فصل: تفسير الآيات (167- 175):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (167- 175):

{قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167) قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ (168) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169) فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (171) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (172) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (173) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (174) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (175)}

.شرح الكلمات:

{لئن لم تنته}: أي عن إنكارك علينا ما نأتيه من الفاحشة.
{من المخرجين}: أي من بلادنا وطردك من ديارنا.
{لعملكم من القالين}: أي المبغضين له البغض الشديد.
{رب نجني وأهلي مما يعملون}: أي من عقوبة وعذاب ما يعملونه من الفواحش.
{فنجيناه وأهله}: أي نجينا لوطاً الذي دعانا وأهله وهم امرأته المؤمنة وابنتاه.
{إلا عجوزاً في الغابرين}: أي فإنا لم ننجها إذ حكمنا بإهلاكها مع الظالمين فرتكناها معهم حتى هَلَكَتْ بينهم لأنها كانت كافرة وراضية بعمل القوم.
{وأمطرنا عليهم مطراً}: أي أنزل عليهم حجارة من السماء فأمطروا بها بعد قلب البلاد عاليها سافلها.
{فساء مطر المنذرين}: أي فقبح مطر المنذرين ولم يمتثلوا فما كفوا عن الشر الفساد.

.معنى الآيات:

ما زال السياق فيما دار بين نبي الله لوط وقومه المجرمين فإنه لما ذكرهم ووعظهم وأمرهم ونهاهم وسمعوا ذلك كله منه أجابوا بما أخبر تعالى به عنهم {قالوا لئن لم تنته يا لوط} أي عن إنكارك علينا ما نأتيه من الفاحشة {لتكونن من المخرجين} أي نخرجك من بلادنا ونطردك من بيننا ولا تبقى ساعة واحدة عندنا إنتبه يا رجل.. فأجابهم لوط الرسول عليه السلام بقوله: {إن يلعملكم من القالين} أي إني لعملكم الفاحشة من المبغضين أشد البغض، ثم التفت إلى ربه داعياً ضارعاً فقال: {رب نجني وأهلي مما يعلمون} وهذا بعد أن أقام يدعوهم ويتحمل سنين عديدة فلم يجد بداً من الفزع إلى ربه ليخلصه منهم فقال: {ربي نجني وأهلي} من عقوبة وعذاب ما يعملونه من إتيان الفاحشة من العالمين قال تعالى: {فنجيناه وأهله} وهم امرأته المسلمة وابنتاه المسلمتان طبعاً إلا عجوزاً وهي امرأته الكفارة المتواطئة مع الظلمة الراضية بالفعلة الشنعاء كانت في جملة الغابرين أي المتروكين بعد خروج لوط من البلاد لتهلك مع الهالكين قال تعالى: {ثم دمرنا الآخرين} أي بعد أن نجينا لوطاً وأهله أجمعين باستثناء العجوز الكافرة دمرنا أي أهلكنا الآخرين {وأمطرنا عليهم مطراً فساء مطر المنذرين} إنه بعد قلب البلاد سافلها على عاليها أمطر عليهم مطر حجارة من السماء لتصيب من كان خارج المدن المأفوكة المقلوبة.
قوله تعالى: {إن في ذلك لآية} أي في هذا الذي ذكرنا من إهلاك المكذبين والمسرفين الظالمين آية وعلامة كبرى لمن يسمع ويرى {وما كان أكثرهم مؤمنين} لما سبق في علم الله تعالى أنهم لا يؤمنون فسبحان الله العظيم. وقوله: {وإن ربك لهو العزيز الرحيم} وإن ربك يا رسولنا هو لا غيره العزيز الغالب القاهر لكل الظلمة والمسرفين الرحيم بأولياءئه وعباده المؤمنين.

.من هداية الآيات:

1- التهديد بالنفي سنة بشرية قديمة.
2- وجوب بغض الشر والفساد في أي صورة من صورهما.
3- استابة دعوة المظلوم لاسيما إن كان من الصالحين.
4- توقع العذاب إذا انتشر الشر وعظم الظلم والفساد.
5- الآيات مهما كانت عظيمة لا تستلزم الإيمان والطاعة.
6- من لم يسبق له الإِيمان لا يؤمن ولو جلب عليه كل آية.
7- مظاهر قدرة الله وعلمه ورحمته.

