فصل: كتاب الصلاة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام



وقوله: «فاغسلي عنك الدم وصلي» مشكل في ظاهره لأنه لم يذكر الغسل ولابد بعد انقضاء الحيض من الغسل.
وحمل بعضهم هذا الإشكال على أن جعل الإدبار: انقضاء أيام الحيض والاغتسال وجعل قوله: «فاغسلي عنك الدم» محمولا على دم يأتي بعد الغسل.
والجواب الصحيح: أن هذه الرواية- وإن لم يذكر فيها الغسل- فقد ذكر في رواية أخرى صحيحة فقال فيها: «واغسلي».
وفي الحديث دليل على نجاسة دم الحيض.
2- عن عائشة رضي الله عنها: «أن أم حبيبة استحيضت سبع سنين فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فأمرها أن تغتسل قالت: فكانت تغتسل لكل صلاة».
أم حبيبة هذه: ابنة جحش بن رآب الأسدي أخت زينت بنت جحش وكانت تحت عبد الرحمن بن عوف ويقال فيها: أم حبيب وأهل السير يقولون: إن المستحاضة حمنة قال أبو عمر ابن عبد البر: والصحيح عند المحدثين: أنهما كانتا مستحاضتين جميعا ووقع في نسخ من هذا الكتاب: «فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك أن تغتسل لكل صلاة» وليس في الصحيحين ولا أحدهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل لكل صلاة وإنما في الصحيح: «فأمرها أن تغتسل فكانت تغتسل لكل صلاة» وفي كتاب مسلم عن الليث لم يذكر ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أم حبيبة أن تغتسل لكل صلاة وإنما هو شيء فعلته هي.
وذهب قوم إلى أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة وقد ورد الأمر بالغسل لكل صلاة في رواية ابن اسحاق خارج الصحيح.
والذين لم يوجبوا الغسل لكل صلاة حملوا ذلك على مستحاضة ناسية للوقت والعدد يجوز في مثلها أن ينقطع الدم عنها في وقت كل صلاة.
واستدل بعضهم على أنه لم لا يلزمها الغسل لك لصلاة بقوله في الحديث المتقدم: «اغتسلي وصلي» نم حيث إنه يأمر بتكراره لكل صلاة ولو وجب لأمر به.
واستدل أيضا بتلك الرواية على من يقول: إن المستحاضة تجمع بين صلاتين بغسل واحد وتغتسل للصبح وحده ووجه الدليل: ما ذكره.
3- عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد كلانا جنب».
4- وكان يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض.
5- وكان يخرج رأسه إلي وهو معتكف فأغسله وأنا حائض.
الكلام على هذا الحديث من وجوه:
أحدها: هو أن اغتسال الرجل والمرأة في إناء واحد جائز وقد مر الكلام فيه.
الثاني: جواز مباشرة الحائض فوق الإزار لقولها: (فأتزر فيباشرني) واختلف الفقهاء فيما تحت الإزار وليس في هذا الحديث تصريح بمنع ولا جواز وإنما فيه فعل النبي صلى الله عليه وسلم والفعل بمجرده لا يدل على الوجوب على المختار.
الثالث: فيه جواز استخدام الرجل امرأته فيما خف من الشغل واقتضته العادة.
الرابع: فيه جواز مباشرة الحائض بمثل هذا الفعل من الطاهر فإن بدنها غير نجس إذا لم يلاق نجاسة.
