فصل: قول الإمام أبي القاسم الطبري اللالكائي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية ***


قول الإمام أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن عيسى المالكي

المشهور بابن أبي زمنين رحمه الله تعالى قال في كتابه الذي صنفه في أصول السنة‏:‏ باب الإيمان بالعرش قال‏:‏ ومن قول أهل السنة أن الله عز وجل خلق العرش واختصه بالعلو والارتفاع فوق جميع ما خلق ثم استوى عليه كيف شاء كما أخبر عن نفسه في قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏الرحمن على العرش استوى‏}‏ وفي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها‏}‏ وذكر حديث أبي رزين العقيلي قال‏:‏ قلت يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق السموات والأرض‏؟‏ قال كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء ثم خلق عرشه على الماء‏:‏ ثم ذكر الآثار في ذلك إلى أن قال باب الإيمان بالحجب قال‏:‏ ومن قول أهل السنة أن الله تعالى بائن من خلقه محتجب عنهم بالحجب تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا‏:‏ ‏{‏كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا‏}‏ إلى أن قال‏:‏ باب الإيمان بالنزول، قال‏:‏ ومن قول أهل السنة أن الله ينزل إلى السماء الدنيا وذكر حديث النزول، ثم قال‏:‏ وهذا الحديث يبين أن الله تعالى على عرشه في السماء دون الأرض وهو أيضًا بين في كتاب الله تعالى وتقدس وفي غير ما حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال الله عز وجل‏:‏ ‏{‏يدبر الأمر من السماء إلى الأرض‏}‏ ‏{‏ثم يعرج إليه‏}‏ وساق الآيات في العلو وذكر من طريق أنس بن مالك قول النبي صلى الله عليه وسلم للجارية أين الله‏؟‏ ثم قال‏:‏ والأحاديث مثل هذا كثيرة جدا‏.‏

قول القاضي عبد الوهاب إمام المالكية بالعراق

من كبار أهل السنة رحمه الله تعالى صرح بأن الله سبحانه استوى على عرشه بذاته، نقله شيخ الإسلام عنه في غير موضع من كتبه، ونقله عنه القرطبي في شرح الأسماء الحسنى‏.‏

ذكر قول الإمام محمد بن إدريس الشافعي

رحمه الله تعالى وقدس روحه ونور ضريحه قال الإمام ابن الإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي حدثنا أبو شعيب وأبو +ثور عن أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله تعالى قال‏:‏ القول في السنة التي أنا عليها ورأيت أصحابنا عليها أهل الحديث الذين رأيتهم وأخذت عنهم مثل سفيان ومالك وغيرهما الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن الله تعالى على عرشه في سمائه يقرب من خلقه كيف شاء وأن الله تعالى ينزل إلى سماء الدنيا كيف شاء‏.‏ قال عبد الرحمن وحدثنا يونس بن عبد الأعلى قال‏:‏ سمعت أبا عبد الله محمد بن إدريس الشافعي يقول وقد سئل عن صفات الله وما يؤمن به فقال‏:‏ لله تعالى أسماء وصفات جاء بها كتابه وأخبر بها نبيه أمته لا يسع أحدا من خلق الله قامت عليه الحجة ردها؛ لأن القرآن نزل بها وصح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القول ‏"‏بها‏"‏ فيما روى عنه العدول فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه فهو كافر أما قبل ثبوت الحجة عليه فمعذور بالجهل لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا بالروية والقلب ولا نكفر بالجهل بها أحد إلا بعد انتهاء الخبر إليه بها، وتثبيت هذه الصفات وننفي عنها التشبيه فما نفى التشبيه عن نفسه فقال‏:‏ ‏{‏ليس كمثله شيء وهو السميع البصير‏}‏ وصح عن الشافعي أنه قال‏:‏ خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ‏"‏حق‏"‏ قضاها الله في سمائه وجمع عليها قلوب عباده ومعلوم أن المقضي في الأرض والقضاء فعله سبحانه وتعالى المتضمن لمشيئته وقدرته وقال في خطبة رسالته‏:‏ ‏(‏الحمد لله الذي هو كما وصف به نفسه وفوق ما يصفه به خلقه‏)‏ فجعل صفاته سبحانه إنما تتلقى بالسمع‏.‏ وقال يونس بن عبد الأعلى‏:‏ قال لي محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه، الأصل قرآن وسنة فإن لم يكن فقياس عليهما وإذا اتصل الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصح الإسناد منه فهو سنة، والإجماع أكبر من الخبر المفرد والحديث على ظاهره، وإذا احتمل المعاني فما أشبه منها ظاهره فهو أولى به، قال الخطيب في الكفاية‏:‏ أخبرنا أبو نعيم الحافظ حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان حدثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب حدثنا أبو حاتم الرازي حدثني يونس بن عبد الأعلى فذكره به‏.‏

قول صاحبه إمام الشافعية في وقته أبي إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني

في رسالته في السنة التي رواها أبو طاهر السلفي عنه بإسناده ونحن نسوقها كلها بلفظها‏.‏ بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏ عصمنا الله وإياكم بالتقوى ووفقنا وإياكم لموافقة الهدى، أما بعد فإنك سألتني أن أوضح لك من السنة أمرا تبصر نفسك على التمسك ‏"‏به‏"‏ وتدرأ به عنك شبه الأقاويل وزيغ محدثات الضالين فقد شرحت ‏"‏لك‏"‏ منهاجا واضحا لم آل نفسي وإياك فيه نصحا، بدأت فيه بحمد الله ذي الرشد والتسديد، الحمد لله أحق ما بدأ وأولى من شكر وعليه أثني الواحد الصمد الذي ليس له صاحبة ولا ولد جل عن المثل فلا شبيه له ولا عديل السميع البصير العليم الخبير المنيع الرفيع عال على عرشه وهو دان بعلمه من خلقه أحاط علمه بالأمور وأنفذ في خلقه سابق المقدور، ‏(‏و‏)‏ يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فالخلق عاملون بسابق علمه ونافذون لما خلقهم له من خير وشر، لا يملكون لأنفسهم من الطاعة ولا يجدون إلى صرف المعصية عنها دفعا، خلق الخلق بمشيئته من غير حاجة كانت به، فخلق الملائكة جميعا لطاعته وجبلهم على عبادته، فمنهم ملائكة بقدرته للعرش حاملون، وطائفة منهم حول عرشه يسبحون، وآخرون بحمده يقدسون، واصطفى منهم رسلا إلى رسله، وبعض مدبرون لأمره‏.‏ ثم خلق آدم بيده وأسكنه جنته، وقبل ذلك للأرض خلقه ونهاه عن شجرة قد نفذ قضاؤه عليه بأكلها ثم ابتلاه بما نهاه عنه منها ثم سلط عليه عدوه فأغواه عليها وجعل أكله ‏"‏إلى الهبوط‏"‏ إلى الأرض سببا فما وجد إلى ترك أكلها سبيلا ولا عنه لها مذهبا‏.‏ ثم خلق للجنة من ذريته أهلا فهم بأعمالهم‏؟‏ بمشيئته عاملون وبقدرته وبإرادته ينفذون‏.‏ وخلق من ذريته للنار أهلا فخلق لهم أعينا لا يبصرون بها وآذانا لا يسمعون بها وقلوبا لا يفقهون بها فهم بذلك عن الهدى محجوبون وهم بأعمال أهل النار بسابق قدره يعملون، والإيمان قول وعمل وهما شيئان ونظامان وقرينان لا يفرق بينهما لا إيمان إلا بعمل ولا عمل إلا بإيمان‏.‏

والمؤمنون في الإيمان يتفاضلون وبصالح الأعمال هم متزايدون ولا يخرجون من الإيمان بالذنوب ولا يكفرون بركوب كبيرة ولا عصيان ولا يوجب لمحسنهم بغير ما أوجب له النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يشهد على مسيئهم بالنار‏.‏

والقرآن كلام الله عز وجل ومن الله، وليس بمخلوق فيبيد وقدرة الله ونعمته وصفاته كلهاىغير مخلوقات دائمات أزلية ليست بمحدثات ولا كان ربنا ناقصا فيزيد جلت صفاته عن شبه المخلوقين وقصرت عن فطن الواصفين قريب بالإجابة عند السؤال بعيد بالتعزيز لا ينال عال عرشة بائن عن خلقه موجود ليس بمعدوم ولا مفقود، والخلق ميتون بآجالهم عند نفاد أرزاقهم وانقطاع آثارهم‏.‏ ثم هم بعد الضغطة في القبور مسئولون‏.‏ وبعد البلى منشورون ويوم القيامة إلى ربهم محشورون وعند العرض عليه محاسبون بحضرة الموازين ونشر صحف الدواوين أحصاه الله ونسوه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة لو كان غير الله عز وجل الحاكم بين خلقه، فالله يلي الحكم بينهم بعد له بمقدار القائلة في الدنيا وهو أسرع الحاسبين كما بدأهم، من له شقاوة وسعادة‏.‏ يومئذ تعودون فريق في الجنة وفريق في السعير،وأهل الجنة يومئذ ينعمون وبصنوف اللذات يتلذذون وبأفضل الكرامة يحبرون، فهم حينئذ إلى ربهم ينظرون، لا يمارون في النظر ولا يشكون فوجوههم بكرامته ناضرة وأعينهم بفضله إليه ناظرة في نعيم دائم مقيم ‏{‏لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين‏}‏ ‏{‏أكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار‏}‏‏.‏

وأهل الجحد عن ربهم يومئذ محجوبون وفي النار مسجورون ‏{‏لبئس ما قدمت لهم أنفسهم إن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون‏}‏ لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها إلا من شاء الله إخراجه من الموحدين منها،

والطاعة لأولي الأمر فيما كان عند الله عز وجل مرضيا واجتناب ما كان مسخطا وترك الخروج عند تعديهم وجورهم والتوبة إلى الله عز وجل كيما يعطف بهم على رعيتهم والإمساك عن تكفير أهل القبلة والبراءة منهم فيما أحدثوا ما لم يبتدعوا ضلالة، فمن ابتدع منهم ضلالة كان عن أهل القبلة خارجا ومن الدين مارقا ويتقرب إلى الله بالبراءة منه، ونهجر ويتجنب غرته فهي أعدى من غرة الحرب‏.‏