.تفسير الآيات (176- 184):

{كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (180) أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184)}

.شرح الكلمات:

{أصحاب الأيكة}: أي الغيضة وهي الشجرة الملتف.
{إذ قال لهم شعيب}: النبي المرسل شعيب عليه السلام.
{أوفوا الكيل}: أي أتموه.
{ولا تكونوا من المخسرين}: الذين ينقصون الكيل والوزن.
{بالقسطاس المستقيم}: أي الميزان السوي المعتدل.
{ولا تبخسوا الناس أشياءهم}: أي لا تنقصوهم من حقوقهم شيئاً.
{ولا تعثوا في الأرض مفسدين}: أي بالقتل والسلب والنهب.
{والجبلة الأولين}: أي والخليقة أي الناس من قبلكم.

.معنى الآيات:

هذه بداية قصص شعيب عليه السلام مع أصحاب الأيكة والأيكة الشجرة الملتف كشجر الدوم وهذه الغيضة قريبة من مدينة وشعي بأرسل لهما معاً وفي سورة هود {وإلى مدين أخاهم شعيباً} لأنه منهم ومن مدينتهم فقيل له أخوهم، وأما أصحاب الأيكة جماعة من بادية مدين كانت لهم أيكة من الشجرة يعبدونها تحت أي عنوان كعبدة الأشجار والأحجار في كل زمان ومكان، فبعث الله تعالى إليهم شعيباً فدعاهم إلى عبادة الله وحده وترك عبادة ما سواه فكذبوه وهو قوله تعالى: {كذب أصحاب الأيكة المرسلين إذ قال لهم شعيب ألا تتقون} أي اتقوا الله وخافوا عقابه {إني لكم رسول أمين} فاتقوا الله بعبادته وترك عبادة ما واسه وأطيعون أهدكم إلى ما فيه كمالكم وسعادتكم {وما أسألكم عليه} أي على بلاغ رسالة ربي إليكم أجراً أي جزاء وأجرة {إن أجري} أي ما أجري إلا على ربي العالمين: وأمرهم بترك أشهر معصية كانت شائعة بينهم وهي تطفيف الكيل والوزن فقال لهم {أوفوا الكيل} أي أتموها ولا تنقصوها {ولا تكونوا من المخسرين} أي الذين ينقصون الكيل والوزن {وزنوا} أي إذا وزنتم {بالقسطاس المستقيم} أي بالميزان العادل، {ولا تبخسوا الناس أشاءهم} أي لا تنقصوهم من حقوقهم شيئاً فما يساوي ديناراً لا تعطوا فيه نصف دينار وما يساوي عشرة لا تأخذوه بخمسة مثلاً ومن أجرته اليومية عشرون لا تعطوه عشرة مثلاً، {ولا تعثوا في الأرض مفسدين} أي ولا تفسدوا في البلاد بأي نوع من الفساد كالقتل والسلب ومنع الحقوق وارتكاب المعاصي والذنوب {واتقوا الذي خلقكم} أي الله فخافوا عقابه {والجبلة الأولين} أي وخلق الخليقة من قبلكم اتقوه بترك الشرك والمعاصي تنجوا من عذابه، وتظفروا برضاه وإنعامه.

.من هداية الآيات:

1- الأمر بالتقوى فريضة كل داع إلى الله تعالى وسنة الدعاة والهداة إذ طاعة الله واجبة.
2- لا يصح لداع إلى الله أن يطلب أجره ممن يدعوهم فإن ذلك ينفرهم.
3- وجوب توفية الكيل والوزن وحرمة التطفيف فيهما.
4- حرمة بخس الناس حقوقهم ونقصها بأي حال من الأحوال.
5- حرمة الفساد في الأرض بارتكاب المعاصي وغشيان الذنوب.

