فصل: تفسير الآيات (14- 25):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (14- 25):

{خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (15) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (16) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (17) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (18) مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (21) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (22) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (23) وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (24) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (25)}

.شرح الكلمات:

{خلق الإِنسان من صلصال كالفخار}: أي خلق آدم من طين يابس يسمع له صلصلة كالفخار وهو ما طبخ من الطين.
{وخلق الجان من مارج من نار}: أي أبا الجن م لهب النار الخالص من الدخان وهو مختلط احمر وازرق واصفر.
{رب المشرقين ورب المغربين}: أي مشرق الشتاء، مشرق الصيف أي مطلع طلوع الشمس فيهما. وكذا المغربين في الصيف والشتاء.
{مرج البحرين يلتقيان}: أي أرسل البحرين العذب والملح يلتقيان في رأي العين.
{بينهما برزخ لا يبغيان}: أي بينهما حاجز لا يبغى أحدهما على الآخر فيختلط به.
{يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان}: أي يخرج من مجموعها الصادق بأحدهما وهو الملح اللؤلؤ والمرجان وهو خرز أحمر، وهو صغار اللؤلؤ.
{وله الجوار المنشأت في البحر كالأعلام}: أي السفن المحدثات في البحر كالأعلام أي كالجبال عظماً وارتفاعاً.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في ذكر ما أفاض الرحمن جل جلاله من رحمته التي وسعت كل شيء من آلاء ونعم لا تحصى ولا تعد ولا تحصر فقال تعالى: {خلق الإِنسان} أي الرحمن الذي تجاهله المبطلون وقالوا: وما الرحمن. الرحمن الذي خلق الإِنسان آدم أول إنسان خلقه ومن أي شيء خلقه {في صلصال} أي من طين ذي صلصلة وصوت {كالفخار} خلق الإِنسان، وخلق الجان وهو عالم كعالم الإِنسان خلق أصله من مارج وهو مرج واختلط من لهب النار. فبأي يا معشر الجن والإِنس {آلاء ربكما تكذبان} إنها نعم تفوق عد الإِنسان مَنْ رب المشرقين ورب المغربين من خلقهما من ملكهما من سخرهما لفائدة الإِنسان؟ إنه الرحمن فبأي آلاء ربكما تكذبان؟ لا بشيء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد. الرحمن مرج البحرين الملح والعذب أرسلهما على بعضهما فمرجا. كأنهما اختلطا إذا جعل بينهما برزخاً حاجزاً فهما لا يبغيان فلا يختلط أحدهما بالثاني، فبأي آلاء ربكما تكذبان؟ يُخرج منهما اللؤلؤ والمرجان من خلق في مجموع البحرين اللؤلؤ والمرجان وهما خرز أبيض وأحمر وأخضر ولفائدة من خلقهما الرحمن؟ انها لفائدة الإِنسان إذاً هما نعمة ورحمة من رحمات الرحمن {فبأي آلاء ربكما تكذبان} {وله الجوار} أي للرحمن الجوار المنشآت المصنوعات في البحر في أحواض السفن كالأعلم علواً وارتفاعا تظهر في البحر كما تظهر الجبال في البر لمصلحة من خلقها الرحمن لمصلحة الإِنسان فهي إذاً رحمة الرحمن ونعمته على الإِنسان فبأي آلاء ربكما يا معشر الإِنس والجن تكذبان؟ اقروا واعترفوا واشكروا الرحمن.

.من هداية الآيات:

1- بيان أصل خلق الإِنسان والجان فالأول من طين لازب ذي صلصال كالفخار والثاني من مارج من نار وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن خلق الملائكة كان من نور.
2- معرفة مطالع الشمس ومغاربها في الشتاء والصيف وهما مطلعان ومغربان.
3- معرفة صناعة اللؤلؤ والمرجان، والسفن التي هي في البحر كالجبال علواً وظهوراً.
4- وجوب شكر الرحمن على إنعامه على الإِنس والجان.

