فصل: تفسير الآيات (11- 17):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر المحيط في تفسير القرآن العظيم (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (11- 17):

{قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آَذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14) وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17)}
سلموا لهم في أنهم يماثلونهم في البشرية وحدها، وأما ما سوى ذلك من الأوصاف التي اختصوا بها؛ فلم يكونوا مثلهم، ولم يذكروا ما هم عليه من الوصف الذي تميزوا به تواضعاً منهم، ونسبة ذلك إلى الله. ولم يصرحوا بمنّ الله عليهم وحدهم، ولكن أبرزوا ذلك في عموم من يشاء من عباده. والمعنى: يمن بالنبوة على من يشاء تنبئته. ومعنى بإذن الله: بتسويغه وإرادته، أي الآية التي اقترحتموها ليس لنا الإتيان بها، ولا هي في استطاعتنا، ولذلك كان التركيب: وما كان لنا، وإنما ذلك أمر متعلق بالمشيئة. فليتوكل أمر منهم للمؤمنين بالتوكل، وقصدوا به أنفسهم قصداً أولياً وأمروها به كأنهم قالوا: ومن حقنا أن نتوكل على الله في الصبر على معاندتكم ومعاداتكم، وما يجري علينا منكم. ألا ترى إلى قولهم وما لنا أن لا نتوكل على الله ومعناه: وأي عذر لنا في أنْ لا نتوكل على الله وقد هدانا، فعل بنا ما يوجب توكلنا عليه، وهو التوفيق لهداية كل واحد منا سبيله الذي يوجب عليه سلوكه في الدين. والأمر الأول وهو قوله: فليتوكل المؤمنون لاستحداث التوكل، والثاني للثبات على ما استحدثوا من توكيلهم. ولنصبرن جواب قسم، ويدل على سبق ما يجب فيه الصبر وهو الأذى. وما مصدرية، وجوزوا أن يكون بمعنى الذي. والضمير محذوف أي: ما آذيتموناه وكان أصله به، فهل حذف به أو الباء فوصل الفعل إلى الضمير قولان؟ وقرأ الحسن: بكسر لام الأمر في ليتوكل وهو الأصل، وأو لأحد الأمرين أقسموا على أنه لابد من إخراجهم، أو عودهم في ملتهم كأنهم قالوا: ليكونن أحد هذين. وتقدير أو هنا بمعنى حتى، أو بمعنى إلا أن قول من لم ينعم النظر في ما بعدها، لأنه لا يصح تركيب حتى، ولا تركيب إلا أن مع قوله: لتعودن بخلاف لألزمنك، أو تقضيني حقي والعود هنا بمعنى الصيرورة. أو يكون خطاباً للرسل ومن آمنوا بهم. وغلب حكم من آمنوا بهم لأنهم كانوا قبل ذلك في ملتهم، فيصح إبقاء لتعودن على المفهوم منها أولاً إذ سبق كونهم كانوا في ملتهم، وأما الرسل فلم يكونوا في ملتهم قط. أو يكون المعنى في عودهم إلى ملتهم سكوتهم عنهم، وكونهم إغفالاً عنهم لا يطالبونهم بالإيمان بالله وما جاءت به الرسل.
وقرأ أبو حيوة: ليهلكن الظالمين وليسكننكم، بياء الغيبة اعتباراً بقوله: فأوحى إليهم ربهم، إذ لفظه لفظ الغائب. وجاء ولنسكننكم بضمير الخطاب تشريفاً لهم بالخطاب، ولم يأت بضمير الغيبة كما في قوله: فأوحى إليهم ربهم. ولما أقسموا بهم على إخراج الرسل والعودة في ملتهم، أقسم تعالى على إهلاكهم. وأي إخراج أعظم من الإهلاك، بحيث لا يكون لهم عودة إليها أبداً، وعلى إسكان الرسل ومن آمن بهم وذرياتهم أرض أولئك المقسمين على إخراج الرسل.