.تفسير الآيات (185- 191):

{قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185) وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (186) فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187) قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (188) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (189) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (190) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (191)}

.شرح الكلمات:

{إنما أنت من المسحرين}: أي ممن يأكلون الطعام ويشربون فلست بملك تطاع.
{وإن نظنك لمن الكاذبين}: أي وما نحبسك إلا واحداً من الكاذبين.
{فأسقط علينا كسفاً}: أي قطعاً من السماء تهلكنا بها إن كنت من الصادقين فيما تقول.
{عذاب يوم الظلة}: أي السحابة التي أظلتهم ثم التهبت عليهم ناراً.
{إن في ذلك لآية}: أي لعبرة وعلامة عبرة لمن يعتبر وعلامة دالة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في قصص عليه السلام مع أصحاب الأيكة وأهل مدين إنه لما ذكرهم ووعظهم وأمرهم كان جوابهم ما أخبر به تعالى عنهم في قوله: {قالوا إنما أنت} أي يا شعيب {من المسحرين} الذي غلب السحر على عقولهم فلا يدرون ما يفعلون وما لا يقولون كما أنك بشر مثلنا تأكل الطعام وتشرب الشراب فما أنت بملك من الملائكة حتى نطيعك. {وإن نظنك} أي وما نظنك إلا من الكاذبين من الناس {فأسقط علينا كسفاً} أي قطعاً من السماء تهلكنا بها {إن كنت من الصادقين} في دعوى أنك رسول من الله إلينا. فأجابهم قائلاً بما ذكر تعالى: {قال ربي أعلم بما تعملون} ولازم ذلك أنه سيجازيكم بعملكم قال تعالى: {فكذبوه} في كل ما جاءهم به واستوجبوا لذلك العذاب {فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم} فقد أنزل الله تعالى عليهم حراً شديداً التهب منه الجوّ أو كاد فلجأ وإلى المنازل والكهوف والسراديب تحت الأرض فلم تغن عنهم شيئاً، ثم اتفعت في سماء بلادهم سحابة فذهب إليها بعضهم فوجدها روحاً وبرداً وطيباً فنادى الناس أن هلموا فجاءوا فلما اجتمعوا تحتها كلهم انقلبت ناراً فأحرقتهم ورجفت بهم من تحتهم فهلكوا عن آخرهم.
قال تعالى: {إن في ذلك لآية} أي علامة لقومك يا محمد على قدرتنا وعلمنا ووجوب عبادتنا وتصديق رسولنا ولكن أكثرهم لا يؤمنون لما سبق في علمنا أنهم لا يمؤمنون، وإن ربك يا محمد لهو العزيز أي الغالب على أمره الرحيم بمن تاب من عباده.

.من هداية الآيات:

1- هذا آخر سبع قصص ذكرت بإيجاز تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وتهديداً للمشركين المكذبين.
2- دعوة الرسل واحدة وأسلوبهم يكاد يكون واحداً: الأمر بتقوى الله وطاعة رسوله.
3- سنة تعلل الناس بأن الرسول لا ينبغي أن يكون بشراً فلذا هم لا يؤمنون.
4- المطالبة بالآيات تكاد تكون سنة مطردة، وقل من يؤمن عليها.
5- تقرير التوحيد والنبوة والبعث وهي ثمرة كل قصة تقص في هذا القرآن العظيم.

.تفسير الآيات (192- 201):

{وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (199) كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (201)}

.شرح الكلمات:

{وإنه لتنزيل رب العالمين}: أي القرآن الكريم تنزيل رب العالمين.
{الروح الأمين}: جبريل عليه السلام أمين على وحي الله تعالى.
{وإنه لفي زبر الأولين}: أي كتب الأولين، واحد الزبر: زبرة وكصفحة وصحف.
{أولم يكن لهم آية}: أي علامة ودليلاً علم بني إسرائيل بالعربية.
{على بعض الأعجمين}: الأعجمي من لا يقدر على التكلم بالعربية.
{كذلك سلكناه}: أي التكذيب في قلوب المجرمين من كفار مكة.

