فصل: باب العتق والولاء

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: اختلاف العلماء ***


باب العتق والولاء

قال سفيان‏:‏ إذا كان عبد بين الرجلين فأعتق أحدهما نصيبه ضمن الآخر إن كان له وفاء لنصيب الآخر فإن لم يكن له وفاء نقص من نصيب الآخر فلا ضمان عليه فإن ضمن كان له الولاء فإن لم يكن له وفاء سعى العبد في نصف قيمته والولاء للذي أعتق وقال أصحاب الرأي كذلك غير شيخهم

وقال مالك وأهل المدينة مثل قولهم إذا كان المعتق موسرا وخالفوهم في المعسر فقالوا إذا كان المعتق معسرًا فلا ضمان عليه ولا يسعي العبد في شيء لكنه يكون على حاله نصفه رقيق ونصفه حر يعمل لنفسه يومًا ولمولاه يومًا وهو قول الشافعي وأحمد وأبي عبيد وأبي ثور

واحتج مالك ومن قال بوقله بحديث ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال فإن كان المعتق معسرًا فقد عتق منه ما عتق واحتجوا أيضا بحديث عمران بن حصين أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند موته وليس له مالك غيرهم وأقرع النبي - صلى الله عليه وسلم - فأعتق ثلثهم وأرق الثلثين ولم يتسعهم

وفي قول سفيان وأصحاب الرأي في هذا يعتق هؤلاء العبيد كلهم ويسعون في ثلثي قيمتهم للورثة واحتج سفيان ومن قال بقوله في السعاية بحديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال من أعتق شقصًا له في عبد وعن كان معسرًا سعى العبد غير مشقوق عليه وضعف أحمد حديث أبي هريرة في السعاية وقال رواه شعبة وهمام ولم يذكر فيه السعاية وقد اختلفوا في اسناده وصل بعضهم ولم يوصل بعضهم

وقال شيخ أصحاب الرأي في هذه المسألة قولا خلاف الحديثين اللذين رويا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلاف ما أجمع عليه أهل الحجاز وأهل العراق فقال إذا كان العبد بني عثنين فأعتق أحدهما نصيبه وهو موسر فإن الشريك الآخر بالخيار إن شاء ضمن العبد نصف قيمته يسعى فيها والولاء بينهما وإن شاء أعتقه كما أعتق صاحبه والولاء بينهما

قال أبو عبد الله‏:‏ والقول عندنا ما قال أهل المدينة

قال سفيان‏:‏ وإذا ورث الرجل من أخيه أو عمه أو خاله منهما يعتق لم يضمن هذا الذي ورثه ويسعى الآخر فيما بقي من قيمته وهذا قول أصحاب الرأى

وفي قول مالك وأهل المدينة والشافعي وأبي ثور إذا ملك ذا رحم محرم لم يعتق عليه إلا الوالدان والولد خاصة

وقال الشافعي فإن ملك من ولد أو والد شقصًا بأي وجه ملك سوى الميراث أعتق عليه الشقص الذي ملك وقوم عليه ما بقي إن كان موسرا وعتق إن كان معسرًا عتق منه ما ملك ورق ما بقي لغيره وإن ملك شقصًا من ولده أو والده بميراث ورثه عتق عليه ما ملك منه ولم يقوم عليه ما بقي لأنه لم يختر ملكه بكسبه إنما ملكاه من حيث ليس له دفعهما

قال سفيان‏:‏ وإذا أعتق الأم واستثنى ما في بطنها إنه رقيق فليس له ذلك وقد عتقت وعتق ما في بطنها

وقال أحمد وإسحاق وأبو ثور إذا عتقها واستثنى ما في بطنها فله ذلك وتكون هي حرة وما في بطنها رقيق يروى ذلك عن ابن عمر والحسن وإبراهيم

باب‏:‏ المكاتب

قال سفيان‏:‏ وإذا كان المكاتب قد أدى النصف أو الثلث وأحب إلي أن لا يرد لما جاء به ومنهم من يقول إذا عجز رد

وقال مالك وأصحاب الرأي والشافعي وأحمد وغيرهم من أصحابنا هو عبد ما بقي عليه درهم ومتى ما عجز رد في الرق

وقال علي بن أبي طالب يعتق منه بقدر ما أدى وأحكامه وميراثه على ذلك

وقال ابن مسعود إذا أدى قيمته فهو غريم من الغرماء لا يرد في الرق

ويروى عن عمر بن الخطاب أنه قال إذا أدى النصف من كتابته غهو غربم من الغرماء ويروى عنه أنه قال هو عبد ما بقي عليه شيء

وقال زيد بن ثابت وابن عمر وعائشة هو عبد ما بقي عليه درهم

قال سفيان‏:‏ في عبد بين رجلين ليس لأحدهما أن يكاتب نصيبه بغير إذن شريكه فإن فعل رددته إلا أن يكون نقده فإن نقده كان هذا شريكه فيما أخذ منه وعتق العبد وضمن الذي كاتب نصيب الآخر فإن كان الذي كاتب وفى أخذ منه وإن لم يكن له وفاء سعى العبد في نصف قيمته وصار شريكه مما أخذ من مكاتبته وتبع المكاتب كتابته فيما أخذ منه وهو قول أصحاب الرأي

وقال الشافعي إذا كاتب أحدهما بغير إذن شريكه فالكتابة فاسدة فإن أداها عليه فلشريكه نصفها ولا يعتق فإن أداها وأدى على سيده الذي لم يكاتب مثلها عتق ويتراجع السيد الذي كاتب المكاتب بقيمة نصفه لأنه عتق بكتابة فاسدة فإن كان ثمن نصفه أقل من الكتابة ورجع عليه العبد بالفضل عن الكتابة وإن كان ثمن نصفه أكثر من الكتابة رجع السيد بالكتابة ولو أراد شريكه الذي لم يكاتب أن يمنع عتقه بأن يقول لا أقبض لم يكن له وقبضه عليه لأنه قد أدى إليه مثل ما أدى أداء صاحبه فإن كان السيد هو من ضمن لشريكه نصف قيمته وإن كان العبد حرا كله وإن كان معسرًا أعتق نصيبه منه وكان المالك على نصيبه كما كان قبل الكتابة

وقال ابن أبي ليلى وعبد الله بن الحسن لأحدهما أن يكاتبه على حصته وليس للشريك أن يرد الكتابة وكذلك قال أحمد بن حنبل وقال ما كسب المكاتب أخذ الآخر ذلك فإذا أدى الذي كاتبه جميع كتابته عتق العقد وضمن لشريكه الذي لم يكاتب نصف قيمته إن كان موسرا وإن كان معسرًا أعتق منه ونصيب الآخر رقيق على حاله

قال سفيان‏:‏ إذا تزوج المكاتب بغير إذن مواليه أرجئ نكاحه فإن كان أدى كتابته جاز نكاحه وإن عجز فرد رد نكاحه وإن أعتق عتاقه أو تصدق بصردة أرجئه أيضا حتى ينظر فإن أدى مكاتبته جاز عتقه وصدقته وإن عجز رد عتاقه وصدقته

قال الشافعي جميع ذلك باطل

قال سفيان‏:‏ وإذا مات المكاتب فترك وفاءًا أخذ مواليه ما بقي عليه من كتابته وما بقي كان لورثته

قال الشافعي إذا مات من قبل أن يؤدي جميع كتابته ترك وفاءًا أو لم يترك فماله كله لسيده ولا ترثه ورثته لأنه مات عبدا وكذلك قال أحمد وأبو ثور ويروى هذا عن ابن عمر

