فصل: تفسير الآيات (25- 34):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر المحيط في تفسير القرآن العظيم (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (25- 34):

{وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (25) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29) وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا (30) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32) وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (33) الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا (34)}
قرأ الحرميان وابن عامر {تشقق} بإدغام التاء من تتشقق في الشين هنا. وفي ق وباقي السبعة بحذف تلك التاء ويعني يوم القيامة كقوله {السماء منفطر به} وقرأ الجمهور: {ونُزِّل} ماضياً مشدداً مبنياً للمفعول، وابن مسعود وأبو رجاء {ونزل} ماضياً مبنياً للفاعل. وعنه أيضاً وأنزل مبنياً للفاعل وجاء مصدره {تنزيلاً} وقياسه إنزالاً إلاّ أنه لما كان معنى أنزل ونزَّل واحداً جاز مجيء مصدر أحدما للآخر كما قال الشاعر:
حتى تطوّيت انطواء الخصب

كأنه قال: حتى انطويت. وقرأ الأعمش وعبد الله في نقل ابن عطية وأنزل ماضياً رباعياً مبنياً للمفعول مضارعه ينزل. وقرأ جناح بن حبيش والخفاف عن أبي عمرو {ونزل} ثلاثياً مخففاً مبنياً للفاعل، وهارون عن أبي عمرو وتنزل بالتاء من فوق مضارع نزل مشدداً مبنياً للفاعل، وأبو معاذ وخارجة عن أبي عمرو {ونزل الملائكة} بضم النون وشد الزاي، أسقط النون من وننزل وفي بعض المصاحف وننزل بالنون مضارع نزل مشدداً مبنياً للفاعل. ونسبها ابن عطية لابن كثير وحده قال: وهي قراءة أهل مكة ورويت عن أبي عمرو. وعن أبيّ أيضاً وتنزلت. وقرأ أُبيّ ونزلت ماضياً مشدداً مبنياً للمفعول بتاء التأنيث. وقال صاحب اللوامح عن الخفاف عن أبي عمرو: {ونُزَل} مخففاً مبنياً للمفعول {الملائكة} رفعاً، فإن صحت القراءة فإنه حذف منها المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وتقديره: ونزل نزول الملائكة فحذف النزول ونقل إعرابه إلى {الملائكة} بمعنى نزول نازل الملائكة لأن المصدر يكون بمعنى الاسم، وهذا مما يجيء على مذهب سيبويه في ترتيب اللازم للمفعول به لأن الفعل يدل على مصدره انتهى.
وقال أبو الفتح: وهذا غير معروف لأن {نزل} لا يتعدى إلى مفعول فيبني هنا للملائكة، ووجهه أن يكون مثل زكم الرجل وجن فإنه لا يقال إلاّ أزكمه الله وأجنه. وهذا باب سماع لا قياس انتهى. فهذه إحدى عشرة قراءة. والظاهر أن الغمام هو السحاب المعهود. وقيل هو الله في قوله {في ظلل من الغمام} وقال ابن جريج: الغمام الذي يأتي الله فيه في الجنة زعموا. وقال الحسن: سترة بين السماء والأرض تعرج الملائكة فيه تنسخ أعمال بني آدم ليحاسبوا. وقيل: غمام أبيض رقيق مثل الضبابة ولم يكن لبني إسرائيل في تيههم، والظاهر أن {السماء} هي المظلة لنا. وقيل: تتشقق سماء سماء قاله مقاتل. والباء باء الحال أي متغيمة أو باء السبب أي بسبب طلوع الغمام منه كأنه الذي تتشقق به السماء كما تقول: شق السنام بالشفرة وانشق بها ونظيره قوله {السماء منفطر به} أو بمعنى عن أقوال ثلاثة. والفرق بين الباء السببية وعن أن انشق عن كذا تفتح عنه وانشق بكذا أنه هو الشاق له.
