فصل: باب المسح على الخفين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام



وفي لفظ: «فرأيته ينظر إليه وعرفت: أنه يحب السواك فقلت: آخذه لك؟ فأشار برأسه: أن نعم» هذا لفظ البخاري ولمسلم نحوه.
4- عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يستاك بسواك رطب, قال: وطرف السواك على لسانه وهو يقول: «أع أع» والسواك في فيه كأنه يتهوع.
أبو موسى: عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار- ويقال: حضار- الأشعري معدود في أهل البصرة أحد أكابر الصحابة ومشاهيرهم وذكر ابن أبي شيبة: أنه مات سنة أربع وأربعين وهو ابن ثلاث وستين سنة وقيل: مات سنة اثنتين وأربعين وقال الواقدي: سنة اثنتين وخمسين.
قوله في حديث عائشة رضي الله عنها: «فأبده رسول الله صلى الله عليه وسلم» يقال: أبددت فلانا البصر: إذا طولته إليه وكأن أصله من معنى التبديد الذي هو التفريق ويروي: أن عمر بن عبد العزيز لما حضرته الوفاة قال: أجلسوني, فأجلسوه فقال: أنا الذي أمرتني فقصرت ونهيتني فعصيت ولكن لا إله إلا أنت ثم رفع رأسه فأبد النظر فقال: لأرى حضرة ما هم بإنس ولا جن ثم قبض.
وقولها: (بين حاقنتي وذاقنتي) قيل الذاقنة نقرة النحر وقيل: طرف الحلقوم وقيل: أعلى البطن والحواقن أسافله وكأن المراد: ما يحقن الطعام أي يجمعه ومنه المحقنة- بكسر الميم- التي يحتقن بها ومن كلام العرب: لأجمعن بين ذواقنك وحواقنك.
وفي الحديث الاستياك بالرطب وقد قال بعض الفقهاء: إن الاخضر لغير الصائم أحسن وقال بعضهم: يستحب أن يكون بيابس قد ندي بالماء.
وفيه إصلاح السواك وتهيئته لقول عائشة فقضمته والقضم بالاسنان ومن طلب الاصلاح قول من قال: يستحب أن يكون بيابس قد ندي بالماء لأن اليابس أبلغ في الازالة وتنديته بالماء: لئلا يجرح اللثة لشدة يبسه.
وفي الحديث: الاستياك بسواك الغير, وفيه: العمل بما يفهم من الإشارة والحركات.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «في الرفيق الأعلى» إشارة منه صلى الله عليه وسلم إلى قوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [النساء: 69] وقد ذكر بعضهم: أن قوله تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7] إشارة إلى ما في هذه الآية وهي قوله: {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [النساء: 69] فكأن هذه تفسير لتلك وبلغني أنه صنف في ذلك كتاب يفسر فيه القرآن بالقرآن.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «في الرفيق الأعلى» يجوز أن يكون الأعلى من الصفات اللازمة التي ليس لها مفهوم يخالف المنطوق كما في نحو قوله تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} [المؤمنون: 117] وليس ثمة داع إلها آخر له به برهان وكذلك قوله: {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ} [آل عمران: 21] ولا يكون قتل النبيين إلا بغير حق فكون الرفيق لم يطلق إلا على الأعلى الذي اختص به الرفيق ويقوي هذا: ما ورد في بعض الروايات: «وألحقني بالرفيق» ولم يصفه بالأعلى وذلك دليل على أنه المراد بلفظة: «الرفيق الأعلى».
ويحتمل أن يراد بالرفيق: ما يعم الأعلى وغيره ثم ذلك على وجهين:
أحدهما: أن يختص الرفيقان معا بالمقربين المرضيين ولا شك أن مراتبهم متفاوتة فيكون صلى الله عليه وسلم طلب أن يكون في أعلى مراتب الرفيق وأن كان الكل من السعداء المرضيين.
والثاني: أنه يطلق الرفيق بالمعنى الوضعي الذي يعم كل رفيق ثم يخص منه الأعلى.
بالطلب وهو مطلب المرضيين ويكون «الأعلى» بمعنى العالي ويخرج عنه غيرهم وإن كان اسم «الرفيق» منطلقا عليهم.
وأما حديث أبي موسى: ففيه أمران أحدهما: الاستياك على اللسان واللفظ الذي أورده صاحب الكتاب- وإن كان ليس بصريح في الاستياك على اللسان- فقد ورد مصرحا به في بعض الروايات.
والعلة التي تقتضي الاستياك على الأسنان موجودة في اللسان بل هي أبلغ وأقوى لما يرتقي إليه من أبخرة المعدة.
وقد ذكر الفقهاء: أنه يستحب الاستياك عرضا وذلك في الأسنان وأما في اللسان: فقد ورد منصوصا عليه في بعض الروايات: «الاستياك فيه طولا».
الثاني: ترجم البخاري على هذا الحديث باستياك الإمام بحضرة رعيته فقال باب الاستياك الإمام بحضرة رعيته.
قال الشيخ الإمام الشارح تقي الدين رحمه الله: والتراجم التي يترجم بها أصحاب التصانيف على الأحاديث إشارة إلى المعاني المستنبطة منها: على ثلاث مراتب منها: ما هو ظاهر في الدلالة على المراد بعيد مستكره لا يتمشى إلا بتعسف ومنها: ما هو ظاهر الدلالة على المراد إلا أن فائدته قليلة لا تكاد تستحسن مثل ما ترجم باب السواك عند رمي الجمار.
وهذا القسم- أعني ما لا تظهر منه الفائدة- يحسن إذا وجد معنى في ذلك المراد يقتضي تخصيصه بالذكر فتارة يكون سببه الرد على مخالف في المسألة لم تشهر مقالته مثل ما ترجم على أنه يقال ما صلينا فإنه نقل عن بعضهم أنه كره ذلك ورد عليه بقوله صلى الله عليه وسلم: «إن صليتها أو ما صليتها» وتارة يكون سببه الرد على فعل شائع بين الناس لا أصل له فيذكر الحديث للرد على من فعل ذلك الفعل كما اشتهر بين الناس في هذا المكان: التحرز عن قولهم ما صلينا إن لم يصح أن أحدا كرهه وتارة يكون لمعنى يخص الواقعة لا يظهر لكثير من الناس في بادئ الرأي مثل ما ترجم على هذا الحديث استياك الإمام بحضرة رعيته فإن الاستياك من أفعال البذلة.
والمهنة ويلازمه أيضا من إخراج البصاق وغيره لبعض الناس يتوهم أن ذلك يقتضي إخفاؤه وتركه بحضرة الرعية.
وقد اعتبر الفقهاء في مواضع كثيرة هذا المعنى وهو الذي يسمونه بحفظ المروءة فأورد هذا الحديث لبيان أن الاستياك ليس من قبيل ما يطلب إخفاؤه ويتركه الإمام بحضرة الرعايا إدخالا له في باب العبادات والقربات والله أعلم.