.تفسير الآيات (26- 36):

{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (28) يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (30) سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ (31) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (32) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (34) يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (35) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (36)}

.شرح الكلمات:

{كل ما عليها فان}: أي كل من على الأرض من إنسان وحيوان وجان فانٍ أي هالك.
{ويبقى وجه ربك}: أي ذاته ووجه سبحانه وتعالى.
{ذو الجلال والإِكرام}: أي العظمة والإِنعام على عباده عامة والمؤمنين بخاصة.
{يسأله من في السموات والأرض}: أي يسألونه حاجاتهم التي تتوقف عليها حياتهم من الرزق والقوة على العبادة. والمغفرة للذنب، والعزة من الرب.
{كل يوم هو في شأن}: أي كل وقت هو في شأن: شؤون يبديها وفق تقديره لها يرفع أقواماً ويضع آخرين.
{سنفرغ لكم أيها الثقلان}: أي لحسابكم ومجازاتكم بعد انتهاء هذه الحياة الدنيا ونجزى كلاً بما عمل.
{إن استطعتم أن تنفذوا}: أي إن قدرتم على أن تخرجوا.
{من أقطار السموات والأرض}: أي من نواحي السموات والأرض.
{فانفذوا لا تنفذون الا بسلطان}: أي فاخرجوا. لا تنفذون إلا بقوة ولا قوة لكم وهذا تعجيز لهم.
{يرسل عليكما شواظ من نار}: أي من لهب النار الخالص الذي لا دخان فيه.
{ونحاس}: أي دخان لا لهب فيه، ولا يبعد أن يكون نحاساً مذاباً.
{فلا تنتصران}: أي لاتمتنعان من السوق إلى المحشر.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم ي ذكر أيادى الرحمن الرحيم قال عز من قائل {كل من عليها فان} كل من على الأرض من إنسان وجانٍ وذي روح وحيوان فانٍ: هالك، لا تبقى له روح ولا ذات، {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإِكرام} حيٌّ لا يموت والإِنس والجن يموتون فبأي آلاء ربكما تكذبان أَبنعمة إيجادكما وإمدادكما بالأرزاق والخيرات طوال الحياة أم بنعمة أنهاء أتعابكما وتكاليفكما أم بإِهلاك أعدائكما، وإدنائكما من النعيم المقيم في جنات النعيم، قولوا خيراً لكم لا بشيء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد. وقوله: {يسأله من في السموات والأرض} أي يطلبونه بلسان القال أو الحال ما هم في حاجة إليه مما يحفظ وجودهم ويغفر ذنوبهم وقوله تعالى: {كل يوم هو في شأن} أي لا يفرغ الدهر كلّه يدبر أمر السماء والأرض يرفع ويضع آخرين.
وقوله الرحمن {سنفرغ لكم أيها الثقلان} من الإِنس والجن فنحاسبكما ونجزيكما محسنكما بالإِحسان وسيئكما بالسوء والخسران، وهذا يوم تقومان للرحمن، حفاة عراة وتقفان بين يديه للحكم فيكما والقضاء بينكما فبأي آلاء ربكما تكذبان أبالعدل في الحكم بينكما أم بإسعاد صالحيكما واشقاء مجرميكما.
وقوله الرحمن {يا معشر الجن والإِنس إن استطعتم أنْ تنفذوا} أي تخرجوا {من أقطار السموات والأرض} أي من جوانبهما وأطرافهما {فانفذوا} أي اخرجوا هاربين من قضائى وحكمى لكما وعليكما لا تنفذون إلا بقوة قاهرة غالبة ولا قوة لكم ولا سلطان هكذا يتحداهما الرحمن وهم يساقون إلى ساحة فصل القضاء فبأي آلاء ربكما تكذبان؟ أبنعمة احيائكما بعد موتكما أم بنعمة إكرام صلحائكما وإهانة فاسديكما وهي العدالة التي لا رحمة ولا نعمة في الحياة الدنيا تساويهما. وقوله تعالى: {يرسل عليكما شواظ} أي لهب النار الخالص من الدخان، ونحاس وهو دخان خالص فلا تنتصران هذا إن أردتما الفرار من عدالتي وعدم الإِذعان لقضائي وحكمي فيكما. فبأي آلاء ربكما تكذبان؟ أبعظمة ربكم وقوة سلطانه أم برحمة مولاكم ولطفه بكم الله لا شيء من آلائك نكذب ربنا ولك الحمد.

