فصل: تفسير الآيات (58- 63):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (58- 63):

{وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ (58) إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (59) وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60) اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (61) ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (62) كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (63)}

.شرح الكلمات:

{وما يستوي الأعمى والبصير}: لا يستويان فكذلك الكافر والمؤمن لا يستويان.
{والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء}: لا يستويان أيضا فكذلك لا يستوي الموقن والشاك.
{قليلاً ما تتذكرون}: أي ما يتذكرون إلا تذكرا قليلا والتذكر الاتعاظ.
{إن الساعة لآتية}: أي إن ساعة نهاية هذه الحياة وإقبال الأخرى جائية لا شك فيها.
{إن الذين يستكبرون عن عبادتي}: أي عن دعائي.
{سيدخلون جهنم داخرين}: أي صاغرين ذليلين.
{لتسكنوا فيه}: أي لتنقطعوا عن الحركة فتستريحوا.
{والنهار مبصراً}: أي مضيئا لتتمكنوا فيه من الحركة والعمل.
{ولكن أكثر الناس لا يشكرون}: أي الله تعالى بحمده والثناء عليه وطاعته.
{ذلكم الله ربكم}: أي ذلكم الذي أمركم بدعائه ووعدكم بالاستجابة الذي جعل لكم الليل والنهار وأنعم عليكم بجلائل النعم الله ربكم الذي لا إله لكم غيره ولا رب لكم سواه.
{فأنى تؤفكون}: أي كيف تصرفون عنه وهو ربكم وإلهكم الحق إلى أوثان وأصنام لا تسمع ولا تبصر.
{كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات يجحدون}: أي كما صرف أولئك عن الإِيمان والتوحيد الله يصرف الذين يجحدون بآيات الله يصرفون عن الحق.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في دعوة قريش إلى الإِيمان والتوحيد، فقوله تعالى: {وما يستوي} أي في حكم العقلاء {الأعمى} الذي لا يبصر شيئاً والبصير الذي يبصر كل شيء يقع عليه بصره فكذلك لا يستوي المؤمن السميع المبصر، والكافر الأعمى عن الدلائل والبراهين فلا يرى منها شيئاً الأصم الذي لا يسمع نداء الحق والخير، ولا كلمات الهدى والرشاد. كما لا يستوي في حكم العقلاء المحسن المؤمن العامل للصالحات، والمسيء الكافر والعامل للسيئات، وإذا كان الأمر كما قررنا فلم لا يتعظ القوم به ولا يتوبون إنهم لظلمة نفوسهم {قليلاً ما يتذكرون} أي لا يتعظون إلا نادراً.
وقوله تعالى: {إن الساعة لآتية} يخبر تعالى أن الساعة التي كذب بها المكذبون ليستمروا على الباطل والشر فعلا واعتقاداً لآتية حتماً، {ولكن أكثر الناس لا يؤمنون} بها لوجود صارف قوي وهو عدم تذكرهم، وانكبابهم على قضاء شهواتهم.
وقوله تعالى: {وقال ربكم ادعوني استجب لكم}. إنه لما قرر ربوبيته تعالى وأصبح لا محالة من الاعتراف بها قال لهم: {وقال ربكم ادعوني استجب لكم} أي سلوني أعطكم وأطيعوني أثبكم فأنتم عبادي وأنا ربكم. ثم قال لهم: {إن الذين يستكبرون عن عبادتي} ودعائي فلا يعبدونني ولا يدعونني سوف أذلهم وأهينهم وأعذبهم جزاء استكبارهم وكفرهم وهو معنى قوله: {سيدخلون جهنم داخرين} أو صاغرين ذليلين يعذبون بها أبداً.
وفي الآية (61) عرَّفهم تعالى بنفسه ليعرفوه فيؤمنوا به ويعبدوه ويوحدوه، ويكفروا بما سواه من مخلوقاته فقال: {الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه} أي جعله مظلما لتنقطعوا فيه عن الحركة والعمل فتستريحوا {والنهار مبصراً} أي وجعل لكم النهار مبصراً أي مضيئاً يمكنكم التحرك فيه والعمل والتصرف في قضاء حاجاتكم، وليس هذا من إفضال الله عليكم بل إفضاله وإنعامه أكثر من أن يذكر وقرر ذلك بقوله: {وإن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون} الله على إفضاله وإنعامه عليهم فلا يعترفون بإنعامه ولا يحمدونه بألسنتهم ولا يطيعونه بجوارحهم، وذلك لاستيلاء الشيطان والغفلة عليهم ثم واصل تعريف نفسه لهم ليؤمنوا به بعد معرفته ويكفروا بالآلهة العمياء الصماء التي هم عاكفون عليها صباح مساء فقال جل من قائل: {ذلكم الله ربكم} الذي عرفكم بنفسه {خالق كل شيء لا إله إلا هو} أي لا معبود بحق غلا هو.
وقوله: {فأنى تؤفكون} أي كيف تصرفون عنه وهو ربكم والمنعم عليكم، إلى أوثان وأصنام لا تنفعكم ولا تضركم. فسبحان الله كيف تؤفكون كذلك يؤفك أي كانصرافكم أنتم عن الإِيمان والتوحيد مع وفرة الأدلة وقوة الحجج يصرف أيضا الذين كانوا بآيات الله يجحدون في كل زمان ومكان لأن الآيات الإِلهية حجج وبراهين فالمكذب بها سيكذب بكل شيء حتى بنفسه والعياذ بالله تعالى.

.من هداية الآيات:

1- بيان حقيقة وهي أن الضِّدين لا يجتمعان فالكفر والإِيمان، والاحسان والإِساءة والعمى والبصر والصمم والسمع هذه كلها لا تستوي بعضها ببعض فمحاولة الجمع بينها محاولة باطلة ولا تنبغي.
2- قرب الساعة مع تحتم مجيئها والأدلة على ذلك العقلية والنقلية كثيرة جداً.
3- فضل الدعاء وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله.
وللدعاء المستجاب شروط منها: أن يكون القلب متعلقا بالله معرضا عما سواه وأن لا يسأل ما فيه إثم، ولا يعتدي في الدعاء فيسأل ما لم تجر سنة الله به كأن يسأل أن يري الجنة يقظة أو أن يعود شاباً وهو شيخ كبيرا أو أن يرزق الولد وهو لا يتزوج.
4- الدعاء هو العبادة ولذا من دعا غير الله فقد اشرك بالله.
5- بيان إنعام الله وإفضاله والمطالبة بشكر الله تعالى بحمده والثناء عليه وبطاعته بفعل محابه وترك مكارهه.