فصل: باب أفضل الصيام وغيره:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام



10- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من ههنا: فقد أفطر الصائم».
الإقبال والإدبار متلازمان أعني: إقبال الليل وإدبار النهار وقد يكون أحدهما أظهر للعين في بعض المواضع فيستدل بالظاهر على الخفي كما لو كان في جهة المغرب ما يستر البصر عن إدراك الغروب وكان المشرق بارزا ظاهرا فيستدل بطلوع الليل على غروب الشمس.
وقوله عليه السلام: «فقد أفطر الصائم» يجوز أن يكون المراد به: فقد حل له الفطر ويجوز أن يكون المراد به: فقد دخل في الفطر وتكون الفائدة فيه: أن الليل غير قابل للصوم وأنه بنفس دخوله خرج الصائم من الصوم وتكون الفائدة على الوجه الأول: ذكر العلامة التي بها يحصل جواز الإفطار وعلى الوجه الثاني: بيان امتناع الوصال بمعنى الصوم الشرعي لا بمعنى الإمساك الحسي فإن من أمسك حسا فهو مفطر شرعا وفي ضمن ذلك: إبطال فائدة الوصال شرعا إذ لا يحصل به ثواب الصوم.
11- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال قالوا: إنك تواصل قال: «إني لست كهيئتكم إني أطعم وأسقى» ورواه أبو هريرة وعائشة وأنس بن مالك.
ولمسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: «فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر».
في الحديث دليل على كراهة الوصال.
واختلف الناس فيه ونقل عن بعض المتقدمين فعله ومن الناس من أجازه إلى السحر على حديث أبي سعيد الخدري.
وفي حديث أبي سعيد الخدري: دليل على أن النهي عنه نهي كراهة لا نهي تحريم وقد يقال: إن الوصال المنهي عنه: ما اتصل باليوم الثاني فلا يتناوله الوصال إلى السحر فإن قوله عليه السلام: «فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر» يقتضي تسميته وصالا والنهي عن الوصال يمكن تعليله بالتعريض بصوم اليوم الثاني فإن كان واجبا كان بمثابة الحجامة والفصد وسائر ما يتعرض به الصوم للبطلان وتكون الكراهة شديدة وإن كان صوم نفل: ففيه التعرض لإبطال ما شرع فيه من العبادة وإبطالها: إما ممنوع- على مذهب بعض الفقهاء- وإما مكروه وكيفما كان: فعلة الكراهة موجودة إلا أنها تختلف رتبتها فإن أجزنا الإفطار: كان رتبة هذه الكراهة أخف من رتبة هذه الكراهة أخف من رتبة الكراهة في الصوم الواجب قطعا وإن منعناه فهل يكون كالكراهة في تعريض الصوم المفروض بأصل الشرع؟ فيه نظر فيحتمل أن يقال: يستويان لاستوائهما في الوجوب ويحتمل أن يقال: لا يستويان لأن ما ثبت بأصل الشرع فالمصالح المتعلقة به أقوى وأرجح لأنها انتهضت سببا للوجوب وأما ما ثبت وجوبه بالنذر- وإن كان مساويا للواجب بأصل الشرع في أصل الوجوب- فلا يساويه في مقدار المصلحة فإن الوجوب هاهنا إنما هو للوفاء بما التزمه العبد لله تعالى وأن لا يدخل فيمن يقول ما لا يفعل وهذا بمفرده لا يقتضي الاستواء في المصالح ومما يؤيد هذا النظر الثاني؟ ما ثبت في الحديث الصحيح: «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر» مع وجوب الوفاء بالذر فلو كان مطلق الوجوب مما يقتضي مساواة المنذور بغيره من الواجبات: لكان فعل الطاعة بعد النذر أفضل من فعلها قبل النذر لأنه حينئذ يدخل تحت قوله تعالى فيما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما معناه: «أنه ما تقرب المتقربون إلي بمثل أداء ما افترضت عليهم» ويحمل ما تقدم من البحث على أداء ما افترض بأصل الشرع لأنه لو حمل على العموم لكان النذر وسيلة إلى تحصيل الأفضل فكان يجب أن يكون مستحبا وهذا على إجراء النهي عن النذر على عمومه.

.باب أفضل الصيام وغيره:

1- عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أقول: والله لأصومن النهار ولأقومن الليل ما عشت, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنت الذي قلت ذلك؟», فقلت له: قد قلته بأبي أنت وأمي, فقال: «فإنك لا تستطيع ذلك فصم وأفطر وقم ونم وصم من الشهر ثلاثة أيام فإن الحسنة بعشر أمثالها وذلك مثل صيام الدهر» قلت: فإني أطيق أفضل من ذلك قال: «فصم يوما وأفطر يومين», قلت: أطيق أفضل من ذلك قال: «فصم يوما وأفطر يوما فذلك مثل صيام داود وهو أفضل الصيام», فقلت: إني أطيق أفضل من ذلك قال: «لا أفضل من ذلك».
