فصل: تفسير الآيات (17- 21):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (17- 21):

{فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)}

.شرح الكلمات:

{فسبحان الله}: أي سبحوا الله أي صلوا.
{حين تمسون}: أي تدخلون في المساء وفي هذا الوقت صلاة المغرب وصلاة العشاء.
{وحين تصبحون}: وتدخلون في الصباح وفيه صلاة الصبح.
{وله الحمد في السموات والأرض}: أي وهو المحمود دون سواه في اسلموات والأرض.
{وعشيا}: أي حين تدخلون في العشي وفيه صلاة العصر.
{وحين تظهرون}: أي تدخلون في الظهيرة وفيه صلاة الظهر.
{ويخرج الحي من الميت}: أي يخرج الإِنسان الحي من النطفة وهي ميتة.
{ويخرج الميت من الحي}: أي يخرج النطفة من الإِنسان الحي والبيضة الميتة من الدجاجة الحيّة.
{ويحي الأرض بعد موتها}: أي يحييها بالمطر فتحيا بالنبات بعدما كانت يابسة ميتة.
{وكذلك تخرجون}: أي من قبوركم أحياء بعدما كنتم ميتين.
{ومن آياته}: أي ومن أدلة قدرته وعلمه وحكمته المقتضية لبعثكم بعد موتكم.
{أن خلقكم من تراب}: أي خلقه غياكم من تراب، وذلك بخلق آدم الب الأول.
{تنتشرون}: أي في الأرض بشراً تعمرونها.
{لتسكنوا إليها}: أي لتسكن نفوسكم إلى بعضكم بعضاً بحكم التجانس في البشرية.
{وجعل بينكم مودة}: أي محبة ورحمة أي شفقة إذ كل من الزوجين يحب الآخر ويرحمه.

.معنى الآيات:

قوله سبحانه وتعالى في هذه السياق: {فسبحان الله.........................} الآية لما بين تعالى بدء الخلق ونهايته باستقرار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار وهذا عمل يستوجب تنزيهه تعالى عما لا يليق بجلاله وكماله كما يستلزم حمده، ولما كانت الصلوات الخمس تشتمل على ذلك أمر بإقامتها في المساء والصباح والظهيرة والعشيّ فقال تعالى: {فسبحان الله} أي سبحوا الله {حين تمسون} أي تدخلون في المساء وهي صلاة المغرب والعشاء {وحين تصبحون} أي تدخلون في الصباح وهي صلاة الصبح. وقوله تعالى: {وله الحمد في السموات والأرض} يخبر تعالى أن له الحمد مستحقا له دون سائر خلقه في السموات والأرض. وقوله: {وعشيِّاً} معطوف على قوله: {حين تصبحون} أي وسبحوه في العشي. وهي صلاة العصر {وحين تظهرون} أي وسبحوه حين تدخلون في الظهيرة وهي صلاة الظهر.
وقوله تعالى: {يخرج الحي من الميت} أي ومن مظاهر الجلال والكمال الموجبة لحمده وطاعته والمقتضية لقدرته على بعث عباده ومحاسبتهم ومجازاتهم أنه يخرج الحيَّ كالإِنسان من النطفة والطير من البيضة والمؤمن من الكافر {ويخرج الميت من الحي} كالنطفة من الإِنسان والبيضة من الدجاجة وسائر الطيور التي تبيض. وقوله: {ويحيي الأرض بعد موتها} أي ومن مظاهر وجوده وقدرته وعلمه ورحمته أيضا أنه يُحيي الرض أي بالمطر بعد موتها بالجدب والقحط فإِذا هي رابية تهتز بأنواع النباتات والزروع وقوله: {وكذلك تخرجون} أي وكإِخراجه الحيّ من الميت والميّت من الحي وكإِحيائه الأرض بعد موتها: يُحييكُم ويخرجكم من قبوركم للحساب والجزاء إذ القادر على الأول قادر على الثاني. ولا فرق.
وقوله تعالى: {ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون} أي ومن آياته الدالة على وجوده وعلمه وقدرته المستوجبة لعبادته وحده والمقررة لقدرته على البعث والجزاء خَلْقُه للبشرية من تراب إذ خلق اباها الأول آدم عليه السلام من تراب، وخلق حواء زوجه من ضلعه ثم خلق باقي البشرية بطريقة التناسل. فإِذا هي كما قال سبحانه وتعالى: بشر ينتشرون في الأرض متفرقين في أقطاهرا يعمرونها بإِذنه تعالى. وقوله تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها} أي ومن آياته أي حججه وأدلته الدالة على وجوده وعلمه ورحمته المستوجبة لعبادته وتوحيده فيها والدالة أيضا على قدرته على البعث والجزاء خلقه لكم أيها الناس من انفسكم أي من جنسكم الآدمي أزواجاً أي زوجات لتسكنوا غليها بعامل التجانس، إذ كل جنس من المخلوقات يطمئن إلى جنسه ويسكن غليه، وقوله: {وجعل بينكم مودة ورحمة} أي جعل بين الزوجين مودة أي محبة ورحمة أي شفقة إلا إذا ظلم أحدهما الآخر فإِن تلك المودة وتلك الرحمة قد ترتفع حتى يرتفع الظلم ويسود العدل والحق. وقوله تعالى: {إن في ذلك لآيات} أي دلائل وحجج واضحة {لقوم يتفكرون} باستعمال عقولهم في النظر والفكر فإِنهم يجدون تلك الأدلة على قدرة الله وعلمه ورحمته وكلها مقتضية لتوحيد الله ومحبته وطاعته بفعل محابه وترك مساخطه، مع تقرير عقيدة البعث والجزاء التي أنركها المجرمون المكذبون.

