فصل: تفسير الآيات (40- 42):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (40- 42):

{إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)}

.شرح الكلمات:

{يلحدون في آياتنا}: أي يجادلون فيها ويميلون بها فيؤلونها على غير تأويلها لابطال حق أو إحقاق باطل.
{لا يخفون علينا}: أي إنهم مكشوفون أمامنا وسوف نبطش بهم جزاء إلحادهم.
{أم من يأتي آمنا يوم القيامة}: أي نعم الذي يأتي آمناً يوم القيامة خير ممن يلقى في النار.
{اعملوا ما شئتم}: هذا تهديد لهم على إلحادهم وليس إذناً لهم في العمل كما شاءوا.
{إن الذين كفروا بالذكر}: أي جحدوا بالقرآن أو الحدوا فيه فكفروا بذلك.
{وإنه لكتاب عزيز}: أي القرآن لكتاب عزيز أي منيع لا يقْدَر على الزيادة فيه ولا النقص منه.
{لا يأتيه الباطل من بين يديه}: أي لا يقدر شيطان من الجن والإِنس أن يزيد فيه شيئاً وهذا معنى من بين يديه.
{ولا من خلفه}: أي ولا يقدر شيطان منالجن ولا من الإِنس أن ينقص منه شيئاً وهذا معنى من خلفه، كما أنه ليس قبله كتاب ينتقصه، ولا بعده كتاب ينسخه، فهو كله حق وصدق ليس فيه مالا يطابق الواقع.

.معنى الآيات:

يتوعد الجبار عز وجل الذين يلحدون في آيات كتابه بالتحريف والتبديل والتغيير بأنهم لا يخفون عليه، وأنه سينزل بهم نقمته إن لم يكفوا عن إلحادهم.
وقوله: {أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمناً يوم القيامة} إذا كان لا يوجد عاقل يقول الذي يلقى في النار خير ممن يأتي آمناً يوم القيامة فالإِلقاء في النار سببه الكفر والإِلْحاد والباطل فليترك هذه من أراد النجاة من النار، والأمن يوم القيامة من كل خوف من النار وغيرها سببه الإِيمان والتوحيد فليؤمن ويوحد الله تعالى في عبادته ولا يلحد في آياته من اراد الأمن يوم القيامة بعلمه أنه خير من الإِلقاء في النار. هذا أسلوب في الدعوة عجيب انفرد به القرآن الكريم.
وقوله تعالى: {اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير} هذا الكلام للمستهترين بالأحكام الشرعية المستخفين بها فهو تهديد لهم وليس إذناً وغباحة لهم أن يفعلوا ما شاءوا من الباطل والشرك والشر، ويدل على التهديد قوله بعد إنه بما تعملون بصير.
ومثله قوله أن الذين كفروا بالذكر أي القرآن، وإنه لكتاب عزيز أي منيع بعيد المنال لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه بالزيادة والنقصان أو التبديل والتغيير.
ولما كان المراد من هذا الكلام التهديد سكت عن الخبر إذ هو أظهر من أن يذكر والعبارة قد تقصر عن أدائه بالصورة الواقعة له. وقد يقدر لنفعلن بهم كذا وكذا.
وقوله تنزيل من حيكم حميد أي القرآن المنيع كما له وشرفه وومناعته أتته أنه تنزيل من حكيم في أفعاله وسائر تصرفاته حميد بذلك وبغيره من فواضله وآلائه ونعمه.

.من هداية الآيات:

1- حرمة الإِلحاد في آيات الله بالميل بها عن القصد والخروج بها إلى الباطل.
2- التهديد الشديد لكل من يحرف آيات الله أو يُؤَوِّلها على غير مراد الله منها.
3- تقرير مناعة القرآن وحفظ الله تعالى له، وأنه لا يدخله النقص ولا الزيادة إلى أن يرفعه الله إليه إذ منه بدأ وإليه يعود.