وفي رواية: «لا صوم فوق صوم أخي داود- شطر الدهر- صم يوما وأفطر يوما».
فيه ست مسائل:
الأولى: صوم الدهر ذهب جماعة إلى جوازه منهم مالك والشافعي ومنعه الظاهرية للأحاديث التي وردت فيه كقوله عليه السلام: «لا صام من صام الأبد» وغير ذلك وتأول مخالفوهم هذا على من صام الدهر وأدخل فيه الأيام المنهي عن صومها كيومي العيدين وأيام التشريق وكأن هذا محافظة على حقيقة صوم الأبد فإن من صام هذه الأيام مع غيرها: هو الصائم للأبد ومن أفطر فيها لم يصم الأبد إلا أن في هذا خروجا عن الحقيقة الشرعية وهو مدلول لفظة صام فإن هذه الأيام غير قابلة للصوم شرعا إذ لا يتصور فيها حقيقة الصوم فلا يحصل حقيقة صام شرعا لمن أمسك في هذه الأيام فإن وقعت المحافظة على حقيقة لفظ الأبد فقد وقع الإخلال بحقيقة لفظ صام شرعا فيجب أن يحمل ذلك على الصوم اللغوي وإذا تعارض مدلول اللغة ومدلول الشرع في ألفاظ صاحب الشرع حمل على الحقيقة الشرعية.
ووجه آخر: وهو أن يتعلق الحكم بصوم الأبد يقتضي ظاهره أن الأبد متعلق الحكم من حيث هو أبد فإذا وقع الصوم في هذه الأيام فعلة الحكم: وقوع الصوم في الوقت المنهي عنه وعليه ترتب الحكم ويبقى ترتيبه على مسمى الأبد غير واقع فإنه إذا صام هذه الأيام تعلق به الذم سواء صام غيرها أو أفطر ولا يبقى متعلق الذم عليه صوم الأبد بل هو صوم هذه الأيام إلا أنه لما كان صوم الأبد يلزم منه صوم هذه الأيام: تعلق به الذم لتعلقه بلازمه الذي لا ينفك عنه فمن هاهنا نظر المتأولون بهذا التأويل فتركوا التعليل بخصوص صوم الأبد.
المسألة الثانية: كره جماعة قيام كل الليل لرد النبي صلى الله عليه وسلم على من أراده ولما يتعلق به من الإجحاف بوظائف عديدة وفعله جماعة من المتعبدين من السلف وغيرهم ولعلهم حملوا الرد على طلب الرفق بالمكلف وهذا الاستدلال على الكراهة بالرد المذكور عليه سؤال وهو أن يقال: إن الرد لمجموع الأمرين وهو صيام النهار وقيام الليل فلا يلزمه ترتبه على أحدهما.
المسألة الثالثة: قوله عليه السلام: «إنك لا تستطيع ذلك» تطلق عدم الاستطاعة بالنسبة إلى المعتذر مطلقا وبالنسبة إلى الشاق على الفاعل وعليهما ذكر الاحتمال في قوله تعالى: {وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286] فحمله بعضهم على المستحيل حتى أخذ منه جواز تكليف المحال وحمله بعضهم على ما يشق, وهو الأقرب فقوله عليه الصلاة والسلام: «لا تستطيع ذلك» محمول على أنه يشق ذلك عليك على الأقرب ويمكن أن يحمل ذلك على الممتنع: إما على تقدير أن يبلغ من العمر ما يتعذر معه ذلك وعلمه النبي صلى الله عليه وسلم بطريق أو في ذلك التزام لأوقات تقتضي العادة أنه لابد من وقوعها مع تعذر ذلك فيها ويحتمل أن يكون قوله: «لا تستطيع ذلك» مع القيام ببقية المصالح المرعية شرعا.
المسألة الرابعة: فيه دليل على استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وعلته مذكورة في الحديث واختلف الناس في تعيينها من الشهر اختلافا في تعيين الأحب والأفضل لا غير وليس في الحديث ما يدل على شيء من ذلك فأضرنا عن ذكره.
المسألة الخامسة: قوله عليه السلام: «وذلك مثل صيام الدهر» مؤول عندهم على أنه مثل أصل صيام الدهر من غير تضعيف للحسنات فإن ذلك التضعيف مرتب على الفعل الحسي الواقع في الخارج والحامل على هذا التأويل: أن القواعد تقتضي أن المقدر لا يكون كالمحقق وأن الأجور تتفاوت بحسب تفاوت المصالح أو المشقة في الفعل فكيف يستوي من فعل الشيء بمن قدر فعله له فأجل ذلك قيل: إن المراد أصل الفعل في التقدير لا الفعل المرتب عليه التضعيف في التحقيق وهذا البحث يأتي في مواضع ولا يختص بهذا الموضع.