الخامس: فيه أن المعتكف إذا أخرج رأسه من المسجد لم يفسد اعتكافه وقد يقاس عليه غيره من الأعضاء إذا لم يخرج جميع بدنه من المسجد وقد يستدل به على أن من حلف أن لا يخرج من بيت أو من غيره فخرج ببعض بدنه لم يحدث ووجه الاستدلال أن الحديث دل على أن خروج بعض البدن لا يكون كخروج كله فيما يعتبر فيه الكون في المكان المعين وإذا لم يكن خروج بعضه كخروج كله لم يحنث بذلك فإن اليمين إنما تعلقت بخروجه وحقيقته في الكل أعني كل البدن.
6- عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكئ في حجري فيقرأ القرآن وأنا حائض).
في مثل ما تقدم من طهارة بدن الحائض وما يلابسها مما لم تلحقه نجاسة وجواز ملابستها أيضا كما قلناه.
وفيه إشارة إلى أن الحائض لا تقرأ القرآن لأن قولها: (فيقرأ القرآن) إنما يحسن التنصيص عليه إذا كان ثمة ما يوهم منعه ولو كانت قراءة القرآن للحائض جائزة لكان هذا الوهم منتفيا أعني توهم امتناع قراءة القرآن في حجر الحائض ومذهب الشافعي الصحيح امتناع قراءة الحائض للقرآن ومشهور مذهب أصحاب مالك: جوازه.
7- عن معاذة قالت: (سألت عائشة رضي الله عنها فقالت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟ فقلت: لست بحرورية ولكني أسأل فقالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة).
معاذة بنت عبد الله العدوية امرأة صلة بن أشيم بصرية أخرج لها الشيخان في صحيحيهما.
والحروري من ينسب إلى حرواء وهو موضع بظاهر الكوفة اجتمع فيه أوائل الخوارج ثم كثر استعماله حتى استعمل في كل خارجي ومنه قول عائشة لمعاذة: (أحرورية أنت؟) أي أخارجية وإنما قالت ذلك لأن مذهب الخوارج أن الحائض تقضي الصلاة وإنما ذكرت ذلك أيضا لأن معاذة أوردت السؤال على غير جهة السؤال المجرد بل صيغتها قد تشعر بتعجب أو إنكار فقالت لها عائشة: (أحرورية أنت) فأجابتها بأن قالت لا ولكني أسأل أي أسأل سؤالا مجردا عن الإنكار والتعجب بل لطلب مجرد العلم بالحكم فأجابتها عائشة بالنص ولم تتعرض للمعنى لأنه أبلغ وأقوى في الردع عن مذهب الخوارج وأقطع لمن يعارض بخلاف المعاني المناسبة فإنها عرضة للمعارضة.
والذي ذكره العلماء من المعنى في ذلك أن الصلاة تتكرر فإيجاب قضائها مفض إلى حرج ومشقة فعفى عنه بخلاف الصوم فإنه غير متكرر فلا يفضي قضاؤه إلى حرج وقد اكتفت عائشة رضي الله عنها في الاستدلال على إسقاط القضاء بكونه لم يؤمر به فيحمل ذلك على وجهين.
أحدهما: أن تكون أخذت إسقاط القضاء من سقوط الأداء ويكون مجرد سقوط الأداء دليلا على سقوط القضاء إلا أن يوجد معارض وهو الأمر بالقضاء كما في الصوم.
والثاني:- وهو الأقرب- أن يكون السبب في ذلك أن الحاجة داعية إلى بيان هذا الحكم فإن الحيض يتكرر فلو وجب قضاء الصلاة فيه لوجب بيانه وحيث لم يبين دل على عدم الوجوب لاسيما وقد اقترن بذلك قرينة أخرى وهي الأمر بقضاء الصوم وتخصيص الحكم به وفي الحديث دليل لما يقوله الأصوليون من أن قول الصحابي كنا نؤمر وننهى في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلا لم تقم الحجة به.

