فصل: تفسير الآيات (8- 11):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (8- 11):

{أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8) وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9) مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11)}

.شرح الكلمات:

{أفمن زين له سوء عمله}: أي قبيح عمله من الشر والمعاصي.
{فرآه حسناً}: أي رآه حسناً زيناً لا قبح فيه.
{فلا تذهب نفسك عليهم}: أي على أولئك الذين زين لهم الشيطان قبيح أعمالهم.
{حسرات}: أي لا تُهلِك نفسك بالتحسر عليهم لكفرهم.
{إن الله عليم بما يصنعون}: وسيجزيهم بصنيعهم الباطل.
{فتثير سحاباً}: أي تزعجه وتحركه بشدة فيجتمع ويسير.
{فسقناه إلى بلد ميت}: أي لا نبات به.
{فأحيينا به الأرض}: أي بالنبات والعشب والكلأ والزرع.
{كذلك النشور}: أي البعث والحياة الثانية.
{فلله العزة جميعاً}: أي فليطلب العزة بطاعة الله فإنها لا تنال إلا بذلك.
{إليه يصعد الكلم الطيب}: أي إلى الله تعالى يصعد الكلم الطيب وهو سبحان الله والحمد لله والله أكبر.
{والعمل الصالح يرفعه}: أي أداء الفرائض وفعل النوافل يرفع إلى الله الكلم الطيب.
{يمكرون السيئات}: أي يعملونها ويكسبونها.
{ومكر أولئك هو يبور}: أي عملهم هو الذي يفسد ويبطل.
{خلقكم من تراب}: أي أصلكم وهو آدم.
{ثم من نطفة}: أي من ماء الرجل وماء المرأة وذلك كل ذُريِّة آدم.
{ثم جعلكم أزواجاً}: أي ذكراً وأنثى.
{وما تحمل من أُنثى}: أي ما تحمل من جنين ولا تضعه إلا بإذنه.
{وما يعمر من معمر}: أي وما يطول من عُمر ذي عُمر طويل إلا في كتاب.
{ولا ينقص من عمره}: أي بأن يجعل أقل وأقصر من العمر الطويل إلا في كتاب.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في تقوية روح الرسول صلى الله عليه وسلم والشد من عزمه أمام تقلبات المشركين وعنادهم ومكرهم فقال تعالى: {افمن زيِّن له سوءُ عمله فرآه حسناً} أي افمن زين له الشيطان ونفسه وهو قبيح عمله وهو الشرك والمعاصي فرآه حسناً كمن هداه الله فهو على نور من ربّه يرى الحسنة حسنة والسيئة سيئة والجواب: لا، لا. وقوله تعالى: {فإن الله يضل من يشاء ويهدى من يشاء} يضل بعدله وحسب سننه في الإِضلال من يشاء من عباده، ويهدى بفضله من يشاء هدايته إذاً فلا تذهب نفسك أيها الرسول على عدم هدايتهم حسرات فتهلك نفسك تحسُّراً على عدم هدايتهم. وقوله: {إن الله عليم بما يصنعون} فلذا لا داعى غلى الحزن والغمّ ما دام الله تعالى وهو ربهم قد أحصى أعمالهم وسيجزيهم بها وقوله تعالى: {والله الذي ارسل الرياح فتثير سحاباً} أي تزعجه وتحركه. {فسقناه إلى بلد ميّت} أي لا نبات ولا زرع به {فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور} أي كما أن الله تعالى ينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها كذلك يحي الموتى إذ بعد فناء العالم ينزل الله تعالى من تحت العرش ماء فينبت الإِنسان من عظم يقال له عَجُبُ فيتم خلقه، ثم يرسل الله تعالى الأرواح فتدخل كل روح في جسدها فلا تخطئ روح جسدها.
وهكذا كما تتم عملية إحياء الأرض بالنبات تتم عملية إحياء الأموات ويساقون إلى المحشر ويجزى كل نفس بما كسبت والله سريع الحساب.
وقوله تعالى: {من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً} فلْيَطلُبْها من الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله فإن العزة لله جميعاً فالعزيز من أعزه الله والذليل من أَذَله الله، إنهم كانوا يطلبون العزة بالأصنام فاعلموا أن من يريد العزة فليطلبها من مالكها أما الذي لا يملك العزة فكيف يعطيها لغيره إن فاقد الشيء لا يعطيه. وقوله: {إليه يصعد الكلم الطيب} أي غلى الله يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه إلى الله تعالى فإذا كان قول بدون عمل فإنه لا يرفع إلى الله تعالى ولا يثيب عليه، وقد ندد الله تعالى بالذين يقولون ولا يعملون فقال: {كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون}. وقوله: {والذين يمكرون السيئات} أي يعملونها وهي الشرك والمعاصي {لهم عذاب شديد} هذا جزاؤهم، {ومكر أولئك هو يبور} أي ومكر الذين يعملون السيئيات {هو يبور} أي يفسد ويبطل.
وقوله تعالى: {والله خلقكم من تراب} أي خلق أصلنا من تراب وهو آدم، ثم خلقنا نحن ذريته من نطفة وهي ماء الرجل وماء المرأة، {ثم جعلكم أزواجاً} أي ذكراً وأنثى. هذه مظاهر القدرة الإِلهية الموجبة لعبادته وتوحيده والمقتضية للبعث والجزاء، وقوله: {وما تحمل من أُنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر} أي يزداد في عمره، ولا ينقص من عمره فلا يزاد فيه إلا في كتاب وهو كتاب المقادير. هذا مظهر من مظاهر العلم، وبالعلم والقدرة هو قادر على إحياء الموتى وبعث الناس للحساب والجزاء. ولذا قال تعالى: {إن ذلك} أي المذكور من الخلق والتدبير ووجوده في كتاب المقادير على الله يسير أي سهل لا صعوبة فيه.

