فصل: بَاب مَا جَاءَ فِي الرهبانية وَالتَّشْدِيد على النَّفس وفترة الْمُجْتَهد وَمَا يحذر مِنْهُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأحكام الشرعية الكبرى



.بَاب مَا جَاءَ من سَعَة رَحْمَة الله تَعَالَى وَأَنَّهَا تغلب غَضَبه:

مُسلم: حَدثنَا حَرْمَلَة بن يحيى التجِيبِي، أَنا ابْن وهب، أَخْبرنِي يُونُس، عَن ابْن شهَاب أَن سعيد بن الْمسيب أخبرهُ، أَن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: «جعل الله الرَّحْمَة مائَة جُزْء، فَأمْسك عِنْده تِسْعَة وَتِسْعين، وَأنزل فِي الأَرْض جُزْءا وَاحِدًا، فَمن ذَلِك الْجُزْء تتراحم الْخَلَائق، حَتَّى ترفع الدَّابَّة حافرها عَن وَلَدهَا خشيَة أَن تصيبه».
وَلمُسلم: فِي بعض أَلْفَاظ هَذَا الحَدِيث: «كل رَحْمَة مِنْهَا طباق مَا بَين الْمسَاء وَالْأَرْض» وَقد تقدم فِي كتاب الْأَدَب فِي بَاب رَحْمَة الْبَهَائِم بَعْضهَا بَعْضًا.
مُسلم: حَدثنَا قُتَيْبَة، ثَنَا الْمُغيرَة- يَعْنِي الْحزَامِي- عَن أبي الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة، أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لما خلق الله الْخلق، كتب فِي كِتَابه، فَهُوَ عِنْده فَوق الْعَرْش: إِن رَحْمَتي تغلب غَضَبي».
مُسلم: حَدثنَا عَليّ بن خشرم، ثَنَا أَبُو ضَمرَة، عَن الْحَارِث بن عبد الرَّحْمَن، عَن عَطاء بن ميناء، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لما قضى الله الْخلق كتب فِي كِتَابه على نَفسه فَهُوَ مَوْضُوع عِنْده: إِن رَحْمَتي تغلب غَضَبي».
البُخَارِيّ: حَدثنَا أَبُو الْيَمَان، أَنا شُعَيْب، ثَنَا أَبُو الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِن الله لما قضى الْخلق كتب عِنْده فَوق عَرْشه: إِن رَحْمَتي سبقت غَضَبي».

.بَاب المبادرة إِلَى التَّوْبَة وَالْعَمَل:

التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا قُتَيْبَة، ثَنَا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، عَن الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة، أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَادرُوا بِالْأَعْمَالِ فتنا كَقطع اللَّيْل المظلم، يصبح الرجل مُؤمنا ويمسي كَافِرًا، ويمسي مُؤمنا وَيُصْبِح كَافِرًا، يَبِيع دينه بِعرْض الدُّنْيَا».
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَبُو مُصعب، عَن مُحرز بن هَارُون، عَن عبد الرَّحْمَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة، أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَادرُوا بِالْأَعْمَالِ سبعا، هَل تنتظرون إِلَّا فقرا منسياً، أَو أَو غنى مطغياً، أَو مَرضا مُفْسِدا، أَو هرماً مفنداً، أَو موتا مجهزاً، أَو الدَّجَّال فشر غَائِب ينْتَظر، أَو السَّاعَة؛ فالساعة أدهى وَأمر».
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب، لَا نعرفه من حَدِيث الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة إِلَّا من حَدِيث مُحرز بن هَارُون.

