فصل: تفسير الآيات (61- 64):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (61- 64):

{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (62) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (63) وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64)}

.شرح الكلمات:

{ولئن سألتهم}: أي المشركين.
{وسخر الشمس والقمر}: أي ذللهما يسيران الدهر كله لا يملان ولا يفتران.
{فأنى يؤفكون}: أي كيف يصرفون عن الحق بعد ظهور أدلته لهم. وهو أن الخالق المدبر هو الإِله الحق الذي يجب توحيده في عبادته.
{الله يبسط الرزق لمن يشاء}: أي يوسِّع الرزق على من يشاء من عباده امتحانا للعبد هل يشكر الله أو يكفر نعمه.
{ويقدر له}: أي ويضيق عليه ابتلاء ليرى هل يصبر أو يسخط.
{ولئن سألتهم من نَّزل من السماء ماءاً فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله}: إذاً يشركون به أصناماً لا تنفع ولا تضر؟.
{قل الحمد لله}: أي قل لهم الحمد لله على ثبوت الحجة عليكم.
{بل أكثرهم لا يعقلون}: أي أنهم متناقضون في فهمهم وجوابهم.
{وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب}: أي يالنظر غلى العمل لها والعيش فيها فهي لهو يتلهى بها الإِنسان ولعب يخرج منه بلا طائل ولا فائدة.
{وإن الدار الآخرة لهي}: أي الحياة الكاملة الخالدة، ولذا العمل لها أفضل من {الحيوان} العمل للدينا.
{لو كانوا يعلمون}: أي لو علم المشركون هذا لما آثروا الدنيا الفانية على الآخرة الباقية.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في تقرير التوحيد والتنديد بالشرك وتذكير المشركين لعلَّهم يوحدون. يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم {ولئن سألتهم} أي ولئن سألت هؤلاء المشركين الذين يؤذون المؤمنين ويضطهدونهم من أجل توحيدهم لله تعالى لو سألتهم {من خلق السموات والأرض} أي من أوجدهما من العدم، ومن سخر الشمس والقمر في فلكيهما يسيران الحياة كلها ليجيبنَّك قائلين الله. {فأنّى يؤفكون} أي كيف يصرفون عن الحق بعد ظهور أدلته إنّها حالٌ تستدعي التعجب وقوله تعالى: {الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له} هذا مظهر من مظاهر الحكمة الإِلهية والتدبير الحكيم وهو موجبٌ له الألوهية نافٍ لها عما سواه. فهذا يبسط الرزق له فيوسع عليه في طعامه وشرابه وكسائه ومركوبه ومسكنه، وهذا يضيق عليه في ذلك لماذا؟ والجواب إنه يوسع امتحاناً للعبد هل يشكر أو يكفر، ويضيق ابتلاءا للعبد هل يصبر أو يسخط. ولذا فلا حجة للمشركين في غناهم وفقر المؤمنين فالغنى لا يدل على رضا الله على العبد ولا على سخطه. والفقر كذلك لا يدل على سخط ولا على رضا. وقوله تعالى: {إن الله بكل شيء عليم} تقرير لحكمته ورحمته وعدله وتدبيره فهو يوسع لحكمة ويضيق لحكمة لعلمه بعباده وما يصلحهم وما يفسدهم إذ من الناس من يصلحه الغنى، ومنهم من يصلحه الفقر، والإِفساد كذلك وقوله تعالى: {ولئن سألتهم من نزّل من السماء ماءً فأحيا به الأرض بعد موتها} أي ولئن سألت يا رسولنا هؤلاء المشركين فقلت من نزل من السماء ماء المطر فأحيا به الأرض بعد موتها بالقحط والجدب لأجابوك قائلين: الله إذاً قل لهم: الحمد لله على اعترافكم بالحق لو أنكم تعملون بمقتضاه فما دام الله هو الذي ينزل الماء ويحيى الأرض بعد موتها فالعبادة إذاً لا تنبغي إلاّ له فلِم إذاً تعبدون معه آلهةً أخرى لا تنزل ماء ولا تُحيي أرضاً ولا غيرها، {بل أكثرهم لا يعقلون} إذ لو عقلوا ما أشركوا بربهم أحجاراً وأصناماً ولا ما تناقضوا هذا التناقض في أقوالهم وأفعالهم يعترفون بالله ربا خالقاً رازقاً مدبراً ويعكفون على الأصنام يستغيثون بها ويدعونها ويعادون بل ويحاربون من ينهاهم عن ذلك.
وقوله تعالى: {وما هذه الحياة الدنيا} أي التي أعمت الناس عن الآخرة وصرفتهم عن التزوّد لها ما هي {إلا لهو ولعب} إذ يتشاغل بها الكافر ويعمل لها الليل والنهار ثم يموت ويخرج منها صفر اليدين كالأطفال يلعبون طوال النهار ثم يعودون بلا شيء سوى ما نالهم من التعب فالواجب أن تحول غلى عمل صالح مثمر يتزود به العبد إلى آخرته إذ الآخرة هي الحيوان أي الحياة الكاملة الخالدة فلها يعمل العاملون، وفي عملها يتنافس المتنافسون. وهذا معنى قوله تعالى: {وإن الآخرة} أي الدار الآخرة {لهي الحيوان} أي الحياة التي يجب أن نعمل لها لبقائها وخيريّتها، وقوله: {لو كانوا يعلمون} أي نعم إذ لو علموا أن الآخرة خير لما اقبلوا على الدنيا وأعرضوا عن الآخرة، ولكن جهلهم هو سبب إعراضهم، فدواؤهم العلم.