{ونزل الملائكة} أي إلى الأرض لوقوع الجزاء والحساب. و{الحق} صفة للملك أي الثابت لأن كل ملك يومئذ يبطل، ولا يبقى إلاّ ملكه تعالى وخبر {الملك} {يومئذ}. و{الرحمن} متعلق بالحق أو للبيان أعني {للرحمن}. وقيل: الخبر {للرحمن} و{يومئذ} معمول للملك. وقيل: الخبر {الحق} و{للرحمن} متعلق به أو للبيان، وعسر ذلك اليوم على الكافرين بدخولهم النار وما في خلال ذلك من المخاوف. ودل قوله {على الكافرين} على تيسيره على المؤمنين ففي الحديث أنه يهون حتى يكون على المؤمن أخف عليه من صلاة مكتوبة صلاها في الدنيا والظاهر عموم الظالم إذ اللام فيه للجنس قاله مجاهد وأبو رجاء، وقالا: فلان هو كناية عن الشيطان.
وقال ابن عباس وجماعة: {الظالم} هنا عقبة بن أبي معيط إذ كان جنح إلى الإسلام وأُبيّ بن خلف هو المكني عنه بفلان، وكان بينهما مخالة فنهاه عن الإسلام فقبل منه. وعن ابن عباس أيضاً. عكس هذا القول. قيل وسبب نزولها هو عقبة وأُبي. وقيل: كان عقبة خليلاً لأمية فأسلم عقبة فقال أمية: وجهي من وجهك حرام إن بايعت محمداً فكفر وارتد لرضا أمية فنزلت قاله الشعبي. وذكر من إساءة عقبة على الرسول ما كان سبب أن قال له الرسول عليه السلام: «لا ألقاك خارجاً من مكة إلا علوت رأسك بالسيف» فقتل عقبة يوم بدر صبراً أمر علياً فضرب عنقه، وقتل أبيّ بن خلف يوم أحد في المبارزة. والمقصود ذكر هول يوم القيامة بتندم الظالم وتمنيه أنه لم يكن أطاع خليله الذي كان يأمره بالظلم وما من ظالم إلا وله في الغالب خليل خاص به يعبر عنه بفلان. والظاهر أن {الظالم} {يعض على يديه} فعل النادم المتفجع. وقال الضحاك: يأكل يديه إلى المرفق ثم تنبت، ولا يزال كذلك كلما أكلها نبتت. وقيل: هو مجاز عبر به عن التحير والغم والندم والتفجع ونقل أئمة اللغة أن المتأسف المتحزن المتندم يعض على إبهامه ندماً وقال الشاعر:
لطمت خدها بحمر لطاف ** نلن منها عذاب بيض عذاب

فتشكى العناب نور إقاح ** واشتكى الورد ناضر العناب

وفي المثل: يأكل يديه ندماً ويسيل دمعه دماً. وقال الزمخشري: عض الأنامل واليدين والسقوط في اليد وأكل البنان وحرق الأسنان والإرم وفروعها كنايات عن الغيظ والحسرة لأنها من روادفها فتذكر الرادفة. ويدل بها على المردوف فيرتفع الكلام به في طبقة الفصاحة، ويجد السامع عنده في نفسه من الروعة والاستحسان ما لا يجد عند لفظ المكنى عنه انتهى. وقال الشاعر في حرق الناب:
أبى الضيم والنعمان يحرق نابه ** عليه فأفضى والسيوف معاقله

{يقول} في موضع الحال أي قائلاً {يا ليتني} فان كانت اللام للعهد فالمعنى أنه تمنى عقبة أن لو صحب النبيّ صلى الله عليه وسلم وسلك طريق الحق، وإن كانت اللام للجنس فالمعنى أنه تمنى.
