فصل: باب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام



.باب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم:

1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر في الصلاة سكت هنيهة قبل أن يقرأ فقل: يا رسول الله بأبي أنت وأمي أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة: ما تقول؟ قال: «أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد».
تقدم القول في أن كان تشعر بكثرة الفعل أو المداومة عليه وقد تستعمل في مجرد وقوعه.
وهذا الحديث: يدل لمن قال باستحباب الذكر بين التكبير والقراءة فإنه دل على استحباب هذا الذكر والدال على المقيد دال على المطلق فينافي ذلك كراهية المالكية فيما بين التكبير والقراءة ولا يقتضي استحباب ذكر آخر معين.
وفيه دليل لمن قال باستحباب هذه السكتة بين التكبير والقراءة والمراد بالسكتة ههنا: السكوت عن الجهر لا عن مطلق القول أو عن قراءة القرآن لا عن الذكر.
وقوله: «ما تقول؟» يعشر بأنه فهم أن هناك قولا فإن السؤال وقع بقوله: «ما تقول؟» ولم يقع بقوله: هل تقول؟ والسؤال بهل مقدم على السؤال بما هاهنا ولعله استدل على أصل القول بحركة الفم كما ورد في استدلالهم على القراءة في السر باضطراب لحيته.
وقوله: «اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب» عبارة: إما عن محورها وترك المؤاخذة بها وإما عن المنع من وقوعها والعصمة منها وفيه مجازان:
أحدهما: استعمال المباعدة في ترك المؤاخذة أو في العصمة منها والمباعدة في الزمان أو في المكان في الأصل.
والثاني: استعمال المباعدة في الإزالة الكلية فإن أصلها لا يقتضي الزوال وليس المراد هاهنا البقاء مع البعد ولا ما يطابقه من المجاز وإنما المراد الإزالة بالكلية.
وكذلك التشبيه بالمباعدة بين المشرق والمغرب المقصود منها ترك المؤاخذة أو العصمة.
وقوله: «اللهم نقني من خطاياي إلى قوله من الدنس» مجاز كما تقدم عن زوال الذنوب وأثرها ولما كان ذلك أظهر في الثوب الأبيض من غيره من الألوان وقع التشبيه به.
وقوله: «اللهم اغسلني» إلى آخره يحتمل أمرين بعد كونه مجازا عما ذكرناه.
أحدهما: أن يراد بذلك التعبير عن غاية المحو أعني بالمجموع فإن الثوب الذي تتكرر عليه التنقية بثلاثة أشياء منقية يكون في غاية النقاء.
الوجه الثاني: أن يكون كل واحد من هذه الأشياء مجازا عن صفة يقع بها التكفير والمحو ولعل ذلك كقوله تعالى: {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا} [البقرة: 286] فكل واحدة من هذه الصفات- أعني: العفو والمغفرة والرحمة- لها اثر في محو الذنب فعلى هذا الوجه: ينظر إلى الأفراد ويجعل كل فرد من أفراد الحقيقة دالا على معنى فرد مجازي وفي الوجه الأول: لا ينظر إلى أفراد الألفاظ بل تجعل جملة اللفظ دالة على غاية المحو للذنب.
2- عن عائشة رضي الله عنها قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين رب العالمين وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه ولكن بين ذلك. وكان إذا رفع رأسه من الركوع: لم يسجد حتى يستوي قائما وكان إذا رفع رأسه من السجدة: لم يسجد حتى يستوي قاعدا وكان يقول في كل ركعتين التحية وكان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى وكان ينهى عن عقبة الشيطان وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع وكان يختم الصلاة بالتسليم).
[كلام المستملي].
هذا الحديث سها المصنف في إيراده في هذا الكتاب فإنه مما انفرد به مسلم عن البخاري فرواه من حديث الحسين المعلم عن بديل بن ميسرة عن أبي الجوزاء عن عائشة رضي الله عنها وشرط الكتاب: تخريج الشيخين للحديث اهـ.
قولها: (كان يستفتح الصلاة بالتكبير) قد تقدم الكلام على لفظة كان فإنها قد تستعمل في مجرد وقوع الفعل وهذا الحديث- مع حديث أبي هريرة- قد يدل على ذلك فإنها قد استعملت في أحدهما على غير ما استعملت في الآخر فإن حديث أبي هريرة: إن اقتضى المداومة أو الأكثرية على السكوت وذلك الذكر وهذا الحديث يقتضي المداومة- أو الأكثرية- لافتتاح الصلاة بعد التكبير بالحمد لله رب العالمين تعارضا.
