فصل: تفسير الآيات (7- 11):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (7- 11):

{وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9) وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11)}

.شرح الكلمات:

{وأوحينا إلى أم موسى}: أعلمناها أن ترضع ولدها الرضعات الأولى التي لابد منها ثم تضعه في تابوت ثم تلقيه في اليم.
{في اليم}: أي في البحر وهو نهر النيل.
{ولا تخافي ولا تحزني}: أي لا تخافي أن يهلك ولا تحزني على فراقه، إنا رادوه إليك.
{فالتقطع آل فرعون}: أي أعوانه ورجاله.
{ليكون لهم عدواً وحزناً}: أي في عاقبة الأمر، فاللام للعاقبة والصيرورة.
{قرة عين لي ولك}: أي تقر به عيني وعينك فنفرح به ونُسَرْ.
{وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً}: أي من كل شيء إلا منه عليه السلام أي لا تفكر في شيء إلا فيه.
{إن كادت لتبدي به}: أي قاربت بأن تصرخ أنه ولدها وتظهر ذلك.
{وقالت لأخته قصيه}: أي اتبعي أثره حتى تعرفي اين هو.
{فبصرت به عن جنب}: أي لاحظته وهي مختفيه تتبعه من مكان بعيد.

.معنى الآيات:

هذه بداية قصة موسى مع فرعون وهو طفل رضيع إلى نهاية هلاك فرعون في ظرف طويل بلغ عشرات السنين. بدأ تعالى بقوله تعالى: {وأوحينا إلى أم موسى} أي أعلمناها من طريق الإِلقاء في القلب {أن أرضعيه فإذا خفت عليه} آل فرعون الذين يقتلون مواليد بني إسرائيل الذكور في هذه السنة {فألقيه في اليم} أي بعد أن تجعليه في تابوت أي صندوق خشب مطلي بالقار، {ولا تخافى} عليه الهلاك {ولا تحزني} على فراقك {إنا رادوه إليك} لترضعيه {وجاعلوه من المرسلين} ونرسله إلى عدوكم فرعون وملائه. قال تعالى: {فالتقطه آل فرعون} أي فعلت ما أمرها الله تعالى به بأن جعلته في تابوت وألقته في اليم أي النيل {فالتقطه آل فرعون} حيث وجدوه لقطة فأخذوه وأعطوه لآسية بنت مزاحم عليها السلام امرأة فرعون. وقوله تعالى: {ليكون لهم عدواً وحزناً} هذا باعتبار ما يؤول إليه الأمر فهنم ما التقطوه لذلك ولكن شاء الله ذلك فكان لهم {عدُّواً وحزناً} فعاداهم وأحزنهم.
وقوله تعالى: {إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين} أي آثمين بالكفر والظلم ولذا يكون موسى لهم عدواً وحزناً. وقوله تعالى: {وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك لا تقتلوه} قالت هذا حين هم فرعون بقتله لما نتف موسى لحيته وهو رضيع تعلق به فأخذ شعرات من لحيته فتشاءم فرعون وأمر بقتله فاعتذرت آسية له فقالت هو {قرة عين لي ولك لا تقتلوه} فقال فرعون قرة عين لك أما أنا فلا وقولها: {عسى أن ينفعنا} في حياتنا بالخدمة ونحوها {أو نتخذه ولداً} وذلك بالتبني وهذا الذي حصل، فكان موسى إلى الثلاثين من عمره يعرف بإبن فرعون وقوله: {وهم لا يشعرون} أي بما سيكون من أمره وأن هلاك فرعون وجنوده سيكون على يده.
وقوله تعالى: {وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً} أي من أي شيء إلا من موسى وذلك بعد أن ألقته في اليم.
وقوله: {إن كادت لتبدى به} أي لتصرخ بأ، ه ولدها وتُظهر ذلك من شدة الحزن لكن الله تعالى ربط على قلبها فصبرت لتكون بذلك من المؤمنين بوعد الله تعالى لها بأن يرده إليها ويجعله من المرسلين.
وقوله تعالى: {وقالت لأخته قصيه} أي تتبعي أثره وذلك عندما ألقته في اليم وقوله: {فبصرت به عن جنب} أي رأته من بُعد فكانت تمشي على شاطئ النهر وتلاحقه النظر من بعد حتى رأته انتهى إلى فرع الماء الذي دخل إلى قصر فرعون فعلمت أنه قد دخل القصر. وقوله تعالى: {وهم لا يشعرون} أي لا يشعرون أنها أخته لما كانت تلاحقه النظر وتتعرف إليه من بعد.