.من هداية الآيات:

1- وجوب تنزيه الله عن كل مالا يليق بجلاله وكماله.
2- وجوب حمد الله على آلائه وإنعامه.
3- وجوب إقام الصلاة.
4- بيان أوقات الصلوات الخمس.
5- بيان مظاهر قدرة الله تعالى وعلمه ورحمته المقتضية لتوحيده والمقررة لعقيدة البعث والجزاء.

.تفسير الآيات (22- 25):

{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22) وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23) وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25)}

.شرح الكلمات:

{ومن آياته}: أي حججه وبراهينه الدالة على قدرته على البعث والجزاء.
{واختلاف ألسنتكم}: أي لغاتكم من عربية وعجمية والعجمية بينها اختلاف كثير.
{وألوانكم}: أي من ابيض وأصفر وأحمر وأسود والكل أبناء رجل واحد وامرأة واحدة.
{للعالمين}: أي للعقلاء على قراءة للعالمين بفتح اللام، ولأولي العلم على قراءة كسر اللام.
{وابتغاؤكم من فضله}: أي طلبكم الرزق باحضار أسبابه من زراعة وتجارة وصناعة وعمل.
{لقوم يسمعون}: أي سماع تدبر وفهم وإدراك لا مجرد سماع الأصوات.
{يريكم البرق خوفاً وطمعاً}: أي إراءته إياكم البرق خوفاً من اصواعق والطوفان وطمعاً من المطر.
{أن تقوم السماء والأرض بأمره}: أي قيام السماء والأرض على ما هما عليه منذ نشأتهما بقدرته وتدبيره.
{دعوة من الأرض}: أي دعوة واحدة لا تتكرر وهي نفخة إسرافيل.
{إذا أنتم تخرجون}: أي من قبوركم أحياء للحساب والجزاء.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في تقرير عقيدة التوحيد والبعث والجزاء بذكر الدلة والبراهين العقلية فقوله تعالى: {ومن آياته} أي حججه الدالة على قدرته على البعث والجزاء وعلى وجوب توحيده {خلق السموات والأرض} فَخلْقُ بمعنى إِيجاد السموات والأرض وما فيهما وما بينهما من اكبر الأدلة وأقواها على وجود اللهوقدرته وعلمه وحكمته وكلها موجبة لتوحيده ومثبتة لقدرته على البعث والجزاء، مقررة له، وقوله: {واختلاف ألسنتكم} أي لغاتكم من عربية وعجمية ولهجاتكم بحيث لكل ناطق لهجة تخصه يتميز بها إذا سمع صوته عرف بها منبين بلايين البشرن {وألوانكم} واختلاف ألوانكم أيها البشر من أبيض إلى اسود ومن احمر غلى اصفر مع اختلاف الملامح واسمات بحيث لا يوجد اثنان من ملايين البشر لا يختلف بعضهما عن بعض حتى لا يتميز أحدهما عن الآخر إن في هذا وذاك {لآيات للعالمين} أي لحججا ظاهرة وبراهين قاطعة بعضها للعالمين وذلك البياض والسواد وبعضها للعلماء كاختلاف اللهجات وملامح الوجوه والسمات المميزة الدقيقة والكل أدلة على قدرة الله وعلمه ووجوب عبادته وتوحيده في ذلك مع تقري عقيدة البعث والجزاء.
