فصل: تفسير الآية رقم (45):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر المحيط في تفسير القرآن العظيم (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (45):

{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (45)}
قرأ الأعمش وحفص: يحشرهم بالياء راجعاً الضمير غائباً عائداً على الله، إذ تقدّم {أنّ الله لا يظلم الناس شيئاً} ولما ذكر أولئك الأشقياء أتبعه بالوعيد، ووصف حالهم يوم القيامة والمعنى: كأن لم يلبثوا في الدنيا أو في القبور يعني: فقليل لبثهم، وذلك لهول ما يعاينون من شدائد القيامة، أو لطول يوم القيامة ووقوفهم للحساب. قال ابن عباس: رأوا أنّ طول أعمارهم في مقابلة الخلود كساعة. قال ابن عطية: ويوم ظرف، ونصبه يصح بفعل مضمر تقديره: واذكر. ويصح أن ينتصب بالفعل الذي يتضمنه قوله: كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار، ويصح نصبه بيتعارفون، والكاف من قوله: كأن، يصح أنْ تكون في موضع الصفة لليوم، ويصح أن تكون في موضع نعت للمصدر كأنه قال: ويوم نحشرهم حشراً كأن لم يلبثوا، ويصح أن يكون قوله: كأن لم يلبثوا في موضع الحال من الضمير في نحشرهم انتهى. أما قوله: ويصح أن ينتصب بالفعل الذي يتضمنه كأن لم يلبثوا فإنه كلام مجمل لم يبين الفعل الذي يتضمنه كأن لم يلبثوا، ولعله أراد ما قاله الحوفي: من أن الكاف في موضع نصب بما تضمنت من معنى الكلام وهو السرعة انتهى. فيكون التقدير: ويوم نحشرهم يسرعون كأن لم يلبثوا، وأما قوله: والكاف من قوله كأن، يصح أن تكون في موضع الصفة لليوم، فلا يصح لأنّ يوم نحشرهم معرفة، والجمل نكرات، ولا تنعت المعرفة بالنكرة. لا يقال: إنّ الجمل الذي يضاف إليها أسماء الزمان نكرة على الإطلاق، لأنها إن كانت في التقدير تنحل إلى معرفة، فإنّ ما أضيف إليها يتعرف وإن كانت تنحل إلى نكرة كان ما أضيف إليها نكرة، تقول: مررت في يوم قدم زيد الماضي، فتصف يوم بالمعرفة، وجئت ليلة قدم زيد المباركة علينا. وأيضاً فكأن لم يلبثوا إلا يمكن أن يكون صفة لليوم من جهة المعنى، لأنّ ذلك من وصف المحشورين لا من وصف يوم حشرهم. وقد تكلف بعضهم تقدير محذوف بربط فقدره: كأن لم يلبثوا قبله، فحذف قبله أي قبل اليوم، وحذف مثل هذا الرابط لا يجوز. فالظاهر أنها جملة حالية من مفعول نحشرهم كما قاله ابن عطية آخراً، وكذا أعربه الزمخشري وأبو البقاء.
قال الزمخشري: (فإن قلت): كأن لم يلبثوا ويتعارفون كيف موقعهما؟ (قلت): أما الأولى فحال منهم أي: نحشرهم مشبهين بمن لم يلبث إلا ساعة. وأما الثانية فإما أن تتعلق بالظرف يعني: فتكون حالاً، وإما أن تكون مبينة لقوله: كأن لم يلبثوا إلا ساعة، لأنّ التعارف يبقى مع طول العهد وينقلب تناكراً انتهى. وقال الحوفي: يتعارفون فعل مستقبل في موضع الحال من الضمير في يلبثوا وهو العامل، كأنه قال: متعارفين، المعنى: اجتمعوا متعارفين.
ويجوز أن يكون حالاً من الهاء والميم في نحشرهم وهو العامل انتهى. وأما قول ابن عطية: ويصح أن يكون في موضع نصب للمصدر، كأنه قال: ويوم نحشرهم حشراً كأن لم يلبثوا، فقد حكاه أبو البقاء فقال: وقيل هو نعت لمصدر محذوف أي حشراً كأن لم يلبثوا قبله انتهى. وقد ذكرنا أن حذف مثل هذا الرابط لا يجوز. وجوزوا في يتعارفون أن يكون حالاً على ما تقدم ذكره من الخلاف في ذي الحال والعامل فيها، وأن يكون جملة مستأنفة، أخبر تعالى أنه يقع التعارف بينهم. وقال الكلبي: يعرف بعضهم بعضاً كمعرفتهم في الدنيا إذا خرجوا من قبورهم، وهو تعارف توبيخ وافتضاح، يقول بعضهم لبعض: أنت أضللتني وأغويتني، وليس تعارف شفقة وعطف، ثم تنقطع المعرفة إذا عاينوا أهوال القيامة، كما قال تعالى: {ولا يسأل حميم حميماً يبصرونهم} وقيل: يعرف بعضهم بعضاً ما كانوا عليه من الخطأ والكفر. وقال الضحاك: تعارف تعاطف المؤمنين، والكافرون لا أنساب بينهم. وقيل: القيامة مواطن، ففي موطن يتعارفون وفي موطن لا يتعارفون، والظاهر أن قوله: قد خسر الذين إلى آخره جملة مستأنفة، أخبر تعالى بخسران المكذبين بلقائه. قال الزمخشري: هو استئناف فيه معنى التعجب، كأنه قيل: ما أخسرهم. وقال أيضاً: وابتدأ به قد خسر على إرادة القول أي: يتعارفون بينهم قائلين ذلك. قال ابن عطية: وقيل إنه إخبار المحشورين على جهة التوبيخ لأنفسهم انتهى. وهذا يحتمل أن يكون كقول الزمخشري: يتعارفون بينهم قائلين ذلك، وأن يكون كقول غيره: نحشرهم قائلين قد خسر، فاحتمل هذا المقدر أن يكون معمولاً ليتعارفون، وأن يكون معمولاً لنحشرهم، ونبه على العلة الموجبة للخسران وهو التكذيب بلقاء الله. وما كانوا مهتدين: الظاهر أنه معطوف على قوله: قد خسر، فيكون من كلام المحشورين إذا قلنا: إنّ قوله قد خسر من كلامهم، أخبروا عن أنفسهم بخسرانهم في الآخرة وبانتفاء هدايتهم في الدنيا. ويحتمل أن يكون معطوفاً على صلة الذين أي: كذبوا بلقاء الله، وانتفت هدايتهم في الدنيا. ويحتمل أن تكون الجملة كالتوكيل بجملة الصلة، لأن من كذب بلقاء الله هو غير مهتد. وقيل: وما كانوا مهتدين إلى غاية مصالح التجارة. وقيل: للإيمان. وقيل: في علم الله، بل هم ممن حتم ضلالهم وقضى به.

