فصل: تفسير الآيات (7- 9):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (7- 9):

{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)}

.شرح الكلمات:

{الذين يحملون العرش}: أي الملائكة حملة العرش.
{ومن حوله}: أي والملائكة الذي يحفون بالعرش من جميع جوانبه.
{يسبحون بحمد ربهم}: أي يقولون سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم هذه صلاتهم وتسبيحهم.
{ويؤمنون به}: كيف لا وهم عنده، ولكن هذا من باب الوصف بالكمال لهم.
{ويستغفرون للذين آمنوا}: أي يطلبون المغفرة للمؤمنين لرابطة الإِيمان بالله التي تربطهم بهم.
{ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما}: أي يقولون يا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما.
{فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك}: أي فبما أن رحمتك وعلمك وسعا كل مخلوقاتك فاغفر للذين تابوا إليك فعبدوك ووحدوك واتبعوا سبيلك الذي هو الإِسلام.
{وقهم عذاب الجحيم}: أي احفظهم من النار فلا تُعذّبهم بها.
{جنات عدن}: أي بساتين فيها قصور وأنهار للإِقامة الدائمة.
{التي وعدتهم}: أي بقوله تعالى: {إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتهم الأنهار}.
{ومن صلح من آبائهم}: أي ومن صلح بالإِيمان ولم يفسد بالشرك والكفر.
{وقهم السيئات}: أي احفظهم من جزاء السيئات التي عملوها فلا تؤاخذهم بها.
{ومن تق السيئات يومئذ}: أي ومن تقه جزاء سيئاته يوم القيامة فلم تؤاخذه.
{فقد رحمته}: أي حيث سترته ولم تفضحه وعفوت عنه ولم تعذبه.
{وذلك}: أي الوقاية من العذاب وإدخال الجنة هو الفوز العظيم.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {الذين يحملون العرش} يخبر تعالى عن عظمته وموجبات الإِيمان به وبآياته وتوحيده ولقائه فيقول الذي يحملون العرش أي عرشه من الملائكة كالملائكة الذين يحفون بعرشه الجميع {يسبحون بحمد ربهم} تسبيحاً مقروناً بالحمد بأن يقولوا سبحان الله وبحمده ويؤمنون به أي يؤمنون بوحدانيته وعدم الإِشراك في عبادته {ويستغفرون للذين آمنوا} لرابطة الإِيمان التي ربطتهم بهم ولعل هذا السرَّ في ذكر غيمانهم لأن المؤمنين إخوة واستغفارهم هو طلب المغفرة من الله للمؤمنين من عباده. وهو معنى قوله: {ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما} أي يقولون متوسلين إليه سبحانه وتعالى بصفاته {ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً} أي يا ربنا وسعت رحمتك وعلمك سائر المخلوقات فاغفر للذين تابوا أي إليك فتركوا الشرك واتبعوا سبيلك الذي هو الإِسلام فانقادوا لأمرك ونهيك، وقهم عذاب الجحيم أي احفظهم يا ربنا من عذاب النار وأدخلهم جنات عَدْنٍ أي إقامة من دخلها لا يخرج منها ولا يبغي عنها حولا لكمال نعيمها ووفرة السعادة فيها. ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذريَّتهم أي وادخل كذلك من صلح بالإِيمان والتوحيد من آبائهم وأزواجهم وذريَّاتهم فألحقهم بدرجاتهم ليكونوا معهم وإن قصرت بهم أعمالهم. وقولهم إنك أنت العزيز الحكيم توسل أيضاً إليه تعالى بصفتي العزة والغلبة والقهر لكل المخلوقات والحكمة المتجلية في سائر الكائنات. وقوله: {وقهم السيئات} أي واحفظهم من جزاء سيئاتهم بأن تغفرها لهم وتسترها عليهم حتى يتأهّلوا للحاق بأبنائهم الذين نسالك أن تلحقهم بِهِمْ، {ومن تق السيئات يومئذ} أي يوم القيامة {فقد رحمته}، {وذلك هو الفوز العظيم} أي النجاة من النار ودخول الجنة هو الفوز العظيم لقوله تعالى: {فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز} ومعنى ومن تق السيئات أي تقيه عذابها وذلك بأن يغفرها لهم ويعفو عنهم فلا يؤاخذهم بها، فينجوا من النار ويدخلوا الجنة وذلك أي النجاة من النار ودخول الجنة هو الفوز العظيم.