.تفسير الآيات (43- 46):

{مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ (43) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (45) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46)}

.شرح الكلمات:

{ما يقال لك}: أي من التكذيب أيها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
{إلا ما قد قيل للرسل من قبلك}: أي من التكذيب لهم والكذب عليهم.
{ان ربك لذو مغفرة}: أي ذو مغفرة واسعة تشمل كل تائب إليه صادق في توبته.
{وذو عقاب أليم}: أي معاقبة شديدة ذات ألم موجع للمصرين على الكفر والباطل.
{ولو جعلناه قرءآنا أعجميا}: أي القرآن كما اقترحوا إذ قالوا: هلا أنزل القرآن بلغة العجم.
{لقالوا لولا فصلت آياته}: أي بينت حتى نفهمها.
{أأعجمي وعربي}: أي أقرآن أعجمي والمنزل عليه وهو النبي عربي يستنكرون ذلك تعنتاً منهم وعناداً ومجاحدة.
{هدى وشفاء}: أي هدى من الضلالة، وشفاء من داء الجهل وما يسببه من أمراض.
{والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر}: أي ثقل فهم لا يسمعونه هو عليهم عمى فلا يفهمونه.
{أولئك ينادون من مكان بعيد}: والمنادي من مكان بعيد لا يسمع ولا يفهم ما ينادي له.
{ولقد آتينا موسى الكتاب}: أي التوراة.
{فاختلف فيه}: أي بالتصديق والتكذيب وفي العمل ببعض ما فيه وترك البعض الآخر كما هي الحال في القرآن الكريم.
{ولولا لكمة سبقت من ربك}: أي ولولا الوعد بجمع الناس ليوم القيامة وحسابهم ومجازاتهم هناك.
{لقضي بينهم}: أي لحكم بين المختلفين اليوم وأُكرم الصادقون وأُهين الكاذبون.
{وما ربك بظلام للعبيد}: أي وليس ربك يا رسولنا بذي ظلم للعبيد.

.معنى الآيات:

بعد توالي الآيات الهادية من الضلالة الموجبة للإِيمان كفار قريش لا يزيدهم ذلك إلا عناداً وإصراراً على تكذيب الرسول والكفر به وبما جاء به من عند ربه، ولما كان الرسول بشراً يحتاج غلى عون حتى يصبر أنزل تعالى هذه الآيات في تسليته صلى الله عليه وسلم وحمله على الثبات والصبر فقال تعالى: {ما يقال لك} يا رسولنا من الكذب عليك والتكذيب لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك.
وقوله تعالى: {إن ربك لذو مغفرة} أي لمن تاب فلذا لا يتعجل بإهلاك المكذبين رجاء أن يتوبوا ويؤمنوا ويوحدوا، وذو عقاب أليم أي موجع شديد لمن مات على كفره.
وقوله تعالى: {ولو جعلناه قرآنا أعجمياً} أي كما اقترح بعض المشركين، {لقالوا لولا فصلت آياته} أي هلاَّ بُينت لنا حتى نفهمها، ثم قالوا: {أأعجمي وعربي} أي أقرآناً عجمي ونبي عربي مُسْتَنكِرِينَ ذلك متعجبين منه وكل هذا من أجل الإِصرار على عدم الإِيمان بالقرآن الكريم والنبي الكريم وتوحيد الرب الكريم.
ولما علم تعالى ذلك منهم أمر رسوله أن يقول لهم {قل هو} أي القرآن الكريم {هدى وشفاء} هدى يهتدي به إلى سبل السعادة والكمال والنجاح، وشفاء من أمراض الشك والشرك والنفاق والعجب والرياء والحسد والكبر، والذين لا يؤمنون بالله رباً وبالإِسلام ديناً وبمحمد رسولاً هو أي القرآن في آذانهم وقر أي حمل ثقيل أولئك ينادون من مكان بعيد ولذا فهم لا يسمعون ولا يفهمون.
هذه تسلية وأخرى في قوله تعالى: {ولقد آتينا موسى الكتاب} أي التوراة فاختلفوا فيه فمنهم المصدق ومنهم المكذب، ومنهم العامل بما فيه المطبق ومنهم المعرض عنه المتبع لهواه وشيطانه الذي أغواه وقوله تعالى: {ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم} فيما اختلفوا فيه لحكم لأهل الصدق بالنجاة وأهل الكذب بالهلاك والخسران وقوله: {وإنهم لفي شك منه} أي من القرآن مريب أي موقع في الريبة وذلك من جراء محادته والمعاندة والمجاحدة، وقوله: {من عمل صالحاً فلنفسه} وهذه تسلية أعظم فإن من عمل صالحاً في حياته بعد الإِيمان فإن جزاءه قاصر عليه ينتفع به دون سواه، {ومن أساء} أي عمل السوء وهو ما يسوء النفس من الذنوب والآثام فعلى نفسه عائد سوءه الذي عمله ولا يعود على غيره، وأُخرى في قوله تعالى: {وما ربك بظلام للعبيد} أي ليس هو تعالى بذي ظلم لعباده. فقوله تعالى: {من عمل صالحاً فلنفسه} عائد ذلك ومن أساء فعليها أي عائد الإِساءة إن فيه لتسلية لكل من أراد أن يتسلى ويصبر.