قال ابن عطية: وخص الظالمين من الذين كفروا، إذ جائز أنْ يؤمن من الكفرة الذين قالوا المقالة ناس، وإنما توعد لإهلاك من خلص للظلم. وقال غيره: أراد بالظالمين المشركين، قال تعالى: {إن الشرك لظلم عظيم} والإشارة بذلك إلى توريث الأرض الأنبياء ومن آمن بهم بعد إهلاك الظالمين كقوله تعالى: {والعاقبة للمتقين} ومقام يحتمل المصدر والمكان. فقال الفراء: مقامي مصدر أضيف إلى الفاعل أي: قيامي عليه بالحفظ لأعماله، ومراقبتي إياه لقوله: {أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت} وقال الزجاج: مكان وقوفه بين يدي للحساب، وهو موقف الله الذي يقف فيه عباده يوم القيامة كقوله تعالى: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} وعلى إقحام المقام أي لمن خافني. والظاهر أن الضمير في واستفتحوا عائد على الأنبياء: أي استنصروا الله على أعدائهم كقوله: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} ويجوز أن يكون الفتاحة وهي الحكومة، أي: استحكموا الله طلبوا منه القضاء بينهم. واستنصار الرسل في القرآن كثير كقول نوح: {فافتح بيني وبينهم فتحاً ونجني} وقول لوط: {رب نجني وأهلي مما يعملون} وقول شعيب: {ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق} وقول موسى: {ربنا إنك آتيت فرعون} الآية. وقول ابن زيد: الضمير عائد على الكفار أي: واستفتح الكفار على نحو ما قالت قريش: {عجِّل لنا قطنا} وقول أبي جهل: اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا يعرف فاحنه الغداة. وكأنهم لما قوي تكذيبهم وأذاهم ولم يعاجلوا بالعقوبة، ظنوا أن ما جاؤوا به باطل فاستفتحوا على سبيل التهكم والاستهزاء كقول قوم نوح: {فأتنا بما تعدنا} وقوم شعيب: {فأسقط علينا كسفاً} وعاد: {وما نحن بمعذبين} وبعض قريش: {فأمطر علينا حجارة} وقيل: الضمير عائد على الفريقين: الأنبياء، ومكذبيهم، لأنهم كانوا كلهم سألوا أن ينصر المحق ويبطل المبطل. ويقوي عود الضمير على الرسل خاصة قراءة ابن عباس، ومجاهد، وابن محيصن: واستفتحوا بكسر التاء، أمراً للرسل معطوفاً على ليهلكن أي: أوحى إليهم ربهم وقال لهم: ليهلكن، وقال لهم: استفتحوا أي: اطلبوا النصر وسلوه من ربكم. وقال الزمخشري: ويحتمل أن يكون أهل مكة قد استفتحوا أي استمطروا، والفتح المطر في سني القحط التي أرسلت عليهم بدعوة الرسول فلم يسقوا، فذكر سبحانه ذلك، وأنه خيّب رجاء كل جبار عنيد، وأنه يسقى في جهنم بدل سقياه ماء آخر وهو صديد أهل النار. واستفتحوا على هذا التفسير كلام مستأنف منقطع عن حديث الرسل وأممهم انتهى. وخاب معطوف على محذوف تقديره: فنصروا وظفروا. وخاب كل جبار عنيد وهم قوم الرسل، وتقدم شرح جبار. والعنيد: المعاند كالخليط بمعنى المخالط على قول من جعل الضمير عائداً على الكفار، كأن وخاب عطفاً على واستفتحوا. ومن ورائه قال أبو عبيدة وابن الأنباري أي: من بعده.
وقال الشاعر:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ** وليس وراء الله للمرء مهرب