.من هداية الآيات:

1- التعجب من تناقض المشركين الذين يؤمنون بربوبيَّة الله ويجحدون أُلوهيته.
2- بيان حقيقة وهي أن الغنى والفقر لا يدلان على رضا الرب ولا على سخطه، وإنما يدلان على علم الله وحكمته وحسن تدبيره.
3- بيان حقارة الدنيا وتفاهتها وعظمة الآخرة وعلو قيمتها. فلذا أحمق الناس وأشدهم سفاهة من يعمى عن الآخرة ويكفر بها ويبصر الدنيا ويؤمن بها.

.تفسير الآيات (65- 69):

{فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (66) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68) وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)}

.شرح الكلمات:

{في الفلك}: أي في السفينة.
{مخلصين له الدين}: أي دعوا الله وحده فلم يذكروا معه غيره من الآلهة.
{إذا هم يشركون}: أي يفاجئونك بالشرك وهو دعاء غير الله تعالى.
{ليكفروا بما آتيناهم}: أي بنعمة الإِنجاء من الغرق وغيرها من النعم.
{فسوف يعلمون}: أي سوف يعلمون عاقبة كفرهم إذا أُلقوا في جهنم.
{يوتخطف الناس من حولهم}: أي يُسبون ويُقتلون في ديار جزيرتهم.
{أفبالباطل يؤمنون}: أي يؤمنون بالأصنام وهي الباطل، ينكر تعالى عليهم ذلك.
{والذين جاهدوا فينا}: أي بذلوا جهدهم في تصحيح عقائدهم وتزكية نفوسهم وتهذيب أخلاقهم ثم بقتال أعداء الله من أهل الكفر المحاربين للاسلام والمسلمين.
{لنهدينهم سبلنا}: أي لنوفقنَّهم إلى معرفة ما يوصل إلى محبتنا ورضانا ونعينهم على تحصيله.