.من هداية الآيات:

1- التحذير من اتباع الهوى والاستجابة للشيطان فان ذلك يؤدى بالعبد إلى أن يصبح يرى الأعمال القبيحة حسنة ويومها يحرم هداية الله فلا يهتدى أبداً وهذا ينتج عن الإِدمان على المعاصي والذنوب.
2- عملية إحياء الأرض بعد موتها دليل واضح على بعث الناس أحياءً بعد موتهم.
3- مطلب العزة مطلب غال، وهو طاعة الله ورسوله ولا يعز أحد عزاً حقيقياً بدون طاعة الله ورسوله.
4- علم الله المتجلى في الخلق والتدبير يُضاف إليه قدرته تعالى التي لا يعجزها شيء بهما يتم الخلق والبعث والجزاء.
5- تقرير البعث والجزاء وتقرير كتاب المقادير وهو اللوح المحفوظ.

.تفسير الآيات (12- 14):

{وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)}

.شرح الكلمات:

{عذب فرات}: أي شديد العذوبة.
{وهذا ملح أجاج}: أي شديد الملوحة.
{ومن كل تأكلون}: أي ومن كل منهما.
{لحماً طريا}: أي السمك.
{حلية تلبسونها}: أي اللؤلؤ والمرجان.
{مواخر}: أي تمخر الماء وتشقه عند جريانها في البحر.
{لتبتغوا من فضله}: أي لتطلبوا الرزق بالتجارة من فضل الله تعالى.
{ولعلكم تشكرون}: أي رجاء أن تشكروا الله تعالى على ما رزقكم.
{يولج الليل في النهار}: أي يدخل الليل في النهار فيزيد.
{ويولج النهار في الليل}: أي يدخل النهار في الليل فيزيد.
{وسخر الشمس والقمر}: أي ذللهما.
{كل يجري لأجل مسمى}: أي في فلكه إلى يوم القيامة.
{والذين تدعون}: أي تعبدون بالدعاء وغيره من العبادات وهم الصنام.
{ما يملكون من قطمير}: أي من لفافة النواة التي تكون عليه وهي بيضاء رقيقة.
{ولو سمعوا}: أي فرضاً ما استجابوا لكم.
{يكفرون بشرككم}: أي يتبرأون منكم ومن عبادتكم إياهم.
{ولا يُنبئك مثل خبير}: أي لا ينبئك أي بأحوال الدارين مثلى فإني خبير بذلك عليم.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في ذكر مظاهر قدرة الله وعلمه وحكمة تدبيره لخلقه وهي مظاهر موجبة لله العبادة وحده دون غيره، ومقتضيه للبعث الذي أنكره المشركون قال تعالى: {وما يستوى البحران} أي لا يتعادلان. {هذا عذب فرات سائغ شرابه} أي ماؤه عذب شديد العذوبة {وهذا ملح أجاج} أي ماؤه شديد الملوحة لمرارته مع ملوحته، فهل يستوي الحق والباطل هل تستوي عبادة الأصنام مع عبادة الرحمن؟ والجواب لا. وقوله: {ومن كل تأكلون} أي ومن كل من البحرين العذب والملح تأكلون لحماً طرياً وهو السمك {وتستخرجون حلية تلبسونها} أي اللؤلؤ والمرجان.
