فصل: تفسير الآيات (25- 28):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (25- 28):

{مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا (25) وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28)}

.شرح الكلمات:

{مما خطيئاتهم أغرقوا}: أي بسبب خطيئاتهم أغرقوا بالطوفان.
{فأدخلوا نارا}: أي بعد موتهم أدخلت أرواحهم النار.
{ديارا}: أي من يدور يذهب ويجيء أي لم يبق أحد.
{إن تذرهم}: أي أحياء لم تهلكهم.
{إلا تبارا}: أي هلاكا وخسارا.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {مما خطيئاتهم أغرقوا} يخبر تعالى عن نهاية قوم نوح بعد أن دعا عليهم نوح لما علم بالوحي الإِلهي أنهم لا يؤمنون فقال تعالى مما خطيئاتهم أي ومن خطيئاتهم أي بسبب خطيئاتهم التي هي الشرك والظلم والتكذيب والأذى لنوح عليه السلام أغرقوا بالطوفان فلم يبق منهم أحد {فأدخلوا نارا} أي بمجرد ما يغرق الشخص وتخرج روحه يُدخل النار في البرزخ. وقوله تعالى: {فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا} وهو كذلك فمن ينصر من يريد هلاكه وخزيه وعذابه. ثم ذكر تعالى دعوة نوح التي كان الطوفان بها والهلاك وهي قوله: {ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا} أي لا تترك ولا تبق على الأرض اليابسة كلها يومئذ من الكافرين بخلاف المؤمنين {دياراً} أي إنساناً يدور أي يذهب ويجيء أي لا تبق من الكافرين أحداً ثم علل لطلبه الهلاك للكافرين فقال: {إنك أن تذرهم يضلوا عبادك} عن صراطك الموصل إلى رضاك وذلك هو عبادتك وحدك وطاعتك وطاعة رسولك {ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً} أي غلا من يفجر عن دينك ويكفر بك وبرسولك قال نوح هذا لطول التجارب التي عاشها مع قومه إذ عاشرهم قرابة عشرة قرون ثم دعا الله تعالى له ولوالديه ولمن دخل مسجده ومصلاه من المؤمنين والمؤمنات، وأن لا يزيد الظالمين إلا خسارا وهلاكاً فقال: {ربّ اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا}.

.من هداية الآيات:

1- هلاك قوم نوح كان بخطاياهم فالخطايا إذاً موجبة للهلاك.
2- تقرير عذاب القبر فقوم نوح ما إن أغرقوا حتى ادخلوا نارا.
3- مشروعية الدعاء على الظلمة والكافرين والمجرمين.
4- مشروعية الدعاء للمؤمنين والمؤمنات.
5- يستحب البدء في الدعاء بنفس الداعي ثم يعطف من يدعو لهم.

.سورة الجن:

.تفسير الآيات (1- 7):

{قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2) وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3) وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5) وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6) وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (7)}

.شرح الكلمات:

