فصل: تفسير الآيات (49- 55):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (49- 55):

{قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (51) قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (53) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (54) مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55)}

.شرح الكلمات:

{أعطى كل شيء خلقه}: أي خلقه الذي هو عليه متميز به عن غيره.
{ثم هدى}: أي الحيوان منه إلى طلب مطعمه ومشربه ومسكنه ومنكحه.
{قال فما بال القرون الأولى}: أي قال فرعون لموسى ليصرفه عن ادلائه بالحجج حتى لا يفتضح فما بال القرون الأولى كقوم نوح وعاد وثمود في عبادتهم الأوثان؟
{قال علمها عند ربي}: أي علم أعمالهم وجزائهم عليها عند ربي دعنا من هذا فإنه لا يعنينا.
{في كتاب لا يضل ربي}: أي أعمال الأمم في كتاب محفوظ عند ربي وسيجزيهم بأعمالهم إن ربي لا يخطئ ولا ينسى فإن عذب أو أخر العذاب فإن ذلك لحكمة اقتضت منه ذلك.
{مهاداً وسلك لكم فيها سبلاً}: مهاداً، فراشاً وسلك: سهل، وسبلاً طرقا.
{أزواجاً من نبات شتى}: أزواجاً: أصنافاً: شتى: مختلفة الألوان والطعوم.
{ان في ذلك لآيات}: لدلائل واضحات على قدرة الله وعلمه وحكمته ورحمته.
{لأولى النهى}: أي أصحاب العقول لأن النهية العقل وسمى نهية لأنه ينهى صاحبه عن ارتكاب القبائح كالشرك والمعاصي.
{منها خلقناكم}: أي من الأرض وفيها نعيدكم بعد الموت ومنها نخرجكم عند البعث يوم القيامة.
{تارة أخرى}: أي مرة أخرى إذ الأولى كانت خلقاً من طين الأرض وهذه اخراجاً من الأرض.

.معنى الآيات:

السياق الكريم في الحوار الذي دار بين موسى عليه السلام وفرعون إذ وصل موسى وأخوه إلى فرعون ودَعَوَاهُ إلى الله تعالى ليؤمن به ويعبده وبأسلوب هادئ لين كما أمرهما الله تعالى: فقالا له: {والسلام على من اتبع الهدى إنا قد اوحي علينا أن العذاب على من كذب وتولى} ولم يقولا له لا سلام عليك، ولا أنت مكذب ومعذب. وهنا قال لهما فرعون ما أخبر به تعالى في قوله: {قال فمن ربكما يا موسى} أفرد اللعين موسى بالذكر لإدلائه عليه بنعمة التربية في بيته ولأنه الرسول الأول فأجابه موسى بما أخبر تعالى به بقوله: {ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى} أي كل مخلوق خلقه الذي هو عليه متميز به من شكل ولون وصفة وذات ثم هدى الأحياء من مخلوقاته إلى طلب رزقها من طعام وشراب، وطلب بقائها بما سن لها وهداها إليه من طرق التناسل إبقاء لأنواعها. وهنا وقد أفحم موسى فرعون وقطع حجته بما ألهمه الله من علم وبيان قال فرعون صارفاً موسى عن المقصود خشية الفضيحة من الهزيمة أمام ملائه قال: {فما بال القرون الأولى} أخبرنا عن قوم نوح وهود وصالح وقد كانوا يعبدون الأوثان. وعرف موسى ان اللعين يريد صرفه عن الحقيقة فقال له ما أخبر تعالى به في قوله: {علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى} فإن ما سألت عنه لا يعنينا فعلم حال تلك الأمم الخالية عند ربي في لوح محفوظ عنده وسيجزيها بعملها، وما عجل لها من العقوبة أو أخر إنما الحكمة يعلمها فإن ربي لا يخطئ ولا ينسى وسيجزى كلاً بكسبه.
ثم أخذ موسى يصف ربه ويعرفهم به وهي فرصة سنحت فقال: {الذي جعل لكم الأرض مهاداً} أي فراشاً مبسطوطة للحياة عليها {وسلك لكم فيها سبلاً} أي سهل لكم للسير عليا طرقا تمكنكم من الوصول إلى حاجاتكم فوقها، {وأنزل من السماء ماء} وهو المطر المكون للأنهار والمغذي للآبار. هذا هو ربي وربكم فاعرفوه واعبدوه ولا تعبدوا معه سواه. وقوله تعالى: {فأخرجنا به أزواجاً من نبات شتى} أي بالمطر أزواجاً أي أصنافاً من نبات شتى أي مختلفة الألوان والطعوم والروائح والخصائص. كان هذا من قول الله تعالى تتميماً لكلام موسى وتذكيراً لأهل مكة المتجاهلين لله وحقه في التوحيد. وقوله: {كلوا وارعوا أنعامكم} أي مما ذكرنا لكم من أزواج النبات وارعوا إبكلم واغنامكم وسائر بهائمكم واشكروا لنا هذا الإنعام بعبادتنا وترك عبادة غيرنا. وقوله تعالى: {إن في ذلك لآيات لأولي النهى} أي أن في ذلك المذكور من إنزال المطر وإنبات النبات لتغذية الإنسان والحيوان لدلالات على قدرة الله وعلمه وحكمته وأنه بذلك مستحق للعبادة دون سواه الا أن هذه الدلائل لا يعقلها الا أصحاب العقول وذوو النهى فهم الذي يستدلون بها علم معرفة الله ووجوب عبادته وترك عبادة غيره. وقوله تعالى: {منها} أي من الأرض التي فيها حياة النبات والحيوان خلقناكم أي بخلق أصلكم الأول وهو آدم، وفيها نعيدكم بالموت فتقبرون أحياء للحساب والجزاء بالنعيم المقيم أو العذاب المهين بحسب صفات نفوسكم فذو النفس الطاهرة ينعم وذو النفس الخبيثة من الشرك والمعاصي يعذب.