وهي حلية يتحلى بها النساء للرجال، وقوله: {وترى الفلك فيه مواخر} أي وترى أيها السامع لهذا الخطاب {الفلك} أي السفن مواخر في البحر تمخر عباب البحر وتشق ماءه غادية رائحة تحمل الرجال والأموال، سخرها وسخر البحر {لتبتغوا من فضله} أي الرزق بالتجارة، {ولعلكم تشكرون} أي سخر لكم البحر لتبتغوا من فضله ورجاء أَن تشكروا. لم يقل لتشكروا كما قال لتبتغوا لأن الابتغاء حاصل من كل راكب، وأما الشكر فليس كذلك بل من الناس من يشكر ومنهم من لا يشكر، ولذا جاء بأداة الرجاء وهي لعل وقوله: {يولج الليل في النهار} أي يدخل جزءاً من الليل في النهار فيطول، ويقصر الليل {ويولج النهار في الليل} أي يدخل جزءاً منه في الليل فيطول كما أنه يدخل النهار في الليل، والليل في النهار بالكلية فإنه إذا جاء أحدهما ذهب الآخر ويشهد له قوله تعالى: {وآية لهم الليل نسلخ منه النهار} ولازمه نسلخ منه الليل، فإذا الليل ليل والنهار نهار.
وقوله: {سخر الشمس والقمر} أي ذللهما فما يسيران الدهر كله بلا كلل ولا ملل لصالح العباد إذ بهما كان الليل والنهار، وبهما تعرف السنون والحساب وقوله: {كل يجرى} أي كل منهما يجرى {إلى أجل مسى} أي إلى وقت محدد وهو يوم القيامة.
ولما عرف تعالى نفسه بمظاهر القدرة قدرته وعلمه وحكمته ولطفه ورحمته قال للناس {ذلكم الله ربكم له الملك} أي بعد أن أقام الحجة وأظهر الدليل لم يبق إلا الإِعلان عن الحقيقة التي يتنكر لها الكافرون فأعلنها بقوله: {ذلكم} ذو الصفات العظام والجلالب والإِكرام هو الله ربكم الذي لا رب لكم سواه له الملك، وليس لغيره فلا يصح طلب شيء من غيره، إذ الملك كله لله وحده، وأما الذين تدعون من دونه أي تعبدونهم من دونه وهي الأصنام والأوثان وغيرها من الملائكة والأنبياء والأولياء فإنهم لا يملكون من قطمير فضلا عن غيره تمرة فما فوقها لأن الذي لا يملك قطميراً- وهو القشرة الرقيقة على النواة- لا يملك بعيراً.
وقوله: {إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم} نعم لا يسمعون لأنهم جمادات وأصنام من حجارة فكيف يسمعون وعلى فرض لو أنهم سمعوا ما استجابوا لداعيهم لعدم قدرتهم على الاستجابة وقوله تعالى: {ويوم القيامة يكفرون بشرككم} فهم إذاً محنة لكم في الدنيا تنحتونهم وتحمونهم وتعبدونهم ويوم القيامة يكونون أعداء لكم وخُصُوماً فيتبرءون من شرككم إياهم في عبادة الله، فتقوم عليكم الحجة بسببهم فما الحاجة إذاً إلى الإِصرار على عبادتهم وحمايتهم والدفاع عنهم وقوله تعالى: {ولا ينبئك} أيها السامع {مثل خبير} وهو الله تعالى فالخبير أصدق من ينبئ واصح من يقول فالله هو العليم الخبير وما أخبر به عن الآلهة في الدنيا والآخرة في الدنيا عن عجزها وعدم غناها وفي الآخرة عن براءتها وكفرها بعبادة عابديها. فهو الحق الذي لا مرية فيه.