.معنى السياق:

ما زال السياق الكريم في التنديد بالمشركين وشركهم فقد تقدم في السياق أنهم يعترفون بربوبية الله تعالى إذ لو سئلوا عمن خلق السموات والأرض وسخّر الشمس والقمر لقالوا الله ول سُئلوا عمن نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها لقالوا الله. ومع هذا هم يشركون بالله آلهة وأوثاناً، وكما يعترفون بربوبيَّة الله ثم يشركون به الأصنام، فإِنهم إذا رَكِبوا في الفلك أي في سفينة من السفن وجاءهم موج واضطربت بهم وخافوا الغرق دعوا الله تعالى {مخلصين له الدين} أي الدعاء فسألوه وحده دون آلهتهم أن ينجيهم من الغرق. {فلما نجاهم إلى البر} ونزلوا سالمين من الغرق إذا هم يشركون يفاجئونك بالشرك فهذا التناقض منهم كالتناقض في اعترافهم بربوبيَّة الله تعالى ثم بالإِشراك به.
ومردٌّ هذا غلى الجهل والتقليد والعناد والمجاحدة والمكابرة. هذا ما دلت عليه الآية الأولى من هذا السياق وهي قوله: {فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون}.
وقوله تعالى في الآية (66): {ليكفروا بما آتيناهم} أي عودتهم إلى الشرك بعد نجاتهم من الغرق ونزولهم في البر كان كأ، ه من أجل أن يكفروا بنعمة الله تعالى بإِنجائهم من الغرق، إذ لو لم يكفروها لاستمروا على الاخلاص لله بدعائه وعبادته وحده دون الآلهة التي تركوها عند حلول الشدة ومعاينة البلاء. وقوله تعالى: {وليتمتعوا} قرئ بسكون اللام ورجح ابن جرير هذه القراءة فيكون المعنى: وليتمتعوا في دنياهم بما آتاهم الله من متاع الحياة الدنيا {فسوف يعلمون} عاقبة ذلك بعد موتهم وهي عذاب الآخرة، والأمر حينئذ في قوله وليتمتعوا للتهديد والوعيد.
أما على قراءة اللام ولِيتمتعوا فالجملة معطوفة على قوله ليكفروا أي أخلصوا في الشدة واشركوا في الرخاء ليكفروا وليتمتعوا بما أُوتوا في الحياة، ولم يكن ذلك بنافعهم ولا بمغن عنهم من الله شيئاً فسوف يعلمون ما يحل بهم من عذاب وما ينزل بهم من بلاء وشقاء.
وقوله تعالى في الآية الثالثة (67): {أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطّف الناس من حولهم} أي ألم ير أُولئك المشركون الكافرون بنعمة الله في الإِنجاء من الغرق نعمة أخرى وهي أن جعل الله تعالى لهم حرما آمنا يسكنونه آمنين من غارات الأعداء وحروب الظالمين المعتدين، لا يعتدي عليهم في حرمهم ولا يظلمون في حين أنّ الناس من حولهم في أطراف جزيرتهم وأوساطها يتخطفون فتُشنُّ عليهم الغارات ويقتَّلون ويؤسرون في كل وقت وحين، أليست هذه نعمة من أعظم النعم تستوجب شكرهم لله تعالى بعبادته وترك عبادة ما سواه. ولذا قال تعالى عاتباً عليهم مندداً بسلوكهم: {أفبالباطل يؤمنون} أي بالشرك وعبادة الأصنام يصدقون ويعترفون {وبنعمة الله يكفرون} أي يجحدون إنعام ربهم عليهم فلا يشكرونه بعبادته وتوحيده فيها. وقوله تعالى في الآية الرابعة (68): {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه} وصفهم بالظلم الفظيع في حالتين الأولى في كذبهم على الله بتحريم ما أحل وتحليل ما حرم واتخاذ شركاء الله زاعمين أنها تشفع لهم عند الله عز وجل والثانية في تكذيبهم للحق الذي جاءهم به رسول الله وهو الدين الإسلامي بعقائده وشرائعه حيث كذبوا بالقرآن والرسول صلى الله عليه وسلم. وبعد هذا التسجيل لأكبر ظلم عليهم قال تعالى: {أليس في جهنم مثوى للكافرين}؟ والاستفهام للتقرير أي إن في جهنم مثوى أي مسكناً للكافرين من أمثالهم وهم كافرون ظالمون وذلك جزاؤهم ولبئس الجزاء جهنم.
وقوله تعالى في الآية الخامسة (69): {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين} في هذه الآية بشرى سارة ووعد صدق كريم، وذلك أن من جاهد في سبيل الله أي طلبا لمرضاة الله بالعمل على إعلاء كلمته بأن يعبد معه سواه فقاتل المشركين يوم يؤذن له في قتالهم يهديه الله تعالى أي يوفقه إلى سبيل النجاة من المرهوب والفوز بالمحبوب، وكل من جاهد في ذات الله نفسه وهواه والشيطان وأولياءه فإِن هذه البشرى تنله وهذا الوعد ينجز له وذلك أن الله مع المحسنين بعونه ونصره وتأييده على من جاهدوهم في سبيل الله، والمراد من المحسنين الذين يحسنون نياتهم وأعمالهم وأقوالهم فتكون صالحة مثمرة لزكاة نفوسهم وطارة أرواحهم. اللهم اجعلنا منهم وآتنا ما وعدتهم إنك جواد كريم.

