فصل: تفسير الآيات (56- 59):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (56- 59):

{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (57) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (58) وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59)}

.شرح الكلمات:

{إنك لا تهدي من أحببت}: أي هدايته كأبي طالب بأن يسلم ويحسن إسلامه.
{وقالوا}: أي مشركو قريش.
{إن نتبع الهدى معك}: أي إن نتبعك على ما جئت به وندعو إليه وهو الإِسلام.
{نتخطف من أرضنا}: أي تتجرأ علينا قبائل العرب ويأخذوننا.
{يجبى إليها ثمرات كل شيء}: أي حمل ويساق إليه ثمرات كل شيء من كل ناحية.
{رزقاً من لدنا}: أي رزقاً لكم من عندنا يا أهل الحرم بمكة.
{بطرت معيشتها}: أي كفرت نعمة الله عليها فأسرفت في الذنوب وطغت في المعاصي.
{يبعث في أمها رسولاً}: أي في أعظم مدنها. وهي العاصمة.
{إلا وأهلها ظالمون}: بالتكذيب للرسول والإِصرار على الشرك والمعاصي.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {إنك لا تهدي.. بالمهتدين} هذه الآية نزلت في شأن أبي طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم يرغب في إِسلامه لما له من سالفة في الوقوف إلى جانب النبي صلى الله عليه وسلم يحميه ويدافع عنه فلما حضرته الوفاة زاره النبي صلى الله عليه وسلم وعرض عليه الشهادتين فكان يقول له: «يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله يوم القيامة» وكان حوله عواده من كفار قريش، ومشائخها فكانوا ينهونه عن ذلك حتى قالوا له: أترغب عن دين أبائك؟ أترغب عن ملة عبد المطلب أبيك حتى قال هو على ملة عبد المطلب ومات. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لأستغفرن لك ما لم أُنْهَ عن ذلك» فنهاه الله فلم يستغفر له بعد ونزلت هذه الآية كالعزاء له صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت} هدايته يا نبينا {ولكن الله يهدي من يشاء} هدايته لعلمه أنه يطلب الهداية ولا يرغب عنها كما رغب عنها أبو طالب وأبو لهب وغيرهما، {وهو أعلم بالمهتدين} أي بالذين سبق في علمه تعالى أنهم يهتدون.
وقوله تعالى: {إن نتبع الهدي معك نتخطف من أرضنا} هذا اعتذار اعتذر به بعض رجالات قيش فقالوا نحن نعرف أن ما جئت به حق ولكننا نخشى إن آمنا بك واتبعناك يتالب علينا العرب ويرموننا عن قوس واحدة ونصبح نتخطف منقبل المغيرين كما هو حاصل لغيرنا، وبذلك نحرم هذا الأمن والرخاء وتسوء أحوالنا، لهذا نعتذر عن متابعتك فيما جئت به وأنت تدعو إليه من الكفر بآلهتنا وهدمها والتخلى عنها. فقال تعالى في الرد على هذا الاعتذار الساقط البارد {أولم نمكن لهم حرماً آمناً يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقاً من لدنا} أي لم يوطئ لهم أرض بلد حرمناه فلا يسفك فيه دم، ولا يصاد فيه صيد، ولا يؤخذ فيه أحد بجزيرة، اليس هذا كافياً في أن يعلموا أن الذي جعل لهم حرماً آمناً قادر على أن يؤمنهم إذا آمنوا وأسلموا، ومن باب أولى.
{ولكن أكثرهم لا يعلمون} فهذه علة اصرارهم على الشرك والكفر. إنها الجهل بالله تعالى وعظمته وعلمه وحكمته. ومعنى يجبى أو تجبى إليه ثمرات كل شيء أي يحمل إليه ويساق من انحاء البلاد ثمرات كل شيء من أنواع الأرزاق وكان ذلك رزقاً منه تعالى لأهل الحرم. أفلا يشكرون.
وقوله تعالى: {وكم أهلكنا من قرية} أي وكثيرا منأهل القرى أهلكناهم {بطرت معيشتها} لما بطروا عيشهم فلم يشكروا نعمة الله عليهم فأسرفوا في الظلم والمعاصي فأهلكناهم {فتلك مساكنهم} أي ديارهم {لم تسكن من بعدهم إلا قليلاً} كديار عاد وثمود والمؤتفكات.
{وكنا نحن الوارثين} لها، فلم نورثها غيرهم وتركناها خاوية خالية لم تسكن. أما يذكرون هذا فيعلموا بذلك قدرتنا فيتقوا فينا ويتوكلوا علينا ويؤمنوا ويوحدوا ويستقيموا على منهج الحق الذي جئت يا رسولنا به.
وقوله: {وما كان ربك} يا أيها الرسول {مهلك القرى} أي أهل المدن والحواضر {حيث يبعث في أمها رسولاً} كما بعثك في أم القرى مكة {يتلو عليهم آياتنا} أي لم يكن من سنة الله تعالى هذا بل لا يهلك أمة حتى يبعث في أم بلادها رسولاً يتلو عليهم آيات الله المبينة للحق من الباطل والخير من الشر وجزاء ذلك قوله تعالى: {وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون} أي ولم يكن من سنة الله تعالى في عبادة أن يهلك القرى إلا بعد ظلم أهلها.
فللإِ هلاك شرطان:
الأول: أن يبعث الرسول يتلو آياته فيكذب ويكفر به وبما جاء به.
والثاني: أن يظلم أهل القرى ويعتدوا وذلك باظهار الباطل والمنكر وإشاعة الشر والفساد في البلاد وهذا من عدل الله تعالى ورحمته بعباده إنه لأرحم بهم من أنفسهم، وكيف ومن أسمائه وصفاته الرحمن الرحيم.

