فصل: تفسير الآية رقم (59):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر المحيط في تفسير القرآن العظيم (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (59):

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آَللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59)}
مناسبة هذه الآية لما قبلها هي أنه لما ذكر تعالى: {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم} وكان المراد بذلك كتاب الله المشتمل على التحليل والتحريم، بيّن فساد شرائعهم وأحكامهم من الحلال والحرام من غير مستند في ذلك إلى وحْي. وأرأيتم هنا بمعنى أخبروني. وجوزوا في ما أنزل أن تكون موصولة مفعولاً أولا لأرأيتم، والعائد عليها محذوف، والمفعول الثاني قوله: آلله أذن لكم، والعائد على المبتدأ من الخبر محذوف تقديره: آلله أذن لكم فيه، وكرر قلْ قبل الخبر على سبيل التوكيد. وأن تكون ما استفهامية منصوبة بأنزل قاله: الحوفي والزمخشري. وقيل: ما استفهامية مبتدأة، والضمير من الخبر محذوف تقديره: آلله أذن لكم فيه أو به، وهذا ضعيف لحذف هذا العائد. وجعل ما موصولة هو الوجه، لأن فيه إبقاء. أرأيت على بابها من كونها تتعدى إلى الأول فتؤثر فيه، بخلاف جعلها استفهامية، فإنْ أرأيت إذ ذاك تكون معلقة، ويكون ما قد سدّت مسد المفعولين، والظاهر أنّ أم متصلة والمعنى: أخبروني آلله إذن لكم في التحليل والتحريم، فأنتم تفعلون ذلك بأذنه أم تكذبون على الله في نسبة ذلك إليه؟ فنبه بتوقيفهم على أحد القسمين، وهم لا يمكنهم ادعاء إذن الله في ذلك فثبت افتراؤهم. وقال الزمخشري: ويجوز أن تكون الهمزة للإنكار، وأم منقطعة بمعنى بل، أتفترون على الله تقريراً للافتراء انتهى، وأنزل هنا قيل معناه: خلق كقوله: {وأنزلنا الحديد} {وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج} وقيل: أنزل على بابها وهو على حذف مضاف أي: من سبب رزق وهو المطر. وقال ابن عطية: أنزل لفظة فيها تجوز، وإنزال الرزق إما أن يكون في ضمن إنزال المطر بالمآل، ونزول الأمر به الذي هو ظهور الأثر في المخلوق منه المخترع والمجعول حراماً وحلالاً. قال مجاهد: هو ما حكموا به من تحريم البحيرة والسائبة والوصيلة والحام. وقال الضحاك: هو إشارة إلى قوله: {وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً}

.تفسير الآية رقم (60):

{وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (60)}
ما استفهامية مبتدأة خبرها ظن، والمعنى: أي شي ظن المفترين يوم القيامة، أبهم الأمر على سبيل التهديد، والإبعاد يوم يكون الجزاء بالإحسان والإساءة. ويوم منصوب بظن، ومعمول الظن قيل: تقدير ما ظنهم أّن الله فاعل بهم، أينجيهم أم يعذبهم. وقرأ عيسى بن عمر: ما ظن جعله فعلاً ماضياً أي أي ظن الذين يفترون، فما في موضع نصب على المصدر، وما الاستفهامية قد تنوب عن المصدر تقول: ما تضرب زيداً تريد أي: ضرب تضرب زيداً.
وقال الشاعر:
ماذا يغير ابنتي ريع عويلهما ** لا يرقدان ولا بؤسي لمن رقدا

وجيء بلفظ ظنّ ماضياً لأنه كائن لا محالة فكأن قد كان، والأولى أن يكون ظن في معنى يظن، لكونه عاملاً في يوم القيامة. وهو ظرف مستقبل، وفضله تعالى على الناس حيث أنعم عليهم ورحمهم، فأرسل إليهم الرسل، وفصل لهم الحلال والحرام، وأكثرهم لا يشكر هذه النعمة.