.من هداية الآيات:

1- تعين إجابة السائل ولتكن بالعلم الصحيح النافع.
2- تقرير مبدأ من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.
3- تنزه الرب تعالى عن الخطأ والنسيان.
4- الاستدلال بالآيات الكونية على الخالق عز وجل وقدرته وألوهيته.
5- احترام العقول وتقديرها لأنها تعقل صاحبها دون الباطل والشر.
6- تسمية العقل نهية لأنه ينهى صاحبه عن القبائح.

.تفسير الآيات (56- 60):

{وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (56) قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى (57) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (58) قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (60)}

.شرح الكلمات:

{أريناه آياتنا}: أي أبصرناه حججنا وأدلتنا على حقيقة ما أرسلنا به رسولينا موسى وهارون إليه كلها فرفضها وأبى أن يصدق بأنهما رسولين إليه من ري العالمين.
{من أرضنا}: أي أرض مصر التي فرعون ملك عليها.
{بسحرك يا موسى}: يشير إلى العصا واليد البيضاء.
{مكاناً سوى}: أي مكان عدل بيننا وبينك ونَصَفٍ، صالحاً للمباراة بحيث يكون ساحة كبرى مكشوفة مستوية يرى ما فيها كل ناظر إليها.
{يوم الزينة}: أي يوم عيد يتزينون فيه ويقعدون عن العمل.
{وأن يحشر الناس ضحى}: أي وأن يؤتى بالناس من كل انحاء البلاد للنظر في المباراة.
{فتولى فرعون}: أي انصرف من مجلس الحوار بينه وبين موسى وهارون في كبرياء وإعراض.
{فجمع كيده}: أي ذوى كيده وقوته من السحرة.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في الحوار بين موسى وهارون من جهة وفرعون وملائه من جهة أخرى فقال تعالى: {ولقد أريناه} أي أرينا فرعون {آياتنا كلها} أي أدلتنا وحججنا على أن موسى وهارون رسولان من {قبلنا} أرسلناهما إليه، فكذب برسالتهما وأبى الأعتراف بهما، وقال ما أخبر تعالى به عنه: {قال أجئتنا} أي يا موسى {لتخرجنا من أرضنا} أي منازلنا وديارنا ومملكتنا {بسحرك} الذي انقلبت به عصاك حية تسعى، {فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعداً} نتقابل فيه، {لا نخلفه نحن ولا أنت مكاناً سوى} عدلاً بيننا وبينك يكون من الاعتدال والاتساع بحيث كل من ينظر إليه يرى ما يجرى فيه وهو يوم عيد للإقباط يتجملون فيه ويقعدون عن العمل، {وأن يحشر الناس ضحى} أي في يوم يجمع فيه الناس ضحى للتفرج في المباراة من كل أنحاء الممكلة وهنا تولى فرعون بمعنى انصرف من مجلس المحاورة وكله كبر وعناد فجمع قواته من السحرة لإنفاذ كيده في موسى وهارون. وفي الآيات التالية تظهر الحقيقة.

