فصل: باب السواك:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام



4- عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: «كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء وعنزة فيستنجي بالماء».
العنزة: الحربة الصغيرة وكأن حملها في ذلك الوقت لاحتمال أن يتوضأ صلي الله عليه وسلم ليصلي فتوضع بين يديه سترة كما ورد في حديث آخر: «أنها كانت توضع بين يديه فيصلي إليها» والكلام على الخلاء قد تقدم.
ويحتمل أن يراد بها هاهنا مجرد قضاء الحاجة على ما ذكرناه أنه يستعمل في ذلك وهذا الذي يناسبه المعنى الذي ذكرناه في حمل العنزة للصلاة فإن السترة إنما تكون في البراح من الأرض حيث يخشى المرور.
ويحتمل أن يراد به: المكان المعد لقضاء الحاجة في البنيان وهذا لا يناسبه المعنى الذي ذكرناه في حمل العنزة ويترجح الأول بأن خدمة الرجال له صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى مناسبة للسفر فإن الحضر يناسبه خدمة أهل بيته من نسائه ونحوهن.
ويؤخذ من هذا الحديث: استخدام الأحرار من الناس إذا كانوا أتباعا وأرصدوا أنفسهم لذلك.
وفيه أيضا: جواز الاستعانة في مثل هذا ومقصوده الأكبر: الاستنجاء بالماء ولا يختلف فيه غير أنه قد روي عن سعيد بن المسيب لفظ يقتضي تضعيفه للرجال فإنه سئل عن الاستنجاء بالماء؟ فقال: إنما ذلك وضوء النساء وعن غيره من السلف ما يشعر بذلك أيضا.
والسنة دلت على الاستنجاء بالماء كما في هذا الحديث وغيره فهي أولى بالاتباع ولعل سعيدا- رحمه الله- فهم من أحد غلوا في هذا الباب بحيث يمنع الاستنجاء بالحجارة فقصد في مقابلته أن يذكر هذا اللفظ لإزالة ذلك الغلو وبالغ بإيراده إياه على هذه الصيغة.
وقد ذهب بعض الفقهاء من أصحاب مالك- وهو ابن حبيب- إلى أن الاستنجاء بالحجارة إنما هو عند عدم الماء وإذا ذهب إليه ذاهب فلا يبعد أن يقع لغيرهم ممن في زمن سعيد وإنما استحب الاستنجاء بالماء لإزالة العين والأثر معا فهو أبلغ في النظافة.
5- عن أبي قتادة- الحارث بن ربعي- الأنصاري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول ولا يتمسح من الخلاء بيمينه ولا يتنفس في الإناء».
أبو قتادة: الحارث بن ربعي بن بلدمة بفتح الباء وسكون اللام وفتح الدال ويقال بلدمة بالضم فيهما ويقال: بلذمة بالذال المعجمة المضمومة فارس النبي صلى الله غليه وسلم شهد أحدا والخندق وما بعد ذلك مات بالمدينة سنة أربع وخمسين وقيل: بالكوفة سنة ثمان وثلاثين والأصح الأول اتفقوا على الإخراج له.
ثم الكلام عليه من وجوه:
أحدهما: الحديث يقتضي النهي عن مس الذكر باليمين في حالة البول ووردت رواية أخرى في النهي عن مسه باليمين مطلقا من غير تقييد بحالة البول فمن الناس من أخذ بهذا العام المطلق وقد يسبق إلى الفهم: أن المطلق يحمل على المقيد فيختص النهي بهذه الحالة وفيه بحث لأن هذا الذي يقال يتجه في باب الأمر والإثبات فإنا لو جعلنا الحكم للمطلق أو العام في صورة الإطلاق أو العموم مثلا: كان فيه إخلال باللفظ الدال على المقيد وقد تناوله لفظ الأمر وذلك غير جائز وأما في باب النهي: فإنا إذا جعلنا الحكم للمقيد أخللنا بمقتضى اللفظ المطلق مع تناول النهي له وذلك غير سائغ.
هذا كله بعد مراعاة أمر من صناعة الحديث وهو أن ينظر في الروايتين: هل هما حديث واحد أو حديثان؟ ولك أيضا بعد النظر في دلائل المفهوم وما يعمل به منه وما لا يعمل به وبعد أن تنظر في تقديم المفهوم على ظاهر العموم- أعني رواية الإطلاق والتقييد- فإن كانا حديثا واحدا مخرجه واحد اختلف عليه الرواة فينبغي حمل المطلق على المقيد لأنها تكون زيادة من عدل في حديث واحد فتقبل وهذا الحديث المذكور راجع إلى رواية يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن قتادة عن أبيه.
الثاني: ظاهر النهي التحريم وعليه حمله الظاهري وجمهور الفقهاء على الكراهة.
الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم: «ولا يتمسح من الخلاء بيمينه» يتناول القبل والدبر وقد اختلف أصحاب الشافعي في كيفية التمسح في القبل إذا كان الحجر صغيرا ولابد من إمساكه بإحدى اليدين فمنهم من قال: يمسك الحجر باليمنى والذكر باليسرى فتكون الحركة لليسرى واليمنى قارة ومنهم من قال: يؤخذ الذكر باليمنى والحجر باليسرى وتحرك اليسرى والأول أقرب إلى المحافظة على الحديث.
الرابع: قوله صلى الله عليه وسلم: «ولا يتنفس في الإناء» يراد به إبانة الإناء عند إرادة التنفس لما في التنفس من احتمال خروج شئ مستقذر للغير وفيه إفساد لما في الإناء بالنسبة إلى الغير لعيافته له وقد ورد في حديث آخر: «إبانة الإناء للتنفس ثلاثا» وهو هاهنا مطلق.
6- عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: «إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما: فكان لا يستتر من البول وأما الآخر: فكان يمشي بالنميمة», فأخذ جريدة رطبة فشقها نصفين فغرز في كل قبر واحدة فقالوا: يا رسول الله لم فعلت هذا؟ قال: «لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا».
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف أبو العباس القرشي الهاشمي المكي أحد أكابر الصحابة في العلم سمي بالحبر والبحر لسعة علمه مات سنة ثمان وستين ويقال كان سنه حينئذ اثنتين وسبعين سنة وبعضهم يروي سنه إحدى- أو اثنتين- وسبعين سنة أعني في مبلغ سنه وكان موته بالطائف.
ثم الكلام عليه من وجوه:
أحدهما: تصريحه بإثبات عذاب القبر على ما هو مذهب أهل السنة واشتهرت به الأخبار وفي إضافة عذاب القبر إلى البول خصوصية تخصه دون سائر المعاصي مع أن العذاب بسبب غيره أيضا إن أراد الله عز وجل ذلك في حق بعض عباده وعلى هذا جاء الحديث: «تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه» وكذا جاء أيضا: أن بعض من ذكر عنه أنه ضمه القبر أو ضغطه فسئل أهله فذكروا أنه كان منه تقصير في الطهور.
الثاني: قوله: «وما يعذبان في كبير» يحتمل من حيث اللفظ وجهين: والذي يحب أن يحمل عليه منهما: أنهما لا يعذبان في كبير إزالته أو دفعه أو الاحتراز عنه أي أنه سهل يسير على من يريد التوقي منه ولا يريد بذلك أنه صغير من الذنوب غير كبير منها لأنه قد ورد في الصحيح من الحديث: «وإنه لكبير» فيحمل قوله: «وإنه لكبير» على كبر الذنب وقوله: «وما يعذبان في كبير» على سهولة الدفع والاحتراز.
الثالث: قوله: «أما أحدهما فكان لا يستتر من بوله» هذه اللفظة- أعني: «يستتر»- قد اختلفت فيها الرواية على وجوه وهذه اللفظة تحتمل وجهين:
أحدهما: الحمل على حقيقتها من الاستتار عن الأعين ويكون العذاب على كشف العورة.
الثاني- وهو الأقرب-: أن يحمل على المجاز ويكون المراد بالاستتار التنزه عن البول والتوقي منه إما بعدم ملابسته أو بالاحتراز عن مفسدة تتعلق به كانتقاض الطهارة وعبر عن التوقي بالاستتار مجازا.
ووجه العلاقة بينهما أن المستتر عن الشيء في بعد عنه واحتجاب وذلك شبيه بالبعد عن ملابسة البول وإنما رجحنا المجاز- وإن كان الأصل الحقيقة- لوجهين:
أحدهما: أنه لو كان المراد أن العذاب على مجرد كشف العورة كان ذلك سببا مستقلا أجنبيا عن البول فإنه حيث حصل الكشف للعورة حصل العذاب المرتب عليه وإن لم يكن ثمة بول فيبقى تأثير البول بخصوصه مطرح الاعتبار والحديث يدل على أن للبول بالنسبة إلى عذاب القبر خصوصية فالحمل على ما يقتضيه الحديث المصرح بهذه الخصوصية أولى.
وأيضا فإن لفظة «من» لما أضيفت إلى البول- وهي غالبا لابتداء الغاية حقيقة أو ما يرجع إلى معنى ابتداء الغاية مجازا- تقتضي نسبة الاستتار الذي عدمه سبب العذاب إلى البول بمعنى أن ابتداء سبب عذابه من البول وإذا حملناه على كشف العورة زال هذا المعنى.
الوجه الثاني: أن بعض الروايات في هذه اللفظة يشعر بأن المراد التنزه من البول وهي رواية وكيع: «لايتوقى» وفي رواية بعضهم: «لا يستنزه» فتحمل هذه الفظة على تلك ليتفق معنى الروايتين.
