فصل: سورة الفاتحة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر المحيط في تفسير القرآن العظيم (نسخة منقحة)




.سورة الفاتحة:

.تفسير الآيات (1- 7):

{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)}
{بسم الله الرحمن الرحيم} باء الجر تأتي لمعان: للإلصاق، والاستعانة، والقسم، والسبب، والحال، والظرفية، والنقل. فالإلصاق: حقيقة مسحت برأسي، ومجازاً مررت بزيد. والاستعانة: ذبحت بالسكين. والسبب: {فبظلم من الذين هادوا حرمنا} والقسم: بالله لقد قام. والحال: جاء زيد بثيابه. والظرفية: زيد بالبصرة. والنقل: قمت بزيد. وتأتي زائدة للتوكيد: شربن بماء البحر. والبدل: فليت لي بهم قوماً أي بدلهم. والمقابلة: اشتريت الفرس بألف. والمجاوزة: تشقق السماء بالغمام أي عن الغمام. والاستعلاء: من أن تأمنه بقنطار. وكنى بعضهم عن الحال بالمصاحبة، وزاد فيها كونها للتعليل. وكنى عن الاستعانة بالسبب، وعن الحال، بمعنى مع، بموافقة معنى اللام. ويقال اسم بكسر همزة الوصل وضمها، وسم بكسر السين وضمها، وسمي كهدي، والبصري يقول: مادته سين وميم وواو، والكوفي يقول: واو وسين وميم، والأرجح الأول.
والاستدلال في كتب النحو: أل للعهد في شخص أو جنس، وللحضور، وللمح الصفة، وللغلبة، وموصولة. فللعهد في شخص: جاء الغلام، وفي جنس: اسقني الماء، وللحضور: خرجت فإذا الأسد، وللمح: الحارث، وللغلبة: الدبران. وزائدة لازمة، وغير لازمة، فاللازمة: كالآن، وغير اللازمة: باعد أم العمر من أسيرها، وهل هي مركبة من حرفين أم هي حرف واحد؟ وإذا كانت من حرفين، فهل الهمزة زائدة أم لا؟ مذاهب. والله علم لا يطلق إلا على المعبود بحق مرتحل غير مشتق عند الأكثرين، وقيل مشتق، ومادته قيل: لام وياء وهاء، من لاه يليه، ارتفع. قيل: ولذلك سميت الشمس إلاهه، بكسر الهمزة وفتحها، وقيل: لام وواو وهاء من لاه يلوه لوهاً، احتجب أو استتار، ووزنه إذ ذاك فعل أو فعل، وقيل: الألف زائدة ومادته همزة ولام، من أله أي فزع، قاله ابن إسحاق، أو أله تحير، قاله أبو عمر، وأله عبد، قاله النضر، أو أله سكن، قاله المبرد. وعلى هذه الأقاويل فحذفت الهمزة اعتباطاً، كما قيل في ناس أصله أناس، أو حذفت للنقل ولزم مع الإدغام، وكلا القولين شاذ. وقيل: مادته واو ولام وهاء، من وله، أي طرب، وأبدلت الهمزة فيه من الواو نحو أشاح، قاله الخليل والقناد، وهو ضعيف للزوم البدل. وقولهم في الجمع آلهة، وتكون فعالاً بمعنى مفعول، كالكتاب يراد به المكتوب. وأل في الله إذا قلنا أصله الإلاه، قالوا للغلبة، إذ الإله ينطلق على المعبود بحق وباطل، والله لا ينطلق إلا على المعبود بالحق، فصار كالنجم للثريا. وأورد عليه بأنه ليس كالنجم، لأنه بعد الحذف والنقل أو الإدغام لم يطلق على كل إله، ثم غلب على المعبود بحق، ووزنه على أن أصله فعال، فحذفت همزته عال. وإذا قلنا بالأقاويل السابقة، فأل فيه زائدة لازمة، وشذ حذفها في قولهم لاه أبوك شذوذ حذف الألف في أقبل سيل.