.من هداية الآيات:

1- تقرير مبدأ لا هادي إلا الله. الهداية المنفية هي إنارة قلب العبد وتوفيق العبد لإِيمان وعمل الصالحات، وترك الشرك والمعاصي. والهداية المثبتة، يقول الله تعالى وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم. تلك هداية الدعوة والوعظ والارشاد، ومنه {ولكل قوم هاد} أي يدعوهم إلى الهدى.
2- مظاهر قدرة الله وعلمه ورحمته وحكمته فيما ألقاه في قلوب العرب المشركين الجاهلين من تعظيم الحرم وأهله ليهيئ بذلك لسكان حرمه أمناً وعيشاً كما قال تعالى: {فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف} قيرش (2- 4).
3- من رحمة الله وعدله أن لا يهلك أمة من الأمم إلا إذا توفر لهلاكها شرطان:
1- أن يبعث فيهم رسولاً يتلو عليهم آيات الله تحمل الهدى والنور.
2- أن يظلم أهللها بالتكذيب للرسول والكفر بما جاء به والاصرار على الكفر والعاصي.
4- التاريخ يعيد نفسه كما يقولون فما اعتذر به المشركون عن قبول الإِسلام بحجة تألب العرب عليهم وتعطيل تجارتهم يعتذر به اليوم كثير من المسؤولين فعطلوا الحدود وجاروا الغرب في فصل الدين عن الدولة وأباحوا كبائر الاثم كالربا وشرب الخمور وترك الصلاة حتى لا يقال عنهم أنهم رجعيون متزمتون فيمنعوهم المعونات ويحاصرونهم اقتصادياً.

.تفسير الآيات (60- 61):

{وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ (60) أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)}

.شرح الكلمات:

{وما أتيتم من شيء}: أي وما أعطاكم الله من مال أو متاع.
{فمتاع الحياة الدنيا وزينتها}: فهو ما تتمتعون به وتتنزهون ثم يزول ويفنى.
{وما عند الله خير وأبقى}: أي وما عند الله من ثواب وهو الجنة خير وأبقى.
{أفلا تعقلون}: لأن من يؤثر القليل الفاني على الكثير الباقي لا عقل له.
{وعداً حسناً}: أي الجنة.
{فهو لاقيه}: أي مصيبه وحاصل عليه وظافر به لا محالة.
{من المحضرين}: أي في نار جهنم.

