فصل: باب المحرم يأكل من صيد الحلال:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام



وهذا البحث كله إنما يحتاج إليه بالنسبة إلى الرواية التي جاء فيها السؤال عن تقديم الحلق على الرمي وأما على الرواية التي ذكرها المصنف: فلا تعلم من أوجب الدم وحمل نفي الحرج على نفي الإثم فيشكل عليه تأخير بيان وجوب الدم فإن الحاجة تدعو إلى تبيان هذا الحكم فلا يؤخر عنها بيانه.
ويمكن أن يقال: إن ترك ذكره في الرواية لا يلزمه منه ترك ذكره في نفس الأمر.
وأما من أسقط الدم وجعل ذلك مخصوصا بحالة عدم الشعور: فإنه يحمل: «لا حرج» على نفي الإثم والدم معا فلا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ويبني أيضا على القاعدة: في أن الحكم إذا رتب على وصف يمكن أن يكون معتبرا لم يجز اطراحه وإلحاق غيره مما لا يساويه به ولا شك أن عدم الشعور وصف مناسب لعدم التكليف والمؤاخذة والحكم علق به فلا يمكن اطراحه بإلحاق العمد به إذ لا يساويه فإن تمسك بقول الراوي فما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: افعل ولا حرج فإنه قد يشعر بأن الترتيب مطلقا غير مراعى في الوجوب.
فجوابه: أن الراوي لم يحك لفظا عاما عن الرسول صلى الله عليه وسلم يقتضي جواز التقديم والتأخير مطلقا وإنما أخبر عن قوله عليه الصلاة والسلام: «لا حرج» بالنسبة إلى كل ما سئل عنه من التقديم والتأخير حينئذ هذا الإخبار من الراوي: إنما تعلق بما وقع السؤال عنه وذلك مطلق بالنسبة إلى حال السؤال وكنه وقع عن العمد أو عدمه والمطلق لا يدل على أحد الخاصيين بعينه فلا يبقى حجة في حال العمد والله أعلم.
6- عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي: (أنه حج مع ابن مسعود فرآه رمى الجمرة الكبرى بسبع حصيات فجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه ثم قال: هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة صلى الله عليه وسلم).
فيه دليل على رمي الجمرة الكبرى بسبع كغيرها ودليل على استحباب هذه الكيفية في الوقوف لرميا ودليل على أن هذه الجمرة ترمى من بطن الوادي ودليل على مراعاة كل شيء من هيئات الحج التي وقعت من الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال ابن مسعود هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة.
البقرة قاصدا بذلك الإعلام به ليفعل وفيه دليل على جواز قولنا سورة البقرة وقد نقل عن الحجاج بن يوسف: أنه نهى عن ذلك وأمر أن يقال السورة التي تذكر فيها البقرة فرد عليه بهذا الحديث.
7- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم ارحم المحلقين», قالوا: والمقصرين يا رسول الله قال: «اللهم ارحم المحلقين», قالوا: والمقصرين يا رسول الله, قال: «والمقصرين».
الحديث دليل على جواز الحلق والتقصير معا وعلى أن الحلق أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم ظاهر في الدعاء للمحلقين واقتصر في الدعاء للمقصرين على مرة وقد تكلموا في أن هذا كان في الحديبية أو في حجة الوداع وقد ورد في بعض الروايات ما يدل على أنه في الحديبية ولعله وقع فيهما معا وهو الأقرب وقد كان في كلا الوقتين توقف من الصحابة في الحلق أما في الحديبية: فلأنهم عظم عليهم الرجوع قبل تمام مقصودهم من الدخول إلى مكة وكمال نسكهم وأما في الحج فلأنهم شق عليهم فسخ الحج إلى العمرة وكان من قصر منهم شعره اعتقد: أنه أخف من الحلق إذ هو يدل على الكراهة للشيء فكرر النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء للمحلقين لأنهم بادروا إلى امتثال الأمر وأتموا فعل ما أمروا به من الحلق وقد ورد التصريح بهذه العالة في بعض الروايات فقيل لأنهم لم يشكوا.
8- عن عائشة رضي الله عنها قالت: حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فأفضنا يوم النحر فحاضت صفية فأراد النبي صلى الله عليه وسلم منها ما يريد الرجل من أهلة فقلت: يا رسول الله إنها حائض قال: «أحابستنا هي؟», قالوا: يا رسول الله إنها قد أفاضت يوم النحر قال: «اخرجوا».
وفي لفظ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «عقري حلقي أطافت يوم النحر؟», قيل: نعم قال: «فانفري».
فيه دليل على أمور:
أحدها: أن طواف الإفاضة لابد منه وأن المرأة إذا حاضت لا تنفر حتى تطوف لقوله صلى الله عليه وسلم: «أحابستنا هي؟» فقيل: إنها قد أفاضت- إلى آخره فإن في سياقه يدل على أن عدم طواف الإفاضة موجب للحبس.
