فصل: تفسير الآيات (41- 43):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر المحيط في تفسير القرآن العظيم (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (41- 43):

{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41) وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43)}
الضمير في أو لم يروا عائد على الذين وعدوا، وفي ذلك اتعاظ لمن اتعظ، نبهوا على أنْ ينظروا بعض الأرض من أطرافها. ونأتي يعني بالأمر والقدرة كقوله: {فأتى الله بنيانهم} والأرض أرض الكفار المذكورين، ويعني بنقصها من أطرافها للمسلمين: من جوانبها. كان المسلمون يغزون من حوالى أرض الكفار مما يلي المدينة، ويغلبون على جوانب أرض مكة، والأطراف: الجوانب. وقيل: الطرف من كل شيء خياره، ومنه قول علي بن أبي طالب: العلوم أودية، في أي واد أخذت منها خسرت، فخذوا من كل شيء طرفاً يعني: خياراً قاله ابن عطية، والذي يظهر أن معنى طرفاً جانباً وبعضاً، كأنه أشار إلى أنّ الإنسان يكون مشاركاً في أطراف من العلوم، لأنه لا يمكنه استيعاب جميعها، ولم يشر إلى أنه يستغرق زمانه في علم واحد.
وقال ابن عباس والضحاك: نأتي أرض هؤلاء بالفتح عليك، فتنقصها بما يدخل في دينك من القبائل والبلاد المجاورة لهم، فما يؤمنهم أن يمكنه منهم. وهذا التفسير لا يتأتى إلا أن قدر نزول هذه الآية بالمدينة. وقيل: الأرض اسم جنس، والانتقاص من الأطراف بتخريب العمران الذي يحله الله بالكفرة. وروي هذا عن ابن عباس أيضاً، ومجاهد، وعنهما أيضاً: الانتقاص هو بموت البشر، وهلاك الثمرات، ونقص البركة. وعن ابن عباس أيضاً: موت أشرافها وكبرائها، وذهاب الصلحاء والأخيار، فعلى هذا الأطراف هنا الأشراف. وقال ابن الأعرابي: الطرف والطرف الرجل الكريم. وعن عطاء بن أبي رباح: ذهاب فقهائها وخيار أهلها. وعن مجاهد: موت الفقهاء والعلماء. وقال عكرمة والشعبي: هو نقص الأنفس. وقيل: هلاك من أهلك من الأمم قبل قريش، وهلاك أرضهم بعدهم. والمناسب من هذه الأقوال هو الأول. ولم يذكر الزمخشري إلا ما هو قريب منه قال: نأتي الأرض أرض الكفر ننقصها من أطرافها بما يفتح على المسلمين من بلادهم، فينقص دار الحرب، ويزيد في دار الإسلام، وذلك من آيات الغلبة والنصرة. ونحوه: {أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون} {سنريهم آياتنا في الآفاق} والمعنى: عليك بالبلاغ الذي حملته، ولا تهتم بما وراء ذلك فنحن نكفيكه، ونتم ما وعدناك من الظفر، ولا يضجرك تأخره، فإنّ ذلك لما نعلم من المصالح التي لا تعلمها، ثم طيب نفسه ونفس عنها بما ذكر من طلوع تباشير الظفر. ويتجه قول من قال: النقص بموت الأشراف والعلماء والخيار وتقريره: أو لم يروا أنا نحدث في الدنيا من الاختلافات خراباً بعد عماره، وموتاً بعد حياة، وذلا بعد عز، ونقصاً بعد كمال، وهذه تغييرات مدركة بالحس. فما الذي يؤمنهم أن يقلب الله الأمر عليهم ويصيرون دليلين بعد أن كانوا قاهرين.
وقرأ الضحاك: ننقصها مثقلاً، من نقص عداه بالتضعيف من نقص اللازم، والمعقب الذي يكر على الشيء فيبطله، وحقيقته الذي يعقبه أي: بالرد والإبطال، ومنه قيل لصاحب الحق: معقب، لأنه يقفي غريمه بالاقتضاء والطلب.