قال سفيان‏:‏ المكاتبة إذا ولدت أولادًا ثم ماتت فولدها بمنزلتها يستسعون فيما بقي عليهم

قال الشافعي ولده رقيق وماله لسيده وكذلك قال أبو ثور وهو قياس قول أحمد

باب الوصايا

قال أبو عبد الله‏:‏ قال سفيان‏:‏ وإذا أوصى بسهم من ماله لبني فلان وهو السدس كان سهام الورثة أقل أو أكثر وكذلك قال الحسن بن صالح وكذلك روي عن الحسن أنه قال له السدس

وقال عطاء وعكرمة ليس له شيء وكذلك قال شريك

وقال أبو ثور تقام الفريضة ثم يعطي سهما من سهام الفريضة إن كانت الفريضة من أربعة وعشرين أعطي من أربعة وعشرين وإن كان من اثني عشر أعطي سهما من اثني عشر وهو قول بعض أصحاب الرأي

وقال الشافعي إذا قال أوصيت لفلان بنصيب من مالي أو جزء من مالي أو حظ من مالي فهذا كله سواء ويقال للورثة أعطوه منه ما شئتم لأن كل شيء نصيب وجزء وحظ

وقال أبو عبد الله‏:‏ وهذا كما قال الشافعي

قال سفيان‏:‏ وإذا قال الرجل إن مت ففلان حر فليس له أن يرجع وإن قال إن مت من مرضي هذا ففلان حر فإن شاء أن يبيعه فباعه وإن لم يبعه فمات فهو حر وإن صح فلا شيء عليه وكذلك قال أصحاب الرأي

وقال الشافعي وأحمد وعسحاق وأبو ثور كل هذا واحد وهو وصيه فله أن يرجع فيها متى شاء المدير وغيره عندهم سواء واحتجوا بحديث جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - باع مدبرا وأن عائشة دبرت جارية ثم باعتها

وكان الشافعي يقول لا يكون الرجل في التدبير إلا بأن يخرجه من ملكه فإنه يعتق إذا مات

وقال أبو ثور إذا قال قد رجعت فيه فقد بطل التدبير فإن مات لم يعتق

قال سفيان‏:‏ إذا أوصى الرجل بالثلث لوارث فطنت الورقة ثم رجعوا بعد موته فلهم أن يرجعوا لأنهم أجازوا شيئا لم يقع ولم يملكوه إنما ملكوه بعد موته فإن أجازوا بعد الموت فهو جائز ليس لهم أن يرجعوا قبضوا أو لم يقبضوا وكذلك قال أصحاب الرأي وهو قول الشافعي وأحمد

قال أبو عبد الله‏:‏ وكذلك أقول فيه

وقال مالك إذا استأذن ورثته وهو مريض فأذنوا له أن يوصي لبعض ورثته بأكثر من ثلثه فليس لهم أن يرجعوا في ذلك وقال وذلك أن الرجل إذا كان صحيحا كان أحق بجميع ماله يضع فيه ما شاء إن شاء يتصدق أو يعطيه من يشاء فعل وإنما يكون استئذانه للورثة جائزًا على الورثة إذا أذنوا له حين يحجب عن ماله ولا يجوز له شيء إلا في ثلثه وحين هم أحق بثلثي ماله منه فلذلك حين يجوز عليهم ما أذنوا له

قال سفيان‏:‏ إذا أقر الرجل بدين في مرضه لوارث لم تجز إلا شيء أقر به في الصحة وإن أقر بشيء عنده فقال هذا مضاربة أو وديعة أو عارية أو بضاعة فهو للذي أقر به إذا سمى بعينه ولا يكون للغرماء ولا للورثة وكذلك قال أصحاب الرأى والشافعي

ويروى عن الحسن وطاووس وميمون بن مهران عن عقراره جائز في مرضه للوارث وغير الوارث وكذلك قال أبو عبيد وعسحاق وأبو ثور

وقال مالك إذا أقر لوارث في مرضه نظر في ذلك فإن كانت هناك أسباب ووجوه فيها دلائل على صدق المقر كان جائزًا وإنه لم يكن هناك سبب يدل على صدقه فهو باطل

قال سفيان‏:‏ وإذا أوصى الإنسان بعينه فذهب ذلك الشيء أو سرق أو ضاع فليس له في سائر المال شيء فإن ضاع المال وبقي ذلك الشيء بعينه شاركه الورثة في ذلك الشيء ويجوز له ثلث ذلك الشيء بعينه

وقال أحمد ليس هذا بشيء على معنى أنه وهب ميراث الورثة لم يشاركوا الموصى له فيما أوصى له كما إذا ذهبت وصية الموصى له لم يشارك الورثة في ميراثهم

قال سفيان‏:‏ وإذا أوصى بعتاقة ووصايا بدئ بالعتاقة فإن بقي شيء كان لأصحاب الوصايا وكذلك قال أصحاب الرأي

وقال الشافعي وأبو ثور العتاقة وغيره سواء ويتخاصمون

قال أبو عبد الله‏:‏ وكذلك القول عندنا

قال سفيان‏:‏ إذا ضيع الرجل زكاته في حياته أو الحج فأوصى بعد الموت فإنها تكون من الثلث وكذلك قال أصحاب الرأي

قال الشافعي وأحمد وإسحاق كل واجب فهو من جميع المال أوصى أو لم يوص ويروى هذا عن الحسن وطاووس وعطاء

قال سفيان‏:‏ وإذا أوصى بمثل نصيب ولده وفيهما لذكر والأنثى كانت الوصية بمثل نصيب الأنثى بالأقل إلا أن يسمي نصيب ذكر وكذلك قال الشافعي بالأقل وكذلك قال الشافعي إذا كانت بنت وابنت ابن يعطي السدس

قال سفيان‏:‏ وإذا أوصى الرجل الآخر بماله ولرجل آخر بثلثه وأبوا أن يجيزوا فإنه يقسم ثلث ماله على أربعة ثلاثة أرباع لصاحب المال وربع لصاحب الثلث وهكذا قول ابن أبي ليلى والحسن بن صالح وشريك والشافعي وأحمد وإسحاق

وقال النعمان ثلث ماله بينهما نصفان وكذلك قول أبو ثور

قال أبو عبد الله‏:‏ والقياس هذا

وكذلك قال الشافعي بالأقل وكذلك قال الشافعي إذا كانت بنت وابنت ابن يعطي السدس

باب البيوع

قال سفيان‏:‏ وإذا باع الرجل بمائة درهم ثم قال الذي ابتاعه منه اشتريته بمأتين فاشتراه منه مرابحة بربح خمسين درهما فالبيع جائز ويرفع عن المشتري الزيادة وما أصابها من الربح فيكون بمائة وخمسة وعشرين وكذلك قال طائفة من أصحاب الرأى وهو قول أحمد وأبي ثور

وقال غيره إذا علم المشتري فهو بالخيار في أخذه الثمن الذي سمي له أو فسخ البيع ورده والرجوع برأس المال

قال سفيان‏:‏ لابأس بقرة بعشرين شاة يدا بيد وبع الحيوان بعضه ببعض كيف شئت بع البقر بالخيل والخيل بالعبل والعبل بالغنم واحد بعشرين أو بعشرة وكيف شئت يد بيد ولا تبعه نسيئة وكذلك قول أصحاب الرأي

وقال أحمد أكره بيع الحيوان بالحيوان نسيئة لحديث الحسن عن سمرة

وقال مالك وأهل المدينة لا بأس بالحيوان يدا بيد ونسيئة إذا اختلفا

وقال الشافعي وأبو ثور الحيوان بالحيوان نسيئة ذهبوا على حديث عبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد روي عن علي أنه باع بعيرا ببعيرين أو بعشرين على أجل وابن عمر وجابر رخصه