وثانيهما: أن الحائض يسقط عنها طواف الوداع ولا تقعد لأجله لقوله فانفري.
وثالثهما: قوله عقري مفتوح العين ساكن القاف وحلقي مفتوح الحاء سكان اللام والكلام في هاتين اللفظتين من وجوه.
منها: ضبطهم فالمشهور عن المحدثين- حتى لا يكاد يعرف غيره- أن آخر اللفظتين ألف التأنيث المقصورة من غير تنوين وقال بعضهم عقرا حلقا بالتنوين لأنه يشعر أن الموضع موضع دعاء فأجراه مجرى كلام العرب في الدعاء بألفاظ المصادر فإنها منونة موضع دعاء فأجراه مجرى كلام العرب في الدعاء بألفاظ المصادر فإنها منونة كقولهم سقيا ورعيا وجدعا وكيا ورأى أن عقرى بألف التأنيث نعت لا دعاء والذي ذكره المحدثون صحيح أيضا.
ومنها: ما تقتضيه هاتان اللفظتان فقيل عقرى بمعنى: عقرها لله وقيل: عقر قومها وقيل: جعلها عاقر لا تلد وأما حلقى فإما بمعنى حلق شهرها أو بمعنى أصابها وجع في حلقها أو بمعنى تحلق قومها بشؤمها.
ومنها: أن هذا من الكلام الذي كثر في لسان العرب حتى لا يراد به أصل موضعه كقولهم: ترتب يداك وما أشعره قاتله الله وأفلح وأبيح إلى ذلك من الألفاظ التي لا يقصد أصل موضوعها لكثرة استعمالها.
9- عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض).
فيه دليل على أن طواف الوداع واجب لظاهر الأمر وهو مذهب الشافعي ويجب الدم بتركه وهذا بعد تقرير أن إخبار الصحابي عن صيغة الأمر كحكايته لها ولا دم فيه عند مالك ولا وجوب له عنده.
وفيه دليل على سقوطه عن الحائض وفيه خلاف عن بعض السلف أعني ابن عمر أو ما يقرب- أي من الخلف- منه.
10- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (استأذن العباس بن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له).
أخذ منه أمران:
أحدهما: حكم المبيت بمنى وأنه من مناسك الحج وواجباته: وهذا من حيث قوله: (أذن للعباس من أجل سقايته) فإنه يقتضي الإذن لهذه العلة المخصوصة وأن غيرها لم يحصل فيه الإذن.
الثاني: أنه يجوز المبيت لأجل السقاية ومدلول الحديث: تعليق هذا الحكم بوصف السقاية وباسم العباس: فتكلم الفقهاء في أن هذا من الأوصاف المعتبرة في هذا الحكم فأما غير العباس: فلا يختص به الحكم اتفاقا لكن اختلفوا فيما زاد على ذلك: فمنهم من قال: يختص هذا الحكم بآل العباس ومنهم من عمه في بني هاشم ومنهم من عم وقال: كل من احتاج إلى المبيت للسقاية فله ذلك وأما تعليقه بسقاية العباس: فمنهم من خصصه بها حتى لو عملت سقاية أخرى لم يرخص في المبيت لأجلها والأقرب: ابتاع المعنى وأن العلة: الحاجة إلى إعداد الماء للشاربين.
11- وعنه- أي عن ابن عمر- قال: (جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمع لكل واحدة منهما إقامة ولم يسبح بينهما ولا على إثر واحدة منهما).
فيه دليل على جمع التأخير بمزدلفة وهي جمع لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان وقت الغروب بعرفة فلم يجمع بينهما بالمزدلفة إلا وقد أخر المغرب وهذا الجمع لا خلاف فيه وإنما اختلفوا: هل هو بعذر النسك أو بعذر السفر؟ وفائدة الخلف: أن من ليس بمسافر يجمع فيه هل يجمع بين هاتين الصلاتين أم لا؟ والمنقول عن مذهب أبي حنيفة: أن الجمع بعذر النسك وظاهر مذهب الشافعي: أنه بعذر السفر ولبعض أصحابه وجه: أنه بعذر السفر ولبعض أصحابه وجه: أنه بعذر النسك.
ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الصلاتين في طول سفره ذلك فإن كان لم يجمع في نفس الأمر فيقوى أن يكون للنسك لأن الحكم المتجدد عن تجدد أمر يقتضي إضافة ذلك الحكم إلا ذلك الأمر وإن كان قد جمع: إما بأن يرد في ذلك نقل خاص أو يؤخذ من قول ابن عمر إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذ جد به السير جمع بين المغرب والعشاء فقد تعارض في هذا الجمع سببان: السفر والنسك فيبقى النظر في ترجيح الإضافة إلى أحدهما على أن في الاستدلال بحديث ابن عمر على هذا الجمع نظرا من حيث إن السير لم يكن مجدا في ابتداء هذه الحركة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان نازلا عند دخول وقت صلاة المغرب وأنشأ الحركة بعد ذلك فالجد إنما يكون بعد الحركة أما في الابتداء: فلا وقد كان يمكن أن تقام المغرب بعرفة ولا يحصل جد السير بالنسبة إليها وإنما يتناول الحديث: ما إذا كان الجد والسير موجودا عند دخول وقتها فهذا أمر محتمل.
واختلف الفقهاء أيضا: فيما لو أراد الجمع بغير جمع كما لو جمع في الطريق أو بعرفة على التقديم هل يجمع أم لا؟ والذين عللوا الجمع بالسفر: يجيزون الجمع مطلقا والذين يعللونه بالنسك: نقل عن بعضهم: أنه لا يجمع إلا بالمكان الذي جمع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المزدلفة إقامة لوظيفة النسك على الوجه الذي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم.
ومما يتعلق بالحديث: الكلام في الأذان والإقامة لصلاتي الجمع وقد ذكر فيه: أنه جمع بإقامة لكل واحدة ولم يذكر الأذان.
وحاصل مذهب الشافعي رحمه الله: أن الجمع إما أن يكون على وجه التقديم أو على وجه التأخير فإن كان على وجه التقديم: أذن للأولى لأن الوقت لها وأقام لكل واحدة ولم يؤذن للثانية إلا على وجه غريب لبعض أصحابه وإن كان على وجه التأخير- كما في هذا الجمع- صلاها بإقامتين كما في ظاهر الحديث وأجروا في الأذان للأولى الخلاف الذي في الأذان للفائتة ودلالة الحديث على عدم الأذان دلالة سكون أعني الحديث الذي ذكره المصنف.
ويتعلق بالحديث أيضا: عدم التنفل بين صلاتي الجمع لقوله: (ولم يسبح بينهما) والسبحة صلاة النافلة على المشهور والمسألة معبر عنها: بوجوب الموالاة بين صلاتي الجمع والمنقول عن ابن حبيب من أصحاب مالك: أن له أن ينتقل أعني للجامع بين الصلاتين ومذهب الشافعي: أن المولاة بين الصلاتين شرط في جمع التقديم وفيها في جمع التأخير خلاف لأن الوقت للصلاة الثانية فجاز تأخيرها وإذا قلنا بوجوب الموالاة فلا يقطعهما قدر الإقامة ولا قدر التيمم لمن يتيمم ولا قدر الأذان لمن يقول بالأذان لكل واحدة من صلاتي الجمع وقد حكيناه وجها لبعض الشافعية وهو قول في مذهب مالك أيضا لمن أراد أن يستدل بالحديث على عدم جواز التنفل بين صلاتي الجمع؟ فلمخالفه أن يقول: هو فعل والفعل بمجرده لا يدل على الوجوب ويحتاج إلى ضميمة أمر آخر إليه.
ومما يؤكده- أعني كلام المخالف- أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتنفل بعدهما كما في الحديث مع أنه لا خلاف في جواز ذلك فيشعر ذلك بأن ترك التنفل لم يكن لما ذكر من وجوب الموالاة وقد ورد بعض الروايات: «أنه فصل بين هاتين الصلاتين بحط الرحال» وهو يحتاج إلى مسافة في الوقت ويدل على جواز التأخير وقد تكرر من المصنف إيراد أحاديث في هذا الباب لا تناسب ترجمته.

.باب المحرم يأكل من صيد الحلال:

1- عن أبي قتادة الأنصاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حاجا فخرجوا معه فصرف طائفة منهم- فيهم أبو قتادة- وقال: «خذوا ساحل البحر حتى نلتقي».
فأخذوا ساحل البحر فلما انصرفوا أحرموا كلهم إلا أبا قتادة فلم يحرم فينما هم يسيرون إذ رأوا حمر وحش فحمل أبو قتادة على الحمر فعقر منها أتانا فنزلنا فأكلنا من لحمها ثم قلنا: أنأكل لحم صيد ونحن محرمون؟ فحملنا ما بقي من لحمها فأدركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عن ذلك؟ فقال: «منكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها؟» قالوا: لا, قال: «فكلوا ما بقي من لحمها».
وفي رواية قال: «هل معكم منه شيء؟» فقلت: نعم, فناولته العضد فأكلها.
تكلموا في كون أبي قتادة لم يكن محرما مع كونهم خرجوا للحج ومروا بالميقات ومن كان كذلك وجب عليه الإحرام من الميقات وأجيب بوجوه:
منها وهو ضعيف أنه لم يكن مريدا للحج والعمرة.