فصل: باب الربا والصرف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام



أحدها: أن لهم بمعنى عليهم واستشهدوا لذلك بقوله تعالى: {لَهُمُ اللَّعْنَةُ} [الرعد: 25] بمعنى عليهم: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الاسراء: 7] بمعنى عليها وفي هذا ضعف.
أما أولا: فلأن سياق الحديث وكثيرا من ألفاظه ينفيه وأما ثانيا: فلأن اللام لا تدل بوضعها على الاختصاص النافع بل تدل على مطلق الاختصاص فقد يكون في اللفظ ما يدل على الاختصاص النافع وقد لا يكون.
وثانيهما: ما فهمته من كلام بعض المتأخرين وتلخيصه أن يكون هذا الاشتراط بمعنى ترك المخالفة لما شرطه البائعون وعدم إظهاره النزاع فيما دعوا إليه وقد يعبر عن التخلية والترك بصيغة تدل على الفعل ألا ترى أنه قد أطلق لفظ الإذن من الله تعالى على التمكين من الفعل والتخلية بين العبد وبينه وإن كان ظاهر اللفظ يقتضي الإباحة والتجويز؟ وهذا موجود في كتاب الله تعالى على ما يذكره المفسرون كما في قوله تعالى: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: 102] وليس المراد بالإذن هاهنا إباحة الله تعالى للإضرار بالسحر ولكنه لما خلى بينهم وبين ذلك الإضرار أطلق عليه لفظة الإذن مجازا وهذا وإن كان محتملا إلا أنه خارج عن الحقيقة من غير دلالة ظاهرة على المجاز من حيث اللفظ.
وثالثهما: أن لفظة الاشتراط والشرط وما تصرف منها تدل على الإعلام والإظهار ومنه أشراط الساعة والشرط اللغوي والشرعي ومنه قول أويس بن حجر بفتح الحاء والجيم «فأشرط فيها نفسه» أي أعلمها وأظهرها وإذا كان كذلك فيحمل «اشترطي» على معنى: أظهري حكم الولاء وبينيه واعلمي أنه لمن أعتق على عكس ما أورده السائل وفهمه من الحديث.
ورابعها: ما قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان أخبرهم: «أن الولاء لمن أعتق» ثم أقدموا على اشتراط ما يخالف هذا الحكم الذي علموه فورد هذا اللفظ على سبيل الزجر والتوبيخ والتنكيل لمخالفتهم الحكم الشرعي وغاية ما في الباب: إخراج لفظة الأمر عن ظاهرها وقد وردت خارجة عن ظاهرها في مواضع يمتنع إجراؤها على ظاهرها كقوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40]: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] وعلى هذا الوجه والتقدير الذي ذكر لا يبقى غرور.
وخامسها: أن يكون إبطال هذا الشرط عقوبة لمخالفتهم حكم الشرع فإن إبطال الشرط يقتضي تغريم ما قوبل به الشرط من المالية المسامح بها لأجل الشرط ويكون هذا من باب العقوبة بالمال كحرمان القاتل الميراث.
وسادسها: أن يكون ذلك خاصا بهذه القضية لا عاما في سائر الصور ويكون سبب التخصيص بإبطال هذا الشرط: المبالغة في زجرهم عن هذا الاشتراط المخالف للشرع كما أن فسخ الحج إلى العمرة كان خاصا بتلك الواقعة مبالغة في إزالة ما كانوا عليه من منع العمرة في أشهر الحج وهذا الوجه ذكره بعض أصحاب الشافعي وجعله بعض المتأخرين منهم الأصح في تأويل الحديث.
الوجه السابع: من الكلام على الحديث يدل على أن كلمة «إنما» للحصر لأنها لو لم تكن للحصر لما لزم من إثبات الولاء لمن أعتق نفيه عمن لم يعتق لكن هذه الكلمة ذكرت في الحديث لبيان نفيه عمن لم يعتق فدل على أن مقتضاها الحصر.
الوجه الثامن: لا خلاف في ثبوت الولاء للمعتق عن نفسه بالحديث المذكور واختلفوا فيمن أعتق على أن لا ولاء له وهو المسمى بالسائبة ومذهب الشافعي بطلان هذا الشرط وثبوت الولاء للمعتق والحديث يتمسك به في ذلك.
الوجه التاسع: قالوا: يدل على ثبوت الولاء في سائر وجوه العتق كالكتابة والتعليق بالصفة وغير ذلك.
الوجه العاشر: يقتضي حصر الولاء للمعتق ويستلزم حصر السببية في العتق فيقتضي ذلك أن لا ولاء بالحلف ولا بالموالاة ولا بإسلام الرجل على يد الرجل ولا بالتقاطه للقيط وكل هذه الصور فيها خلاف بين الفقهاء ومذهب الشافعي أن لا ولاء في شيء منها للحديث.
الحادي عشر: الحديث دليل على جواز الكتابة وجواز كتابة الأمة المزوجة.
الثاني عشر: فيه دليل على تنجيم الكتابة لقولها: (كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية) وليس فيه تعرض للكتابة الحالة فيتكلم عليه.
