فصل: تفسير الآيات (30- 35):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (30- 35):

{وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (31) وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (34) الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35)}

.شرح الكلمات:

{وقال الذي آمن}: أي مؤمن آل فرعون.
{مثل يوم الأحزاب}: أي عذابا مثل عذاب الأحزاب وهم قوم نوح وعاد وثمود.
{مثل دأب قوم نوح}: أي مثل جزاء عادة من كفر قبلكم وهي استمرارهم على الكفر حتى الهلاك فهذا الذي أخافه عليكم.
{يوم التناد}: أي يوم القيامة وقيل فيه يوم التنادي لكثرة النداءات فيه إذْ ينادي أصحب الجنة أصحاب النار، وأصحاب النار أصحاب الجنة.
{يوم تولُّون مدبرين}: أي هاربين من النار إلى الموقف.
{ولقد جاءكم يوسف من قبل}: أي يوسف بن يعقوب الصديق بن الصديق عليهما السلام من قبل مجيء موسى إليكم اليوم.
{قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا}: أي قلتم هذا من دون دليل فبقيتم كافرين إلى اليوم.
{كذلك يضل الله من هو مسرف}: أي مثل إضلالكم هذا يضل الله من هو مسرف في الشرك والظلم.
{مرتاب}: أي شاك فيما قامت الحجج والبينات على صحته.
{يجادلون في آيات الله بغير سلطان}: أي يخاصمون في آيات الله لإِبطالها بدون سلطان أي حجة وبرهان.
{كبر مقتاً عند الله وعند الذين آمنوا}: أي كبر جدالهم بالباطل مقتا عند الله وعند الذين آمنوا.
{كذلك}: أي مثل إضلالهم الله أي يختم بالضلال على كل قلب متكبر.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم فيما دار من كلام في مجلس الحكومة، وهاهوذا مؤمن آل فرعون يتناول الكلمة فرعون الذي أعاد تقرير ما عزم عليه من قتل موسى عليه السلام فقال ما أخبر تعالى به عنه في قوله: {وقال الذي آمن} وهنا أعلن عن إيمانه الذي كان يكتمه يا قوم إني أخاف عليكم أي إن أنتم أصررتم على قتل موسى وقتلتموه {أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب} وهو اليوم الذي أخذ الله فيه قوم نوح، وعاد وثمود أي أخاف عليكم جزاء عادتهم وهي استمرارهم على الكفر والشك والتكذيب حتى حلت بهم نقمة الله ونزل بهم عذابه وواصل وعظه قائلاً، {ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين} أي فارين من النار هاربين إلى الموقف وهو يوم القيامة الذي تكثر فيه النداءات والصرخات {مالكم من الله من عاصم} يعصمكم من العذاب وينجيكم منه. وبعد هذا الوعظ البليغ قال: {ومن يضلل الله فما له من هاد} غشارة إلى أن القوم لم يتأثروا بكلامه فقال متعزياً بعلمه بتدبير الله في خلقه فقال: {ومن يضلل الله فما له من هاد} فإن من كتب الله عليه الضلالة ليصل إلى الشقاوة بكسبه فلا هادي له أبداً، إذ الله لا يهدي من يُضل ثم قال لهم مواصلا كلامه {ولقد جاءكم يوسف من قبل} أي من قبل موسى وهو يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام بالبينات والحجج الدالة على توحيد الله ووجوب طاعته، غير أنكم مع السف {ما زلتم في شك مما جاءكم به} فلم تؤمنوا ولم توقنوا {حتى إذا هلك} أي مات عليه السلام فرحتم بموته {قلتم لن يبعث الله من بعده رسولاً} متخرصين متقولين على الله بدون علم فأضلكم الله بكذبكم عليه {كذلك يضل الله من هو مسرف} في الكذب مثلكم {مرتاب} في كل شيء لا يعرف اليقين في شيء، والعياذ بالله، ثم أعلمهم أن الذين يجادلون في آيات الله يريدون إبطال الحق وإطفاء نوره بكلامهم بغير حجة لديهم ولا برهان أتاهم جدالهم ذلك أكبر مقتا أي اشد شيء يمقته الله ويبغضه من صاحبه، وكذلك عند الذين آمنوا.
وختم كلامه بقوله: {كذلك يطبع الله} أي كإضلال من هو مسرف مرتاب يطبع الله {على كل قلب متكبر} أي قلب كل إنسان متكبر على الإِيمان والطاعة متجبر متعاظم يريد إجبار الناس على مراده وما يهواه. وإلى هنا انتهى كلام الرجل المؤمن والكلمة الآن إلى فرعون الطاغية وسنقرأها في الآيات التالية بعد رؤية ما في الآيات من هداية.