وقال أبو عبيدة أيضاً، وقطرب، والطبري، وجماعة: ومن ورائه أي ومن أمامه، وهو معنى قول الزمخشري: من بين يديه. وأنشد:
عسى الكرب الذي أمسيت فيه ** يكون وراء فرج قريب

وهذا وصف حاله في الدنيا، لأنه مرصد لجهنم، فكأنها بين يديه وهو على شفيرها، أو وصف حاله في الآخرة حين يبعث ويوقف. وقال الشاعر:
أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتي ** وقوم تميم والفلاة ورائيا

وقال آخر:
أليس ورائي إن تراخت منيتي ** لزوم العصا نحني عليها الأصابع

ووراء من الأضداد قاله: أبو عبيدة والأزهري. وقيل: ليس من الأضداد. وقال ثعلب: اسم لما توارى عنك، سواء كان أمامك أم خلفك. وقيل: بمعنى من خلفه أي: في طلبه كما تقول الأمر من ورائك أي: سوف يأتيك. ويسقى معطوف على محذوف تقديره: يلقى فيها ويسقى، أو معطوف على العامل في من ورائه، وهو واقع موقع الصفة. وارتفاع جهنم على الفاعلية، والظاهر إرادة حقيقة الماء. وصديد قال ابن عطية: هو نعت لماء، كما تقول: هذا خاتم حديد وليس بماء، لكنه لما كان بدل الماء في العرف عندنا يعني أطلق عليه ماء. وقيل: هو نعت على إسقاط أداة التشبيه كما تقول: مررت برجل أسد التقدير: مثل صديد. فعلى قول ابن عطية هو نفس الصديد وليس بماء حقيقة، وعلى هذا القول لا يكون صديداً ولكنه ما يشبه بالصديد. وقال الزمخشري: صديد عطف بيان لماء قال: ويسقى من ماء، فأبهمه إبهاماً، ثم بينه بقوله: صديد انتهى. والبصريون لا يجيزون عطف البيان في النكرات، وأجازه الكوفيون وتبعهم الفارسي، فأعرب {زيتونة} عطف بيان {لشجرة مباركة} فعلى رأي البصريين لا يجوز أن يكون قوله: صديد، عطف بيان. وقال الحوفي: صديد نعت لماء. وقال مجاهد، وقتادة، والضحاك: هو ما يسيل من أجساد أهل النار. وقال محمد بن كعب والربيع: هو غسالة أهل النار في النار. وقيل: هو ما يسيل من فروج الزناة والزواني. وقيل: صديد بمعنى مصدود عنه أي: لكراهته يصد عنه، فيكون مأخوذاً عنه من الصد. وذكر ابن المبارك من حديث أبي أمامة عن الرسول قاله في قوله: {ويسقى من ماء صديد يتجرعه} قال: «يقرب إليه فيتكرهه، فإذا أدنى منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه، وإذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره» يتجرعه يتكلف جرعه. ولا يكاد يسيغه أي: ولا يقارب أن يسيغه، فكيف تكون الإساغة. والظاهر هنا انتفاء مقاربة إساغته إياه، وإذا انتفت انتفت الإساغة، فيكون كقوله: {لم يكد يراها} أي لم يقرب من رؤيتها فكيف يراها؟ والحديث: «جاءنا ثم يشربه» فإن صح الحديث كان المعنى: ولا يكاد يسيغه قبل أن يشربه ثم شربه، كما جاء
{فذبحوها وما كادوا يفعلون} أي وما كادوا يفعلون قبل الذبح. وتجرع تفعل، ويحتمل هنا وجوهاً أن يكون للمطاوعة أي جرعة فتجرع كقولك: علمته فتعلم. وأنْ يكون للتكلف نحو: تحلم، وأن يكون لمواصلة العمل في مهلة نحو: تفهم أي يأخذه شيئاً فشيئاً. وأن يكون موافقاً للمجرد أي: تجرعه كما تقول: عدا الشيء وتعدّاه. ويتجرعه صفة لما قبله، أو حال من ضمير ويسقى، أو استئناف. ويأتيه الموت أي: أسبابه. والظاهر أنّ قوله: من كل مكان معناه من الجهات الست، وذلك لفظيع ما يصيبه من الآلام. وقال إبراهيم التيمي: من كل مكان من جسده، حتى من أطراف شعره. وقيل: حتى من إبهام رجليه، والظاهر أنّ هذا في الآخرة. وقال الأخفش: أراد البلايا التي تصيب الكافر في الدنيا، سماها موتاً وهذا بعيد، لأنّ سياق الكلام يدل على أنّ هذا من أحوال الكافر في جهنم. وقوله: وما هو بميت لتطاول شدائد الموت، وامتداد سكراته. ومن ورائه الخلاف في من ورائه كالخلاف في من ورائه جهنم. وقال الزمخشري: ومن بين يديه عذاب غليظ أي: في كل وقت يستقبله يتلقى عذاباً أشد مما قبله وأغلظ. وعن الفضيل: هو قطع الأنفاس وحبسها في الأجساد انتهى. وقيل: الضمير في ورائه هو يعود على العذاب المتقدم لا على كل جبار.