.من هداية الآيات:

1- بيان أن مشركي العرب لم يكونوا ملاحدة لا يؤمنون بالله تعالى وتقرير أنهم كانوا موحدين توحيد الربوبية مشركين في توحيد الألوهية أي العبادة.
2- إيقاظ ضمائر المشركين بتنبيههم بنعم الله تعالى عليهم لعلهم يشكرون.
3- لا ظلم أعظم من ظلم من افترى على الله الكذب، وكذَّب بالحق لما جاءه وانتهى إليه وعرفه فانصرف عنه مؤثراً دنياه متبعا لهواه.
4- بشرى الله لمن جاهد المشركين وجاهد نفسه والهوى والشياطين بالهداية إلى سبيل الفوز والنجاة في الحياة الدنيا والآخرة.
5- فضل الإِحسان وهو إخلاص العبادة لله تعالى وأداؤها متقنة مُجوَّدة كما شرعها الله تعالى، وبيان هذا الفضل للإِحسان بكون الله تعالى مع المحسنين بنصرهم وتأييدهم والإِنعام عليهم وإكرامهم في جواره الكريم.

.سورة الروم:

.تفسير الآيات (1- 7):

{الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7)}

.شرح الكلمات:

{آلم}: هذه أحد الحروف المقطعة تكتب آلم، وتقرأ ألف، لام، ميم.
{غُلبت}: أي غلبت فارس الروم.
{الروم}: اسم رجل هو روم بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم سميّت به قبيلة لأنه جدها.
{في أدنى الأرض}: أي أقرب أرض الروم إلى فارس وهي أرضٌ يقال لها الجزيرة بين دجلة والفرات.
{وهم من بعد غلبهم سيغلبون}: أي وهم أي الروم من بعد غلب فارس لهم سيغلبونها.
{في بضع سنين}: أي في فترة ما بين الثلاث سنوات إلى تسع سنين.
{لله الأمر من قبل ومن بعد}: أي الأمر في ذلك أي في غلب فارس أولاً ثم في غلب الروم أخيراً لله وحده إذ ما شاءه كان وما لم يشأه لم يكن.
{ويومئذ يفرح المؤمنون}: أي ويوم تَغلِب الروم فارسا يفرح المؤمنون بنصر أهل الكتاب على المشركين عبدة النار، وبنصرهم هم على المشركين في بدر.
{وعد الله}: أي وعدهم الله تعالى وعداً وأنجزه لهم.
{لا يخلف الله وعده}: أي ليس من شأن الله خلف الوعد وذلك لكمال قدرته وعلمه.
{ولكن أكثر الناس لا يعلمون}: كمال الله في قدرته وعلمه المستلزم لإِنجاز وعده.
{يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا}: أي لا يعلمون حقائق الإِيمان وأسرار الشرع وإنما يعلمون ما ظهر من الحياة الدنيا كطلب المعاش من تجارة وزراعة وصناعة.
{وهم عن الآخرة هم غافلون}: أي عن الحياة الآخرة، وما فيها من نعيم وجحيم وما يؤدي إلى ذلك من عقائد وأفعال وتُروك.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {آلم}: أحسن أوجه التفسير لمثل هذه الحروف القول بأن الله اعلم بمراده به، مع الإِشارة إلى أنه أفاد فائدتين الأولى أن هذا القرآن المؤلف من مثل هذه الحروف المقطعة قد عجز العرب على تاليف مثله فدل ذلك على أنه وحي الله وتنزيله، وأن من نزل عليه نبي الله ورسوله وأن ما يحمل من تشريع هو حاجة البشرية ولا تصلح ولا تكمل ولا تسعد إلا به وعليه، والثانية أنهما لما كان المشركون يمنعون من سماع القرآن مخافة تاثيره على المستمه له جاء تعالى بمثل هذه الفواتح للعديد من سور كتابه فكانت تضطرهم إلى الاستماع إليه لأن هذه الحروف لم تكن معهودة في مخاطباتهم.