.من هداية الآيات:

1- قوة الإِيمان تفجر قلب المؤمن بأنواع من المعرفة والحكمة في قوله إذا قال.
2- التذكير بالأمم الهالكة إذْ العاقل من اعتبر بغيره.
3- التخويف من عذاب الآخرة وأهوال القيامة.
4- التنديد بالإِسراف والارتياب وعدم اليقين.
5- حرمة الجدال بغير علم، وأن صاحبه عرضة لمقت المؤمنين بعد مقت الله تعالى.
6- عرضة المتكبر الجبار للطبع على قلبه ويومها يحرم الهداية فلا يُهدى ابداً.

.تفسير الآيات (36- 40):

{وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (37) وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38) يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40)}

.شرح الكلمات:

{يا هامان ابن لي صرحا}: هامان وزير فرعون والصرح البناء العالي.
{أسباب السموات}: أي طرقها الموصلة إليها.
{وإني لأظنه كاذباً}: أي وإني لأظن موسى كاذباً في زعمه أن له إلهاً غيري.
{سوء عمله}: أي قبيح عمله.
{وصد عن السبيل}: أي عن طريق الهدى.
{إلا في تباب}: أي خسار وضياع بلا فائدة تذكر.
{إنما هذه الحياة الدنيا متاع}: أي ما هذه الدنيا إلا متاع يتمتع به وقتاً ثم يزول.
{دار القرار}: أي الاستقرار والبقاء الأبدي.
{يرزقون فيها بغير حساب}: أي رزقا واسعاً بلا تبعة ولا تعقيب.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم فيما يدور من كلام بين مؤمن آل فرعون وفرعون نفسه إذ تقدم قول المؤمن وما حواه من نصح وإرشاد وها هو ذا فرعون يرد بطريق غير مباشر على ما قاله المؤمن فقال: لوزيره هامان {يا هامان ابن لي صرحا} أي بناءً عالياً {لعلي أبلغ السباب اسباب السموات فأطلع إلى إله موسى وإني لآظنه كاذباً} أي في دعواه أن له إلهاً غيري وهذا من فرعون مجرد مناورة كاذبة يريد أن يموه بها على غيره إبقاء على مركزه وقوله تعالى: {وكذلك زين لفرعون سوء عمله} أي ومثل هذا التزيين في قول فرعون زين له سوء عمله وهو أقبح ما يكون، {وصُدَّ عن السبيل} أي وصُرف عن طريق الحق والهدى، وقوله تعالى: {وما كيد فرعون} أي مكره وتدبيره لقتل موسى عليه السلام وقتل أبناء المؤمنين {إلا في تباب} أي خسار وضياع لم يتحقق منه شيء، لأن الله تعالى ولي موسى والمؤمنين فلم يمكن فرعون منهم بحال. وبعد أن أخبر تعالى عن فرعون في محاولته الفاشلة أخبر تعالى عن الرجل المؤمن وما قاله للقوم من نصح وغرشاد فقال: {وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد} أي كريق الرشد والصواب في حياتكم لتنجوا من العذاب وتفوزوا بالنعيم المقيم في الجنة. فقال: {يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع} أي لا تَعْدو كَوْنها متاعا قليلا يُتمتع به ثم يذهب سريعاً، {وإن الآخرة} أي الحياة الآخرة بعد انتهاء هذه الحياة {لهي دار القرار} أي الاستقرار والإِقامة الأبدية، فاعملوا لدار البقاء وتجافوا عن دار الفناء واعلموا أن الحساب سريع وأن {من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها} وذلك لعدالة الرب تبارك وتعالى، ومن عمل صالحاً من الأعمال الصالحة التي شرعها الله لعباده وتعبدهم بها والحال أنه مؤمن أي مصدق بالله وبوعده ووعيده يوم لقائه فأولئك أي المؤمنون العاملون للصالحات من الذكور والإِناث يدخلون الجنة دار السلام يرزقون فيها بغير حساب أي رزقاً واسعاً لا يلحق صاحبه تبعة ولا تعب ولا نصب.