الثالث عشر: قوله عليه السلام: «ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله؟» يحتمل أن يريد بكتاب الله حكم الله أو يراد بذلك نفي كونها في كتاب الله بواسطة أو بغير واسطة فإن الشريعة كلها في كتاب الله إما بغير واسطة كالمنصوصات في القرآن من الأحكام وإما بواسطة قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7] و{أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: 59].
وقوله صلى الله عليه وسلم: «قضاء الله أحق» أي بالاتباع من الشروط المخالفة لحكم الشرع و(شرط الله أوثق) أي باتباع حدوده وفي هذا اللفظ دليل على جواز السجع الغير المتكلف.
2- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أنه كان يسير على جمل فأعيى فأراد أن يسيبه فلحقني النبي صلى الله عليه وسلم فدعا لي وضربه فسار سيرا لم يسر مثله ثم قال: «بعنيه بأوقية» قلت: لا, ثم قال: «بعنيه» فبعته بأوقية واستثنيت حملانه إلى أهلي فلما بلغت أتيته بالجمل فنقدني ثمنه ثم رجعت فأرسل في إثري فقال: «أتراني ماكستك لآخذ جملك؟ خذ جملك ودراهمك فهو لك».
في الحديث علم من أعلام النبوة ومعجزة من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم وأما بيعه واستثناء حملانه إلى المدينة فقد أجاز مالك مثله في المدة اليسيرة وظاهر مذهب الشافعي المنع وقيل: بالجواز تفريعا على جواز بيع الدار المستأجرة فإن المنفعة تكون مستثناه ومذهب الشافعي الأول والذي يعتذر به عن الحديث على هذا المذهب أن لا يجعل استثناؤه على حقيقة الشرط في العقد بل على سبيل تبرع الرسول صلى الله عليه وسلم بالجمل عليه أو يكون الشرط سابقا على العقد والشروط المفسدة ما تكون مقارنة للعقد وممزوجة به على ظاهر مذهب الشافعي وقد أشار بعض الناس إلى أن اختلاف الرواة في ألفاظ الحديث مما يمنع الاحتجاج به على هذا المطلب فإن بعض الألفاظ صريح في الاشتراط وبعضها لا فيقول: إذا اختلفت الروايات وكانت الحجة ببعضها دون بعض توقف الاحتجاج.
فنقول: هذا صحيح لكن بشرط تكافؤ الروايات أو تقاربها أما إذا كان الترجيح واقعا لبعضها إما لأن رواته أكثر أو أحفظ فينبغي العمل بها إذ الأضعف لا يكون مانعا من العمل بالأقوى والمرجوح لا يدفع التمسك بالراجح فتمسك بهذا الأصل فإنه نافع في مواضع عديدة.
منها: أن المحدثين يعللون الحديث بالاضطراب ويجمعون الروايات العديدة فيقوم في الذهن منها صورة توجب التضعيف والواجب أن ينظر إلى تلك الطرق فما كان منها ضعيفا.
اسقط عن درجة الاعتبار ولم يجعل مانعا من التمسك بالصحيح القوي ولتمام هذا موضع آخر ومذهب مالك وإن قال بظاهر الحديث فهو يخصصه باستثناء الزمن اليسير وربما قيل: إنه ورد ما يقتضي ذلك.
وقد يؤخذ من الحديث جواز بيع الدار المستأجرة بأن يجعل هذا الاستثناء المذكور في الحديث أصلا ويجعل بيع الدار المستأجرة مساويا له في المعنى فيثبت الحكم إلا أن في كون مثل هذا معدودا فيما يؤخذ من الحديث وفائدة من فوائده نظرا.
3- عن أبي هريرة رضي لله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد ولا تناجشوا ولا يبع الرجل على بيع أخيه ولا يخطب على خطبته ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفئ ما في صحفتها).
أما النهي عن بيع الحاضر للبادي والنجش وبيع الرجل على بيع أخيه: فقد مر الكلام عليه.
وأما النهي عن الخطبة فقد تصرف في إطلاقه الفقهاء بوجهين.
أحدهما: أنهم خصوه بحالة التراكن والتوافق بين الخاطب والمخطوب إليه وتصدى نظرهم بعد ذلك فيما به يحصل تحريم الخطبة وذكروا أمورا لا تستنبط من الحديث وأما الخطبة قبل التراكن فلا تمتنع نظرا إلى المعنى الذي لأجله حرمت الخطبة وهو وقوع العداوة والبغضاء وإيحاش النفوس.
الوجه الثاني: وهو للمالكية أن ذلك في المتقاربين أما إذا كان الخاطب الأول فاسقا والآخر صالحا فلا تندرج تحت النهي ومذهب الشافعي رحمه الله: أنه إذا ارتكب النهي وخطب على خطبة أخيه لم يفسد العقد ولم يفسخ لأن النهي مجانب لأجل وقوع العداوة والبغضاء وذلك لا يعود على أركان العقد وشروطه بالاختلال ومثل هذا لا يقتضي فساد العقد.
وأما نهي المرأة عن سؤال طلاق أختها فقد استعمل فيه ألفاظ مجازية فجعل طلاق المرأة بعقد النكاح بمثابة تفريغ الصحفة بعد امتلائها وفيه معنى آخر وهو الإشارة إلى الرزق لما يوجبه النكاح من النفقة فإن الصحفة وملأها من باب الأرزاق وكفاؤها قلبها.