.من هداية الآيات:

1- بيان عظم الرب تعالى.
2- بيان فضل الإِيمان وأهله.
3- فضل التسبيح بقول: سبحان الله وبحمده فقد صح أن من قالها مائة مرة حين يصبح أو حين يمسي غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر أي في الكثرة.
4- بشرى المؤمنين بأن الله تعالى يجمعهم بآبائهم وأزواجهم وذرياتهم في الجنة، وقد استجاب الله للملائكة وقد أخبر تعالى عن ذلك بقوله: {والذين آمنوا واتبعتهم ذرياتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم..}

.تفسير الآيات (10- 17):

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10) قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13) فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (14) رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (15) يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16) الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17)}

.شرح الكلمات:

{ينادون لمقت الله}: أي تناديهم الملائكة لتقول لهم لمقت الله إياكم أكبر من مقتكم أنتم لأنفسكم، والمقت أشد البغض.
{إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون}: أي مقت الله تعالى لكم عندما كنتم في الدنيا تدعوْن إلى الإِيمان فتكفرون اكبر من مقتكم أنفسكم اليوم لما رأيتم العذاب.
{أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين}: أي أمتنا مرتين الأولى عندما كنا عدماً فخلقتنا، والثانية عندما أمتنا في الدنيا بقبض أرواحنا، وأحييتنا مرتين الأولى لما أخرجتنا من بطون أمهاتنا أحياء فهذه مرة والثانية بعد أن بعثتنا من قبورنا أحياء.
{فاعترفنا بذنوبنا}: أي بذنوبنا التي هي التكذيب بآياتك ولقائك والشرك بك.
{فهل إلى خروج من سبيل}: أي فهل من طريق إلى العودة إلى الحياة الدنيا مرة ثانية لنؤمن بك ونوحدك ونطيعك ولا نعصيك.
{ذلكم}: أي العذاب الذي أنتم فيه.
{بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم}: أي بسبب أنه إذا دعي الله وحده كفرتم بالتوحيد.
{يريكم آياته}: أي دلائل توحيده وقدرته على بعثكم ومجازاتكم.
{وما يتذكر إلا من ينيب}: أي وما يتعظ إلا من ينيب إلى الله ويرجع إليه بتوحيده.
{يلقي الروح من أمره}: أي يلقي بالوحي من أمره على من يشاء من عباده.
{لينذر يوم التلاق}: أي لينذر من يوحي إليه من البشر وهو الرسول يوم تلاقي أهل السماء وأهل الأرض وذلك يوم القيامة.
{يوم هم بارزون}: أي لا يسترهم شيء لا جبل ولا شجر ولا حجر.
{لمن الملك اليوم}: أي لمن السلطان اليوم.

.معنى الآيات:

بعد أن بين تعالى حال المؤمنين وأنهم هم وأزواجهم وذرياتهم في دار النعيم بين في هذه الآيات الثلاث حال الكافرين في النار جريا على أسلوب القرآن في الترغيب والترهيب فقال تعالى مخبراً عن أهل النار: {إن الذين كفروا} أي بربهم ولقائه وتوحيده ينادون أي تناديهم الملائكة فتقول لهم- بعد أن يأخذوا في مقت أنفسهم ولعن بعضهم بعضا- {لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم} وذلك لأنكم كنتم تدعون إلى الإِيمان بالله وتوحيده وطاعته فتكفرون وتجحدون متكبرين.
وهنا في الآية الثانية (10) يقولون وهم في جهنم {ربنا} أي يا ربنا {أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين} يعنون بالموتتين الأولى وهم نطف ميتة والثانية بقبض أرواحهم عند نهاية آجالهم، ويعنون بالحياتين الأولى التي كانت لهم في الدنيا قبل موتهم والثانية التي بعد البعث، وقولهم: {فاعترفنا بذنوبنا} أي التي قارفناها في الحياة الدنيا وهي الكفر والشرك والمعاصي.
وقولهم بعد هذا الاعتذار {فهل إلى خروج من سبيل} أي فهل من طريق غلى الخروج من النار والعودة غلى الحياة الدنيا لنْصلح ما أفسدنا، ونطيع من عصينا؟ والجواب قطعاً لا سبيل إلى ذلك أبداً، وبقاؤكم في العذاب ليس ظلماً لكم وإنما هو جزاء وفاق لكم ذكر تعالى علة عذابهم بقوله: {ذلكم بأنه إذا دُعي الله وحده كفرتم} بالله وتوحيده {وإن يشرك به تؤمنوا} أي وإن يشرك بالله تؤمنوا كقولهم لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملك وما ملك وقوله فالحكم لله العلي الكبير، وقد حكم بعذابكم فلا سبيل إلى نجاتكم.
فامقتوا أنفسكم ونوحوا على أرواحكم فما ذلك بمجديكم ولا بمخفف العذاب عنكم. وقوله تعالى: {هو الذي يريكم آياته} هذا خطاب للناس في هذه الحياة الدنيا خطاب لمشركي قريش بعد أن عرض عليهم صورة صادقة حية لحالهم في جهنم يوم القيامة عاد يخاطبهم داعياً لهم غلى الإِيمان فقال هو أي المعبود بحق الله الذي يريكم آياته أي حججه ودلائل وحدانيته وقدرته على بعثكم ومجازاتكم {وينزل لكم من السماء رزقاً} من المطر وغيره. ومع ذاك البيان وهذا الإِفصال، {وما يتذكر إلا من ينيب} أي فلا يتعظ إلا من شأنه الإِنابة إلى ربه تعالى في كل شأنه.
وقوله تعالى: {فادعوا الله مخلصاً له الدين} هذا خطاب للموحدين يأمرهم تعالى بالاستمرار على توحيد الله في عباداته والاخلاص لله تعالى في كل أعمالهم، ولو كره الكافرون ذلك منهم فإنه غير ضائرهم.
وقوله تعالى: {رفيع الدرجات ذو العرش} أي هو الله ذو الدرجات الرفيعة والعرش العظيم {يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده} أي يلقي بالوحي من أمره الذي يريد إنفاذه إلى خلقه على من يشاء من عباده ممن يصطفيهم وينبئهم من اجل أن ينذروا عباده يوم التلاقي وهو يم القيامة إذ يلتقي أهل الأرض بأهل السماء والمخلوقات بخالقهم وهو قوله: {لينذر يوم التلاق يوم هم بارزون} من قبورهم لا شيء يسترهم، {لا يخفى على الله منهم شيء} وفي هذا الموقف العظيم يقول الجبار سبحانه وتعالى: {لمن الملك اليوم}؟ فلا يجيبه أحد رهبة منه وخوفاً فيُجيب نفسه بنفسه قائلا: {لله الواحد القهار. اليوم تجزى كل نفس بما كسبت} من خير وشر لتمام العدالة الإِلهية، ويؤكد ذلك قوله: {لا ظلم اليوم. إن الله سريع الحساب} ويأخذ في محاسبتهم فلا ينتصف النهار إلا وأهل الجنة في الجنة قائلون في أحسن مقيل اللهم اجعلني منهم ومن قال آمين.