وقوله: {ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله} أي ومن آياته الدالة على قدرته على البعث والجزاء منامكم بالليل فالنوم كالموت والانتشار في النهار لطلب الرزق كالبعث بعد الموت فهذه عملية للبعث بعد الموت تتكرر كل يوم وليلة في هذه الحياة الدنيا، وقوله: {إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون} أي في ذلك المذكور من النوم والانتشار لطلب الرزق لدلائل وحجج على قدرة الله على البعث لقوم يسمعون نداء الحق والعقل يدعوهم غلى الإِيمان بالبعث والجزاء فيؤمنون فيصبحون يعملون للقاء ربهم ويستجيبون لكل من يدعوهم إلى ربهم ليعبدوه ويتقربوا إليه.
وقوله تعالى في الآية الثالثة (024): {ومن آياته يريكم البرق خوفاً وطمعاً} أي ومن حججه تعالى الدالة على قدرته وعلمه وحكمته ورحمته وهي مقتضيات توحيده والإِيمان بلقائه إراءته إيّاكم أيها الناس البرق خوفاً للمسافرين من الأمطار الغزيرة ومن الصواعق الشديدة أن تصيبهم، وطمعاً في المطر الذي تحيا به مزارعكم وتنبت به ارضكم فيتوفر لكم اسباب رزقكم، وقوله: {وينزل من المساء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها} أي ومن آياته تنزيله تعالى من السماء ماءً وهو ماء المطر فيحيي به الأرض بالنباتات والزروع بعد ان كانت ميتة لا يحاة فيها لا زرع ولا نبت إن في ذلك المذكور من غنزال الماء وإحياء الأرض بعد غراءته عباده البرق خوفاً وطمعاً لآيات دلائل وحجج على قدرته على البعث والجزاء ولكن يرى تلك الدلائل ويعقل ويفهم تلك الحجج قوم يعقلون أي لهم عقول سليمة يستعملونها في النظر والاستدلال فيفهمون ويؤمنون.
وقوله تعالى: {ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره} أي ومن آياته تعالى الدالة على قدرته وعلمه وحكمته والموجبة لتوحيده والمقررة لنبوة نبيه ولقائه للحساب والجزاء قيام السماء والأرض منذ خلقهما فلا السماء تسقط، ولا ارض تغور فهما قائمتان منذ خلقهما بأمره تعالى اليس في ذلك أكبر دليل على قدرة الله تعالى على بعث الناس بعد موتهم أحياء لحسابهم على كسبهم ومجازاتهم.
وقوله تعالى: {ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون} أي اقام السماء والأرض للحياة الدنيا يحيي فيهما ويميت حتى تنتهي المدة المحددة للحياة فيهلك الكل ويفنيه {ثم إذا دعاكم دعوة} بِنَفْخِ إسرافيل في الصور {إذا أنتم تخرجون} من الأرض استجابة لتلك الدعوة، وذلك للحساب والجزاء العادل على العمل في هذه الحياة الدنيا.

.من هداية الآيات:

1- بيان مظاهر قدرة الله تالى وعلمه وحكمته ورحمته الموجبة لعبادته وحجه وترك عبادة من سواه.
2- مشروعية طلب الرزق بالمشي في الأرض واستعمال الوسائل المشروعة لذلك.
3- تقرير أن الذين ينتفعون بأسماعهم وعقولهم هم أهل حياة الإِيمان إذ الإِيمان روح متى دخلت جسما حَيِي وأصبح صاحبه يسمع ويبصر ويفكر ويعقل.
4- تقرير عقيدة البعث والجزاء التي عليها مدار الإِصلاح البشري بعد عقيدة الإِيمان بالله ربّاً وإلهاً.

