفك أي بعدك الا قليلاً ويهلكهم الله.
{سنة من قد أرسلنا من قبلك}: أي لو أخرجوك لعذبناهم بعد خروجك بقليل، سنتنا في الأمم.
{ولا تجد لسنتنا تحويلا}: أي عما جرت به في الأمم السابقة.

.معنى الآيات:

يقول تعالى لرسوله في تقرير عقيدة البعث والجزاء، اذكر يا رسولنا {يوم ندعو كل أناس بإمامهم} الذين كانوا يقتدون به ويتبعونه فيتقدم ذلك الإمام ووراءه أتباعه وتوزع الكتب عليهم واحداً واحداً فمن أعطى كتابه بيمينه تشريفاً له وتكريماً، فأولئك الذين أكرموا بإعطائهم كتبهم يأيمانهم، يقرأون كتابهم ويحاسبون بما فيه {ولا يظلمون} أي لا ينقصون مقدار فتيل لا تنقص حسناتهم، ولا بزيادة سيئاتهم. واذكر هذا لهم تعظم به لعلهم يتعظون، وقوله تعالى: {ومن كان في هذه} أي الدنيا {أعمى} لا يبصر هذه الحجج والآيات والدلائل وأصر على الشرك، والتكذيب والمعاصي {فهو في الآخرة أعمى} أي أشد عمى {وأضل سبيلا} فلا يرى طريق النجاة ولا يسلكه حتى يقع في جهنم. وقوله: {وإن كادوا ليفتنونك} أي يصرفونك {عن الذي أوحينا إليك} من توحيدنا والكفر بالباطل وأهله. {لتفتري علينا غيره} أي لتقول علينا غير الحق الذي أوحيناه إليك، وإذا لو فعلت بأن وافقتهم على ما طلبوا منك، من الإغضاء على شركهم والتسامح معهم إقراراً لباطلهم، ولو مؤقتاً، {لاتخذوك خليلاً} لهم وكانوا أولياء لك، وذلك أن المشركين في مكة والطائف، واليهود في المدينة كانوا يحاولون جهدهم أن يستنزلوا الرسول على شيء من الحق الذي يأمر به ويدعو إليه مكراً منهم وخديعة سياسية إذ لو وافقهم على شيء لطالبوا بآخر، ولقالوا قد رجع إلينا، فهو إذا يتقول، وليس بالذي يوحى إليه بدليل قبوله منا كذا وكذا وتنازله عن كذا وكذا، وقوله تعالى: {ولولا أن ثبتناك} أي على الحق حيث عصمناك {لقد كدت} أي قاربت {تركن} أي تميل {إليهم شيئاً قليلاً} بقبول بعض اقتراحاتهم {إذاً} أي لو ملت إليهم، وقبلت منهم ولو شيئاً يسيراً {لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات}، أي لضاعفنا عليك إليك العذاب في الدينا والآخرة ثم لا تجد لك نصيراً ينصرك إذا نحن خذلناك وعذبناك وقوله تعالى في حادثة أخرى وهي أنهم لما فشلوا في المحاولات السلمية أرادوا استعمال القوة فقرروا إخراجه من مكة بالموت أو الحياة فأخبر تعالى رسوله بذلك إعلاماً وإنذاراً، فقال: {وإن كادوا ليستفزونك من الأرض} أرض مكة {ليخرجونك منها وإذاً} أي لو فعلوا لم يلبثوا بعد إخراجك الا زمناً ونهلكهم كما هي سنتنا في الأمم السابقة التي أخرجت أنبياءها أو قتلهم هذا معنى قوله تعالى: {وإن كادوا ليستفزونك} أي يستخفونك {من الأرض يخرجونك منها وإذا لا يلبثوا خلافك الا قليلا من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا} أي عما جرت به في الأمم السابقة.

.من هداية الآيات:

1- الترغيب في الاقتداء بالصالحين ومتابعتهم والترهيب من الاقتداء بأهل الفساد ومتابعتهم.
2- عدالة الله تعالى في الموقف بإقامة الحجة على العبد وعدم ظلمه شيئاً.
3- عمى الدنيا عن الحق وشواهده سبب عمى الآخرة وموجباته من السقوط في جهنم.
4- حرمة الركون أي الميل لأهل الباطل بالتنازل عن شيء من الحق الثابت إرضاء لهم.
5- الوعيد الشديد بمكن يرضى أهل الباطل تملقاً لهم طمعاً في دنياهم فيترك الحق لأجلهم.
6- إمضاء سنن الله تعالى وعدم تخلفها بحال من الأحوال.