.بَاب الصدْق فِي التَّوْبَة وَالْعَمَل:

الْبَزَّار: حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن سعيد الْأنمَاطِي، ثَنَا مُحَمَّد بن سعيد بن سَابق، ثَنَا عَمْرو بن أبي قيس، عَن سماك- يَعْنِي ابْن حَرْب- عَن الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن، عَن أَبِيه، عَن عبد الله بن مَسْعُود، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِن بني إِسْرَائِيل استخلفوا خَليفَة عَلَيْهِم بعد مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ لَيْلَة يُصَلِّي فِي الْقَمَر فَوق بَيت الْمُقَدّس، فَذكر أموراً كَانَ صنعها فَخرج فَتَدَلَّى بِسَبَب، فَأصْبح السَّبَب مُعَلّقا وَقد ذهب، قَالَ: فَانْطَلق حَتَّى أَتَى قوما على شط الْبَحْر فَوَجَدَهُمْ يضْربُونَ لَبَنًا أَو يصنعون لَبَنًا، فَسَأَلَهُمْ: كَيفَ تأخذون على هَذِه اللَّبن؟ قَالَ: فأخبروه، فَلبث مَعَهم فَكَانَ يَأْكُل من عمل يَده، فَإِذا كَانَ حِين الصَّلَاة قَامَ يُصَلِّي، فَرفع ذَلِك الْعمَّال إِلَى دهقانهم أَن فِينَا رجلا يفعل كَذَا وَكَذَا، فَأرْسل إِلَيْهِ فَأبى أَن يَأْتِيهِ ثَلَاث مَرَّات، ثمَّ إِنَّه جَاءَهُ يسير على دَابَّته فَلَمَّا رَآهُ فر، فَاتبعهُ فسبقه، فَقَالَ: انظرني أُكَلِّمك. قَالَ: فَقَامَ حَتَّى كَلمه أخبرهُ خَبره، فَلَمَّا أخبرهُ أَنه كَانَ ملكا وفر من رهبة ربه، قَالَ: إِنِّي لأظنني لَا حَقًا بك. قَالَ: فَاتبعهُ فعبدا الله حَتَّى مَاتَا برميلة مصر. قَالَ عبد الله: لَو أَنِّي كنت ثمَّ لاهتديت إِلَى قبريهما من صفة رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي وصف لنا».

.بَاب من خرج من الأَرْض الَّتِي أصَاب فِيهَا الذَّنب:

أَبُو دَاوُد: حَدثنَا عبيد الله بن عمر، ثَنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن الزُّهْرِيّ، عَن ابْن كَعْب بن مَالك، عَن أَبِيه «أنه قَالَ للنَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِن من تَوْبَتِي أَن أَهجر دَار قومِي الَّتِي أصبت فِيهَا الذَّنب، وَأَن أَنْخَلِع من مَالِي كُله صَدَقَة. قَالَ: يجرئ عَنْك الثُّلُث».
حَدثنَا مُحَمَّد بن المتَوَكل، ثَنَا عبد الرَّزَّاق، أَنا معمر، عَن الزُّهْرِيّ، أَنا ابْن كَعْب بن مَالك قَالَ: كَانَ أَبُو لبَابَة... فَذكر مثله والقصة لأبي لبَابَة.
الْبَزَّار: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى، ثَنَا معَاذ بن هِشَام، حَدثنِي أبي، عَن قَتَادَة، ثَنَا أَبُو الصّديق النَّاجِي، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فِيمَن كَانَ قبلكُمْ رجل قتل تِسْعَة وَتِسْعين نفسا، فَسَأَلَ عَن أعلم أهل الأَرْض، فَدلَّ على رَاهِب، فَأَتَاهُ فَقَالَ أَنه قتل تِسْعَة وَتِسْعين نفسا، فَهَل لَهُ من تَوْبَة؟ قَالَ: لَا. فَقتله فكمل بِهِ مائَة، ثمَّ سَأَلَ عَن أعلم أهل الأَرْض، فَدلَّ على رجل رَاهِب عَالم، فَأَتَاهُ فَقَالَ أَنه قتل مائَة نفس فَهَل لَهُ من تَوْبَة؟ قَالَ: نعم، وَمن يحول بَينه وَبَين التَّوْبَة، فَانْطَلق إِلَى أَرض كَذَا وَكَذَا، فَإِن بهَا نَاسا يعْبدُونَ الله فاعبد الله مَعَهم، وَلَا ترجع إِلَى أَرْضك فَإِنَّهَا أَرض سوء. فَانْطَلق حَتَّى إِذا انتصف الطَّرِيق أَتَاهُ الْمَوْت، فاختصمت فِيهِ مَلَائِكَة الرَّحْمَة وملائكة الْعَذَاب: فَقَالَت مَلَائِكَة الرَّحْمَة: جَاءَ تَائِبًا مُقبلا بِقَلْبِه إِلَى الله. وَقَالَت مَلَائِكَة الْعَذَاب: إِنَّه لم يعْمل خيرا قطّ. فَأَتَاهُ ملك الْمَوْت فِي صُورَة آدَمِيّ، فجعلوه بَينهم فَقَالَ: قيسوا بَين الْأَرْضين فَإلَى أَيَّتهمَا كَانَ أدنى فَهُوَ لَهُ. فقاسموا فَوجدَ أدنى إِلَى الأَرْض الَّتِي أَرَادَ، فقبضته مَلَائِكَة الرَّحْمَة» قَالَ قَتَادَة: فَقَالَ الْحسن: «ذكر لنا أَنه لما أَتَاهُ الْمَوْت نأى بصدره».
قَالَ مُسلم بن الْحجَّاج فِي هَذَا الحَدِيث: «فَأَتَاهُم ملك فِي صُورَة آدَمِيّ».
وَقَالَ أَبُو بكر الْبَزَّار: «ملك الْمَوْت».