ويقال يفضل خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم عمر فهما وزيرا رسول الله صلى الله عليه وسلم وضجيعاه، ثم عثمان، ثم علي رضي الله عنهم أجمعين ثم الباقين من العشرة الذين أوجب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنة ويخلص لكل رجل منهم من المحبة بقدر الذي أوجبه له رسول الله صلى الله عليه وسلم من التفضيل ثم لسائر أصحابه من بعدهم رضي الله عنهم أجمعين، ويقال‏:‏ بفضلهم، ويذكرون بمحاسن أفعالهم، ويمسك عن الخوض فيما شجر بينهم وهم خيار أهل الأرض بعد نبيهم اختارهم الله عز وجل وجعلهم أنصارا لدينه فهم أئمة الدين وأعلام المسلمين رضي الله عنهم أجمعين، ولا نترك حضور صلاة الجمعة وصلاتها مع بر هذه الأمة وفاجرها ما كان من البدعة بريا، فإن ابتدع ضلالا فلا صلاة خلفه والجهاد مع كل إمام عدل أو جائر والحج وإقصار الصلاة في الأسفاروالتخيير فيه بين الصيام والإفطار، هذه مقالات اجتمع عليها الماضون الأولون من أئمة الهدى وبتوفيق الله اعتصم بها التابعون قدوة ورضا وجانبوا التكلف فيما كفوا فسددوا بعون الله ووفقوا لم يرغبوا عن الاتباع فيقصروا ولم يجاوزوه فيعتدوا فنحن بالله واثقون وعليه متوكلون وإليه في اتباع آثارهم راغبون‏.‏ فهذا شرح السنة تحريت كشفها وأوضحته، فمن وفقه الله للقيام بما أبنته مع معونته له بالقيام على أداء فرائضه بالاحتياط في النجاسات وإسباغ الطهارات على الطاعات وأداء الصلوات على الاستطاعات وإيتاء الزكاة على أهل الجدات والحج على أهل الجدة والاستطاعات وصيام شهر رمضان لأهل الصحات، وخمس صلوات سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلاة الوتر في كل ليلة وركعتا الفجر وصلاة الفطر والنحر وصلاة الكسوف وصلاة الاستسقاء واجتناب المحارم والاحتراز من النميمة والكذب والغيبة والبغي بغير الحق وأن تقول على الله ما لا تعلم، كل هذه كبائر محرمات والتحري في المكاسب والمطاعم والمحارم والمشارب والملابس واجتناب الشهوات فإنها داعية لركوب المحرمات فمن رعى حول الحمى فإنه يوشك أن يواقع في الحمى فمن يسر لهذا فإنه من الدين على هدى ومن الرحمن على رجاء‏.‏ وفقنا الله وإياك إلى سبيله الأقوم بمنه الجزيل الأقدم وجلاله العلي الأكرم والسلام عليك ورحمة الله وبركاته وعلى من قرأ علينا السلام ولا ينال سلام الله تعالى الضالون، والحمد لله رب العالمين‏.‏

قول إمام الشافعية في وقته أبي العباس بن سريج رحمه الله تعالى

ذكر أبو القاسم سعد بن علي بن محمد الزنجاني في جوابات المسائل التي سئل عنها بمكة فقال‏:‏ الحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وعلى كل حال وصلى الله على محمد المصطفى وعلى الأخيار الطيبين من الأصحاب والآل، سألت أيدك الله تعالى بتوفيقه بيان ما صح لدي وتأدى حقيقته إلى من مذهب السلف وصالحي الخلف في الصفات الواردة في الكتاب المنزل والسنة المنقولة بالطرق الصحيحة برواية الثقات الأثبات عن النبي صلى الله عليه وسلم بوجيز من القول واختصار في الجواب فاستخرت الله سبحانه وتعالى وأجبت عنه بجواب بعض الأئمة الفقهاء، وهو أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج رحمه الله تعالى وقد سئل عن مثل هذا السؤال فقال‏:‏ أقول وبالله التوفيق، حرام على العقول أن تمثل الله سبحانه وتعالى، وعلى الأوهام أن تحده، وعلى الظنون أن تقطع، وعلى الضمائر أن تعمق، وعلى النفوس أن تفكر، وعلى الأفكار أن تحيط وعلى الألباب أن تصف إلا ما وصف به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وقد صح وتقرر واتضح عند جميع أهل الديانة والسنة والجماعة من السلف الماضين والصحابة والتابعين من الأئمة المهتدين الراشدين المشهورين إلى زماننا هذا‏:‏ أن جميع الآي الواردة عن الله تعالى في ذاته وصفاته والأخبار الصادقة ‏(‏الصادرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الله وفي صفاته‏)‏ التي صححها أهل النقل وقبلها النقاد الأثبات‏.‏ يجب على المرء المسلم المؤمن الموفق الإيمان بكل واحد منه، كما ورد وتسليم أمره إلى الله سبحانه وتعالى كما أمر ذلك مثل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وجاء ربك والملك صفا صفا‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏الرحمن على العرش استوى‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه‏}‏ ونظائرها مما نطق به القرآن كالفوقية والنفس واليدين والسمع والبصر والكلام والعين والنظر والإرادة والرضى والغضب والمحبة والكراهة والعناية والقرب والبعد والسخط والاستحياء والدنو كقاب قوسين أو أدنى وصعود الكلام الطيب ‏"‏إليه‏"‏ وعروج الملائكة والروح إليه ونزول القرآن منه وندائه الأنبياء عليهم الصلاة السلام وقوله للملائكة وقبضه وبسطه وعلمه ووحدانيته وقدرته ومشيئته وصمديته وفردانيته وأوليته وآخريته وظاهريته وباطنيته وحياته وبقائه وأزليته وأبديته ونوره وتجليه والوجه وخلق آدم عليه السلام بيده، ونحو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله‏}‏ وسماعه من غيره، وسماع غيره منه وغير ذلك من صفاته المتعلقة به المذكورة في كتابه المنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم وجميع ما لفظ به المصطفى صلى الله عليه وسلم من صفاته كغرسه جنة الفردوس بيده وشجرة طوبى بيده وخط التوراة بيده والضحك والتعجب ووضعه القدم على النار فتقول‏:‏ قط قط، وذكر الأصابع، والنزول كل ليلة إلى سماء الدنيا وليلة الجمعة وليلة النصف من شعبان وليلة القدر، وكغيرته وفرحه بتوبة العبد واحتجابه بالنور وبرداء الكبرياء وأنه ليس بأعور، وأنه يعرض عما يكره ولا ينظر إليه، وأن كلتا يديه يمين واختيار آدم قبضتة اليمنى وحديث القبضة وله كل يوم كذا وكذا نظرة في اللوح المحفوظ وأنه يوم القيامة يحثو ثلاث حثيات‏.‏‏.‏‏.‏ فيدخلهم الجنة ولما خلق آدم عليه الصلاة والسلام مسح ظهره بيمينه فقبض قبضة فقال‏:‏ هذه للجنة ولا أبالي أصحاب اليمين، وقبض قبضة أخرى وقال‏:‏ هذه للنار ولا أبالي أصحاب الشمال ثم ردهم في صلب آدم، وحديث القبضة التي يخرج بها من النار قوما لم يعملوا خيرا قط عادوا حمما فيلقون في نهر من الجنة يقال له‏:‏ ‏(‏نهر‏)‏ الحياة، وحديث خلق آدم على صورته وقوله‏:‏ لا تقبحوا الوجه فإن الله خلق + صورة الرحمن، وإثبات الكلام بالحرف والصوت وباللغات وبالكلمات وبالسور وكلامه تعالى لجبريل والملائكة ولملك الأرحام وللرحم ولملك الموت ولرضوان ولمالك ولآدم ولموسى ولمحمد صلى الله عليه وسلم وللمؤمن عند الحساب، وفي الجنة ونزول القرآن إلى سماء الدنيا وكون القرآن في المصاحف وما أذن الله لشيء كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن وقوله‏:‏ لله أشد اذنا لقارئ القرآن من صاحب القينة إلى قينته وأن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب، وفرغ الله من الرزق، والأجل‏.‏ وحديث‏:‏ ذبح الموت ومباهات الله تعالى وصعود الأقوال والأعمال والأرواح إليه‏.‏ وحديث معراج الرسول صلى الله عليه وسلم ببدنه ونفسه ونظره إلى الجنة والنار، وبلوغه إلى العرش إلى أن لم يكن بينه وبين الله تعالى إلا حجاب العزة وعرض الأنبياء عليه، عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام، وعرض أعمال الأمة عليه وغير هذا مما صح عنه صلى الله عليه وسلم من الأخبار المتشابهة الواردة في صفات الله سبحانه ما بلغنا وما لم يبلغنا مما صح عنه اعتقادنا فيه، وفي الآيات المتشابهة في القرآن أن نقبلها ولا نردها ولا نتأولها بتأويل المخالفين ولا نحملها على تشبيه المشبهين ولا نزيد عليها ولا ننقص منها ولا نفسرها، ولا نكفيها ولا نترجم عن صفاته بلغة غير العربية، ولا نشير إليها بخواطر القلوب ولا بحركات الجوارح بل نطلق ما أطلقه الله عز وجل ونفسر ما فسره النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون والأئمة المرضيون من السلف المعروفين بالدين والأمانة ونجمع على ما أجمعوا عليه، ونمسك عن ما أمسكوا عنه، ونسلم الخبر الظاهر والآية الظاهر تنزيلها لا نقول بتأويل المعتزلة والأشعرية والجهمية والملحدة والمجسمة والمشبهة والكرامية والكيفية بل نقبلها بلا تأويل، ونؤمن بها بلا تمثيل، ونقول‏:‏ الإيمان بها واجب والقول بها سنة وابتغاء تأويلها بدعة‏.‏ آخر كلام أبي العباس بن سريج الذي حكاه أبو القاسم سعيد بن علي الزنجاني في أجوبته ثم ذكر باقي المسائل وأجوبتها‏.‏

قول الإمام حجة الإسلام أبي أحمد بن الحسين الشافعي

المعروف بابن الحداد رحمه الله تعالى قال‏:‏ الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وصلى الله على محمد وآله الطاهرين وسلم تسليما أما بعد‏:‏ فإنك وفقك الله تعالى لقول السداد وهداك سبل الرشاد، سألتني عن الاعتقاد الحق والمنهج الصدق الذي يجب على العبد المكلف أن يعتقده ويلتزمه فأقول والله الموفق للصواب‏:‏

