فصل: باب الصفوف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام



المسألة الثالثة: رجعوا إلى الحديث أيضا في أن نسخ السنة بالكتاب جائز ووجه التعلق بالحديث في ذلك: أن المخبر لهم ذكر أنه: (أنزل الليلة قرآن) فأحال في النسخ على الكتاب ولو لم يذكر ذلك لعلمنا أن ذلك من الكتاب وليس التوجه إلى بيت المقدس بالكتاب إذ لا نص في القرآن على ذلك فهو بالسنة ويلزم من مجموع ذلك نسخ السنة بالكتاب والمنقول عن الشافعي: خلافه.
ويعترض على هذا بوجوه بعيدة أحدها: أن يقال: المنسوخ كان ثابتا بكتاب نسخ لفظه والثاني: أن يقال: النسخ كان بالسنة ونزل الكتاب على وفقها الثالث: أن يجعل بيان المجمل كالملفوظ به وقوله تعالى: {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: 109] مجمل فسر بأمور منها: التوجه إلى بيت المقدس فيكون كالمأمور به لفظا في الكتاب.
وأجيب عن الأول والثاني: بأن مساق هذا التجويز: يفضي إلى أن لا يعلم ناسخ من منسوخ بعينه أصلا فإن هذين الاحتمالين مطردان في كل ناسخ ومنسوخ والحق أن هذا التجويز: ينفي القطع اليقين بالنظر إليه إلا أن تحتف القرائن بنفي هذا التجويز كما في كون الحكم بالتحويل إلى القبلة مستندا إلى الكتاب العزيز.
وأجيب عن الثالث: بأنا لا نسلم بأن البيان كالملفوظ به في كل أحكامه.
المسألة الرابعة: اختلفوا في أن حكم الناسخ هل يثبت في حق المكلف قبل بلوغ الخطاب له؟ وتعلقوا بهذا الحديث في ذلك.
ووجه التعلق: أنه لو ثبت الحكم في أهل قباء قبل بلوغ الخبر إليهم لبطل ما فعلوه من التوجه إلى بيت المقدس فيفقد شرط العبادة في بعضها فتبطل.
المسألة الخامسة: قيل فيه دليل على جواز مطلق النسخ لأن ما دل على جواز الأخص دل على جواز الأعم.
المسألة السادسة: قد يؤخذ منه جواز الاجتهاد في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم أو بالقرب منه لأنه كان يمكن أن يقطعوا الصلاة وأن يبنوا فرجحوا البناء وهو محل الاجتهاد تمت المسائل الأصولية.
وأما المسائل الفروعية فالأولى منها: أن الوكيل إذا عزل فتصرف قبل بلوغ الخبر إليه هل يصح تصرفه بناء على مسألة النسخ؟ وهل يثبت حكمه قبل بلوغ الخبر؟ وقد نوزع في هذا البناء على ذلك الأصل.
ووجه قول هذا المنازع في هذا البناء على مسألة النسخ أن النسخ خطاب تكليفي إما بالفعل أو بالاعتقاد ولا تكليف إلا مع الإمكان ولا إمكان مع الجهل بورود الناسخ وأما تصرف الوكيل فمعنى ثبوت حكم العزل فيه أنه باطل ولا استحالة في أن يعلم بعد البلوغ بطلانه قبل بلوغ الخبر وعلى تقدير صحة هذا البناء فالحكم هناك في مسألة الوكيل يكون مأخوذا بالقياس لا بالنص.
الثانية: إذا صلت الأمة مكشوفة الرأس ثم علمت بالعتق في أثناء الصلاة هل تقطع الصلاة أم لا؟ فمن أثبت الحكم قبل بلوغ العلم إليها قال بفساد ما فعلت فألزمها القطع ومن لم يثبت ذلك لم يلزمها القطع إلا أن يتراخى سترها لرأسها وهذا أيضا مثل الأول وأنه بالقياس.
الثالثة: قيل فيه دليل على جواز تنبيه من ليس في الصلاة لمن هو فيها وأن يفتح عليه كذا ذكره القاضي عياض رحمه الله وفي استدلاله على جواز أن يفتح عليه مطلقا نظر لأن هذا المخبر عن تحويل القبلة مخبر عن واجب أو آمر بترك ممنوع ومن يفتح الله على غيره ليس كذلك مطلقا فلا يساويه ولا يلحق به هذا إذا كان الفتح في غير الفاتحة.