.من هداية الآيات:

1- تسلية الرسول أي حمله على الصبر والسلوان ليواصل دعوته إلى نهايتها.
2- بيان مدى ما كان عليه المشركون من التكذيب للرسول والمعاندة والمجاحدة.
3- القرآن دواء وشفاء لأهل الإِيمان، وأهل الكفر فهم على العكس من أهل الإِيمان.
4- بيان سنة الله في الأمم السابقة في اختلافها على أنبيائها وما جاءتها به من الهدى والنور.
5- قوله تعالى: {من عمل صالحاً فلنسفه ومن أساء فعليها} أجرى مجرى المثل عند العالمين.
6- نفي الظلم عن الله مطلقاً.

.تفسير الآيات (47- 48):

{إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (47) وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (48)}

.شرح الكلمات:

{إليه يرد علم الساعة}: أي إلى الله يرد علم الساعة أي متى تقوم إذ لا يعلمها إلا هو.
{وما تخرج من ثمرات من أكمامها}: أي من أوعيتها واحد الإِكمام كِمّ وكم الثوب مخرج اليد.
{وما تحمل من أنثى}: أي من أي جنس كان إنساناً أو حيواناً.
{ولا تضع إلا بعلمه}: أي ولا تضع حملها إلا ملابساً بعلم الله تعالى المحيط بكل شيء.
{قالوا آذنَّاك}: أي أعلمناك الآن.
{مامنا من شهيد}: أي ليس منا من يشهد بان لك شريكاً أبداً.
{وظنوا ما لهم من محيص}: أي أيقنوا انه مالهم من مهرب من العذاب.

.معنى الآيتين:

يخبر تعالى ان علم الغيب قد انحصر فيه فليس لأحد من خلقه علم الغيب وخاصة علم الاعة أي علم قيامها متى تقوم؟ كما أخبر عن واسع علمه وانه محيط بكل الكائنات فما تخرج من ثمرة من كمها وعائها وتظهر منه إلا يعلمها على كثرة الثمار والأشجار ذات الأكمام، وما تحمل من انثى بِجَنِين ولا تضعه يوم ولادته أو إسقاطه إلا يعلمه أي يتم ذلك بحسب علمه تعالى وإذنه، وهذه مظاهر الربوبية المستلزمة للألوهية فلا إله غيره ولا رب سواه، ومع هذا فالجاهلون يتخذون له شركاء أنداداً من أحجار وأوثان يعبدونها معه ظلماً وسفهاً. ويوم يناديهم وذلك في يوم القيامة أي شركائي؟ أي الذين كنتم تزعمون أنهم شركاء لى، فيتبرءون منهم ويقولون: آذناك أعلمناك الآن أنه مامنا من شهيد يشهد بأن لك شريكا إنه لا شريك لك وضل عنهم أي غاب عنهم ما كانوا يدعون من قبل في الدنيا، وظنوا أيقنوا مالهم مالهم من محيص أي مهرب من عذاب الله.

.من هداية الآيات:

1- استئثار الله تعالى بِعِلْم الغيب وخاصة علم متى تقوم الساعة.
2- إحاطة علم الله تعالى بكل شيء فما تخرج من ثمرة من أوعيتها ولا تحمل من أُنثى ولا تضع حملها إلا بعلم الله تعالى وإذنه.
3- براءة المشركين يوم القيامة من شركهم، وغياب شركائهم عنهم.