.بَاب فِي الِاجْتِهَاد:

مُسلم: حَدثنَا قُتَيْبَة، ثَنَا أَبُو عوَانَة، عَن زِيَاد بن علاقَة، عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة «أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى حَتَّى انتفخت قدماه، فَقيل لَهُ: أتكلف هَذَا وَقد غفر لَك مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر؟ قَالَ: أَفلا أكون عبدا شكُورًا».
الْبَزَّار: حَدثنَا مُحَمَّد بن عُثْمَان بن كَرَامَة، ثَنَا خَالِد بن مخلد، ثَنَا سُلَيْمَان بْن بِلَال، عَن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عَن عَطاء بن يسَار، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَقُول الله- تبَارك وَتَعَالَى-: مَا تقرب إِلَيّ عَبدِي بِشَيْء أفضل من أَدَاء مَا افترضت عَلَيْهِ، وَمَا يزَال يتَقرَّب إِلَيّ عَبدِي بالنوافل حَتَّى أحبه، فَإِذا أحببته كنت سَمعه الَّذِي يسمع بِهِ، وبصره الَّذِي يبصر بِهِ، وَيَده الَّتِي يبطش بهَا، وَلَئِن سَأَلَني لأعطينه، وَلَئِن دَعَاني لأجيبنه، وَلَئِن استعاذني لأعيذنه، وَمَا ترددت عَن شَيْء أَنا فَاعله ترددي عَن نفس الْمُؤمن يكره الْمَوْت، وأكره مساءته».
زَاد البُخَارِيّ: فِي هَذَا الحَدِيث: «وَرجله الَّتِي يمشي بهَا» وَقد تقدم حَدِيثه فِي بَاب كَلَام الرب- سُبْحَانَهُ- من كتاب الْإِيمَان.