.باب الربا والصرف:

1- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء1 والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء».
الحديث يدخل على وجوب الحلول وتحريم النساء في بيع الذهب بالورق والبر بالبر والشعير بالشعير إلا هاء وهاء واللفظة موضوعة للتقابض وهي ممدودة مفتوحة وقد أنشد بعض أهل اللغة في ذلك:
لما رأت في قامتي انحناء ** والمشي بعد قعس أجناء

أجلت وكان حبها إجلاء ** وجعلت نصف غبوقي ماء

تمزج لي من بغضها السقاء ** ثم تقول من بعيد هاء

دحرجة إن شئت أو إلقاء ** ثم تمنى أن يكون داء

لا يجعل الله له شفاء

ثم اختلف العلماء بعد ذلك ف الشافعي يعتبر الحلول والتقابض في المجلس فإذا حصل ذلك لم يعتبر غيره ولا يضر عنده طول المجلس إذا وقع العقد حالا وشدد مالك أكثر من هذا ولم يسامح بالطول في المجلس وإن وقع القبض فيه وهو أقرب إلى حقيقة اللفظ فيه والأول أدخل في المجاز وهذا الشرط لا يختص باتحاد الجنس بل إذا جمع المبيعين علة واحدة كالنقدية في الذهب والفضة والطعم في الأشياء الأربعة أو غيره مما قيل به اقتضى ذلك تحريم النساء وقد اشتمل الحديث على الأمرين معا حيث منع ذلك بين الذهب بالورق وبين البر بالبر والشعير بالشعير فإن هذين في الجنس الواحد والأول في جنسين جمعتهما علة واحدة.
2- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منها غائبا بناجز» وفي لفظ: «إلا يدا بيد» وفي لفظ: «إلا وزنا بوزن مثلا بمثل سواء بسواء».
في الحديث أمران:
أحدهما: تحريم التفاضل في الأموال الربوية عند اتحاد الجنس ونصفه في الذهب بالذهب من قوله: «إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض».
الثاني: تحريم النساء من قوله: «ولا تبيعوا منها غائبا بناجز» وبقية الأموال الربوية ما كان منها منصوصا عليه في غير هذا الحديث أخذ فيه بالنص وما لا قاسه القائسون.
وقوله: «إلا يدا بيد» في الرواية الأخرى: يقتضي منع النساء.
وقوله: «وزنا بوزن» يقتضي اعتبار التساوي ويوجب أن يكون التساوي في هذا بالوزن لا بالكيل والفقهاء قرروا أنه يجب التماثل بمعيار الشرع فما كان موزونا فبالوزن وما كان مكيلا فبالكيل.
3- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: جاء بلال إلى رسول الله بتمر برني فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «من أين هذا؟» قال بلال: كان عندنا تمر رديء فبعت منه صاعين بصاع ليطعم النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك: «أوه أوه عين الربا عين الربا لا تفعل ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر ببيع آخر ثم اشتر به».
هو نص في تحريم ربا الفضل في التمر وجمهور الأمة على ذلك وكان ابن عباس يخالف ربا الفضل وكلم في ذلك فقيل: إنه رجع عنه وأخذ قوم من الحديث: تجويز الذرائع من حيث قوله: «بع التمر ببيع آخر ثم اشتر به» فإنه أجاز بيعه والشراء على الإطلاق ولم يفصل بين أن يبيعه ممن باعه أو من غيره ولا بين أن يقصد التوصل إلى شراء الأكثر أو لا.