سلوك طريق الرسول وهو الإيمان، ويكون الرسول للجنس لأن كل ظالم قد كلف اتّباع ما جاء به رسول من الله إلى أن جاءت الملة المحمدية فنسخت جميع الملل، فلا يقبل بعد مجيئه دين غير الذي جاء به. ثم ينادي بالويل والحسرة يقول {يا ويلتي} أي يا هلكاه كقوله {يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله} وقرأ الحسن وابن قطيب {يا ليتني} بكسر التاء والياء ياء الإضافة وهو الأصل لأن الرجل ينادي ويلته وهي هلكته يقول لها تعالي فهذا أوانك. وقرأت فرقة بالإمالة. قال أبو علي: وترك الإمالة أحسن لأن هذه اللفظة الياء فبدلت الكسرة فتحة والياء ألفاً فراراً من الياء فمن أمال رجع إلى الذي عنه فر أولاً. وفلان كناية عن العلم وهو متصرف. وقل كناية عن نكرة الإنسان نحو: يا رجل وهو مختص بالنداء، وفلة بمعنى يا امرأة كذلك ولام فل ياء أو واو وليس مرخماً من فلان خلافاً للفراء. ووهم ابن عصفور وابن مالك وصاحب البسيط في قولهم فل كناية عن العلم كفلان. وفي كتاب سيبويه ما قلناه بالنقل عن العرب.
و{الذكر} ذكر الله أو القرآن أو الموعظة، والظاهر حمل الشيطان على ظاهره لأنه هو الذي وسوس إليه في مخالة من أضله سماه شيطاناً لأنه يضل كما يضل الشيطان ثم خذله ولم ينفعه في العاقبة. وتحتمل هذه الجملة أن تكون من تمام كلام الظالم، ويحتمل أن تكون إخباراً من كلام الله على جهة الدلالة على وجه ضلالهم والتحذير من الشيطان الذي بلغهم ذلك المبلغ. وفي الحديث الصحيح تمثيل الجليس الصالح بالمسك والجليس السوء بنافخ الكير. والظاهر أن دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه وإخباره بهجر قومه قريش القرآن هو مما جرى له في الدنيا بدليل إقباله عليه مسلياً مؤانساً بقوله {وكذلك جعلنا لكل نبيّ عدواً من المجرمين} وأنه هو الكافي في هدايته ونصره فهو وعد منه بالنصر وهذا القول من الرسول وشكايته فيه تخويف لقومه. وقالت فرقة منهم أبو مسلم إنه قوله عليه السلام في الآخرة كقوله {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً} والظاهر أن {مهجوراً} بمعنى متروكاً من الإيمان به مبعداً مقصياً من الهجر بفتح الهاء. وقاله مجاهد والنخعي وأتباعه. وقيل: من الهجر والتقدير {مهجوراً} فيه بمعنى أنه باطل. وأساطير الأولين أنهم إذا سمعوه هجروا فيه كقوله {وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه} قال الزمخشري: ويجوز أن يكون المهجور بمعنى الهجر كالملحود والمعقول، والمعنى اتخذوه هجراً والعدو يجوز أن يكون واحداً وجمعاً انتهى.
وانتصب {هادياً} و{نصيراً} على الحال أو على التمييز.
وقالوا أي الكفار على سبيل الاقتراح والاعتراض الدال على نفورهم عن الحق. قال الزمخشري: {نزل} هاهنا بمعنى أنزل لا غير كخبر بمعنى أخبر وإلاّ كان متدافعاً انتهى. وإنما قال أن {نزل} بمعنى أنزل لأن نزل عنده أصلها أن تكون للتفريق، فلو أقره على أصله عنده من الدلالة على التفريق تدافع هو. وقوله {جملة واحدة} وقد قررنا أنا {نزل} لا تقتضي التفريق لأن التضعيف فيه عندنا مرادف للهمزة. وقد بيّنا ذلك في أول آل عمران وقائل ذلك كفار قريش قالوا: لو كان هذا من عند الله لنزل جملة كما نزلت التوراة والإنجيل. وقيل: قائلو ذلك اليهود وهذا قول لا طائل تحته لأن أمر الاحتجاج به والإعجاز لا يختلف بنزوله جملة واحدة أو مفرقاً بل الإعجاز في نزوله مفرقاً أظهر إذ يطالبون بمعارضة سورة منه، فلو نزل جملة واحدة وطولبوا بمعارضته مثل ما نزل لكانوا أعجز منهم حين طولبوا بمعارضة سورة منه فعجزوا والمشار إليه غير مذكور. فقيل: هو من كلام الكفار وأشاروا إلى التوراة والإنجيل أي تنزيلاً مثل تنزيل تلك الكتب الإلهية جملة واحدة ويبقى {لنثبت به فؤادك} تعليلاً لمحذوف أي فرقناه في أوقات {لنثبت به فؤادك}. وقيل: هو مستأنف من كلام الله تعالى لا من كلامهم، ولما تضمن كلامهم معنى لمَ أُنْزِلَ مفرقاً أشير بقوله كذلك إلى التفريق أي {كذلك} أنزل مفرقاً.