.من هداية الآيات:

1- بيان كبر فرعون وصلفه وطغيانه.
2- للسحر آثار وله مدارس يتعلم فيها ورجال يحذقونه ويعلمونه.
3- مشروعية المبارزة والمباراة لإظهار الحق وإبطال الباطل.
4- مشروعية اختيار المكان والزمان اللائق للقتال والمباراة ونحوهما.

.تفسير الآيات (61- 66):

{قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61) فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (62) قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64) قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66)}

.شرح الكلمات:

{ويلكم}: دعاء عليهم معناه: ألزمكم الله الويل وهو الهلاك.
{فيسحتكم بعذاب}: أي يهلككم بعذاب من عنده.
{فتنازعوا أمرهم}: أي في شأن موسى وهارون أي هل هما رسولان أو ساحران.
{وأسروا النجوى}: وهي قولهم: إن هذان لساحران يريدان إلخ...
{بطريقتكم المثلى}: أي ويغلبا على طريقة قومكم وهما أشرافهم وساداتهم.
{فأجمعوا كيدكم}: أي أحكموا أمر كيدكم حتى لا تختلفوا فيه.
{قد أفلح من استعلى}: أي قد فاز من غلب.
{إما أن تلقي}: أي عصاك.
{فخيل إليه أنها تسعى}: أي فخيل إلى موسى انها حية تسعى، لأنهم طلوها بالزئبق فلما ضربت الشمس عليها اضطربت واهتزت فخيل إلى موسى انها تتحرك.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في الحوار الدائر بين موسى عليه السلام والسحرة الذين جمعهم فرعون للمباراة فأخبر تعالى عن موسى أنه قال لهم مخوفاً إياهم علهم يتوبون: {ويلكم لا تفتروا على الله كذباً} أي لا تتقولوا على الله فتنسبوا إليه ما هو كذب {فيسحتكم بعذاب} أي يهلككم بعذاب إبادة واستئصال. {وقد خاب من افترى} أي خسر من كذب على الله أو على الناس. ولما سمعوا كلام موسى هذا اختلفوا فيما بينهم هل صاحب هذا الكلام ساحر أو هو كلام رسول من في السماء؟ وهو ما أخبر تعالى به عنهم في قوله: {فتنازعوا أمرهم بينهم} وقوله: {وأسروا النجوى} أي أخفوا ما تناجوا به بينهم وهو ما أخبر تعالى به في قوله: {إن هذان لساحران} أي موسى وهارون {يريدان أن يخرجكم من أرضكم} أي دياركم المصرية، {ويذهبا يطريقتكم المثلى} أي باشرافكم وساداتكم من بني إسرائيل وغيرهم فيتابعوهما على ما جاءا به ويدينون بديهما، وعليه فأجمعوا أمركم حتى لا تختلفوا فيما بينكم، {ثم ائتوا صفا} واحدا متراصاً، {وقد أفلح اليوم من استعلى} أي غلب، وهذا بعد أن اتفقوا على أسلوب المباراة قالوا بأمر فرعون: {يا موسى إما أن تلقي} عصاك، وإما أن نلقي نحن فنكون أول من ألقى. فقال لهم موسى: {بل ألقوا}، فالقوا عندئذ {فإذا حبالهم وعصيهم} وكانت ألوفاً فغطت الساحة وهي تتحرك وتضطرب لأنها. مطلية بالزئبق فلما سخنت بحر الشمس صارت تتحرك وتضظرب الأمر الذي خيل فيه لموسى أنها تسعى. باقي الحديث في الآيات بعد.