قال لبيد:
طلب المعقب حقه المظلوم

والمعنى: أنه حكم للإسلام بالغلبة والإقبال، وعلى الكفر بالإدبار والانتكاس. وقيل: تتعقب أحكامه أي: ينظر في أعقابها أمصيبة هي أم لا، والجملة من قوله: لا معقب لحكمه في موضع الحال أي: نافذ حكمه، وهو سريع الحساب تقدم الكلام على مثل هذه الجملة. ثم أخبر تعالى أن الأمم السابقة كان يصدر منهم المكر بأنبيائهم كما فعلت قريش، وأنّ ذلك عادة المكذبين للرسل، مكر بابراهيم نمروذ، وبموسى فرعون، وبعيسى اليهود، وجعل تعالى مكرهم كلا مكر إذ أضاف المكر كله له تعالى. ومعنى مكره تعالى عقوبته إياهم، سماها مكراً إذ كانت ناشئة عن المكر وذلك على سبيل المقابلة كقوله: {الله يستهزئ بهم} ثم فسر قوله فللَّه المكر، بقوله: يعلم ما تكسب كل نفس، والمعنى: يجازي كل نفس بما كسبت. ثم هدد الكافر بقوله: وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار، إذ يأتيه العذاب من حيث هو في غفلة عنه، فحينئذ يعلم لمن هي العاقبة المحمودة.
وقرأ جناح بن حبيش: وسيعلم الكافر مبنياً للمفعول من أعلم أي: وسيخبر. وقرأ الحرميان، وأبو عمرو: الكافر على الإفراد والمراد به الجنس، وباقي السبعة الكفار جمع تكسير، وابن مسعود: الكافرون جمع سلامة وأبي الذين كفروا، وفسر عطاء الكافر بالمستهزئين وهم خمسة، والمقتسمين وهم ثمانية وعشرون. وقال ابن عباس: يريد بالكافر أبا جهل. وينبغي أن يحمل تفسيره عطاء على التمثيل، لأنّ الإخبار بعلم الكافر لمن عقبى الدار معنى يعم جميع الكفار، ولما قال الكفار: لست مرسلاً أي: إنما أنت مدع ما ليس لك، أمره تعالى أن يكتفي بشهادة الله تعالى بينهم، إذ قد أظهر على يديه من الأدلة على رسالته ما في بعضها كفاية لمن وفق، ثم أردف شهادة الله بشهادة من عنده علم الكتاب. والكتاب هنا القرآن، والمعنى: إنّ من عرف ما ألف فيه من المعاني الصحيحة والنظم المعجز الفائت لقدر البشر يشهد بذلك. وقيل: الكتاب التوراة والإنجيل، والذي عنده علم الكتاب: من أسلم من علمائهم، لأنهم يشهدون نعته عليه الصلاة والسلام في كتبهم. قال قتادة، كعبد الله بن سلام، وتميم الداري، وسلمان الفارسي. وقال مجاهد: يريد عبد الله بن سلام خاصة. وهذان القولان لا يستقيمان إلا على أن تكون الآية مدنية، والجمهور على أنها مكية. وقال محمد بن الحنفية، والباقر: هو علي بن أبي طالب. وقيل: جبريل، والكتاب اللوح المحفوظ. وقيل: هو الله تعالى قاله: الحسن، وابن جبير والزجاج، وعن الحسن: لا والله ما يعني إلا الله، والمعنى: كفى بالذي يستحق العبادة، وبالذي لا يعلم ما في اللوح إلا هو شهيداً بيني وبينكم.