.تفسير الآيات (26- 29):

{وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (29)}

.شرح الكلمات:

{وله من في السموات والأرض}: أي خلقا ولكا وتصرفا وعبيداً.
{كل له قانتون}: أي كل من في السموات والأرض من الملائكة والإِنس والجن منقادون له تجري عليهم أحكامه كما أرادها فلا يتعطل منها حكم.
{وهو أهون عليه}: أي ايسر واسهل نظراً إلى أن الاعادة أسهل من البداية.
{وله المثل الأعلى}: أي الوصف الأعلى في كل كمال فصفاته كلها عليا ومنها الوحدانية.
{وهو العزيز الحكيم}: أي الغالب على أمره الحكيم في قضائه وتصرفه.
{ضرب لكم مثلا}: أي جعل لكم مثلا.
{من انفسكم}: أي منتزعا من أموالكم وما تعرفونه من أنفسكم.
{كخيفتكم}: أي تخوفكم من بعضكم بعضاً أيها الأحرار.
{نفصل الايات}: أي نبينها بتنويع الأسلوب وإيراد الحجج وضرب الأمثال.
{بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم}: أي ليس الأمر قصوراً في البيان حتى لم يؤمن المشركون وإنما العلة اتباع المشركين لأهوائهم وتجاهل عقولهم.
{فمن يهدي من أضل الله}: أي لا أحد فالاستفهام للنفي.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في تقرير قدرة الله تعالى على البعث الذي أنكره المشركون بذكر الأدلة العقلية وتصريف الايات فقال تعالى: {وله} أي لله المحى والمميت الوارث الباعث سبحانه وتعالى {من في السموات والأرض} أي من ملائكة وجان وغنسان فهو خلقهم وهو يملكهم ويتصرف فيهم. وقوله: {كل له قانتون} أي مطيعون منقادون فالملائكة لا يعصونه ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، والجن والإِنس منقادون لما اراده منهم من حياة وموت ونشور وأمّا عصيانهم في العبادات فهو غير مقصود لأنه التكليف الذي هو علة الحياة كلها ومع هذا فهم منفذون باختيارهم واراداتهم الحرة ما كتبه عليهم أزلا والله اكبر ولله الحمد وقوله تعالى: {وهو الذي يبدا الخلق ثم يعيده} أي هو الله الذي يبدا خلق ما أراد خلقه في كل يوم وساعة من غير شيء ويهبه الحياة ثم يسلبها منه في آجال سماها ثم يعيده يوم القيامة أحب الناس أم كرهوا. وقوله: {وهو أهون عليه} أي الإِعادة ايسر واسهل عليه فليس على الله شيء صعب ولا شاق ولا عزيز ممتنعن وإنما خرج الخطاب على اسلوب المتعجبين من إعادة الخلق بعد فنائه فأعلمهم أن المتعارف عليه عندهم أن الإِعادة اسهل من البداءة ليفهموا ويقتنعوا، وغلا فلا شيء صعب على الله تعالى ولا شاق ولا عسير، إذ هو يقول للشيء متى اراده كن فيكون. وقوله تعالى: {وله المثل الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم} وله أي لله سبحانه وتعالى الوصف الأكمل في السموات والأرض وهو الألوهية والوحدانية فهو الرب الذي لا إله إلا هو المعبود في السماء والأرض لا إله إلا هو فيهما ولا ربّ غيره لهما وهو العزيز الغالب المنتقم ممن كفر به وعصاه الحكيم في تدبيره وتصريفه لشؤون خلقه.
وقوله تعالى: {ضرب لكم مثلاً من أنفسكم} أي جعل لكم مثلا مأخوذاً منتزعاً من أنفسكم وهو: {هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء} أي انه ليس لكم من مماليككم وعبيدكم شريك منهم يشارككم في أموالكم إذ لا ترضون بذلك ولا تقرونه ابداً، إذاً فكذلك الله تعالى لا يرضى أن يكون من عبيده من هو شريك له في عبادته التي خلق كل شيء من اجلها.. وقوله: {تخافونهم كخيفتكم أنفسكم} أي تخافون عبيدكم كما تخافون بعضكم بعضا أيها الأحرار، أي لا يكون هذا منكم ولا ترضون به إذاً فالله- وله المثل الأعلى- كذلك لا يرضى ابداً أن يكون مخلوق من مخلوقاته ملكاً كان أو نبيّاً أو وثنا أو صنماً شريكا له في عباداته.، وقوله: {كذلك نفصل الايات} أي نبيّنها بتنويع الأساليب وضرب الأمثال {لقوم يعقلون} إذ هم الذين يفهمون معاني الكلام وما يراد من أخباره وقصصه وأمثاله وأوامره نواهيه.، وقوله تعالى: {بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم} أي ليس الأمر قصوراً في الأدلة ولا عدم وضوح في الحجج وإنما الظالمون اتبعوا أهواءهم أي ما يهوونه ويشتهونه بغير علم من نفعة وجدواه لهم فضلوا لذلك. فمن يهديهم، وقد اضلهم الله حسب سنته في الإِضلال. وهو معنى قوله تعالى: {فمن يهدي من أضل الله}؟ أي لا أحد وقوله: {وما لهم من ناصرين} أي يهدونهم بعد ان أضلّهم الله، والعياذ بالله تعالى.

