فصل: باب المرور بين يدي المصلي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام



السابع: إذا قلنا بجواز البناء فقد خصصوه بالقرب في الزمن وأبى ذلك بعض المتقدمين فقال بجواز البناء وإن طال ما لم ينتقض وضوءه روي ذلك عن ربيعة: وقيل: إن نحوه عن مالك وليس ذلك بمشهور عنه واستدل لهذا المذهب بهذا الحديث ورأوا أن هذا الزمن طويل لاسيما على رواية من روى: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى منزله.
الثامن: إذا قلنا: إنه لا يبني إلا في القرب فقد اختلفوا في حده على أقوال منهم: من اعتبره بمقدار فعل النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث فما زاد عليه من الزمن فهو طويل وما كان بمقداره أو دونه فقريب ولم يذكروا على هذا القول الخروج إلى المنزل ومنهم من اعتبر في القرب العرف ومنهم من اعتبر مقدار ركعة ومنهم من اعتبر مقدار الصلاة وهذه الوجوه كلها في مذهب الشافعي وأصحابه.
التاسع: فيه دليل على مشروعية سجود السهو العاشر: فيه دليل على أنه سجدتان.
الحادي عشر: فيه دليل على أنه في آخر الصلاة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله إلا كذل وقيل: في حمته: إنه أخر لاحتمال وجود سهو آخر فيكون جابرا للكل وفرع الفقهاء على هذا: أنه لو سجد ثم تبين أنه لم يكن آخر الصلاة لزمه إعادته في آخرها وصوروا ذلك في صورتين:
إحداهما: أن يسجد للسهو في الجمعة ثم يخرج الوقت وهو في السجود الأخير فيلزمه إتمام الظهر ويعيد السجود.
والثانية: أن يكون مسافرا فيسجد للسهو وتصل به السفينة إلى الوطن أو ينوي الإقامة فيتم ويعيد السجود.
الثاني عشر: فيه دليل على أن سجود السهو يتداخل ولا يتعد بتعدد أسبابه فإن النبي صلى الله عليه وسلم: سلم وتكلم ومشى وهذه موجبات متعددة واكتفى فيها بسجدتين وهذا مذهب الجمهور من الفقهاء.
ومنهم من قال: يتعدد السجود بتعدد السهو على ما نقله بعضهم ومنهم من فرق بين أن يتحد الجنس أو يتعدد وهذا الحديث دليل على خلاف هذا المذهب فإنه قد تعدد الجنس في القول والفعل ولم يتعدد السجود.
الثالث عشر: الحديث يدل على السجود بعد السلام في هذا السهو واختلف الفقهاء في محل السجود فقيل: كله قبل السلام وهو مذهب الشافعي وقيل: كله بعد السلام وهو مذهب أبي حنيفة وقيل: ما كان من نقص فمحله قبل السلام وما كان من زيادة فمحله بعد السلام وهو مذهب مالك وأومأ إليه الشافعي في القديم.
وقد ثبت في الأحاديث السجود بعد السلام في الزيادة وقبله في النقص واختلف الفقهاء فذهب مالك إلى الجمع بأن استعمل كل حديث قبل السلام في النقص وبعده في الزيادة والذين قالوا: بأن الكل قبل السلام اعتذروا عن الأحاديث التي جاءت بعد السلام بوجوه.
أحدها: دعوى النسخ لوجهين:
أحدهما: أن الزهري قال إن آخر الأمرين من فعل النبي صلى الله عليه وسلم: السجود قبل السلام.
الثاني أن الذين رأوا السجود قبل السلام: متأخروا الإسلام وأصاغر الصحابة.
والاعتراض على الأول: أن رواية الزهري مرسلة ولو كانت مسندة فشرط النسخ: التعارض باتحاد المحل ولم يقع ذلك مصرحا به في رواية الزهري فيحتمل أن يكون الأخير: هو السجود قبل السلام لكن في محل النقص وإنما يقع التعارض المحوج إلى النسخ لو تبين أن المحل واحد ولم يتبين ذلك.
والاعتراض على الثاني: أن تقدم الإسلام والكبر لا يلزم منه تقدم الرواية حالة التحمل.
الوجه الثاني في الاعتذار عن الأحاديث التي جاءت بالسجود بعد السلام: التأويل: إما على أن يكون المراد بالسلام: هو السلام الذي على النبي صلى الله عليه وسلم الذي في التشهد وإما أن يكون على تأخره بعد السلام على سبيل السهو وهما بعيدان.
أما الأول: فلأن السابق إلى الفهم عند إطلاق السلام في سياق ذكر الصلاة هو الذي به التحلل.
وأما الثاني: فلأن الأصل عدم السهو وتطرقه إلى الأفعال الشرعية من غير دليل غير سائغ وأيضا فإنه مقابل بعكسه وهو أن يقول الحنفي: محله بعد السلام وتقدمه قبل السلام على سبيل السهو.