الرابعة: قيل: فيه دليل على جواز الاجتهاد في القبلة ومراعاة السمت لأنهم استداروا إلى جهة الكعبة لأول وهلة في الصلاة قبل قطعهم على موضع عينها.
الخامسة: قد يؤخذ منه أن من صلى إلى غير القبلة بالاجتهاد ثم تبين له الخطأ أنه لا يلزمه الإعادة لأنه فعل ما وجب عليه في ظنه مع مخالفة الحكم في نفس الأمر كما أن أهل قباء فعلوا ما وجب عليهم عند ظنهم بقاء الأمر ولم يفسد فعلهم ولا أمروا بالإعادة.
السادسة: قال الطحاوي: في هذا دليل على أن من لم يعلم بفرض الله تعالى ولم تبلغه الدعوة ولا أمكنه استعلام ذلك من غيره فالفرض غير لازم له والحجة غير قائمة عليه وركب بعض الناس على هذا: مسألة من أسلم في دار الحرب أو أطراف بلاد الإسلام حيث لم يجد من يستعمله عن شرائع الإسلام هل يجب عليه أن يقضي ما مر من صلاة وصيام لم يعلم وجوبهما؟ وحكى عن مالك والشافعي إلزامه ذلك أو ما هذا معناه لقدرته على الاستعلام والبحث والخروج لذلك وهذا أيضا يرجع إلى القياس والله أعلم.
وقوله في الحديث وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها يروى بكسر الباء على الأمر ويروى فاستقبلوها بفتحها على الخبر.
3- عن أنس بن سيرين قال: (استقبلنا أنسا حين قدم من الشام فلقبناه بعين التمر فرأيته يصلي على حمار ووجهه من ذا الجانب يعين عن يسار القبلة فقلت: رأيتك تصلي لغير القبلة؟ فقال: لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله ما فعلته).
الحديث يدل على جواز النافلة على الدابة إلى غير القبلة وهو كما تقدم في حديث ابن عمر وليس في هذا الحديث إلا زيادة أنه على حمار فقد يؤخذ منه طهارته لأن ملامسته مع التحرز عنه متعذرة لاسيما إذا طال زمن ركوبه فاحتمل العرق وإن كان يحتمل أم يكون على حائل بينه وبينه.
وقوله من الشأم هو الصواب في هذا الموضع ووقع في كتاب مسلم حين قدم من الشام وقالوا: هو وهم وإنما خرجوا من البصرة ليتلقوه من الشام وقوله: (رأيتك تصلي إلى غير القبلة فقال: لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله ما فعلته) إنما يعود إلى الصلاة إلى غير القبلة فقط وهو الذي سئل عنه لا إلى غير ذلك من هيئته والله أعلم.
وراوي هذا الحديث عن أنس بن مالك: أبو حمزة أنس بن سيرين أخو محمد بن سيرين مولى أنس بن مالك ويقال: إنه لما ولد ذهب به إلى أنس بن مالك فسماه أنسا وكناه بأبي حمزة باسمه وكنيته متفق على الاحتجاج بحديثه مات بعد أخيه محمد وكانت وفاة أخيه محمد سنة عشر ومائة.

.باب الصفوف:

1- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة».
تسوية الصفوف: اعتدال القائمين بها على سمت واحد وقد تدل تسويتها أيضا على سد الفرج فيها بناء على التسوية المعنوية والاتفاق على أن تسويتها بالمعنى الأول والثاني أمر مطلوب وإن كان الأظهر أن المراد بالحديث الأول.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «من تمام الصلاة» يدل على أن ذلك مطلوب وقد يؤخذ منه أيضا أنه مستحب غير واجب لقوله: «من تمام الصلاة» ولم يقل: إنه من أركانها ولا واجباتها وتمام الشيء: أمر زائد على وجود حقيقته التي لا يتحقق إلا بها مشهور الاصطلاح وقد ينطلق بحسب الوضع على بعض ما لا تتم الحقيقة إلا به.
2- عن النعمان بن بشار رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم».