.من هداية الآيات:

1- عدم جدوى الاعتذار يوم القيامة هذا فيما لو أذن للعبد أن يعتذر فلا ينفعه اعتذار.
2- تقرير التوحيد وإبطال الشرك والتنديد.
3- بيان أفضال الله على العباد إذ يريهم آياته لهدايتهم ويرزقهم وهم يكفرون به.
4- وجوب إخلاص الدعاء وسائر العبادات لله وحده ولو كره ذلك المشركون.
5- تقرير النبوة، وبيان الحكمة فيها وهي انذار الناس من عذاب يوم القيامة حيث الناس بارزون لله لا يخفى على الله منهم شيء فيحاسبهم بعلمه وعدله فلا ينقضي نهار إلا وقد استقر أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار اللهم أعذنا من نار جهنم.

.تفسير الآيات (18- 20):

{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18) يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20)}

.شرح الكلمات:

{يوم الآزفة}: أي يوم القيامة.
{إذ القلوب لدى الحناجر}: أي من شدة الخوف تكون القلوب قد ارتفعت حتى وصلت عند الحناجر.
{كاظمين}: أي لقلوبهم يريدون ردها فلم يقدروا.
{ما للظالمين من حميم}: أي ليس للمشركين من محب قريباً كان أو بعيداً.
{يعلم خائنة الأعين}: أي الله تعالى يعلم العين إذا سرقت النظر إلى محرم.
{والله يقضى بالحق}: أي الكمال قدرته وعلمه يحكم بالحق.
{والذين يدعون من دونه}: أي والذين يدعوهم مشركو قريش من أصنام لا يقضون بشيء عدلاً كان أو جوراً لأنهم اصنام لا تسمع ولا تبصر.

.معنى الآيات:

بعد بيان الموقف الصعب في عرصات القيامة في الآيات السابقة قال تعالى لرسوله {وأنذرهم} يا رسولنا أي خوف قومك {يوم الآزفة} وهي القيامة القريبة والتي قد قربت فعلاً وكل ما هو اتٍ قريب أنذرهم قربها حتى لا يوافوها بالشرك والمعاصي فيخسروا خسراناً مبيناً، أذنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب من شدة الخوف ترتفع إلى الحناجر وهم يكظمونها فلا هي تخرج فيموتوا ولا هي تعود إلى أماكنها فيستريحوا.
{ما للظالمين} وهم أهل الشرك والمعاصي {من حميم} قريب أو حبيب يدفع عنهم العذاب {ولا شفيع} يشفع لهم وتقبل شفاعته ويطاع فيها لا ذا ولا ذاك يا لفظاعة الحال وقوله تعالى: {يعلم خائنة الأعين} يخبر تعالى عن سعة علمه وواسع اطلاعه أنه يعلم خائنة الأعين وهي العين تسترق النظر إلى المحارم، ويعلم {ما تخفي الصدور} أي وما تكتمه صدور العباد وما تضمره من خير وشر، ولذا فسوف يكون الحساب دقيقا ومن نوقش الحساب عُذب. {والله يقضي بالحق} أي يحكم بالعدل، {والذين يدعون من دونه} أي والذين يعبدهم المشركون من أصنام وأوثان {ا يقضون بشيء} لأنهم لا يسمعون ولا يبصرون.
وقوله: {إنَّ الله هو السميع البصير} السميع لأقوال عباده البصير بأعمالهم وأحوالهم فلذا إذا حكم يحكم بالحق ويقدر على إنفاذ الحكم فيجزى السيئة بالسيئة والحسنة بعشر أمثالها.

.من هداية الآيات:

1- بيان هول يوم القيامة وصعوبة الموقف فيه.
2- إنعدام الحميم والشفيع للظالمين يوم القيامة.
3- بيان سعة علم الله تعالى حتى إنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
4- قضاء الله عدل وحكمه نافذ وذلك لكمال علمه وقدرته.