أقبل جاء من عند الله. وزعم بعضهم أن أل في الله من نفس الكلمة، ووصلت الهمزة لكثرة الاستعمال، وهو اختيار أبي بكر بن العربي والسهيلي، وهو خطأ، لأن وزنه إذ ذاك يكون فعالاً، وامتناع تنوينه لا موجب له، فدل على أن أل حرف داخل على الكلمة سقط لأجلها التنوين. وينفرد هذا الإسم بأحكام ذكرت في علم النحو، ومن غريب ما قيل: إن أصله لاها بالسريانية فعرب، قال:
كحلفة من أبي رياح ** يسمعها لاهه الكبار

قال أبو يزيد البلخي: هو أعجمي، فإن اليهود والنصارى يقولون لاها، وأخذت العرب هذه اللفظة وغيروها فقالوا الله. ومن غريب ما قيل في الله أنه صفة وليس اسم ذات، لأن اسم الذات يعرف به المسمى، والله تعالى لا يدرك حساً ولا بديهة، ولا تعرف ذاته باسمه، بل إنما يعرف بصفاته، فجعله اسماً للذات لا فائدة في ذلك. وكان العلم قائماً مقام الإشارة، وهي ممتنعة في حق الله تعالى، وحذفت الألف الأخيرة من الله لئلا يشكل بخط اللاه اسم الفاعل من لها يلهو، وقيل طرحت تخفيفاً، وقيل هي لغة فاستعملت في الخط.
{الرحمن}: فعلان من الرحمة، وأصل بنائه من اللازم من المبالغة وشذ من المتعدي، وأل فيه للغلبة، كهي في الصعق، فهو وصف لم يستعمل في غير الله، كما لم يستعمل اسمه في غيره، وسمعنا مناقبه، قالوا: رحمن الدنيا والآخرة، ووصف غير الله به من تعنت الملحدين، وإذا قلت الله رحمن، ففي صرفه قولان ليسند أحدهما إلى أصل عام، وهو أن أصل الإسم الصرف، والآخر إلى أصل خاص، وهو أن أصل فعلان المنع لغلبته فيه. ومن غريب ما قيل فيه إنه أعجمي بالخاء المعجمة فعرب بالحاء، قاله ثعلب.
{الرحيم}: فعيل محوّل من فاعل للمبالغة، وهو أحد الأمثلة الخمسة، وهي: فعال، وفعول، ومفعال، وفعيل، وفعل، وزاد بعضهم فعيلاً فيها: نحو سكير، ولها باب معقود في النحو، وقيل: وجاء رحيم بمعنى مرحوم، قال العملس بن عقيل:
فأما إذا عضت بك الأرض عضة ** فإنك معطوف عليك رحيم

قال علي، وابن عباس، وعلي بن الحسين، وقتادة، وأبو العالية، وعطاء، وابن جبير، ومحمد بن يحيى بن حبان، وجعفر الصادق، الفاتحة مكية، ويؤيده {ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم} والحجر مكية، بإجماع. وفي حديث أبي: إنها السبع المثاني والسبع الطوال، أنزلت بعد الحجر بمدد، ولا خلاف أن فرض الصلاة كان بمكة، وما حفظ أنه كانت في الإسلام صلاة بغير {الحمد لله رب العالمين}. وقال أبو هريرة، وعطاء بن يسار، ومجاهد، وسواد بن زياد، والزهري، وعبد الله بن عبيد بن عمير: هي مدنية، وقيل إنها مكية مدنية.
الباء في بسم الله للاستعانة، نحو كتبت بالقلم، وموضعها نصب، أي بدأت، وهو قول الكوفيين، وكذا كل فاعل بدئ في فعله بالتسمية كان مضمر إلا بدأ، وقدره الزمخشري فعلاً غير بدأت وجعله متأخراً، قال: تقديره بسم الله أقرأ أو أتلو، إذ الذي يجيء بعد التسمية مقروء، والتقديم على العامل عنده يوجب الاختصاص، وليس كما زعم.
قال سيبويه: وقد تكلم على ضربت زيداً ما نصه: وإذا قدمت الإسم فهو عربي جيد كما كان ذلك، يعني تأخيره عربياً جيداً وذلك قولك زيداً ضربت. والاهتمام والعناية هنا في التقديم والتأخير، سواء مثله في ضرب زيد عمر، أو ضرب زيداً عمر، وانتهى، وقيل موضع اسم رفع التقدير ابتدائي بأبت، أو مستقر باسم الله، وهو قول البصريين، وأي التقديرين أرجح يرجح الأول، لأن الأصل في العمل للفعل، أو الثاني لبقاء أحد جزأي الإسناد.
