فصل: تفسير الآية رقم (30):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر المحيط في تفسير القرآن العظيم (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (30):

{هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (30)}
هنالك ظرف مكان أي: في ذلك الموقف والمقام المقتضي للحيرة والدهش. وقيل: هو إشارة إلى الوقت، استعير ظرف المكان للزمان أي: في ذلك الوقت. وقرأ الإخوان وزيد بن علي: تتلوا بتاءين أي: تتبع وتطلب ما أسلفت من أعمالها، قاله السدي. ومنه قول الشاعر:
إن المريب يتبع المريبا ** كما رأيت الذيب يتلو الذيبا

قيل: ويصح أن يكون من التلاوة وهي القراءة أي: تقرأ كتبها التي تدفع إليها. وقرأ باقي السبعة: تبلوا بالتاء والباء أي: تختبر ما أسلفت من العمل فتعرف كيف هو أقبيح أم حسن، أنافع أم ضار، أمقبول أم مردود؟ كما يتعرف الرجل الشيء باختباره. وروي عن عاصم: نبلوا بنون وباء أي: نختبر. وكل نفس بالنصب، وما أسلفت بدل من كل نفس، أو منصوب على إسقاط الخافض أي: ما أسلفت. أو يكون نبلوا من البلاء وهو العذاب أي: نصيب كل نفس عاصية بالبلاء بسبب ما أسلفت من العمل المسيء. وعن الحسن تبلوا تتسلم. وعن الكلبي: تعلم. وقيل: تذوق. وقرأ يحيى بن وثاب: وردوا بكسر الراء، لمَّا سكن للإدغام نقل حركة الدال إلى حركة الراء بعد حذف حركتها. ومعنى إلى الله إلى عقابه. وقيل: إلى موضع جزائه مولاهم الحق، لا ما زعموه من أصنامهم، إذ هو المتولي حسابهم. فهو مولاهم في الملك والإحاطة، لا في النصر والرحمة. وقرئ الحق بالنصب على المدح نحو: الحمد لله أهل الحمد. وقال الزمخشري: كقولك هذا عبد الله الحق لا الباطل، على تأكيد قوله: ردوا إلى الله انتهى. وقال أبو عبد الله الرازي: وردوا إلى الله، جعلوا ملجأين إلى الإقرار بالإلهية بعد أن كانوا في الدنيا يعبدون غير الله، ولذلك قال: مولاهم الحق. وضل عنهم أي: بطل وذهب ما كانوا يفترونه من الكذب، أو من دعواهم أنّ أصنامهم شركاء لله شافعون لهم عنده.

.تفسير الآية رقم (31):

{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31)}
لما بين فضائح عبدة الأوثان، أتبعها بذكر الدلائل على فساد مذهبهم بما يوبخهم، ويحجهم بما لا يمكن إلا الاعتراف به من حال رزقهم وحواسهم، وإظهار القدرة الباهرة في الموت والحياة. فبدأ بما فيه قوام حياتهم وهو الرزق الذي لابد منه، فمن السماء بالمطر، ومن الأرض بالنبات. فمن لابتداء الغاية وهيئ الرزق بالعالم العلوي والعالم السفلي معالم يقتصر على جهة واحدة، تعالى توسعة منه وإحساناً. ومن ذهب إلى أنّ التقدير من أهل السماء والأرض فتكون من للتبعيض أو للبيان. ثم ذكر ملكه لهاتين الحاستين الشريفتين: السمع الذي هو سبب مدارك الأشياء، والبصر الذي يرى ملكوت السموات والأرض. ومعنى ملكهما أنه متصرف فيهما بما يشاء تعالى من إبقاء وحفظ وإذهاب. وقال الزمخشري: من يملك السمع والأبصار من يستطيع خلقهما وتسويتهما على الحد الذي سويا عليه من الفطرة العجيبة، أو من يحميهما ويعصمهما من الآفات مع كثرتها في المدد الطوال، وهما لطيفان يؤذيهما أدنى شيء بكلاءته وحفظه انتهى. ولا يظهر هذان الوجهان اللذان ذكرهما من لفظ أم من يملك السمع والأبصار. وعن عليّ كرم الله وجهه: سبحان من بصر بشحم، وأسمع بعظم، وأنطق بلحم. وأم هنا تقتضي تقدير بل دون همزة الاستفهام لقوله تعالى: {أما ذا كنتم تعملون} فلا تتقدّر ببل، فالهمزة لأنها دخلت على اسم الاستفهام، وليس إضراب إبطال به هو لانتقال من شيء إلى شيء. ونبه تعالى بالسمع والبصر على الحواس لأنهما أشرفها، ولما ذكر تعالى سبب إدامة الحياة وسبب انتفاع الحي بالحواس، ذكر إنشاءه تعالى واختراعه للحي من الميت، والميت من الحي، وذلك من باهر قدرته، وهو إخراج الضد من ضده. وتقدم تفسير ذلك ومن يدبر الأمر شامل لما تقدم من الأشياء الأربعة المذكورة ولغيرها، والأمور التي يدبرها تعالى لا نهاية لها، فلذلك جاء بالأمر الكلي بعد تفصيل بعض الأمور. واعترافهم بأنّ الرازق والمالك والمخرج والمدبر هو الله أي: لا يمكنهم إنكاره ولا المنافسة فيه. ومعنى أفلا تتقون: أفلا تخافون عقوبة الله في افترائكم وجعلكم الأصنام آلهة؟ وقيل: أفلا تتعظون فتنتهون عن ما حذرت عنه تلك الموعظة.