.تفسير الآيات (49- 51):

{لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (49) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (50) وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (51)}

.شرح الكلمات:

{لا يسأم الإِنسان من دعاء الخير}: ألا لا يمل ولا يكل من سؤال طلب المال والصحة والعافية.
{وإن مسه الشر فيئوس قنوط}: أي المرض والفقر وغيرهما فيئوس من رحمة الله قنوط ظاهر عليه الياس.
{من بعد ضراء مسته}: أي من بعد شدة أصابته وبلاء نزل به.
{ليقولن هذا لى}: أي استحققته بعملى ومما لى من مكانة.
{وما أظن الساعة قائمة}: أي ينكر البعث ويقول: ما أظن الساعة قائمة.
{إن لى عنده للحسنى}: أي وعلى فرض صحة ما قالت الرسل من البعث ان لى عند الله الجنة.
{أعرض ونأى بجانبه}: أي أَعرض عن الشكر ونأى بجانبه متبختراً مختالاً في مشيته.
{فذو دعاء عريض}: أي فهو ذو دعاء لربه طويل عريض يا رباه يا رباه.

.معنى الآيات:

يخبر تعالى عن الإِنسان الكافر الذي لم تزك نفسه ولم تطهر روحه بالإِيمان وصالح الأعمال انه لا يسأم ولا يمل من دعاء الخير أي المال والولد والصحة والعافية فلا يشبع من ذلك بحال.
ولئن مسه الشر من ضر وفقر ونحوهما فهو يئوس قنوط يؤوس من الفرج وتبدل الحال من عسر غلى يسر قنوط ظاهر عليه آثار الياس في منطقة وفي حاله كله هذا ما تضمنته الآية الأولى (49): {لا يسأم الإِنسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيئوس قنوط} وأما الآية (50) فإن الله تعالى يخبر أيضا عن الإِنسان الكافر إذا أذاقه الله رحمة منه من مال وصحة واجتماع شمل مثلا، وذلك من بعد ضراء مسته من مرض وفقر ونحوهم ليقولون لجهله وسفهه: هذا لى أي استحققته بمالى من جهد ومكانه وعلم وإذا ذكر بالساعة من أجل أن يرفق أو يتصدق يقول ما أظن الساعة قائمة كما تقولون وإن قامت على فرض صحة قولكم إن لى عنده أي عند الله للحسنى أي للحالة الحسنى من غنى وغيره وجنة إن كانت كما تقولون.
وقوله تعالى: {فلننبئن الذين كفروا بما عملوا} أي يوم القيامة عند عرضهم علينا، ولنذيقهم من عذاب غليظ يخلدون فيه لا يخرجون منه أبداً.
وقوله تعالى في الآية الأخيرة (51) وإذا انعمنا على الإنسان بنعمة المال والولد والصحة أعرض عن ذكرنا وشكرنا وتخلى عن طاعتنا ونأى بجانبه متباعداً متبختراً مختالا يكاد يضاهى الطاووس في مشيته. وإذا سلبناه ذلك ومسه الشر من مرض وفقر وجهد وبلاء فهو ذو دعاء عريض لنا يا رب يا رب يا رب. هذا ليس الرجل الأول الذي يياس ويقنط، ذاك كافر، وهذا مؤمن ضعيف الإِيمان جاهل لا أدب عنده ولا خلق. وما أكثر هذا النوع من الرجال في المسلمين اليوم والعياذ بالله تعالى فالأول عائد غلى ظلمة نفسه بالكفر، وهذا عائد غلى سوء تربيته وسء خلقه وظلمة جهله.

.من هداية الآيات:

1- بيان حال الإِنسان قبل الإِيمان والاستقامة فإنه يكون أحط المخلوقات قدراً وأضعفها شأنا.
2- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر بعض الأحداث فيها.
3- ذم الياس والقنوط والكبر والاختيال، والكفر للنعم ونسيان المنعم وعدم شكره.