وقوله تعالى: {غُلبت الروم}: أي غَلَبت فارس الروم {في أدنى الأرض} أي أرض الشام الأقرب إلى بلاد فارس وذلك في أرض الجزيرة الواقعة بين نهري دجلة والفرات وقولهك {وهم من بعد غلبهم سيغلبون} أي وهم من بعد غلب فارس الروم ستغلب الروم فارساً وقوله: {في بضع سنين}: أي في فترة زمانية ما بين الثلاث سنوات إلى تسع سنوات وقوله: {لله الأمر من قبل ومن بعد} أي الأمر في ذلك لله تعالى من قبل الغلب ومن بعده إذ هو المتصرف في خلقه.
وقوله: {ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله} أي ويوم يَغلِب الروم فارساً يفرح المؤمنون بانتصار الروم على فارس لأن الروم أهل كتاب وفارساً مشركون يعبدون النار، كما يفرح المؤمنون أيضاً بانتصارهم على المشركين في بدر إذ كان القوت الذي انتصرت فيه الروم وهو وقت انتصر فيه المؤمنون على المشركين في بدر.
وهذا من الغيب الذي أخبر به القرآن قبل وقوعه فكان كما أخبر فأكد بذلك أن الإِسلام وكتابه ورسوله حق. وقوله تعالى: {ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم} أي ينصر تعالى من يشاء نصره من عباده وقد شاء نصر المؤمنين والروم فنصرهم في وقت واحد منجزاً بذلك وعده الذي واعد به منذ بضع سنين، وهو العزيز أي الغالب على أمره القادر على إنجاز وعده الرحيم بأوليائه وصالحي عباده. وقوله ولكن {يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا} كتدبير الله وقدرته وعزته وفوائد شرعه وأسرار دينه، ولكن يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا كتدبير معايشهم من زراعة وصناعة وتجارة، وفي نفس الوقت هم عن الحياة الآخرة غافلون عما يجب عليهم فعله وتركه ليسعدوا فيها بالنجاة من النار وسكنان الجنان في جوار الرحمن سبحانه وتعالى.

.من هداية الآيات:

1- تقرير صحة الإِسلام وأنه الدين الحق بِصِدْقِ ما يخبر به كتابه من الغيوب.
2- بيان أهل الكتاب من يهود ونصارى أقرب إِلى المسلمين من المشركين والملاحدة من بلاشفة شيوعيين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر.
3- بيان أكثر الناس لا يعلمون ما يسعدهم في الآخرة ويكملهم من العقائد الصحيحة والشرائع الحكيمة الرحيمة التي لا يكمل الإِنسان ولا يسعد إلا عليها، ويعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا كتدبير المعاش من زراعة وصناعة وتجارة، أما عن سر الحياة الدنيا ولماذا كانت فهم لا يعلمون شيئا كما هم عن الحياة الآخرة غافلون بالمرة فلا يبحثون عما يسعد فيها ولا عما يشقي. والعياذ بالله تعالى من الغفلة عن دار البقاء في السعادة أو الشقاء.