.تفسير الآية رقم (61):

{وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآَنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (61)}
مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما ذكر جملة من أحوال الكفار ومذاهبهم والرد عليهم، ومحاورة الرسول صلى الله عليه وسلم لهم، وذكر فضله تعالى على الناس وأن أكثرهم لا يشكره على فضله، ذكر تعالى اطلاعه على أحوالهم وحال الرسول معهم في مجاهدته لهم، وتلاوة القرآن عليهم، وأنه تعالى عالم بجميع أعمالهم، واستطرد من ذلك إلى ذكر أولياء الله تعالى، ليظهر التفاوت بين الفريقين فريق الشيطان وفريق الرحمن. والخطاب في قوله تعالى: وما تكون في شأن، وما تتلوا للرسول صلى الله عليه وسلم وهو عام بجميع شؤونه عليه السلام. وما تتلوا مندرج تحت عموم شأن، واندرج من حيث المعنى في الخطاب كل ذي شأن. وما في الجملتين نافية، والضمير في منه عائد على شأن، ومن قرآن تفسير للضمير، وخص من العموم لأنّ القرآن هو أعظم شؤونه عليه السلام. وقيل: يعود على التنزيل، وفسر بالقرآن لأنّ كل جزء منه قرآن، وأضمر قبل الذكر على سبيل التفخيم له. وقيل: يعود على الله تعالى أي: وما تتلوا من عند الله من قرآن. والخطاب في قوله: ولا تعملون عام، وكذا إلا كنا عليكم شهوداً. وولى إلا هنا الفعل غير مصحوب بقد، لأنه قد تقدم الأفعل. والجملة بعد إلا حال وشهوداً رقباء نحصي عليكم، وإذ معمولة لقوله: شهوداً. ولما كانت الأفعال السابقة المراد بها الحالة الدائمة وتنسحب على الأفعال الماضية كان الظرف ماضياً، وكان المعنى: وما كنت في شأن وما تلوت من قرآن ولا عملتم من عمل إلا كنا عليكم شهوداً إذ أفضتم فيه. وإذ تخلص المضارع لمعنى الماضي، ولما كان قوله: إلا كنا عليكم شهوداً فيه تحذير وتنبيه عدل عن خطابه صلى الله عليه وسلم إلى خطاب أمته بقوله: ولا تعملون من عمل، وإن كان الله شهيداً على أعمال الخلق كلهم. وتفيضون: تخوضون، أو تنشرون، أو تدفعون، أو تنهضون، أو تأخذون، أو تنقلون، أو تتكلمون، أو تسعون، أقوال متقاربة ثم واجهه تعالى بالخطاب وحده في قوله: وما يعزب عن ربك، تشريفاً له وتعظيماً. ولما ذكر شهادته تعالى على أعمال الخلق ناسب تقديم الأرض الذي هي محل المخاطبين على السماء، بخلاف ما في سورة سبأ، وإن كان الأكثر تقديمها على الأرض.