.بَاب فِي المداومة وَالْقَصْد وَسَاعَة سَاعَة:

البُخَارِيّ: حَدثنَا آدم، ثَنَا ابْن أبي ذِئْب، عَن سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لن يُنجي أحدا مِنْكُم عمله. قَالُوا: وَلَا أَنْت يَا رَسُول الله؟ قَالَ: وَلَا أَنا إِلَّا أَن يتغمدني الله برحمته، سددوا وقربوا، واغدوا وروحوا، وَشَيْء من الدلجة وَالْقَصْد الْقَصْد تبلغوا».
البُخَارِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عرْعرة، ثَنَا شُعْبَة، عَن سعد بن إِبْرَاهِيم، عَن أبي سَلمَة، عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: «سُئِلَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَي الْأَعْمَال أحب إِلَى الله؟ قَالَ: أَدْوَمه وَإِن قل. وَقَالَ: اكلفوا من الْأَعْمَال مَا تطيقون».
البُخَارِيّ: حَدثنَا قُتَيْبَة، عَن مَالك، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: «كَانَ أحب الْعَمَل إِلَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي يَدُوم عَلَيْهِ صَاحبه».
مُسلم: حَدثنَا زُهَيْر بن حَرْب وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، قَالَ زُهَيْر: ثَنَا جرير، عَن مَنْصُور، عَن إِبْرَاهِيم، عَن عَلْقَمَة قَالَ: «سَأَلت أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة قلت: يَا أم الْمُؤمنِينَ، كَيفَ كَانَ عمل رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَل كَانَ يخص شَيْئا من الْأَيَّام؟ قَالَت: لَا، كَانَ عمله دِيمَة، وَأَيكُمْ يَسْتَطِيع مَا كَانَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَطِيع».
مُسلم: حَدثنَا يحيى بن يحيى وقطن بن نسير- وَاللَّفْظ ليحيى- قَالَ: أَنا جَعْفَر بن سُلَيْمَان، عَن سعيد بن إِيَاس الْجريرِي، عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ، عَن حَنْظَلَة الْأَسدي- وَكَانَ من كتاب رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَقِيَنِي أَبُو بكر- رَضِي الله عَنهُ- فَقَالَ: كَيفَ أَنْت يَا حَنْظَلَة؟ قَالَ: قلت: نَافق حَنْظَلَة. قَالَ: سُبْحَانَ الله مَا تَقول؟! قَالَ قلت: نَكُون عِنْد رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يذكرنَا بِالْجنَّةِ وَالنَّار كأنا رَأْي عين، فَإِذا خرجنَا من عِنْد رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عافسنا الْأزْوَاج وَالْأَوْلَاد والضيعات، نَسِينَا كثيرا. قَالَ أَبُو بكر: فوَاللَّه إِنَّا لنلقى مثل هَذَا. فَانْطَلَقت أَنا وَأَبُو بكر- رَضِي الله عَنهُ- حَتَّى دَخَلنَا على رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلت: نَافق حَنْظَلَة يَا رَسُول الله. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا ذَاك؟ قلت: يَا رَسُول الله، نَكُون عنْدك تذكرنا بالنَّار وَالْجنَّة كأنا رأى عين، فَإِذا خرجنَا من عنْدك عافسنا الْأزْوَاج وَالْأَوْلَاد والضيعات نَسِينَا كثيرا. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِن لَو تدومون على مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذّكر، لصافحتكم الْمَلَائِكَة على فرشكم وَفِي طرقكم، وَلَكِن يَا حَنْظَلَة سَاعَة وَسَاعَة- ثَلَاث مرار».
قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي هَذَا الحَدِيث: «فِي مجالسكم وَفِي طرقكم وعَلى فرشكم» رَوَاهُ عَن بشر بن هِلَال عَن جَعْفَر بن سُلَيْمَان.
مُسلم: حَدثنِي إِسْحَاق بن مَنْصُور، أَنا عبد الصَّمد قَالَ: سَمِعت أبي يحدث، ثَنَا سعيد الْجريرِي، عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ، عَن حَنْظَلَة قَالَ: «كُنَّا عِنْد رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوعظنا فَذكر النَّار، قَالَ: ثمَّ جِئْت إِلَى الْبَيْت فضاحكت الصّبيان ولاعبت الْمَرْأَة، قَالَ: فَخرجت فَلَقِيت أَبَا بكر- رَضِي الله عَنهُ- فَذكرت ذَلِك لَهُ فَقَالَ: وَأَنا قد فعلت مثل مَا تذكر، فلقينا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقلت: يَا رَسُول الله، نَافق حَنْظَلَة. فَقَالَ: مَه! فَحَدَّثته بِالْحَدِيثِ. فَقَالَ أَبُو بكر: وَأَنا قد فعلت مثل مَا فعل. فَقَالَ: يَا حَنْظَلَة، سَاعَة وَسَاعَة، وَلَو كَانَت قُلُوبكُمْ كَمَا تكون عِنْد الذّكر لصافحتكم الْمَلَائِكَة حَتَّى تسلم عَلَيْكُم فِي الطّرق».