.من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
2- بيان جلال الله وعظمته وقوة سلطانه.
3- بيان عجز الخلائق امام خالقها عز وجل.
4- وجوب حمد الله تعالى وشكره على السراء والضراء.

.تفسير الآيات (37- 45):

{فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (38) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (39) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (40) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ (41) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (42) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (45)}

.شرح الكلمات:

{فاذا انشقت السماء}: أي انفتحت أبواب لنزول الملائكة إلى الأرض لتسوق الخلائق إلى المحشر.
{فكانت وردة كالدهان}: أي السماء محمرة احمرار الأديم أو الفرس الأحمر وذابت فكانت كالدهان في صفائها وذوبانها.
{فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس}: أي يوم يخرجون من قبورهم لا يسألون عن ذنوبهم لما لهم من علامات كاسوداد الوجوه وبياضها، ويسألون عند الحساب.
{يعرف المجرمون بسيماهم}: أي سواد الوجوه وزرقة العيون.
{ولا جان}: لهم من علاما كاسوداد الوجوه وبياضها، ويسألون عند الحساب.
{يعرف المجرمون بسيماهم}: أي سواد الوجوه وزرقة العيون.
{فيؤخذ بالنواصي والأقدام}: أي تضم ناصية المجرم إلى قدميه ويؤخذ فيلقى في جهنم.
{هذه جهنم التي يكذب بها}: أي يقال لهم توبيخاً وتبكيتاً هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون في الدنيا.
{المجرمون}: أي الذين أجرموا على أنفسهم بالشرك والمعاصي.
{يطوفون بينها وبين حميم آن}: أي يسعون مترددين بينها وبين ماء حار قد انتهت حرارته إلى حد لا مزيد عليه وهو الحميم الآن يُسقونه إذا عطشوا واستغاثوا يطلبون الماء لإِراواء غلتهم العطشة.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في عرض أحوال القيامة وأهال الموقف فقال جل جلاله وعظم سلطانه: {فإذا انشقت السماء} أي تفتحت لنزول الملائكة فكانت أبواباً بعد أن احمرت وتغيرت زرقتها لحمرة كحمرة الأديم الاحمر أو الفرس الأحمر أو الوردة الحمراء كل ذلك صالح لتشبيه لونها به واذبت فكانت كالدهان كما جاء وصفها في سورة المعارج يوم تكون السماء كالمهل. وهو دِرْديّ الزيت وعكره. فيومئذ أي يوم إذ يقع هذا يعظم الكرب ويشتد البلاء ويخرج الناس من قبورهم لا يسأل عن ذنبه إنس لا جان أي إنسي ولا جني فبأي آلاء ربكما تكذبان؟ وقوله تعالى: {يعرف المجرمون بسيماهم} أي باسوداد وجوههم وزرقة أعينهم فيؤخذ بالنواصى والأقدام أي فيجمع الملك المكلف الإِنس أو الجن المجرم بين ناصيته وقدميه ويأخذه فيرمي به في نار جهنم فبأي آلاء ربكما تكذبان أبنعمة العدالة أم بنعمة إكرام المتقين الصالحين. قولوا لا بشيء من آلائك ربنا نكذبن فلك الحمد.
وقوله تعالى: {هذه جهنم} أي يقال لهم توبيخاً وتبكيتاً هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون على أنفسهم بالشرك والمعاصي في الحياة الدنيا قال تعالى: {يطوفون} أي يسعون مترددين {بينها وبين حميم آن} أي ماء حار اشتدت حرارته فبلغت حداً لا مزيد عليه يسقونه إذا استغاثوا من العطش. فبأي آلاء ربكما تكذبان؟ إن خزي المجرمين وتعذيبهم نعمة تُقربها الفطرة البشرية ولا يقدرها الا من ذاق طعم الخوف والعذاب الذي ينزله المجرمون بالمتقين فلذا كان تعذيبهم يوم القيامة نعمة، كما أن هذا العرض لأحوال يوم القيامة وأهوالها نعمة إذ عليه آمن المؤمنون واتقى المتقون، فلذا قال تعالى بعد وصفِ حال أهل النار فبأي آلاء ربكما تكذبان؟