الذي يجب على العبد اعتقاده ويلزمه في ظاهره وباطنه اعتماده ما دل عليه كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وإجماع الصدر الأول من علماء السلف وأئمتهم الذين هم أعلام الدين وقدوة من بعدهم من المسلمين وذلك أن يعتقد العبد ويقر ويعترف بقلبه ولسانه أن الله واحد أحد، فرد صمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، لا إله سواه ولا معبود إلا إياه، ولا شريك له ولا نظير له ولا وزير له ولا ظهير له ولا سمي له ولا صاحبة له ولا ولد له قديم أبدي ‏(‏أزلي‏)‏ أول من غير بداية، وآخر من غير نهاية، موصوف بصفات الكمال من الحياة والقدرة والعلم والإرادة والسمع والبصر والبقاء والبهاء والجمال والعظمة والجلال والمن والإفضال لا يعجزه شيء ولا يشبهه شيء ولا يعزب عن علمه شيء يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ولا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين، منزه عن كل نقص وآفة ومقدس عن كل عيب وعاهة، الخالق الرازق المحيي المميت الباعث الوارث الأول الآخر الظاهر الباطن الطالب الغالب المثيب المعاقب الغفور الشكور قدر كل شيء فقضاه وأبرمه وأمضاه، من خير وشر ونفع وضر وطاعة وعصيان، وعمد ونسيان، وعطاء وحرمان، لا يجري في ملكه مالا يريد، عدل في أقضيته غير ظالم لبريته‏.‏ لا راد لأمره ولا معقب لحكمه رب العالمين‏.‏ إله الأولين والآخرين مالك يوم الدين‏:‏ ‏{‏ليس كمثله شيء وهو السميع البصير‏}‏ نصفه بما وصف به نفسه في كتابه العظيم وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم الكريم لا نجاوز ذلك ولا نزيد بل نقف عنده وننتهي إليه ولا ندخل فيه برأي ولا قياس، لبعده عن الأشكال والأجناس، ‏{‏ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون‏}‏ وأنه سبحانه مستو على عرشه وفوق جميع خلقه كما أخبر في كتابه وعلى ألسنة رسله صلى الله عليهم وسلم من غير تشبيه ولا تعطيل، ولا تحريف ولا تأويل، وكذلك كل ما جاء من الصفات نمره كما جاء من غير مزيد عليه، ونقتدي في ذلك بعلماء السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، ونسكت عما سكتوا عنه ونتأول ما تأولوا وهم القدوة في هذا الباب‏:‏ ‏{‏أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب‏}‏، ونؤمن بالقدر خيره وشره وحلوه ومره أنه من الله عز وجل، لا معقب لما حكم ولا ناقض لما أبرم، وأن أعمال العباد حسنها وسيئها خلق الله عز وجل ومقدورة منه عليهم لا خالق لها سواه ولا مقدر لها إلا إياه‏:‏ ‏{‏ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى‏}‏، ‏{‏لا يسئل عما يفعل وهم يسألون‏}‏ فإنه عدل في ذلك غير جائر لا يظلمهم مثقال ذرة‏:‏ ‏{‏وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما‏}‏ وكذلك الأرزاق والآجال مقدرة لا تزيد ولا تنقص، ونؤمن ونقر ونشهد أن محمدا عبده ورسوله وخيرته من خلقه وأنه خاتم النبيين وسيد المرسلين أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، ونؤمن أن كل كتاب أنزله الله تعالى حق، وأن كل رسول أرسله الله تعالى حق، وأن الملائكة حق، وأن جبرائيل حق، وميكائيل حق، وإسرافيل حق، وعزرائيل حق، وحملة العرش والكرام الكاتبين من الملائكة حق، وأن الشياطين والجن حق، وأن كرامات ‏{‏الأولياء ومعجزات‏}‏ الأنبياء حق، والعين حق، والسحر له حقيقة وتأثير في الأجسام، ومسألة منكر ونكير حق، وفتنة القبرحق ونعيمه حق، وعذابه حق والبعث حق بعد الموت‏.‏ وقيام الساعة والوقوف بين يدي الله تعالى يوم القيامة للحساب والقصاص والميزان حق، والصراط حق، والحوض والشفاعة التي خص بها ‏(‏نبينا‏)‏ يوم القيامة حق، والشفاعة من الملائكة والنبيين والمؤمنين حق، والجنة حق، والنار حق، وأنهما مخلوقتان لا يبيدان ولا يفنيان، وخروج المؤمنين من النار بعد دخولها حق، ولا يخلد فيها من في قلبه مثقال ذرة من إيمان، وأهل الكبائر في مشيئة الله تعالى لا يقطع عليهم بالنار بل نخاف عليهم، ولا يقطع للطائعين بالجنة بل نرجو لهم، وأن الإيمان قول باللسان ومعرفة بالقلب وعمل بالجوارح وأنه يزيد وينقص، وأن المؤمنين يرون ربهم عز وجل في الآخرة من غير حجاب وأن الكفار عن رؤية ربهم عز وجل محجوبون وأن القرآن كلام الله رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلب محمد خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا، وأنه غير مخلوق وأن السور والآيات والحروف المسموعات والكلمات التامات التي عجزت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ليس بمخلوق كما قال المعتزلة، ولا عبارة كما قال الكلابي، وأنه المتلو بالألسنة المحفوظ في الصدور المكتوب في المصاحف المسموع لفظه المفهوم معناه لا يتعدد بتعدد الصدور والمصاحف+ والآلات ولا يختلف باختلاف الحناجر والنغمات أنزله إذا شاء ويرفعه إذا شاء وهذا معنى قول السلف منه بدأ وإليه يعود، واللفظية الذين يقولون ألفاظا بالقرآن مخلوقة مبتدعة جهمية عند الإمام أحمد والشافعي أخبرنا به الحسين بن أحمد بن إبراهيم الطبري، قال‏:‏ سمعت أحمد بن يوسف الشالنجي يقول‏:‏ سمعت أبا عبد الله الحسين بن علي القطان يقول‏:‏ سمعت علي بن الجنيد يقول‏:‏ سمعت الربيع يقول‏:‏ سمعت الشافعي يقول‏:‏ من قال لفظي بالقرآن أو القرآن بلفظي مخلوق فهو جهمي‏.‏وحكي بهذا اللفظ عن أبي زرعة وعلي بن خشرم وغيرهم من أئمة السلف وأن الآيات التي تظهر عند قرب الساعة من الدجال ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام والدخان والدابة وطلوع الشمس من مغربها وغيرها من الآيات التي وردت بها الأخبار الصحاح حق، وأن خير هذه الأمة القرن الأول وهم الصحابة رضي الله عنهم وخيرهم العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالجنة وخير هؤلاء العشرة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم، ونعتقد حب آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأزواجه وسائر أصحابه رضوان الله عليهم ونذكر محاسنهم وننشر فضائلهم ونمسك ألسنتنا وقلوبنا عن التطلع فيما شجر بينهم، ونستغفر الله لهم ونتوسل إلى الله تعالى باتباعهم، ونرى الجهاد والجمعة والجماعة ماضيان إلى يوم القيامة والسمع والطاعة لولاة الأمر من المسلمين واجبا في طاعة الله تعالى دون معصيته لا يجوز الخروج عليهم ولا المفارقة لهم ولا نكفر أحدا من المسلمين بذنب عمله ولو كبر، ولا ندع الصلاة عليهم بل نحكم فيهم بحكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونترجم على معاوية ونكل سريرة يزيد إلى الله تعالى، وقد روى عنه أنه لما رأى رأس الحسين رضوان الله عليه قال‏:‏ لقد قتلك من كانت الرحم بينك وبينه قاطعة، ونبرأ ممن قتل الحسين رضوان الله عليه وأعان عليه وأشار به ظاهرا أو باطنا هذا اعتقادنا ونكل سريرته إلى الله تعالى، والعبارة الجامعة في باب التوحيد أن يقال‏:‏ إثبات من غير تشبيه ونفي من غير تعطيل قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ليس كمثله شيء وهو السميع البصير‏}‏ والعبارة الجامعة في المتشابه من آيات الصفات أن يقال‏:‏ آمنت بما قال الله تعالى على ما أراده وآمنت بما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ما أراده، فهذا اعتقادنا الذي نتمسك به وننتهي إليه ونسأل الله تعالى أن يحيينا ‏(‏عليه‏)‏ ويميتنا عليه ويجعله وسيلتنا يوم الوقوف بين يديه إنه جواد كريم والحمد لله رب العالمين‏.‏

قول الإمام إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي

صاحب كتاب الترغيب والترهيب وكتاب الحجة في بيان المحجة، ومذهب أهل السنة، وكان إماما للشافعية في وقته رحمه الله تعالى وجمع له أبو موسى المديني مناقب جليلة لجلالته، قال في كتاب الحجة باب في بيان استواء الله سبحانه وتعالى على العرش قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏الرحمن على العرش استوى‏}‏‏.‏ وقال في آية أخرى‏:‏ ‏{‏وسع كرسيه السموات والأرض‏}‏ وقال‏:‏ ‏{‏لعلي حكيم‏}‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏سبح اسم ربك الأعلى‏}‏ قال أهل السنة‏:‏ الله فوق السموات لا يعلوه خلق من خلقه ومن الدليل على ذلك أن الخلق يشيرون إلى السماء بأصابعهم ويدعونه ويرفعون إليه رؤسهم وأبصارهم وقال عز وجل‏:‏ ‏{‏وهو القاهر فوق عباده‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏أأمنتم من في السماء أن يخسف الأرض فإذا هي تمور، أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير‏}‏ والدليل على ذلك الآيات التي فيها ذكر نزول الوحي‏.‏

فصل في بيان أن العرش فوق السموات وأن الله سبحانه وتعالى فوق العرش

ثم ذكر حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه الذي في البخاري‏:‏ «لما قضى الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش إن رحمتي غلبت غضبي» وبسط الاستدلال على ذلك بالسنة ثم قال‏:‏ قال علماء السنة‏:‏ إن الله عز وجل على عرشه بائن من خلقه، وقالت المعتزلة‏:‏ هو بذاته في كل مكان‏.‏

وقالت الأشعرية‏:‏ الاستواء عائد إلى العرش قال‏:‏ ولو كان كما قالوا لكانت القراءة برفع العرش فلما كانت بخفض العرش دل على أنه عائد إلى الله سبحانه وتعالى قال‏:‏ وقال بعضهم‏:‏ استوى بمعنى استولى قال الشاعر‏:‏

قد استوى بشر على العرق *** من غير سيف ودم مهراق

والاستيلاء لا يوصف به إلا من قدر على الشيء بعد العجز عنه والله تعالى لم يزل قادرا على الأشياء ومستوليا عليها ألا ترى أنه لا يوصف بشر بالاستيلاء على العراق إلا وهو عاجز عنه قبل ذلك، ثم حكى أبو القاسم عن ذي النون المصري أنه قيل له‏:‏ ما أراد الله سبحانه بخلق العرش‏؟‏ قال‏:‏ أراد أن لا تتوه قلوب العارفين‏.‏ قال‏:‏ وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم‏}‏ قال‏:‏ هو على العرش وعلمه في كل مكان، ثم ساق الاحتجاج بالآثار إلى أن قال‏:‏ وزعم هؤلاء أن معنى ‏{‏الرحمن على العرش استوى‏}‏ أي ملكه وأنه لا اختصاص له بالعرش أكثر مما له بالأمكنة وهذا إلغاء لتخصيص العرش وتشريفه‏.‏

‏(‏وقال أهل السنة‏)‏‏:‏ خلق الله تعالى السموات وكان عرشه مخلوقا قبل خلق السموات والأرض ثم استوى على العرش بعد خلق السموات والأرض على ما ورد به النص وليس معناه المماسة بل هو مستو على عرشه بلا كيف كما أخبر عن نفسه‏.‏