.بَاب مَا جَاءَ فِي الرهبانية وَالتَّشْدِيد على النَّفس وفترة الْمُجْتَهد وَمَا يحذر مِنْهُ:

أَبُو دَاوُد: ثَنَا أَحْمد بن صَالح، ثَنَا ابْن وهب، أَخْبرنِي سعيد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي العمياء، أَن سهل بن أبي أُمَامَة حَدثهُ «أنه دخل هُوَ وَأَبوهُ، على أنس بن مَالك فِي زمَان عمر بن عبد الْعَزِيز وَهُوَ أَمِير الْمَدِينَة، فَإِذا هُوَ يُصَلِّي صَلَاة خَفِيفَة دقيقة كَأَنَّهَا صَلَاة مُسَافر أَو قَرِيبا مِنْهَا، فَلَمَّا سلم قَالَ: يَرْحَمك الله، أَرَأَيْت هَذِه الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة أم شَيْء تنفلته؟ قَالَ: إِنَّهَا للمكتوبة، وَإِنَّهَا لصَلَاة رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا أَخْطَأت إِلَّا شَيْئا سَهَوْت عَنهُ. قَالَ: إِن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تشددوا على أَنفسكُم؛ فيشدد عَلَيْكُم، فَإِن قوما شَدَّدُوا على أنفسهم، فَشدد عَلَيْهِم، فَتلك بقاياهم فِي الصوامع والديار، رَهْبَانِيَّة ابتدعوها مَا كتبناها عَلَيْهِم.
ثمَّ غَدا من الْغَد فَقَالَ: أَلا تركب لتنظر ولتعتبر؟ قَالَ: نعم. فَرَكبُوا جَمِيعًا فَإِذا هم بديار باد أَهلهَا وانقضوا وفنوا، خاوية على عروشها، قَالَ: أتعرف هَذِه الديار؟ فَقَالَ: مَا أعرفني بهَا وبأهلها، هَؤُلَاءِ أهلكهم الْبَغي والحسد، إِن الْحَسَد يُطْفِئ نور الْحَسَنَات، وَالْبَغي يصدق ذَلِك أَو يكذبهُ، وَالْعين تَزني والكف والقدم والجسد وَاللِّسَان، والفرج يصدق ذَلِك أَو يكذبهُ»
.
حَدثنِي الْقرشِي، ثَنَا شُرَيْح بن مُحَمَّد، ثَنَا أَبُو مُحَمَّد بن حزم، ثَنَا حَمَّاد، ثَنَا ابْن مفرج، ثَنَا ابْن الْأَعرَابِي، ثَنَا الدبرِي، عَن عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة وَعمرَة، عَن عَائِشَة قَالَت: «دخلت امْرَأَة عُثْمَان بن مَظْعُون وَهِي خَوْلَة بنت حَكِيم على عَائِشَة وَهِي باذة الْهَيْئَة، فسألتها: مَا شَأْنك؟ قَالَت: زَوجي يَقُول اللَّيْل، ويصوم النَّهَار. فَدخل النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذكرت ذَلِك لَهُ عَائِشَة، فلقي النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُثْمَان فَقَالَ: يَا عُثْمَان، إِن الرهبانية لم تكْتب علينا، أما لَك فِي أُسْوَة، فو الله إِن أخشاكم لله وأحفظكم لحدوده لأَنا».
الْبَزَّار: حَدثنَا بشر بن خَالِد العسكري، ثَنَا مُعَاوِيَة بن هِشَام، ثَنَا سُفْيَان، عَن زيد الْعمي، عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة، عَن أنس، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لكل أمة رَهْبَانِيَّة، ورهبانية هَذِه الْأمة الْجِهَاد فِي سَبِيل الله».
وَهَذَا الحَدِيث لَا نعلم أحدا أسْندهُ غير مُعَاوِيَة بن هِشَام، عَن سُفْيَان، وَغير مُعَاوِيَة يُرْسِلهُ.