{أنه استمع}: أي إلى قراءتي.
{نفر من الجن}: أي عدد من الجن ما بين الثلاثة والعشرة.
{قالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا}: أي لبعضهم قرآنا عجبا أي يتعجب منه لفصاحته وغزارة معانيه.
{يهدي إلى الرشد}: أي الصواب في المعتقد والقول والعمل.
{وأنه تعالى جد ربنا}: أي تنزه جلال ربنا وعظمته عما نسب إليه.
{ما اتخذ صاحبة ولا ولدا}: أي لم يتخذ صاحبة ولم يكن له ولد.
{سفيهنا}: أي جاهلنا.
{شططا}: أي غلوا في الكذب بوصفه الله تعالى بالصاحبة والولد.
{على الله كذبا}: حتى تبين لنا أنهم يكذبون على الله بنسبة الزوجة والولد إليه.
{يعوذون}: أي يستعيذون.
{فزادوهم رهقا}: أي إثما وطغيانا.
{أن لن يبعث الله أحدا}: أي لن يبعث رسولا إلى خلقه.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {قل أوحي إليّ أنه استمع نفر من الجن} يأمر تعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقول معلنا للناس مؤمنهم وكافرهم أنه قد أوحى الله تعالى إليه نبأ مفاده أن نفرا من الجن ما بين الثلاثة إلى العشرة قد استمعوا إلى قراءته القرآن وذلك ببطن نخلة والرسول يصلي بأصحابه صلاة الفجر وكان الرسول صلى الله عليه وسلم عامدا مع أصحابه إلى سوق عكاظ. وكان يومئذ قد حيل بين الشياطين وخبر السماء حيث أرسلت عليهم الشهب فراجع الشياطين بعضهم بعضا فانتهوا إلى أن شيئا حدث لا محالة فانطلقوا يضربون في مشارق الأرض ومغاربها يتعرفون إلى هذا الحدث الجلل الذي مُنِعت الشياطين بسببه من السماء فتوجه نفر منهم إلى تهامة فوجدوا الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي الصبح بأصحابه فاستمعوا إلى قراءته في صلاته فرجعوا إلى قومهم من الجن فقالوا {إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا} فأنزل الله تعالى هذه السورة سورة الجن مفتتحة بقوله: {قل أوحي إلى أنه استمع نفر من الجن} أي أعلن للناس يا رسولنا أن الله قد أوحى إليك خبرا مفاده أن نفرا من الجن قد استمعوا إلى قراءتك فرجعوا إلى قومهم وقالوا لهم {إنا سمعنا قرآنا عجبا} أي يتعجب من فصاحته وغزارة معانيه. يهدي إلى الرشد والصواب في العقيدة والقول والعمل {فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا} وفي هذا تعريض بسخف البشر الذين عاش الرسول بينهم إحدى عشرة سنة يقرأ عليهم القرآن بمكة وهم مكذبون به كارهون له مصرون على الشرك والجن بمجرد أن سمعوه آمنوا به وحملوا رسالته إلى قومهم وها هم يدعون بدعاة الإسلام ويقولون {فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا وأنه تعالى جد ربنا} أي وآمنا بأنه تعالى أمر ربنا وسلطانه ما اتخذ صاحبة ولا ولدا وحاشاه وإنما نسب إليه ذلك المفترون. {وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا} هذا من قول الجن واصلوا حديثهم قائلين وأنه كان يقول جاهلونا على الله شططا أي غلوا في الكذب بوصفهم الله تعالى بالصاحبة والولد تقليدا للمشركين واليهود والنصارى {وأنا ظننا أن لن تقول الإِنس والجن على الله كذبا} أي وقالوا لقومهم وإنا كنا نظن أن الإِنس والجن لا يكذبون على الله ولا يقولون عليه إلا الصدق وقد علمنا الآن انهم يكذبون على الله ويقولون عليه ما لم يقله وينسبون إليه ما هو منه براء.
وقالوا {وأنه كان رجال من الإِنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا} يخبرون بخبر عجيب وهو أنه كان رجال من الناس من العرب وغيرهم إذا نزلوا منزلا مخوفا في واد وشعب يستعيذون برجال من الجن كأن يقول الرجل أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه فزاد الإِنس الجن بهذا اللجأ إليهم والاحتماء بهم رهقا أي إثما وطغيانا. إذ ما كانوا يطمعون أن الإِنس تعظمهم هذا التعظيم حتى تستجير بهم. وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا أي وقالوا مخبرين قومهم وأنهم أي الإِنس ظنوا كما ظننتم أنتم أيها الجن أن لن يبعث الله أحدا رسولا ينذر الناس عذاب الله ويعلمهم ما يكلمهم ويسعدهم في الدنيا والآخرة.

.من هداية الآيات:

1- تقرير النبوة المحمدية وأن محمدا رسول للثقلين الإِنس والجن معاً.
2- بيان علو شأن القرآن وكماله حيث شهدت الجن له بأنه عجب فوق مستوى كلام الخلق.
3- تقرير التوحيد والتنديد بالشرك.
4- تقرير أن الإِنس كالجن قد يكذبون على الله وما كان لهم ذلك.
5- حرمة الاستعانة بالجن والاستعاذة بهم لأن ذلك كالعبادة لهم.