.معنى الآيات:

لقد أنكر كفار مكة أن يكون القرآن وحياً أوحاه الله تعالى وبذلك أنكروا أن يكون محمد رسول الله، ومن هنا ردوا عليه كل ما جاءهم به من التوحيد وغيره، فإيراد هذا القصص يتلوه محمد صلى الله عليه وسلم وهو لا يقرأ ولا يكتب دال دلالة قطعية على أنه وحى إلهي أوحاه إلى محمد صلى الله عليه وسلم وهو بذلك رسوله. فقوله تعالى: {وإنه} أي القرآن الذي كذب به المشركون {تنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين} جبريل عليه السلام {على قلبك} أي الرسول لأن القلب هو الذي يتلقى الوحي إذ هو محط الإِدراك والوعي والحفظ، وقوله: {لتكون من المنذرين} هو علة لنزول القرآن عليه وبه كان من الرسل المنذرين. وقوله: {وإنه لفي زبر الأولين} أي القرآن مذكور في الكتب الإِلهية التي سبقته كالتوراة والإِنجيل. وقوله تعالى: {أو لم يكن لهم} أي لكفار قريش {آية} أي علامة على أن القرآن وحي الله وكتابه وأن محمداً عبد الله ورسوله {أن يعلمه علماء بني إسرائيل} أي علم بني إسرائيل به كعبد الله بن سلام فقد قال والله إني لأعلم أن محمداً رسول أكثر مما أعلم أن فلاناً ولدي، لأن ولدي في الإِمكان أن تكون أمه قد خانتني أما محمد فلا يمكن أن يكون غير رسول الله وفيهم قال تعالى: {يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} ومن عرف محمداً رسولاً عرف القرآن وحياً إليهاً.
وقوله تعالى: {ولو نزلناه على بعض الأعجمين} أي وبلسان عربي مبين فكان ذلك آية، وقرأه عليهم الأعجمي، ما كانوا به مؤمنين. أي من أجل الأنفة والحمية إذ يقولون أعجمي وعربي؟ وقوله تعالى: {كذلك سلكناه} أي التكذيب وعدم الإِيمان {في قلوب المجرمين} أي كما سلكنا التكذيب في قلوب المجرمين لو قرأ القرآن عليهم أعجمي سلكناه أي التكذيب في قلوب المجرمين إن قرأه عليهم محمد صلى الله عليه وسلم، والعلة في ذلك هي أن الإِجرام على النفس بارتكاب عظائم الذنوب من شأنه أن يحول بين النفس وقبول الحق لما ران عليها من الذنوب وأحاط بها من الخطايا. وقوله: {لا يؤمنون به} تأكيد لنفي الإِيمان حتى يروا العذاب الأليم أي يستمر تكذيبهم بالقرآن والمنزل عليه حتى يروا العذاب الموجع، وحينئذ لا ينفعهم إيمانهم ولا هم ينظرون.

.من هداية الآيات:

1- تقرير معتقد الوحي الإِلهي والنبوة المحمدية.
2- بيان أن جبريل هو الذي كان ينزل بالوحي القرآني على النبي صلى الله عليه وسلم.
3- تقرير النبوة المحمدية وأن محمداً من المنذرين.
4- بيان أن القرآن مذكور في الكتب السابقة بشهادة علماء أهل الكتاب.
5- إذا تراكمت آثار الذنوب والجرائم على النفس حجبتها عن التوبة ومنعتها من الإِيمان.