والإسم هو اللفظ الدال بالوضع على موجود في العيان، إن كان محسوساً، وفي الأذهان، إن كان معقولاً من غير تعرض ببنيته للزمان، ومدلوله هو المسمى، ولذلك قال سيبويه: (فالكل اسم وفعل وحرف)، والتسمية جعل ذلك اللفظ دليلاً على ذلك المعنى، فقد اتضحت المباينة بين الإسم والمسمى والتسمية. فإذا أسندت حكماً إلى اسم، فتارة يكون إسناده إليه حقيقة، نحو: زيد اسم ابنك، وتارة لا يصح الإسناد إليه إلا مجازاً، وهو أن تطلق الإسم وتريد به مدلوله وهو المسمى، نحو قوله تعالى: {تبارك اسم ربك} {وسبح اسم ربك} {وما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم} والعجب من اختلاف الناس، هل الإسم هو عين المسمى أو غيره، وقد صنف في ذلك الغزالي، وابن السيد، والسهيلي وغيرهم، وذكروا احتجاج كل من القولين، وأطالوا في ذلك. وقد تأول السهيلي، رحمه الله، قوله تعالى: {سبح اسم ربك} بأنه أقحم الإسم تنبيهاً على أن المعنى سبح ربك، واذكر ربك بقلبك ولسانك حتى لا يخلو الذكر والتسبيح من اللفظ باللسان، لأن الذكر بالقلب متعلقة المسمى المدلول عليه بالإسم، والذكر باللسان متعلقة اللفظ. وقوله تعالى: {ما تعبدون من دونه إلا أسماء} بأنها أسماء كاذبة غير واقعة على حقيقة، فكأنهم لم يعبدوا إلا الأسماء التي اخترعوها، وهذا من المجاز البديع. وحذفت الألف من بسم هنا في الخط تخفيفاً لكثرة الاستعمال، فلو كتبت باسم القاهر أو باسم القادر. فقال الكسائي والأخفش: تحذف الألف. وقال الفراء: لا تحذف إلا مع {بسم الله الرحمن الرحيم}، لأن الاستعمال إنما كثر فيه، فأما في غيره من أسماء الله تعالى فلا خلاف في ثبوت الألف.
والرحمن صفة لله عند الجماعة. وذهب الأعلم وغيره إلى أنه بدل، وزعم أن الرحمن علم، وإن كان مشتقاً من الرحمة، لكنه ليس بمنزلة الرحيم ولا الراحم، بل هو مثل الدبران، وإن كان مشتقاً من دبر صيغ للعلمية، فجاء على بناء لا يكون في النعوت، قال: ويدل على علميته ووروده غير تابع لاسم قبله، قال تعالى: {الرحمن على العرش استوى} {الرحمن علم القرآن} وإذا ثبتت العلمية امتنع النعت، فتعين البدل. قال أبو زيد السهيلي: البدل فيه عندي ممتنع، وكذلك عطف البيان، لأن الإسم الأول لا يفتقر إلى تبيين، لأنه أعرف الأعلام كلها وأبينها، ألا تراهم قالوا: وما الرحمن، ولم يقولوا: وما الله، فهو وصف يراد به الثناء، وإن كان يجري مجرى الإعلام.