.من هداية الآيات:

1- بيان تدبير الله تعالى لأولياء وصالحي عباده وتجلى ذلك في الوحي إلى أم موسى بارضاعه وإلقائه في البحر والتقاط آل فرعون له ليتربى في بيت الملك عزيزاً مكرماً.
2- بيان سوء الخطيئة وآثارها السيئة وعواقبها المدمرة وتجلى ذلك فيما حل بفرعون وهامان وجنودهما.
3- فضيلة الرجاء تجلت في قول آسية {قرة عين لي ولك} فقال فرعون: أمَّالي فلا. فكان موسى قرة عين لآسية ولم يكن لفرعون.
4- بيان عاطفة الأمومة حيث أصبح فؤاد أم موسى فارغاً إلا من موسى.
5- بيان عناية الله بأوليائه حيث ربط على قلب أم موسى فصبرت ولم تبده لهم وتقول هو ولدي ليمضي وعد الله تعالى كما أخبرها. والحمد له رب العالمين.

.تفسير الآيات (12- 16):

{وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14) وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16)}

.شرح الكلمات:

{وحرمنا عليه المراضع}: أي معناه من قبول ثدى أيَّة مرضعة.
{من قبل}: أي من قبل رده إلى أمه.
{فقالت هل أدلكم على}: أي قالت أخت موسى.
{أهل بيت يكفلونه لكم}: يضمونه غليهم، يرضعونه ويربونه لكم.
{وهم له ناصحون}: أي لموسى ناصحون، فلما قالوا لها إذاً كنت أنت تعرفينه، قالت لا، إنما أعني أنهم ناصحون للملك لا للود.
{فرددناه إلى أمه}: أي رددنا موسى إلى أمه أي قبلوا اقتراح أخته.
{ولتعلم أن وعد الله حق}: إذ أوحى إليها أنه راده إليها وجاعله من المرسلين.
{ولكن أكثرهم لا يعلمون}: أي أكثر الناس لا يعلمون وعد الله لأم موسى ولا يعلمون أن الفتاة أخته وأن أمها أمه.
{ولما بلغ اشده واستوى}: أي ثلاثين سنة من عمره فانتهى شبابه وكمل عقله.
{آتيناه حكماً وعلماً}: أي وهبناه الحكمة من القول والعمل والعلم بالدين الإِسلامي الذي كان عليه بنو إسرائيل وهذا قبل أن ينبأ ويرسل.
{ودخل المدينة}: مدينة فرعون وهي مُنْفُ بعد أن غاب عنها مدة.
{على حين غفلة من أهلها}: لأن الوقت كان وقت القيلولة.
{هذا من شيعته}: أي على دينه الإِسلامي.
{وهذا من عدوه}: على دين فرعون والأقباط.
{فوكزه موسى فقضى عليه}: أي ضربه بجمع كفه فقضى عليه أيْ قتله.
{هذا من عمل الشيطان}: أي هذا الفعل من عمل الشيطان لأنه المهيج غضبي.
{أنه عدو مضل مبين}: أي الشيطان عدو لابن آدم مضل له عن الهدى، مبين ظاهر الإِضلال.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في قصص موسى مع فرعون: إنه بعد ان التقط آل فرعون موسى من النيل وهو رضيع قدموا له المراضع فرفضهن مرضعة بعد أخرى، فاحْتار آل فرعون لحبهم لموسى لأن الله تعالى ألقى عليه محبة منه فما رآه أحد إلا أحبه وهذا معنى قوله تعالى في الآية (12): {وحرمنا عليه المراضع من قبل} أي قبل رده إلى أمه. وقوله: {فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون} هذه أخته وقد امرتها أمها أن تقص آثار موسى وتتبع أخباره فلما علمت أن أخاها لم يقبل المراضع وأن القصر في