فصل: تفسير الآيات (30- 33):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (30- 33):

{وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33)}

.شرح الكلمات:

{ووهبنا لداود سليمان}: أي ومن جملة هباتنا لداود الأواب أن وهبنا له سليمان ابنه.
{نعم العبد إنه أواب}: أي سليمان أي رجاع إلى ربّه بالتوبة والإِنابة.
{الصافنات الجياد}: أي الخيل الصافنات أي القائمة على ثلاث الجياد أي السوابق.
{حب الخير}: أي حب الخيل عن ذكر ربي وهي صلاة العصر لإِنشغاله باستعراض الخيل للجهاد.
{حتى توارت بالحجاب}: أي استترت الشمس في الأفق وتغطت عن أعين الناظرين.
{ردوها علي}: أي ردوا الخيل التي استعرضتها آنفا فشغلتني عن ذكر ربّي.
{فطفق مسحاً بالسوق}: أي فأخذ يمسح بسوق تلك الخيل واعناقها.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في ذكر إفضال الله على داود حيث قال: {ووهبنا لداود سليمان نعم العبد} فذكر تعالى أنه وهبه سليمان وأثنى على سليمان بأنه نعم العبد لله، وعلل لتلك الأفضليّة {إنه أواب} أي كثير الأوبة إلى الله تعالى، وهي الرجوع إلى الله بذكره واستغفاره عند الغفلة والنسيان العارض للعبد، وأشار تعالى إلى ذلك بقوله: {إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد} أي الخيل القوية على السير التي إذا وقفت تأبى أن تقف على أربع كالحمير بل تقف على ثلاث وترفع الرابعة، والجياد هي السريعة العدو، وهذا العرض كان استعراضا منه لها إعداداً لغزو أراده فاستعرض خيله فانشغل بذلك عن صلاة العصر فلم يشعر إلا وقد غربت الشمس وهو معنى قوله تعالى.
{حتى توارت} أي استترت الشمس {بالحجاب} أي بالأفق الذي حجبها عن أعين الناظرين.
فندم لذلك وقال: {إني أحببت حبت الخير} أي الخيل {عن ذكر ربّي} وصلى العصر، ثم عاد غلى إكمال الاستعراض فردها رجاله عليه فجعل يمسح بيده سوقها وأعناقها حتى أكمل استعراضها هذا وجه الأوبة التي وصف بها سليمان عليه السلام في قوله تعالى: {إنه أواب}.

.من هداية الآيات:

1- الولد الصالح هبة إلهيّة لوالده فليشكر الله تعالى من وهب ذلك.
2- الثناء على العبد بالتوبة الفوريّة التي تعقب الذنب مباشرة.
3- جواز استعراض الحاكم القائد قواته تفقداً لها لما قد يحدثه فيها.
4- اطلاق لفظ الخير على الخيل فيه تقرير أن الخيل إذا ربطت في سبيل الله كان طعامها وشرابها حسنات لمن ربطها في سبيل الله كما في الحديث الصحيح: «الخيل لثلاث...».
- ربط الطائرات النفاثة في الحظائر اليوم والمدرعات وإعدادها للقتال في سبيل الله حل محل ربط الجياد من الخيل في سبيل الله.

.تفسير الآيات (34- 40):

{وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (40)}

.شرح الكلمات:

{ولقد فتنا سليمان}: أي ابتليناه.
{والقينا على كرسيّه جسداً}: أي شق ولد ميت لا روح فيه.
{ثم أناب}: أي رجع إلى ربه وتاب إليه من عدم استثنائه في يمينه.
{وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي}: أي أعطني ملكاً لا يكون لسواي من الناس.
{فسخرنا له الريح}: أي استجبنا له فسخرنا له الريح تجري بأمره.
{رخاء حيث أصاب}: أي لينة حيث أراد.
{والشياطين كل بناء وغواص}: أي وسخرنا له الشياطين من الجن منهم البناء ومنهم الغواص في البحر.
{مقرنين في الأصفاد}: أي مشدودين في الأصفاد أيديهم غلى أعناقهم في السجون المظلمة وذلك إذا تمردوا وعصوا أمراً من أوامره.
{هذا عطاؤنا}: أي وقلنا له هذا عطاؤنا.
{فامنن أو امسك}: أي أعط من شئت وما شئت وامنع كذلك.
{بغير حساب}: أي مِنَّا لك.
{وإن له عندنا لزلفى}: أي وإن لسليمان عندنا لقربة يوم القيامة.
{وحسن مآب}: أي مرجع في الجنة في الدرجات العلا.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في ذكر إنعام الله على آل داود فقد أخبر تعالى هنا عما منّ به على سليمان فأخبر تعالى أنه ابتلاه كما ابتلى أباه داود وتاب سليمان كما تاب داود ولم يسقط ذلك من علو منزلتهما وشرف مقامهما قال تعالى في الآية (34): {ولقد فتنا سليمان} أي ابتليناه، وذلك أنه كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه قال لأطأن الليل مائة جارية تلد كل جارية ولداً يصبح فارساً يقاتل في سبيل الله، ولم يقل إن شاء الله أي لم يستثن ووطئ نساءه في تلك الليلة فعوقب لعدم استثنائه فلم يلدن إلا واحدة جاءت بولد مشلول بالشلل النصفي فلما وضعته أمه أتوا به إلى سليمان ووضعوه على كرسيه. وهو قوله تعالى: {وألقينا على كرسيّه جسداً ثم أناب} سليمان إلى ربه فاستغفر وتاب فتاب الله عليه وقال: {ربّ اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي} أي لا يكون مثله لسواي من الناس وتوسل إلى الله في قبول دعائه بقوله: {إنك أنت الوهاب} فاستجاب الله تعالى له فسخر له الريح تجري بأمره حيث يريد لأنها تحمل بساطه أو سفينته الهوائية التي غدوها شهر ورواحها رخاء أي ليّنة حيث أصاب أي أراد، كما سخر له شياطين الجن منهم البناء الذي يقوم بالبناء للدور والمصانع ومنهم الغواص في أعمال البحر لاستخراج اللآلي، ومنهم من إذا عصاه وتمرد عليه جمع يديه إلى عنقه بصفدٍ ووضعه تحت الأرض. هذا ما جاء في قول الله تعالى: {فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب والشياطين كل بناء وغواص وآخرين مقرنين في الأصفاد} وقوله تعالى: {هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب} أي أعطيناه ما طلب منا وقلنا له هذا اعطاؤنا لك فامنن أي أعط ما شئت لمن شئت وامنع ما شئت لمن شئت بغير حساب منا عليك.
وفوق هذا وإن لك عندنا يوم القيامة للقربة وحسن المرجع وهو قوله تعالى: {وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب}.

.من هداية الآيات:

1- تقرير قول بعضهم حسنات الأبرار سيئات المقربين إذ عدم الاستثناء في قوله لأطأن الليلة مائة جارية الحديث عوقب به فلم تلد امرأة من المائة إلا واحدة وولدت طفلا مشلولا، وعوقب به نبيُّنا صلى الله عليه وسلم فانقطع الوحي نصف شهر وأَكْرَبه ذلك لأنه لم يستثن عندما سئل عن ثلاث مسائل وقال غداً أجيبكم.
2- مشروعية التوبة من كل ذنب صغيرا كان أو كبيراً.
3- مشروعية التوسل إلى الله تعالى بأسمائه الحسنى.
4- بيان إنعام الله تعالى على عبده سليمان.
5- بيان تسخير الله تعالى لسليمان الريح والجن وهذا لم يكن لأحد غيره من الناس.

.تفسير الآيات (41- 44):

{وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44)}

.شرح الكلمات:

{واذكر عبدنا أيوب}: أي اذكر يا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عبدنا أيوب بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم.
{بنصب وعذاب}: أي بضرّ والم شديد نسب هذا للشيطان لكونه سببا وتأدُّبا مع الله تعالى.
{اركض برجلك}: أي اضرب برجلك الأرض تنبع عين ماء.
{هذا مغتسل بارد وشراب}: أي وقلنا له هذا ماء بارد تغتسل منه، وتشرب فتشفى.
{ضغثا}: أي حزمة من حشيش يابس.
{ولا تحنث}: بترك ضربها.
{نعم العبد}: أي أيوب عليه السلام.
{إنه أواب}: أي رجاع إلى الله تعالى.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في ذكر قصص الأنبياء ليثبت به فؤاد نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم فقال تعالى له {واذكر عبدنا ايوب} وهو أيوب بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم السلام {إذ نادى ربّه} أي دعاه قائلاً {إنِّي مسني الشيطان بنُصْب وعذاب} أي ألم شديد، وذلك بعد مرض شديد دام مدة تزيد على كذا سنة، وقال في ضراعة أخرى ذكرت في سورة الأنبياء {ربّ اني مسّني الضر وأنت أرحم الراحمين} قال تعالى: {فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم} وقوله: {اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب} أي لما اراد الله كشف الضر عنه قال له اركض برجلك أي اضرب برجلك الأرض ينبع منها ماءٌ فاشرب منه واغتسل تشف ففعل فشفي كأن لم يكن به ضرٌ البتة. وقوله تعالى: {ووهبنا له أهله ومثلهم معهم} أي عوضه الله تعالى عما فقد من أهل وولد، وقوله: {رحمة منا} أي كان ذلك التعويض لأيوب رحمة منّا {وذكرى لأولي الألباب} أي عبرة لأولي القلوب الحيّة الواعية يعلمون بها أن الله قد يبتلي أحب عباده إليه ليرفعه بذلك درجات عالية ما كان ليصل إليها دون الابتلاء في ذات الله والصبر عليه. وقوله: {وخذ بيدك ضغثاً} أي قلنا له خذ بيدك ضغثاً أي حزمة من حشيش يابس واضرب به امرأتك ضربة واحدة إذ في الحزمة مائة عود وكان قد حلف أن يضرب امرأته مائة جلدة لما حصل منها من تقصير في يوم من ايام حياتهما، فأفتاه ربُّه تعالى بما ذكر في هذه الآية. وقوله تعالى: {إنا وجدناه صابراً} أي قد اختبرناه بالمرض وفقد الأهل والمال والولد فوجدناه صابرا، وبذلك أثنى عليه بقوله: {نعم العبد} أي أيوب {إنه أواب} رجاع إلى ربّه في كل أمره لا يعرف إلا الله.

.من هداية الآيات:

1- تقرير نبوة محمد صلى الله عليه وسلم من طريق هذا القصص الذي لا يتأتى إلا بالوحي الإِلهي.
2- قد يبتلي الله تعالى من يحبه من عباده ليزيد في علوّ مقامه ورفعة شأنه.
3- فضل الصبر وعاقبته الحميدة في الدنيا والآخرة.
4- مشروعية الفتيا وهي خاصة بأهل الفقه والعلم.
5- وجوب الكفارة على من حنث في يمينه.

.تفسير الآيات (45- 54):

{وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (47) وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ (48) هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ (50) مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ (53) إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54)}

.شرح الكلمات:

{واذكر عبدنا}: أي اذكر صبرهم على ما أصابهم فإِن لك يهم أسوة.
{أولى الأيدي}: أي أصحاب القوى في العبادة.
{والأبصار}: أي البصائر في الدين بمعرفة السرار والحكم.
{بخالصة}: أي هي ذكر الدار الآخرة والعمل لها.
{لمن المصطفين الأخيار}: أي من المختارين الأخيار جمع خيّر.
{هذا ذكر}: أي لهم بالثناء الحسن الجميل هنا في الدنيا.
{وان للمتقين}: أي هم وغيرهم من سائر المؤمنين والمؤمنات.
{لحسن مآب}: أي مرجع أي عندما يرجعون إلى ربهم بالوفاة.
{متكئين فيها}: أي على الأرائك.
{يدعون فيها بفاكهة}: أي يطالبون فيها بفاكهة وذكر الفاكهة دون الطعام والشراب إيذاناً بأن طعامهم وشرابهم لمجرد التلذذ لا للتغذية كما في الدنيا.
{قاصرات الطرف}: أي حابسات العيون على الأزواج فلا ينظرن إلى غيرهم.
{أتراب}: أي أسنانهن متساوية وهي ثلاث وثلاثون سنة.
{ماله من نفاد}: أي ليس له انقطاع أبدا.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في ذكر الأنبياء وما أُكرموا به على صبرهم ليكون ذلك مثبتاً للنبي صلى الله عليه وسلم على دعوته والصبر عليها والتحمل في سبيل الوصول بها إلى غاياتها فقال تعالى له {واذكر} أي يا نبيّنا {عبادنا} لتتأسى بهم وهم {إبراهيم واسحق} وولده {يعقوب} حفيده {أولي} أي أصحاب {الأيدي} أي القوى في العبادة والطاعة {والأبصار} أي أبصار القلوب وذلك بالفقه في الدين ومعرفة أسرار التشريع، وقوله تعالى: {إنّا أخلصناهم} أي خصصناهم {بخالصة} أي بخاصة امتازوا بها هي ذكر الدار أي ذكر الدار الآخرة بالعمل لها والدعوة إليها بالإِيمان والتقوى، وقوله: {وإنهم عندنا لمن المصطفين} أي المختارين {الأخيار} جمع خيّر وهو المطبوع على الخير وقوله: {واذكر} أي يا نبيّنا للائتساء {اسماعيل واليسع وذا الكفل} وقوله: {وكل} أي من داود ومن ذكر بعده من الأنبياء كانوا من الأخيار، وقوله: {هذا ذكر} أي لهم بالثناء الحسن لهم في الدنيا، {وان للمتقين} هم وغيرهم من المؤمنين والمؤمنات {لحسن مآب} أي مرجع وهو الجنة حيث يرجعون إلى الله تعالى بعد الموت، وفسر ذلك المرجع بقوله تعالى: {جنات عدن} أي إقامة {مفتحة لهم الأبواب} {متكئين فيها} أي على الأرائك الأسرة بالحجلة، {يدعون فيها} أي يُطالبون فيها {بفاكهة كثيرة وشراب} ولم يذكر الطعام إشارة إلى أن مآكلهم ومشاربهم لمجرد التلذذ لا للتغذي بها كما في الدنيا، وقوله: {وعندهم قاصرات الطرف} يخبر تعالى أن لأولئك المتقين في الجنة قاصرات الطرف أي نساء قاصرات الطرف أي حابسات له على أزواجهن لا ينظرن إلى غيرهم من الأزواج وقوله: {أتراب} أي في سن واحدة وهي ثلاث وثلاثون سنة. وقوله تعالى: {هذا ما توعدون} أي يقال لهم هذا ما توعدون {ليوم الحساب} أي هذا المذكور من النعيم هو ما يعدكم به ربكم يوم القيامة. وقوله: {إن هذا لرزقنا ماله من نفاد} أي ليس له انقطاع ولا فناء.

.من هداية الآيات:

1- فضيلة القوة في العبادة والبصيرة في الدين وفي الحديث: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير».
2- فضل ذكر الدار الآخرة وتذكرها دائماً لأنها تساعد على الطاعة.
3- فضل التقوى وأهلها وبيان ما أعد لهم يوم الحساب.
4- نعيم الآخرة لا ينفد كأهلها لا يموتون ولا يهرمون.
5- فضيلة الائتساء بالصالحين والاقتداء في الخير بهم وهم اولوا القوة في العبادة والبصيرة في الدين.

.تفسير الآيات (55- 64):

{هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (55) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ (56) هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57) وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58) هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ (59) قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ (60) قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ (61) وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ (62) أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ (63) إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64)}

.شرح الكلمات:

{هذا}: أي المذكور للمتقين.
{وإن للطاغين}: أي الذين طغوا في الكفر والشر والفساد.
{لشر مآب}: أي جهنم يصلونها.
{فبئس المهاد}: أي الفراش الذي مهدوه لأنفسهم في الدنيا بالشرك والمعاصي.
{هذا فليذوقوه}: أي العذاب المفهوم مما بعده فليذوقوه.
{حميم}: أي ماء حار محرق.
{وغساق}: أي قيح وصديد يسيل من لحوم وفروج الزناة في النار.
{وآخر من شكله أزواج}: أي وعذاب آخر كالحميم والغساق أصناف.
{هذا فوج مقتحم معكم}: أي يقال لهم عند دخولهم النار هذا فوج مقتحم معكم.
{لا مرحبا بهم}: أي لا سعة عليهم ولا راحة لهم إنهم صالو النار.
{قالوا أي الأتباع للطاغين}: بل أنتم لامرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا.
{قالوا ربنا من قدم لنا هذا}: أي الأتباع أي من كان سببا في عذابنا هذا في جهنم فزده عذابا.
{وقالوا ما لنا لا نرى رجالا}: أي قال الطاغون وهم في النار مالنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار في الدنيا يعنون فقراء المسلمين كبلال وعمار وصهيب.
{اتخذناهم سخريا}: أي كنا نسخر منهم في الدنيا.
{أم زاغت عنهم الأبصار}: أي امفقودون هم أم زاغت عنهم الأبصار؟ فلم نرهم.
{إن ذلك لحق تخاصم أهل النار}: أي إن ذلك المذكور لأهل النار لحق ثابت وهو تخاصم أهل النار.

.معنى الآيات:

بعد ذكر نعيم أهل الإِيمان والتقوى ناسب ذكر شقاء أهل الكفر والفجور وهو أسلوب الترهيب والترغيب الذي امتاز به القرآن الكريم في هداية العباد. فقال تعالى: {هذا} أي ما تقدم ذكره من نعيم أهل السعادة {وإن للطاغين} وهم المشركون الظلمة كأبي جهل وعتبة بن معيط والعاص بن وائل {لشر مآب} أي لأسوأ مرجع وأقبحه وهو {جهنم يصلونها وبئس المهاد} هي يمهدها الظالمون لأنفسهم. وقوله تعالى: {هذا فليذوقوه حميم وغساق} أي هذا حميم وغساق فليذوقوه والحميم الماء الحار المحرق والغساق ما سال من جلود ولحوم وفروج الزناة من أهل النار كالقيح والصديد وقوله: {وآخر من شكله} أي وعذاب آخر من شكل الأول {أزواج} أي أصناف عديدة وقوله تعالى: {هذا فوج مقتحم معكم} أي يقال عند دخولهم النار هذا فوج أي فريق مقتحم معكم النار، فيقول الطاغون {لا مرحباً بهم} أي لا سعة ولا راحة لهم {إنهم صالو النار} أي داخلوها محترقون بحرها ولهبها، فيرد الأتباع عليهم قائلين {بل أنتم لا مرحبا بكم} أي لا سعة ولا راحة {أنتم قدمتموه لنا} إذ كنتم تأمروننا بالشرك والكفر والفجور قال تعالى: {فبئس القرار} أي الذي انتهى إليه الطاغون وأتباعهم في النار، وقالوا أيضا ما أخبر تعالى به عنهم في قوله: {قالوا ربنا من قدم لنا هذا} أي العذاب {فزده عذابا ضعفا في النار} أي يا ربنا ضاعف لهم العذاب مرتين لأنهم هم الذين قدموه لنا يوم كانوا يدعوننا إلى الشرك والباطل ويحضوننا عليه.
وقوله تعالى: {وقالوا} أي الطغاة {ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار} بيننا {اتخذناهم} في الدنيا {سخريا} نسخر منهم يعنون فقراء المسلمين كبلال وعمّار وصهيب وخبيب، أمفقودون هم {أم زاغت عنهم} أبصارنا فلم نرهم، قال تعالى: {إن ذلك لحق تخاصم أهل النار} أي إن ذلك الكلام الذي دار بين أهل النار حق وصدق هو تخاصم أهل النار فاسمعوه أيها المشركون اليوم آيات تتلى وغداً يوم الحساب حقائق تشاهدوه وغصص تتجرع وحسرات تمزق الأكباد والقلوب.

.من هداية الآيات:

1- ذم الطغيان وهو مجاوزة الحد في الظلم والكفر وبيان جزاء أهله يوم القيامة.
2- بيان ما يجري من خصام بين أهل النار للعظة والاعتبار.
3- شكوى الأتباع ممن اتبعوهم في الضلال ومطالبتهم بمضاعفة العذاب لهم.
4- تذكر أهل النار فقراء المسلمين الذين كانوا يعدونهم متخلفين ورجعيين لأنهم كانوا لا يأتون الفجور والشرور مثلهم.