الوجه الثالث في الاعتذار: الترجيح بكثرة الرواة وهذا- إن صح- فالاعتراض عليه: أن طريقة الجمع أولى من طريقة الترجيح فإنه يصار إليه عند عدم إمكان الجمع وأيضا فلابد من النظر إلى محل التعارض واتحاد موضع الخلاف من الزيادة والنقصان.
والقائلون بأن محل السجود بعد السلام اعتذروا عن الأحاديث المخالفة لذلك بالتأويل: إما على أن يكون المراد بقوله قبل السلام السلام الثاني أو يكون المراد بقوله: «وسجد سجدتين» سجود الصلاة.
وما ذكره الأولون من احتمال السهو: عائد هاهنا والكل ضعيف.
والأول: يبطله: أن سجود السهو لا يكون إلا بعد التسليمتين اتفاقا.
وذهب أحمد بن حنبل إلى الجمع بين الأحاديث بطريق أخرى غير ما ذهب إلي مالك وهو أن يستعمل كل حديث فيما ورد فيه وما لم يرد فيه حديث فمحل السجود فيه قبل السلام وكأن هذا نظر إلى أن الأصل في الجابر: أن يقع في المجبور فلا يخرج عن هذا الأصل إلا في مورد النص ويبقى فيما عداه على الأصل وهذا المذهب مع مذهب مالك متفقان في طلب الجمع وعدم سلوك طريق الترجيح لكنهما اختلفا في وجه الجمع ويترجح قول مالك بأن تذكر المناسبة في كون سجود السهو قبل السلام عند النقص وبعده عند الزيادة وإذا ظهرت المناسبة- وكان الحكم على وفقها- كانت علة وإذا كانت علة: عم الحكم فلا يتخصص ذلك بمورد النص.
الوجه الرابع عشر: إذا سها الإمام: تعلق حكم سهوه بالمأمومين وسجدوا معه وإن لم يسهوا واستدل عليه بهذا الحديث فإن النبي صلى الله عليه وسلم سها وسجد القوم معه لما سجد وهذا إنما يتم في حق من لم يتكلم من الصحابة ولم يمش ولم يسم إن كان ذلك.
الوجه الخامس عشر: فيه دليل على التكبير لسجود السهو كما في سجود الصلاة.
الوجه السادس عشر: القائل فنبئت أن عمران بن الحصين قال: ثم سلم هو محمد بن سيرين الراوي عن أبي هريرة وكان الصواب للمصنف: أن يذكره فإنه لما لم يذكر إلا أبا هريرة اقتضى ذلك أن يكون هو القائل فنبئت وليس كذلك وهذا يدل على السلام من سجود السهو.
الوجه السابع عشر: لم يذكر التشهد بعد سجود السهو وفيه خلاف عند أصحاب مالك في السجود الذي بعد السلام وقد يستدل بتركه في الحديث على عدمه في الحكم كما فعلوا في مثله كثيرا من حيث إنه لو كان لذكر ظاهرا.
2- عن عبد الله بن بحينة- وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر فقام في الركعتين الأوليين ولم يجلس فقام الناس معه حتى إذا قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه: كبر وهو جالس فسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلم».
الكلام عليه من وجوه:
الأول: فيه دليل على السجود قبل السلام عند النقص فإنه نقص من هذه الصلاة: الجلوس الأوسط وتشهده.
الثاني: فيه دليل على أن هذا الجلوس غير واجب- أعني الأول- من حيث إنه جبر بالسجود ولا يجبر الواجب إلا بتداركه وفعله وكذلك فيه دليل على عدم وجوب التشهد الأول.
الثالث: فيه دليل على عدم تكرار السجود عند تكرار السهو لأنه قد ترك الجلوس الأول والتشهد معا واكتفى لهما بسجدتين هذا إذا ثبت أن ترك التشهد الأول بمفرده موجب.
الرابع: فيه دليل على متابعة الإمام عند القيام عن هذا الجلوس وهذا لا إشكال فيه على قول من يقول: إن الجلوس الأول سنة فإن ترك السنة للإتيان بالواجب ومتابعة الإمام واجبة.
الخامس: إن استدل به على أن ترك التشهد الأول بمفرده موجب لسجود السهو فيه ففيه نظر من حيث إن المتيقن السجود عند هذا القيام عن الجلوس وجاء من ضرورة ذلك: ترك التشهد فيه فلا يتيقن أن الحكم يترتب على ترك التشهد الأول فقط لاحتمال أن يكون مرتبا على ترك الجلوس وجاء هذا من الضرورة الوجودية.

.باب المرور بين يدي المصلي:

1- عن أبي جهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه» قال أبو النضر: لا أدري: قال أربعين يوما أو شهرا أو سنة؟ أبو جهيم عبد الله بن الحرث بن جهيم الأنصاي سماه ابن عيينة في روايته والثوري.
