فصل: تفسير الآيات (13- 19):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (13- 19):

{إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18) يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19)}

.شرح الكلمات:

{إن الأبرار}: أي المؤمنين المتقين الصادقين.
{وإن الفجار}: أي الكافرين والخارجين عن طاعة الله ورسوله.
{يصلونها يوم الدين}: أي يدخلونها ويقاسون حرها يوم الجزاء وهو يوم القيامة.
{وما هم عنها بغائبين}: أي بمخرجين.
{وما أدراك ما يوم الدين}: أي أي شيء جعلك تدري لولا أنا علمناك.
{لا تملك نفس لنفس شيئا}: أي من المنفعة وإن قلت.
{والأمر يومئذ لله}: أي لا لغيره، ولا تنفع الشفاعة عنده إلا بإِذنه.

.معنى الآيات:

تقدم أن العرض على الله حق وان المجازاة تكون بحسب الأعمال التي عملها المرء، وأنها محفوظة محصاة عليه بواسطة ملائكة كرام. وأن الناس يومئذ كما هم اليوم مؤمن بار وكافر فاجر.
بين تعالى جزاء الكل مقروناً بعلة الحكم فقال عز وجل: {إن الأبرار لفي نعيم} أي في الجنة دار السلام وذلك لبرورهم وهو طاعتهم لله في صدق كامل {وإن الفجار لفي جحيم} أي نار ذات جحيم وذلك لفجورهم وهو كفرهم وخروجهم عن طاعة ربهم. وقوله: {يصلونها} أي يدخلونها ويقاسون حرها {يوم الدين} أي يوم الجزاء الذي كفروا به فأدى بهم إلى الفجور وارتكاب عظائم الذنوب. وقوله: {وما هم عنها بغائبين} أي إذا دخلوها لا يخرجون منها. وقوله: {وما أدراك ما يوم الدين} أي وما يعلمك يا رسولنا ما يوم الدين إنه يوم عظيم يوم يقوم الناس لربّ العالمين هكذا يخبر تعالى عن عظم شأن هذا اليوم. ويؤكد ذلك فيقول {ثم ما أدراك ما يوم الدين} ويكشف عن بعض جوانب الخطورة بقوله: {يوم لا تملك نفس لنفس شيئا} من المنفعة حيث يكون الأمر كله فيه لله وحده ولا تنفع فيه الشفاعة غلا بإِذنه وما للظالمين فيه من شفيع ولا حميم.

.من هداية الآيات:

1- بيان حكم الله في أهل الموقف إذ هم ما بين بار صادق فهو في نعيم وفاجر كافر فهو في جحيم.
2- بيان عظم شأن يوم الدين وأنه يوم عظيم.
3- بيان أن الناس في يوم الدين لا تنفعهم شفاعة ولا خلة إذ لا يشفع أحد إلا بإِذن الله والكافرون هم الظالمون، وما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع.

.سورة المطففين:

.تفسير الآيات (1- 6):

{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)}

.شرح الكلمات:

{ويل}: كلمة عذاب، وواد في جهنم.
{للمطففين}: المنقصين في كيل أو وزن الباخسين فيهما.
{إذا اكتالوا على الناس}: أي من الناس.
{يستوفون}: الكيل.
{وإذا كالوهم}: أي كالوا لهم.
{أو وزنوهم}: أي وزنوا لهم.
{يخسرون}: أي ينقصون الكيل أو الوزن.
{ألا}: استفهام توبيخي انكاري.
{يظن}: أي يتيقن. {ليوم عظيم}: أي يوم القيامة لما فيه من أهوال وعظائم الأمور.
{يوم يقوم الناس}: أي من قبورهم.
{لرب العالمين}: أي يقومون خاشعين ذليلين ينتظرون حكم الله فيهم.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {ويل للمطففين} هذه الآيات الأولى من سورة المطففين قال أحد الأنصار رضي الله عنه كنا أسوأ الناس كيلا، حتى إنه ليكون لأحدنا مكيالان مكيال يشتري به وآخر يبيع به، وما إن نزلت فينا ويل للمطففين حتى أصبحنا أحسن كيلا ووزنا. وصدق هذا الصاحب الجليل فوالله لقد نزلت المدينة مهاجرا عام ثلاثة وسبعين وثلثمائة والف فوجدتهم على ما كانوا عليه ولقد كنت اشفق عليهم إذا كالوا لي أو وزنوا لي. فقوله تعالى: {ويل للمطففين} يتوعد سبحانه وتعالى بواد في جهنم بسيل صديد أهل النار الذين يبخسون الناس الكيل والميزان أي ينقصونهم ويبينهم تعالى بقوله: {الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون} أي اشتروا منهم يأخذون كيلهم وافياً وكذا إذا وزنوا وإذا كالوهم أي كالوا لهم أو وزنوا لهم يخسرون أو ينقصون. قال تعهالى موبخاً لهم منكراً {ألا يظن أولئك} المطففون {أنهم مبعوثون} من قبورهم {ليوم عظيم} هويوم الدين والجزاء والحساب {يوم يقوم الناس لرب العالمين} خاشعين ذليلين ينتظرون حكمه فيهم، ويطول بهم الموقف المائة سنة وأكثر وإن أحدهم ليلجمه العرق إلجاماً ومنهم من يصل العرق إلى نصف أذنيه والروايات في هذا كثيرة وصحيحة.