قال‏:‏ وزعم هؤلاء أنه لا يجوز الإشارة إلى الله سبحانه بالرءوس والأصابع إلى فوق فإن ذلك يوجب التحديد، وقد أجمع المسلمون أن الله سبحانه العلي الأعلى، ونطق بذلك القرآن فزعم هؤلاء أن ذلك بمعنى علو الغلبة لا علو الذات، وعند المسلمين أن لله عز وجل علو الغلبة‏.‏ والعلو من سائر وجوه العلو؛ لأن العلو صفة مدح فثبت أن لله تعالى علو الذات وعلو الصفات وعلو القهر والغلبة، وفي منعهم الإشارة إلى الله سبحانه وتعالى من جهة الفوق خلاف منهم لسائر الملل؛ لأن جماهير المسلمين وسائر الملل قد وقع منهم الإجماع على الإشارة إلى الله سبحانه وتعالى من جهة الفوق في الدعاء والسؤال واتفاقهم بأجمعهم على ذلك حجة، ولم يستجز أحد الإشارة إليه من جهة الأسفل ولا من سائر الجهات سوى جهة الفوق، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يخافون ربهم من فوقهم‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏إليه يصعد الكلم الطيب‏}‏‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏تعرج الملائكة والروح إليه‏}‏ وأخبر تعالى عن فرعون أنه قال‏:‏ ‏{‏يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى‏}‏ فكان فرعون قد فهم من موسى عليه الصلاة والسلام أنه يثبت إلها فوق السماء، حتى رام بصرحه أن يطلع إليه واتهم موسى عليه الصلاة والسلام بالكذب في ذلك، والجهمية لا تعلم أن الله فوقها بوجود ذاته فهم أعجز فهما من فرعون ‏(‏بل وأضل‏)‏، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ «أنه سأل الجارية التي أراد مولاها عتقها أين الله‏؟‏ قالت‏:‏ في السماء وأشارت برأسها إلى السماء وقال‏:‏ من أنا‏؟‏ فقالت‏:‏ أنت رسول الله، فقال‏:‏ اعتقها فإنها مؤمنة»‏.‏ فحكم النبي بإيمانها صلى الله عليه وآله وسلم حين قالت‏:‏ إن الله في السماء، وحكم الجهمي بكفر من يقول ذلك‏.‏ هذا كله كلام أبي القاسم التيمي رحمه الله تعالى‏.‏

قول الإمام أبي عمرو عثمان بن أبي الحسن بن الحسين الشهرزودي

الفقيه المحدث من أئمة أصحاب الشافعي من أقران البيهقي وأبي عثمان الصابوني وطبقتهما، له كتاب في أصول الدين قال في أوله‏:‏ الحمد لله الذي اصطفى الإسلام على الأديان، وزين أهله بزينة الإيمان، وجعل السنة عصمة أهل الهداية، ومجانبتها أمارة أهل الغواية، وأعز أهلها بالاستقامة، ووصل عزهم بالقيامة، وصلى الله على محمد وسلم وعلى آله أجمعين وبعد‏:‏ فإن الله تعالى لما جعل الإسلام ركن الهدى والسنة سبب النجاة من الردى ولم يجعل من ابتغى غير الإسلام دينا هاديا ولا من انتحل غير السنة نحلة ناجيا، جمعت أصول السنة الناجي أهلها التي لا يسع الجاهل نكرها ولا العالم جهلها ومن سلك غيرها من المسالك فهو في أودية البدع هالك إلى أن قال‏:‏ ودعاني إلى جمع هذا المختصر في اعتقاد السنة على مذهب الشافعي وأصحاب الحديث؛ إذ هم أمراء العلم وأئمة الإسلام قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ «تكون البدع في آخر الزمان» ‏(‏محنة‏)‏ فإذ كان كذلك فمن كان عنده علم فليظهره فإن كاتم العلم يومئذ ككاتم ما أنزل الله على نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم‏.‏ ثم ساق الكلام في الصفات إلى أن قال‏:‏

فصل من صفاته تبارك وتعالى فوقيته واستواؤه على عرشه بذاته

كما وصف نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بلا كيف، بدليل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الرحمن على العرش استوى‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ثم استوى على العرش الرحمن‏}‏ وقوله تعالى في خمس مواضع‏:‏ ‏{‏ثم استوى على العرش‏}‏ وقوله تعالى في قصة عيسى عليه السلام‏:‏ ‏{‏ورافعك إليَّ‏}‏ وساق إيات العلو ثم قال‏:‏ وعلماء الأمة وأعيان الأئمة من السلف لم يختلفوا في أن الله سبحانه مستو على عرشه وعرشه فوق سبع سموات ثم ذكر كلام عبد الله بن المبارك‏:‏ نعرف ربنا بأنه فوق سبع سمواته على عرشه بائن من خلقه، وساق قول ابن خزيمة‏:‏ ومن لم يقر بأن الله تعالى على عرشه قد استوى فوق سبع سمواته فهو كافر بإسناده من كتاب معرفة علوم الحديث، ومن كتاب تاريخ نيسابور للحاكم‏.‏ ثم قال‏:‏ وإمامنا في الأصول والفروع أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله تعالى ورضي عنه احتج في كتابه المبسوط على المخالف في مسألة اعتاق الرقبة المؤمنة في الكفارة وأن الرقبة الكافرة لا يصح التكفير بها بخبر معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه أنه أراد أن يعتق الجارية السوداء عن الكفارة وسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن إعتاقه إياها فامتحنها صلى الله عليه وسلم ليعرف أنها مؤمنة أم لا‏؟‏ فقال لها‏:‏ أين ربك‏؟‏ فأشارت إلى السماء إذ كانت أعجمية، فقال لها‏:‏ من أنا‏؟‏ فأشارت إليه وإلى السماء تعني‏:‏ أنك رسول الله الذي في السماء فقال‏:‏ «اعتقها فإنها مؤمنة»‏.‏ فحكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بإسلامها وإيمانها لما أقرت بأن ربها في السماء وعرفت ربها بصفة العلو والفوقية هذا لفظه‏.‏

قول إمام الشافعية في وقته الإمام أبي بكر ‏(‏محمد‏)‏ بن محمود بن سورة التميمي

فقيه نيسابور رحمه الله تعالى، قال الحافظ عبد القادر الرهاوي‏:‏ أخبرنا أبو العلاء الحسن ‏(‏بن الحسين‏)‏ أحمد الحافظ الهمداني قال‏:‏ أخبرنا أبو جعفر محمد بن علي الحافظ قال‏:‏ سمعت الشيخ الفقيه أبا بكر محمد بن محمود بن سورة التميمي النيسابوري يقول‏:‏ لا أصلي خلف من ينكر الصفات، ولا خلف من يقول بقول أهل الفساد، ولا خلف من لم يثبت القرآن في المصحف، ولا يثبت النبوة قبل الماء والطين إلى يوم الدين، ولا يقر بأن الله تعالى فوق عرشه بائن من خلقه، قال أبو جعفر‏:‏ وسمعته يقول للشيخ أبي المظفر السمعاني بنيسابور‏:‏ إن أردت أن يكون لك درجة الإيمان في الدنيا والآخرة فعليك بمذهب السلف الصالح وإياك أن تداهن في ثلاث‏:‏ مسألة القرآن، ومسألة النبوة، ومسألة استواء الرحمن على العرش باستدلال النص من القرآن والسنة المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، حكاه الحافظ أبو منصور عبد الله بن محمد بن الوليد في كتاب إثبات العلو له‏.‏

قول شيخ الإسلام الأنصاري

قلت‏:‏ ونظير هذه المسائل الثلاث ما حكاه أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي قال سمعت أحمد بن أميرجة القلانسي خادم شيخ الإسلام الأنصاري يقول‏:‏ حضرت مع شيخ الإسلام عند الوزير أبي علي الحسن ابن علي الطوسي نظام الملك وكان أصحابه كلفوه الخروج إليه وذلك بعد المحنة ورجوعه من بلخ فلما دخل عليه أكرمه وبجله وكان في العسكر أئمة ‏(‏من‏)‏ الفريقين فاتفقوا جميعا على أن يسألوه عن مسألة بين يدي الوزير يعنتونه بها فإن أجاب بما يجيب بهراة سقط من عين الوزير وإن لم يجب سقط من عيون أصحابه وأهل مذهبه، فلما دخل واستقر به المجلس انتدب له رجل من الجماعة فقال‏:‏ يأذن الشيخ الإمام في أن أسأل مسألة فقال‏:‏ سل، فقال‏:‏ لم تلعن أبا الحسن الأشعري‏؟‏ فسكت وأطرق الوزير لما علم من جوابه فلما كان بعد ساعة قال له الوزير‏:‏ أجبه فقال‏:‏ أنا لا ألعن الأشعري وإنما ألعن من لم يعتقد أن الله في السماء وأن القرآن في المصحف وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اليوم نبي ثم قام وانصرف فلم يكن أحد أن يتكلم بكلمة من هيبته وصولته وصلابته‏.‏ فقال الوزير للسائل ومن معه‏:‏ هذا أردتم كنا نسمع أنه يذكر هذا بهراة فأجتهدتم حتى سمعناه بآذاننا وما عسى أن أفعل به ثم بعث خلفه خلعا وصلة فلم يقبلها وخرج من فوره إلى هراة‏.‏ وهذا القول في النبوة بناء على أصل الجهمية وأفراخهم‏:‏ أن الروح عرض من أعراض البدن كالحياة وصفات الحي مشروطة بها فإذا زالت بالموت تبعتها صفاته فزالت بزوالها، ولجأ متأخروهم من هذا الإلزام وفروا إلى القول بحياة الأنبياء عليهم السلام في قبورهم فجعلوا لهم معادا يختص بهم قبل المعاد الأكبر إذ لم يمكنهم التصريح بأنهم لم يذوقوا الموت‏.‏ وقد أشبعنا الكلام على هذه المسألة واستيفاء الاحتجاج لهم وبيان ما في ذلك في كتاب الشافية والكافية في الانتصار للفرقة الناجية‏.‏

قول أبي الحسين العمراني - صاحب البيان- فقيه الشافعية ببلاد اليمن رحمه الله تعالى

له كتاب لطيف في السنة على مذهب أهل الحديث صرح فيه بمسألة الفوقية والعلو والاستواء حقيقة وتكلم الله عز وجل بهذا القرآن العربي المسموع بالآذان حقيقة وأن جبرائيل عليه الصلاة والسلام سمعه من الله سبحانه حقيقة وصرح فيه بإثبات الصفات الخبرية واحتج لذلك ونصره وصرح بمخالفة الجهمية والنفاة‏.‏