.من هداية الآيات:

1- بيان الانقلاب الكوني وخراب العالم للقيامة.
2- يبعث الناس من قبورهم ولهم علامات تميزهم فيعرف السعيد والشقي.
3- التنديد بالإِجرام وهو الشرك والظلم والمعاصي.

.تفسير الآيات (46- 61):

{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47) ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (48) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (49) فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (50) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (51) فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (52) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (53) مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (55) فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (57) كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (59) هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (61)}

.شرح الكلمات:

{ولمن خاف مقام ربه جنتان}: أي ولمن خاف الوقوف بين يدي الله في عرصات القيامة فآمن واتقى جنتان.
{ذواتا أفنان}: أي أغصان من شأنها أن تُورق وتُثمر وتمد الظل.
{فيهما من كل فاكهة زوجان}: أي من كل ما يتفكه به من أنواع الفواكه صنفان.
{بطائنها من استبرق}: أي بطائن الفرش من استبرق وهو ما غلظ من الديباج والظهائر من السندس وهو مارقَّ من الديباج الذي هو الحرير.
{وجنى الجنتين دان}: أي وما يُجنى من ثمار الجنة دان قريب التناول يناله القائم والقاعد.
{فيهن قاصرات الطرف}: أي قاصرات النظر بأعينهن على أزواجهن فقط.
{لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان}: أي لم يفتضهن قبل أزواجهن إنس ولا جان.
{كأنهن الياقوت والمرجان}: أي كأنهن في جمالهن الياقوت في صفائه والمرجان اللؤلؤ الأبيض.
{هل جزاء الإِحسان إلا اللإِحسان}: أي ما جزاء الإِحسان بالطاعة إِلا الإِحسان بالنعيم.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في تعداد النعم وذكر أنواعها فقال تعالى: {ولمن خاف مقام ربه} أي الوقوف بين يديه في ساحة فصل القضاء يوم القيامة فأطاعه بأداء الفرائض واجتناب المحرمات {جنتان} أي بستانان فبأي آلاء ربكما تكذبان إبإثابة أحدكم الذي إذا هم بالمعصية ذكر قيامه بين يدي ربه فتركها فأثابه الله بجنتين. وقوله ذواتا أفنان هذا وصف للجنتين وصف للجنتين وصفهما بأنهما ذواتا أفنان جمع فنن لون ألوان ولأشجارها أغصان من شأنها تورق وتثمر وتمد الظلال فبأي آلاء ربكما تكذبان أبهذا النعيم والإِثابة للمتقين تكذبان.
وقوله: {فيهما عينان تجريان} أي في الجنتين ذواتي الأفنان عينان تجريان بالماء العذب الزلال الصافي خلال تلك القصور والأشجار فبأي آلاء ربكما تكذبان يا معشر الجن والإِنسان أبمثل هذا العطاء والإِفضال تكذبان؟ وقول الرحمن فيهما من كل فاكهة زوجان أي في تينك الجنتين من كل فاكهة من الفواكه صنفان فلا يكتفى بصنف واحد إتماماً للنعيم والتنعُّم فبأي آلاء ربكما تكذبان أبمثل هذا الإِنعام والإِكرام لأهل التقوى تكذبان؟ وقوله ما أوسع رحمته وهو الرحمن {متكئين} أي حال تنعمهم على فرش على الأرائك بطائن تلك الفرش من استبرق وهو الغليظ من الديباج أما الظواهر فهي السندس وهو مارق من الديباج. وقوله: {وجنى الجنتين دان} أي وثمارها التي تجنى من أشجارها دانية أي قريبة التناول يتناولها المتقى وهو مضطجع أو قاعد أو قائم، لا شوك فيها ولا بعد لها فبأي آلاء ربكما تكذبان أبمثل هذا الإِنعام والإِكرام تكذبان. قول الرحمن: {فيهن قاصرات الطرف} أي وفي تينك الجنتين نساء من الحور العين {قاصرات الطرف} أي العين على أزواجهن فلا ترى إلا زوجها أي فلا تنظر إلا إلى زوجها وتقول له وعزة ربي وجلاله وجماله ما أرى في الجنة شيئاً أحسن منك فالحمد لله جعلك زوجي وجعلني زوجك.
وقوله: {لم يطمثهن} أي لم يجامعهن فيفتضهن قبل أزواجهن {إنس ولا جان} أي لم يجامع الإِنسية قبل زوجها الإِنسي إنسي ولم يجامع الجنية قبل زوجها الجني جان فبأي آلاء ربكما تكذبان أبمثل هذا الإِنعام تكذبان؟
وقوله: {كأنهن الياقوت} أي في صفائهن {والمرجان} في بياضهن إذ الحوراء منهن يُرى مخُّ ساقها تحت ثيابها كا يرى الخيط أو السلك في داخل الياقوته لصفائها فبأي آلاء ربكما تكذبان أبمثل هذا العطاء والإِنعام تكذبان.
وقوله عظم فضله وجل عطاؤه وهو الرحمن {هل جزاء الإِحسان} أي في الإِيمان والطاعات من العبادات {إلا الإِحسان} إليه بمثل هذا النعيم العظيم الذي ذكر في هذه الآيات. فبأي آلاء ربكما تكذبان يا معشر الإِنس والجان فقولا: لا بشيء من آلاء ربنا نكذب فلك الحمد.