قال ابن عطية: ويعترض هذا القول بأن فيه عطف الصفة على الموصوف، وذلك لا يجوز، وإنما تعطف الصفات بعضها على بعض انتهى. وليس ذلك كما زعم من عطف الصفة على الموصوف، لأنّ من لا يوصف بها ولا لشيء من الموصولات إلا بالذي والتي وفروعهما، وذو وذوات الطائيتين. وقوله: وإنما تعطف الصفات بعضها على بعض ليس على إطلاقه، بل له شرط وهو أن تختلف مدلولاتها. ويعني ابن عطية: لا تقول مررت بزيد. والعالم فتعطف، والعالم على الاسم وهو علم لم يلحظ منه معنى صفة، وكذلك الله علم. ولما شعر بهذا الاعتراض من جعله معطوفاً على الله قدر قوله: بالذي يستحق العبادة، حتى يكون من عطف الصفات بعضها على بعض، لا من عطف الصفة على الاسم. ومن في قراءة الجمهور في موضع خفض عطفاً على لفظ الله، أو في موضع رفع عطفاً على موضع الله، إذ هو في مذهب من جعل الباء زائدة فاعل بكفى. وقال ابن عطية: ويحتمل أن يكون في موضع رفع بالابتداء، والخبر محذوف تقديره: أعدل وأمضى قولاً ونحو هذا مما يدل عليه لفظة شهيداً، ويراد بذلك الله تعالى. وقرئ: وبمن بدخول الباء على من عطفاً على بالله. وقرأ علي وأبي وابن عباس وعكرمة وابن جبير وعبد الرحمن بن أبي بكرة والضحاك وسالم بن عبد الله بن عمرو بن أبي إسحاق، ومجاهد، والحكم، والأعمش: ومن عنده علم الكتاب بجعل من حرف جر، وجر ما بعده به، وارتفاع علم بالابتداء، والجار والمجرو في موضع الجر. وقرأ علي أيضاً وابن السميقع، والحسن بخلاف عنه. ومن عنده بجعل من حرف جر علم الكتاب، بجعل علم فعلاً مبنياً للمفعول، والكتاب رفع به. وقرئ ومن عنده بحرف جر علم الكتاب مشدداً مبنياً للمفعول، والضمير في عنده في هذه القراآت الثلاث عائد على الله تعالى. وقال الزمخشري في القراءة التي وقع فيها عنده صلة يرتفع العلم بالمقدر في الظرف فيكون فاعلاً، لأنّ الظرف إذا وقع صلة أو غل في شبه الفعل لاعتماده على الموصول، فعمل على الفعل كقولك: مررت بالذي في الدار أخوه، فأخوه فاعل، كما تقول: بالذي استقر في الدار أخوه انتهى. وهذا الذي قاله الزمخشري ليس على وجه التحتم، لأنّ الظرف والجار والمجرور إذا وقعا صلتين أو حالين أو خبرين، إما في الأصل، وإما في الناسخ، أو تقدمهما أداة نفي، أو استفهام، جاز فيما بعدهما من الاسم الظاهر أن يرتفع على الفاعل وهو الأجود، وجاز أن يكون ذلك المرفوع مبتدأ، والظرف أو الجار والمجرور في موضع رفع خبره، والجملة من المبتدأ والخبر صلة أو صفة أو حال أو خبر، وهذا مبني على اسم الفاعل. فكما جاز ذلك في اسم الفاعل، وإن كان الأحسن إعماله في الاسم الظاهر، فكذلك يجوز في ما ناب عنه من ظرف أو مجرور.
وقد نص سيبويه على إجازة ذلك في نحو: مررت برجل حسن وجهه، فأجاز حسن وجهه على رفع حسن على أنه خبر مقدم، وهكذا تلقفنا هذه المسألة عن الشيوخ. وقد يتوهم بعض النشأة في النحو أن اسم الفاعل إذا اعتمد على شيء مما ذكرناه يتحتم إعماله في الظاهر، وليس كذلك. وقد أعرب الحوفي عنده علم الكتاب مبتدأ وخبراً في صلة من. وقال أبو البقاء: ويجوز أن يكون خبراً يعني عنده، والمبتدأ علم الكتاب انتهى. ومن قرأ: ومن عنده، على أنه حرف جر فالكتاب في قراءته هو القرآن، والمعنى: أنه تعالى من جهة فضله وإحسانه علم الكتاب، أو علم الكتاب على القراءتين، أي: علمت معانيه وكونه أعظم المعجزات الباقي على مر الأعصار، فتشريف العبد بعلوم القرآن إنما ذلك من إحسان الله تعالى إليه وتوفيقه على كونه معجزاً، وتوفيقه لإدراك ذلك.