.معنى الآيتين:

لقد سبق في هذا السياق أن المشركين اعتذروا عن الإِسلام بعذر مادي بحت وهو وجود عداوة بينهم وبين سائر العرب. يترتب عليها حروب وتعطل التجارة إلى غير ذلك. فقوله تعالى هنا: {وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا} هو خطاب لهم ولكل من يؤثر الحياة الدنيا على الآخرة فيسْتَحِل المحرمات ويعطل الأحكام ويضيع الفرائض والواجبات لتعارضها في نظره مع جمع المال والتمتع بالحياة الدنيا. وقوله تعالى: {وما أوتيتم من شيء} أي من مال ومتاع وإن كثر {فمتاع الحياة الدنيا} أي فهو متاع الحياة الدنيا {وزينتها} أي تتمتعون وتتنزهون به اياماً أو أعواماً ثم ينفد ويزول، أو تموتون عنه وتتركونه {وما عند الله} من نعيم الجنة {خير وأبقى} خير في نوعه وأبقى في مدته، فالأول رديء وتصحبه المنغصات ويعقبه الطدر، والثاني جيد صالح خال من المنغصات والكدورات وباق لا يبلى ولا يفنى ولا يزول ولا يموت صاحبه ويخلفه وراءه. {أفلا تعقلون} يا من تؤثرون الفاني على الباقي والردئ على الجيد والخبيث على الطيب. وقوله تعالى: {افمن وعدناه وعداً حسناً} وهو المؤمن الصادق في إيمانه المؤكد له بصالح عمله، {وعدنا وعداً حسناً} وهو الجنة دار السلام {فهو لاقيه} أي لاق موعده بإذن الله بمجرد أن يلفظ أنفاسه وتعرج إلى السماء روحه. {كمن متعناه متاع الحياة الدنيا} فهو يأكل ويشرب وينكح كالبهائم {ثم هو يوم القيامة من المحضرين} في جهنم في دار العذاب والهوان، والجواب: لا يستويان أبداً وشتان ما بينهما، فالأول وهو المؤمن الصالح الموعود بدار السلام لا يقارن بالكافر المتهالك على الدنيا ثم يتركها فجأة ويجد نفسه مع أهل الكفر والإِجرام في عذاب وهون لا يفارقه ولا يخرج منه أبداً.

.من هداية الآيات:

1- فائدة العقل أن يعقل صاحبه دون ما يضره، ويبعثه على ما ينفعه فإن لم يعقله دون ما يضره ولم يبعثه على ما ينفعه فلا وجود له، ووجوده كعدمه.
2- بيان فضل الآخرة على الدنيا.
3- وعد الله للمؤمن بالجنة خير مما يؤتاه الكافر من مال ومتاع وزينة في الحياة الدنيا.

.تفسير الآيات (62- 67):

{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (62) قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ (63) وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ (64) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (65) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ (66) فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (67)}

.شرح الكلمات:

{ويوم يناديهم}: أي الربّ سبحانه وتعالى.
{كنتم تزعمون}: أي أنهم شركاء لي فعبدتموهم معي.
{حق عليهم القول}: أي بالعذاب في النار وهم أئمة الضلال.
{أغويناهم}: أي فَغَوَوْا ولم نكرههم على الغي.
{تبرأنا إليك}: أي منهم ما كانوا يعبدوننا بل كانوا يعبدون أهواءهم.
{وقيل ادعوا شركاءكم}: أي نادوهم ليخلصوكم مما أنتم فيه.
{لو أنهم كانوا يهتدون}: أي لما رأوا العذاب وَدُّوا لو انهم كانوا في الدنيا من المهتدين.
{ويوم يناديهم}: أي الله تبارك وتعالى.
{فعميت عليهم الأنباء}: أي فخفيت عليهم الأنباء التي يمكنهم أن يحتجوا بها.
{فهم لا يتساءلون}: أي انقطعوا عن الكلام.
{فأما من تاب وآمن}: أي آمن بالله ورسوله وتاب من الشرك.
{وعمل صالحاً}: أي الفرائض والواجبات.
{فعسى أن يكون من المفلحين}: أي الفائزين بالنجاة من النار ودخول الجنة، وعسى من الله تعالى لا تفيد مجرد الرجاء بل هي لتحقق الموعود به.

.معنى الآيات:

يقول تعالى لرسوله واذكر يوم ينادي ربك هؤلاء المشركين وقد ماتوا على شركهم فيقول لهم {أين شركائي الذين كنتم تزعمون} أي أنهم شركائي هذا سؤال تقريع وتأنيب والتقريع والتأنيب ضرب من العذاب الروحي الذي هو أشد من العذاب الجثماني. وقوله تعالى: {قال الذين حق عليهم القول} أي نطق الرؤساء من ائمة الضلال وهم الذين حق عليهم العذاب في نار جهنم {ربنا هؤلاء الذين أغوينا} {أغويناهم} فغووا {كما غوينا} أي ما أكرهناهم على الغواية، {تبرأنا إليك} أي منهم. {ما كانوا إيانا يعبدون} أي بل كانوا يعبدون أهواءهم لا غير. وقوله: {وقيل ادعوا شركاءكم} أي يقال للمشركين تهكماً بهم واستهزاء، {ادعوا شركاءكم} أي لينصروكم ويخلصوكم مما أنتم فيه من الذل والهوان.
قال تعالى: {فدعوهم} بالفعل نادوا {فلم يستجيبوا لهم} إذا لا يقدر واحد من الإِنس أو الجن أن يقول هذا كان يعبدني، بل كل معبود يتبرأ ممن عبده كما قالوا في الآية قبل ذي تبرأنا إليك أي منهم ما كانوا يعبدوننا بل كانوا يعبدون أهواءهم وقوله تعالى: {ورأوا العذاب} بأعينهم فاشتدت حسرتهم وودوا لو انهم كانوا في الدنيا من المهتدين. وقوله تعالى: {ويوم يناديهم} أي ربهم قائلاً {ماذا أجبتم المرسلين}؟ أخبرونا كيف كان موقفكم مع من أرسلنا إليكم؟ هل آمنتم بهم واتبعتموهم أم كذبتموهم وحاربتموهم قال تعالى: {فعميت عليهم الأنباء يومئذ} أي فخفيت عليهم الأخبار التي يمكنهم أن يحتجوا بها فلم يجدوا حجة واحدة ولذا {فهم لا يتساءلون} أي لا يسأل بعضهم بعضاً لأنه سقط في أيديهم وعلموا أنهم صالو الجحيم لا محالة. وقوله تعالى: {فأما من تاب} من هؤلاء المشركين اليوم من الشرك وآمن بالله ولقائه ورسوله وعمل صالحاً فأدى الفرائض والواجبات {فعسى أن يكون من المفلحين} أي الفائزين بالنجاة من النار ودخول الجنة، فهذه دعوة سخية لكل مشرك وكافر وفاسق أنيتخلى عن الباطل المتلبس به ويؤمن الإِيمان الصحيح ويعمل صالحاً بأداء الفرائض فإنه ينجو من النار ويدخل الجنة دار الأبرار فهل من تائب؟!.

.من هداية الآيات:

1- التنديد بالشرك والمشركين.
2- براءة الرؤساء في الضلالة من المرؤوسين.
3- التحذير من الغواية وهي الضلال والانغماس في الذنوب والآثام.
4- خذلان المعبودين عابديهم يوم القيامة وتبرؤهم منهم.
5- باب التوبة مفتوح لكل عبد مهما كانت ذنوبه ولا يهلك على الله إلا هالك.

.تفسير الآيات (68- 70):

{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68) وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (69) وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (70)}

.شرح الكلمات:

{يخلق ما يشاء}: أي من خلقه.
{ويختار}: أي من يشاء لنبوته وطاعته.
{ما كان لهم}: أي للمشركين.
{الخيرة}: أي الاختيار في شيء.
{سبحان الله}: أي تنزيهاً لله عن الشرك.
{يعلم ما تكن صدورهم}: أي ما تسر وتخفي من الكفر وغيره.
{له الحمد في الأولى}: أي في الدنيا لأنه مولى كل نعمة.
{وفي الآخرة}: أي في الجنة.
{وله الحكم}: أي القضاء النافذ.
{وإليه ترجعون}: بعد النشور وذلك يوم القيامة.

.معنى الآيات:

لقد تقدم في الآيات قبل هذه التنديد بالشرك وتوبيخ المشركين وتحديهم بدعاء شركائهم ليخلصوهم مما هم فيه من الذل والعذاب، وكان شركهم باختيارهم الخاص وإرادتهم الحرة إذ تبرأ منهم من اختاروهم آلهة مع الله فعبدوهم معه. وفي هذه الآية يكشف تعالى عن خطئهم في الاختيار، وذلك من وجهين: الأول أنه لاحق لهم في الاختيار. إذ الاختيار الخالق المخلوقات فيختار منها ما يشاء لنبوته أو طاعته أما الذي يُخلَقْ ولا يَخْلُقُ فيكف يصح منه اختيار. والثاني بحكم أنهم مخلوقون مربوبون لله تعالى وهم يعلمون هذا إذ لو سألهم أحد: من خلقكم؟ لقالوا: الله؛ كان المفروض فيهم والمطلوب منهم أن يطلبوا من الله تعالى خالقهم أن يختار لهم ما يعبدون ويبين لهم كيف يعبدون، ‘ذ هو مولاهم الحق ولا مولى لهم سواه أما أن يركبوا رؤوسهم ويختاروا بأنفسهم ما يعبدون فهذا ظلم منهم كبير استوجبوا به اللوم في الدنيا والعذاب في الآخرة. قال تعالى: (68): {وربك يخلق ما يشاء}.. أي وربك يا محمد يخلق ما يشاء ممن يريد خلقهم ويختار من يشاء لما يشاء من يشاء من عباده لما يشاء من كمال أو نقصان. أما عبيده فليس لهم حق الاختيار وإنما عيهم السمع والطاعة قال تعالى: {ما كان لهم الخيرة} أي حق الاختيار بل الذي يختاره الله هو الذي يجب أن يختاره العبد. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ويقول: «اللهم خِرْ لي واختر لي» وكان يعلم أصحابه دعاء الاستخارة كما يعلمهم السورة من القرآن، ويحضهم على أن يختاروا في الأمر الواحد سبع مرات. وقوله تعالى: {سبحان الله وتعالى عما يشركون} نزه تعالى نفسه عن شرك المشركين وباطل المبطلين وقوله: {وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون} وهذا برهان أن الخيرة له وليس لغيره إذ الذي يعلم الظواهر والبواطن والبدايات والنهايات قبل البدء والمنتهى صاحب هذا العلم هو الذي يختار. أما الذي لا يعلم ما يكنه أخوه في صدره بل ولا ما يظهره آخر إلى جنبه أي لا يعلم عاقبته فكيف يصح منه الاختيار أو تكون له خيرة في شيء. وفوق ذلك انه سبحانه وتعالى وهو الله الذي لا إله إلا هو أي المعبود الذي لا معبود بحق سواه الذي له الحمد في الدنيا إذ كل ما في الدنيا هو خلقه وفضله وإنعامه، وله الحمد في الآخرة، يحمده أهل الجنة إذ قالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن بل الحياة الدنيا كالآخرة.
تختم بالحمد لله.
قال تعالى: {وقضى بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين} {وله الحكم وإليه تُرجعون} أي وله الحكم أي القضاء في الدنيا والآخرة {وإليه ترجعون} فكما أن الحكم خاص به فكذلك الرجوع إليه، ويوم يرجعون إليه يحكم بينهم بحكمه وهو العزيز العليم.

.من هداية الآيات:

1- تقرير مبدأ ليس من حق العبد أن يختار إلا ما اختار الله له.
2- تعين طلب الاختيار في الأمر كله من الله تعالى بقول العبد «اللهم خر لي واختر لي».
3- تأكيد سنة الاستخارة وهي إذا هم العبد بالأمر يصلي ركعتين في وقت لا تكره فيه صلاة النافلة، ثم يدعو بدعاء الاستخارة كما ورد في الصحيح وهو «اللهم إني أستَخِيرُكَ بعلمك واستقدرك بقدرتك، واسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيون، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ودنياي وفي عاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي، ثم بارك لي فيه، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ودنياي وفي عاجل أمري وآجله فاصرفه عنى واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به». ويسمي حاجته التي همَّ بها من سفر أو زواج أو بناء أو تجارة أو غراسة.
4- تقرير التوحيد وإبطال التنديد.
5- وجوب حمد الله وشكره على كل حال وذلك لتجدد النعمة في كل آن.

.تفسير الآيات (71- 75):

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (74) وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (75)}

.شرح الكلمات:

{أرأيتم}: أي أخبروني.
{سرمداً}: أي دائماً، ليلاً واحداً متصلاً لا يعقبه نهار.
{بضياء}: أي ضوء كضوء النهار.
{بليل تسكنون فيه}: أي تنامون فتسكن جوارحكم فتستريح من تعب الحياة.
{لتسكنوا فيه}: أي في الليل.
{ولتبتغوا من فضله}: أي تطلبوا الرزق من فضل الله في النهار.
{ولعلكم تشكرون}: أي كي تشكروا ربكم بطاعته كالصلاة والصيام والصدقة.
{ونزعنا من كل أمة شهيداً}: أي أحضرنا من كل أمة من يشهد عليها وهو بيها عليه السلام.
{فقلنا هاتوا برهانكم}: أي حججكم على صحة الشرك الذي أنذرتكم رسلنا عواقبه فما قبلتم النذارة ولا البشارة.
{فعلموا أن الحق لله}: أي وغاب عنهم ما كانوا يكذبونه من الأقوال الباطلة التي كانوا يردون بها على الرسل عليهم السلام.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في تقرير التوحيد وإبطال التنديد وهو حول أنداد لله تعالى من مخلوقاته فقال تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم، قل لهؤلاء المشركين الذين جعلوا لله أنداداً وهو خالقهم ورازقهم ومدبر أمر حياتهم {أرأيتم} أي أخبروني {إن جعل الله عليكم الليل سرمداً} أي دائماً ليلاً واحداً متصلاً لا يعقبه نهار {إلى يوم القيامة} أخبروني هل هناك {إله غير الله يأتيكم بضياء} كضياء النهار، والجواب لا أحد وإذا فكيف تشركون به اصناماً.
{أفلا تسمعون} ما يقال لكم. وقل لهم أيضا {أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمداً} أي دائماً متصلاً لا يخلفه ليل ابداً {إلى يوم القيامة} غلى انقراض هذا الكون وانتهاء هذه الحياة وقيام الناس لربهم من قبورهم يوم القيامة {من إله غير الله} أي أيُّ غله غير الله {يأتيكم بليل تسكنون فيه} فتخلدون إلى الراحة بالنوم والسكون وعدم الحركة فيه، وإذا قلتم لا أحد يأتينا بليل نسكن فيه إذاً فما لكم لا تبصرون هذه الآيات ولا تسمعون ما تحمله من الأدلة والحجج القواطع القاضية بأ، ه لا إله إلا الله، ولا معبود بحق سواه. وقوله تعالى: {ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار} إذ ليس واجباً عليه ذلك وإنما هو فضل منه ورحمة فالليل تسكنون فيه والنهار تتحركون فتبتغون رزقكم من فضل الله، وبذلك تهيؤون للشكر إذا أكلتم أو شربتم أو ركبتم أو نزلتم قلتم الحمد لله، والحمد لله راس الشكر، كما أن الليل والنهار ظرف للعبادة التي هي الشكر، فالعبادات لا تقع إلا في الليل والنهار، فالصيام في النهار والقيام بالليل والصلاة والصدقات فيهما. وقوله تعالى: {ويوم يناديهم} أي اذكر يا رسولنا لهم تنبيهاً وتعليماً يوم يناديهم الرب تبارك وتعالى فيقول لهم: {أين شركائي الذين كنتم تزعمون} أنهم شركاء لي فعبدتموهم، وهل يرجى أن يجيبوا لا، لا، وإنما هذا السؤال ونظائره هو سؤال تبكيت وتأنيب وتوبيخ وهو ننوع من العذاب النفسي الذي هو أشد من العذاب الجسمي.
وقوله تعالى: {ونزعنا من كل أمة شهيداً} أي وأذكر لهم هذا الموقف من مواقف القيامة الصعبة {ونزعنا} أي أحضرنا {من كل أمة شهيداً} يشهد عليها وهو نبيها، ويشهد الرسول أنه بلغ ونصح وأنذر، ويقال لهم: {هاتوا برهانكم} على صحة ما كنتم تعبدون وتدعون. قال تعالى: {فعلموا أن الحق لله} أي تبين لهم أن الحق لله أي أن الدين الحق لله فهو المستحق لتأليه المؤلهين وطاعة المطيعين وقربات المتقربين لا غله غيره ولا رب سواه.

.من هداية الآيات:

1- اشارة علمية غلى أن السماع يكون مع السكون وقلة الضجيج، وأن الإِبصار يكون مع الضوء، ولا يتم مع الظلام بحال من الأحوال.
2- البرهنة القوية على وجوب توحيد الله إذ لا رب يدبر الكون سواه.
3- كون النهار والليل ظرفان للسكون وطلب العيش هما من رحمة الله تعالى أمر يقتضي شكر الله تعالى بحمده والاعتراف بنعمته وطاعته بصرف النعمة فيما يرضيه ولا يسخطه.
4- بيان أهوال القيامة، بذكر بعض المواقف الصعبة فيها.
5- إذا كان يوم القيامة بطل كل كذب وقول ولم يبق إلا قول الحق والصدق.