.تفسير الآيات (8- 15):

{وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9) وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10) وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا (12) وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (13) وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15)}

.شرح الكلمات:

{وأنا لمسنا السماء}: أي طلبنا خبرها كما جرت بذلك عادتنا.
{حرساً شديداً}: أي حراسا وحفظة من الملائكة يحفظونها بشدة وقوة.
{وشهباً}: أي نجوما يرمى بها الشياطين أو يؤخذ منها شهاب فيرمى به.
{مقاعد للسمع}: أي من أجل أن نسمع ما يحدث وما يكون في الكون.
{شهابا رصداً}: أي أرصد وأعد لرمي الشياطين وإبعادهم عن السمع.
{رشدا}: أي خيراً وصلاحاً.
{كنا طرائق قددا}: أي مذاهب مختلفة إذا الطرائق جمع طريقة، والقدد جمع قدة وهي الضروب والأجناس المختلفة.
{ولن نعجزه هربا}: أي لانفوته هاربين في الأرض أو في السماء.
{لما سمعنا الهدى}: أي القرآن الداعي غلى الهدى المخالف للضلال.
{بخسا ولا رهقا}: أي نقصا من حسناته ولا إثماً يحال عليه ويحاسب به.
{ومنا القاسطون}: أي الجائرون عن قصد السبيل وهو الإِسلام.
{تحروا رشدا}: أي تعمدوا الرشد فطلبوه بعناية فحصلوا عليه.
{فكانوا لجهنم حطبا}: أي وقوداً تتقد بهم يوم القيامة.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في ما قالته الجن بعد سماعها القرآن الكريم. وهو ما أخبر تعالى به عنهم في قوله: {وانّا لمسنا السماء} أي طلبناها كعادتنا {فوجدناها ملئت حرساً شديداً وشهبا} أي ملائكة أقوياء يحرسونها وشهبا نارية يرمى بها كل مسترق للسمع منا. وقالوا: {وأنا كنا نقعد منها} أي من السماء {مقاعد} أي أماكن معينة لهم {للسمع} أي لأجل الاستماع من ملائكة السماء. {فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً} أي أرصد له خاصة فيرمى به فيحرقه أو يخبله، وقالوا {وأنا لا ندري أشرٌ أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا} اقول عجبا لهؤلاء المؤمنين من الجن كيف تأدبّوا مع الله فلم ينسبوا إليه الشر ونسبوا إليه الخير فقالوا {اشر اريد بمن في الأرض} ولو اساءوا الأدب مثلنا لقالوا اشر أراده الله بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا أي خيرا وصلاحا قالوا هذا لما وجدوا السماء قد ملئت حرسا شديدا وشهبا وهو تفكير سديد ناتج عن وعي وإدراك سليم. وهذا التغير في السماء الذي وجدوه سببه أن الله تعالى لما نبأ رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم وأخذ يوحي إليه حمى السماء حتى لا يسترق الشياطين السمع ويشوشوا على الناس فيصرفوهم عن الإِيمان والدخول في الإِسلام وهو الرشد الذي أراد الله لعباده وقالوا {وإنا منا الصالحون} أي المؤمنون المستقيمون على الإِيمان والطاعة {ومنَّا دون ذلك} ضعف إيمان وقلة طاعة، {كنَّا طرائق قددا} أي مذاهب وأهواء مختلفة. {وإنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض} أي إن أراد بنا سوءا ومكروها ولن نعجزه هربا إن طلبنا في الأرض أو في السماء. {وإنا لما سمعنا الهدى آمنا به} أي بالقرآن الذي هو هدى لله يهدي به من يشاء من عباده {فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا} أي نقصا من حسناته يوم القيامة {ولا رهقا} أي إثما يضاف إلى سيئاته ويعاقب به وهو لم يرتكبه في الدنيا.
وقالوا {وإنا منَّا المسلمون ومنَّا القاسطون} أي الجائرون عن قصد السبيل وهو الإِسلام. فمن اسلم أي انقاد لله تعالى بطاعته وخلص من الشرك به فهؤلاء تحروا الرشد وفازوا به، {وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا} توقد بهم وتستعر عليهم وعلى الكافرين الجائرين أمثالهم.