.من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والتوحيد بذكر الأدلة وضرب الأمثال وتفصيل الآيات.
2- تَفَرُّدُ الربّ تعالى بالمثل العلى في كل جلال وكمال.
3- استحسان ضرب الأمثال لتقريب المعاني إلى الأفهام.
4- عظم فائدة هذا المثل {ضرب لكم مثلا من أنفسكم الاية} حتى قال بعضهم: فَهْمُ هذا المثل أفضل من حفظ كذا مسألة فقهيّة.
5- علَّة ضلال الناس اتباعهم لأهوائهم بغير علم وبانصرافهم عن الهدى بالاسترسال في اتباع الهوى.

.تفسير الآيات (30- 32):

{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)}

.شرح الكلمات:

{فأقم وجهك للدين حنيفا}: أي سدد وجهك يا سرولنا للدين الإِسلامي بحيث لا تنظر إلا إِليه.
{حنيفا}: أي مثلا عن سائر الأديان إليه، وهو بمعنى مقبلاً عليه.
{فطرة الله}: أي صنعة الله التي صنع عليها الإِنسان وهي قابليته للإِيمان بالله تعالى.
{لا تبديل لخلق الله}: أي لا تعملوا على تغيير تلك القابلية للإِيمان والتوحيد فالجملة خبرية لفظاً انشائية معنى.
{الدين القيم}: أي المستقيم الذي لا يضل الآخذ به.
{منيبين إليه}: أي راجعين إليه تعالى بفعل محابه وترك مكارهه.
{وكانوا شيعا}: أي طوائف وأحزاباً كل فرقة فرحة بما هي عليه من حق وباطل.

.معنى الآيات:

لما قرر تعالى عقيدة التوحيد والبعث والجزاء بالأدلة وضمن ذلك عقيدة النبوة وإثباتها للنبيّ صلى الله عليه وسلم أمر رسوله والمؤمنون تبع له فقال: {فأقم وجهك للدين حنيفاً} أي أنصبوا وجوهكم أيها الرسول والمؤمنون للدين الحق دين الإِسلام القائم على مبدأ التوحيد والعمل الصالح، فلا تلتفتوا إلى غيره من الأديان المنحرفة الباطلة. وقوله: {فطرة الله التي فطر الناس عليها} أي اقيموا وجوهكم للدّين الحق الذي فطر الله الإِنسان عليه تلك الفطرة التي هي خلق الإِنسان قابلا للإِيمان والتوحيد. وقوله: {لا تبديل لخلق الله} أي لا تبدلوا تلك الخلقة ولا تغيروها بل نموها وابرزوها بالتربية حتى ينشا الطفل على الإِيمان والتوحيد. فالجملة خبرية لفظاً إنشائية معنى نحو فهل أنتم منتهون فهي بمعنى انتهوا وهي أبلغ من انتهوا فكذا: لا تبديل أبلغ من لا تبدلوا. وقوله: {ذلك الدين القيم} أي لزوم ما فطر عليه المرء من الإِيمان بالله وتوحيده.. وابراز ذلك في الواقع بالإِيمان بالله وبما أمر بالإِيمان به من أركان الإِيمان وبعبادة الله تعالى وهي طاعته بفعل ما يأمر به وينهى عنه مخلصاً له ذلك لا يشاركه فيه غيره من سائر مخلوقاته هو الدين القيم الذي يجب أن يكون عليه الإِنسان وقوله: {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} يخبر تعالى بأن ما قرره من الدين القيم كما بيَّنه في الآيات أكثر الناس لا يعلمونه ولا يعرفونه وهو كما أخبر سبحانه وتعالى: وقوله: {منيبين إِليه} أي اقيموا وجوهكم للدين القيم حال كونكم راجعين إليه تعالى تائبين إليه من كل دين غير هذا الدين، ومن كل طاعة غير طاعته تعالى بفعل الأوامر واجتناب النواهي. وقوله: {واتقوه} أي خافوه تعالى إذ عذابه شديد فلا تتركوا دينه لأي دين ولا طاعته لأي مطاع غير الله تعالى ورسوله وقوله: {وأقيموا الصلاة} أي حافظوا عليها في أوقاتها وأدوها كما شرعها كميّة وكيفيّة فإِنها سقيا الإِيمان ومُمنمية الخشية والمحبة لله تعالى. وقوله تعالى: {ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً} ينهى تعالى المؤمنين أهل الدين القيم الذي هو الإِسلام أن يكونوا من المشركين في شيء من ضروب الشرك عقيدة أو قولا أو عملا.
فكل ملة غير الإِسلام أهلها مشركون كافرون سواء كانوا مجوساً أو يهوداً أو نصارى أو بوذة أو هندوكاً أو بلاشفة شيوعيين إذ جميعهم فرقوا دينهم الذي يجب أن يكونوا عليه وهو دين الفطرة وهو الإِسلام وكانوا شيعاً أي فرقاً وأحزاباً كل فرقة تنتصر لما هي عليه وتنحزب له. فأصبح كل حزب منهم بما لديهم من دين فرحين به ظناً منهم أنه الدين الحق وهو الباطل قطعاً، لأنه ليس دين الفطرة التي فطر الله عليها الإِنسان وهو الإِسلام القائم على توحيد الله تعالى وعبادته بما شرع لعباده أن يعبدوه به ليَكْمُلُوا على ذلك ويسعدوا.

.من هداية الآيات:

1- وجوب الإِقبال على الله تعالى بعبادته والاخلاص له فيها.
2- الإِسلام دين الله الذي خلق الإِنسان متأهلا له ولا يقبل منه دين غيره.
3- وجوب الإِنابة إلى الله تعالى والرجوع إِليه في كل حال.
4- وجوب تقوى الله عز وجل وإقام الصلاة.
5- البراءة من الشرك والمشركين.
6- حرمة الافتراق في الدين الإِسلامي ووجوب الاتحاد فيه عقيدة وعبادة وقضاء.

.تفسير الآيات (33- 37):

{وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34) أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (35) وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ (36) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (37)}

.شرح الكلمات:

{وإذا مس الناس ضر}: أي إذا مس المشركين ضرٌ أي شدة من مرض أو فقر أو قحط.
{منيبين إِليه}: أي راجعين بالضراعة والدعاء إليه تعالى دون غيره.
{رحمة}: بِكَشْفِ ضُر أو إنزال غيث وإصابة رخاء وسعة رزق.
{يشركون}: أي بربهم فيعبدون معه غيره بالذبح للآلهة والنذر وغيره.
{ليكفروا بما آتيناهم}: أي ليكون شركهم لله كفرا بنعمه والعياذ بالله.
{أم أنزلنا عليهم سلطانا}: أي حجة من كتاب وغيره ينطق بشركهم ويقرره لهم: ويأمرهم به.
{بما قدمت أيديهم}: أي بذنوبهم وخروجهم عن سنن الله تعالى في نظام الحياة. {إذا هم يقنطون}: أي يياسون من الفرج بزوال الشدة.
{يبسط الرزق لمن يشاء}: أي يوسعه امتحاناً له.
{ويقدر}: أي يضيّق الرزق على من يشاء ابتلاء.