قلق من جراء عدم رضاع موسى تقدمت وقالت ما أخبر الله تعالى به عنها في قوله: {فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم} ويرضعونه ويحفظونه حتى تنتهي مدة رضاعته {وهم له ناصحون} وهنا ارتابوا في أمرها واستنطقوها واتهموها بأنها تعرفه فقالت: لا أعرفه، إنما عنيت {وهم له ناصحون} أن أهل هذا البيت ناصحون للملك وهنا استجابوا لها فأتت به أمه فما إن رآها حتى رمى نفسه عليها وأخذ ثديها يمتصه فقالو لها: ما سر قبوله هذه المرأة فأجابت: بأنها طيبة الريح طيبة اللبن فأذنوا لها في إرضاعه في بيتها فعادت به وهو معنى قوله تعالى: {فرددناه إلى أمه كي تقر عينها} أي تفرح وتسر ولا تحزن على فراقه، {ولتعلم أن وعد الله حق} إذ وعدها بأنه راده إليها.
وقوله تعالى: {ولكن أكثرهم لا يعلمون} أي ولكن أكثر الناس لا يعلمون أنها أمه ولا أن الله وعدها بأن يرده إليها. وقوله تعالى: {ولما بلغ} أي موسى {أشده} أي اكتمال شبابه وهو ثلاثين سنة. {آتيناه حكماً وعلماً} أي حكمة وهي الإِصابة في الأمور {وعلماً} فقهاً في الدين الإِسلامي الذي كان عليه بنو إِسرائيل. وقوله تعالى: {وكذلك نجزي المحسنين} أي كما جزينا أم موسى وولدها موسى نجزي المحسنين وقوله تعالى: {ودخل المدينة} أي موسى دخل مدينة مُنْفُ التي هي مدينة فرعون وكان غائباً فترة. {على حين غفلة من أهلها} لأن الوقت كان وقت القيلولة. {فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته} على دين موسى وبني إسرائيل وهو الإِسلام {وهذا من عدوه} لأنه على دين فرعون والأقابط وهو الكفر. {فاستغاثه الذي من شيعته} أي طلب غوقه على الذي من عدوه {فوكزه موسى} أي ضربه بجمع كفه {فقضى عليه} أي فقتله ودفنه في الرمال. وقوله تعالى: {قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين} أي هذا قول موسى عليه السلام اعترف بأن ضربه القبطى كان من تهيج الشيطان لغضبه فقال: {هذا من عمل الشيطان إنه عدو} للإنسان {مضل} له عن طريق الخير والهدى {مبين} أي ظاهر العداوة للإِنسان والإِضلال.
وقوله تعالى: {قال رب إِني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم} أي دعا موسى ربه معترفاً بخطئه أولاً فقال: {رب} أي يا رب {إني ظلمت نفسي} أي بقتلي القبطي {فاغفر لي} هذا الخطأ، فاستجاب الله تعالى وغفر له، إنه تعالى هو الغفور لذنوب عباده التائبين له الرحيم بهم فلا يعذبهم بذنب تابوا منه.

.من هداية الآيات:

1- بيان حسن تدبير الله تعالى في منع موسى من سائر المرضعات حتى يرده إلى أمه.
2- بيان حسن رد الفتاة على التهمة التي وجهت إليها وذلك من ولاية الله وتوفيقه.
3- تقرير أن وعد الله حق، وأنه تعالى لا يخلف الوعد ولا الميعاد.
4- بيان إِنعام الله على موسى بالحكمة والعلم قبل النبوة والرسالة.
5- مشروعية إِغاثة الملهوف ونصرة المظلوم.
6- وجوب التوبة بعد الوقوع في الزلل، وأول التوبة الاعتراف بالذنب.