قال أبو عبد الله‏:‏ هذا أقيس الأقاويل

قال سفيان‏:‏ وإذا باع الرجل السلعة فسمى العيوب وبرئ منها فقد برئ وإن لم يرها إياه

وقال أصحاب الرأي إذا تبرأ من كل عيب فهو برئ سمى العيوب أو لم يسمها وكذلك قال أبو ثور

وقال مالك إذا باع بالبراءة من كل عيب وهو لا يعلم ثم وجد عيبا فلا يرجع بشيء وذلك براءة وإذا كان بها عيب علمه ثم باع بالبراءة من كل عيب وكان المشتري أن يرد عليه بالعيب

وقال أحمد لا يبرأ حتى يسمي العيوب أو يضع يده عليها وهذا قول ابن أبي ليلى

وكان الشافعي يقول وهو ببغداد لا تكون بالبراءة من كل عيب براءة وللمشتري أن يرجع على البائع وكل عيب وجده بسلعة علمه البائع ثم قال بعد بمصر مثل هذا القول إلا في الحيوان خاصة فإن قال إذا تبرأ في الحيوان من العيوب برئ من كل عيب لم يعلمه ولا يبرأ من علمه عتباعا لحديث عثمان بن عفان حيث قال لابن عمر أتحلف بالله ما بعته بالبراءة فقال عثمان تحلف بالله لقد بعته وما به داء فعلمه فأبى أن يحلف وقبل العبد

وقال ابن أبي ليلى لا يبرأ حتى يسمي العيوب كلها بأسمائها وذلك يروى عن شريح والحسن وإبراهيم وطاووس وإسحاق كانوا يقولون بحديث عثمان

قال سفيان‏:‏ وإذا باع الرجل عبدا فأغل غلة عنه الذي اشتراه ثم رأى به عيبا فرده فغلته للمشتري بما ضمن وكذلك قول أصحاب الرأي وقول مالك والشافعي وأحمد في الغلة وكل ما كان من كسب العبد والأمة وغلة الدور والحيوان وغير ذلك وكذلك عن وهب العبد هبة أو وجد ركازا فكل ذلك للمشتري

وقال الشافعي وأحمد وأبو ثور وعامة أصحابنا وكذلك كل ما حدث في ملك المشتري من نتاج الماشية وصوفها ووبرها ولبنها وولد الأمة وتمر النخل والشجر فحله للمشتري وخالفهم أصحاب الرأى فقالوا في نتاج الماشية وولد الأمة والثمر أنه للبائع إذا رد البيع قالوا لأن نتاج الماشية من الماشية وولد الأمة من الأمة وثمر النخل من النخل

وقال أصحابنا كل هذا سواء إنما كان المشتري يوم يرده على حاله يوم اشتراه فله أن يرد كل ما حدث في ملكه لأنه كان مالكا يوم حدث في ملكه فليس له أن يرده على البائع لأن البائع لم يملكه

وقال أصحابنا فإن هو غصب عبدا أو حيوانا أو أرضا أو دارا أو غير ذلك بما له فاستغله أو لم يستغله حتى استحقه ربه فإنه يقضي على الغاصب برد شيء المغصوب على ربه وبغلته إن كان استغله وكان مما له غلة فعليه كذا مثله من يوم غصبه على أن يرده وفرقوا بين الغصب والشراء لأن المشتري مالك لما اشترى فلذلك صارت غلته وما عدت في ملكه له والغاصب ضده المشتري لأنه غير مالك لمغتصب فلما لم يملك الشيء المغصوب بالغصب لم يملك غلته ولا سكناه

وقال أصحاب الرأي خلاف ذلك فقالوا كل من غصب شيئا فاستغله له غلته وإن لم ستغله استخدم العبد إن كان عبدا أو سكن دارا فلا شيء عليه في استخدام العبد ولا في سكنى الدار لأنه كان ضامنا لذلك وقاسوا ذلك على حديث النبي - صلى الله عليه وسلم – ‏(‏إن الخراج بالضمان‏)‏

وقال أصحابنا إنما قضى بالحد أم بالضمان في رجل اشترى عبدا فاستغله ثم وجب رده عيبا فرده على البائع فقضى لأن الخراج للمشتري لأنه كان مالكا ولا يشبه الغصب الشراء لأن الغاصب للشيءلايكون مالكا في شيء من الأموال والمشتري مالك لما اشترى فأحدهما ضد الآخر وغير جائز أن يقاس الشيء على ضده

قال سفيان‏:‏ وإذا ابتاع الرجل الجارية فوقع عليها ثم رأى بهاعيبا فمنهم من يقول يردها ويرد العشر من ثمنها إن كانت بكرا وإن كانت ثيبا فنصف العشر ومنهم من يقول هي له موقوعة عليها ويرد عليه فضل ما بين الصحة والداء وهن أحب على سفيان وهو قول أصحاب الرأي وبه يقول إسحاق والقول الأول قول ابن أبي ليلى

وقال مالك والشافعي إن كانت ثيبا فوطئها ثم وجد بها عيبا فإن شاء ردها ولا يرجع بشيء لأن الوطئ لا ينقصها وإن كانت بكرا فإن الشافعي قد يلزمه ويرجع بنفضان العيب لأنه قد نقصها بذهاب العذرة

وقال مالك إن كانت بكرا كان له أن يردها ويرد ما نقصها الوطئ

وقال أحمد إذا وطأها وهي ثيب بمثل قول الشافعي إنه إن شاء ردها ولا يرد معها شيئا

قال أبو عبد الله‏:‏ وهذا القول عندنا

قال سفيان‏:‏ وإذا اشترى الرجل السلعة فرأى بها عيبا وقد حدث بها عيب عنده فهي للمشتري ويرد عليه البائع فضل ما بين الصحة والداء‏.‏ وكذلك قال أصحاب الرأي وهو قول الشافعي وأما ابن أبي ليلى فإنه قال يردها ويرد ما نقصها العيب الذي حدث عنده

وقال مالك هو بالخيار إن شاء ردها ورد ما نقصها العيب الذي حدث عنده وإن شاء حبسها ووضع عنده بقدر العيب وكذلك قال أحمد

قال سفيان‏:‏ وإذا ابتاع الرجل السلعة من رجلين قد قام نصفها على أحدهما بخمسين والنصف الآخر بستين فباعهما مرابحة أو به دوازده أخذ كل واحد منهما رأس ماله والربح بينهما على المال على قد رؤوس أموالهما وإن باعا مساومة فالربح بينهما نصفان

وقال أصحاب الرأي إذا باعا السلعة مرابحة فالثمن والربح بينهما على قدر رؤوس مالهما وإن باعا مساومة فالربح بينهما نصفان ولا ينظر على الشرى لأن كل واحد منهما يملك منها مثل ما يملك صاحبه قيل له فإن أحدهما أعطى أكثر مما أعطى صاحبه ثم قال البس الثوب الساعة بينهما سواء فالثمن بينهما نصفان لأن كل واحد منهما يملك الذي يملك صاحبه

وقال أبو ثور إذا باعا السلعة مرابحة على رؤوس أموالهما فإن الوضيعة بينهما على رؤوس أموالهما كان الثمن بينهما على رؤوس أمولهما وكذلك لو باعا على وضيعة من رؤوس أمولهما فإن الوضيعة بينهما على رؤوس أموالهما وإن باعا مرابحة ولم يسميا رؤوس أموالهما فالربح نصفان