.سورة إبراهيم:

.تفسير الآيات (1- 3):

{الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (3)}
هذه السورة مكية كلها في قول الجمهور، وعن ابن عباس وقتادة، هي مكية إلا من قوله: {ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً} الآية إلى قوله {إلى النار} وارتباط أول هذه السورة بالسورة قبلها واضح جداً، لأنه ذكر فيها: {ولو أن قرآناً} ثم {وكذلك أنزلناه حكماً عربياً} ثم {ومن عنده علم الكتاب} فناسب هذا قوله الر كتاب أنزلناه إليك. وأيضاً فإنهم لما قالوا على سبيل الاقتراح {لولا أنزل عليه آية من ربه} وقيل له: {قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب} أنزل الر كتاب أنزلناه إليك كأنه قيل: أو لم يكفهم من الآيات كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات هي الضلال، إلى النور وهو الهدى.
وجوزوا في إعراب الر أن يكون في موضع رفع بالابتداء، وكتاب الخبر، أو في موضع رفع على خبر مبتدأ محذوف تقديره: هذه الر، وفي موضع نصب على تقدير: الزم أو اقرأ الر. وكتاب أنزلناه إليك جملة مفسرة في هذين الإعرابين، وكتاب مبتدأ. وسوغ الابتداء به كونه موصوفاً في التقدير أي: كتاب أي: عظيم أنزلناه إليك. وجوزوا أن يكون كتاب خبر مبتدأ محذوف تقديره: هذا كتاب، وأنزلناه جملة في موضع الصفة. وفي قوله: أنزلناه. وإسناد الإنزال إلى نون العظمة ومخاطبته تعالى بقوله إليك، وإسناد الإخراج إليه عليه الصلاة والسلام، تنويه عظيم وتشريف له صلى الله عليه وسلم من حيث المشاركة في تحصيل الهداية بإنزاله تعالى، وبإخراجه عليه الصلاة والسلام، إذ هو الداعي والمنذر، وإن كان في الحقيقة مخترع الهداية هو الله تعالى. والناس عام، إذ هو مبعوث إلى الخلق كلهم، والظلمات والنور مستعاران للكفر والإيمان. ولما ذكر علة إنزال الكتاب وهي قوله: لتخرج قال: بإذن ربهم، أي: ذلك الإخراج بتسهيل مالكهم الناظر في مصالحهم، إذ هم عبيده، فناسب ذكر الرب هنا تنبيهاً على منة المالك، وكونه ناظراً في حال عبيدة. وبإذن ظاهره التعلق بقوله: لتخرج. وجوز أبو البقاء أن يكون بإذن ربهم في موضع الحال قال: أي مأذوناً لك. وقال الزمخشري: بإذن ربهم بتسهيله وتيسيره، مستعار من الإذن الذي هو تسهيل الحجاب، وذلك ما يمنحهم من اللطف والتوفيق انتهى. وفيه دسيسة الاعتزال.
والظاهر أن قوله: إن صراط، بدل من قوله إلى النور، ولا يضر هذا الفصل بين المبدل منه والبدل، لأنّ بإذن معمول للعامل في المبدل منه وهو لتخرج. وأجاز الزمخشري أن يكون إلى صراط على وجه الاستئناف، كأنه قيل: إلى أي نور، فقيل: إلى صراط العزيز الحميد. وقرئ: ليخرج مضارع خرج بالياء بنقطتين من تحتها، والناس رفع به. ولما كان قوله: إلى النور، فيه إبهام مّا أوضحه بقوله: إلى صراط.