.تفسير الآيات (17- 21):

{قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ (17) فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18) فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19) وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21)}

.شرح الكلمات:

{بما أنعمت على}: بإنعامك على بمغفرة ذنبي.
{فلن أكون ظهيراً للمجرمين}: أي معيناً لأهل الإِجرام.
{خائفاً يترقب}: ماذا يحدث من خير أو غيره بعد القتل.
{استنصره بالأمس}: أي طلب نصرته فنصره.
{يستصرخه}: أي يستغيث به على قبطي آخر.
{إنك لغوي مبين}: أي لذو غواية وضلال ظاهر.
{أن يبطش بالذي هو عدو لهما}: أي أن يأخذ الذي هو عدو لموسى والقبطي معاً.
{إن تريد إلا أن تكون جباراً}: أي ما تريد إلا أن تكون جباراً تضرب وتقتل ولا تبالي بالعواقب.
{من المصلحين}: أي الذين يصلحون ببين الناس إذا اختلفوا أو تخاصموا.
{وجاء رجل من أقصى المدينة}: أي مؤمن آل فرعون أتى من أبعد نواحي المدينة.
{إن الملأ يأتمرون بك}: أي يتشاورون ويطلب بعضهم أمر بعض ليقتلوم.
{فاخرج إني لك من الناصحين}: أي اخرج من هذه البلاد إلى أخرى.
{فخرج منها خائفاً يترقب}: خائف من القتل يترقب ما يحدث له.

.معنى الآيات:

لقد تقدم في الآية قبل هذه أن موسى عليه السلام قد قتل قبطياً بطريق الخطأ وأنه اعترف لربه تعالى بخطإه واستغفره، وأن الله تعالى غفر له وأعلمه بذلك بما شاء من وسائط، ولما علم موسى بمغفرة الله تعالى له عاهده بأن لا يكون {ظهيراً للمجرمين} مستقبلاً ومن ذلك أن يعتزل فرعون وملائه لأنهم ظالمون مجرمون فقال: {رب بما أنعمت علي} أي بمغفرتك لي خطإي وذلك بالنظر إلى إنعامك علي بالمغفرة أعاهدك أن لا أكون {ظهيراً للمجرمين} هذا ما دلت عليه الآية (17) أي الأولى في هذا السياق وهي قوله تعالى: {قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيراً للمجرمين} وقوله تعالى: {فأصبح في المدينة خائفاً يترقب} أي فأصبح موسى في مدينة (مُنْفُ) عاصمة المملكة الفرعونية {خائفاً} مما قد يترتب على قتله القبطي {يترقب} الأحداث ماذا تسفر عنه؟ فإذا الذي يستنصره بالأمس وهو الإِسرائيلي الذي طلب نصرته أمس {يستصرخه} أي يستغيثه بأعلى صوته فنظر إليه موسى وأقبل عليه ليخلصه قائلاً: {إنك لغوي مبين} أي لذوا غواية بينة والغواية الفساد في الخلق والدين لأنك أمس قاتلت واليوم تقاتل أيضاً. {فلما أن أراد أن يبطش} أي موسى {بالذي هو عدو لهما} وهو القبطي قال الإِسرائيلي {أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس إن تريد إلا أن تكون جباراً في الأرض} أي تضرب وتقتل كما تشاء ولا تخاف عقوبة ذلك {وما تريد أن تكون من المصلحين} الذي يصلحون بين المتخاصمين قال الإِسرائيلي هذا لأ، ه جبان وخاف من هجمة موسى ظاناً أنه يريده هو لما قدم له من القول {إنك لغوي مبين} فلما سمع القبطي ما قال مقاتله الإِسرائيلي نقلها إلى القصر وكان من عماله فاجتمع رجال القصر برئاسة فرعون يتداولون القضية وينظرون إلى ظروفها ونتائجها وما يترتب عليها وكان من جملة رجال المؤتمر مؤمن آل فرعون (حزقيل) وكان مؤمناً يكتم إيمانه فأتى موسى سراً ليخبره بما يتم حياله وينصح له بالخروج من البلاد وهو ما جاء في قوله تعالى في الآية (20) من هذا السياق {وجاء رجل من أقصا المدينة} من أبعدها فان قصر الملك كان في طرف المدينة وهي مدينة فرعون (مُنْفُ): {يسعى} فمشي بسرعة وجد وانتهى إلى موسى فقال: {يا موسى إن الملأُ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين} قال تعالى: {فخرج منها} أي من بلاد فرعون {خائفاً يترقب} خائفاً من القتل يترقب الطلب وماذا سيحدث له من نجاة أو خلافه ودعا ربه عز وجل قائلاً:
{رب نجني من القوم الظالمين} أي من فرعون وملائه أولاً ومن كل ظالم ثانياً.