فيه دليل على منع المرور بين يدي المصلي إذا كان دون سترة أو كانت له سترة فمر بينه وبينها وقد صرح في الحديث بالإثم.
وبعض الفقهاء قسم ذلك على أربع صور.
الأول: أن يكون للمار مندوحة عن المرور بين يدي المصلي ولم يتعرض المصلي لذلك فيخص المار بالإثم إن مر.
الصورة الثانية: مقابلتها: وهو أن يكون المصلي تعرض للمرور والمار ليس له مندوحة عن المرور فيختص المصلي بالإثم دون المار.
الصورة الثالثة: أن يتعرض المصلي للمرور ويكون للمار مندوحة فيأثمان أما المصلي: فتعرضه وأما المار: فلمروره مع إمكان أن لا يفعل.
الصورة الرابعة: أن لا يتعرض المصلي ولا يكون للمار مندوحة فلا يأثم واحد منهما.
2- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان».
أبو سعيد الخدري سعد بن مالك بن سنان خدري وقد تقدم الكلام فيه.
والحديث يتعرض لمنع المار بين يد المصلي وبين سترته وهو ظاهر.
وفيه دليل على جواز العمل القليل في الصلاة لمصلحتها.
ولفظة المقاتلة محمولة على قوة المنع من غير أن تنتهي إلى الأعمال المنافية للصلاة وأطلق بعض المصنفين من أصحاب الشافعي القول بالقتال وقال فليقاتله على لفظ الحديث ونقل القاضي عياض: الاتفاق على أنه لا يجوز المشي من مقامه إلى رده والعمل الكثير في مدافعته لأن ذلك في صلاته أشد من مروره عليه.
وقد يستدل بالحديث على أنه إذا لم يكن سترة لم يثبت هذا الحكم من حيث المفهوم وبعض المصنفين من أصحاب الشافعي نص على أنه إذا لم يستقبل شيئا أو تباعد عن السترة.
فإن أراد أن يمر وراء موضع السجود: لم يكره وإن أراد أن يمر في موضوع السجود: كره ولكن ليس للمصلي أن يقاتله وعلل ذلك بتقصيره حيث لم يقرب من السترة أو ما هذا معناه.
ولو أخذ من قوله: «إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره» جواز التستر بالأشياء عموما: لكان فيه ضعف لأن مقتضى العموم جواز المقاتلة عند وجود كل شيء ساتر لا جواز الستر بكل شيء إلا أن يحمل الستر على الأمر الحسي لا الأمر الشرعي وبعض الفقهاء كره التستر بآدمي أو حيوان غيره لأنه يصير في صورة المصلي إليه وكرهه مالك في المرأة.
وفي الحديث دليل على جواز إطلاق لفظ الشيطان في مثل هذا والله أعلم.
3- عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: أقبلت راكبا على حمار أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار مررت بين يدي بعض الصف فنزلت فأرسلت الأتان ترتع ودخلت في الصف فلم ينكر ذلك علي أحد.
قوله حمار أتان فيه استعمال لفظ الحمار في الذكر والأنثى كلفظ الشاة وكلفظ الإنسان وفي رواية مسلم على أتان ولم يذكر لفظ حمار.
وقوله ناهزت الاحتلام أي قاربته وهو يؤنس لقول من قال: إن ابن عباس ولد قبل الهجرة بثلاث سنين وقول من قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم مات وابن عباس ابن ثلاث عشرة سنة خلافا لمن قال غير ذلك مما لا يقارب البلوغ ولغل قوله قد ناهزت الاحتلام هاهنا تأكيدا لهذا الحكم وهو عدم بطلان الصلاة بمرور الحمار لأنه استدل على ذلك بعدم الإنكار وعدم الإنكار على من هو في مثل هذا السن أدل على هذا الحكم لأنه لو كان في سن الصغر وعدم التمييز- مثلا- لاحتمل أن يكون عدم الإنكار عليه لعدم مؤاخذته بسبب صغر سنه وعدم تمييزه وقد استدل ابن عباس بعدم الإنكار عليه ولم يستدل بعدم استئنافهم للصلاة لأنه أكثر فائدة فإنه إذا دل عدم إنكارهم على أن هذا الفعل غير ممنوع من فاعله دل ذلك على عدم إفساد الصلاة إذ لو أفسدها لامتنع إفساد صلاة الناس على المار ولا ينعكس هذا وهو أن يقال: ولو لم يفسد لم يمتنع على المار لجواز أن لا تفسد الصلاة ويمتنع المرور كما تقول في مرور الرجل بين يدي المصلي حيث يكون له مندوحة: إنه ممتنع عليه المرور وإن لم يفسد الصلاة على المصلي فثبت بهذا أن عدم الإنكار دليل على الجواز والجواز دليل على عدم الإفساد وأنه لا ينعكس فكان الاستدلال بعدم الإنكار أكثر فائدة من الاستدلال بعدم استئنافهم الصلاة.