ذكر أقوال جماعة من أتباع الأئمة الأربعة ممن يقتدى بأقوالهم سوى من تقدم

قول أبي بكر محمد بن وهب المالكي شارح رسالة ابن أبي زيد رحمة الله عليهما

قد تقدم ذكره عند ذكر أصحاب مالك رحمه الله وحكينا بعض كلامه في شرحه ونحن نسوقه بعبارته قال‏:‏ وأما قوله إنه فوق عرشه المجيد بذاته فإن معنى فوق وعلا عند جميع العرب واحد وفي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم تصديق ذلك، ثم ساق الآيات في إثبات العلو، وحديث الجارية، إلى أن قال‏:‏ وقد تأتي ‏(‏في‏)‏ في لغة العرب بمعنى فوق وعلى ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فامشوا في مناكبها‏}‏ يريد فوقها وعليها، وكذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولأصلبنكم في جذوع النخل‏}‏ يريد عليها، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض‏}‏ الآيات، قال ‏(‏أهل‏)‏ التأويل العالمون بلغة العرب يريد فوقها وهو قول مالك مما فهم عن جماعة ممن أدرك من التابعين مما فهموه عن الصحابة رضي الله عنهم مما فهموه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ‏(‏أن الله‏)‏ في السماء بمعنى‏:‏ فوقها وعليها، فلذلك قال الشيخ أبو محمد إنه فوق عرشه المجيد بذاته، ثم إنه بين أن علوه على عرشه إنما هو بذاته؛ لأنه بائن عن جميع خلقه بلا كيف وهو في كل مكان من الأمكنة المخلوقة بعلمه لا بذاته؛ إذ لا تحويه الأماكن؛ لأنه أعظم منها وقد كان ولا مكان ولم يحل بصفاته عما كان؛ إذ لا تجري عليه الأحوال لكن علوه في استوائه على عرشه هو عندنا بخلاف ما كان قبل أن يستوي على العرش؛ لأنه قال‏:‏ ‏{‏ثم استوى على العرش‏}‏ وثم أبدا لا تكون إلا لاستئناف فعل يصير بينه وبين ما قبله فسحة، إلى أن قال‏:‏ وقوله‏:‏ ‏{‏على العرش استوى‏}‏ فإنما معناه عند أهل السنة على غير الاستيلاء والقهر والغلبة والملك الذي ظنت المعتزلة ومن قال بقولهم إنه بمعنى الاستيلاء، وبعضهم يقول‏:‏ إنه على المجاز دون الحقيقة، قال‏:‏ ويبين سوء تأويلهم في استوائه على عرشه على غير ما تأولوه من الاستيلاء وغيره ما قد علمه أهل المعقول أنه لم يزل مستوليا على جميع مخلوقاته بعد اختراعه لها، وكان العرش وغيره في ذلك سواء فلا معنى لتأويلهم بإفراد العرش بالاستواء الذي هو في تأويلهم الفاسد استيلاء وملك وقهر وغلبة، قال‏:‏ وكذلك بين أيضا أنه على الحقيقة بقوله عز وجل‏:‏ ‏{‏ومن أصدق من الله قيلا‏}‏ فلما رأى المنصفون إفراد ذكره بالاستواء على عرشه بعد خلق سمواته وأرضه وتخصيصه بصفة الاستواء علموا أن الاستواء هنا غير الاستيلاء ونحوه فأقروا بصفة الاستواء على عرشه وأنه على الحقيقة لا على المجاز؛ لأنه الصادق في قيله، ووقفوا عن تكييف ذلك وتمثيله؛ إذ ليس كمثله شيء من الأشياء، وقد تقدم قول القاضي عبد الوهاب إمام المالكية بالعراق أن الاستواء استواء الذات على العرش، وأنه قول أبي الطيب الأشعري حكاه عنه عبد الوهاب نصا وأنه قول أبي الحسن الأشعري نفسه صرح به في بعض كتبه وأنه قول الخطابي وغيره من الفقهاء والمحدثين، ذكر ذلك كله الإمام أبو بكر الحضرمي في رسالته التي سماها بالإيماء إلى مسألة الاستواء فمن أراد الوقوف عليها فليقرأها، وقد تقدم قول أبي عمر بن عبد البر، ‏(‏وعلماء الصحابة، والتابعين الذين حمل عنهم التأويل قالوا في تأويل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم‏}‏‏:‏ أنه على العرش وعلمه في كل مكان وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله‏)‏، وأهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة والإيمان بها وحملها على الحقيقة لا على المجاز إلا أنهم لا يكيفون شيئا من ذلك ولا يحدون فيه صفة محصورة، وأما أهل البدع من الجهمية والمعتزلة كلها والخوارج فكلهم ينكرها ولا يحمل شيئا منها على الحقيقة ويزعمون أن من أقربها مشبه وهم عند من أقر بها نافون للمعبود والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وهم أئمة الجماعة‏.‏

قول شيخ الإسلام موفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد المقدسي

الذي اتفقت الطوائف على قبوله وتعظيمه وإمامته خلاجهمي أو معطل قال في كتاب إثبات صفة العلو‏:‏ أما بعد‏:‏ فإن الله تعالى وصف نفسه بالعلو في السماء ووصفه بذلك رسوله خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام وأجمع على ذلك جميع العلماء من الصحابة الأتقياء والأئمة من الفقهاء وتواترت الأخبار في بذلك على وجه حصل به اليقين وجمع الله عز وجل عليه قلوب المسلمين وجعله مغروزا في طبائع الخلق أجمعين فتراهم عند نزول الكرب بهم يلحظون السماء بأعينهم ويرفعون عندها للدعاء أيديهم وينتظرون مجيء الفرج من ربهم سبحانه وينطقون بذلك بألسنتهم لا ينكر ذلك إلا مبتدع غال في بدعته أو مفتون بتقليده واتباعه في ضلالته، وقال في عقيدته‏:‏ ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ «ينزل ربنا إلى سماء الدنيا» وقوله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ «لله أفرح بتوبة عبده»، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ «يعجب ربك» إلى أن قال فهذا وما أشبهه مما صح سنده وعدلت روايته نؤمن به ولا نرده ولا نجحده ولا نعتقد فيه تشبيهه بصفات المخلوقين ولا سمات المحدثين ‏(‏بل نؤمن بلفظه ونترك التعرض لمعناه قراءته تفسيره ومن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الرحمن على العرش استوى‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أأمنتم من في السماء‏}‏ وقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ربنا الله الذي في السماء» وقوله للجارية‏:‏ أين الله‏؟‏ قالت‏:‏ في السماء‏؟‏ قال‏:‏ «اعتقها إنها مؤمنة» رواه مالك بن أنس وغيره من الأئمة، وروى أبو داود في سننه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال‏:‏ «إن ما بين سماء إلى سماء مسيرة كذا وكذا»، وذكر الحديث إلى أن قال‏:‏ «وفوق ذلك العرش والله تعالى فوق ذلك» نؤمن بذلك ونتلقاه بالقبول من غير رد ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تأويل ولا نتعرض له بكيف‏.‏ ولما سئل مالك بن أنس رضي الله عنه فقيل له يا أبا عبد الله ‏{‏الرحمن على العرش استوى‏}‏ كيف استوى‏؟‏ فقال‏:‏ الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، ثم أمر بالرجل فأخرج‏.‏

قول إمام الشافعية في وقته

بل هو الشافعي الثاني أبي أحمد الاسفراييني رحمه الله تعالى كان من كبار أئمة السنة المثبتين للصفات قال‏:‏ مذهبي ومذهب الشافعي رحمه الله تعالى وجميع علماء الأمصار أن القرآن كلام الله ليس بمخلوق، ومن قال مخلوق فهو كافر وأن جبرائيل عليه السلام سمعه من الله عز وجل‏:‏ ‏(‏وحمله إلى محمد وسمعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم‏)‏ من جبرائيل عليه السلام وسمعه الصحابة رضي الله عنهم من محمد وأن كل حرف منه كالباء والتاء كلام الله عز وجل ليس بمخلوق ذكره في كتابه في أصول الفقه ذكره عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب في الأجوبة المصرية، قال شيخنا رحمه الله‏:‏ وكان الشيخ أبو حامد يصرح بمخالفة القاضي أبي بكر بن الطيب في مسألة القرآن‏.‏

قول إمام الأئمة أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة إمام السنة

قال شيخ الإسلام الأنصاري‏:‏ سمعت يحيى بن عمار يقول‏:‏ أنبأنا محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول‏:‏ حدثنا جدي إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة قال‏:‏ نحن نؤمن بخبر الله سبحانه أن خالقنا مستو على عرشه لا نبدل كلام الله ولا نقول غير الذي قيل لنا كما قالت الجهمية المعطلة أنه استولى على عرشه لا استوى فبدلوا قولا غير الذي قيل لهم‏.‏ وقال في كتاب التوحيد باب ذكر استواء خالقنا العلي الأعلى الفعال لما يشاء على عرشه وكان فوق كل شيء عاليا ثم ساق الأدلة على ذلك من القرآن والسنة ثم قال‏:‏ باب الدليل على أن الإقرار بأن الله فوق السماء من الإيمان ثم ساق حديث الجارية ثم قال‏:‏ باب ذكر أخبار ثابتة السند صحيحة القوام رواها علماء الحجاز والعراق عن النبي في صلى الله عليه وآله وسلم نزول الرب سبحانه وتعالى إلى سماء الدنيا كل ليلة ثم قال‏:‏ نشهد شهادة مقر بلسانه مصدق بقلبه بما في هذه الأخبار من ذكر نزول الرب تبارك وتعالى من غير أن نصف الكيفية ثم ساق الأحاديث ثم قال‏:‏ باب كلام الله تعالى لكليمه موسى عليه الصلاة والسلام ثم ساق الأدلة على ذلك ثم قال‏:‏ باب صفة تكلم الله تعالى بالوحي وشدة خوف السموات منه وذكر صعقة أهل السموات وسجودهم ثم قال‏:‏ باب بيان أن الله سبحانه يكلم عباده يوم القيامة من غير ترجمان يكون بين الله تعالى وبين عباده ثم ذكر الأحاديث في ذلك ثم قال‏:‏ باب ذكر بيان الفرق بين كلام الله تعالى الذي به يكون خلقه وبين خلقه الذي يكون بكلامه، ثم قال باب ذكر بيان أن الله تعالى ينظر إليه جميع المؤمنين يوم القيامة برهم وفاجرهم وإن رغمت أنوف الجهمية المعطلة المنكرة لصفات الله سبحانه وتعالى‏.‏ وكتابه في السنة كتاب جليل، قال أبو عبد الله الحاكم في علوم الحديث له، وفي كتاب تاريخ نيسابور سمعت محمد بن صالح بن هانيء يقول‏:‏ سمعت إمام الأئمة أبا بكر بن خزيمة يقول‏:‏ من لم يقر بأن الله على عرشه استوى فوق سبع سمواته وأنه بائن من خلقه فهو كافر يستتاب‏.‏ فإن تاب وإلا ضربت عنقه وألقي على مزبلة لئلا يتأذى بريحه أهل القبلة وأهل الذمة، توفي الإمام ابن خزيمة سنة اثني عشر وثلاثمائة ذكره الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في طبقات الفقهاء أخذ الفقه عن المزني قال المزني‏:‏ ابن خزيمة هو أعلم بالحديث مني ولم يكن في وقته مثله في العلم بالحديثة الفقه جميعا‏.‏ وقال - في كتابه- فمن ينكر رؤية الله تعالى في الآخرة فهو عند المؤمنين شر من اليهود والنصارى والمجوس وليسوا بمؤمنين عند جميع المؤمنين‏.‏