قال الزمخشري: والحكمة فيه أن نقوي بتفريقه فؤادك حتى تعيه وتحفظه لأن المتلقن إنما يقوى قلبه على حفظ العلم شيئاً بعد شيء، وجزأ عقيب جزء، ولو ألقي عليه جملة واحدة لكان يعيا في حفظه والرسول عليه السلام فارقت حاله حال داود وموسى وعيسى عليهم السلام حيث كان أمياً لا يكتب وهم كانوا قارئين كاتبين، فلم يكن له بد من التلقن والتحفظ فأنزل عليه منجماً في عشرين سنة. وقيل: في ثلاث وعشرين سنة وأيضاً فكان ينزل على حسب الحوادث وجواب السائلين، ولأن بعضه منسوخ وبعضه ناسخ، ولا يتأتى ذلك إلاّ فيما أنزل مفرقاً انتهى.
واللام في {لنثبت به} لام العلة. وقال أبو حاتم: هي لام القسم والتقدير والله ليثبتن فحذفت النون وكسرت اللام انتهى. وهذا قول في غاية الضعف وكان ينحو إلى مذهب الأخفش أن جواب القسم يتلقى بلام كي وجعل منه ولتصغي إليه أفئدة وهو مذهب مرجوح. وقرأ عبد الله ليثبت بالياء أي ليثبت الله {ورتلناه} أي فصلناه. وقيل: بيناه. وقيل: فسرناه.
{ولا يأتونك بمثل} يضربونه على جهة المعارضة منهم كتمثيلهم في هذه بالتوراة والإنجيل الإحاء القرآن بالحق في ذلك ثم هو أوضح بياناً وتفصيلاً. وقال الزمخشري: {ولا يأتونك بمثل} بسؤال عجيب من سؤالاتهم الباطلة كأنه مثل في البطلان إلاّ أتيناك نحن بالجواب الحق الذي لا محيد عنه وبما هو أحسن معنى ومؤدى من سؤالهم.
ولما كان التفسير هو الكشف عما يدل عليه الكلام وضع موضع معناه فقالوا: تفسير هذا الكلام كيت وكيت، كما قيل معناه كذا أو {ولا يأتونك} بحال وصفة عجيبة يقولون هلا كانت هذه صفتك وحالك نحو إن يقرن بك ملك ينذر معك أو يلقى إليك كنز أو تكون لك جنة أو ينزل عليك القرآن جملة إلاّ أعطيناك ما يحق لك في حكمتنا ومشيئتنا أن تعطاه وما هو أحسن تكشيفاً لما بعثت عليه ودلالة على صحته انتهى. وقيل: {ولا يأتونك} بشبهة في إبطال أمرك إلاّ جئناك بالحق الذي يدحض شبهة أهل الجهل ويبطل كلام أهل الزيغ، والمفضل عليه محذوف أي {وأحسن تفسيراً} من مثلهم ومثلهم قولهم {لولا أنزل عليه القرآن جملة واحدة}.