باب‏:‏ بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة وإذا اختلف النوعان

قال سفيان‏:‏ الذهب بالذهب وزنا بوزن مثلا بمثل يدا بيد ولا تبعه نسيئة والحنطة بالحنطة والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل كيلا بكيل يدا بيد ولا يباع نيسئة

قال أبو عبد الله‏:‏ قد صح الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه نهى عن بيع هذه الستة أشياء أن يباع صنف صنف منها بشيء من صنفه الا مثل بمثل يدا بيد

وقال إذا اختلف الصنفان فبيعوا كيف شئتم يدا بيد ولا يصلح لنسيئة

واتفق العلماء على ذلك فلم يختلفوا في ذلك إلا في البر والشعير فإن مالكا وأهل المدينة والأوزاعي جعلوا البر والشعير صنفا واحدًا فقالوا لا يجوز أن يباع الشعير إلا مثلا بمثل

وقال سفيان‏:‏ وأهل العراق البر والشعير صنفان مختلفان لا بأس أن يباع أحداهما بالآخر متفاضلا يدا بيد ولا يجوز نسيئة

وكذلك قال الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور

وحكم هذه الأنواع الأربعة البر والشعير والملح والتمر إذا اختلفت حكم الذهب والفضة فإن الخبر فيها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - واحد لأن أصحاب الرأي فرقوا بين الذهب والفضة وسائر هذه الأنواع في معنى خالفهم أصحابنا فيه فقالوا لا يجوز أن يباع الذهب بالفضة إلا أن يكونا جميعًا حاضرين قالوا لو أن رجلا باع ذهبا بعينه بفضة بعينها علا أنهما غائبان عن مجلسهما الذي ابتاعا فيه وتفرقا من مكانهما قبل أن يحضر الذهب والفضة وتقابضا انتقض الصرف لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الذهب بالفضة ربا إلا ها وها‏.‏

قالوا ها وها أن يأخذ ويعطي قبل أن يتفرقا هكذا قال أصحابنا

وقال أصحابنا وكذلك البر والشعير وسائر ما سمى معهما حكم ذلك

كله كحكم الذهب والفضة لأن الخبر فيهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - على معنى واحد

وقال أصحاب الرأي لو أن رجلا باع قفيرا من بر بعينه بقفير من شعير بعينه وهما غائبين عن مكانهما الذي تبايعا فيه ثم تفرقا قبل أن يحضر القفيرين وتقابضا بعد التفرق كان البيع جائز ولم ينتقض البيع بتفرقهما قبل التقابض ولم يشترط أحدهما على الآخر أجلا فيكون البعي قد وقع على النسيئة

قال سفيان وأصحاب الرأي وكذلك كلما يكال فحكمه حكم البر والشعير والتمر والملح قياسا عليهما وكلما يوزن فقياس على الذهب والفضة يوزنان جميعًا قال فقس جميع الوزن عليهما قالوا فلا يجوز أن يبتاع شيء مما يكال ليس من نوعه إلا بمثل يدا بيد فإذا اختلف النوعان فلا بأس أن يباع أحدهما بالآخر متفاضلا يدا بيد ولا يصلح نسيئة وكذلك لا يجوز أن يباع شيء ما يوزن بشيء من نوعه إلا مثلا بمثل ووزنا بوزن يدا بيد وإذا اختلف النوعان فلا بأس أن يباع أحدهما بالآخر متفاضلا يدا بيد ولا يصلح نسيئة وسواء عندهم كان الذي يكال مما يؤكل ويشرب ولا يؤكل ولا يشرب

وقال الشافعي كل مكان ما يؤكل ويشرب فقياس على الأربعة الأشياء التي نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عنها وكذلك كل ما يوزن مما يؤكل ويشرب فقياس على هذه الأربعة الأشياء قال ولا يجوز أن يقاس على الذهب والفضة لأنهم قد أجمعوا أنه لا بأس بأن يشتري بالذهب والفضة جميع الأشياء التي تكال وتوزن يدا بيد ونسيئة قال ويلزم من قاس الحديد والرصاص وما يوزن على الذهب والفضة أن لا يجيز أن يشتري بالذهب والفضة شيئا من الحديد ولامن سائر ما يوزن نسيئة كما لا يجوز أن يشتري بقفير من بر قفيرا من حمص نسيئة ويروى عن سعيد بن المسيب أنه قال لا ربا إلا في الذهب والفضة أو مما يكال ويوزن ويؤكل ويشرب فكان الشافعي يذهب على هذا وهو قول أبي ثور وجماعة من أصحابنا

ففي قول سعيد بن المسيب لا بأس أن يباع كل ما عدا الذهب والفضة وما يكال ويوزن مما يؤكل ويشرب بعضه ببعض يدا بيد ونسيئة اختلف النوعان أو لم يختلفا كان ذلك مما يكال ويوزن وذلك نحو الحديد والرصاص والقطن فلا بأس أن يباع منا من حديد بعشرين منا من حديد أو رضاص أو قطن يدا بيد أو نسيئة وهو قول الشافعي وأصحابه

وقال أصحاب الرأي لا يجوز أن يباع من من حديد بمنوين من حديد لا يد بيد ولا نسيئة وكذلك جميع ما يوزن ولا يباع شيء منه بشيء من نوع إلا مثلا بمثل يدا بيد كالحديد بالحديد والرصاص بالرصاص والقطن بالقطن وإذا اختلف النوعان فلا بأس أن يباع أحدهما بالآخر متفاضلا واحدًا باثنين يدا بيد ولا يصلح نسيئة أجمع أصحاب الرأى وسفيان على ذلك

قال سفيان‏:‏ وأصحاب الرأي ما كان من المتاع من نوع واحد كرابيس وطيالسة فكل ما كان من هذا من نوع واحد فلا بأس أن يباع واحد باثنين يدا بيد ويصلح نسيئة وإذا اختلف أصله ونوعه فلا بأس أن يباع واحد باثنين يدا بيد ونسيئة

وفي قول الشافعي وأصحابه لا بأس بأن يباع هذا كله بعضه ببعض متفاضلا يدا بيد ونسيئة اختلف أصله أو لم يختلف على حديث سعيد بن المسيب لأنه ليس مما يكال ولا يوزن ولا يؤكل ولا يشرب

وقال أحمد لا أنظر في هذا على الكيل والوزن إذا كان مما لا يؤكل ولا يشرب

قال سفيان‏:‏ ولا تبع بيعا ما لم تقبضه بعد حتى يقبضه من صاحبه ولا تبع شيئا من الأشياء ولا تولي منه ولا تشرك فيه مما يكال أو لا يكال أو بما يوزن أو لا يوزن أو دابة أو عبدا أو شيئا اشتريته حتى تقبضه وهو قول أصحاب الرأي غير كبيرهم فإنه وافقهم في جميع الأشياء إلا في الدور والأرضين فإنه زعم لا بأس بأن تباع الدور والأرضون قبل القبض وما سوى ذلك لا يباع حتى يقبض