.من هداية الآيات:

1- تقرير ربوبية الله المستلزمة لأُلوهيته.
2- بيان مظاهر القدرة والعلم والحكمة وبها تقرر ربوبيته تعالى وألوهيته لعباده.
3- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر يوم القيامة وبراءة الآلهة من عابديها.
4- بيان عجز الآلهة عن نفع عابديها في الدنيا وفي الآخرة.
5- تقرير صفات الكمال لله تعالى من الملك والقدرة والعلم، والخبرة التامة الكاملة وبكل شيء.

.تفسير الآيات (15- 18):

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17) وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18)}

.شرح الكلمات:

{أنتم الفقراء إلى الله}: أي المحتاجون إليه في كل حال.
{والله هو الغني الحميد}: أي الغني عنكم أيها الناس وعن سائر خلقه، المحمود بأفعاله وأقواله وحسن تدبيره فكل الخلائق تحمده لحاجتها إليه وغناه عنها.
{ويأت بخلق جديد}: أي بدلا عنكم.
{وما ذلك على الله بعزيز}: أي بشديد ممتنع بل هو سهل جائز الوقوع.
{ولا تزر وازرة وزر أخرى}: أي في حكم الله وقضائه بين عباده أنّ النفس المذنبة الحاملة لذنبها لا تحمل وزر أي ذنب نفس أخرى بل كل وازرة تحمل وزرها وحدها.
{ولا تدع مثقلة}: أي بأوزارها حتى لمم تقدر على المشي أو الحركة.
{لا يحمل منه شيء}: أي لا تجد من يستجيب لها ويحمل عنها بعض ذنبها حتى لو دعت ابنها أو أباها أو أمها فضلا عن غيرهم، وبهذا حكم الله سبحانه وتعالى.
{يخشون ربهم بالغيب}: أي لأنهم ما رأواه بأعينهم.
{ومن تزكى}: أي طهَّر نفسه من الشرك والمعاصي.
{فإنما يتزكَّى لنفسه}: أي صلاحه واستقامته على دين ثمرتها عائدة عليه.

.معنى الآيات:

بعد تلك الأدلة والحجج التي سبقت في الآيات السابقة وكلها مقررة ربوبية الله تعالى وألوهيته وموجبة توحيده وعبادته نادى تعالى الناس بقوله: {يا أيها الناس} ليعلمهم بأنه وان خلقهم لعبادته وأمرهم بها وتوعد باليم العذاب لمن تركها ولم يكن ذلك لفقر منه إليها ولا لحاجة به غليهم فقال: {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد} إن عبادة الناس لربهم تعود عليهم فيكملون عليها في أخلاقهم وأرواحهم ويسعدون عليها في دنياهم وآخرتهم أما الله جل جلاله فلا تنفعه طاعة ولا تضره معصية. وهو الغنى عن كل ما سواه {الحميد} أي المحمود بنعمه فكل نعمة بالعباد موجبة له الحمد والشكر. وقوله: {إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد} وهذا دليل غناه؛ وافتقارهم كما هو دليل قدرته وعلمه، وقوله: {وما ذلك على الله بعزيز} أي اذهابهم والإِتيان بخلق جديد غيرهم ليس بالأمر العزيز الممتنع ولا بالصعب المتعذر بل هو اليسير السهل عليه تعالى.
وقوله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} هذا مظهر عدالته تعالى فهو مع قجرته وقهره لعباده ذو عدل فيهم فلا يؤاخذ بغير جرم، ولا يحمل وزر نفس نفساً أخرى لم تذنب ولم تزر بل كل نفس تؤخذ بذنبها إن كانت مذنبة هذه عدالته تتجلى لعباده يوم يعرضون عليه في يوم كله هول وفزع يدل عليه قوله: {وان تدع مثقلة} أي بذنوبها {إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان} من تدعوه {ذا قربى} كالولد والبنت. وقوله تعالى: {إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة} أي انما تنذر يا رسولنا ويقبل إنذارك وينتفع به من يخشون ربهم ويخافون عذابه بالغيب وأقاموا الصلاة، أما غيرهم من أهل الكفر والعناد والجحود فإنهم لا يقبلون إنذارك ولا ينتفعون به لظلمة جهلهم وكفرهم وقساوة قلوبهم، ومع هذا فأ، ذر ولا عليك في ذلك شيء فإن من تزكَّى بالإِيمان والعمل الصالح مع ترك الشرك والمعاصي فإنما يتزكَّى لنفسه لا لك ولا لنا، ومن ابى فعليه إباؤه، وإلينا مصير الكل وسنجزى كلاً بما سكب من خير وشر.
هذا ما دل عليه قوله تعالى: {إنما تنذر الذين يخشون ربهم وأقاموا الصلاة ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه وإلى الله المصير}

.من هداية الآيات:

1- بيان فقر العباد إلى ربهم وحاجتهم إليه وإِزالة فقرهم وسد حاجتهم يكون باللجوء إليه والاطراح بين يديه يعبدونه ويسألونه.
2- بيان عدالة الله تعالى يوم القيامة.
3- بيان صعوبة الموقف في عرصات القيامة لاسيما عند وضع الميزان ووزن الأعمال.
4- بيان أن الإِنذار والتخويف من عذاب الله لا ينتفع به غير المؤمنين الصالحين.
5- تقرير عقيدة البعث والجزاء يوم القيامة.
6- تقرير حقيقة وهي أن من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها.

.تفسير الآيات (19- 27):

{وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22) إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (23) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (25) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (26) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27)}

.شرح الكلمات:

{وما يستوى الأعمى والبصير}: أي لا يستويان فكذلك الكافر والمؤمن لا يستويان.
{ولا الظلمات ولا النور}: أي لا يستويان فكذلك الكفر والإِيمان لا يستويان.
{ولا الظل ولا الحرور}: أي لا يستويان فكذلك الجنة والنار لا يستويان.
{وما يستوى الأحياء ولا الأموات}: فكذلك لا يستوى المؤمنون والكافرون.
{وما أنت بمسمع من في القبور}: أي فكذلك لا تسمع الكافر فإنهم كالأموات.
{إن أنت إلا نذير}: ما أنت إلا منذر فلا تملك أكثر من الإِنذار.
{إنا أرسلناك بالحق}: أي بالدين الحق والهدى والكتاب.
{وإن من أمة إلا خلا فيها نذير}: أي سلف فيها نبيُّ ينذرها.
{جاءتهم رسلهم بالبينات}: أي بالحجج والأدلة الواضحة.
{وبالزبر وبالكتاب المنير}: أي وبالصحف كصحف إبراهيم وبالكتاب المنير كالتوراة والإِنجيل.
{فكيف كان نكير}: أي فكيف كان إنكارى عليهم بالعقوبة والإِهلاك والجواب هو واقع موقعه والحمد لله.