.من هداية الآيات:

1- التحذير من تزيين الأعمال القبيحة نتيجة الإِدمان عليها والاستمرار على فعلها فإن من زُينت له أعماله السيئة فأصبح يراها حسنة هلك والعياذ بالله.
2- التحذير من الاغترار بالدنيا والغفلة من الآخرة إذ الأولى زائلة والآخرة باقية واختبار الباقي على الفاني من شأن العقلاء.
3- مشروعية التذكير بالحساب والجزاء وما يتم في الدار الآخرة من سعادة وشقاء.

.تفسير الآيات (41- 46):

{وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43) فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)}

.شرح الكلمات:

{أدعوكم إلى النجاة}: أي من الخسران في الدنيا والآخرة، وذلك بالإِيمان والعمل الصالح.
{وتدعونني إلى النار}: أي إلى عذاب النار وذلك بالكفر والشرك بالله تعالى.
{ما ليس لي به علم}: أي لا علم لي بصحة إشراكه في عبادة الله تعالى.
{وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار}: أي وأنا أدعوكم إلى الإيمان وعبادة الله العزيز أي الغالب على أمره الغفار لذنوب التائبين من عبادة المؤمنين به.
{لا جرم أن ما تدعونني إليه}: أي حقا أن ما تدعونني إلى الإيمان به وبعبادته.
{لي له دعوة في الدنيا والآخرة}: أي ليس له دعوة حق إلى عبادته، ولا دعوة استجابة بأن يستجيب لمن دعاة لا في الدنيا ولا في الآخرة.
{وأن المسرفين هم اصحاب النار}: أي وأن المسرفين في الكفر والشرك والمعاصي هم أهل النار الواجبة لهم.
{فوقاه الله سيئات ما مكروا}: أي فحفظه الله من مكرهم به ليقتلوه.
{وحاق بآل فرعون سوء العذاب}: أي عذاب الغرق إذ غرق فرعون وجنده أجمعون.
{النار يعرضون عليها غدوا وعشيا}: أي أن سوء العذاب هو النار يعرضون عليها صباحا ومساء وذلك أن أرواحهم في أجواف طير سود تعرض على النار كل يوم مرتين.
{ويوم القيامة ادخلوا آل فرعون}: أي ويوم القيامة يقال أدخلوا آل فرعون أشد العذاب.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في ذكر نصائح وارشاد مؤمن آل فرعون فقد قال ما أخبر به تعالى عنه في قوله: {ويا قوم مالي أدعوكم إلى النجاة} أي من النار وذلك بالإيمان والعمل الصالح مع ترك الشرك والمعاصي {وتدعونني إلى النار} وذلك بدعوتكم لي إلى الشرك والكفر تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم أي مالا علم لي بصحة إشراكه في عبادة الله تعالى. وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار أي لتؤمنوا به وتعبدوه وحده ولا تشركوا معه غيره أدعوكم إلى العزيز أي الغالب الذي لا يُغلب الغفار لذنوب التائبين من عباده مهمات كانت، وأنتم تدعونني إلى أذل شيء وأحقره لا ينفع ولا يضر لأنه لا يسمع ولا يبصر. لا جرم أي حقا أن ما تدعونني إليه لأومن به وأعبده ليس له دعوة حق يدعى بها إليه، ولا دعوة استجابة فإنه لا يستجيب لي دعاء أبداً لا في الدنيا ولا في الآخرة. وشيء آخر يا قوم وهو أن مردنا إلى الله أي لا محالة ترجع إليه فالواجب أن نؤمن به ونعبده ونوحده ما دام رجوعنا إليه، وآخر وهو {أن المسرفين هم اصحاب النار} المسرفين الذين أسرفوا في الكفر والشرك والمعاصي فتجاوزوا الحد في ذلك هم اصحاب النار أي أهلها الذين لا يفارقونها ولا تفارقهم.
وقوله: {فستذكرون ما أقول لكم} يبدو أنه قال هذا القول لما رفضوا دعوته وهموا بقتله ويدل عليه قوله: {وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد}.
وقوله تعالى: {فوقاه الله سيئات ما مكروا} أي حفظه الله تعالى من مكرهم به ليقتلوه فنجاه الله تعالى إذ هرب منهم فبعث فرعون رجالاً في طلبه فلم يقدروا عليه ونجا مع موسى وبني إسرائيل وقوله: {وحاق بآل فرعون سوء العذاب} وذلك بأن أغرقهم الله في البحر أجميعن.
وقوله: {النار يعرضون عليها} إخبار بأن أرواح آل فرعون تعرض في البرزخ على النار غدواً وعشياً وذلك بأن تكون في أجواف طير سود على خلاف أرواح المؤمنين فإنها تكون في أجواب طير خضر ترعى في الجنة. إلى يوم القيامة.
ويوم تقوم الساعة يقال أدخلوا آل فرعون أشد العذاب وهو عذاب جهنم والعياذ بالله.