.من هداية الآيات:

1- حرمة التطفيف في الكيل والوزن وهو أن يأخذ زائداً ولو قل أو ينقص عامداً شيئا ولو قل.
وما كان بغير عمد ولا قصد فإِنه مما يُعفا عنه.
2- التذكير بالبعث والجزاء وتقريرهما.
3- عظم يوم القيامة يوم يقوم الناس لرب العالمين ليحكم بينهم ويجزي كلا بعمله خيرا أو شرا.

.تفسير الآيات (7- 13):

{كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (8) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (9) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13)}

.شرح الكلمات:

{كلا}: أي حقا وأن الأمر ليس كما يظن المطففون.
{لفي سجين}: سجين علم على كتاب ديوان الشر دوّن فيه أعمال الشياطين وأعمال الكفرة وهو أيضا موضع في اسفل الأرض السابعة فيه سجين الذي هو ديوان الكتب وبه أرواح الأشقياء عامة.
{كتاب مرقوم}: أي مسطور بيّن الكتابة فيه أعمالهم.
{يوم الدين}: اأ يوم القيامة الذي هو يوم الحساب والجزاء.
{كل معتد}: أي ظالم مضيع حقوق ربه تعالى وحقوق غيره.
{أثيم}: منغمس في الآثام مكثر منها.
{أساطير الأولين}: أي ما سطره الأولون من القصص والأخبار التي لا تصح.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في التحذير من الظلم والفسق عن أوامر الرب تبارك وتعالى وقوله تعالى: {كلا} أي ليس الأمر كما يظن المطففون والباخسون للحقوق أنه لا دقة في الحساب والجزاء أو أن مثل هذا لا يكتب ولا يحاسب عليه ولا يجزى به حقاً {إن كتاب الفجار} أي الظلمة الفاجرين عن الشرع حدوده {لفي سجين} موضع في أسفل الخلق به ارواح الكافرين والظالمين وكتب أعمالهم، وقوله: {وما أدراك ما سجين} أي وما أعلمك يا رسولنا ما سجين تفخيم لشأنه. وقوله: {كتاب مرقوم} بيان لكتاب الفجار أي أنه مكتوب مسطور بين الكتابة، {ويل يومئذ للمكذبين} أي العذاب الأليم بوادي الويل يوم القيامة للمكذبين بالله وآياته ولقائه المكذبين بيوم الجزاء والحساب وقوله تعالى: {وما يكذب به إلا كل معتد أثيم} يريد وما يكذب بيوم الجزاء والحساب إلا كل معتد ظالم متجاوز للحد اثيم مرتكب للذنوب والآثام بفسقه عن أوامر ربّه وخروجه عن طاعة الله بغشيانه المحارم وقوله: {إذا تتلى عليه آيانا قال أساطير الأولين} هذا بيان لذلك المعتدي الأثيم وهو انه إذا قرئت عليه آيات الله تذكيرا له وتعليما ردها بقوله أساطير الأولين أي هذه حكايات وأخبار الأولين مسطرة مكتوبة وأنكر كتاب الله وكذب به.

.من هداية الآيات:

1- بيان كتاب الفجار وأنه في سجين وسجين ديوان تدون فيه سائر كتب الفجار من أهل النار وموضع أسفل الأرض السابعة مستودع لكتب أعمال الفجار من كفار وفساق ولأرواحهم إلى يوم القيامة ولفظ سجين مشتق من السجين الذي هو الحبس.
2- الوعيد الشديد للمكذبين بالله وبآياته ولقائه.
3- تقرير عقيدة البعث والجزاء.