{الرحمن الرحيم} قيل دلالتهما واحد نحو ندمان ونديم، وقيل معناهما مختلف، فالرحمن أكثر مبالغة، وكان القياس الترقي، كما تقول: عالم نحرير، وشجاع باسل، لكن أردف الرحمن الذي يتناول جلائل النعم وأصولها بالرحيم ليكون كالتتمة والرديف ليتناول ما دق منها ولطف، واختاره الزمخشري. وقيل الرحيم أكثر مبالغة، والذي يظهر أن جهة المبالغة مختلفة، فلذلك جمع بينهما، فلا يكون من باب التوكيد. فمبالغة فعلان مثل غضبان وسكران من حيث الامتلاء والغلبة، ومبالغة فعيل من حيث التكرار والوقوع بمحال الرحمة، ولذلك لا يتعدى فعلان، ويتعدى فعيل. تقول زيد رحيم المساكين كما تعدى فاعلاً، قالوا زيد حفيظ علمك وعلم غيرك، حكاه ابن سيده عن العرب. ومن رأى أنهما بمعنى واحد، ولم يذهب إلى توكيد أحدهما بالآخر، احتاج أنه يخص كل واحد بشيء، وإن كان أصل الموضوع عنده واحداً ليخرج بذلك عن التأكيد، فقال مجاهد: رحمن الدنيا ورحيم الآخرة. وروى ابن مسعود، وأبو سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الرحمن رحمن الدنيا والرحيم رحيم الآخرة» وإذا صح هذا التفسير وجب المصير إليه. وقال القرطبي: رحمن الآخرة ورحيم الدنيا. وقال الضحاك: لأهل السماء والأرض. وقال عكرمة: برحمة واحدة وبمائة رحمة. وقال المزني: بنعمة الدنيا والدين. وقال العزيزي: الرحمن بجميع خلقه في الأمطار، ونعم الحواس، والنعم العامة، الرحيم بالمؤمنين في الهداية لهم واللطف بهم، وقال المحاسبي: برحمة النفوس ورحمة القلوب. وقال يحيى بن معاذ: لمصالح المعاد والمعاش. وقال الصادق: خاص اللفظ بصيغة عامة في الرزق، وعام اللفظ بصيغة خاصة في مغفرة المؤمن. وقال ثعلب: الرحمن أمدح، والرحيم ألطف، وقيل: الرحمن المنعم بما لا يتصور جنسه من العباد، والرحيم المنعم بما يتصور جنسه من العباد. وقال أبو علي الفارسي: الرحمن اسم عام في جميع أنواع الرحمة، يختص به الله، والرحيم إنما هو في جهة المؤمنين، كما قال تعالى: {وكان بالمؤمنين رحيماً} ووصف الله تعالى بالرحمة مجاز عن إنعامة على عباده، ألا ترى أن الملك إذا عطف على رعيته ورق لهم، أصابهم إحسانه فتكون الرحمة إذ ذاك صفة فعل؟ وقال قوم: هي إرادة الخير لمن أراد الله تعالى به ذلك، فتكون على هذا صفة ذات، وينبني على هذا الخلاف خلاف أخر، وهو أن صفات الله تعالى الذاتية والفعلية أهي قديمة أم صفات الذات قديمة وصفات الفعل محدثة قولان؟ وأما الرحمة التي من العباد فقيل هي رقة تحدث في القلب، وقيل هي قصد الخير أو دفع الشر، لأن الإنسان قد يدفع الشر عمن لا يرق عليه، ويوصل الخير إلى من لا يرق عليه.
وفي البسملة من ضرور البلاغة نوعان:
أحدهما: الحذف، وهو ما يتعلق به الباء في بسم، وقد مر ذكره، والحذف قيل لتخفيف اللفظ، كقولهم بالرفاء والبنين، باليمن والبركة، فقلت إلى الطعام، وقوله تعالى في تسع آيات أي أعرست وهلموا واذهب، قال أبو القاسم السهيلي: وليس كما زعموا، إذ لو كان كذلك كان إظهاره وإضماره في كل ما يحذف تخفيفاً، ولكن في حذفه فائدة، وذلك أنه موطن ينبغي أن لا يقدم فيه سوى ذكر الله تعالى، فلو ذكر الفعل، وهو لا يستغني عن فاعله، لم يكن ذكر الله مقدماً، وكان في حذفه مشاكلة اللفظ للمعنى، كما تقول في الصلاة الله أكبر، ومعناه من كل شيء، ولكن يحذف ليكون اللفظ في اللسان مطابقاً لمقصود القلب، وهو أن لا يكون في القلب ذكر إلا الله عز وجل. ومن الحذف أيضاً حذف الألف في بسم الله وفي الرحمن في الخط، وذلك لكثرة الاستعمال.
النوع الثاني: التكرار في الوصف، ويكون إما لتعظيم الموصوف، أو للتأكيد، ليتقرر في النفس. وقد تعرض المفسرون في كتبهم لحكم التسمية في الصلاة، وذكروا اختلاف العلماء في ذلك، وأطالوا التفاريع في ذلك، وكذلك فعلوا في غير ما آية وموضوع، هذا كتب الفقه، وكذلك تكلم بعضهم على التعوذ، وعلى حكمه، وليس من القرآن بإجماع. ونحن في كتابنا هذا لا نتعرض لحكم شرعي، إلا إذا كان لفظ القرآن يدل على ذلك الحكم، أو يمكن استنباطه منه بوجه من وجوه الاستنباطات. واختلف في وصل الرحيم بالحمد، فقرأ قوم من الكوفيين بسكون الميم، ويقفون عليها ويبتدئون بهمزة مقطوعة، والجمهور على جر الميم ووصل الألف من الحمد. وحكى الكسائي عن بعض العرب أنه يقرأ الرحيم الحمد بفتح الميم وصلة الألف، كأنك سكنت الميم وقطعت الألف، ثم ألقيت حركتها على الميم وحذفت ولم تر، وهذه قراءة عن أحد.