و{الذين يحشرون}. قال الكرماني: متصل بقوله {أصحاب الجنة يومئذ} الآية. قيل: ويجوز أن يكون متصلاً بقوله {وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً من المجرمين} انتهى. والذي يظهر أنهم لم اعترضوا في حديث القرآن وإنزاله مفرقاً كان في ضمن كلامهم أنهم ذوو رشد وخير، وأنهم على طريق مستقيم ولذلك اعترضوا فأخبر تعالى بحالهم وما يؤول إليه أمرهم في الآخرة بكونهم {شر مكاناً وأضل سبيلاً} والظاهر أنه يحشر الكافر على وجهه بأن يسحب على وجهه. وفي الحديث «إن الذي أمشاهم على أرجلهم قادر أن يمشيهم على وجوههم» وهذا قول الجمهور. وقيل: هو مجاز للذلة المفرطة والهوان والخزي. وقيل: هو من قول العرب مر فلان على وجهه إذا لم يدر أين ذهب. ويقال: مضى على وجهه إذا أسرع متوجهاً لقصده و{شر} و{أضل} ليسا على بابهما من الدلالة على التفضيل. وقوله {شر مكاناً} أي مستقراً وهو مقابل لقوله {خير مستقراً} ويحتمل أن يراد بالمكان المكانة والشرف لا المستقر.
وأعربوا {الذين} مبتدأ والجملة من {أولئك} في موضع الخبر ويجوز عندي أن يكون {الذين} خبر مبتدأ محذوف لما تقدم ذكر الكافرين وما قالوا قال إبعاداً لهم وتسميعاً بما يؤول إليه حالهم هم {الذين يحشرون} ثم استأنف إخباراً أخبر عنهم فقال {أولئك شر مكاناً}

.تفسير الآيات (35- 44):

{وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا (35) فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا (36) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آَيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (37) وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا (38) وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا (39) وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا (40) وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (41) إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آَلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا (42) أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)}
لما تقدم تكذيب قريش والكفار لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر تعالى ما فيه تسلية للرسول وإرهاب للمكذبين وتذكير لهم أن يصيبهم ما أصاب الأمم السابقة من هلاك الاستئصال لما كذبوا رسلهم، فناسب أن ذكر أولاً من نزل عليه كتابه جملة واحدة ومع ذلك كفروا وكذبوا به فكذلك هؤلاء لو نزل عليه القرآن دفعة لكذبوا وكفروا كما كذب قوم موسى.
و{الكتاب} هنا التوراة و{هارون} بدل أو عطف بيان، واحتمل أن يكون معه المفعول الثاني لجعلنا. وأن يكون {وزيراً} والوزارة لا تنافي النبوة فقد كان في الزمان الواحد أنبياء يوازر بعضهم بعضاً، والمذهوب إليهم القبط وفرعون. وفي الكلام حذف أي فذهبا وأديا الرسالة فكذبوهما {فدمرناهم} والتدمير أشد الإهلاك وأصله كسر الشيء على وجه لا يمكن إصلاحه. وقصة موسى ومن أرسل إليه ذكرت منتهية في غير ما موضع وهنا اختصرت فأوجز بذكر أولها وآخرها لأنه بذلك يلزم الحجة ببعثة الرسل واستحقاق التدمير بتكذيبهم.
وقرأ عليّ والحسن ومسلمة بن محارب: فدمراهم على الأمر لموسى وهارون، وعن عليّ أيضاً: كذلك إلاّ أنه مؤكد بالنون الشديدة. وعنه أيضاً فدمرا أمراً لهما بهم بباء الجر، ومعنى الأمر كوناً سبب تدميرهم.
وانتصب {وقوم نوح} على الاشتغال وكان النصب أرجح لتقدم الجمل الفعلية قبل ذلك، ويكون {لما} في هذا الإعراب ظرفاً على مذهب الفارسي. وأما إن كانت حرف وجوب لوجوب فالظاهر أن {أغرقناهم} جواب لما فلا يفسر ناصباً لقوم فيكون معطوفاً على المفعول في {فدمرناهم} أو منصوباً على مضمر تقديره اذكر. وقد جوز الوجوه الثلاثة الحوفي.