ولمسلم: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوي بها القداح حتى إذا رأى أن قد عقلنا عنه ثم خرج يوما فقام حتى إذا كاد أن يكبر فرأى رجلا باديا صدره فقال: «عباد الله لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم».
النعمان بن بشير بفتح الباء وكسر الشين المعجمة ابن سعد بن ثعلبة الأنصاري ولد قبل وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بثمان أو ست سنوات قال أبو عمر: والأول أصح إن شاء الله قتل سنة أربع وستين بمرج راهط.
تسوية الصفوف قد تقدم الكلام عليها وقوله: «أو ليخالفن الله بين وجوهكم» معناه: إن لم تسووا لأنه قابل بين التسوية وبينه أي الواقع أحد الأمرين: إما التسوية أو المخالفة.
وكان يظهر لي في قوله: «أو ليخالفن الله بين وجوهكم» أنه راجع إلى اختلاف القلوب وتغير بعضهم على بعض فإن تقدم إنسان على الشخص أو على الجماعة وتخليفه إياهم من غير أن يكون مقاما للإمامة بهم قد يوغر صدورهم وهو موجب لاختلاف قلوبهم فعبر عنه بمخالفة وجوههم لأن المختلفين في التباعد والتقارب يأخذ كل واحد منهما غير وجه الآخر فإن شئت بعد ذلك أن تجعل الوجه بمعنى الجهة وإن شئت أن تجعل الوجه معبرا به عن اختلاف المقاصد وتباين النفوس فإن من تباعد عن غيره وتنافر زوى وجهه عنه فيكون المقصود: التحذير من وقوع التباغض والتنافر.
وقال القاضي عياض رحمه الله في قوله: «أو ليخالفن الله بين وجوهكم» يحتمل أنه كقوله: «أن يحول الله صورته صورة حمار» فيخالف بصفتهم إلى غيرها من المسوخ أو يخالف بوجه من لم يقم صفه ويغير صورته عن وجه من أقامه أو يخالف باختلاف صورها بالمسخ والتغيير.
وأقول: أما الأول وهو قوله: فيخالف بصفتهم إلى غيرها من المسوخ فليس فيه محافظة ظاهرة على مقتضى لفظة بين والأليق بهذا المعنى أن يقال: يخالف وجوهكم عن كذا إلا أن يراد المخالفة بين وجوه من مسخ ومن لم يمسخ فهذا الوجه الثاني وأما الوجه الأخير ففيه محافظة على معنى بين إلا أنه ليس فيه محافظة ظاهرة على قوله: «وجوهكم» فإن تلك المخالفة بعد المسخ وليست تلك صفة وجوههم عند المخالفة في الفعل والأمر في هذا قريب محتمل.
وقوله القداح هي خشب السهام حين تبرى وتنحت وتهيأ للرمي وهي مما يطلب فيه التحرير وإلا كان السهم طائشا وهي مخالفة لغرض إصابة الغرض فيضرب به المثل لتحرير التسوية لغيره.
وفي الحديث دليل على أن تسوية الصفوف من وظيفة الإمام وقد كان بعض أئمة السلف يوكل بالناس من يسوي صفوفهم.
وقوله حتى إذا رأى أن قد عقلنا يحتمل أن المراد أنه كان يراعيهم في التسوية ويراقبهم إلى أن علم أنهم عقلوا المقصود منه وامتثلوه فكان ذلك غاية لمراقبتهم وتكلف مراعاة إقامتهم.
وقوله: حتى إذا كاد أن يكبر فرأى رجلا باديا صدره فقال: (عباد الله...) الخ يستدل به على جواز كلام الإمام فيما بين الإقامة والصلاة لما يعرض من حاجة وقيل: أن العلماء اختلفوا في كراهة ذلك.
3- عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن جدته مليكة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته فأكل منه ثم قال: «قوموا فلأصلي لكم؟», قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس فنضحته بماء فقام عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا فصلى لنا ركعتين ثم انصرف.
ولمسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلى به وبأمه فأقامني عن يمينه وأقام المرأة خلفنا».
قال صاحب الكتاب: اليتيم هو ضميرة جد حسين بن عبد الله بن ضميرة.