وقال الشافعي مثل قول سفيان

وقال مالك وكل شيء لا يكال ولا يوزن فلا بأس ببيعه قبل القبض‏.‏

وكذلك قال إسحاق وأبو عبيد‏.‏

وقال أحمد كل ما وقع عليه اسم الطعام مما يؤكل ويشرب فلا يجوز أن يباع حتى يقبض وما سوى ذلك فلا بأس أن يباع قبل القبض ذهب على حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه فشبه جميع ما يؤكل ويشرب بالطعام وكذلك قال أبو ثور وأبو عبيد قول أحمد ولم يثبت عن النبي عليه السلام غير الطعام شيء بعينه إنما هو في الطعام خاص ومن قال لا تباع جميع الأشياء حتى تقبض جعله قياسا على الطعام يروى عن ابن عباس أنه قال أما الذي نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألا يباع حتى يقبض الطعام وقال ابن عباس ولا أحسب كل شيء إلا بمنزلة الطعام ويروى عن عثمان من حديث قتادة عن عبد ربه عن ابن عياض عن عثمان بن عفان قال كل شيء لا يكال ولا يوزن فلا بأس ببيعه قبل القبض ويروى عن جماعة من التابعين‏.‏

قال سفيان‏:‏ وإذا بعت طعاما أو برا أو دابة أو عبدا فينبغي للبائع أن يدفع المتاع على الذي باع ثم يأخذ الدراهم منه إذا دفعه إليه‏.‏

وقال أصحاب الرأي لا يجب على البائع تسليم السلعة على المشتري ما لم يقبض الثمن وكذلك قول أبو ثور‏.‏

وحكى الشافعي في هذه المسألة أربعة أقاويل أشهرها أنه قال قال بعض العراقيين يجبر القاضي كل واحد منهما البائع على أن يحضر السلعة والمشتري على أن يحضر الثمن ثم يسلم السلعة على المشتري والثمن على البائع ولا يبالي بأيهما بدأ إذا كان ذلك حاضرا قال وقال غيره لا أخبر أحدا منهما على إحضار شيء ولكن أقول أيكما شاء أن أقضي له بحقه على صاحبه فليدفع عليه ما عليه من قبل أنه لا يجب على كل واحد منكما دفع ما عليه إلا بقبض ماله قال وقال آخرون أنصب لهما عدلا فأجبر كل واحد منهما على الدفع على العدل فإذا صار الثمن والسلعة في يديه أمرناه أن يدفع الثمن على البائع والسلعة إلى المشتري‏.‏

قال الشافعي ولا يجوز فيها علا القول الثاني أن يجبر واحد منهما أو قول آخر وهو أن يجبر البائع على دفع السلعة على المشتري بحضرته ثم ينظر فإن كان له مال أجبرته على دفع ثمنها من ساعته فإن غاب ماله وقف السلعة وأشهد أنه وقفها للمشتري فإن وجد مالا دفعه على البائع وأشهد على إطلاق الوقوف عن الجارية فإن لم يكن له مال فالسلعة عين مال البائع وجدها عند مفلس أحق به إن شاء أخذه قال وإنما أشهدنا على الوقف لأنه إن أحدث بعد إشهادنا على وقف ماله في ماله شيئا لم يجز قال وإنما منعنا من القول الذي حكينا أنه لا يجوز غيره أو هذا القول أخذنا بهذا اقول دونه أنه لا يجوز للحاكم عندنا أن يكون الرجل مقرا بأن هذه الجارية قد خرجت من ملكه ببيع على مالكه ثم لا يكون له حبسها وكيف يجوز له حبسها وقد علمنا أن ملكه لغيره ولا يجوز أن يكون رجل قد أوجب على نفسه ثمنا وماله حاضر فلا يأخذ منه ولا يجوز لرب الجارية أن يطأها ولا يبيعها ولا يعتقها وقد باعها من غيره ولا يجوز للسلطان أن يدع الناس يتدافعون الحقوق وهو يقدر على أخذها منهم

قال سفيان‏:‏ إذا اختلف البيعان فقال هذا بعتك بعشرين وقال الآخر بعته بعشرة ولم يكن بينهما بينة فالقول قول البائع إذا كان البيع حاضرا بعينه أو يترادان البيع وإن حلف أحدهما ولم يخلف الآخر كان البيع للذي حلف وكذلك قال أصحاب الرأي وهو قول ابن أبي ليلى والشافعي وأحمد وإسحاق

وقال مالك إن كانت السلعة في يد البائع فالقول قوله ثم يحلف المشتري ويبرأ وإن كانت في يد المشتري وذلك قريب لم يتغير فالقول قول البائع ويحلفان جميعًا وإن كانت السلعة تغيرت وطال ذلك واختلف أسواقها وأرى القول قول المشتري إلا أن يأتي من ثمنها بأمر لا يعرف أن مثلها لا يباع به يدعي الشي اليسير

وقال أبو ثور القول قول المشتري مع يمينه لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه وضعف حديث ابن مسعود إذا اختلفا‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏ فقال قد اضطربوا فيه فأسنده بعضهم وأرسله بعضهم ولم يسنده إلا ابن أبي ليلى وقد اختلف فيه عنه أيضا ولو ثبت هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقلنا به وكانت السنة أولى من النظر

قال أبو عبد الله‏:‏ القول عندنا ما قال سفيان ومن وافقه وكذلك القياس والحجة في ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه وكل واحد من هذين مدع وكل واحد مدعى عليه لأنهما قد اتفقا على أن ملك السلعة كان للبائع ثم ادعى المشتري أنه ملكها عليه بمائة درهم والبائع ينكر دعواه يقول لم أبعها قط بمائة درهم فالمشتري يدعي عليه وهو منكر لدعواه والبائع يدعي على المشتري أنه ملكها عياه بألف درهم والمشتري منكر دعواه فيقول لم أمتكلها بألف درهم إنما ملكتها بمائة درهم فعلى البائع أن يحلف للمشتري على دعواه وهي أن يحلف أني لم أبعك هذه السلعة بمائة درهم ولم أبعكها بأقل من ألف درهم فعذا حلف على ذلك قيل للمشتري إما أن تأخذها بما أقر به البائع وحلف عليه وإما أن يحلف على دعواه عنك لم تشترها منه بأكثر من مائة درهم فإن هو حلف على ذلك رد السلعة كاختلافهما لو اختلفا فقال أحدهما وهبت لي هذه السلعة وقال الآخر لم أهبها لك ولكن بعتها إياك بمائة درهم فالقول فيه عنهما يتحالفان وترد السلعة على ربها

فإن كانت السلعة مستهلكة فإنهم اختلفوا في ذلك‏:‏

فقال سفيان‏:‏ القول قول المشتري مع يمينه الا أن يجيء البائع ببينة‏.‏

واختلف أصحاب الرأي في ذلك‏:‏

فقال النعمان ويعقوب مثل قول سفيان‏.‏

وقال محمد يتحالفان ويترادان القيمة وكذلك قال الشافعي‏.‏

وقال غيرهم من أصحابنا إن كان المشتري هو المستهلك السلعة تحالفا وردا القيمة فإن كانت السلعة هلكت من غير استهلاك المشتري تحالفا فعذا حلفا لم يكن على المشتري شيء رد قيمته ولا غيره لأنه لم يكن متعديا في أخذ السلعة ولا جانيا عليها وعنما هلكت من غير جنايته ولا يضمن إلا جاني أو متعدي وهو القياس عندي‏.‏

قال سفيان‏:‏ وإذا باع الرجل البيع فقال البائع بعتك على أن يكون بالخيار فالقول قول المشتري علا أن يجيء البائع ببينة‏.‏

قال سفيان‏:‏ وإذا اختلف البيعان فقال أحدهما بعتك نقدا وقال المشتري اشتريت بنسيئة فالقول قول البائع إلا أن يجيء المشتري ببينة فإن جاء المشتري ببينة وإلا أخذ بالثمن نقدا وكذلك قال أصحاب الرأي‏.‏

وقال الشافعي يتحالفان ويترادَّان‏.‏

قال أبوعبد الله‏:‏ القياس ما قال الشافعي‏.‏

قال سفيان‏:‏ إذا بعت بيعا بشرط فعرضته على بيع فهو لك فقد رضيته وكذلك قال أصحاب الرأي