.من هداية الآيات:

1- شكر النعم، فموسى لما غفر تعالى له شكره بأن تعهد له أن لا يقف إلى جنب مجرم أبداً.
2- سوء صحبة الأحمق الغوى فإن الإِسرائيلي لغوايته وحمقه هو الذي سبب متاعب موسى.
3- لزوم إِبلاغ الدولة عن أهل الفساد والشر في البلاد لحمايتها.
4- وجوب النصح وبذل النصيحة فمؤمن آل فرعون يعلم سلامة موسى من العيب ومن الجريمة فتعين له أن ينصح موسى بمغادرة البلاد لينجو إن شاء الله وليس هذا من باب خيانة البلاد والدولة، لأن موسى من أهل الكمال وما حدث عنه كان من باب الخطأ فرفده ومد إليه اليد إِنقاذاً من موت متعين.
5- الخوف الطبيعي لا يلام عليه فموسى عليه السلام قد خاف خوفاً أدى به إلى الالتجاء إلى ربه بالدعاء فدعاه واستجاب له ولله الحمد والمنة.

.تفسير الآيات (22- 24):

{وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)}

.شرح الكلمات:

{ولما توجه تلقاء مدين}: أقبل بوجهه جهة مدين التي هي مدينة شعيب.
{عسى ربي أن يهديني سواء}: أرجو ربي أن يهدني وسط الطريق حتى لا أضل فأهلك.
{السبيل}: فاستجاب الله له وهداه غلى سواء السبيل ووصل مدين.
{ولما ورد ماء مدين}: انتهى غلى بئر يسقى منها أهل مدين.
{يسقون}: أي مواشيهم منبقر وابل وغنم.
{تذودان}: أي أغنامهما منعاً لهما من الماء حتى تخلو الساحة لهما خوف الاختلاط بالرجال الأجانب لغير ضرورة.
{قال ما خطبكما}: قال موسى للمرأتين اللتين تذودان ما خطبكما أي ما شأنكما.
{حتى يصدر الرعاء}: لا نسقي ماشيتنا حتى يصدر الرعاء ويبقى لنا الماء وحدنا.
{ثم تولى إلى الظل}: أي بعد أن سقى لهما رجع إلى ظل الشجرة التي كان جالساً تحتها.
{لما أنزلت إلي من خير فقير}: أي من طعام محتاج إليه لشدة جوعه عليه السلام.
{تمشي على استحياء}: أي واضعة كم درعها على وجهها حياء منه.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في شأن موسى عليه السلام بعد حادثة القتل والنصح له بمغادرة بلاد مصر غلى بلاد مدين مدينة شعيب عليه السلام قال تعالى مخبراً عنه: {ولما توجه تلقاء مدين} أي ولما توجه موسى عملاً بنصيحة مؤمن آل فرعون تلقاء مدين أي نحوها وجهتها ولم يكن له علم بالطريق الصحراوي والمسافة مسيرة ثمانية أيام قال: {عسى أن يهدني ربي سواء السبيل} أي ترجَّى ربه سبحانه وتعالى أن يهديه الطريق السوي حتى لا يضل فيهلك، واستجاب الله له فهداه الطريق حتى وصل إلى بلاد مدين وقوله تعالى في الآية الثانية من هذا السياق (23): {ولما ورد ماء مدين} أي وحين ورد