.من هداية الآيات:

1- حرمة الكذب على الله تعالى، وإنه ذنب عظيم يسبب دمار الكاذب وخسرانه.
2- من مكر الإنسان وخداعه أن يحول القضية الدينية البحتة إلى سياسة خوفاً من التأثير على النفوس فتؤمن وتهتدي إلى الحق.
3- معية الله تعالى لموسى وهارون تجلت في تصرفات موسى إذ الإذن لهم بالإلقاء أولاً من الحكمة وذلك أن الذي يبقى في نفوس المتفرجين والنظارة هو المشهد الأخير والكلمة الأخيرة التي تقال.. لاسيما في موقف كهذا.

.تفسير الآيات (67- 71):

{فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71)}

.شرح الكلمات:

{فأوجس في نفسه خفية}: أي أحس بالخوف في نفسه.
{أنت الأعلى}: أي الغالب المنتصر.
{تلقف}: أي تبتلع بسرعة ما صنع السحرة من تلك الحبال والعصي.
{كيد ساحر}: أي كيد سحر لا بقاء له ولا ثبات.
{لا يلفح الساحر}: أي لا يفوز بمطلوبه حيثما كان.
{فألقي السحرة سجداً}: أي ألقوا بأنفسهم ورؤوسهم على الأرض ساجدين.
{إنه لكبيركم}: أي لمعلمكم الذي علمكم السحر.
{من خلاف}: أي يد يمنى مع رجل يسرى.
{في جذوع النخل}: أي على أخشاب النخل.
{أينا أشد عذاباً وأبقى}: يعني نفسه- لعنه الله- ورب موسى اشد عذاباً وأدومه على مخالفته وعصيانه.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في الحديث عن المباراة التي بين موسى عليه السلام وسحرة فرعون إنه لما ألقة السحرة حبالهم وعصيهم وتحركت واضطربت وامتلأت بها الساحة شعر موسى بخوف في نفسه فأوحى إليه ربه تعالى في نفس اللحظة: {لا تخف إنك أنت الأعلى} أي الغالب القاهر لهم.
هذا ما دلت عليه الآية الأولى (67) فأوجس في نفسه خفية موسى والثانية (68): {قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى} وقوله تعالى: {وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا} أي تبتلع بسرعة وعلل لذلك فقال: {إنما صنعوا كيد ساحرا} أي هو مكر وخدعة من ساحر {ولا يفلح الساحر حيث أتى} أي لا يفوز الساحر بما أراد ولا يظفر له أبداً لأنه مجرد تخيلات يريها غيره. وليس لها حقيقة ثابتة لا تتحول ولما شاهد السحرة ابتلاع العصا لكل حبالهم وعصيتهم عرفوا أن ما جاء به موسى ليس سحراً وإنما هو معجزة سماوية ألقوا بأنفسهم على الأرض ساجدين لله رب العالمين لما بهر نفوسهم من عظمة المعجزة وقالوا في وضوح {آمنا برب هارون وموسى}. وهنا صاح فرعون مزمجراً مهدداً ليتلافى في نظره شر الهزيمة فقال للسحرة {آمنتم له قبل أن آذن لكم} بذلك {إنه لكبيركم} أي معلمكم العظيم {الذي علمكم السحر} فتواطأتهم معه على الهزيمة. {فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف} تعذيباً وتنكيلاً فاقطع يمين أحدكم مع يسرى رجليه، أو العكس {ولأصلبنكم في جذوع النخل} أي لأشدنكم على أخشاب النخل واترككم معلقين عبرة ونكالا لغيركم {ولتعلمن أينا أشد عذاباً وأبقى} أي أدومه: رب موسى الذي آمنتم به أو أنا فرعون عليه لعائن الله.

.من هداية الآيات:

1- الشعور بالخوف والإحساس به عند معاينة أسبابه لا يقدح في الإيمان.
2- تقرير أن ما يظهر السحرة من تحويل الشيء إلى آخر إنما هو مجرد تخييل لا حقيقة له.
3- حرمة السحر لأنه تزوير وخداع.
4- قوة تأثير المعجزة في نفس السحرة لما ظهر لهم من الفرق بين الآية والسحر.
5- شجاعة المؤمن لا يرهبها خوف بقتل ولا بصلب.