.من هداية الآيات:

1- وجود تجانس بين الجن والملائكة لقرب مادّتي الخلق من بعضها إذ الملائكة خلقوا من مادة النور، والجن من مادة النار، ولذا يرونهم ويسمعون كلامهم ويفهمونه.
2- من الجن أدباء صالحون مؤمنون مسلمون اصحاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
3- ذم الطرق والأهواء والاختلافات.
4- الاشادة بالعدل وتحري الحق والخير.

.تفسير الآيات (16- 24):

{وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17) وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18) وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19) قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (20) قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22) إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23) حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا (24)}

.شرح الكلمات:

{على الطريقة}: أي الإِسلام.
{ماء غدقا}: أي مالا كثيرا وخيرات كبيرة.
{لنفتنهم فيه}: أي نختبرهم أيشكرون أم يكفرون.
{عن ذكر ربه}: أي القرآن وشرائعه وأحكامه.
{عذابا صعدا}: أي شاقا.
{فلا تدعوا}: أي فيها مع الله أحدا.
{عبد الله يدعوه}: أي محمد صلى الله عليه وسلم يدعو الله ببطن نخلة.
{عليه لبدا}: أي في ركوب بعضهم بعضا تزاحما لأجل أن يسمعوا قراءته.
{ضرا ولا رشدا}: أي غيا ولا خيرا.
{ملتحدا}: أي ملتجأ ألجأ إليه فأحفظ نفسي.
{أي بلاغا}: أي لا أملك إلا البلاغ إليكم.
{وأقل عددا}: أي أعوانا المسلمون أم الكافرون.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {وأن لو استقاموا على الطريقة} أي وأوحى إليّ أن لو استقام هؤلاء المشركون من كفار قريش استقاموا على الإِيمان والتوحيد والطاعة لله ولرسوله- وهم يشكون القحط- {لأسقيناهم ماء غدقا} فتكثر أموالهم وتتسع أرزاقهم، {لنفتنهم فيه} أي لنختبرهم في ذلك الخير الكثير أيشكرون أم يكفرون؟ ثم إن شكروا زادهم، وإن كفروا سلبهم وعذبهم. وقوله تعالى: {ومن يعرض عن ذكر ربّه} أي القرآن وما يدعو إليه من الإِيمان وصالح الأعمال ولم يتخلَّ عن الشرك وسوء الأفعال {نسلكه عذابا صعدا} أي نُدخله في عذاب شاق في الدنيا بالذل والمهانة والفقر والرذالة والنذالة. وفي الآخرة في جهنم حيث السموم والحميم، والضريع والزقوم. وقوله: {وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحداً} أي ومما أوحي إليّ أن المساجد لله فإِذا دخلتموها للعبادة فلا تدعو فيها مع الله أحدا إذ كيف البيت له وأنت فيه وتدعو معه غيره زيادة على أن الشرك محرم وصاحبه في النار فإِنه من غير الأدب أن يكون المرء في بيت كريم ويدعو معه غيره من فقراء الخلق أو أغنيائهم وقوله: {وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا} أي وأوحي إليّ أنّه لما قام عبد الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم يدعو ربّه في الصلاة ببطن نخلة كاد الجن أن يكونوا عليه لبدا أي كالشيء المتلبد بعضه فوق بعض. وقوله: {قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا} هذا إجابة لقريش عندما قالوا له صلى الله عليه وسلم لقد جئت بأمر عظيم وقد عاديت الناس كلهم فارجع عن هذا فنحن نجيرك أي نحفظك فأُمر أن يقول لهم إنما أدعو ربي أي أعبده إلهاً واحداً ولا اشرك به أحدا. وأن يقول أيضا إني لا أملك لكم يا معشر قريش الكافرين ضرا ولا رشدا أي ضلالا ولا هداية إنما ذلك الله وحده يضل من يشاء ويهدي من يشاء وأمر أن يقول لهم أيضا إني لن يجيرني من الله أحد إن أنا عصيته وأطعتكم، ولن أجد من دونه أي من غيره ملتحدا أي ملتجأ التجأ إليه.
وقوله إلا بلاغاً من الله ورسالاته أي لا أملك لكم ضراً ولا رشداً إلا بلاغاً من الله ورسالته فإِني ابلغكم عنه ما أمرني به وأرشدكم إلى ما أرسلني به من الهدى والخير والفوز وقوله: {ومن يعص الله ورسوله فإِن له نار جهنم خالدين فيها أبداً} أي يخبر تعالى موعداً أن من يعصي الله بالشرك به وبرسوله بتكذيبه وعدم اتباعه فيما جاء به فإِن له جزاء شركه وعصيانه نار جهنم خالدين فيها أبدا. وقوله: {حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من اضعف ناصرا وأقل عددا} أي فإِن استمروا على شركهم وتكذيبهم حتى إذا رأوا ما يوعدون من عذاب يوم القيامة فسيعلمون عندئذ من أضعف ناصراً أي من ناصره ضعيف أو قوي، ومن أقل عدداً من أعوانه المؤمنون محمد وأصحابه أم هم المشركون المكذبون.