.معنى الآيات:

لمّا تقدم في السياق الكريم أن إنذار الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينتفع به غلا المؤمن المقيم للصلاة وإن الكافر المكذب الجاحد لا ينتفع به ذكر تعالى هنا مثلا للكافر والمؤمن وانهما لا يستويان فقال: {وما يستوى الأعمى والبصير} فالأعمى الكافر والبصير المؤمن وهما لا يستويان في عقل ولا شرع {ولا الظلمات ولا النور} أي ولا تستوى الظلمات ولا النور كما لا يستوى الكفر والإِيمان ولا الظل ولا الحرور، فبرودة الجو، لا تستوى مع حرارته فكذلك الجنّة لا تستوى مع النار، وقوله: {وما يستوى الأحياء ولا الأموات} أي ولا المؤمنون مع الكافرين كذلك وقوله تعالى: {إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور} هذا شروع في تسلية الرسول صلى الله عليه سولم من أجل ما يجد في نفسه من إعراض قومه وعدم استجابتهم لدعوته، فأخبره ربه بأنه تعالى قادر على أن يسمع من يشاء إسماعه وذلك لقدرته على خلقه أما أنت أيها الرسول فإنك لا تسمع الأموات وإنما تسمع الأحياء، والكفار شأ، هم شأن الأموات في القبور فلا تقدر على اسماعهم. ولا يحزنك ذلك فإنك ما أنت إلا نذير، والنذير ينذر ولا يُسأل عمن أجابه ومن لم يجبه.
وقوله تعالى: {إنا أرسلناك بالحق بشيراً ونذيراً} بهذا الخبر يقرر تعالى رسالة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وأنه أرسله بالهدى ودين الحق بشيراً لمن آمن به واتبع هداه بالجنة، ونذيراً لمن كفر به وعصاه بالنار. وقوله: {وإن من أُمة إلا خلا فيها نذير}، يخبر تعالى أن رسوله محمداً ليس الرسول الوحيد الذي ارسل في أمة بل إنه ما من أمة من الأمم إلا مضى فيها نذير، فلا يكون غرساله عجباً لكفار قريش إذ هذه سنة الله تعالى في عباده يرسل إليهم من يهديهم غلى نجاتهم وسعادتهم ثم قال لرسوله صلى الله عليه وسلم معزياً له مسلياً {وإن يكذبوك} فلم يكونوا أول من كذب فقد كذب الذين من قبلهم {جاءتهم رسلهم بالبينات والزبر والكتاب المنير} أي جاءتهم رسلهم بالحجج القواطع والبراهين السواطع، والمعجزات الخوارق، وبالصحف والكتب المنيرة لسبيل الهداية وطريق النجاة والفلاح.
ومنهم من آمن ومنهم من كذب وكفر وبعد إمهال وإنظار دَلَّ عليه العطف بثم أخذ الذين كفروا بعذاب ملائم لكفر الكافرين. {فكيف كان نكير} أي فكيف كان إنكارى عليهم بالعقوبة الشديدة والإِهلاك التام إنه كان واقعاً موقعه، موافيا لطالبه بكفره وعناده.

.من هداية الآيات:

1- استحسان ضرب الأمثال للكشف عن الحال وزيادة البيان.
2- الكفار عمى لا بصيرة لهم، وأموات لا حياة فيهم، والدليل عدم انتفاعهم بحياتهم ولا بأسماعهم ولا أبصارهم.
3- تقرير نُبوَّة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وتأكيد رسالته.
4- تسلية الدعاة ليتدرّعوا بالصبر ويلتزموا الثبات.
5- بيان سنة الله في المكذبين الكافرين وهي أخذهم عند حلول أجلهم.