.تفسير الآيات (14- 17):

{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16) ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (17)}

.شرح الكلمات:

{ران على قلوبهم}: أي غطّى قلوبهم وحجبها عن قبول الحق.
{ما كانوا يكسبون}: أي من الذنوب والآثام.
{لمحجوبون}: أي يحال بينهم وبين رؤية الربّ إلى يوم القيامة.
{لصالو الجحيم}: أي لداخلوها ومحرقون معذبون بها.
{هذا الذي كنتم به تكذبون}: أي يقال لهم توبيخا وخزيا لهم وهم في العذاب هذا الذي كنتم به تكذبون.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في التنديد بالاعتداء والمعتدين والإِثم والآثمين فقال تعالى: {بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} أي ما الأمر كما يدعون من أن القرآن اساطير الأولين وإنما ران على قلوبهم أي غشّاها وغطاها اثر الذنوب والجرائم فحجبها عن معرفة الحق وقبوله، وقوله: {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} أي ردعاً لهم وزجراً عن أقوالهم الباطلة وأعمالهم الفاسدة إنهم عن ربهم لمحجوبون فلا يرونه ولا يرون كرامته {ثم إنهم لصالو الجحيم} أي لداخلوها ومصطلون بحرها معذبون بأنواع العذب فيها ثم يقال لهم توبيخاً وخزياً وتأنيباً {هذا} أي العذاب الذي كنتم به في الدنيا تكذبون حتى واصلتم كفركم وإجرامكم فحل بكم هذا الذي أنتم فيه الآن فذوقوا فلن تزدادوا إلا عذاباً.

.من هداية الآيات:

1- التحذير من مواصلة الذنوب وعدم التوبة منها حيث يؤدي ذلك بالعبد إلى أن يُحرم التوبة ففي حديث أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أذنب العبد نكت في قلبه نكتة سوداء فإن تاب صقل منها فإِن عاد عادت حتى تعظم في قلبه فذلك الران الذي قال الله كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون».
2- تقرير رؤية الله تعالى يف الآخرة بدليل قوله إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون أي الأشقياء إذاً فالسعداء غير محجوبين فهم يرون ربهم ويشهد له قوله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة}.
3- تقرير عقيدة البعث والجزاء.

.تفسير الآيات (18- 28):

{كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21) إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28)}

.شرح الكلمات:

{كتاب الأبرار}: أي كتاب أعمالهم والأبرار هم المطيعون لله ولرسوله الصادقون.
{لفي عليين}: أي في موضع يسمى عليين في أعلى الجنة.
{كتاب مرقوم}: أي كتاب مرقوم بأمان من الله إياه من النار يوم القيامة والفوز بالجنة.
{يشهدون المقربون}: أي يحضره المقربون من أهل كل سماء ويحفظونه لأنه يحمل أماناً لصاحبه من النار وفوزه بالجنة.
{إن الأبرار لفي نعيم}: أي إن الذين بروا ربهم بطاعته بأداء الفرائض واجتناب النواهي لفي نعيم الجنة.
{على الأرائك}: أي على الأسرة ذات الحجال.
{ينظرون}: أي ما آتاهم ربهم من صنوف النعيم.
{تعرف في وجوههم نضرة النعيم}: أي حُسنه وبريقه وتلألؤه.
{من رحيق}: أي من خمر صرف خالصة لا غش فيها ولا دنس.
{مختوم}: أي مختوم على إنائها لا يفك ختمه إلا هم.
{ختامه مسك}: أي آخر شربها يفوح برائحة المسك.
{وفي ذلك}: أي لا في غيره.
{فليتنافس المتنافسون}: أي فليطلب بالطاعة والاستقامة الطالبون للنعيم المقيم.
{ومزاجه من تسنيم}: أي ومزاج شرابهم من عين تجري من عال تسمى التسنيم.
{عينا يشرب بها المقربون}: عينا هي التسنيم يشرب منها المقربون صرفا وتمزج لأصحاب اليمين.