قال أبو ثور لا يكون العرض على البائع رضا قال وكذلك إن كانت جارية فاستخدمها أو وطئها قال فإن كان فعل ذلك على أنه قد رضي لزمته السلعة ولا يكون رضا إلا أن يقول قد رضيت أو يمضي لأجل الذي جعل له فيه الخيار وإذا اشترى الرجل عبدا أو جارية ثم ظهر به عيب فعرضه بعدما رآه على البيع ففي قول أصحاب الرأي غذا عرضه على البيع لزمه

وقال أبو ثور له أن يرد بعد العرض ولا يكون عرضه رضا بالعيب‏.‏

قال سفيان‏:‏ ويروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - البيعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا ببيع

الخيار والخيار أن يقول اختر فإن اختار فالبيع جائز وإن لم يتفرقا‏.‏

وأما إبراهيم وأهل المدينة فيقولون إذا تبايعا فهو جائز وإن لم يتفرقا‏.‏

وقال أصحاب الحديث البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يتخير أحدهما صاحبه بعد البيع وممن قال ذلك ابن المبارك وابن عيينة ويحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي والشافعي وأحمد وأبو عبيد وإسحاق وأبو ثور والإفتراق أن يفترقا بأبدانهما عن مقدمهما الذي تبايعا فيه‏.‏

فإن كان المشتري عبدا فأعتقه البائع أو المشتري قبل أن يتفرقا فإن أصحابنا اختلفوا في ذلك‏:‏

فقال ابن المبارك والشافعي وإسحاق وأبو عبيد إن أعتقه البائع فعتقه جائز وإن أعتقه المتشري فعتقه باطل‏.‏

وقال أبو ثور أيهما أعتقه باطل أما البائع فإن العبد قد خرج من ملكه بالبيع وملكه المشتري وله الخيار في أن ينقض ملك المشتري فيرد على ملكه فلما لم يختاره نقض البيع فعتقه فيه غير جائز لأنه غير مالك وأما المشتري فعتقه غير جائز لأن للبائع فيه خيارا وليس له أن يبطل خيار البيع وكذلك قال أبو عبد الله‏:‏ لو أن رجلا اشترى عبدا على أن البائع والمشتري فيه بالخيار ثلاثة أيام فالبيع جائز في قول العلماء كلهم والخيار ثابت

فإن أعتق البائع أو المشتري قبل أن يمضي وقت الخيار‏:‏

فإن أصحاب الرأي قالوا عتق البائع جائز لأن عنقه اختيار لنقض البيع وعتق المشتري باطل لأن للبائع فيه خيارا وليس له أن يبطل خيار البائع وكذلك قال ابن المبارك والشافعي في هذا‏.‏

وقال أبو ثور أيهما أعتق فعتقه باطل‏.‏

قال أبو عبد الله‏:‏ القياس ما قال أبو ثور‏.‏

قال سفيان‏:‏ في مملوك أتى رجلا فقال اشتري بما لي من مولاي فاعتقني فاشتراه فأعتقه فإن العتق جائز ويغرم المال مرة أخرى وهذا إذا لم يشتره بذلك المال بعينه فإن أخذ المال من العبد وهو ألف درهم نجا على سيده فقال قد اشتريت منك هذا العبد بهذه الألف بعينها فقال قد بعتك بها فالبيع باطل لأنه اشترى العبد بما لا يملك فإن أعتقه بعد ذلك فالعتق باطل لأنه أعتق ما لا يملك فإن أخذ الألف من العبد ثم جاء سيده فقال بعيني عبدك هذا بألف درهم ولم يقله بهذه الألف بعينها فقال السيد قد بعتك هذا العبد بألف درهم فقال قد أخذته فقد وجب البيع بينهما وملك العبد ووجب عليه ألف درهم فإن هو جاء بتلك الألف التي أخذها من العبد فأداها على سيد العبد في ثمنه ثم اطلع السيد بعد ذلك على أن الألف التي أداها عليه أخذها من عبده فله أن يرجع عليه بثمن العبد فيقول عن الألف التي أديت علي كانت لي فأدي علي ثمن العبد فعليه أن يؤدي ثمن العبد مرة أخرى وعتقه فيه جائز‏.‏

قال سفيان‏:‏ وإذا ابتاع الرجل العبد فأصابه عنده داء عور أو عمى، فلا بأس أن يبعه مرابحة‏.‏

قال أصحاب الرأي يبعه مرابحة وليس عليه أن يبين إلا أن يكو ن هو الذي جنى عليه العيب إذ ذاك أن يبين فإن لم يبين فالمشتري بالخيار إذا علم بذلك إن شاء رد وإن شاء أمسك‏.‏

وقال أبو ثور ليس له أن يبيع مرابحة حتى يبين العيب الذي حدث عنده وسواء حدث من فعله أو فعل غيره‏.‏

قال سفيان‏:‏ في رجل اشترى جرابا على أن فيه مائة ثوب أو طعاما على أنه كر فوجد الثياب مأتي ثوب والطعام كرين قال أما الثياب فمردود وأما الطعام فيكيل له الذي له وما بقي كان له وقال كل ما كان شيئا متفرقا فزاد فهو مردود وأما الكيل والوزن إن زاد أو نقص يترادان وكذلك قال أصحاب الرأي وهو قول أحمد وأبي ثور وهذا إذا وقع الثمن في الثياب جملة لم يسم لكل ثوب ثمنا فإن اشترى جرابا على أن فيه مائة ثوب كل ثوب بعشرة فوجدها تسعين فإن سفيان قال المشتري بالخيار إن شاء أخذ وإن شاء رد وكذلك قال أصحاب الرأي وإن زادت على مائة فالبيع مردود على قول سفيان وأصحاب الرأي وكذلك قال أحمد في المسألتين جميعًا

وقال أبو ثور وسمى لكل ثوب ثمنا أو لم يسم فالبيع فاسد إذا زادت الثياب أو نقصت إذا كانت الثياب مختلفة لأن الثوب الزايد والناقص لا يدري هو من خير الثياب أو رديئها أو وسطها‏.‏

فإن اشترى جرابا من ثياب على أن كل ثوب بعشرة والثياب مختلفة فيه ما يساوي عشرين وفيه ما يساوي خمسة فإن أصحاب الرأي قالوا لا بأس بأن يخير شرى كل ثوب على ما سمي من الثمن فيخير بشراء الثوب الذي لا يساوي إلا خمسة دراهم عشرة دراهم ويبيعه مرابحة

وقال ابن المبارك هذا عندي وقطع الطريق قريب من السواء‏.‏

قال أبو عبد الله‏:‏ وهو عندي هكذا وكذلك إن وجد بأحد الثياب عيبا رده بالقيمة في قول إسحاق وليس له أن يرده بالثمن الذي سمى‏.‏

وقال سفيان‏:‏ وأصحاب الرأي يرده بالثمن الذي سمى لكل ثوب‏.‏

وإن كان الذي وجد به العيب من جياد المتاع أو من شرارها قال فإن اشترى جرابا من متاع بثمن وأخذ ولم يسم لكل ثوب ثمننا أو اشترى عبيدا صفقة واحدة ثم وجد بأحد الثياب عيبا أو بأحد العبيد شيئا فأراد أن يرده فإن أهل العلم اختلفوا في ذلك‏:‏

فقال شريح والقاسم بن عبد الرحمن والشعبي وحماد بن أبي سليمان يأخذه به جميعًا وهو قول أبي ثور