.تفسير الآية رقم (46):

{وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (46)}
إما هي أنْ الشرطية زيد عليها ما قال ابن عطية، ولأجلها جاز دخول النون الثقيلة. ولو كانت أن وحدها لم يجز انتهى. يعني أنّ دخول النون للتأكيد إنما يكون مع زيادة ما بعد إن، وهذا الذي ذكره مخالف لظاهر كلام سيبويه. قال ابن خروف: أجاز سيبويه الإتيان بما، وأن لا يؤتى بها، والإتيان بالنون مع ما وإن لا يؤتى بها، والإراءة هنا بصرية، ولذلك تعدى الفعل إلى اثنين، والكاف خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم. وبعض الذي نعدهم يعني: من العذاب في الدنيا. وقد أراه الله تعالى أنواعاً من عذاب الكفار في الدنيا قتلاً وأسراً ونهباً للأموال وسبياً للذراري، وضرب جزية، وتشتيت شمل بالجلاء إلى غير بلادهم، وما يحصل لهم في الآخرة أعظم، لأنه العذاب الدائم الذي لا ينقطع. والظاهر أنّ جواب الشرط هو قوله: فإلينا مرجعهم، وكذا قاله الحوفي وابن عطية. قال ابن عطية: ومعنى هذه الآية الوعيد بالرجوع إلى الله تبارك وتعالى أي: إن أريناك عقوبتهم أو لم نركها فهم على كل حال راجعون إلينا إلى الحساب والعذاب، ثم مع ذلك الله شهيد من أول تكليفهم على جميع أعمالهم. فثم هاهنا لترتيب الأخبار، لا لترتيب القصص في أنفسها. وقال الزمخشري: فإلينا مرجعهم جواب نتوفينك، وجواب نرينك محذوف، كأنه قيل: وإما نرينك بعض الذي نعدهم فذاك، أو نتوفينك قبل أن نريكه، فنحن نريك في الآخرة انتهى. فجعل الزمخشري الكلام شرطين لهما جوابان، ولا حاجة إلى تقدير جواب محذوف، لأن قوله: فإلينا مرجعهم صالح أنْ يكون جواباً للشرط والمعطوف عليه. وأيضاً فقول الزمخشري: فذاك هو اسم مفرد لا ينعقد منه جواب شرط، فكان ينبغي أن يأتي بجملة يتضح منها جواب الشرط، إذ لا يفهم من قوله فذاك الجزء الذي حذف المتحصل به فائدة الإسناد. وقرأ ابن أبي عبلة: ثم الله بفتح الثاء أي: هنالك. ومعنى شهادة الله على ما يفعلون مقتضاها ونتيجتها وهو العقاب، كأنه قال: ثم الله معاقبهم، وإلا فهو تعالى شهيد على أفعالهم في الدنيا والآخرة. ويجوز أن يكون المعنى أنه تعالى مؤد شهادته على أفعالهم يوم القيامة حتى تنطق جلودهم وألسنتهم وأيديهم وأرجلهم شاهدة عليهم.