.معنى الآيات:

بعد أن ذكر تعالى كتاب الفجار وما ختم له به ذكر كتاب الأبرار وما ختم له به فقال: {كلا} أي حقاً {إن كتاب الأبرار} وهو جمع بر أو بار وهو المؤمن الذي بر ربه بطاعته في أداء فرائضه واجتناب نواهيه وكان صادقاً في ذلك كتاب أعمال هؤلاء الأبرار في عليين {وما أدراك} يا رسولنا {ما عليون} أنه موضع في أعلى الجنان. وقوله: {كتاب مرقوم} يريد كتاب الأبرار الموضوع في عليين كتاب مرقوم بأمان من الله لصاحبه من النار والفوز بالجنة {يشهده المقربون} أي مقربو كل سماء يحضرونه ويحفظون له ويشهدون بما فيه من الأمان لصاحبه من النار والفوز بالجنة. وقوله تعالى: {إن الأبرار} واصحاب الكتب المودعة في عليين لفي نعيم يريد يوم القيامة والنعيم هو نعيم الجنة وهذا لون منه على الأرائك أي الأسرة ذات الحجال {ينظرون} إنهم جالسون على الأرائك ينظرون باستحسان وإعجاب ملكهم الكبير الذي ملكهم الله تعالى وقد يمتد مسافة ألفي سنة وينتهي إليه بصرهم {تعرف في وجوههم نضرة النعيم} أي حسنه وبريقه وتلألؤه وقوله: {يسقون من رحيق مختوم} أي من خمر هي الرحيق صافية لا دنس فيها ولا غش مختوم على أوانيها لا يفكها إلا هم. ختامه مسك آخر هذا الشراب يفوح برائحة المسك الأذفر فهي طيبة الرائحة للغاية. وقوله تعالى: {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون} أي وفي مثل هذا النعيم لا في غيره من حطام الدنيا وشرابها وملكها الزائل يجب أن يتنافس المتنافسون أي في طلبه بالإِيمان وصالح الأعمال بعد البعد كل البعد عن الشرك وسيئي الأقوال وقبيح الأفعال.
وقوله تعالى: {ومزاجه من تسنيم عيناً يشرب بها المقربون} أي إن ذلك الرحيق يمزج لصحاب اليمين بماء عين تسمى التسنيم ويشربه المقربون صرفاً أي خالصاً بدون مزج من عين التسنيم وقوله: {يشرب بها} الباء بمعنى من أو ضمن يشرب معنى يلتذ أي يلتذ بها وقد سبق في سورة الإِنسان وقلت إنها لطيب شرابها تكاد تكون آلة للشرب فتكون الباء للآلة على بابها نحو شربت بالكأس.

.من هداية الآيات:

1- الثناء على الأبرار وبيّان ما أعد الله تعالى لهم وهم المؤمنون المتقون الصادقون في ذلك.
2- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر ما يجري فيها.
3- الترغيب في العمل الصالح للحصول على نعيم الجنة لقوله تعالى: {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون}.

.تفسير الآيات (29- 36):

{إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ (32) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (33) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (35) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)}

.شرح الكلمات:

{إن الذين أجرموا}: أي على أنفسهم بالشرك والمعاصي كأبي جهل وأميّة بن خلف وعتبة بن ابي معيط.
{من الذين آمنوا}: أي كبلال وياسر وعمار وصهيب وخبيب.
{يتغامزون}: أي يشيرون إلى المؤمنين بالجفن والحاجب استهزاء بهم.
{فاكهين}: أي إذا رجعوا غلى ديارهم وأهليهم يرجعون نشاوى فرحين معجبين بحالهم.
{وإذا رأوّهم}: أي وإذا رأى أولئك الفكهون رأوا المؤمنين.
{قالوا إن هؤلاء لضالون}: إن هؤلاء يعنون المؤمنين من اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لضالون بتركهم دينهم واتخاذهم لدين محمد صلى الله عيله وسلم الجديد.
{وما ارسلوا عليهم حافظين}: أي ولم يكلفهم الله تعالى بحفظ أعمالهم ورعاية أحوالهم.
وإنما هم متطفّلون.
{فاليوم}: أي يوم القيامة.
{من الكفار يضحكون}: أي من اجل ما هم فيه من العذاب حيث يرونهم وهم على أرائكهم.
{هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون}: أي هل جوزي الكفار بما كانوا يفعلون من الكفر والشر والفساد؟ والجواب نعم نعم نعم.