وهذا البحث مبنى على أن يكون لفظ القراءة مجرورا فإن كانت لفظة كان لا تدل على الكثيرة فلا تعارض إذا قد يكثران جميعا وهذه الأفعال التي تذكرها عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة قد استدل الفقهاء بكثير منها على الوجوب لا لأن الفعل يدل على الوجوب بل لأنهم يرون أن قوله تعالى: {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} خطاب مجمل مبين للفعل والفعل المبين للمجمل المأمور به: يدخل تحت الأمر فيدل مجموع ذلك على الوجوب وإذا سلكت هذه الطريقة وجدت أفعالا غير واجبة فلابد أن يحال ذلك على دليل آخر دل على عدم الوجوب.
وفي هذا الاستدلال بحث وهو أن يقال: الخطاب المجمل يتبين بأول الأفعال وقوعا فإذا تبين بذلك الفعل لم يكن ما وقع بعده بيانا لوقوع البيان بالأول فيبقى فعلا مجردا لا يدل على الوجوب اللهم إلا أن يدل دليل على وقوع ذلك الفعل المستدل به بيانا فيتوقف الاستدلال بهذه الطريقة على وجود ذلك الدليل بل قد يقوم الدليل على خلافه كرواية من رأى فعلا للنبي صلى الله عليه وسلم وسبقت له صلى الله عليه وسلم مدة يقيم الصلاة فيها وكان هذا الراوي الرائي من أصاغر الصحابة الذين حصل تمييزهم ورؤيتهم بعد إقامة الصلاة مدة فهذا مقطوع بتأخره وكذلك من أسلم بعد مدة إذا أخبر برؤيته للفعل وهذا ظاهر في التأخير وهذا تحقيق بالغ.
وقد يجاب عنه بأمر جدلي لا يقوم مقامه وهو أن يقال: دل الحديث المعين على وقوع هذا الفعل والأصل عدم غيره وقوعا بدلالة الأصل فينبغي أن يكون وقوعه بيانا وهذا قد يقوي إذا وجدنا فعلا ليس فيه شيء مما قام الدليل على عدم وجوبه فأما إذا وجد فيه شيء من ذلك فإذا جعلناه مبينا بدلالة الأصل على عدم غيره ودل الدليل على عدم وجوبه: لزم النسخ لذلك الوجوب الذي ثبت أولا فيه: ولا شك أن مخالفة الأصل أقرب من التزام النسخ.
وقولها: (وكان يفتتح الصلاة بالتكبير) يدل على أموين:
أحدها: أن الصلاة تفتتح بالتحريم أعني ما هو أعم من التكبير بمعنى أنه لا يكتفي بالنية في الدخول فيها فإن التكبير تحريم مخصوص والدال على وجود الأخص دال على وجود الأعم وأعني بالأعم ههنا: هو المطلق ونقل بعض المتقدمين خلافه وربما تأوله بعضهم على مالك والمعروف خلافه عنه وعن غيره.
الثاني: أن التحريم يكون بالتكبير خصوصا وأبو حنيفة يخالف فيه ويكتفي بمجرد التعظيم كقوله الله أجل أو أعظم والاستدلال على الوجوب بهذا الفعل إما على الطريقة السابقة من كونه بيانا للمجمل وفيه ما تقدم وإما بأن يضم إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي» وقد فعلوا ذلك في مواضع كثيرة واستدلوا على الوجوب بالفعل مع هذا القول أعني قوله صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي» وهذا إذا أخذ مفردا عن ذكر سببه وسياقه: أشعر بأنه خطاب للأمة بأن يصلوا كما صلى صلى الله عليه وسلم فيقوي الاستدلال بهذه الطريقة على كل فعل ثبت أنه فعله في الصلاة وإنما هذا الكلام قطعة من حديث مالك بن الحويرث قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم- ونحن شببة متقاربون- فأقمنا عنده عشرين ليلة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيما رفيقا فظن أنا قد اشتقنا أهلنا فسألنا عمن تركنا من أهلنا؟ فأخبرناه فقال: «ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم فإذا حضرت الصلاة فيؤذن لكم أحدكم ثم ليؤمكم أكبركم» زاد البخاري: «وصلوا كما رأيتموني أصلي» فهذا خطاب لمالك وأصحابه بأن يوقعوا الصلاة على ذلك الوجه الذي رأوا النبي صلى الله عليه وسلم يصلي عليه ويشاركهم في هذا الخطاب كل الأمة في أن يوقعوا الصلاة على ذلك الوجه فما ثبت استمرار فعل النبي صلى الله عليه وسلم عليه دائما: دخل تحت الأمر وكان واجبا وبعض مقطوع به أي مقطوع باستمرار فعله له وما لم يدل دليل على وجوده في تلك الصلوات التي تعلق الأمر بإيقاع الصلاة على صفتها- لا يجزم بتناول الأمر له وهذا أيضا يقال فيه من الجدل ما أشرنا إليه.