.تفسير الآية رقم (47):

{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (47)}
لما بين حال الرسول صلى الله عليه وسلم في قومه بين حال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مع أقوامهم، تسلية له وتطميناً لقلبه. ودلت الآية على أنه تعالى ما أهمل أمة، بل بعث إليها رسولاً كما قال تعالى: {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير} وقوله: فإذا جاء رسولهم، إما أن كون إخباراً عن حالة ماضية فيكون ذلك في الدنيا، ويكون المعنى: أنه بعث إلى كل أمة رسولاً يدعوهم إلى دين الله وينبئهم على توحيده، فلما جاءهم بالبينات كذبوه، فقضى بينهم أي: بين الرسول وأمته، فأنجى الرسول وعذب المكذبون. وإما أن يكون على حالة مستقبلة أي: فإذا جاءهم رسولهم يوم القيامة للشهادة عليهم قضى بينهم، أي: بين الأمة بالعدل، فصار قوم إلى الجنة وقوم إلى النار، فهذا هو القضاء بينهم قاله: مجاهد وغيره. ويكون كقوله تعالى: {وجيء بالنبيين والشهداء وقضى بينهم}

.تفسير الآية رقم (48):

{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48)}
الضمير في ويقولون، عائد على مشركي قريش ومن تابعهم من منكري الشحر، استعجلوا بما وعدوا به من العذاب على سبيل الاستبعاد، أو على سبيل الاستخفاف، ولذلك قالوا: إن كنتم صادقين أي: لستم صادقين فيما وعدتم به فلا يقع شيء منه. وقولهم: هذا يشهد للقول الأول في الآية قبلها، وأنها حكاية حال ماضية. وأنّ معنى ذلك: فإذا جاءهم الرسول وكذبوه قضى بينهم في الدنيا، وأنّ كل رسول وعد أمته بالعذاب في الدنيا وإن هي كذبت.

.تفسير الآية رقم (49):

{قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (49)}
لما التمسوا تعجيل العذاب أو تعجيل الساعة، أمره عليه السلام أن يقول لهم: ليس ذلك إليّ، بل ذلك إلى الله تعالى. وإذا كنت لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً فكيف أملكه لغيري؟ أو كيف أطلع على ما لم يطلعني عليه الله؟ ولكن لكل أمة أجل انفرد بعلمه تعالى. وتقدم الكلام على نظير قوله لكل أمة أجل إلى آخر الآية في الأعراف. وقرأ ابن سيرين: آجالهم على الجمع. وإلا ما شاء الله ظاهره أنه استثناء متصل، إلا ما شاء الله أنْ أملكه وأقدر عليه. وقال الزمخشري: هو استثناء منقطع أي: ولكن ما شاء الله من ذلك كائن، فكيف أملك لكم الضرر وجلب العذاب. ولكل أمة أجل أي: إنّ عذابكم له أجل مضروب عند الله.