.من هداية الآيات:

1- الاستقامة على منهج الله تعالى القائم على الإِيمان والطاعة لله ورسوله يفضي بسالكه إلى الخير الكثير والسعادة الكاملة في الدنيا والآخرة.
2- المال فتنة وقل من ينجح فيها قال عمر رضي الله عنه أينما يكون الماء يكون المال وأينما يكون المال تكون الفتنة.
3- حرمة دعاء غير الله في المساجد وفي غيرها إلا أنها في المساجد أشد قبحا.
4- الخير والغير والهدى والضلال لا يملكها إلا الله فليطلب ذلك منه لا من غيره.
5- معصية الله والرسول موجبة لعذاب الدنيا والآخرة.

.تفسير الآيات (25- 28):

{قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (25) عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28)}

.شرح الكلمات:

{قل إن أدري}: أي قل ما أدري.
{ما توعدون}: أي من العذاب.
{أمدا}: أي غاية وأجلا لا يعلمه إلا هو.
{فلا يظهر}: أي لا يطلع.
{من ارتضى من رسول}: أي فإِنه يطلعه.
{رصدا}: أي ملائكة يحفظونه حتى يبلغه مع الوحي الذي يبلغه لكافة الناس.
{ليعلم}: أي الله علم ظهور أن الرسل قد بلغوا رسالات ربهم.
{أحصى كل شيء عددا}: أي أحصى عدد كل شيء.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {قل إن أدري} أمر تعالى رسوله أن يقول للمشركين المطالبين بالعذاب استخفافا وعناداً وتكذيباً أمره أن يقول لهم ما أدري أقريب ما وعدكم ربكم به من العذاب بحيث يحل بكم عاجلا أم يجعل له ربي أمدا أي غاية وأجلا بعيدا يعلمه هو ولا يعلمه غيره. عالم الغيب إذ هو عالم الغيب وحده فلا يظهر علي غيبه أي لا يطلع على غيبه أحدا من عباده إلا من ارتضى من رسول أي رضيه أن يبلغ عنه فإِنه يطلعه مع الاحتياط الكافي حتى لا يتسرب الخبر الغيب إلى الناس {فإنه يسلك من بين يديه} الرسول المرتضى ومن خلفه رصداً من الملائكة ثم يطلعه ضمن الوحي الذي يوحي إليه. وذلك ليعلم الرسول صلى الله عليه وسلم أن الرسل قبله قد بلغت رسالات ربها لما أحاطها تعالى به من العناية حتى انه إذا جاءه الوحي كان معه اربعة ملائكة يحمونه من الشياطين حتى لا يسمعوا خبر السماء فيبلغوا أولياءهم من الإِنس، فتكون فتنة في النار وقوله: {وأحاط} أي الله جل جلاله {بما لديهم} أي بما لدى الملائكة والرسل علما {وأحصى كل شيء عددا} أي وأحصى عدد كل شيء فلا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم.

.من هداية الآيات:

1- استئثار الله تعالى بعلم الغيب فلا يعلم الغيب إلا الله.
2- قد يطلع الله تعالى من ارتضى أن يطلعه من الرسل على غيب خاص ويتم ذلك بعد حماية كاملة من الشياطين كيلا ينقلوه إلى أوليائهم فيفتنوا به الناس.
3- بيان إحاطة علم الله بكل شيء واحصائه تعالى لكل شيء عدَّا.