.تفسير الآيات (32- 33):

{فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32) كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (33)}
فذلكم إشارة إلى من اختص بالأوصاف السابقة، الحق الثابت الربوبية المستوجبة للعبادة، واعتقاد اختصاصه بالألوهية لا أصنامكم المربوبة الباطلة. وماذا استفهام معناه النفي، ولذلك دخلت إلا، وصحبه التقرير والتوبيخ، كأنه قيل: ما بعد الحق إلا الضلال، فالحق والضلال لا واسطة بينهما، إذ هما نقيضان، فمن يخطئ الحق وقع في الضلال. وماذا مبتدأ تركبت ذا مع ما فصار مجموعهما استفهاماً، كأنه قيل: أي شيء. والخبر بعد الحق، ويجوز أن يكون ذا موصولة ويكون خبر ما، كأنه قيل: الذي بعد الحق؟ وبعد صلة كذا. ولما ذكر تعالى تلك الصفات، وأشار إلى أنّ المتصف بها هو الله، وأنه مالكهم وأنه هو الحق، ثم وبخهم على اتباع الضلال بعد وضوح الحق قال تعالى: فأنى تصرفون، أي كيف يقع صرفكم بعد وضوح الحق وقيام حججه عن عبادة من يستحق العبادة، وكيف تشركون معه غيره وهو لا يشاركه في شيء من تلك الأوصاف. واستنباط كون الشطرنج ضلالاً من قوله: فماذا بعد الحق إلا الضلال، لا يكاد يظهر، لأنّ الآية إنما مساقها في الكفر والإيمان وعبادة الأصنام وعبادة الله، وليس مساقها في الأمور الفرعية التي تختلف فيها الشرائع، وتختلف فيها أقوال علماء ملتنا. وقد تعلق الجبائي بهذه الآية في الرد على المجبرة إذ يقولون: إنه تعالى يصرف الكفار عن الإيمان. قال: لو كان كذلك ما قال: أنى تصرفون. كما لو أعمى بصر أحدهم لا يقول: إني عميت. كذلك الكاف للتشبيه في موضع نصب، والإشارة بذلك قيل: إلى المصدر المفهوم من تصرفون، مثل صرفهم عن الحق بعد الإقرار به في قوله: فسيقولون الله حق العذاب عليهم أي: جازاهم مثل أفعالهم. وقيل: إشارة إلى الحق. قال الزمخشري: كذلك مثل ذلك الحق حقت كلمة ربك، أي كما حق وثبت أنّ الحق بعد الضلال، أو كما حق أنهم مصروفون عن الحق، فكذلك حقت كلمة ربك. وقال ابن عطية: كذلك أي كما كانت صفات الله كما وصف، وعبادته واجبة كما تقرر، وانصراف هؤلاء كما قدر عليهم، واكتسبوا كذلك حقت. ومعنى فسقوا: تمردوا في كفرهم وخرجوا إلى الحد الأقصى فيه، وأنهم لا يؤمنون بدل من كلمة ربك أي: حق عليهم انتفاء الإيمان. ويجوز أن يراد بالكلمة عدة العذاب، ويكون أنهم لا يؤمنون تعليلاً أي: لأنهم لا يؤمنون. ويوضح هذا الوجه قراءة ابن أبي عبلة: أنهم لا يؤمنون بالكسر، وهذا إخبار منه تعالى أنّ في الكفار من حتم الله بكفره وقضى بتخليده. وقرأ أبو جعفر وشيبة والصاحبان: كلمات على الجمع هنا وفي آخر السورة. وقرأ باقي السبعة على الافراد.