.من هداية الآيات:

1- بيان الفرق الكبير بين من يدعو إلى النجاة وبين من يدعو إلى النار، بين من يدعو إلى العزيز الغفار ليؤمن به ويُعبد وبين من يدعو إلى أوثان لا تسمع ولا تبصر وهي أحقر شيء وأذله في الحياة، وبين من يدعو من لا يستجيب له في الدنيا والآخرة وبين من يدعو من يستجيب له في الدنيا والآخرة.
2- التنديد بالإِسراف وفي كل شيء.
3- نعم ما ختم به مؤمن آل فرعون وعظه ونصحه لقومه وهي فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد.
4- إثبات عذاب القبر ونعيمه إذ آل فرعون تعرض أرواحهم على النار صباح مساء.

.تفسير الآيات (47- 52):

{وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ (47) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (48) وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49) قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (50) إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52)}

.شرح الكلمات:

{وإذ يتحاجون في النار}: أي وانذرهم يوم الآزفة وإذ يتحاجون في النار أي يتخاصمون.
{فيقول الضعفاء}: أي الاتباع الضعفاء الذين اتبعوا الأغنياء والأقوياء في الشرك.
{إنا كنا لكم تبعا}: أي تابعين لكم فيما كنتم تعتقدونه وتفعلونه.
{فهل أنتم مغنون عنا نصيباً من النار}: أي فهل تدفعون عنا شيئاً من النار.
{إن الله قد حكم بين العباد}: فلا مراجعة ابداً فقد حكم لأهل الإِيمان والتقوى بالجنة فهم في الجنة ولأهل الشرك والمعاصي بالنار فهم في النار.
{لخزنة جهنم}: أي جمع خازن وهو الموكل بالنار وأهلها.
{يخفف عنا يوما من العذاب}: أي قدر يوم من أيام الدنيا إذ الآخرة يوم واحد لا ليل له.
{إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا}: أي بأن نظهر دينهم، أو نهلك قومهم {في الحياة الدنيا} وننجيهم من الهلاك.
{ويوم يقوم الاشهاد}: أي وتنصرهم يوم يقوم الأشهاد وهم الملائكة يشهدون للرسل بالبلاغ.
{لهم اللعنة ولهم سوء الدار}: أي ولهم اللعنة أي البعد من الرحمة ولهم سوء الدار أي الآخرة أي شدة عذابها.