{الحمد} الثناء على الجميل من نعمة أو غيرها باللسان وحده، ونقيضه الذم، وليس مقلوب مدح، خلافاً لابن الأنباري، إذ هما في التصريفات متساويان، وإذ قد يتعلق المدح بالجماد، فتمدح جوهرة ولا يقال تحمد، والحمد والشكر بمعنى واحد، أو الحمد أعم، والشكر ثناء على الله تعالى بأفعاله، والحمد ثناء بأوصافه ثلاثة أقوال، أصحها أنه أعم، فالحامد قسمان: شاكر ومثن بالصفات.
{لله} اللام: للملك وشبهه، وللتمليك وشبهه، وللاستحقاق، وللنسب، وللتعليل، وللتبليغ، وللتعجب، وللتبيين، وللصيرورة، وللظرفية بمعنى في أو عند أو بعد، وللإنتهاء، وللإستعلاء مثل: ذلك المال لزيد، أدوم لك ما تدوم لي، ووهبت لك ديناراً،
{جعل لكم من أنفسكم أزواجاً}، الجلباب للجارية، لزيد عم، {لتحكم بين الناس}، قلت لك، ولله عيناً، من رأى، من تفوق، {هيت لك} {ليكون لهم عدواً وحزناً} {القسط ليوم القيامة} كتب لخمس خلون، لدلوك الشمس، {سقناه لبلد ميت} {يخرون للأذقان}
{رب العالمين} الرب: السيد، والمالك، والثابت، والمعبود، والمصلح، وزاد بعضهم بمعنى الصاحب، مستدلاً بقوله:
فدنا له رب الكلاب بكفه ** بيض رهاف ريشهن مقزع

وبعضهم بمعنى الخالق العالم لا مفرد له، كالأنام، واشتقاقه من العلم أو العلامة، ومدلوله كل ذي روح، قاله ابن عباس، أو الناس، قاله البجلي، أو الإنس والجن والملائكة، قاله أيضاً ابن عباس، أو الإنس والجن والملائكة والشياطين، قاله أبو عبيدة والفراء، أو الثقلان، قاله ابن عطية، أو بنو آدم، قاله أبو معاذ، أو أهل الجنة والنار، قاله الصادق، أو المرتزقون، قاله عبد الرحمن بن زيد، أو كل مصنوع، قاله الحسن وقتادة، أو الروحانيون، قاله بعضهم، ونقل عن المتقدمين أعداد مختلفة في العالمين وفي مقارها، الله أعلم بالصحيح. والجمهور قرأوا بضم دال الحمد، وأتبع ابراهيم بن أبي عبلة ميمه لام الجر لضمة الدال، كما أتبع الحسن وزيد بن علي كسرة الدال لكسرة اللام، وهي أغرب، لأن فيه إتباع حركة معرب لحركة غير إعراب، والأول بالعكس. وفي قراءة الحسن احتمال أن يكون الإتباع في مرفوع أو منصوب، ويكون الإعراب إذ ذاك على التقديرين مقدراً منع من ظهوره شغل الكلمة بحركة الإتباع، كما في المحكى والمدغم. وقرأ هارون العتكي، ورؤبة، وسفيان بن عيينة الحمد بالنصب. والحمد مصدر معرف بأل، إما للعهد، أي الحمد المعروف بينكم لله، أو لتعريف الماهية، كالدينار خير من الدرهم، أي: دينار كان فهو خير من أي درهم كان، فيستلزم إذ ذاك الأحمدة كلها، أو لتعريف الجنس، فيدل على استغراق الأحمدة كلها بالمطابقة. والأصل في الحمد لا يجمع، لأنه مصدر. وحكى ابن الأعرابي: جمعه على أحمد كأنه راعى فيه جامعه اختلاف الأنواع، قال:
وأبلج محمود الثناء خصصته ** بأفضل أقوالي وأفضل أحمدي