.تفسير الآيات (72- 76):

{قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76)}

.شرح الكلمات:

{لن نؤثرك}: أي لن نفضلك ونختارك.
{والذي فطرنا}: أي خلقنا ولم نكن شيئاً.
{فاقض ما أنت قاض}: أي اصنع ما قلت إنك تصنعه بنا.
{والله خير وأبقى}: أي خير منك ثواباً إذا أطيع وأبقى منك عذاباً إذا عصى.
{مجرماً}: مجرماً أي على نفسه مفسداً لها بآثار الشرك والكفر والمعاصي.
{جزاء من تزكى}: أي ثواب من تتطهر من آثار الشرك والمعاصي وذلك بالإيمان والعمل الصالح.

.معنى الآيات:

ما زال السياق مع فرعون والسحرة المؤمنين انه لما هددهم فرعون بالقتل والصلب على جذوع النخل لإيمانهم بالله وكفرهم به وهو الطاغوت قالوا له ما أخبر تعالى به عنهم في هذه الآية (72): {قالوا لن نؤثرك} يا فرعون {على ما جاءنا من البينات} الدلائل والحجج القاطعة على أن رب موسى وهارون هو الرب الحق الذي تجب عبادته وطاعته فلن نختارك على الذي خلقنا فتؤمن بك ونكفر به لن يكون هذا أبداً واقض ما أنت عازم على قضائه علينا من القتل والصلب. {إنما تقضى هذه الحياة الدنيا} في هذه الحياة الدنيا لما لك من السلطان فيها أما الآخرة فسوف يقضى عليك فيها بالخلد في العذاب المهين.
وأكدوا إيمانهم في غير خوف ولا وجل فقالوا: {إنا آمنا بربنا} أي خالقنا ورازقنا ومدبر أمرنا {ليغفر لنا خطايانا} أي ذنوبنا، {وما أكرهتنا عليه من السحر} أي من تعلمه والعمل به، ونحن لا نريد ذلك ولا شك ان فرعون كان قد ألزمهم بتعلم السحر والعمل به من أجل محاربة موسى وهارون لما رأى من معجزة العصا واليد. وقولهم {والله خير وأبقى} أي خير ثوابا وجزاء حسنا لمن آمن به وعمل صالحاً، وأبقى عذاباً لمن كفر به وبآمن بغيره وعصاه. هذا ما دلت عليه الآيتان (72) و(73).
أما الآية الثالثة (74) وهي قوله تعالى: {أنه من يأت ربه مجرماً} أي على نفسه بإفسادها بالشرك والمعاصي {فإن له جهنم لا يموت فيها} فيستريح من العذاب فيها، {ولا يحيى} حياة يسعد فيها.
وقولهم {ومن يأته مؤمناً قد عمل الصالحات} أي مؤمناً به كافراً بالطاغوت قد عمل بشرائعه فأدى الفرائض واجتنب المناهي {فأولئك لهم} جزاء إيمانهم وعملهم الصالح {الدرجات العلى جنات عدن} أي في جنات عدن {تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها} لا يموتون ولا يخرجون منها، {وذلك جزاء من تزكى} أي تتطهر بالإيمان وصالح الأعمال بعد تخليه عن الشرك والخطايا والذنوب. لا شك ان هذا العلم الذي عليه السحرة كان قد حصل لهم من طريق دعوة موسى وهارون إذا أقاموا بينهم زمناً طويلاً.

.من هداية الآيات:

1- لا يؤثر الكفر على الإيمان والباطل على الحق والخرافة على الدين الصحيح إلا احمق جاهل.
2- تقرير مبدأ أن عذاب الدنيا يتحمل ويصبر عليه بالنظر إلى عذاب الآخرة.
3- الاكراه نوعان: ما كان بالضرب الذي لا يطاق يغفر لصاحبه وما كان لمجرد تهديد ومطالبة فإنه لا يغفر إلا بالتوبة الصادقة وإكراه السحرة كان من النوع الآخر.
4- بيان جزاء كل من الكفر والمعاصي، والإيمان والعمل الصالح في الدار الآخرة.