.معنى الآيات:

هذا عرض آخر للنار وما يجرى فيها بعد العرض الذي كان لآل فرعون في النار يعرض على كفار قريش ليشاهدوا مصيرهم من خلاله إذا لم يتوبوا إلى الله من الكفر والتكذيب والشرك تضمّنته ستة آيات قال تعالى: {وإذ يتحاجًّون في النار} أي وأنذرهم واذكر لهم إذْ يتحاجون في النار أي يتخاصمون فيها فيقول الضعفاء الأتباع الذين كانوا يتبعون أغنياء وأقوياء البلاد طمعا فيهم وخوفا منهم. قالوا للذين استكبروا بقوتهم عن الإِيمان ومتابعة الرسل، إنا كنا لكم تبعاً أي تابعين، فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار؟ أي فهل في إمكانكم أن تخففوا عنا حظا من عذاب النار؟ فأجابوهم قائلين بما أخبر تعالى به عنهم في قوله: {قال الذين استكبروا إنا كل فيها} أي نحن وأنتم إن الله قد حكم بين العباد فقضى بالجنة لأهل الإِيمان والتقوى، وبالنار لأهل الشرك والمعاصي هذه كانت خصومة الأتباع من المتبوعين ولم تنته إلى طائل إلا زيادة الحسرة والغم والهم. وقوله تعالى: {وقال الذين في النار لخزنة جهنم} وهم الملائكة المكلفون بالنار وعذابها قالوا لهم {ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب} أي مقدار يوم من ايام الدنيا إذْ الآخرة لا ليل فيها وإنما هي يوم واحد. فردت عليهم الملائكة قائلة بما أخبر تعالى به عنهم في قوله: {قالوا أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات} أي أتقولون ادعوا لنا ربكم ليخفف عنكم العذاب أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات أي بالحجج الظاهرة الدالة على وجوب الإِيمان والتقوى بترك الشرك والمعاصي. قالوا بلى أي اعترفوا فقالت لهم الملائكة إذاً فادعوا أنتم ربكم ولكن لا يستجاب لكم إذ ما دعاء الكافرين إلا في ضلال فلا يستجاب له أبداً وقوله تعالى: {إنا لننصر رسلنا} تقرير لحقيقة عظمى، وهي أن من سنة الله في رسله أنه ينصرهم بانتصار دينهم وما يهدون ويدعون إليه، وإن طال الزمن واشتدت الفتن والمحن، أو بإِهلاك أممهم المكذبة لهم وإنجائهم والمؤمنين معهم قال تعالى: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا} وقوله: {ويوم يقوم الأشهاد} أي وينصرهم في الآخرة يوم يقوم الأشهاد وهم الملائكة يشهدون الرسل بالبلاغ وعلى الكافرين بالتكذيب.
وقوله: {يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم} إذا أذن لهم في الاعتذار لا تقبل معذرتهم {ولهم اللعنة} أي البعد من الرحمة والجنة {ولهم سوء الدار} الآخرة وهو أشد عذابها.

.من هداية الآيات:

1- بيان تخاصم أهل النار وهو ما يتم من خصومة بين الأتباع والمتبوعين.
2- التنديد بالكبر والاستكبار إذ الكبر عائق عن الطاعة والاستقامة.
3- عدم استجابة دعاء الكافر في الدنيا والآخرة إلا ما شاء الله.
4- عدم قبول المعذرة يوم القيامة.
5- عدم استجابة الدعاء في النار.
6- بيان وعد الله لرسله والمؤمنين وهو أنه ينصرهم بأحد أمرين الأول أن ينصر دينهم ويظهره ويقرره وإن طال الزمن، والثاني أن يهلك عدوهم وينجيهم.