.باب المسح على الخفين:

1- عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأهويت لأنزع خفيه فقال: «دعهما فأني أدخلتهما طاهرتين» فمسح عليهما..
2- عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: «كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فبال وتوضأ ومسح على خفيه» مختصر.
كلا الحديثين يدل على جواز المسح على الخفين وقد تكثرت فيه الروايات ومن أشهرها: رواية المغيرة ومن أصحها: رواية جرير بن عبد الله البجلي- بفتح الباء والجيم معا- وكان أصحاب عبد الله بن مسعود يعجبهم حديث جرير لأن إسلامه كان بعد نزول المائدة.
ومعنى هذا الكلام: أن آية المائدة إن كانت متقدمة على المسح على الخفين كاو جواز المسح ثابتا من غير نسخ وإن كان مسح الخفين متقدما كانت آية المائدة تقتضي خلاف ذلك فينسخ بها المسح فلما تردد الحال توقفت الدلالة عند قوم وشكوا في جواز المسح.
وقد نقل عن بعض الصحابة رضي الله عنهم أنه قد علمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين ولكن أقبل المائدة أم بعدها؟ إشارة منه بهذا الاستفهام إلى ما ذكرناه فلما جاء حديث جرير مبينا للمسح بعد نزول المائدة: زال الإشكال.
وفي بعض الروايات: التصريح بأنه: «رأى النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين بعد نزول المائدة» وهو أصرح من رواية من روى عن جرير وهل أسلمت إلا بعد نزول المائدة؟.
وقد اشتهر جواز المسح على الخفين عند علماء الشريعة حتى عد شعارا لأهل السنة وعد إنكاره شعارا لأهل البدع.
وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث المغيرة: «دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين» دليل على اشتراط الطهارة في اللبس لجواز المسح حيث علل عدم نزعهما بإدخالهما طاهرتين فيقتضي أن إدخالهما غير طاهرتين مقتض للنزع.
وقد استدل به بعضهم على أن إكمال الطهارة فيهما شرط حتى لو غسل إحداهما وأدخلها الخف ثم غسل الأخرى وأدخلها الخف: لم يجز المسح.
وفي هذا الاستدلال عندنا ضعف- أعني في دلالته على حكم هذه المسألة- فلا يمتنع أن يعبر بهذه العبارة عن كون كل واحدة منهما أدخلت طاهرة بل ربما يدعي أنه ظاهر في ذلك فإن الضمير في قوله: «أدخلتهما» يقتضي تعليق الحكم بكل واحدة منهما.
نعم من روى: «فإني أدخلتهما وهما طاهرتان» فقد يتمسك برواية هذا القائل من حيث إن قوله: «أدخلتهما» إذا اقتضى كل واحدة منهما فقوله: «وهما طاهرتان» حال من كل واحدة منهما فيصير التقدير: أدخلت كل واحدة في حال طهارتها وذلك إنما يكون بكمال الطهارة.
وهذا الاستدلال بهذه الرواية من هذا الوجه: قد لا يتأتى في رواية من روى: «أدخلتهما طاهرتين» وعلى كل حال فليس الاستدلال بذلك القوي جدا لاحتمال الوجه الآخر في الروايتين معا اللهم إلا أن يضم إلى هذا دليل يدل على أنه لا يحصل الطهارة لإحداهما إلا بكمال الطهارة في جميع الأعضاء فحينئذ يكون ذلك الدليل- مع هذا الحديث- مستندا لقول القائلين بعدم الجواز أعني أن يكون المجموع هو المستند فيكون هذا الحديث دليلا على اشتراك طهارة كل واحدة منهما ويكون ذلك الدليل دالا على أنها لا تطهر إلا بكمال الطهارة.
ويحصل من هذا المجموع: حكم المسألة المذكورة في عدم الجواز وفي حديث حذيفة: تصريح بجواز المسح عن حدث البول وفي حديث صفوان بن عسال- بالعين المهملة وتشديد السين- ما يقتضي جوازه عن حدث الغائط وعن النوم أيضا ومنعه عن الجنابة.