ولما تقدم شيئان أحدهما إسناد إنزال هذا الكتاب إليه. والثاني إخراج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم، ناسب ذكر هاتين الصفتين صفة العزة المتضمنة للقدرة والغلبة وذلك من حيث إنزال الكتاب، وصفة الحمد المتضمنة استحقاقه الحمد من حيث الإخراج من الظلمات إلى النور، إذ الهداية إلى الإيمان هي النعمة التي يجب على العبد الحمد عليها والشكر. وتقدمت صفة العزيز، لتقدم ما دل عليها، وتليها صفة الحميد لتلو ما دل عليها. وقرأ نافع وابن عامر الله بالرفع فقيل: مبتدأ محذوف أي: هو الله. وهذا الإعراب أمكن لظهور تعلقه بما قبله، وتفلته على التقدير الأول. وقرأ باقي السبعة والأصمعي عن نافع: الله بالجر على البدل في قول ابن عطية، والحوفي، وأبي البقاء. وعلى عطف البيان في قول الزمخشري قال: لأنه جرى مجرى الأسماء الأعلام لغلبته واختصاصه بالمعبود الذي يحق له العبادة، كما غلب النجم على الثريا انتهى. وهذا التعليل لا يتم إلا على تقدير: أن يكون أصله الإله، ثم نقلت الحركة إلى لام التعريف وحذفت الهمزة، والتزم فيه النقل والحذف، ومادته إذ ذاك الهمزة واللام والهاء، وقد تقدمت الأقوال في هذا اللفظ في البسملة أول الحمد. وقال الأستاذ أبو الحسن بن عصفور: لا تقدم صفة على موصوف إلى حيث سمع وذلك قليل، وللعرب فيما وجد من ذلك وجهان: أحدهما: أن تقدم الصفة وتبقيتها على ما كانت عليه، وفي إعراب مثل هذا وجهان: أحدهما: إعرابه نعتاً مقدماً، والثاني: أن يجعل ما بعد الصفة بدلاً. والوجه الثاني: أن تضيف الصفة إلى الموصوف إذا قدمتها انتهى. فعلى هذا الذي ذكره ابن عصفور يجوز أن يكون العزيز الحميد يعربان صفتين متقدمتين، ويعرب لفظ الله موصوفاً متأخراً. ومما جاء فيه تقديم ما لو تأخير لكان صفة، وتأخير ما لو تقدم لكان موصوفاً قول الشاعر:
والمؤمن العائذات الطير يمسحها ** ركبان مكة بين الغيل والسعد

فلو جاء على الكثير لكان التركيب: والمؤمن الطير العائذات، وارتفع ويل على الابتداء، وللكافرين خبره. لما تقدم ذكره الظلمات دعا بالهلكة على من لم يخرج منها، ومن عذاب شديد في موضع الصفة لويل. ولا يضر الفصل والخبر بين الصفة والموصوف، ولا يجوز أن يكون متعلقاً بويل لأنه مصدر ولا يجوز الفصل بين المصدر وما يتعلق به بالخبر. ويظهر من كلام الزمخشري أنه ليس في موضع الصفة. قال: (فإن قلت): ما وجه اتصال قوله من عذاب شديد بالويل؟ قلت: لأن المعنى أنهم يولون من عذاب شديد ويضجون منه، ويقولون يا ويلاه كقوله: {دعوا هنالك ثبورا} انتهى. وظاهره يدل على تقديره عامل يتعلق به من عذاب شديد، ويحتمل هذا العذاب أن يكون واقعاً بهم في الدنيا، أو واقعاً بهم في الآخرة. والاستحباب الإيثار والاختيار، وهو استفعال من المحبة، لأنّ المؤثر للشيء على غيره كأنه يطلب من نفسه يكون أحب إليها وأفضل عندها من الآخر.
ويجوز أن يكون استفعل بمعنى أفعل كاستجاب وأجاب، ولما ضمن معنى الإيثار عدي بعلى. وجوزوا في إعراب الذين أن يكون مبتدأ خبره أولئك في ضلال بعيد، وأن يكون معطوفاً على الذم، إما خبر مبتدأ محذوف أي هم الذين، وإما منصوباً بإضمار فعل تقديره أذم، وأن يكون بدلا، وأن يكون صفة للكافرين. ونص على هذا الوجه الأخير الحوفي والزمخشري وأبو البقاء، وهو لا يجوز، لأن فيه الفصل بين الصفة والموصوف بأجنبي منهما وهو قوله: من عذاب شديد، سواء كان من عذاب شديد في موضع الصفة لويل، أم متعلقاً بفعل محذوف أي: يضجون ويولولون من عذاب شديد. ونظيره إذا كان صفة أن تقول: الدار لزيد الحسنة القرشي، فهذا التركيب لا يجوز، لأنك فصلت بين زيد وصفته بأجنبي منهما وهو صفة الدار، والتركيب الفصيح أن تقول: الدار الحسنة لزيد القرشي، أو الدار لزيد القرشي الحسنة وقرأ الحسن: ويصدون مضارع أصد، الداخل عليه همزة النقل من صد اللازم صدوداً. وتقدم الكلام على قوله تعالى: {ويبغونها عوجاً} في آل عمران، وعلى وصف الضلال بالبعد قوله عز وجل: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه}.