{لما كذبوا الرسل} كذبوا نوحاً ومن قبله أو جعل تكذيبهم لنوح تكذيباً للجميع، أو لم يروا بعثه الرسل كالبراهمة والظاهر عطف {وعاداً} على و{قوم}. وقال أبو إسحاق: يكون معطوفاً على الهاء والميم في {وجعلناهم للناس آية}. قال: ويجوز أن يكون معطوفاً على {الظالمين} لأن التأويل وعدنا الظالمين بالعذاب ووعدنا {عاداً وثموداً}. وقرأ عبد الله وعمرو بن ميمون والحسن وعيسى وثمود غير مصروف. {وأصحاب الرس}. قال ابن عباس: هم قوم ثمود ويبعده عطفه على ثمود لأن العطف يقتضي التغاير. وقال قتادة: أهل قرية من اليمامة يقال لها الرس والفلج. قيل: قتلوا نبيهم فهلكوا وهم بقية ثمود وقوم صالح. وقال كعب ومقاتل والسدّي بئر بإنطاكية الشام قتل فيها صاحب ياسين وهو حبيب النجار. وقيل: قتلوا نبيهم ورسوه في بئر أي دسوه فيه.
وقال وهب والكلبي {أصحاب الرس} وأصحاب الأيكة قومان أرسل إليهما شعيب أرسل إلى أصحاب الرس وكانوا قوماً من عبَدة الأصنام وأصحاب آبار ومواش، فدعاهم إلى الإسلام فتمادوا في طغيانهم وفي إيذائه فبينما هم حول الرس وهي البئر غير المطوية.
وعن أبي عبيدة انهارت بهم فخسف بهم وبدارهم. وقال عليّ فيما نقله الثعلبي: قوم عبدوا شجرة صنوبر يقال لها شاه درخت رسوا نبيهم في بئر حفروه له في حديث طويل. وقيل: هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حنظلة بن صفوان كانوا مبتلين بالعنقاء وهي أعظم ما يكون من الطير، سميت بذلك لطول عنقها وكانت تسكن جبلهم الذي يقال له فج وهي تنقض على صبيانهم فتخطفهم إن أعوزها الصيد فدعا عليها حنظلة فأصابتها الصاعقة ثم إنهم قتلوا حنظلة فأهلكوا. وقيل: هم أصحاب الأخدود والرس هو الأخدود. وقال ابن عباس: الرس بئر أذربيجان. وقيل: الرس ما بين نجران إلى اليمن ألى حضرموت. وقيل: قوم بعث الله إليهم أنبياء فقتلوهم ورسوا عظامهم في بئر. وقيل: قوم بعث إليهم نبيّ فأكلوه. وقيل: قوم نساؤهم سواحق. وقيل: الرس ماء ونخل لبني أسد. وقيل: الرس نهر من بلاد المشرق بعث الله إليهم نبياً من أولاد يهوذا ابن يعقوب فكذبوه فلبث فيهم زماناً فشكا إلى الله منهم فحفروا له بئراً وأرسلوه فيها، وقالوا: نرجو أن يرضى عنا إلهنا فكانوا عامة يومهم يسمعون أنين نبيهم، فدعا بتعجيل قبض روحه فمات وأضلتهم سحابة سوداء أذابتهم كما يذوب الرصاص.
وروى عكرمة ومحمد بن كعب القرظي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم «أن أهل الرس أخذوا نبيهم فرسّوه في بئر وأطبقوا عليه صخرة فكان عبد أسود آمن به يجيء بطعام إلى تلك البئر فيعينه الله على تلك الصخرة فيقلها فيعطيه ما يغذيه به. ثم يرد الصخرة، إلى أن ضرب الله يوماً على أذن ذلك الأسود بالنوم أربع عشرة سنة وأخرج أهل القرية نبيهم فآمنوا به» في حديث طويل. قال الطبري: فيمكن أنهم كفروا بعد ذلك فذكرهم الله في هذه الآية وكثر الاختلاف في أصحاب الرس، فلو صح ما نقله عكرمة ومحمد بن كعب كان هو القول الذي لا يمكن خلافه وملخص هذه الأقوال أنهم قوم أهلكهم الله بتكذيب من أرسل إليهم.