أَبُو بكر بن أبي شيبَة: حَدثنَا شَبابَة بن سوار، ثَنَا شُعْبَة، عَن جَعْفَر بن إِيَاس، عَن عبد الله بن شَقِيق، عَن رَجَاء بن أبي رَجَاء قَالَ: «دخل بُرَيْدَة الْمَسْجِد ومحجن على بَاب الْمَسْجِد، فَقَالَ بُرَيْدَة- وَكَانَ فِيهِ مزاح-: يَا محجن، أَلا تصلي كَمَا صلى سكبة؟ فَقَالَ محجن: إِن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخذ بيَدي فَصَعدَ على أحد، فَأَشْرَف على الْمَدِينَة فَقَالَ: ويل أمهَا يَدعهَا أَهلهَا وَهِي أخير مَا كَانَت- أَو أعمر- يَأْتِيهَا الدَّجَّال فيجد على كل بَاب من أَبْوَابهَا ملكا مُصْلِتًا بجناحيه فَلَا يدخلهَا. ثمَّ نزل النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ آخذ بيَدي فَدخل الْمَسْجِد فَإِذا رجل يُصَلِّي فَقَالَ لي: من هَذَا؟ فأثنيت عَلَيْهِ خيرا، فَقَالَ: اسْكُتْ لَا تسمعه فتهلكه. ثمَّ أَتَى بَاب حجرَة امْرَأَة من نِسَائِهِ فنفض يَدي من يَده ثمَّ قَالَ: إِن خير دينكُمْ أيسره، إِن خير دينكُمْ أيسره- مرَّتَيْنِ».
قَالَ أَبُو بكر: وحَدثني يزِيد بن هَارُون وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، عَن عُيَيْنَة بن عبد الرَّحْمَن، عَن أَبِيه، عَن بُرَيْدَة الْأَسْلَمِيّ قَالَ: «كنت مَعَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأتى على رجل يقْرَأ، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أتراه مرائياً؟ ثمَّ قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَيْكُم هَديا قَاصِدا، فَإِنَّهُ من يشاد هَذَا الدَّين يغلبه».
الْبَزَّار: حَدثنَا أَحْمد بن إِسْحَاق الْأَهْوَازِي، ثَنَا خَلاد بن يحيى، ثَنَا أَبُو عقيل، عَن مُحَمَّد بن سوقة، عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِن هَذَا الدَّين متين فأوغل فِيهِ بِرِفْق، فَإِن المنبت لَا أَرضًا قطع وَلَا ظهرا أبقى».
وَهَذَا الحَدِيث أرْسلهُ غير أبي عقيل عَن ابْن سوقة، عَن ابْن الْمُنْكَدر.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا زيد بن أخزم الطَّائِي الْبَصْرِيّ، ثَنَا إِبْرَاهِيم بن أبي الْوَزير، ثَنَا عبد الله بن جَعْفَر المخرمي، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن نبيه، عَن مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدر، عَن جَابر قَالَ: «ذكر رجل عِنْد النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعبَادة واجتهاد، وَذكر عِنْده آخر برعة فَقَالَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تعدل بالرعة».
وَعبد الله بن جَعْفَر هُوَ من ولد الْمسور بن مخرمَة، وَهُوَ مدنِي ثِقَة عِنْد أهل الحَدِيث.
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب، لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه.