وقولها: (والقراءة بالحمد لله رب العالمين) تمسك به مالك وأصحابه في ترك الذكر بين التكبير والقراءة فإنه لو تخلل ذكر بينهما لم يكن الاستفتاح بالقراءة بالحمد لله رب العالمين وهذا على أن تكون القراءة مجرورة لا منصوبة واستدل به أصحاب مالك أيضا على ترك التسمية في ابتداء الفاتحة وتأوله غيرهم على أن المراد: يفتتح بسورة الفاتحة قبل غيرها من السور وليس بقوي لأنه عن أجرى مجرى الحكاية فذلك يقتضي البداءة بهذا اللفظ بعينه فلا يكون قبله غيره لأن ذلك الغير يكون هو المفتتح به وإن جعل اسما فسورة الفاتحة لا تسمى بهذا المجموع أعني: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} بل تسمى بسورة الحمد فلو كان لفظ الرواية كان يفتتح بالحمد لقوي هذا المعنى فإنه يدل حينئذ على الافتتاح بالسورة التي البسملة بعضها عند هذا المتأول لهذا الحديث.
وقولها: (وكان إذا ركع لم يشخص رأسه) أي لم يرفعه ومادة اللفظ تدل على الارتفاع ومنه: أشخص بصره إذا رفعه نحو جهة العلو ومنه الشخص لارتفاعه للأبصار ومنه: شخص المسافر: إذا خرج من منزله إلى غيره ومنه ما جاء في بعض الآثار فشخص بي أي أتاني ما يقلقني كأنه رفع من الأرض لقلقه.
وقولها: (ولم يصوبه) أي لم ينكسه ومن الصيب: المطر صاب يصوب إذا نزل قال الشاعر:
فلست لإنسي ولكن لملأك ** تنزل من جو السماء يصوب

ومن أطلب الصيب على الغيم فهو من باب المجاز لأنه سبب الصيب الذي هو المطر.
وقولها: (ولكن بين ذلك) إشارة إلى المسنون في الركوع وهو الاعتدال واستواء الظهر والعنق.
وقولها: (وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائما) دليل على الرفع من الركوع والاعتدال فيه والفقهاء اختلفوا في وجوب ذلك على ثلاثة أقوال الثالث: يجب ما هو إلى الاعتدال أقرب وهذا عندنا من الأفعال التي ثبت استمرار النبي صلى الله عليه وسلم عليها أعني الرفع من الركوع.
وأما قولها: (وكان إذا رفع رأسه من السجود لم يسجد حتى يستوي قاعدا) يدل على الرفع من السجود وعلى الاستواء في الجلوس بين السجدتين فأما الرفع: فلابد منه لأنه لا يتصور تعدد السجود إلا به بخلاف الرفع من الركوع فإن الركوع غير متعدد وسها بعض الفضلاء المتأخرين فذكر ما ظاهره الخلاف في الرفع من الركوع والاعتدال فيه فلما ذكر السجود قال: الرفع من السجود والاعتدال فيه والطمأنينة كالركوع فاقتضى ظاهر كلامه: أن.
الخلاف في الرفع من الركوع جار في الرفع من السجود وهذا سهو عظيم لأنه لا يتصور خلاف في الرفع من السجود إذ السجود متعدد شرعا ولا يتصور تعدده إلا بالرفع الفاصل بين السجدتين.