.تفسير الآيات (50- 51):

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (50) أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آَمَنْتُمْ بِهِ آَلْآَنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (51)}
تقدّم الكلام في أرأيتم في سورة الأنعام وقررنا هناك أن العرب تضمن أرأيت معنى أخبرني، وأنها تتعدى إذ ذاك إلى مفعولين، وأن المفعول الثاني أكثر ما يكون جملة استفهام ينعقد منها مع قبلها مبتدأ وخبر كقول العرب: أرأيت زيداً ما صنع؟ المعنى: أخبرني عن زيد ما صنع. وقبل دخول أرأيت كان الكلام: زيد ما صنع؟ وإذا تقرر هذا فأرأيتم هنا المفعول الأول لها محذوف، والمسألة من باب الإعمال تنازع. أرأيت وإن أتاكم على قوله: عذابه، فأعمل الثاني إذ هو المختار على مذهب البصريين، وهو الذي ورد به السماع أكثر من إعمال الأول. فلما أعمل الثاني حذف من الأول ولم يضمر، لأنّ إضماره مختص بالشعر، أو قليل في الكلام على اختلاف النحويين في ذلك. والمعنى: قل لهم يا محمد أخبروني عن عذاب الله إن أتاكم أي شيء تستعجلون منه، وليس شيء من العذاب يستعجله عاقل، إذ العذاب كله مرّ المذاق موجب لنفار الطبع منه، فتكون جملة الاستفهام جاءت على سبيل التلطف بهم، والتنبيه لهم أن العذاب لا ينبغي أن يستعجل. ويجوز أن تكون الجملة جاءت على سبيل التعجب والتهويل للعذاب أي: أي شيء شديد تستعجلون منه، أي: ما أشدّ وأهول ما تستعجلون من العذاب. وقال الحوفي: الرؤية من رؤية القلب التي بمعنى العلم، لأنها داخلة على الجملة من الاستفهام ومعناها التقرير. وجواب الشرط محذوف، وتقدير الكلام: أرأيتم ما يستعجل من العذاب المجرمون إن أتاكم عذابه انتهى. فظاهر كلام الحوفي: أن أرأيتم باقية على موضوعها الأول لم تضمن معنى أخبروني، وأنها بمعنى أعلمتم، وأن جملة الاستفهام سدت مسد المفعولين، وأنه استفهام معناه التقرير، ولم يبين الحوفي ما يفيد جواب الشرط المحذوف.
وقال الزمخشري: (فإن قلت): بم يتعلق الاستفهام؟ وأين جواب الشرط؟ (قلت): تعلق بأرأيتم، لأن المعنى أخبروني ماذا يستعجل منه المجرمون، وجواب الشرط محذوف: وهو تندموا على الاستعجال وتعرفوا الخطأ فيه انتهى. وما قدره الزمخشري غير سائغ، لأنه لا يقدر الجواب إلا مما تقدمه لفظاً أو تقديراً تقول: أنت ظالم إن فعلت، فالتقدير إن فعلت فأنت ظالم. وكذلك وإنا إن شاء الله لمهتدون التقدير: إن شاء الله نهتد. فالذي يسوغ أن يقدر إنْ أتاكم عذابه فأخبروني ماذا يستعجل.
وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون ماذا يستعجل منه المجرمون اعتراضاً والمعنى: إن أتاكم عذابه آمنتم به بعد وقوعه حين لا ينفعكم الإيمان؟ انتهى. أما تجويزه أن يكون ماذا جواباً للشرط فلا يصح، لأنّ جواب الشرط إذا كان استفهاماً فلابد فيه من الفاء، تقول: إنْ زارنا فلان فأي رجل هو، وإن زارنا فلان فأي يد له بذلك، ولا يجوز حذفها إلا إن كان في ضرورة، والمثال الذي ذكره وهو: إن أتيتك ماذا تطعمني؟ هو من تمثيله، لا من كلام العرب.