قول الإمام أبي جعفر محمد بن جريرالطبري

الإمام في الفقه والتفسير والحديث والتاريخ واللغة والنحو والقرآن‏.‏ قال في كتاب صريح السنة‏:‏ وحسب امريء أن يعلم أن ربه هو الذي على العرش استوى فمن تجاوز إلى غير ذلك فقد خاب وخسر وقال في تفسيره الكبير في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ثم استوى على العرش‏}‏ قال‏:‏ علا وارتفع وقال في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ثم استوى إلى السماء‏}‏‏.‏ عن الربيع بن أنس أنه يعني‏:‏ ارتفع، وقال في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا‏}‏ قال يجلسه معه على العرش، وقال في قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا‏}‏ يقول‏:‏ وأني لأظن موسى كاذبا فيما يقول ويدعي أن له ربا في السماء أرسله إلينا‏.‏وقال في كتاب التبصير في معالم الدين له القول فيما أدرك علمه من الصفات خبرا وذلك نحو إخباره أنه سميع بصير، وأن له يدين بقوله‏:‏ ‏{‏بل يداه مبسوطتان‏}‏ وأن له وجها بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام‏}‏ وأن له قدما بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ حتى يضع رب العزة فيها قدمه وأنه يضحك لقوله لقي الله وهو يضحك إليه‏.‏ وأنه يهبط إلى سماء الدنيا لخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك‏.‏ وأن له أصبعا، بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ «ما من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن» فإن هذه المعاني التي وصفت ونظائرها ما وصف الله به نفسه ورسوله مما لا يثبت حقيقة علمه بالذكر والروية لا يكفر بالجهل بها أحد إلا بعد انتهائها إليه ذكر هذا الكلام عنه أبو يعلى في كتاب إبطال التأويل، قال الخطيب‏:‏ كان ابن جرير أحد العلماء يحكم بقوله ويرجع إلى رأيه، وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، وكان عارفا بالقرآن بصيرا بالمعاني، فقيها في أحكام القرآن، عالما بالسنن وطرقها وصحيحها وسقيمها وناسخها ومنسوخها، عارفا بأقوال الصحابة والتابعين في الأحكام والحلال والحرام، قال أبو حامد الأسفراييني‏:‏ لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل له كتاب تفسير محمد بن جرير لم يكن كثيرا، وقال ابن خزيمة ما أعلم على أديم الأرض أعلم من محمد بن جرير، وقال الخطيب‏:‏ سمعت علي بن عبد الله اللغوي يحكي أن محمد بن جرير مكث أربعين سنة يكتب في كل يوم منها أربعين ورقة، قلت‏:‏ وكان له مذهب مستقل له أصحاب عده منهم‏:‏ أبو الفرج المعافا بن زكريا‏.‏ ومن أراد معرفة أقوال الصحابة والتابعين في هذا الباب فليطالع ما قاله عنهم في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فلما تجلى ربه للجبل‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏تكاد السموات يتفطرن من فوقهن‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏ثم استوى على العرش‏}‏ ليتبين له أي الفريقين أولى بالله ورسوله الجهمية المعطلة أو أهل السنة والإثبات والله المستعان‏.‏

قول إمام الشافعية في وقته سعد بن علي الزنجاني

صرح بالفوقية بالذات فقال‏:‏ وهو فوق عرشه بوجود ذاته‏.‏ هذا لفظه وهو إمام في السنة له قصيدة فيها معروفة أولها‏:‏

تمسك بحبل الله واتبع الأثر *** ودع عنك رأيا لا يلايمه خبر

وقال في شرح هذه القصيدة‏:‏ والصواب عند أهل الحق أن الله تعالى خلق السموات والأرض وكان عرشه على الماء مخلوقا قبل خلق السموات والأرض ثم استوى على العرش بعد خلق السموات والأرض على ما ورد به النص ونطق به القرآن وليس معنى استوائه أنه ملكه واستولى عليه لأنه كان مستوليا عليه قبل ذلك وهو أحدثه لأنه مالك جميع الخلائق ومستول عليها وليس معنى الاستواء أيضا أنه ماس العرش أو اعتمد عليه أو طابقه فإن كل ذلك ممتنع في وصفه جل ذكره ولكنه مستو بذاته على عرشه بلا كيف كما أخبر عن نفسه، وقد أجمع المسلمون على أن الله هو العلي الأعلى ونطق بذلك القرآن بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏سبح اسم ربك الأعلى‏}‏ وأن لله علو الغلبة والعلو الأعلى من سائر وجوه العلو لأن العلو صفة مدح عند كل عاقل فثبت بذلك أن لله علو الذات وعلو الصفات وعلو القهر والغلبة وجماهير المسلمين وسائر الملل قد وقع منهم الاجماع على الإشارة إلى الله جل ثناؤه من جهة الفوق في الدعاء والسؤال فاتفاقهم بأجمعهم على الإشارة إلى الله سبحانه من جهة الفوق حجة ولم يستجز أحد الإشارة إليه من جهة الأسفل ولا من سائر الجهات سوى جهة الفوق، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يخافون ربهم من فوقهم‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏تعرج الملائكة والروح إليه‏}‏ وأخبر عن فرعون أنه قال‏:‏ ‏{‏يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا‏}‏ وكان فرعون قد فهم عن موسى أنه يثبت إلها فوق السماء حتى رام بصرحه أن يطلع إليه واتهم موسى بالكذب في ذلك ومخالفنا ليس يعلم أن الله فوقه بوجود ذاته فهو أعجز فهما من فرعون‏.‏

وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه سأل الجارية التي أراد مولاها عتقها أين الله‏؟‏ قالت‏:‏ في السماء وأشارت برأسها، وقال من أنا‏؟‏ قالت‏:‏ أنت رسول الله فقال‏:‏ «اعتقها فإنها مؤمنة»، فحكم النبي بإيمانها حين قالت‏:‏ «إن الله في السماء» وقال الله عز وجل‏:‏ ‏{‏ثم استوى على العرش‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه‏}‏ وذكر النبي ما بين كل سماء إلى سماء وما بين السماء السابعة وبين العرش ثم قال الله فوق ذلك وله أجوبة سئل عنها في السنة فأجاب عنها بأجوبة أئمة السنة وصدرها بجواب إمام وقته أبي العباس بن سريج‏.‏

قول الإمام أبي القاسم الطبري اللالكائي

أحد أئمة أصحاب الشافعي رحمه الله تعالى في كتاب السنة، وهو من أجل الكتب‏.‏ سياق ما جاء في قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏الرحمن على العرش استوى‏}‏ وأن الله عز وجل على عرشه في السماء ثم ذكر قول من هذا قوله من الصحابة والتابعين والأئمة قال‏:‏ وهو قول عمر، وعبد الله ابن مسعود وأحمد بن حنبل وعد جماعة يطول ذكرهم ثم ساق الآثار في ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وعائشة، وابن عباس، وأبي هريرة وعبد الله بن عمر وغيرهم‏.‏

قول الإمام محيي السنة الحسين بن مسعود البغوي قدس الله روحه

قال في تفسيره الذي هو شجى في حلوق الجهمية والمعطلة في سورة الأعراف في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ثم استوى على العرش‏}‏ قال الكلبي ومقاتل‏:‏ استقر، وقال أبو عبيدة‏:‏ صعد، قال‏:‏ وأولت المعتزلة الاستواء بالاستيلاء، قال‏:‏ وأما أهل السنة فيقولون الاستواء على العرش صفة الله بلا كيف يجب على الرجل أن يؤمن بذلك ويكل العلم فيه إلى الله تعالى ثم حكى قول مالك الاستواء غير مجهول‏.‏

ومراد السلف بقولهم بلا كيف هو نفي التأويل فإنه التكييف الذي يزعمه أهل التأويل فإنهم هم الذين يثبتون كيفية تخالف الحقيقة فيقعون في ثلاثة محاذير نفي الحقيقة وإثبات التكييف بالتأويل وتعطيل الرب تعالى عن صفته التي أثبتها لنفسه، وأما أهل الإثبات فليس أحد منهم يكيف ما أثبته الله تعالى لنفسه ويقول‏:‏ كيفية كذا وكذا حتى يكون قول السلف بلا كيف ردا عليه، وإنما ردوا على أهل التأويل الذي يتضمن التحريف والتعطيل، تحريف اللفظ وتعطيل معناه‏.‏