وقرأ ابن وثاب، والأعمش، وابن مصرف، والكسائي، يعزب بكسر الزاي، وكذا في سبأ. والمثقال اسم لا صفة، ومعناه هنا وزن ذرة. والذر صغار النمل، ولما كانت الذرة أصغر الحيوان المتناسل المشهور النوع عندنا جعلها الله مثالاً لأقل الأشياء وأحقرها، إذ هي أحقر ما نشاهد. ثم قال: ولا أصغر من ذلك أي: من مثقال ذرة. ولما ذكر تعالى أنه لا يغيب عن علمه أدق الأشياء التي نشاهدها، ناسب تقديم ولا أصغر من ذلك، ثم أتى بقوله: ولا أكبر، على سبيل إحاطة علمه بجميع الأشياء.
ومعلوم أنّ من علم أدق الأشياء وأخفاها كان علمه متعلقاً بأكبر الأشياء وأظهرها. وقرأ الجمهور: ولا أصغر من ذلك ولا أكبر بفتح الراء فيهما، ووجه على أنه عطف على ذرة أو على مثقال على اللفظ. وقرأ حمزة وحده: برفع الراء فيهما، ووجه على أنه عطف على موضع مثقال لأن من زائدة فهو مرفوع بيعزب، هكذا وجهه الحوفي وابن عطية وأبو البقاء. وقال الزمخشري تابعاً لاختيار الزجاج: والوجه النصب على نفي الجنس، والرفع على الابتداء، يكون كلاماً مبتدأ. وفي العطف عل محل مثقال ذرة أو لفظه فتحاً في موضع الجر أشكال، لأنّ قولك: لا يعزب عنه شيء إلا في كتاب مشكل انتهى. وإنما أشكل عنده، لأنّ التقدير يصير إلا في كتاب فيعزب، وهذا كلام لا يصح. وخرجه أبو البقاء على أنه استثناء منقطع تقديره: لكن هو في كتاب مبين، ويزول بهذا التقدير الإشكال. وقال أبو عبد الله الرازي: أجاب بعض المحققين من وجهين: أحدهما: أنّ الاستثناء منقطع، والآخر أنّ العزوب عبارة عن مطلق البعد، والمخلوقات قسم أوجده الله ابتداء من غير واسطة كالملائكة والسموات والأرض، وقسم أوجده بواسطة القسم الأول مثل الحوادث الحادثة في عالم الكون والفساد، وهذا قد يتباعد في سلسلة العلية والمملوكية عن مرتبة وجود واجب الوجود، فالمعنى: لا يبعد عن مرتبة وجوده مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء إلا وهو في كتاب مبين، كتبه الله، وأثبت صور تلك المعلومات فيها انتهى، وفيه بعض تلخيص. وقال الجرجاني صاحب النظم: إلا بمعنى الواو أي: وهو في كتاب مبين. والعرب تضع إلاّ موضع واو النسق كقوله: {إلا من ظلم} {إلا الذين ظلموا منهم} انتهى. وهذا قول ضعيف لم يثبت من لسان العرب وضع إلا موضع الواو، وتقدم الكلام على قوله: {إلا الذين ظلموا منهم} وسيأتي على قوله: إلا من ظلم إن شاء الله تعالى.