.معنى الآيات:

بعدما بيّن تعالى حال الأبرار في دار البرار وذكر ما شاء الله أن يذكر من نعيمهم ترغيبا وتعليماً بعد أن ذكر في الآيات قبلها حال المجرمين وما أعد لهم من عذاب في دار العذاب. ذكر تعالى هنا في خاتمة السورة ما أوجب للمجرمين وهو النار، وما أوجب للمؤمنين وهو الجنة فذكر طرفا من سلوك المجرمين وآخر من سلوك المؤمنين فقال عز من قائل {إن الذين أجرموا} أي على أنفسهم أي افسدوها بالشرك والشر والفساد كابي جهل والوليد بن المغيرة والعاصي وغيرهم كانوا من الذين آمنوا كبلال وعمار وصهيب وخبيب وأضرابهم من فقراء المؤمنين {يضحكون} استهزاء بهم وسخرية. {وإذا مروا بهم} في شوارع مكة حول المسجد الحرام {يتغامزون} يشيرون إليهم بالجفن والحاجب على عادة المتكبرين {وإذا انقلبوا} أي رجعوا {إلى أهلهم} في ديارهم {انقلبوا فكهين} ناعمين معجبين بحالهم فرحين بما عندهم {وإذا رأوهم} أي وإذا رأى أولئك المجرمون المؤمنين أشاروا إليهم وقالوا {إن هؤلاء لضالون} بتركهم دينهم واعتناق دين محمد الجديد في نظرهم. قال تعالى: {وما أرسلوا عليهم حافظين} أي على أعمالهم وأحوالهم حتى يقولوا ما قالوا وإنما هم متطفلون يدعون ما ليس لهم لقبح سلوكهم وسوء فهومهم، قال تعالى: {فاليوم} يوم القيامة {الذين آمنوا من الكفار يضحكون} أي من الكفار {على الأرائك} أي الأسرى ذات الحجال {ينظرون} إلى الكفار وهم في النار ويضحكون منهم وهم يعذبون ولا عجب في كيفية رؤيتهم لهم وهم في النار أسفل سافلين والمؤمنون في أعلى عليين إذ البث التلفزيوني اليوم قطع العجب وأبطله وقوله تعالى: {هل ثوّب الكفار} أي هل جوزي الكفار على أفعالهم الإِجرامية؟ والجواب معلوم مما تقدم إذ وصفت حالهم وبين عذابهم والعياذ بالله من عذابه وأليم عقابه.

.من هداية الآيات:

1- التنديد بالإِجرام والمجرمين.
2- بيان ما كان عليه المشركون في مكة إبّان الدعوة وما لقيه المؤمنون منهم.
3- بيان أن المؤمنين سيرون المشركين في الجحيم ويضحكون منهم وهم في نعيمهم والمشركون في جحيمهم.
4- بيان إكرام الله لأوليائه، وإهانته تعالى لأعدائه.

.سورة الانشقاق:

.تفسير الآيات (1- 15):

{إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (4) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (5) يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا (12) إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (13) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14) بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا (15)}

.شرح الكلمات:

{إذا السماء انشقت}: أي بالغمام وهو سحاب أبيض رقيق وذلك لنزول الملائكة.
{وأذنت لربها}: أي سمعت وأطاعت.
{وحقت}: أي وحق لها أن تسمع أمر ربها وتطيعه.
{وإذا الأرض مدت}: أي زيد في سعتها كما يمد الأديم أي الجلد إذ لم يبق عليها بناء ولا جبل.
{وألقت ما فيها وتخلت}: أي ألقت ما فيها من الموتى ألقتهم أحياء إلى ظهرها وتخلت عنه أي عما كان في بطنها.
{إنك كادح}: أي عامل كاسب للخير أو الشر.
{إلى ربك كدحا}: أي إلى أن تلقى ربك وأنت تعمل وتكسب فليكن عملك مما يرضي عنك ربك {فملاقيه}: أي ملاق ربك بعد موتك وبعملك خيره وشره.
{كتابه}: أي كتاب عمله وذلك بعد البعث.
{وينقلب إلى أهله مسرورا}: أي بعد الحساب اليسير يرجع إلى أهله في الجنة من الحور العين فرحا.
{وراء ظهره}: أي يأخذه بشماله من وراء ظهره إهانة له.
{يدعو ثبورا}: أي ينادي هلاكه قائلا واثبوراه واثبوراه أي يا هلاكه.
{ويصلى سعيرا}: أي ويحرق بالنار تحريقا وينضج انضاجه بعد أخرى على قراءة يُصلَّى بالتضعيف.
{إنه ظن أن لن يحور}: أي انه كان في الدنيا يظن أنه لا يرجع إلى الحياة بعد الموت فلذا لم يعمل خيرا قط ولم يتورع عن ترك الشر قط لعدم إيمانه بالبعث.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {إذا السماء انشقت} يخبر تعالى أنه إذا انشقت السماء أي تصدعت وتفطرت وذابت فصارت كالدهان {وأذنت لربها وحقت} أي وسمعت لأمر ربها واستجابت {فكانت} كما أمرها الله أن تكون منشقة منفطرة حتى تكون كالمهل، {وإذا الأرض مدت} من الأديم واتسعت رقعتها حيث زال منها الجبال والآكام والمباني والعمارات وأصبحت قاعا صفصفا {وألقت ما فيها} أي ما في بطنها من أموات {وتخلت} عنه أي عما كان في بطنها {وأذنت لربها} في ذلك كله أي سمعت وأجابت {وحقت} أي وحق لها أن تسمع وتجيب وتطيع وجواب إذا الأولى والثانية واحد وهو {علمت نفس ما قدمت وأخرت} أو ما أحضرت كما تقدم نظيره في التكوير والانفطار. وقوله تعالى: {يا أيها الإِنسان} أي يا بن آدم {إنك كادح إلى ربك كدحا} أي إنك عامل تعمل يوميا وليل نهار إلى أن تمون وتلقى ربك إنك لا تبرح تعمل لا محالة وتكسب بجوارحك الخير والشر إلى الموت حيث تنتقل إلى الدار الآخرة وتلقى ربك وتلاقيه هذا يشهد له قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الصحيح: «كلكم يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها».
إذا فمن الخير لك أيها الإِنسان المكلف أن تعمل عملك صالحا وانظر إلى الصورة التالية {فأما من أوتي كتابه بيمينه} لأنه حوى الخير ولا شر فيه {فسوف يحاسب حسابا يسيرا} ينظر في كتابه ويقرر هل فعلت كذا فيعترف ويتجاوز عنه وينقلب إلى أهله في الجنة وهم الحور العين والنساء المؤمنات والذرية الصالحة يجمعهم الله ببعهم كرامة لهم وهو قوله تعالى: {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإِيمان ألحقنا بهم ذرياتهم} {وأما من أوتي كتابه} أي كتاب أعماله {وراء ظهره} حيث تغل اليمني مع عنقه وتخرج الشمال وراء ظهره ويعطى كتابه وراء ظهره {فسوف يدعو ثبورا} أي ينادي هلاكه قائلا واثبوراه واثبوراه أي يا هلاكه احضر فهذا أوان حضورك {ويصلى سعيرا} أي ويدخل نارا مستعرة شديدة الالتهاب ويصلى أيضا فيها تصلية أي ينضح فيها لحمه المرة بعد المرة وأبدا.
والعياذ بالله وعلة ذلك وسببه هو {أنه كان في أهله} في الدنيا {مسرورا} لا يخاف الله ولا يرجو الدار الآخرة يعمل ما يشاء ويترك ما يشاء إنه ظن أن لن يحور أي انه لا يرجع حيا بعد موته ولا يحاسب ولا يجزى هذه على هلاكه وشقائه فاحذروها أيها الناس اليوم فآمنوا بربكم ولقائه واعملوا عملا ينجيكم من عذابه. وقوله تعالى: {بلى إن ربه كان به بصيرا} أي ليحورن وليبعثن وليحاسبن وليس كما يظن أنه لا يبعث ولا يحاسب ولا يجزى بل لابد من ذلك كله إن ربه تعالى كان به وبعمله بصيرا لا يخفى عليه من أمره شيء ونتيجة لذلك تَمَّ له هذا الحساب والعقاب بِأَمَرِ العذاب وأشدِّه دخول النار وتصلية جحيم.

.من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء ببيان مقدماته في انقلاب الكون.
2- بيان حتمية لقاء الإِنسان ربّه.
3- كل إنسان مكلف بالعقل والبلوغ فهو عامل وكاسب لا محالة إلى أن يموت ويلقى ربه.
4- أهل الإِيمان والتقوى يحاسبون حسابا يسيرا وهو مجرد عرض لا غير ويفوزون أما من نوقش الحساب فقد هلك وعذب لأنه لا يملك حجة ولا عذرا.
5- التنعم في الدنيا والانكباب على شهواتها وملاذها مع ترك الطاعات والصالحات ثمرة عدم الإِيمان أو اليقين بالبعث والجزاء.