فصل في ذكر قول الإمام أحمد بن حنبل وأصحابه رحمه الله تعالى

قال الخلال في كتاب السنة‏:‏ حدثنا يوسف بن موسى ‏(‏قال‏)‏‏:‏ أخبرنا عبد الله بن أحمد قال‏:‏ قيل لأبي‏:‏ ربنا تبارك وتعالى فوق السماء السابعة على عرشه بائن من خلقه وقدرته وعلمه بكل مكان‏؟‏ قال‏:‏ نعم، لا يخلو شيء من علمه‏.‏ قال الخلال‏:‏ وأخبرني عبد الملك بن عبد الحميد الميموني قال‏:‏ سألت أبا عبد الله أحمد عمن يقول‏:‏ إن الله تعالى ليس على العرش فقال‏:‏ كلامهم كله يدور على الكفر، وروى أبو القاسم الطبري الشافعي في كتاب السنة له بإسناده عن حنبل قال‏:‏ قيل لأبي عبد الله‏:‏ ما معنى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وهو معكم‏}‏ قال‏:‏ علمه محيط بالكل وربنا على العرش بلا حد ولا صفة وسع كرسيه السموات والأرض، وقال أبو طالب‏:‏ سألت أحمد بن حنبل عن رجل قال أن الله معنا وتلا قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم‏}‏ قال‏:‏ يأخذون بآخر الآية ويدعون أولها هلا قرأت عليه‏:‏ ‏{‏ألم تر أن الله يعلم ما في السموات‏}‏ فعلمه معهم وقال في ـ ق ـ ‏{‏ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد‏}‏ وقال المروزي‏:‏ قلت لأبي عبد الله أن رجلا قال‏:‏ أقول كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم‏}‏ أقول‏:‏ هذا ولا أجاوزه إلى غيره فقال أبو عبد الله هذا كلام الجهمية فقلت له‏:‏ فكيف نقول‏:‏ ‏{‏ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم‏}‏ قال‏:‏ علمه في كل مكان وعلمه معهم، قال‏:‏ أول الآية يدل على أنه علمه، وقال في موضع آخر‏:‏ وأن الله عز وجل على عرشه فوق السماء السابعة يعلم ما تحت الأرض السفلى وأنه غير مماس لشيء من خلقه هو تبارك وتعالى بائن من خلقه وخلقه بائنون منه‏.‏ وقال في كتاب الرد على الجهمية الذي رواه عنه الخلال من طريق ابنه عبد الله قال‏:‏ باب بيان ما نكرت الجهمية أن يكون الله تعالى على العرش قلنا لهم ما أنكرتم أن يكون الله تعالى على العرش، وقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏الرحمن على العرش استوى‏}‏‏؟‏ فقالوا‏:‏ هو تحت الأرض السابعة كما هو على العرش وفي السموات والأرض وفي كل مكان وتلا‏:‏ ‏{‏وهو الله في السموات وفي الأرض‏}‏ قال أحمد‏:‏ فقلنا قد عرف المسلمون أماكن كثيرة ليس فيها من عظمة الرب شيء أجسامكم وأجوافكم والحشوش والأماكن القذرة ليست فيها من عظمة الرب تعالى شيء وقد أخبرنا الله عز وجل أنه في السماء فقال‏:‏ ‏{‏أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء‏}‏الآية‏.‏ وقال‏:‏ ‏{‏إليه يصعد الكلم الطيب‏}‏ وقال‏:‏ ‏{‏إني متوفيك ورافعك إلي‏}‏ ‏{‏بل رفعه الله إليه‏}‏، ‏{‏يخافون ربهم من فوقهم‏}‏‏.‏

ذكر هذا الكتاب كله أبو بكر الخلال في كتاب السنة الذي جمع فيه نصوص أحمد وكلامه، وعلى منواله جمع البيهقي في كتابه الذي سماه جامع النصوص من كلام الشافعي وهما كتابان جليلان لا يستغني عنهما عالم، وخطبة كتاب أحمد بن حنبل‏:‏ الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل عليهم الصلاة والسلام بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله ‏(‏الموتى‏)‏ ويبصرون بنور الله تعالى أهل العمى فكم من قتيل لابليس قد أحيوه وكم من ضال تائه قد هدوه فما أحسن آثارهم على الناس وما أقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تعالى تحريف الضالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عنان الفتنة فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب مجمعون على مخالفة الكتاب يقولون على الله تعالى وفي الله تعالى وفي كتاب الله تعالى بغير علم يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويخدعون الجهال بما يشبهون عليهم فنعوذ بالله من فتن المضلين ‏(‏ثم‏)‏ قال‏:‏ باب بيان ما ضلت فيه الجهمية الزنادقة من متشابه القرآن ثم تكلم على قوله تعالى‏:‏ ‏{‏كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها‏}‏‏.‏

قال‏:‏ قالت الزنادقة‏:‏ فما بال جلودهم التي قد عصت قد احترقت وأبدلهم الله جلودا غيرها فلا نرى إلا أن الله عز وجل يعذب جلودا بلا ذنب حين يقول‏:‏ جلودا غيرها فشكوا في القرآن وزعموا أنه متناقض فقلنا‏:‏ إن قول الله عز وجل بدلناهم جلودا غيرها ليس يعني جلودا أخرى غير جلودهم وإنما يعني بتبديلها تجديدها لأن جلودهم إذا نضجت جددها الله‏.‏ ثم تكلم على آيات من مشكل القرآن، ثم قال‏:‏ وإن مما أنكرت الجهمية الضلال أن الله عز وجل على العرش استوى وقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏الرحمن على العرش استوى‏}‏ وقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا‏}‏ ثم ساق أدلة القرآن ثم قال‏:‏ ووجدنا كل شيء أسفل مذموما، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وقال الذين كفروا ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين‏}‏ ثم قال‏:‏ ومعنى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون‏}‏ يقول‏:‏ هو إله من في السموات، وإله من في الأرض، وهو على العرش، وقد أحاط علمه بما دون العرش، لا يخلو من علمه مكان ولا يكون علم الله تعالى في مكان دون مكان وذلك من قوله‏:‏ ‏{‏لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما‏}‏، قال الإمام أحمد‏:‏ ومن الاعتبار في ذلك لو أن رجلا كان في يده قدح من قوارير وفيه ‏(‏شيء‏)‏ كان نظر ابن آدم قد أحاط بالقدح من غير أن يكون ابن آدم في القدح فالله سبحانه- وله المثل الأعلى- قد أحاط بجميع ما خلق وقد علم كيف هو وما هو من غير أن يكون في شيء مما خلق، قال‏:‏ وخصلة أخرى لو أن رجلا بنى دارا بجميع مرافقها ثم أغلق بابها كان لا يخفى عليه كم بيت في داره وكم سعة كل بيت من غير أن يكون صاحب الدار في جوف الدار فالله سبحانه قد أحاط بجميع ما خلق، وقد علم كيف هو‏؟‏ وما هو‏؟‏ وله المثل الأعلى وليس هو في شيء مما خلق‏.‏

قال الإمام أحمد‏:‏ ومما تأولت الجهمية من قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم‏}‏ فقالوا‏:‏ إن الله معنا وفينا فقلنا لهم لم قطعتم الخبر من أوله‏؟‏ إن الله تعالى يقول‏:‏ ‏{‏ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا‏}‏ يعني‏:‏ علمه فيهم أينما كانوا‏:‏ ‏{‏ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم‏}‏ ففتح الخبر بعلمه وختمه بعلمه، قال الإمام أحمد‏:‏ إن أردت أن تعلم أن الجهمي كاذب على الله سبحانه وتعالى حين زعم أنه في كل مكان ولا يكون في مكان دون مكان، فقل له‏:‏ أليس كان الله ولا شيء‏؟‏ فيقول‏:‏ نعم فقل له‏:‏ فحين خلق الشيء خلقه في نفسه أو خارجا عن نفسه فإنه يصير إلى أحد ثلاثة أقاويل‏:‏ إن زعم أن الله تعالى خلق الخلق في نفسه كفر حين زعم أن الجن والإنس والشياطين وإبليس في نفس الله، وإن قال‏:‏ خلقهم خارجا من نفسه ثم دخل فيهم كفر أيضا حين زعم أنه دخل في كل مكان وحش وقذر، وإن قال‏:‏ خلقهم خارجا من نفسه ثم لم يدخل فيهم رجع عن قوله كله أجمع، وهو قول أهل السنة، قال أحمد‏:‏ باب بيان ما ذكر في القرآن‏:‏ ‏{‏وهو معكم‏}‏‏.‏ وهذا على وجوه‏:‏ قال الله تعالى لموسى وهارون عليهما السلام‏:‏ ‏{‏إنني معكما أسمع وأرى‏}‏ يقول‏:‏ في الدفع عنكما، وقال‏:‏ ‏{‏ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا‏}‏ يعني‏:‏ في الدفع عنا، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏والله مع الصابرين‏}‏ يعني في النصرة لهم على عدوهم، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأنتم الأعلون والله معكم‏}‏ يعني‏:‏ في النصرة لكم على عدوكم، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول‏}‏ ‏(‏يعني‏)‏ يقول‏:‏ بعلمه فيهم، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏كلا إن معي ربي سيهدين‏}‏ يقول بالعون على فرعون، فلما ظهرت الحجة على الجهمي بما ادعى على الله سبحانه أنه مع خلقه قال‏:‏ هو في كل شيء غير مماس لشيء، ولا مباينا له، فقلنا له‏:‏ فإذا كان غير مباين للبشر أهو مماس لهم‏؟‏ قال‏:‏ لا، قلنا‏:‏ فكيف يكون في كل شيء غير مماس لشيء ولا مباينا لشيء‏؟‏ فلم يحسن الجواب‏.‏ فقال‏:‏ بلا كيف ليخدع الجهال بهذه الكلمة، ويموه عليهم‏.‏ ثم قلنا له‏:‏ إذا كان يوم القيامة، أليس إنما تكون الجنة والنار والعرش والهوى‏؟‏ فقال‏:‏ بلى، فقلنا‏:‏ أين يكون ربنا‏؟‏ قال‏:‏ يكون في كل شيء كما كان حيث كانت الدنيا‏.‏‏.‏‏)‏، قلنا‏:‏ ففي مذهبكم أن ‏(‏ما كان من الله ـ تعالى ـ في النهار فهو في النار، وما كان منه في الهوى فهو في الهوى، فعند ذلك تبين للناس كذبهم على الله‏.‏