.من هداية الآيات:

1- فضل الخوف من الله تعالى وذلك كأنْ تعرض للعبد المعصية فيتركها خوفا من الله تعالى.
2- فضل نساء أهل الجنة في حبهن لأزواجهن بحيث لا ينظرن إلا إليهم.
3- بيان أن أفضل ألنساء في الدينا تلك التي تقصر نظرها على زوجها فتحبه ولا تحب غيره من الرجال.
4- بيان أن الجن المتقين يدخلون الجنة ولهم أزواج كما للإِنس سواء بسواء.
5- الإِشادة بالإِحسان وبيان جزائه والإِحسان هو إخلاص العبادة لله والإِتيان بها على الوجه الذي شرع أداؤها عليه، مع الإِحسان إلى الخلق بكف الأذى عنهم وبذل الفضل لمن احتاجه منهم.

.تفسير الآيات (62- 78):

{وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (63) مُدْهَامَّتَانِ (64) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (65) فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (66) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (67) فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (69) فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (71) حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (73) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (74) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (75) مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (77) تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78)}

.شرح الكلمات:

{من دونهما جنتان}: أي ومن دون تينيك الجنتين جنتان أخريان لمن خاف مقام ربه.
{مدّهامتان}: أي مسودتان من شدة خُضْرتهما.
{فيهما عينان نضاختان}: أي فارتان دائماً وأبداً تفوران بالماء العذب الزلال.
{فيهن خيرات حسان}: أي في الجنات الأربع نساءٌ خيرات الأخلاق حسان الوجوه.
{حور}: أي أولئك الخيرات حور أي بيض والواحدة حوراء أي بيضاء.
{مقصورات في الخيام}: أي مستورات محبوسات على أزواجهن في الخيام والخيمة من در مجوف مضافة إلى القصور، وطول الخيمة الواحدة ستون ميلا.
{لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان}: أي لم يجامعهن فيفتض بكارتهن بل أزواجهن في الجنة أحد.
{على رفرف خضر}: أي على وسائد أو بسط الواحدة رفرفة خضر جمع أخضر.
{وعبقرى حسان}: أي طنافس جمع طنفسة بساط له خمل رقيق أي بسط حسان.
{تبارك اسم ربك}: أي تقدس وكثرت بركة اسم ربك الرحمن.