وقال الحسن ومحمد بن سيرين والحارث العكلي وابن شبرمة وقتادة وهو قول سفيان وأصحاب الرأي يرد الذي وجد به العيب بحصته من الثمن إلا أن يكون المتشري شيئين لا يصلح أحدهما إلا بالآخر نحو الخفين والنعلين أو باب بيت مصراعين فإنه إذا وجد بأحدهما عيبا أخذهما جميعًا أو ردهما جميعًا في قولهم وكذلك قال أحمد وإسحاق

وقال مالك فيمن اشترى رقيقا صفقة واحدة فوجد بأحدهما عيبا قال إن كان ذلك العبد وجد ذلك الرقيق أكثر ثمنا أو أجله وهو الذي فيه الفضل له لو سلم فيما يرى الناس فإنه يرد البيع كله وإن لم يكن كذلك رد ذلك الذي وجد به العيب بقيمته من الثمن

باب‏:‏ السلف

قال سفيان‏:‏ أسلف دراهمك ودنانيرك في كيل معلوم ولا تفارقه حتى تدفع عليه الدراهم فصفة الشيء الذي تسلف سمى طيبا أو جيدا سمى المكان الذي يدفعه عليك فيه وكذلك قال أصحاب الرأي

قال الشافعي إن اشترط في سلم يعني أجلا معلوما فهو على أجله وإن لم يشترط أجلا معلوما فهو حال وهو يفسد السلم وكذلك قال أبو ثور

قال الشافعي هو أحب علي أن يسمي المكان الذي يوفيه فيه

وقال أحمد وإسحاق وأبو ثور إن سمى مكانا يوفيه فيه فعليه أن يوفيه في المكان الذي سمى وإن لم يسم المكان فالسلم جائز لأنه ليس في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر أن يسمي المكان الذي يوفيه

قال سفيان‏:‏ وإن أسلفت دراهم فكان فيها زيوف فانقص من السلف بقدر الزيوف

وقال شيخ أصحاب الرأي مثل ذلك إذا كان الدراهم الذي وجده ستوقا قال وإن كان زيفا استحببت أن يبدله قال وإذا كان زيوفا كلها بطل السلف

وقال يعقوب يبدلها والسلف جائز

وقال الشافعي يبطل السلف إذا كان في الدراهم رديئ حكى عنه أبو ثور

وقال إسحاق وأبو ثور يبدله والسلم جائز

وقال أحمد أرجو أن يكون جائزًا إذا أبدله

قال أبو عبد الله‏:‏ وأخبرني أبو بكر الأثرم قال قلت لأبي عبد الله‏:‏ رجل اشترى بدنانير دراهم فوقعت فيها رديئة كيف يصنع فقال قد اختلف الناس فيها قالوا فيها أربعة أقوال قال أبو عبد الله‏:‏ أما ابن عمر فقال ليس له بدل رواه ابن جريج عن جلاد بن عطاء قال وما أدري من خلاد بن عطاء هذا قال فكيف يكون هذا أعطيك دينار واخذ منك دراهم فيكون الدينار فاسدا أو تكون الدراهم رديئة فلا أرد عليك ولا ترد علي قال وكان مالك يقول ينتقض الصرف قال وهذا شديد يكون قد ذهبت الدراهم قال وقال سفيان‏:‏ ينتقض من الصرف بقدر ذلك قال ولم أره يعجبه ثم قال وما أرى الناس يسلمون مما قال الحسن وقتادة قالا لا يرد عليه ويأخذ البدل قلت فنرجو أن يكون القول ما قالا فهو أسهل على الناس قال أرجو أن كون قد رواه سعيد عن قتادة عن الحسن قال وهو قول قتادة قالا لا بأس بأن يستبدل قال أبو عبد الله‏:‏ يروى هذا عن ابن سيرين من حديث أزهر السمان عن ابن عون عن محمد بن سيرين

قال سفيان‏:‏ ولا تسلفن في شيء من الثمار إلا في حينها وسلف فيهاوفي أيدي الناس منها شيء نحو العنب أو السفرجل أو التفاح وما يكال ويوزن أشياه الفاكهة ولا تسلفن في شيء من هذا إلا في حينه وفي أيدي الناس منه شيء وكذلك قال أصحاب الرأي

وقال الشافعي لا بأس أن تسلف في الثمار قبل أن يطلع الثمر إذا شرط الأجل على وقت يكون الثمار فيه موجودا وكذلك الطعام وسائر الأشياء واحتج بحديث ابن عباس قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة وهم يسلمون في الثمار السنتين والثلاث فقال من سلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم على أجل معلوم قال فقد أجاز النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يكون الثمر سلفا مضمونا في غير حينه الذي يطيب فيه لأنه إذا سلف شيئا سنتين وثلاثة كان بعضها في غير حينه وكذلك قال إسحاق وأحمد وأبو قور

قال سفيان‏:‏ وإذا أسلف النصراني على النصراني في الحضر فأسلم أحدهما مما رد عليه رأس ماله وعذا أقرضه خمرا فأسلم الذي أقرض الخمر فلا ينبغي له أن يأخذ الخمر ولا قيمته وإذا أسلم المستقرض ولم يسلم الآخر رد عليه قيمة الخمر

وقال الشافعي وأحمد وأبو ثور لا يرد عليه شيء لأنه ليس للخمر ثمن ولا قيمة

قال سفيان‏:‏ يكره السلف في الحيوان وهكذا قال أصحاب الرأي

وقال مالك وأهل المدينة لا بأس بالسلف في الحيوان وكذلك قال الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وعبد الرحمن بن مهدي ويحيى القطان واحتجوا بحديث أبي رافع وأبي هريرة والغرباض بن سارية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استلف بكرا واحتجوا بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بالدية على العاقلة والدية على مائة من العبل فأجمعوا أنها في ثلاث سنين في مثل سنة وأنها بأسنان معلومة واحتجوا بأن أصحاب الرأي كلهم قد وافقوهم على أنه لا بأس بالكتابة على الوصفاء فقالوا إن جازت الكتابة على الوصفاء فكذلك جائز أن يستلف في الوصفاء وقد أجاز أصحاب الرأي أيضا تزويج المرأة على العبد والأمة الموصوفين فجوزوا أن يكون الحيوان دينا بالصفة‏.‏

ويحيى القطان واحتجوا بحديث أبي رافع وأبي هريرة والغرباض بن سارية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استلف بكرا واحتجوا بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بالدية على العاقلة والدية على مائة من العبل فأجمعوا أنها في ثلاث سنين في مثل سنة وأنها بأسنان معلومة واحتجوا بأن أصحاب الرأي كلهم قد وافقوهم على أنه لا بأس بالكتابة على الوصفاء فقالوا إن جازت الكتابة على الوصفاء فكذلك جائز أن يستلف في الوصفاء وقد أجاز أصحاب الرأي أيضا تزويج المرأة على العبد والأمة الموصوفين فجوزوا أن يكون الحيوان دينا بالصفة‏.‏

باب‏:‏ الشراء والبيع

قال سفيان‏:‏ وكل بيع ابتعته ولم تره فأنت بالخيار إذا رأيته وكذلك قال أصحاب الرأي وسواء اشترى البيع على الصفة فوجده على الصفة أو على خلاف الصفة له خيار الرؤية

وقال مالك لا يجوز بيع إلا بيع عين أو صفة فإذا وصف له سلعة ثم وجدها على الصفة فالبيع لازم ولا خيار له وكذلك قال أحمد وأبو عبيد وإسحاق وأبو ثور