قال الإمام أحمد‏:‏ وقلنا للجهمية حين زعموا أن الله ـ تعالى ـ في كل مكان‏.‏‏.‏ قلنا‏:‏ أخبرونا عن قول الله ـ تعالى ـ‏:‏ ‏{‏فلما تجلى ربه للجبل‏}‏، أكان في الجبل بزعمكم‏؟‏ فلو كان فيه كما تزعمون لم يكن تجلى لشيء هو فيه بل كان سبحانه على العرش فتجلى لشيء لم يكن فيه، ورأى الجبل شيئا لم يكن رآه قط قبل ذلك‏.‏ قال الإمام أحمد‏:‏ وقلنا للجهمية‏:‏ الله نور‏؟‏ فقالوا‏:‏ هو نور كله، فقلنا لهم‏:‏ قال الله ـ عز وجل ـ‏:‏ ‏{‏وأشرقت الأرض بنور ربها‏}‏، فقد أخبر ـ جل ثناؤه ـ أن له نورا، قلنا لهم‏:‏ أخبرونا حين زعمتم أن الله ـ سبحانه ـ في كل مكان، وهو نور، فلم لا يضيء البيت المظلم بلا سراج‏؟‏ وما بال السراج إذا دخل البيت المظلم يضيء‏؟‏ فعند ذلك تبين للناس كذبهم على الله ـ تعالى ـ، قال الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ كان جهم وشيعته كذلك دعوا الناس إلى المتشابه من القرآن والحديث، فضلوا وأضلوا بكلامهم بشرا كثيرا وكان فيما بلغنا أن الجهم عدو الله كان من أهل خراسان وكان صاحب خصومات وشر وكلام وكان أكثر كلامه في الله تعالى فلقي أناسا من الكفار يقال لهم‏:‏ السمنية فعرفوا الجهم فقالوا له‏:‏ نكلمك فإن ظهرت حجتنا عليك دخلت في ديننا وإن ظهرت حجتك علينا دخلنا في دينك وكان فيما كلموا جهما قالوا‏:‏ ألست تزعم أن لك إلها‏؟‏ قال الجهم‏:‏ نعم قالوا له‏:‏ فهل رأيت عينك إلهك‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قالوا‏:‏ فهل سمعت كلامه‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قالوا‏:‏ فهل شممت له رائحة‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قالوا‏:‏ فهل وجدت له حسا‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قالوا‏:‏ فهل وجدت له مجسا‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قالوا‏:‏ فما يدريك أنه إله‏؟‏ قال‏:‏ فتحير الجهم فلم يدر من يعبد أربعين يوما ثم إنه استدرك حجة من جنس حجج زنادقة النصارى ‏(‏لعنهم الله‏)‏ وذلك أن زنادقة النصارى لعنهم الله تعالى يزعمون أن الروح الذي في عيسى بن مريم روح الله من ذات الله فإذا أراد أن يحدث أمرا دخل في بعض خلقه فتكلم على لسانه فيأمر بما يشاء وينهي عما يشاء وهو روح غائب عن الأبصار، فاستدرك الجهم حجة مثل هذه الحجة فقال للسمني‏:‏ ألست تزعم أن فيك روحا‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ فهل رأيت روحك‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قال فهل سمعت كلامه‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ فهل وجدت له مجسا أو حسا‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ فكذلك الله لا يرى له وجه ولا يسمع له صوت ولا يشم له رائحة وهو غائب عن الأبصار ولا يكون في مكان دون مكان، ووجد ثلاث آيات في القرآن من المتشابه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ليس كمثله شيء‏}‏ ‏{‏وهو الله في السموات وفي الأرض‏}‏ ‏{‏لا تدركه الأبصار‏}‏ فبنى أصل كلامه على هؤلاء الآيات وتأول القرآن على غير تأويله وكذب أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم فزعم أن من وصف الله تعالى بشيء مما وصف به نفسه في كتاب أو حدث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان كافرا أو كان من المشبهة‏.‏ فأضل بشرا كثيرا وتبعه على قوله رجال من أصحاب عمرو بن عبيد وأصحاب فلان ووضع دين الجهمية فإذا سألهم الناس عن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ليس كمثله شيء‏}‏ ما تفسيره‏؟‏ يقولون‏:‏ ليس كمثله شيء من الأشياء وهو تحت الأرض السابعة كما هو على العرش لا يخلو منه مكان ولا هو في مكان دون مكان ولا يتكلم ولا يكلم ولا ينظر إليه أحد لا في الدنيا ولا في الآخرة ولا يوصف، ولا يعرف بصفة، ولا يعقل ولا له غاية ولا منتهى ولا يدرك بعقل وهو وجه كله وهو علم كله وهو سمع كله وهو بصر كله وهو نور كله وهو قدرة كله لا يوصف بوصفين مختلفين وليس بمعلوم ولا معقول وكل ما يخطر بقلبك أنه شيء تعرفه فهو على خلافه فقلنا لهم فمن تعبدون‏؟‏ قالوا‏:‏ نعبد من يدبر أمر هذا الخلق‏.‏ قلنا‏:‏ فالذي يدبر أمر هذا الخلق مجهول لا يعرف بصفه‏؟‏ قالوا‏:‏ نعم‏.‏ قلنا‏:‏ قد عرف المسلمون أنكم لا تثبتون شيئا إنما تدفعون عن أنفسكم الشنعة بما تظهرون، ثم قلنا لهم‏:‏ هذا الذي يدبر هو الذي كلم موسى‏؟‏ قالوا‏:‏ لم يكلم ولا يتكلم لأن الكلام لا يكون إلا بجارحة والجوارح منفية عن الله سبحانه وتعالى، فإذا سمع الجاهل قولهم ظن أنهم من أشد الناس تعظيما لله سبحانه ولم يعلم أن كلامهم إنما يعود إلى ضلالة وكفر فلعنهم الله، قال الخلال‏:‏ كتبت هذا الكتاب من خط عبد الله وكتبه عبد الله من خط أبيه‏.‏ واحتج القاضي أبو يعلى في كتابه إبطال التأويل بما نقله منه عن أحمد، وذكر ابن عقيل في كتابه بعض ما فيه عن أحمد، ونقل منه أصحابه قديما وحديثا، ونقل منه البيهقي وعزاه إلى أحمد وصححه شيخ الإسلام ابن تيمية عن أحمد ولم يسمع من أحد من متقدمي أصحابه ولا متأخريهم طعن فيه، فإن قيل‏:‏ هذا الكتاب يرويه أبو بكر عبد العزيز غلام الخلال عن الخلال عن الخضر بن المثنى عن عبد الله بن أحمد عن أبيه وهؤلاء كلهم أئمة معروفون إلا الخضر بن المثنى فإنه مجهول‏.‏ فكيف تثبتون هذا الكتاب عن أحمد برواية مجهولة، فالجواب من وجوه‏:‏

أحدها‏:‏ أن الخضر هذا قد عرفه الخلال وروى عنه كما روى كلام أبي عبد الله عن أصحابه وأصحاب أصحابه ولا يضر جهالة غيره له‏.‏

الثاني‏:‏ أن الخلال قد قال كتبته من خط عبد الله بن أحمد وكتبه عبد الله من خط أبيه، والظاهر أن الخلال إنما رواه عن الخضر لأنه أحب أن يكون متصل السند على طريق أهل النقل وضم ذلك إلى الوجادة، والخضر كان صغيرا حين سمعه من عبد الله ولم يكن من المعمرين المشهورين بالعلم ولا هو من الشيوخ وقد روى الخلال عنه غير هذا في جامعه فقال في كتاب الأدب من الجامع‏:‏ دفع إلي الخضر بن المثنى بخط عبد الله بن أحمد أجاز لي أن أروي عنه، قال الخضر‏:‏ حدثنا مهنا، قال‏:‏ سألت أحمد بن حنبل عن الرجل يبزق عن يمينه في الصلاة ‏(‏وفي غير الصلاة‏)‏ فقال يكره أن يبزق الرجل عن يمينة ‏(‏في الصلاة وفي غير الصلاة، فقلت له‏:‏ لم يكره أن يبزق الرجل عن يمينه‏)‏ في غير الصلاة‏؟‏ قال‏:‏ أليس عن يمينه الملك‏؟‏ فقلت‏:‏ وعن يساره أيضا ملك، فقال‏:‏ الذي عن يمينه يكتب الحسنات، والذي عن يساره يكتب السيئات‏.‏

‏(‏قال الخلال‏)‏‏:‏ وأخبرنا الخضر بن المثنى الكندي قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال‏:‏ قال أبي لا بأس بأكل ذبيحة المرتد إذا كان ارتداده إلى يهودية أو نصرانية ولم يكن إلى مجوسية، قلت‏:‏ والمشهور في مذهبه خلاف هذه الرواية وأن ذبيحة المرتد حرام، رواها عنه جمهور أصحابه ولم يذكر أكثر أصحابه غيرها‏.‏

ومما يدل على صحة هذا الكتاب ما ذكره القاضي أبو الحسين بن القاضي أبي يعلى، فقال‏:‏ قرأت في كتاب أبي جعفر محمد بن أحمد بن صالح ابن أحمد بن حنبل قال‏:‏ قرأت على أبي صالح بن أحمد هذا الكتاب، وقال‏:‏ هذا كتاب عمله أبي في مجلسه ردا على من احتج بظاهر القرآن وترك ما فسره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما يلزم اتباعه‏.‏

‏(‏وقال الخلال‏)‏ في كتاب السنة‏:‏ أخبرني عبيد الله بن حنبل أخبرني أبي حنبل بن إسحاق قال‏:‏ قال عمي‏:‏ يعني‏:‏ أحمد بن حنبل نحن نؤمن أن الله تعالى على العرش استوى كيف شاء وكما يشاء بلا حد ولا صفة يبلغها واصف أو يحده أحد فصفات الله له ومنه وهو كما وصف نفسه لا تدركه الأبصار بحد ولا غاية، وهو يدرك الأبصار وهو عالم الغيب والشهادة وعلام الغيوب‏.‏

‏(‏قال الخلال‏)‏‏:‏ وأخبرني علي بن عيسى أن حنبلا حدثهم قال‏:‏ سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التي تروى أن الله سبحانه ينزل إلى سماء الدنيا وأن الله يرى وأن الله يضع قدمه وما أشبه هذه الأحاديث فقال أبو عبد الله‏:‏ نؤمن بها ونصدق بها ولانرد منها شيئا ونعلم أن ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حق إذا كانت أسانيد صحاح ولا نرد على الله قوله ولا يوصف بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية‏:‏ ‏{‏ليس كمثله شيء وهو السميع البصير‏}‏

‏(‏وقال حنبل‏)‏ في موضع آخر عن أحمد‏:‏ ليس كمثله شيء في ذاته كما وصف به نفسه، قد أجمل الله تبارك وتعالى الصفة لنفسه فحد لنفسه صفة ليس يشبهه شيء، وصفاته غير محدودة ولا معلومة إلا بما وصف به نفسه‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وهو السميع البصير‏}‏ فهو سميع بصير بلا حد ولا تقدير ولا يبلغ الواصفون صفته ولا نتعدى القرآن والحديث فنقول كما قال، ونصفه بما وصف ‏(‏به‏)‏ نفسه ولا نتعدى ذلك ولا يبلغ صفته الواصفون‏.‏ نؤمن بالقرآن كله محكمه ومتشابهه ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت وما وصف به نفسه من كلام ونزول وخلوة بعبده يوم القيامة ووضعه كتفه عليه فهذا كله يدل على أن الله سبحانه وتعالى يرى في الآخرة والتحديد في هذا كله بدعة والتسليم فيه لله بغير صفة ولا حد إلا ما وصف به نفسه سميع بصير، لم يزل متكلما عالما غفورا عالم الغيب والشهادة علام الغيوب فهذه صفات وصف بها نفسه لا تدفع ولا ترد وهو على العرش بلا حد كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ثم استوى على العرش‏}‏ كيف شاء، المشيئة إليه والاستطاعة إليه ليس كمثله شيء وهو خالق كل شيء وهو كما ‏(‏وصف نفسه‏)‏ سميع بصير بلا حد ولا تقدير لا نتعدى القرآن والحديث‏.‏‏.‏‏.‏ تعالى عما يقول الجهمية، والمشبهة، قلت ‏(‏له‏)‏‏:‏ والمشبه ما تقول‏؟‏ قال‏:‏ من قال‏:‏ بصر كبصري ويد كيدي وقدم كقدمي فقد شبه الله سبحانه بخلقه‏.‏ وكلام أحمد في هذا كثير فإنه امتحن بالجهمية، وجميع المتقدمين من أصحابه على مثل منهاجه في ذلك وإن كان بعض المتأخرين منهم دخل في نوع من البدعة التي أنكرها الإمام أحمد ولكن الرعيل الأول من أصحابه كلهم وجميع أئمة الحديث قولهم قوله‏.‏

أقوال أئمة أهل الحديث الذي رفع الله منازلهم في العالمين وجعل لهم لسان صدق في الآخرين‏.‏