.تفسير الآيات (53- 57):

{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ (53) هُدًى وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (54) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (55) إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56) لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (57)}

.شرح الكلمات:

{ولقد آتينا موسى الهدى}: أي أعطينا موسى بني إسرائيل المعجزات والتوراة.
{وأورثنا بني إسرائيل}: أي أبقينا فيهم التوراة كتاب الهداية الإِلهية يهتدون به في ظلمات الحياة ويذكرون به الله في تراكم النسيان.
{واصبر إن وعد الله حق}: أي واصبر يا محمد على ما تلاقي من قومك إن وعد الله بنصرك حق.
{واستغفر لذنبك}: ليقتدي بك في ذلك ولزيادة طهارة لروحك وتزكية لنفسك.
{وسبح بحمد ربك}: أي نزه ربك وقدسهُ بالصلاة والذكر والتسبيح فيها وخارجها.
{بالعشي والإِبكار}: بالمساء وأول النهار أي في أوقات الصلوات الخمس كلها.
{إن في صدورهم إلا كبر}: أي ما في صدورهم إلا كبر حملهم على الجدال في الحق، لا أن لهم علماً يجادلون به، وإنما حبهم العلو والغلبة حملهم على ذلك.
{فاستعذ بالله}: أي استعذ من شرهم بالله السميع لأقوالهم العليم بأعمالهم ونياتهم وأحوالهم.
{لخلق السموات والأرض}: أي لخلق السموات والأرض ابتداء ولأول مرة.
{أكبر من خلق الناس}: أي أعظم من خلق الناس مرة أخرى بعد الأولى.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {ولقد آتينا موسى الهدى} الآية شروع في تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم عما يلاقي من قومه فأعلمه تعالى أنه قد سبق أن أرسل موسى وآتاه الكتاب الذي هو التوراة وأورثه في بني إسرائيل هدى أي هاديا لهم في ظلمات الحياة إلى الحق والدين الصحيح الذي هو الإِسلام وذكرى لأولى الألباب أي يذكر به أولوا العقول، ولاقى موسى من قومه أشد مما لاقيت إذاً فاصبر على ما تعانيه من قريش وأن العاقبة لك فإن وعد الله حق وقد قال إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد أي يوم القيامة.
وقوله: {واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإِبكار} أرشده غلى مقومات الصبر والموفرات له وهي ذكر الله تعالى بالاتسغفار والدعاء والصلاة والتسبيح فيها وخارجها. فأعظم عون على الصبر الصلاة فلذا كان صلى الله عليه وسلم إذا حز به أمر فَزِعَ إلى الصلاة وقوله: {إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان} أي حجة من علم إلهي أتاهم بطريق الوحي إن في صدورهم أي ما في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه أي لا يصلون إليه بحال وهو الرئاسة عليك والتحكم فيك وفي اصحابك. وعليه فاستعذ بالله من شرهم ومن مكرهم إنه تعالى هو السميع لأقوالهم البصير بأحوالهم وأعمالهم، وسوف لا يمكن لهم منك أبداً لقدرته وعلمه وعجزهم وجهلهم.
وقوله تعالى: {خلق السموات والأرض} هذا رد على منكري البعث والجزاء الآخر فلما قالوا أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون.. قال تعالى: وعزتنا وجلالنا لخلق السموات والأرض ابتداء من غير مثال سابق ولا مادة قائمة موجودة أكبر من خلق الناس مرة أخرى بعد خلقهم المرة الأولى، ولكن أكثر الناس لا يعلمون هذه الحقائق العلمية لجهلهم وبعدهم عن العقليات لما عليهم من طابع البداوة وإلا فإعادة الشيء أهون من بدئه عقلا فليس الاختراع كالإصلاح للمخترع إذا فسد.

.من هداية الآيات:

1- بيان منة الله تعالى على موسى وبني إسرائيل تتكرر لمحمد صلى الله عليه وسلم أمته بإنزال الكتاب وتوريثه فيهم هدى وذكرى لأولى الألباب.
2- وجوب الصبر والتحمل في ذات الله، والاستعانة على ذلك بالاستغفار والذكر والصلاة.
3- أكثر ما يجادل بالباطل ليزيل به الحق إنما يجادل من كبر يريد الوصول إليه وهو التعالي والغلبة والقهر للآخرين.
4- تقرير عقيدة البعث بالبرهان العقلي، وهو أن البدء أصعب من الإِعادة ومن أبدأ أعاد، ولا نصب ولا تعب!!