.تفسير الآيات (52- 54):

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (52) سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54)}

.شرح الكلمات:

{قل أرأيتم إن كان من عند الله}: أي أخبروني إن كان القرآن من عند الله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
{ثم كفرتم به}: أي ثم كفرتم به بعد العلم أنه من عند الله.
{من أضل ممن هو في شقاق بعيد}: أي من يكون أضل منكم وأنتم في شقاق بعيد؟ لا أحد.
{في الآفاق وفي أنفسهم}: أي في أقطار السموات والأرض من المخلوقات وأسرار خلقها وفي انفسهم من لطائف الصنعة وعجائب وبدائع الحكمة.
{حتى يتبين لهم أنه الحق}: أي أن القرآن كلام الله ووحيه إلى رسوله حقا، وأن الإِسلام حق.
{ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم}: أي في شك من البعث الآخر حيث يعرضمون على الله تعالى.
{الا إنه بكل شيء محيط}: أي علماً وقدرة وعزة وسلطاناً.

.معنى الآيات:

يأمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول للمكذبين بالوحي الإِلهي الذي يمثله القرآن الكريم حيث قالوا فيه شعر وسحر وأساطير الأولين يأمره أن يقول لهم مستفهما لهم ارأيتم أي أخبرونى إن كان أي القرآن الذي كذبتم به من عند الله وكفرتم به أي كذبتم؟ من يكون أضل منكم وأنتم تعيشون في شقاق بعيد اللهم لا أحد يكون أضل منكم عن طريق الهدى إذا فلم لا تثوبون إلى رشدكم وتؤمنون بآيات ربكم فتكملوا عليها وستعدوا.
ثم قال تعالى: سنريهم آياتنا الدالة على صدقنا وصدق رسولنا فيما أخبرناهم به وجعوناهم إليه من الإِيمان والتوحيد والبعث والجزاء وذلك في الآفاق أي من أقطار السموات والأرض مما ستكشف عنه الأيام من عجائب تدبير الله ولطائف صنعه، وفى أنفسهم أيضا أي في ذواتهم حتى يتبين لهم أنه الحق، من ذلك فتح القرى والأمصار وانتصار الإِسلام كما أُخبر به القرآن، ووقعة بدر وفتح مكة من ذلك وما ظهر لِحَدّ الآن من كشوفات في الآفاق وفى الأنفس مما اشار إليه القرآن ما هو أعجب من ذلك قوله تعالى: {ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون} فنظام الزوجية السارى في كل جزئيات الكون شاهد قوي على صدق القرآن وأنه الحق من عند الله، وان الله حق وأن الساعة حق وقوله تعالى: {أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد} هذا توبيخ لهؤلاء المكذبين بإعلامهم أن شهادة الله كافية في صدق محمد وما جاء به إن الله هو المخبر بذلك والآمر بالإيمان به فكيف يطالبون بالآيات على صدق القرآن ومن نزل عليه والله المرسل للرسول والمنزل للكتاب وقوله تعالى: {ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم} إعلام منه تعالى بما عليه القوم من الشك في البعث والجزاء وهو الذي سبب لهم كثيراً من أنواع الشر والفساد.
وقوله: {ألا إنه بكل شيء محيط} علماً وقدرة وعزة وسلطاناً فما أخبر به عنهم من علمه وما سيجزيهم به من عذاب إن اصروا على كفرهم من قدرته وعزته. ألا فليتق الله امرؤ مصاب بالشك في البعث وكل الظواهر دالة على حتميته ووقوعه في وقته المحدد له.

.من هداية الآيات:

1- التنديد بالكفر بالقرآن والتكذيب بما جاء فيه من الهدى والنور.
2- لا أضل ممن يكذب بالقرآن لأنه يعيش في خلاف وشقاق لا أبعد منه.
3- صدق وعد الله تعالى حيث أرى المشركين وغيرهم آياتيه الدالة على وحدانيته وصحة دينه وصدق أخباره ما آمن عليه البشر الذين لا يعدون كثرة.
4- ما من اكتشاف ظهر ويظهر إلا والقرآن أدخله في هذه الآية سنريهم آياتنا في الآفاق وفى أنفسهم.
5- الإِشارة إلى أن الإِسلام سيعلم صحته وسيدين به البشر أجمعون في يوم ما من الأيام.
6- تقرير البعث والجزاء. ومظاهر قدرة الله تعالى المقررة له.