.تفسير الآيات (77- 82):

{وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (79) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى (80) كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (81) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82)}

.شرح الكلمات:

{ان أسر بعبادي}: أي سر ليلاً من أرض مصر.
{طريقاً في البحر يبساً}: طريقاً في وسط البحر يابساً لا ماء فيه.
{لا تخاف دركاً}: أي لا تخش أن يدركك فرعون، ولا تخشى غرقاً.
{فغشيهم من اليم}: أي فغطاهم من ماء البحر ما غطاهم حتى غرقوا فيه.
{وأضل فرعون قومه}: أي بدعائهم إلى الإيمان به والكفر بالله رب العالمين.
{وما هدى}: أي لم يهدهم كما وعدهم بقوله: {وما أهديكم الا سبيل الرشاد.}
{جانب الطور الأيمن}: أي لأجل إعطاء موسى التوارة التي فيها نظام حياتهم دينا ودنيا.
{المن والسلوى}: المن: شيء أبيض كالثلج، والسلوى طائر يقال له السماني.
{ولا تطغوا فيه}: أي بالإسراف فيه، وعدم شكر الله تعالى عليه.
{ثم اهتدى}: أي بالاستقامة على الإيمان والتوحيد والعمل الصالح حتى الموت.

.معنى الآيات:

إنه بعد الجدال الطويل والخصومة الشديدة التي دامت زمناً غير قصير وأبى فيها فرعون وقومه قبول الحق والإذعان له أوحى تعالى إلى موسى عليه السلام بما أخبر به في قوله عز وجل: {ولقد أوحينا إلى موسى} وبأي شيء أوحى إليه. بالسرى ببني إسرائيل وهو قوله تعالى: {ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي} قوله: {فاضرب لهم طريقاً في البحر يبساً} أي اجعل لهم طريقاً وسطه يابساً لا ماء فيه حتى اجتاز بنو إسرائيل البحر، ولما تابعهم فرعون ودخل البحر بجنود أطبق الله تعالى عليهم البحر فأغرقهم أجمعين، بعد أن نجى موسى وبني إسرائيل، وهو معنى قوله تعالى: {فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم} أي من ماء البحر {ما غشيهم} أي الشيء العظيم من مياه البحر. وقوله لموسى {لا تخاف دركاً ولا تخشى} أي لا تخاف أن يدركك فرعون من ورائك ولا تخشى غرقاً في البحر.
وقوله تعالى: {وأضل فرعون قومه وما هدى} إخبار منه تعالى أن فرعون أضل أتباعه حيث حرمهم من الإيمان بالحق واتباع طريقه، ودعاهم إلى الكفر بالحق وتجنب طريقه فاتبعوه على ذلك فضلوا وما اهتدوا، وكان يزعم أنه ما يهديهم إلا سبيل الرشاد وكذب.
وقوله تعالى: {يا بني إسرائيل قد انجيناكم من عدوكم} أي فرعون، {وواعدناكم جانب الطور الأيمن} أي مع نبينا موسى لانزال التوارة لهدايتكم وحكمهم بشرائعها، وأنزلنا عليكم المن والسلوى غذاء لكم في التيه، {كلوا من طيبات ما رزقناكم} أي قلنا لكم: كلوا من طيبات ما رزقناكم من حلال الطعام والشراب، {ولا تطغوا فيه} بترك الحلال إلى الحرام وبالأسراف في تناوله وبعدم شكر الله تعالى، وقوله تعالى: {فيحل عليكم غضبي} أي أن أنتم طغيتم فيه. {ومن يحلل عليه غضبي} أي ومن يجب عليه غضبي {فقد هوى} أي في قعر جهنم وهلك.
وقوله تعالى: {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى} يعدهم تعالى بأن يغفر لمن تاب منهم ومن غيرهم وعمل صالحاً أي أدى الفرائض واجتنب المناهي ثم استمر على ذلك ملازماً له حتى مات.

.من هداية الآيات:

1- تقرير النبوة المحمدية إذ مثل هذا القصص لا يقصه إلا بوحي إليه إذ لا سبيل إلى معرفته إلا من طريق الوحي الإلهي.
2- آية انفلاق البحر ووجود طريق يابس فيه لبني إسرائيل حتى اجتازوه دالة على جود الله تعالى وقدرته وعلمه ورحمته وحكمته.
3- تذكير اليهود المعاصرين للدعوة الإسلامية بإنعام الله تعالى على سلفهم لعلهم يشكرون فيتوبون فيسلمون.
4- تحريم الإشراف والظلم، وكفر النعم.
5- الغضب صفة لله تعالى كما يليق ذلك بجلاله وكماله لا صفات المحدثين.