.تفسير الآيات (8- 10):

{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9) ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ (10)}

.شرح الكلمات:

{في أنفسهم}: أي كيف خُلقوا ولم يكونوا شيئا، ثم كيف اصبحوا رجالا.
{إلا بالحق}: أي لم يخلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق الذي هو العدل.
{وأجل مسمى}: وهو نهاية هذه الحياة لتكون الحياة الثانية حياة الجزاء العادل.
{بلقاء ربهم لكافرون}: أي بالبعث والوقوف بين يدي الله ليسألهم ويحاسبهم ويجزيهم.
{وأثاروا الأرض وعمروها}: قلبوها للحرث والغرس والإِنشاء والتعمير.
{وعمروها}: أي عمروا الأرض عمارة أكثر مما عمرها هؤلاء المشركون.
{وجاءت رسلهم بالبينات}: أي بالدلائل والحجج والبراهين من المعجزات وغيرها.
{ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}: أي بتكذيبهم وشركهم ومعاصيهم فعرضوا أنفسهم للهلاك.
{أساءوا السوأى}: أي بالتكذيب والشرك والمعاصي والسوءى هي الحالة الأسوأ.
{أن كذبوا بآيات الله}: أي بتكذيبهم بآيات الله القرآنية واستهزائهم بها.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في دعوة المنكرين للبعث الآخر إلى الإِيمان به من طريق ذكر الأدلة العقلية التي تحملها الآيات القرآنية فقوله تعالى: {أو لم يتفكروا في أنفسهم} أي أيُنكرون البعث ولم يتفكروا في أنفسهم كيف كانوا عدماً ثم وجدوا أطفالاً ثم شبابا ثم رجالا كهولا وشيوخا يموتون أليس القادر على خلقهم وتربيتهم إماتهم قادر على بعثهم وحسابهم ومجازاتهم على كسبهم في هذه الحياة الدنيا وقوله تعالى: {ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إِلا بالحق وأجل مسمى} أي لم يخلقهما عبثاً بل خلقهما ليّذكر ويُشكر، ثم إذا تم الأجل المحدد لهما افناهما ثم بعدث عبادة ليحاسبهم هل ذكروا وشكروا أو تركوا ونسوا وكفروا ثم يجزيهم بحسب إيمانهم وطاعتهم أو كفرهم وعصيانهم.
وقوله تعالى: {وإن كثيراً من الناس بلقاء ربهم لكافرون} يخبر تعالى أنه مع ظهور الأدلة وقوة الحجج على صحة عقيدة البعث والجزاء فإِن كثيراً من الناس كافرون بالبعث والجزاء وقوله تعالى في الآية (9): {أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم} أي أيكذِّب أولئك المشركون بالبعث والجزاء ولم يسيروا في الأرض شمالا وجنوبا فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم هلاكاً ودماراً، {كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض} بالإِنشاء والتعمير والزراعة والفلاحة {وعمروها} عمارة أكثر مما عَمَرها هؤلاء، {وجاءتهم رسلهم بالبيّنات}، ولما أهلكهم لم يكن ظالماً لهم بل كانوا هم الظالمين نفسهم. الس في هذا دليلا على حكمة الله وعلمه وقدرته فكيف ينكر عليه بعثه لعباده يوم القيامة لحسابهم ومجازاتهم؟.
وقوله تعالى: {ثم كان عاقبة الذين أساءوا} أي الأعمال فلم يصلحوها حيث كذَّبوا برسل الله وشرائعه. وقوله: {السوأى} أي عاقبة الذين أساءوا السُّوأى أي العاقبة السوأى وهو خسرانهم وهلاكهم، وقوله: {أن كذبوا بآيات الله} أي من أجل أنهم كذبوا بآيات الله {وكانوا بها يستهزئون} وأصروا على ذلك ولم يتوبوا.

.من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر الأدلة العقلية المثبتة لها.
2- كفر أكثر الناس بالبعث مع كثرة الأدلة وقوتها.
3- مشروعية السير في الأرض للاعتبار مع اشتراط عدم حصول إثم في ذلك بترك واجب أو بفعل محرم.
4- بيان جزاء الله العادل في أنَّ عاقبة الإِساءة السوأى.
5- كفر الاستهزاء بالشرع وأحكامه والقرآن وآياته.