.سورة الشورى:

.تفسير الآيات (1- 6):

{حم (1) عسق (2) كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (6)}

.شرح الكلمات:

{حم عسق}: هذه أحد الحروف المقطعة تكتب هكذا: حم عسق وتقرأ هكذا حَامِيمْ عَيْنْ سِينْ قَافْ.
{كذلك يوحى إليك وإلى الذين من قبلك}: أي مثل ذلك الإِيحاء يوحى إليك وإلى الذين من قبلك الذي يوحى إليك.
{له ما في السموات وما في الأرض}: أي خلقا وملكا وتصرفا.
{وهو العزيز الحكيم}: أي العزيز في انتقامه من أعدائه الحكيم في تدبيره لأوليائه.
{يتفطرن من فوقهن}: أي يتشققن من عظمة الرحمن وجلاله.
{والذين اتخذوا من دونه أولياء}: أي آلهة يعبدونها.
{الله حفيظ عليهم}: أي يحصي لهم أعمالهم ويجزيهم بها.
{وما أنتم عليهم بوكيل}: أي ولست موكلا بحفظ أعمالهم وإنما عليك البلاغ.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {حم عسق} الله أعلم بمراده به وقد تقدم التنبيه إلى أن هذا من المتشابه الذي يجب الإِيمان به وتفويض أمر فهم معناه إلى منزله وهو الله سبحانه وتعالى وقد ذكرنا أن له فائدتين جليلتين تقدمتا في كثير من فواتح السور المبدوءة بمثل هذه الحروف المقطعة فليرجع إليها.
وقوله: {كذلك يوحى إليك} أي مثل ذلك الإِيحاء باصول الدين الثلاثة وهى التوحيد والنبوة والبعث يوحى إليك بمعنى أوحى إليك وإلى الذين من قبلك من الرسل الله العزيز في انتقامه من أعدائه الحكيم في تدبيره لأوليائه وقوله: {له ما في السموات وما في الأرض} أي خلقاً وملكاً وهو العلي أي ذو العلو المطلق على خلقه العظيم في ذاته وشأنه وحكمه وتدبيره سبحانه لا إله إلا هو لا رب سواه.
وقوله تعالى: {تكاد السموات يتفطرن} أي يتصدعن ويتشققن من فوقهن من عظمة الرب تبارك وتعالى والملائكة يسبحون بحمد ربهم أي يصلون له ويستغفرون لمن في الأرض أي يطلبون المغفرة للمؤمنين فهذا من العام الخاص بما في صورة المؤمن إذ فيها ويستغفرون للذين آمنوا وقوله تعالى: {الا إنّ الله هو الغفور الرحيم} إخبار بعظيم صفاته عز وجل وهما المغفرة والرحمة يغفر لمن تاب من عباده ويرحم بالرحمة العامة سائر مخلوقاته في هذه الحياة ويرحم بالرحمة الخاصة عباده الرحماء وسائر عباده المؤمنين في دار السلام وقوله تعالى: {والذين اتخذوا من دونه أولياء} أي شركاء آلهة يعبدونهم هؤلاء الله حفيظ عليهم فيحصي عليهم أعمالهم ويجزيهم بها يوم القيامة، وليس على الرسول من ذلك شيء إن عليه إلاّ البلاغ وقد بلغ وهو معنى قوله: {وما أنت عليهم بوكيل} تحفظ عليهم أعمالهم وتجزيهم بها وفي الآية تسلية للرسول وتخفيف عليه لأنه كان يشق عليه إعراض المشركين واصرارهم على الشرك بالله تعالى.

.من هداية الآيات:

1- وحدة الوحي بين سائر الأنبياء إذ هي تدور على التوحيد والنبوة والبعث والجزاء والترغيب في العمل الصالح، والترهيب من العمل الفاسد.
2- بيان عظمة الله تعالى وجلاله وكماله حتى إن السموات تكاد يتفطرن من فوقهن والملائكة يسبحون بحمده تعالى ويستغفرون للمؤمنين.
3- تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم والتخفيف عنه بانه غير موكل بحفظ أعمال المشركين ومجازاتهم عليها إنما هو الله تعالى، وما على الرسول إلا البلاغ المبين.