ومن هاهنا يمكن أن يجاب عن الاستدلال بهذا اللفظ وشبهه على جواز صوم الدهر من حيث إنه ذكر للترغيب في فعل هذا الصوم ووجه الترغيب: أنه مثل بصوم الدهر ولا يجوز أن تكون جهة الترغيب هي جهة الذم.
وسبيل الجواب: أن الذم- عند من قال به- متعلق بالفعل الحقيق ووجه الترغيب ههنا: حصول الثواب على الوجه التقديري فاختلفت جهة الترغيب وجهة الذم وإن كان هذا الاستنباط الذي ذكر لا بأس به ولكن الدلائل الدالة على كراهة صوم الدهر أقوى منه دلالة والعمل بأقوى الدليلين واجب والذين أجازوا صوم الدهر حملوا النهي على ذي عجز أو مشقة أو ما يقرب من ذلك من لزوم تعطيل مصالح راجحة على الصوم أو متعلقة بحق الغير كالزوجة مثلا.
المسألة السادسة: قوله عليه السلام في صوم داود: «وهو أفضل الصيام» ظاهر قوي في تفضيل هذا الصوم على صوم الأبد والذين قالوا بخلاف ذلك: نظروا إلى أن العمل متى كان أكثر كان الأجر أوفر هذا هو الأصل فاحتاجوا إلى تأويل هذا وقيل فيه: إنه أفضل الصيام.
بالنسبة إلى من حاله مثل حالك أي من يتعذر عليه الجمع بين الصوم الأكثر وبين القيام بالحقوق والأقرب عندي: أن يجرى على ظاهر الحديث في تفضيل صيام داود عليه السلام والسبب فيه: أن الأفعال متعارضة المصالح والمفاسد وليس كل ذلك معلوما لنا ولا مستحضرا وإذا تعارضت المصالح والمفاسد فمقدار تأثير كل واحد منها في الحث والمنع غير محقق لنا فالطريق حينئذ: أن نفوض الأمر إلى صاحب الشرع ونجري على ما دل عليه ظاهر اللفظ مع قوة الظاهر هاهنا وأما زيادة العمل واقتضاء القاعدة لزيادة الأجر بسببه: فيعارضه اقتضاء العادة والجبلة للتقصير في حقوق يعارضها الصوم الدائم ومقادير ذلك الفائت مع مقادير ذلك الحاصل من الصوم غير معلوم لنا وقوله عليه السلام: «لا صوم فوق صوم داود» يحمل على أنه لا فوقه في الفضيلة المسؤول عنها.
2- عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أحب الصيام إلى الله صيام داود وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه وكان يصوم يوما ويفطر يوما».
وفي هذه الرواية زيادة قيام الليل وتقديره بما ذكره ونوم سدسه الأخير: فيه مصلحة الإبقاء على النفس واستقبال صلاة الصبح وأذكار أول النهار بالنشاط والذي تقدم في الصوم من المعارض: وارد هنا وهو أن زيادة العمل تقتضي زيادة الفضيلة والكلام فيه كالكلام في الصوم من تفويض مقادير المصالح والمفاسد إلى صاحب الشرع.
ومن مصالح هذا النوع من القيام أيضا: أنه أقرب إلى عدم الرياء في الأعمال فإن من نام السدس الأخير: أصبح جاما غير منهوك القوى فهو أقرب إلى أن يخفي أثر عمله على من يراه ومن يخالف هذا يجعل قوله عليه السلام: «أحب الصيام» مخصوصا بحالة أو بفاعل وعمدتهم: النظر إلى ما ذكرناه.
3- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أنام».
فيه دليل على تأكيد هذه الأمور بالقصد إلى الوصية بها وصيام ثلاثة أيام قد وردت علته في الحديث وهو تحصيل أجر الشهر باعتبار أن الحسنة بعشر أمثالها وقد ذكرنا ما فيه ورأى من يرى أن ذلك أجر بلا تضعيف ليحصل الفرق بين صوم الشهر تقديرا وبين صومه تحقيقا.
وفي الحديث دليل على استحباب صلاة الضحى وأنها ركعتان ولعله ذكر الأقل الذي توجه التأكيد لفعله وعدم مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليها لا ينافي استحبابها لأن الاستحباب يقوم بدلالة القول وليس من شرط الحكم: أن تتضافر عليه الدلائل نعم ما واظب عليه الرسول صلى الله عليه وسلم تترجح مرتبته على هذا الظاهر.
وأما النوم عن الوتر: فقد تقدم في هذا الكلام في تأخير الوتر وتقديمه وورد فيه حديث يقتضي الفرق بين من وثق من نفسه بالقيام آخر الليل وبين من لم يثق فعلى هذا تكون الوصية مخصوصة بحال أبي هريرة ومن وافقه في حاله.
4- عن محمد بن عباد بن جعفر قال: «سألت جابر بن عبد الله أنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الجمعة؟ قال: نعم».
وزاد مسلم: «ورب الكعبة».