الْبَزَّار: ثَنَا يُوسُف بن مُوسَى، ثَنَا مُحَمَّد بن فُضَيْل، ثَنَا حُصَيْن بن عبد الرَّحْمَن، عَن مُجَاهِد، عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: «كنت رجلا مُجْتَهدا فَتزوّجت، فجَاء أبي إِلَى الْمَرْأَة، فَقَالَ لَهَا: كَيفَ تجدي بعلك؟ فَقَالَت: نعم الرجل من رجل مَا ينَام وَمَا يفْطر. فَوَقع بيني وَبَين أبي فَقَالَ: زَوجتك امْرَأَة من الْمُسلمين فَفعلت بهَا مَا فعلت! فَلم أبال مَا قَالَ لما أجد من الْقُوَّة، إِلَى أَن بلغ ذَلِك رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لكني أَنَام وأصلي، وَأَصُوم وَأفْطر، فَصم وصل، ونم وقم، صم من كل شهر ثَلَاثَة أَيَّام. قلت: إِنِّي أقوى من ذَلِك. قَالَ: فَصم صَوْم دَاوُد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صم يَوْمًا وَأفْطر يَوْمًا، واقرأ الْقُرْآن فِي كل شهر. فَقلت: يَا رَسُول الله، أَنا أقوى من ذَلِك. فَمَا زَالَ حَتَّى بلغ سبعا، ثمَّ قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِن لكل عمل شرة، وَلكُل شرة فَتْرَة، فَمن كَانَت فترته إِلَى سنتي فقد اهْتَدَى، وَمن كَانَت فترته إِلَى غير ذَلِك فقد هلك. فَقَالَ عبد الله بن عَمْرو لما كبر وَضعف: لِأَن أكون قبلت رخصَة رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحب إِلَيّ من أَهلِي وَمَالِي».
الْبَزَّار: حَدثنَا الْحسن بن عَرَفَة، ثَنَا هشيم، عَن حُصَيْن بن عبد الرَّحْمَن والمغيرة، عَن مُجَاهِد، عَن عبد الله بن عَمْرو، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الحَدِيث: «إِن لكل عمل شرة، وَلكُل شرة فَتْرَة، فإمَّا إِلَى سنة وَإِمَّا إِلَى بِدعَة، فَمن كَانَت فترته إِلَى سنتي فقد اهْتَدَى، وَمن كَانَت فترته إِلَى غير ذَلِك فقد هلك».
الْبَزَّار: حَدثنَا يُوسُف بن مُوسَى، ثَنَا يزِيد بن هَارُون، أَنا مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن أبي الزبير، عَن أبي الْعَبَّاس، عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: «ذكر عِنْد رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوم يجتهدون فِي الْعِبَادَة اجْتِهَادًا شَدِيدا، فَقَالَ: تِلْكَ ضراوة الْإِسْلَام، وَلكُل شرة فَتْرَة، فَمن كَانَت فترته إِلَى اقتصاد فَلَا يلام- أَو فَلَا لوم عَلَيْهِ- وَمن كَانَت فترته إِلَى الْمعاصِي فَأُولَئِك هم الهالكون».
رَوَاهُ أَبُو بكر بن أبي شيبَة، عَن يزِيد بن هَارُون بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَقَالَ: «فَمن كَانَت فترته إِلَى الاقتصاد فلأم مَا هُوَ».
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا يُوسُف بن سُلَيْمَان الْبَصْرِيّ، ثَنَا حَاتِم بن إِسْمَاعِيل، عَن ابْن عجلَان، عَن الْقَعْقَاع بن حَكِيم، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِن لكل شَيْء شرة، وَلكُل شرة فَتْرَة، فَإِن صَاحبهَا سدد وقارب فارجوه، وَإِن أُشير إِلَيْهِ بالأصابع فَلَا تعدوه».
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب من هَذَا الْوَجْه.