مليكة بضم الميم وفتح اللام وبعض الرواة: رواه بفتح الميم وكسر اللام والأصح الأول قيل هي أم سليم وقيل أم حرام قال بعضهم: ولا يصح.
وهذا الحديث رواه إسحاق بن عبد الله بن أبي طليحة عن أنس بن مالك فقيل: الضمير في جدته عائد على إسحق بن عبد الله وإنها أم أبيه قاله الحافظ أبو عمر فعلى هذا كان ينبغي.
للمصنف أن يذكر إسحاق فإنه لما أسقط ذكره تعين أن تكون جدة أنس وقال غير أبي عمر أنها جدة أنس أم أمه فعلى هذا لا يحتاج إلى ذكر إسحاق وعل كل حال فالأحسن إثباته.
وفي الحديث دليل على ما كان النبي صلى الله عليه وسلم من التواضع وإجابة دعوة الداعي ويستدل به على إجابة أولي الفضل لمن دعاهم لغير الوليمة.
وفيه أيضا: جواز الصلاة للتعليم أو لحصول البركة بالاجتماع فيها أو بإقامتها في المكان المخصوص وهو الذي قد يشعر به قوله لكم.
وقوله: إلى حصير قد اسود من طول ما لبس أخذ منه: إن الافتراش يطلق عليه لباس ورتب عليه مسألتان: إحداهما: لو حلف لا يلبس ثوبا ولم يكن له نية فافترشه: أنه يحنث والثانية: إن افتراش الحرير لباس له فيحرم على أن ذلك- أعني افتراش الحرير- قد ورد فيه نص يخصه.
وقوله فنضحته النضح: يطلق على الغسل ويطلق على ما دونه وهو الأشهر فيحتمل أن يريد الغسل فيكون ذلك لأحد أمرين: إما لمصلحة دنيوية وهي تليينه وتهيئته للجلوس عليه وأما لمصلحة دينية وهي طلب طهارته وزوال ما يعرض من الشك في نجاسته لطول لبسه ويحتمل أن يراد ما دون الغسيل وهو النضح الذي تستحبه المالكية لما يشك في نجاسته وقد قرب ذلك بأن أبا عمير كان معهم في البيت واحتراز الصبيان من النجاسة بعيد.
وقوله: فصففت أنا واليتيم وراءه حجة لجمهور الأمة في أن موقف الاثنين وراء الإمام وكان بعض المتقدمين أن يكون موقف أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره.
وفيه دليل على أن للصبي موقفا في الصف.
وفيه دليل أن موقف المرأة وراء موقف الصبي.
ولم يحسن من استدل به على أن صلاة المنفرد خلف الصف صحيحة فأن هذه الصورة ليست من صور الخلاف وأبعد من استدل به أنها لا تصح إمامتها للرجل لأنه وجب تأخرها في الصف فلا تقدم إماما.
قوله: ثم انصرف الأقرب: أنه أراد عن البيت ويحتمل أنه أراد الانصراف من الصلاة أما على رأي أبي حنيفة فبناء على أن السلام لا يدخل تحت مسمى الركعتين وأما على رأي غيره فيكون الانصراف عبارة عن التحلل الذي يستعقب السلام.
وفي الحديث دليل على جواز الاجتماع في النوافل خلف إمام وفيه دليل على صحة صلاة الصبي والاعتداد بها والله أعلم.
4- عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (بت عند خالتي ميمونة فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل فقمت عن يساره فأخذ برأسي فأقامني عن يمينه).
خالته ميمونة بنت الحارث أخت أمه أم الفضل بنت الحرث ومبيته عندها فيه دليل على جواز مثل ذلك من المبيت عند المحارم مع الزوج وقيل: إنه تحرى لذلك وقتا لا يكون فيه ضرر بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو وقت الحيض وقيل أنه بات عندها لينظر صلاة النبي صلى الله عليه وسلم.
وفيه دليل على أن للصبي موقفا مع الإمام في الصف وإذا أخذ غير ما ورد في غير هذه الرواية من أنه: (دخل في صلاة النفل بعد دخول النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة) ففيه دليل على جواز الشروع في الائتمام بمن لم ينو الإمامة.
وفيه دليل على أن موقف المأموم الواحد عن يمين الإمام.
وفيه دليل على أن العمل اليسير في الصلاة لا يفسدها.