.تفسير الآيات (202- 212):

{فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (202) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (203) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (204) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207) وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ (208) ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ (209) وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212)}

.شرح الكلمات:

{هل نحن منظرون}: أي ممهلون لنؤمن. والجواب قطعاً: لا لا..
{أفرأيت}: أي أخبرني.
{إن متعناهم سنين}: أي أبقينا على حياته يأكلون ويشربون وينكحون.
{ما كانوا يوعدون}: أي من العذاب.
{ما إغنى عنهم}: أي أي شيء أغنى عنهم ذلك التمتع الطويل لا بدفع العذاب ولا بتخفيفه.
{إلا لها منذرون}: أي رسل ينذرون أهلها عاقبة الكفر والشرك.
{ذكرى}: أي عظة.
{وما تنزلت به الشياطين}: أي لا يتأتى لهم ولا يصلح له أن تنزلوا به.
{وما يستطيعون}: أي لا يقدرون.
{إنهم عن السمع}: أي لكلام الملائكة لمعزولون.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في تقرير النبوة المحمية واثبات الوحي. لقد جاء في السياق أن المجرمين لا يؤمنون بهذا القرآن حتى يروا العذاب الأليم. فيأتيهم بغتة أي فجأة وهم لا يشعرون أي لا يعلمون به حتى يفاجئهم. فيقولون حينئذ: {هل نحن منظرون} أي يتمنون أن لو يمهلوا حتى يؤمنوا ويصلحوا ما أفسدوا.
وقوله تعالى: {أفبعذابنا يستعجلون} عندما قالوا للرسول {لن نؤمن لك حتى تنزل علينا كسفاً من السماء} أي قطعاً، أحُمق هم أم مجانين يستعجلون عذاب الله الذي إن جاءهم كان فيه حتفهم أجمعين؟ ثم قال لرسوله: {أفرأيت} يا رسولنا {إن متعناهم سنين} بأن أطلنا أعمارهم ووسعنا في أرزقاهم فعاشوا سنين عديدة ثم جاءه عذابنا أي أخبرنى هل يغني ذلك التمتع عنهم سيئاً؟ ما إغنى عنهم ما كانوا يمتعون أي لم يُغْنِ عنهم شيئاً لا بدفع العذاب ولا بتأخيره ولا بتخفيه.
وقوله تعالى: {وما أهلكنا من قرية} كتلك القرى التي مر ذكرها في هذه السورة {إلا لها منذرون} أي كان لها رسل ينذرون أهلها عقاب الله إن أصروا على الشرك والكفر والشر والفساد. وقوله: {وذكرى} أي عظة لعلهم يتعظون. وقوله: {وما كنا ظالمين} في إهلاك من أهلكنا بعد أن أنذرنا.
ونزل رداً على المشركين المجرمين الذين قالوا إن الشياطين يلقون القرآن على لسان محمد كما يأتون للكهان بأخبار السماء. {وما تنزلت به الشياطين} كما يزعم المكذبون {وما ينبغي لهم} أي للشياطين أي لا يصلح لهم ولا يتأتَّى منهم ذلك لأنهم معزولون عن السمع، أي سماع كلام الملائكة إذ أرصد الله تعالى شبهاً حالت بينهم وبين السماع من السماء. فلذا دعوى المشركين بطالة من أساسها.

.من هداية الآيات:

1- بيان أن المجرمين إذا شاهدوا العهذاب تمنوا التوبة ولا يمكنون منها.
2- بيان أن ساتعجال عذاب الله حمق ونزغ في الرأي وفساد في العقل.
3- بيان أن طول العمر وسعة الرزق لا يغنيان عن صاحبها شيئاً من عذاب الله إذا نزل به.
4- بيان سنة الله تعالى في أنه لا يهلك أمة إلا بعد الإِنذار والبيان.
5- إبطال مزاعم المشركين في أن القرآن من جنس ما يقوله الكهان. وأن الشياطين تتنزل به.

.تفسير الآيات (213- 220):

{فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220)}

.شرح الكلمات:

{فلا تدع مع الله إلهاً آخر}: أي لا تعبد مع الله إلهاً آخر، لأن الدعاء هو العبادة.
{وأنذر عشيرتك الأقربين}: وهم بنو هاشم ونبو عبد المطلب.
{واخفض جناحك}: أي ألن جانبك.
{فإن عصوك}: أي أبوا قبول دعوتك إلى التوحيد، ورفضوا ما تدعوهم إليه.
{فقل إني بريء مما تعملون}: أي من عبادة غير الله سبحانه وتعالى.
{الذي يراك حين تقوم}: أي إلى الصلاة فتصلي متهجداً بالليل وحدك.
{وتقلبك في الساجدين}: أي ويرى تقلبك مع المصلين راكعاً ساجداً قائماً.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في طلب هداية قريش قوم محمد صلى الله عليه وسلم فقوله تعالى: {فلا تدع مع الله إلهاً آخر فتكون من المعذبين} فيه إيحاء وإشارة واضحة بأنه تعريض بالمشركين الذين يدعون آلهة أصناماً وهي دعوة توقظهم من نومتهم إنه إذا كان رسول الله ينهى عن عبادة غي رالله وإلا يعذب مع المعذبين فغيره من باب أولى فَكَأن الكلام جرى على حد إياك أعني واسمعي يا جارة!! وقوله تعالى: {وأنذر عشيرتك الأقربين} أمر من الله لرسوله أن يخص أولاً بإنذاره قرابته لأنهم أولى بطلب النجاة لهم من العذاب، وقد امتثل الرسول أمر ربه فقد ورد في الصحاح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم لما أنزل عليه {وأنذر عشيرتك الأقربين} قال: «يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله (يعني بالإِيمان والعمل الصالح بعد التخلي عن الشرك والمعاصي) فإِني لا أغني من الله شيئاً، يا بني عبد المطلب لا أغني عنكم من الله أي من عذابه شيئاً، يا عباس بن عبد المطلب، لا أغني عنك من الله شيئاً، يا صفية عمة رسول الله لا إني عنك من الله شيئاً، يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت لا إني عنك من الله شيئاً».
وقوله تعالى: {واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين} أمره أن يلين جانبه للمؤمنين وأن يعطف عليهم ويُطايبهم ليرسخ الإِيمان في قلوبهم ويسلموا من غائلة الردة فيما لو عوملوا بالقسوة والشدة وهم في بداءة الطريق إلى الله تعالى وقوله تعالى: {فإن عصوك} أي من أمرت بدعوتهم إلى توحيد الله وعبادته وخلع الأنداد والتخلي عن عبادتها {فقل إني بريء مما تعملون} أي من عبادة غير الله تعالى وغير راضٍ بذلك منكم ولا موافق عليه لأنه شرك حرام وابطل مذموم. وقوله تعالى: {وتوكل على العزيز} أي الغالب القاهر الذي لا يمانع في شيء يريده الرحيم بالمؤمنين من عباده، والأمر بالتوكل هنا ضروري لأنه أمره بالبراءة من الشرك المشركين وهي حال تقتضي عداوته والكيد له بل ومحاربته ومن هنا وجب التوكل على الله والاعتماد عليه، وإلا فلا طاقة له بحرب قوم وهو فرد واحد وقوله: {الذي يراك حين تقوم} أي في صلاتك وحدك {وتقلبك في الساجدين} أي ويرى تقلبك قائماً وراكعاً وساجداً مع المصلين من المؤمنين.
بمعنى أنه معك يسمع ويرى فتوكل عليه ولا تخف غيره وامض في دعوتك ومفاصلتك للمشركين. وقوله: {إنه هو السميع العليم} تقرير لتلك المعية الخاصة إذ السميع لكل صوت والعيم بكل حركة وسكون يحق للعبد التوكل عليه وتفويض الأمر إليه.

.من هداية الآيات:

1- تقرير التوحيد، وحرمة دعاء غير الله تعالى من سائر مخلوقاته لأنه الشرك الحرام.
2- من مات يدعو غير الله فهو معذب لا محالة مع المعذبين.
3- تقرير قاعدة البدء بالأقارب في كل شيء لأنهم ألصق بقريبهم من غيرهم.
4- مشروعية لين الجانب والتواضع للمؤمنين لاسيما الحديثو عهد بالإِسلام.
5- وجوب البراءة من الشرك وأهله.
6- وجوب التوكل على الله والقيام بما أوجبه الله تعالى.
7- فضل قيام الليل وصلاة الجماعة لما يحصل للعبد من معية الله تعالى.