{ذي الجلال والإِكرام}: أي ذي العظمة الإِكرام لأوليائه والإِحسان إلى عباده.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في ذكر إنعام الله تعالى وإفضاله على عباده فقال: {ومن دونهما جنتان} أي ومن دون تينيك الجنتين جنتان أخريان لمن خاف مقام ربه من السابقين وهاتان لمن خاف مقام ربه من أصحاب اليمين وقد يكون العكس كذلك والله أعلم بأي الجنتين أفضل، اللهم ارزقنا ما شئت منهما فإنا بعطائك راضون ولك حامدون شاكرون فبأي آلاء ربكما تكذبان أي بأي إنعام وإفضال تكذبان؟ وقوله تعالى: {مدّهامتان} مخضرتان إلى حد الاسوداد فإن الأخضر من الأشياء إذا اشتدتْ خصرته ضربت إلى السواد ويقال فيها مدهامة فبأي آلاء ربكما تكذبان أي بأي إنعام تكذبان يا معشر الجن والإِنس {فيهما} في الجنتين {عينان نضاختان} أي فوّارتان بالماء دائماً وأبداً، فبأي آلاء ربكما تكذبان بأي إفضال وإحسان تكذبان وقول الرحمن {فيهما} أي في الجنتين فاكهة ونخل ورمان لفظة الفاكهة قد يعم النخل والرمان ويصبح ذكر النخل والرمان لمزيد فضيلة كذكر الصلاة الوسطى بعد ذكر الصلوات الخمس في قوله: {حافظوا على الصلاة والصلاة الوسطى} {فبأي آلاء ربكما تكذبان} لا بشيء من آلاء ربنا نكذب ربنا فلك الحمد. وقوله تعالى: {فيهن خيرات حسان} أي في الجنتين نساءهن خيرات جمع خيرة خيرات الأخلاق حسان الوجوه. فبأي آلاء ربكما تكذبان؟ أبمثل هذا الإِنعام والإِكرام على أولياء الرحمن تكذبان؟ {حور مقصورات في الخيام} إن أولئك الخيرات حور جمع حوراء وهي البيضاء، والحوارء كذلك من يغلب بياض عينها سوادهما وهو من جمال النساء محبوسات في الخيام لا ينظرن إلى غير أزواجهن، والخيمة من درة مجوفة طولها ستون ميلا مضافة إلى قصورهم. وقوله تعالى: {لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان} أي لم يجامعهن فيفتض بكارتهن إنس ولا جان من قبل أزواجهن في الجنة فبأي آلاء ربكما تكذبان؟ والجواب: لا بشيء من آلاء ربنا نكذب ربنا فلك الحمد.
وقوله تعالى: {متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان} أي متكئين على رفرف خضر والرفرف جمع رفرفة أي على وسائد أو بُسُطٍ خَضْرٍ، وعبقريّ حِسان أي على طنافس ذات خمل دقيق. فبأي آلاء ربكما تكذبان بنع الدنيا أم بنعم البرزخ أم بنعم الآخرة لا بشيء من آلاء ربنا نكذب.
وقوله تعالى: {تبارك اسم ربك ذي الجلال والإِكرام} أي تبارك اسم ربك أي تقدس وكثرت بركات اسم ربك الرحمن ذي الجلال أي العظمة والإِكرام لأوليائه وصالحى عباده.

.من هداية الآيات:

1- بيان أن نعيم الآخرة أعظم وأجل من نِعم الدنيا.
2- فضيلة التمر والرمان فلنبحث منافعهما فإن الحقيقة بنت البحث.
3- فضل المرأة المقصورة في بيتها وذم الولاجة الخراجة كما قال ابن عباس رضي الله عنهما.
4- بيان أن الجن يدخلون الجنة ويسعدون فيها.
5- البركة تنال ببسم الله الرحمن الرحيم.