وقال الشافعي ليس البيع إلا بيعين بيع عين يرى البائع والمشتري وبيع صفة مضمونة على البائع وهو اسلم وكان يبطل ما سوى ذلك

وقال أصحاب الرأي في الرجل يرى الدار من خارجه ويرى الثياب مطوية من ظهورها غيرى موضع طيها ثم يشتريها عنه لا يكون له خيار الرؤية في شيء من ذلك

وقال مالك في الساج المدرج في جزأيه والثوب القبطي والمدرج في طيه لا يجوز بيعها حتى يبشره وينظر مشتريها على ما في أجوافها فإن ابتاعها قبل ذلك فذلك من ييع الغرور وهو كالملامسة

قال سفيان وأصحاب الرأي كل من باع شيئا مما يكال ويوزن أو لا يكال ولا يوزن فهو في ضمان البائع حتى يسلمه إلى المشتري لا يسألون من أيهما كان الامتناع من القبض وكذلك قال الشافعي

وقال مالك في كل شيء يكال ويوزن فهو في ضمان البائع حتى يسلمه إلى المشتري دفعه إليه فيمنعه إياه

وقال أحمد كل شيء يؤكل ويشرب فهو في ضمان البائع حتى يسلمه على المشتري ولا يجوز بيعه حتى يقبضه وكل ما سوى ذلك فهو في ضمان المشتري وله أن يبيعه قبل القبض إلا أن يمتعه البائع من القبض بعد أن يسأله المشتري فإن تلف بعد ذلك فهو ضامن لقيمته والثمن على المشتري

وقال أبو ثور كل من عقد البيع بينهما على شيء فقد انتقل ملك البائع كما باع على المشتري فإن تلف المبيع بعد البيع في ملك البائع ولم يكن منعه المشتري من قبضه فهو مال المشتري وعليه الثمن فإن كان منعه قبضه فهو متعد في منعه فإن تلف بعد ذلك فهو ضامن لقيمته كانت القيمة أكثر من الثمن أو أقل وعلى المشتري الثمن واحتج بحديث ابن عمر ما أدركت الصفقة حيا مجموعا فهو من مال المبتاع وقصة عثمان وعبد الرحمن بن عوف

باب الرهن

واختلفوا في الرهن إذا هلك عند المرتهن من غير أن يكون المستهلك‏:‏

فقال سفيان‏:‏ وأصحاب الرأي إن كان الرهن مثل الدين أو أكثر منه فهو بما فيه وإن كان أقل من الدين ذهب الدين بقدره ورجع المرتهن على الراهن بما فضل عن قيمة الرهن

وقال شريح والشعبي وغير واحد من الكوفيين يذهب الرهن بما فيه من الدين كانت قيمته مثل الدين أو أكثر منه أو أقل ولا يرجع أحد منهما على صاحبه شيء فيما بينهما

وقال ابن أبي ليلى وعبيد الله بن الحسن يترادان الفضل بينهما إن كان قيمة الرهن على المرتهن بما فضل عن الدين من قيمة الرهن وإن كانت قيمة الرهن أقل من الدين ذهب بقدر قيمة الرهن ورجع المرتهن على الراهن بالفضل وإن كانت قيمة الرهن مثل الدين ذهب بما فيه وكذلك قال إسحاق وأبو عبيد يروى هذا القول عن ابن عمر وعن علي بن أبي طالب

وقال مالك والأوزاعي إذا كان الرهن مما يخفى هلاكه نحو الذهب والفضة والحلي والمتاع يزاد الفضل بينهما مثل قول ابن أبي ليلى وإن كان الرهن بما يظهر هلاكه نحو الدور والأرضين والحيوان فهلك فهو من مال الراهن ودين المرتهن ثابت على حاله وروى الأوزاعي هذا القول عن يحيى بن أبي كثير عن علي بن أبي طالب

وقالت طائفة أخرى من أهل المدينة وأهل مكة منهم الزهري وغيره إذا ذهب المرهن من غير جناية للمرتهن فهو من مال الراهن ودين المرتهن ثابت على حاله وسواء ما ظهر هلاكه وما خفي وهذا قول الشافعي وأحمد بن حنبل وأبي ثور وعامة أصحابنا واحتجوا بحديث الزهري عن سعيد بن المسيب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الرهن لمن رهن له غنمه وعليه غرمه الشافعي وآخرين

وأما حديث ابن عمر الذي احتج به أولئك فإنما رواه إدريس الأودي عن إبراهيم بن عمير عن ابن عمر وإبراهيم شيخ مجهول‏.‏

وأما حديث علي فإنه قد اختلفت الرواية عنه في هذا الباب فروي عن علي بن صالح عن عبد الأعلى عن محمد بن الحنفية عن علي مثل قول سفيان وأصحاب الرأي وروى سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن خلاس عن علي أنه قال يترادان الفضل وليس يثبت عن علي قول صحيح‏.‏

وأجمعوا أنه إذا رهن رهنا وقبضه المرتهن فليس للراهن عليه سبيل والمرتهن أحق به فإن كان الرهن عبدا فأعتقه الراهن فإنهم اختلفوا في عتقه‏:‏

فقالت طائفة‏:‏ عتقه باطل لأنه لي له أن يتلف الرهن ولا يخرجه من الرهن وعتقه إياه إبطال للرهن وإخراجه له من الرهن وممن قال ذلك عطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار وهو قول أبي ثور وجماعة من أصجابنا

وقال الحسن بن صالح‏:‏ عتقه جائز ولا يرجع المرتهن على الراهن بشيء‏.‏

وقال شريك‏:‏ عتقه جائز، ويسعى المملوك للمرتهن‏.‏

وقال إبراهيم النخعي‏:‏ العتق جائز، ويرجع المرتهن على الراهن، كأنه يعني بقيمة الرهن وكذلك قال أحمد بن حنبل عتقه جائز ويؤخذ الراهن للمرتهن بمثل قيمة العبد فيكون رهنا مكانه

قال وقالت طائفة أخرى العتق موقوف فإن أفتك الرهن يومًا ما جاز عتقه وإن لم يفتك وأفلس أو مات بيع العبد في ديته وأبطل العتق

وأجمعوا في الرهن أنه ليس للمرتهن أن ينتفع فيما سوى الحيوان واختلفوا في الحيوان‏:‏

فقالت طائفة من أصحابنا إذا كان الرهن حيوانا شاة أو بقرة أو غير ذلك فله أن يحلب الشاة والبقرة ويركب الحمار بما يعلقه واحتجوا بحديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الرهن يركب ويحلب بقدر نفقته وعلى الذي يحلب ويركب نفقته وهو قول أحمد وإسحاق

وقالت طائفة أخرى ليس له أن ينتفع بالحيوان ولا بغيره وهو قول سفيان وأصحاب الرأي وكذلك قول مالك والشافعي

وقال الشافعي قول أبي هريرة الرهن مركوب محلوب معناه عندي أن الرهن الذي يركبه ويحلبه ويعلفه لأنه ملكه إلا المرتهن واحتج هو وغيره بحديث ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه

قال سفيان‏:‏ وأصحاب الرأي إذا رهنت رهنا فدفعت عليه الذي له ولم يقبض الرهن حتى ضاع رد عليك الذي أخذ منك

وقال الشافعي وكذلك إذا أديت عليه بعضه رد عليك الذي أخذ منك

قال الشافعي وأحمد ليس عليه أن يرد مما أخذ شيئا ويذهب الرهن من مال الراهن إلا أن يكون المرتهن جنى عليه أو تعدى فيه فيكون ضامنا قيمته إن كان أقل من الدين أو أكثر