.تفسير الآيات (62- 64):

{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)}
أولياء الله هم الذين يتولونه بالطاعة ويتولاهم بالكرامة. وقد فسر ذلك في قوله: {الذين آمنوا وكانوا يتقون} وعن سعيد بن جبير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أولياء الله فقال: «هم الذين يذكرون الله برؤيتهم» يعني السمت والهيئة ابن عباس: الإخبات والسكينة. وقيل: هم المتحابون في الله. قال ابن عطية: وهذه الآية يعطي ظاهرها أن من آمن واتقى فهو داخل في أولياء الله، وهذا هو الذي تقتضيه الشريعة في الولي، وإنما نبهنا هذا التنبيه حذراً من مذهب الصوفية وبعض الملحدين في الولي انتهى. وإنما قال: حذرا من مذهب الصوفية، لأن بعضهم نقل عنه أنّ الولي أفضل من النبي، وهذا لا يكاد يخطر في قلب مسلم. ولابن العربي الطائي كلام في الولي وفي غيره نعوذ بالله منه. وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ من عباد الله عباداً ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء بمكانهم من الله» قالوا: يا رسول الله ومن هم؟ قال: «قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام ولا أموال يتعاطونها، فوالله إنّ وجوههم لتنور، وإنهم لعلى منابر من نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس، ثم قرأ: {ألا إن أولياء الله} الآية».
وتقدم تفسير لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. والذين يحتمل أن يكون منصوباً على الصفة قاله الزمخشري، أو على البدل قاله ابن عطية، أو بإضمار أمدح، ومرفوعاً على إضمارهم، أو على الابتداء، والخبر لهم البشرى. وأجاز الكوفيون رفعه على موضع أولياء نعتاً، أو بدلاً، وأجيز فيه الخبر بدلاً من ضمير عليهم. وفي قوله: وكانوا يتقون، إشعار بمصاحبتهم للتقوى مدة حياتهم، فحالهم في المستقبل كحالهم في الماضي. وبشراهم في الحياة الدنيا تظاهرت الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنها الرؤيا الصالحة يراها المؤمن» أو «ترى له» فسرها بذلك وقد سئل. وعنه في صحيح مسلم: «لم يبق من المبشرات إلا الرؤيا الصالحة» وقال قتادة والضحاك: هي ما يبشر به المؤمن عند موته وهو حي عند المعاينة. وقيل: هي محبة الناس له، والذكر الحسن. وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يعمل العمل لله ويحبه الناس: فقال: «تلك عاجل بشرى المؤمن» وعن عطاء: لهم البشرى عند الموت تأتيهم الملائكة بالرحمة. قال تعالى: {تتنزل عليهم الملائكة} الآية قال ابن عطية: ويصح أن تكون بشرى الدنيا في القرآن من الآيات المبشرات، ويقوي ذلك قوله في هذه الآية: لا تبديل لكلمات الله، وإن كان ذلك كله يعارضه قول النبي صلى الله عليه وسلم:
«هي الرؤيا» إلا إن قلنا: إنّ النبي صلى الله عليه وسلم أعطى مثالاً من البشرى وهي تعم جميع البشر. وبشراهم في الآخرة تلقى الملائكة إياهم مسلمين مبشرين بالنور والكرامة، وما يرون من بياض وجوههم، وإعطاء الصحف بأيمانهم، وما يقرأون منها، وغير ذلك من البشارات. لا تبديل لكلمات الله، لا تغيير لأقواله، ولا خلف في مواعيده كقوله: {ما بيدّل القول لديّ} والظاهر أنّ ذلك إشارة إلى التبشير والبشرى في معناه. قال الزمخشري: وذلك إشارة إلى كونهم مبشرين في الدارين. وقال ابن عطية: إشارة إلى النعيم الذي وقعت به البشرى.

.تفسير الآيات (65- 66):

{وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (65) أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (66)}
إما أن يكون قولهم أريد به بعض أفراده وهو التكذيب والتهديد وما يتشاورون به في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، فيكون من إطلاق العام وأريد به الخاص. وإما أن يكون مما حذفت منه الصفة المخصصة أي: قولهم الدال على تكذيبك ومعاندتك، ثم استأنف بقوله: إنّ العزة لله جميعاً أي: لا عزة لهم ولا منعة، فهم لا يقدرون لك على شيء ولا يؤذونك، إن الغلبة والقهر لله، وهو القادر على الانتقام منهم، فلا يعازه شيء ولا يغالبه. وكأنّ قائلاً قال: لم لا يحزنه قولهم وهو مما يحزن؟ فقيل: إنّ العزة لله جميعاً، ليس لهم منها شيء. وقرأ أبو حيوة: أنّ العزة بفتح الهمزة وليس معمولاً لقولهم: لأن ذلك لا يحزن الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ هو قول حق. وخرجت هذه القراءة على التعليل أي: لا يقع منك حزن لما يقولون، لأجل أنّ العزة لله جميعاً. ووجهت أيضاً على أن يكون إنّ العزة بدل من قولهم ولا يظهر هذا التوجيه.
قال الزمخشري: ومن جعله بدلاً من قولهم ثم أنكره، فالمنكر هو تخريجه لا ما أنكره من القرآن. وقال القاضي: فتحها شاذ يقارب الكفر، وإذا كسرت كان استئنافاً، وهذا يدل على فضيلة علم الإعراب. وقال ابن قتيبة: لا يجوز فتح إن في هذا الموضع وهو كفر وغلو، وإنما قال القاضي وابن قتيبة بناء منهما على أن معمولة لقولهم، وقد ذكرنا توجيه ذلك على التعليل وهو توجيه صحيح. هو السميع لما يقولون، العليم لما يريدون.
وفي هذه الآية تأمين للرسول صلى الله عليه وسلم من اضرار الكفار، وأن الله تعالى يديله عليهم وينصره. {كتب الله لأغلبن أنا ورسلي} {إنا لننصر رسلنا} وقال الأصم: كانوا يتعززون بكثرة خدمهم وأموالهم، فأخبر أنه قادر على أن يسلب منهم ملك الأشياء، وأن ينصرك وينقل إليك أموالهم وديارهم انتهى. ولا تضاد بين قوله: إن العزة لله جميعاً، وقوله: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} لأن عزتهم إنما هي بالله، فهي كلها لله. {ألا إن لله من في السموات ومن في الأرض وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون}.
المناسبة ظاهرة في هذه الآية لما ذكرأن العزة له تعالى وهي القهر والغلبة، ذكر ما يناسب القهر وهو كون المخلوقات ملكاً له تعالى، ومن الأصل فيها أن تكون للعقلاء، وهنا هي شاملة لهم ولغيرهم على حكم التغليب، وحيث جيء بما كان تغليباً للكثرة إذ أكثر المخلوقات لا تعقل. وقال الزمخشري: يعني العقلاء المميزين وهم الملائكة والثقلان، وإنما خصهم ليؤذن أنّ هؤلاء إذا كانوا له في ملكه فهم عبيد كلهم، لا يصلح أحد منهم للربوبية، ولا أن يكون شريكاً فيها، فما دونهم مما لا يعقل أحق أن لا يكون نداً وشريكاً.
ويدل على أنّ من اتخذ غيره رباً من ملك أو إنسي فضلا عن صنم أو غير ذلك، فهو مبطل تابع لما أدّى إليه التقليد وترك النظر. والظاهر أنّ ما نافية، وشركاء مفعول يتبع، ومفعول يدعون محذوف لفهم المعنى تقديره: آلهة أو شركاء أي: أنّ الذين جعلوهم آلهة وأشركوهم مع الله في الربوبية ليسوا شركاء حقيقة، إذ الشركة في الألوهية مستحيلة، وإن كانوا قد أطلقوا عليهم اسم الشركاء. وجوزوا أن تكون ما استفهامية في موضع نصب بيتبع، وشركاء منصوب بيدعون أي: وأي شيء يتبع على تحقير المتبع، كأنه قيل: من يدعو شريكاً لله لا يتبع شيئاً. وأجاز الزمخشري أن تكون ما موصولة عطفاً على من، والعائد محذوف أي: والذي يتبعه الذين يدعون من دون الله شركاء أي: وله شركاؤهم. وأجاز غيره أن تكون ما موصولة في موضع رفع على الابتداء، والخبر محذوف تقديره: والذي يتبعه المشركون باطل. وقرأ السلمي: تدعون بالتاء على الخطاب. قال ابن عطية: وهي قراءة غير متجهة. وقال الزمخشري: وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه تدعون بالتاء، ووجهه أن يحمل وما يتبع على الاستفهام أي: وأي شيء يتبع الذين تدعونهم شركاء من الملائكة والنبيين، يعني: أنهم يبتعون الله تعالى ويطيعونه، فما لكم لا تفعلون فعلهم كقوله تعالى: {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة} انتهى. وأنّ نافية أي: ما يتبعون إلا ظنهم أنهم شركاء. ويخرصون: يقدرون. ومن قرأ تدعون بالتاء كان قوله: إن يتبعون التفاتاً، إذ هو خروج من خطاب إلى غيبة.