.معنى الآيات:

لما أمر تعالى رسوله والمؤمنين بإِقامة الدين ونهاهم أن يكونوا من المشركين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا أخبر تعالى عن المشركين أنهم إذا مسهم الضرّ وهو المرض والشدة كالقحط والغلاء ونحوها دعوا ربهم تعالى منيبين إليه أي راجعين إليه بالدعاء والضراعة لا يدعون غيره. وهو قوله تعالى: {وإذا مس الناس ضرٌ دعوا ربهم منيبين غليه} وقوله: {ثُم إذا أذاقهم منه رحمة} أصابهم برحمة من عنده وهي الصحة والرخاء والخصب ونحوه {إذا فريق منهم} أي كثيرٌ {بربهم يشركون} فيعبدون الأصنام والأوثان بأنواع العبادات، وقوله: {ليكفروا بما آتيناهم} أي اشركوا بالله بعد إنعامه عليهم ليكفروا بما آتاهم من نعمة كشف الضر عنهم إذاً {فتمتعوا} أيها الكافرون بما خولكم الله من نعمة فسوف تعلمون عاقبة كفرهم لنعم الله وشرككم به يوم تردون عليه حفاة عراة لا وليَّ لكم من دونه تعالى ولا نصير.
وقوله تعالى: {أم أنزلنا عليهم سلطاناً فهو يتكلم بما كانوا به يشركون} أي مال الذي شجعهم على الشرك وجعلهم يصرون عليه حتى إذا تركوه ساعة الشدة عادوا إليه ساعة الرخاء أأنزلنا عليهم سلطاناً أي حجة من كتاب ونحوه فهو ينطق بشركهم ويقرره لهم ويأمرهم به اللهم لا، لا، وإنما هو الجهل والتقليد والعناد وقوله: {وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها} هذه حال أهل الشرك والكفر والجهل من الناس غذا أذاقهم الله رحمة من خصب ورخاء وصحة فرحوا بها فرح البطر والأشر {وإن تصبهم سيئة} من جدب وقحط ومرض وفقر، {بما قدمت ايديهم} من الذنوب والمعاصي ومنها مخالفة سنن الله في الكون {إذا هم يقنطون} أي يياسون من الفرج وذلك لكفرهم بالله وجهلهم بأسمائه وصفاته.
وقوله تعالى: {أو لم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر} أي ألم يروا بأعينهم أن الله يبسط الرزق أي يوسعه لمن يشاء امتحاناً له ايشكر ام يكفر، {ويقدر} أي يضيق الرزق على من يشاء ابتء أيصبر أم يضجر ويسخط.
إذ لو كانت لهم عيون يبصرون بها وقلوب يفقهون بها لما أيسوا من رحمة الله وفرَجِهِ ولا ما قنطوا. وقوله تعالى: {إن في ذلك} أي المذكور من تدبير الله في خلقه بالإِعطاء والمنع {لآيات} أي حججا ودلائل تدل المؤمنين على قدرة الله ولطفه ورحمته وحكمته في تدبير ملكه وملكوته فسبحانه من غله عظيم ورب غفور رحيم.

.من هداية الآيات:

1- بيان جهل المشركين وضلال عقولهم بما ذكر تعالى من صفاتهم وأحوالهم.
2- بيان تهديد الله تعالى للمصرين على الشرك والكفر بعذاب يوم القيامة.
3- بيان حال أهل الشرك والكفر والجهل في فرحهم بالنعمة فرح البطر والشر وياسهم وقنوطهم عند نزول البلاء بهم والشدة.
4- مظهر حكمة الله وتدبيره في الرزق توسعة وتقديرا وإدراك ذلك خاص بالمؤمنين لأنهم أحياء يبصرون ويفهمون بخلاف الكافرين فهم أموات لا إبصار ولا إدراك لهم.