.تفسير الآيات (21- 22):

{أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (21) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (22)}

.شرح الكلمات:

{أو لم يسيروا في الأرض}: أي أغفل كفار قريش ولم يسيروا في الأرض.
{فينظروا}: أي بأعينهم.
{كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم}: إنها كانت دماراً وخساراً ووبالاً عليهم.
{كانوا هم أشدَّ منهم قوة وآثاراً في الأرض}: ولم يغن ذلك عنهم من الله شيئاً.
{فأخذهم الله بذنوبهم}: أي عاقبهم بذنوبهم فدمرهم وأهلكهم.
{وما كان لهم من الله من واق}: أي ولم يوجد لهم من عقاب الله من واق يقيهم منه.
{ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات}: أي بالحجج والبراهين والأدلة والمعجزات.
{فكفروا}: أي بتلك الحجج والآيات.
{فأخذهم الله}: أي لما كفروا أخذهم بكفرهم.
{إنه قوي شديد العقاب}: هذا تعليل لأخذه إيّاهم.

.معنى الآيات:

تقدم في السياق تخويف الله تعالى لمشركي قريش بعذاب الآخرة، ومبالغة في نصحهم وطلب هدايتهم خوفهم بعد عذاب الآخرة بعذاب الدنيا لعلهم يتوبون فقال: أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وآثاراً في الأرض أي أغفل هؤلاء المجاحدون المعاندون ولم يسيروا في البلاد شمالاً وجنوباً حيث ديار عاد في الجنوب وديار ثمود في الشمال فينظروا بأعينهم كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كعاد وثمود كان أولئك أشد من هؤلاء قوة وآثاراً في الأرض من حيث البناء والعمران والقدرة على الحرب والقتال، فأخذهم الله بذنوبهم أي بذنوب الشرك والتكذيب والمعاصي، ولما أخذهم لم يوجد لهم من عقاب الله وعذابه من واق يقيهم ما أنزل الله بهم وما أحله بساحتهم. فما لهؤلاء المشركين لاي تعظون ولا يعتبرون والعاقل من اعتبر بغيره.
وقوله تعالى: {ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم الله بذنوبهم} هذا تعليل لأخذ الله لأولئك الأقوام من عاد وثمود وغيرهم إذ ما أخذهم إلا بعد أن أنذرهم وأعذر إليهم فلما أصروا على الكفر والتكذيب أخذهم بذنوبهم. وقوله: {إنه قوي شديد العقاب}
تعليل أيضاً للأخذ الكامل الذي أخذهم به لعظم قوته وشدَّة عقابه.

.من هداية الآيات:

1- تقرير الحكمة القائلة: العاقل من اعتبر بعيره.
2- الأخذ بالذنوب سنة من سنن الله في الأرض لا تتبدل ولا تتحول.
3- من أراد الله عقابه لا يوجد له واق يقيه، ولا حَامٍ يحميه، ومن تاب تاب الله عليه.

.تفسير الآيات (23- 27):

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (23) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (24) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (25) وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26) وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ (27)}

.شرح الكلمات:

{بآياتنا وسلطان مبين}: أي بحججنا، وبرهان بين ظاهر.
{هامان وقارون}: هامان وزير فرعون، وقارون رجل الملايين.
{فقالوا ساحر كذاب}: أي لما رأوا آية العصا واليد البيضاء قالوا: ساحر كذاب دفعاً لقومهم حتى لا يؤمنوا به.
{فلما جاءهم بالحق من عندنا}: أي جاءهم موسى بالصدق فيما أخبرهم به من أنه رسول الله وطالبهم بإرسال بني إسرائيل معه.
{قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه}: أي اقتلوا الأولاد الذكران.
{واستحيوا نساءهم}: أي بناتهم بمعنى أتركوهن حيات.
{وما كيد الكافرين إلا في ضلال}: أي وما مكرهم غلا في خسران وضياع.
{ذروني أقتل موسى وليدع ربه}: أي دعوني واتركوني وليدع ربَّه ليمنعه مني.
{إني أخاف أن يبدل دينكم}: أي يغير عبادتكم لآلهتكم لعبادة إلهه.
{أو أن يظهر في الأرض الفساد}: بالقتل والتخريب ونحوه.
{إني عذت بربي وربكم}: أي استجرت بخالقي وخالقكم.
{من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب}: أي من كل إنسان متكبر لا يؤمن بيوم الحساب والجزاء على الأعمال.