.تفسير الآية رقم (34):

{قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (34)}
لما استفهمهم عن أشياء من صفات الله تعالى واعترفوا بها، ثم أنكر عليهم صرفهم عن الحق وعبادة الله، استفهم عن شيء هو سبب العبادة: وهو إبداء الخلق، وهم يسلمون ذلك. {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله} ثم أعاد الخلق وهم منكرون ذلك، لكنه عطفه على يسلمونه ليعلم أيهما سواء بالنسبة إلى قدرة الله، وأنّ ذلك لوضوحه وقيام برهانه، قرن بما يسلمونه إذ لا يدفعه إلا مكابر، إذ هو من الواضحات التي لا يختلف في إمكانها العقلاء. وجاء الشرع بوجوبه، فوجب اعتقاده. ولما كانوا لمكابرتهم لا يقرون بذلك أمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يجيب فقال: قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده، وأبرز الجواب في جملة مبتدأة مصرح بخبرها، فعاد الخبر فيها مطابقاً لخبر اسم الاستفهام، وذلك تأكيد وتثبيت. ولما كان الاستفهام قبل هذا لا مندوحة لهم عن الاعتراف به، جاءت الجملة محذوفاً منها أحد جزءيها في قوله: فسيقولون الله، ولم يحتج إلى التأكيد بتصريح خبرها. ومعنى تؤفكون تصرفون وتقلبون عن اتباع الحق.

.تفسير الآية رقم (35):

{قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمْ مَنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35)}
لما بين تعالى عجز أصنامهم عن الإبداء والإعادة اللذين هما من أقوى أسباب القدرة وأعظم دلائل الألوهية، بين عجزهم عن هذا النوع من صفات الإله وهو الهداية إلى الحق وإلى مناهج الصواب، وقد أعقب الخلق بالهداية في القرآن في مواضع قال تعالى حكاية عن الكليم: {قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى} وقال: {الذي خلق فسوّى والذي قدّر فهدى} فاستدل بالخلق والهداية على وجود الصانع، وهما حالان للجسد والروح. ولما كانت العقول يلحقها الاضطراب والغلط، بيّن تعالى أنه لا يهديهما إلا هو بخلاف أصنامهم ومعبوداتهم، فإنه ما كان منها لا روح فيه جماد لا تأثير له، وما فيه روح فليس قادراً على الهداية، بل الله تعالى هو الذي يهديه. وهدى تتعدّى بنفسها إلى اثنين، وإلى الثاني بإلى وباللام. ويهدي إلى الحق حذف مفعوله الأول، ولا يصح أن يكون لازماً بمعنى يهتدي، لأن مقابله إنما هو متعد، وهو قوله قل: الله يهدي للحق أي يهدي من يشاء إلى الحق. وقد أنكر المبرد ما قاله الكسائي والفراء وتبعهما الزمخشري من أن يكون هدى بمعنى اهتدى، وقال: لا نعرف هذا، وأحق ليست أفعل تفضيل، بل المعنى حقيق بأن يتبع. ولما كانوا معتقدين أنّ شركاءهم تهدي إلى الحق، ولا يسلمون حصر الهداية لله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يبادر بالجواب فقال: قل الله يهدي للحق، ثم عادل في السؤال بالهمزة وأم بين من هو حقيق بالاتباع، ومن هو غير حقيق، وجاء على الأفصح الأكثر من فصل أم مما عطفت عليه بالخبر كقوله: {أذلك خير أم جنة الخلد} بخلاف قوله: {أقريب أم بعيد ما توعدون} وسيأتي القول في ترجيح الوصل هنا في موضعه إن شاء الله تعالى.
وقرأ أهل المدينة: إلا ورشا أمن لا يهدي بفتح الياء وسكون الهاء وتشديد الدال، فجمعوا بين ساكنين. قال النحاس: لا يقدر أحد أن ينطق به. وقال المبرد: من رام هذا لابد أن يحرك حركة خفيفة، وسيبويه يسمي هذا اختلاس الحركة. وقرأ أبو عمرو وقالون في رواية كذلك: إلا أنه اختلس الحركة. وقرأ ابن عامر، وابن كثير، وورش، وابن محيصن: كذلك إلا أنهم فتحوا الهاء وأصله يهتدي، فقلب حركة التاء إلى الهاء، وأدغمت التاء في الدال. وقرأ حفص، ويعقوب، والأعمش عن أبي بكر كذلك، إلا أنهم كسروا الهاء لما اضطر إلى الحركة حرّك بالكسر. قال أبو حاتم: هي لغة سفلى مضر. وقرأ أبو بكر في رواية يحيى بن آدم كذلك، إلا أنه كسر الياء. ونقل عن سيبويه أنه لا يجيز يهدي، ويجيز تهدي ونهدي وأهدى قال: لأن الكسرة في الياء تثقل.
وقرأ حمزة، والكسائي، وخلف، ويحيى بن وثاب، والأعمش: يهدي مضارع هدى. قال الزمخشري: هذه الهداية أحق بالاتباع أم الذي لا يهدي، أي لا يهتدي بنفسه أو لا يهدي غيره، إلا أنْ يهديه الله. وقيل: معناه أم من لا يهتدي من الأوثان إلى مكان فينتقل إليه، إلا أن يهدي، إلا أن ينقل أولا يهتدي، ولا يصح منه الاهتداء إلا بنقلة الله تعالى من حاله إلى أن يجعله حيواناً مطلقاً فيهديه انتهى. وتقدم إنكار المبرد ما قاله الكسائي والفراء وتبعهما الزمخشري: من أنّ هدى بمعنى اهتدى. وقال أبو علي الفارسي: وصف الأصنام بأنها لا تهتدي إلا أن تهدى، ونحن نجدها لا تهتدي وإن هديت. فوجه ذلك أنه عامل في العبادة عنها معاملتهم في وصفها بأوصاف من يعقل، وذلك مجاز وموجود في كثير من القرآن. وقال ابن عطية: والذي أقول إنّ قراءة حمزة والكسائي يحتمل أن يكون المعنى أم من لا يهدي أحداً إلا أن يهدي ذلك الأحد بهداية من عند الله، وأما على غيرها من القراءات التي مقتضاها أم مَن لا يهتدي إلا أن يهدي فيتجه المعنى على ما تقدم لأبي علي الفارسي، وفيه تجوز كثير. ويحتمل أن يكون ما ذكر الله من تسبيح الجمادات هو اهتداؤها. وقيل: تم الكلام عند قوله: أم من لا يهدي أي لا يهدي غيره، ثم قال: إلا أن يهدي استثناء منقطع، أي لكنه يحتاج إلى أن يهدي كما تقول: فلان لا يسمع غيره إلا أن يسمع، أي لكنه يحتاج إلى أن يسمع. وقيل: أم من لا يهدي في الرؤساء المضلين انتهى. ويكون استثناء متصلاً لأنه إذ ذاك يكون فيهم قابلية الهداية، بخلاف الأصنام. فما لكم استفهام معناه التعجب والإنكار أي: أي شيء لكم في اتخاذ هؤلاء الشركاء إذ كانوا عاجزين عن هداية أنفسهم، فكيف يمكن أن يهدوا غيرهم؟ كيف تحكمون استفهام آخر أي: كيف تحكمون بالباطل وتجعلون لله أنداداً وشركاء؟ وهاتان جملتان أنكر في الأولى، وتعجب من اتباعهم من لا يهدي ولا يهتدي، وأنكر في الثاني حكمهم بالباطل وتسوية الأصنام برب العالمين.

.تفسير الآية رقم (36):

{وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (36)}
الظاهر أن أكثرهم على بابه، لأن منهم من تبصر في الأصنام ورفضها كما قال:
أربّ يبول الثعلبان برأسه ** لقد هان من بالت عليه الثعالب

وقيل: المراد بأكثرهم جميعهم، والمعنى: ما يتبع أكثرهم في اعتقادهم في الله وفي صفاته إلا ظناً، ليسوا متبصرين ولا مستندين إلى برهان، إنما ذلك شيء تلقفوه من آبائهم. والظن في معرفة الله لا يغني من الحق شيئاً أي: من إدراك الحق ومعرفته على ما هو عليه، لأنه تجويز لا قطع. وقيل: وما يتبع أكثرهم في جعلهم الأصنام آلهة، واعتقادهم أنها تشفع عند الله وتقرب إليه. وقرأ عبد الله: تفعلون بالتاء على الخطاب التفاتاً والجملة تضمنت التهديد والوعيد على اتباع الظن، وتقليد الآباء. وقيل: نزلت في رؤساء اليهود وقريش.