ماء مدين وهو بئر يسقي منها الناس مواشيهم {وجد عليه} أي على الماء {أمة من الناس} أي جماعة كبيرة يسقون أنعامهم ومواشيهم {ووجد من دونهم امرأتين} وهما بنتا شعيب عليه السلام {تذودان} أي تمنعان ماشيتهما من الاختلاط بمواشي الناس. فسألهما لا تطفلاً وإنما حالهما دعاه إلى سؤالهما لأنه رأى الناس يسيقون مواشيهما ويصدرون فوجاً بعد فوج والمرأتان قائمتان على ماشيتهما تذودانها عن الحوض حتى لا تختلط ولا تشرب فسألهما لذلك قائلاً: {ما خطبكما} أي ما شأنكما فأجابتاه قائلتين: {لا نسقي حتى يصدر الرعاء} لضعفنا وعدم رغبتنا في الاختلاط بالرجال {وأبونا شيخ كبير} لا يقوي على سقي هذه الماشية بنفسه فنحن نسقيها ولكن بعد أن يصدر الرعاء ويبقى في الحوض ماء نسقي به، فلما علم عذرهما سقى لهما ماشيتهما {ثم تولى إلى الظل} الذي كان جالساً تحته وهو ظل شجرة وهو شجر صحراوي معروف يقال له السمر، ولما تولى غلى الظل سأل ربه الطعام لشدة جوعه إذ خرج من مصر بلا زاد ولا دليل ولولا حسن ظنه في ربه لما خرج هذا الخروج فقال: {رب إني لما أنزلت إلي من خير} أي طعام {فقير} أي محتاج إليه أشد الاحتياج.
وفي أقرب ساعة وصلت البنتان غلى والدهما فسالهما عن سبب عودتهما بسرعة فأخبرتاه، فقال لإحداهما إذهبي إليه وقوله له {إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا} وهو معنى قوله تعالى: {فجاءته إحداهما} استجابة الله له {تمشي على استحياء} واضعة كم درعها على وجهها حياء. وقد قال فيها عمر رضي الله عنه إنها ليست سلفعاً من النساء خرَّاجة ولأَّجة، وبلغت الرسالة المختصرة وكأنها برقية ونصها ما أخبر تعالى به في قوله: {إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا} وقد ورد أنهما لما كانت تمشي أمامه تدله على الطريق هبت الريح فكشفت ساقيها قال بها موسى: إمشي ورائي ودليني على الطريق بحصى ترميها نحو الطريق وهذا الذي دلها على أمانته لما وصفته لأبيها بأنه {قوي أمين} كما سيأتي فيما بعد.

.من هداية الآيات:

1- وجوب حسن الظن بالله تعالى وقوة الرجاء فيه عز وجل والتوكل عليه.
2- بيان فضل الحياء وشرف المؤمنات اللائي يتعففن عن الاختلاط بالرجال.
3- بيان مروءة موسى في سقيه للمرأتين.
4- فضل الدعاء وسؤال الله تعالى ما العبد في حاجة إليه.
5- ستر الوجه عن الأجانب سنة المؤمنات من عهد قديم وليس كما يقول المبطلون عهو عادة جاهلية، فبنتا شعيب نشأتا في دار النبوة والطهر والعفاف وغطت إحداهما وجهها عن موسى حياءً وتقوى.