.باب المذي وغيره:

1- عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كنت رجلا مذاء فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته مني فأمرت المقداد بن الأسود فسأله فقال: «يغسل ذكره ويتوضأ».
وللبخاري: «اغسل ذكرك وتوضأ» ولمسلم: «توضأ وانضح فرجك».
المذي: مفتوح الميم ساكن الذال المعجمة مخفف الياء هذا هو المشهور فيه وقيل: فيه لغة أخرى: وهي كسر الذال وتشديد الياء- هو الماء الذي يخرج من الذكر عند الإنعاظ.
وقول علي رضي الله عنه: (كنت رجلا مذاء) هي صيغة مبالغة على زنة فعال من المذي يقال: مذى يمذي وأمذى يمذي.
وفي الحديث فوائد:
أحدها: استعمال الأدب ومحاسن العادات في ترك المواجهة بما يستحيى منه عرفا والحياء تغير وانكسار يعرض للإنسان من تخوف ما يعاتب به أو يذم عليه كذا قيل في تعريفه.
وقوله: (فاستحييت) هي اللغة الفصيحة وقد يقال: استحيت.
وثانيها: وجوب الوضوء من المذي وأنه ناقض للطهارة الصغرى.
وثالثها: عدم وجوب الغسل منه.
ورابعها: نجاسته من حيث إنه أمر بغسل الذكر منه.
وخامسها: اختلفوا هل يغسل منه الذكر كله أو محل النجاسة فقط؟.
فالجمهور على أنه يقتصر على محل النجاسة وعند طائفة من المالكية: أنه يغسل منه الذكر كله تمسكا بظاهر قوله: «يغسل ذكره» فإن اسم الذكر حقيقة في العضو كله وبنوا على هذا فرعا وهو: أنه هل يحتاج إلى نية في غسله؟ فذكروا قولين من حيث إنا إذا أوجبنا غسل جميع الذكر: كان ذلك تعبدا والطهارة التعبدية: تحتاج إلى نية كالوضوء.
وإنما عدل الجمهور عن استعمال الحقيقة في الذكر كله نظرا منهم إلى المعنى فإن الموجب للغسل: إنما هو خروج الخارج وذلك يقتضي الاقتصار على محله.
وسادسها: قد يستدل به على أن صاحب سلس المذي يحب عليه الوضوء منه من حيث إن عليا رضي الله عنه وصف نفسه بأنه كان مذاء وهو الذي يكثر منه المذي ومع ذلك أمر بالوضوء وهو استدلال ضعيف لأن كثرته قد تكون على وجه الصحة لغلبة الشهوة بحيث يمكن دفعه وقد تكون على وجه المرض والاسترسال بحيث لا يمكن دفعه وليس في الحديث بيان صفة هذا الخارج على أي الوجهين هو؟.
وسابعها: المشهور في الرواية: «يغسل ذكره» بضم اللام على صيغة الإخبار وهو استعمال لصيغة الإخبار بمعنى الأمر واستعمال صيغة الإخبار بمعنى الأمر جائز مجازا لما يشتركان فيه من معنى الإثبات للشيء.
ولو روى: يغسل ذكره- بجزم اللام على حذف اللام الجازمة وإبقاء عملها- لجاز عند بعضهم على ضعف ومنهم من منعه إلا لضرورة كقول الشاعر:
محمد تفد نفسك كل نفس