.تفسير الآية رقم (18):

{مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (18)}
الرماد معروف، وقال ابن عيسى: هو جسم يسحقه الإحراق سحق الغبار، ويجمع على رمد في الكثرة وأرمدة في القلة، وشذ جمعه على أفعلاء قالوا: أرمداء، ورماد رمدد إذا صار هباء أرق ما يكون.
{مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد}: ارتفاع مثل على الابتداء، وخبره محذوف تقديره عند سيبويه. فيما يتلى عليكم، أو يقص. والمثل مستعار للصفة التي فيها غرابة، وأعمالهم كرماد جملة مستأنفة على تقدير سؤال كأنه قيل: كيف مثلهم؟ فقيل: أعمالهم كرماد، كما تقول: صفة زيد عرضه مصون، وماله مبذول. وقال ابن عطية: ومذهب الكسائي والفراء أنه على إلغاء مثل، وأنّ المعنى: الذين كفروا أعمالهم كرماد. وقال الحوفي: مثل رفع بالابتداء، وأعمالهم بدل من مثل بدل اشتمال. كما قال الشاعر:
ما للجمال مشيها وئيداً ** أجندلا يحملن أم حديدا

وكرماد الخبر. وقال الزمخشري: أو يكون أعمالهم بدلاً من مثل الذين كفروا على تقدير: مثل أعمالهم، وكرماد الخبر. وقال ابن عطية: وقيل هو ابتداء، وأعمالهم ابتداء ثان، وكرماد خبر للثاني، والجملة خبر الأول. وهذا عندي أرجح الأقوال، وكأنك قلت: المتحصل مثالاً في النفس للذين كفروا هذه الجملة المذكورة وهي أعمالهم في فسادها وقت الحاجة، وتلاشيها كالرماد الذي تذروه الريح، وتفرقه بشدتها حتى لا يبقى له أثر، ولا يجتمع منه شيء انتهى. وهذا القول الذي رجحه ابن عطية قاله الحوفي، وهو لا يجوز، لأن الجملة الواقعة خبراً عن المبتدأ الأول الذي هو مثل عارية من رابط يعود على المثل، وليست نفس المبتدأ في المعنى، فلا تحتاج إلى رابط. وأعمال الكفرة المكارم التي كانت لهم من صلة الأرحام، وعتق الرقاب، وفداء الأسارى، وعقر الإبل للأضياف، وإغاثة الملهوفين، والإجارة، وغير ذلك. شبهها في حبوطها وذهابها هباءً منثوراً لبنائها على غير أساس من معرفة الله والإيمان به، وكونها لوجهه برماد طيرته الريح العاصف. وقرأ نافع، وأبو جعفر: الرياح على الجمع، والجمهور على الأفراد. ووصف اليوم بقوم عاصف، وإن كان من صفة الريح على سبيل التجوز، كما قالوا: يوم ما حل وكيل نائم. وقال الهروي: التقدير في يوم عاصف الريح، فحذف لتقدم ذكرها كما قال الشاعر:
إذا جاء يوم مظلم الشمس كاسف

يريد كاسف الشمس. وقيل: عاصف من صفة الريح، إلا أنه لما جاء بعد اليوم اتبع إعرابه كما قيل: جحر ضب خرب، يعني: إنه خفض على الجوار. وقرأ ابن أبي إسحاق، وإبراهيم بن أبي بكر عن الحسن: في يوم عاصف على إضافة اليوم لعاصف، وهو على حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه، تقديره: في يوم ريح عاصف.
وتقدم تفسير العصوف في يونس في قوله: {جاءتها ريح عاصف} وعلى قول من أجاز إضافة الموصوف إلى صفته يجوز أن تكون القراءة منه: لا يقدرون يوم القيامة مما كسبوا من أعمالهم على شيء، أي: لا يرون له أثراً من ثواب، كما لا يقدر من الرماد المطير بالريح على شيء. وقيل: لا يقدرون من ثواب ما كسبوا، هو على حذف مضاف. وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، إنّ ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم المسكين، هل ذلك نافعه؟ قال: «لا ينفعه لأنه لم يقل رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين» وفي الصحيح أيضاً: «إن الكافر ليطعم بحسناته في الدنيا ما عمل لله منها» ذلك إشارة إلى كونهم بهذه الحال. وعلى مثل هذا الغرر البعيد الذي يعمق فيه صاحبه، وأبعد عن طريق النجاة، والبعيد عن الحق، أو الثواب. وفي البقرة: {لا يقدرون مما كسبوا} على شيء من التفنن في الفصاحة، والمغايرة في التقديم والتأخير، والمعنى واحد.