.معنى الآيات:

بعد تلك الدعوة الربانيَّة لقريش إلى الإِيمان والتوحيد والتصديق بالبعث والجزاء، وما فيها من مظاهر لقدرة الله وعلمه وحكمته وعدله، وبعد ذلك العرض لأحوال القيامة، وبيان الجزاء لكل من الكافرين والمؤمنين فيها كأنه يُرى رأي العين، وبعد ذلك الترغيب والترهيب مما في الدنيا والآخرة والمشركون لا يزدادون إلا عُتواً وطغياناً بعد ذلك قص الله تعالى على رسوله قصة موسى مع فرعون ليُسلِّيه بها ويصبره وليعلمه أن البلاء مهما اشتد يعقبه الفرج، وأن الله ناصره على قومه كما نصر موسى على فرعون وقومه فقال تعالى: {ولقد أرسلنا} أي قلك يا رسولنا- موسى بن عمران بآياتنا أي بأدلتنا وحججنا على صدق دعوته وصحة رسالته، وسلطان مبين أي وبرهان ظاهر بيّن أرسلناه غلى فرعون وهامان وقارون فهامان وزير فرعون وقارون من ارباب الملايين وهو وإن لم يكن من آل فرعون لأنه من بني إسرائيل إلا أ، ه مالأ فرعون ووقف في صفه، فلما بلغهم موسى دعوة ربه واراهم الحجج والبراهين قالوا ساحر كذاب فرموه بقاصمتين السحر والكذب حماية لمصالحهم وخوفا من تغيير الوضع عليهم.
وقوله تعالى: {فلما جاءهم بالحق من عندنا} أي فلما جاءهم موسى بالصدق من عند الله كان رَدُّ الفعل منهم أن أمروا بقتل الذكور من أولاد الذين آمنوا معه، واستحياء بناتهم للخدمة والامتهان وهو ما أخبر تعالى به في قوله: {قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم} وقوله تعالى: {وما كيد فرعون إلا في ضلال} عام في كل كيد كافر يبطله الله تعالى ولا يضر به أولياءه وقوله تعالى: {وقال فرعون ذروني اقتل موسى} لا شك أن هذا القول الدال على طغيان فرعون كان بعد أن انهزم في ميادين عدة اراد أن يسترد بعض ما فقد ذروني أقتل موسى أي اتركوني أقتل موسى {وليدع ربه} أي ليمنعه مني، وعلل لقوله هذا بقوله إني أخاف أن يبدَّل دينكم، أي بعد أن يغلب عليكم فتدينون بدينه أو أن يظهر في الأرض الفساد بالقتل والفتن.
ورد موسى عليه السلام بما أخبر تعالى به عنه في قوله: {وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب} قال موسى هذا لما سمع مقالة فرعون التي يهدده فيها بالقتل فأعلمهم أنه قد استجار بالله وتحصن به فلا يقدر أحد على قتله، وقوله من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب، لأن من يؤمن بيوم الحساب لا يقدم على جريمة القتل وإنما يقدم عليها من لا يؤمن بحساب ولا جزاء في الدار الآخرة.

.من هداية الآيات:

1- تسلية الرسول وحمله على الصبر والتحمل وهو في أشد الظروف صعوبة.
2- عدم تورع الظلمة في كل زمان عن الكذب وتلفيق التهم للأبرياء.
3- التهديد بالقتل شنشنة الجبارين والطغاة في العالم.
4- أحسن ملاذ للمؤمن من كل خوف هو الله تعالى رب المستضعفين.