.كتاب الصلاة:

.باب المواقيت:

1- عن أبي عمرو الشيباني- واسمه سعد بن إياس- قال: حدثني صاحب هذه الدار وأشار بيده إلى دار عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله؟ قال: «الصلاة على وقتها», قلت: ثم أي؟ قال: «بر الوالدين», قلت: ثم أي؟ قال: «الجهاد في سبيل الله», قال: حدثني بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو استزدته لزادني.
عبد الله بن مسعود بن الحرث بن شمخ هذلي يكنى أبا عبد الرحمن شهد بدرا يعرف بابن أم عبد توفي بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين وصلى عليه الزبير بن العوام ودفن بالبقيع وكان له يوم مات نيف وسبعون سنة من أكابر الصحابة وفقهائهم.
قوله حدثني صاحب هذه الدار دليل على أن الإشارة يكتفي بها عن التصريح بالاسم وتنزل منزلته إذا كانت معينة للمشار إليه مميزة عن غيره.
وسؤاله عن أفضل الأعمال طلب.
والأعمال هاهنا لعلها محمولة على الأعمال البدنية كما قال الفقهاء أفضل عبادات البدن الصلاة واحترزوا بذلك عن عبادة المال.
وقد تقدم لنا كلام في العمل هل يتناول عمل القلب أم لا؟ فإذا جعلناه مخصوصا بأعمال البدن تبين من هذا الحديث أنه لم يرد أعمال القلوب فإن من عملها ما هو أفضل كالإيمان وقد ورد في بعض الحديث ذكره مصرحا به أعني الإيمان فتبين بذلك الحديث أنه أريد بالأعمال ما يدخل فيه أعمال القلوب وأريد بها في هذا الحديث ما يختص بعمل الجوارح.
وقوله: «الصلاة على وقتها» ليس فيه ما يقتضي أول الوقت وآخره وكأن المقصود به الاحتراز عما إذا وقعت خارج الوقت قضاء وأنها لا تتنزل هذه المنزلة وقد ورد في حديث آخر: «الصلاة لوقتها» وهو أقرب لأن يستدل به على تقديم الصلاة في أول الوقت من هذا اللفظ.
وقد اختلفت الأحاديث في فضائل الأعمال وتقديم بعضها على بعض والذي قيل في هذا إنها أجوبة مخصوصة لسائل مخصوص أو من هو في مثل حاله أو هي مخصوصة ببعض الأحوال التي ترشد القرائن إلى أنها المراد.
ومثال ذلك أن يحمل ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من قوله: «ألا أخبركم بأفضل أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم...» وفسره بذكر الله تعالى على أن يكون ذلك أفضل الأعمال بالنسبة إلى المخاطبين بذلك أو من هو في مثل حالهم أو من هو في صفاتهم ولو خوطب بذلك الشجاع الباسل المتأهل للنفع الأكبر في القتال لقيل له الجهاد ولو خوطب به من لا يقوم مقامه في القتال ولا يتمحض حاله لصلاحية التبتل لذكر الله تعالى وكان غنيا ينتفع بصدقة ماله لقيل له الصدقة وهكذا في بقية أحوال الناس قد يكون الأفضل في حق هذا مخالفا للأفضل في حق ذاك بحسب ترجيح المصلحة التي تليق به.
وأما «بر الوالدين» فقد قدم في الحديث على الجهاد وهو دليل على تعظيمه ولا شك في أن أذاهما بغير ما يجب من البر في غير هذا ففي ضبطه إشكال كبير.
وأما «الجهاد في سبيل الله تعالى» فمرتبته في الدين عظيمة والقياس يقتضي أنه أفضل من سائر الأعمال التي هي وسائل فإن العبادات على قسمين منها ما هو مقصود لنفسه ومنها ما هو وسيلة إلى غيره وفضيلة الوسيلة بحسب فضيلة المتوسل إليه فحيث تعظم فضيلة المتوسل إليه تعظم فضيلة الوسيلة ولما كان الجهاد في سبيل الله وسيلة إلى إعلان الإيمان ونشره وإخمال الكفر ودحضه كانت فضيلة الجهاد بحسب فضيلة ذلك والله أعلم.
2- عن عائشة رضي الله عنها قالت: (لقد كان رسول الله يصلي الفجر فيشهد معه نساء من المؤمنات متلفعات بمروطهن ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحد من الغلس).
المروط: أكسية معلمة تكون من خز وتكون من صوف ومتلفعات: ملتحفات والغلس: اختلاط ضياء الصبح بظلمة الليل وهذا الحديث حجة لمن يرى التغليس في صلاة الفجر وتقديمها في أول الوقت لاسيما مع ما روي من طول قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في صلة الصبح وهذا مذهب مالك والشافعي.
وخالف أبو حنيفة ورأى أن الإسفار في بها أفضل لحديث ورد فيه: «أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر» وفيه دليل على شهود النساء الجماعة بالمسجد مع الرجال وليس في هذا الحديث ما يدل على كونهن عجزا أو شواب وكره بعضهم الخروج للشواب.
وقولها متلفعات بالعين ويروى متلففات بالفاء والمعنى متقارب إلا أن التلفع يستعمل مع تغطية الرأس قال ابن حبيب: لا يكون الالتفاع إلا بتغطية الرأس واستأنسوا لذلك بقول عبيد بن الأبرص:
كيف ترجون سقوطي بعدما... لفع الرأس بياض وصلع؟
واللفاع: ما التفع به واللحاف: ما التحف به.
وقد فسر المصنف المروط بكونها أكسية من صوف وخز وزاد بعضهم في صفتها أن تكون مربعة وقال بعضهم: إن سداها من شعر وقيل: إنه جاء مفسرا في الحديث على هذا وقالوا: إن قول امرئ القيس:
على أثرينا ذيل مرط مرجل

قالوا: المرط هاهنا من خز.
وفسر الغلس بأنه اختلاط ضياء الصبح في ظلمة الليل والغلس والغبش متقاربان والفرق.
بينهما أن الغلس في آخر الليل وقد يكون الغبش في آخره وأوله وأما من قال الغبس بالغين والباء والسين المهملة فغلظ عندهم.
3- عن جابر بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة والعصر والشمس نقية والمغرب إذا وجبت والعشاء أحيانا وأحيانا إذا رآهم اجتمعوا عجل وإذا رآهم أبطؤوا أخر والصبح كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها بغلس.
الهاجرة: هي شدة الحر بعد الزوال.