الرابع: في الحديث دليل على عظم أمر النميمة وأنها سبب العذاب وهو محمول على النميمة المحرمة فإن النميمة إذا اقتضى تركها مفسدة تتعلق بالغير أو فعلها مصلحة يستضر الغير بتركها لم تكن ممنوعة كما نقول في الغيبة إذا كانت للنصيحة أو لدفع المفسدة لم تمنع.
ولو أن شخصا اطلع من آخر على قول يقتضي إيقاع ضرر بإنسان فإذا نقل إليه ذلك القول احترز عن ذلك الضرر لوجب ذكره له.
الخامس: قيل في أمر الجريدة التي شقها اثنتين فوضعها على القبرين وقوله صلى الله عليه وسلم: «لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا» إلى أن النبات يسبح دائما رطبا فإذا حصل التسبيح بحضرة الميت حصلت له بركته فلهذا اختص بحالة الرطوبة.
السادس: أخذ بعض العلماء من هذا: أن الميت ينتفع بقراءة القرآن على قبره من حيث إن.
المعنى الذي ذكرناه في التخفيف عن صاحبي القبرين هو تسبيح النبات ما دام رطبا فقراءة القرآن من الإنسان أولى بذلك والله أعلم بالصواب.

.باب السواك:

1- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة».
الكلام على هذا الحديث من وجوه:
أحدها: استدل بعض الأصوليين به على أن الأمر للوجوب ووجه الاستدلال: أن كلمة «لولا» تدل على انتفاء الشيء لوجود غيره فيدل على انتفاء الأمر لوجود المشقة والمنتفي لأجل المشقة إنما هو الوجوب لا الاستحباب فإن استحباب السواك ثابت عند كل صلاة فيقتضي ذلك أن الأمر للوجوب.
الثاني: السواك مستحب في حالات متعددة منها: ما دل عليه هذا الحديث وهو القيام إلى الصلاة والسر فيه: أنا مأمورون في كل حالة من أحوال التقرب إلى الله عز وجل أن نكون في حالة كمال ونظافة إظهارا لشرف العبادة وقد قيل إن ذلك لأمر يتعلق بالملك وهو أنه يضع فاه على في القارئ ويتأذى بالرائحة الكريهة فسن السواك لأجل ذلك.
الثالث: قد يتعلق بالحديث مذهب من يرى أن النبي صلى الله عليه وسلم له أن يحكم بالاجتهاد ولا يتوقف حكمه على النص فإنه جعل المشقة سببا لعدم أمره صلى الله عليه وسلم ولو كان الحكم موقوفا على النص لكان سبب انتفاء أمره صلى الله عليه وسلم عدم ورود النص به ولا وجود المشقة وفيه احتمال للبحث والتأويل.
الرابع: الحديث بعمومه يدل على استحباب السواك لكل صلاة فيدخل فيه استحباب ذلك في الصلاتين الواقعتين بعد الزوال للصائم ويستدل به من يرى ذلك ومن يخالف في ذلك يحتاج إلى دليل خاص بهذا الوقت يخص به ذلك العموم وهو حديث الخلوف وفيه بحث.
2- عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك».
قال المؤلف رحمه الله يشوص معناه: يغسل يقال: شاصه يشوصه وماصه يموصه إذا غسله.
حذيفة بن اليمان اسمه حسيل بن جابر وقيل: حذيفة بن الحسيل بن اليمان أبو عبد الله العبسي معدود في أهل الكوفة أحد أكابر الصحابة ومشاهيرهم قال البخاري: مات بعد عثمان بن عفان بأربعين يوما قال أبونصر: وذلك أول سنة ست وثلاثين وقال الواقدي: حذيفة بن اليمان بن حسيل بن جابر العبسي حليف بني عبد الأشهل وابن أختهم.
فيه دليل على استحباب السواك في هذه الحالة الأخرى وهي القيام من النوم وعلته: أن النوم مقتض لتغير الفم والسواك هو آلة التنظيف للفم فيسن عند مقتضي التغير.
وقوله: «يشوص» اختلفوا في تفسيره فقيل: يدلك وقيل: يغسل وقيل: ينقي والأول: أقرب.
وقوله: «إذا قام من الليل» ظاهره: يقتضي تعليق الحكم بمجرد القيام ويحتمل أن يراد: إذا قام من الليل للصلاة فيعود إلى معنى الحديث الأول.
3- عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما على النبي صلي الله عليه وسلم وأنا مسندته إلي صدري ومع عبد الرحمن سواك رطب يستن به فأبده رسول الله صلي الله عليه وسلم بصره فأخذت السواك فقضمته فطيبته ثم دفعته إلى النبي صلي الله عليه وسلم فاستن به فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استن استنانا أحسن منه فما عدا أن فرغ رسول الله صلي الله عليه وسلم: رفع يده- أو إصبعه- ثم قال: «في الرفيق الأعلى»- ثلاثا- ثم قضى وكانت تقول: مات بين حاقنتي وذاقنتي.