وأما قوله: ثم تتعلق الجملة بأرأيتم، إن عني بالجملة ماذا يستعجل فلا يصح ذلك لأنه قد جعلها جواباً للشرط، وإن عني بالجملة جملة الشرط فقد فسر هو أرأيتم بمعنى أخبرني، وأخبرني تطلب متعلقاً مفعولاً، ولا تقع جملة الشرط موقع مفعول أخبرني. وأما تجويزه أن يكون أثم إذا ما وقع آمنتم به جواب الشرط، وماذا يستعجل منه المجرمون اعتراضاً فلا يصح أيضاً، لما ذكرناه من أنّ جملة الاستفهام لا تقع جواباً للشرط إلا ومعها فاء الجواب. وأيضاً فثم هنا وهي حرف عطف، تعطف الجملة التي بعدها على ما قبلها، فالجملة الاستفهامية معطوفة، وإذا كانت معطوفة لم يصح أن تقع جواب شرط. وأيضاً فأرأيتم بمعنى أخبرني تحتاج إلى مفعول، ولا تقع جملة الشرط موقعه.
وتقدم الكلام في قوله: {بياتاً} في الأعراف مدلولاً وإعراباً. والمعنى إن أتاكم عذابه وأنتم ساهون غافلون، مما بنوم وإما باشتغال بالمعاش والكسب، وهو نظير قوله: {بغتة} لأن العذاب إذا فاجأ من غير شعور به كان أشد وأصعب، بخلاف أن يكون قد استعد له وتهيئ لحلوله، وهذا كقوله تعالى: بياتاً وهم نائمون ضحى وهم يلعبون. ويجوز في ماذا أن يكون ما مبتدأ وذا خبره، وهو بمعنى الذي، ويستعجل صلته، وحذف الضمير العائد على الموصول التقدير أي: شيء يستعجله من العذاب المجرمون. ويجوز في ماذا أن يكون كله مفعولاً كأنه قيل: أي شيء يستعجله من العذاب المجرمون. وقد جوز بعضهم أن يكون ماذا كله مبتدأ، وخبره الجملة بعده. وضعفه أبو عليّ لخلوّ الجملة من ضمير يعود على المبتدأ. والظاهر عود الضمير في منه على العذاب، وبه يحصل الربط لجملة الاستفهام بمفعول أرأيتم المحذوف الذي هو مبتدأ في الأصل. وقيل: يعود على الله تعالى. والمجرمون هم المخاطبون في قوله: أرأيتم إن أتاكم. ونبه على الوصف الموجب لترك الاستعجال وهو الإجرام، لأنّ من حق المجرم أنْ يخاف التعذيب على إجرامه، ويهلك فزعاً من مجيئه وإن أبطأ، فكيف يستعجله؟ وثم حرف عطف وتقدمت همزة الاستفهام عليها كما تقدمت على الواو والفاء في: {أفلم يسيروا} وفي {أولم يسيروا} وتقدم الكلام على ذلك. وخلاف الزمخشري للجماعة في دعواه أنّ بين الهمزة وحرف العطف جملة محذوفة عطفت عليها الجملة التي بعد حرف العطف. وقال الطبري في قوله: أثم بضم الثاء، أنّ معناه أهنالك قال: وليست ثم هذه التي تأتي بمعنى العطف انتهى. وما قاله الطبري من أنّ ثم هنا ليست للعطف دعوى، وأما قوله: إن المعنى أهنالك، فالذي يبنغي أن يكون ذلك تفسير معنى، لا أنْ ثم المضمومة الثاء معناها معنى هنالك.
وقرأ طلحة بن مصرّف: أثم بفتح الثاء، وهذا يناسبه تفسير الطبري أهنالك.
وقرأ الجمهور آلآن على الاستفهام بالمد، وكذا آلآن وقد عصيت. وقرأ طلحة والأعرج: بهمزة الاستفهام بغير مد، وهو على إضمار القول أي: قيل لهم إذا آمنوا بعد وقوع العذاب آلآن آمنتم به، فالناصب لقوله: الآن هو آمنتم به، وهو محذوف. قيل: تقول لهم ذلك الملائكة. وقيل: الله، والاستفهام على طريق التوبيخ. وفي كتاب اللوامح عيسى البصري وطلحة: آمنتم به الآن بوصل الهمزة من غير استفهام، بل على الخبر، فيكون نصبه على الظرف من آمنتم به المذكور. وأما في العامة فنصبه بفعل مضمر يدل عليه آمنتم به المذكور، لأن الاستفهام قد أخذ صدر الكلام، فيمنع ما قبله أن يعمل فيما بعده انتهى. وقد كنتم جملة حالية. قال الزمخشري: وقد كنتم به تستعجلون يعني تكذبون، لأن استعجالكم كان على جهة التكذيب والإنكار. وقال ابن عطية: تستعجلون مكذبين به.