{وقروناً بين ذلك} هذا إبهام لا يعلم حقيقة ذلك إلاّ الله {ذلك} إشارة إلى أولئك المتقدمي الذكر فلذلك حسن دخول {بين} عليه من غير أن يعطف عليه شيء كأنه قيل بين المذكورين وقد يذكر الذاكر أشياء مختلفة. ثم يشير إليها. وانتصب {كلاً} الأول على الاشتغال أي وأنذرنا كلاً أو حذرنا كلاً والثاني على أنه مفعول بتبرنا لأنه لم يأخذ مفعولاً وهذا من واضح الإعراب. ومعنى ضرب الأمثال أي بيّن لهم القصص العجيبة من قصص الأولين ووصفنا لهم ما أدى إليه تكذيبهم بأنبيائهم من عذاب الله وتدميره إياهم ليهتدوا بضرب الأمثال فلم يهتدوا وأبعد من جعل الضمير في {له} لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: والمعنى وكل الأمثال ضربنا للرسول وعلى هذا و{كلاً} منصوب بضربنا و{الأمثال} بدل من {كلاً} والضمير في {ولقد أتوا} لقريش كانوا يمرون على سدوم من قرى قوم لوط في متاجرهم إلى الشام وكانت قرى خمسة أهلك الله منها أربعاً وبقيت واحدة وهي زغر لم يكن أهلها يعملون ذلك العمل قاله ابن عباس و{مطر السوء} الحجارة التي أمطرت عليهم من السماء فهلكوا.
وكان إبراهيم عليه السلام ينادي نصيحة لكم: يا سدوم يوم لكم من الله عز وجل أنهاكم أن تتعرضوا للعقوبة من الله، ومعنى {أتوا} مروا فلذلك عداه بعلى. وأفرد لفظ القرية وإن كانت قرى لأن سدوم هي أم تلك القرى وأعظمها.
وقال مكي: الضمير في {أتوا} عائد على الذين اتخذوا القرآن مهجوراً انتهى. وهم قريش وانتصب {مطر} على أنه مفعول ثان لأمطرت على معنى أوليت، أو على أنه مصدر محذوف الزوائد أي إمطار السوء. {أفلم يكونوا يرونها} أن ينظرون إلى ما فيها من العبر والآثار الدالة على ما حل بها من النقم كما قال {وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل} وقال {وإنهما لبإمام مبين} وهو استفهام معناه التعجب ومع ذلك فلم يعتبروا برؤيتها أن يحل بهم في الدنيا ما حل بأولئك، بل كانوا كفرة لا يؤمنون بالبعث فلم يتوقعوا عذاب الآخرة وضع الرجاء موضع التوقع لأنه إنما بتوقع العاقبة من يؤمن، فمن ثم لم ينظروا ولم يتفكروا ومروا بها كما مرت ركابهم، أو لا يأملون {نشوراً} كما يأمله المؤمنون لطمعهم إلى ثواب أعمالهم أو لا يخافون على اللغة التهامية. وقرأ زيد بن عليّ مطرت ثلاثي مبنياً للمفعول ومطر متعد. قال الشاعر:
كمن بواديه بعد المحل ممطور

وقرأ أبو السماك {مطر السوء} بضم السين.
{وإذا رأوك أن يتخذونك إلاّ هزوا} لم يقتصر المشركون على إنكار نبوة الرسول عليه الصلاة والسلام وترك الإيمان به، بل زادوا على ذلك بالاستهزاء والاحتقار. حتى يقول بعضهم لبعض {أهذا الذي بعث الله رسولاً} و{أن} نافية جواب {إذا} وانفردت {إذا} بأنه إذا كان جوابها منفياً بما أو بلا لا تدخله الفاء بخلاف أدوات الشرط غيرها فلابد من الفاء مع ما ومع لا إذا ارتفع المضارع، فلو وقعت إن النافية في جواب غير إذا فلابد من الفاء كما النافية ومعنى {هزؤاً} موضع هزء أو مهزواً به {أهذا} قبله قول محذوف أي يقولون وقال: جواب {إذا} ما أضمر من القول أي {وإذا رأوك} قالوا {أهذا الذي بعث الله رسولاً} و{أن يتخذونك} جملة اعتراضية بين {إذا} وجوابها.
قيل: ونزلت في أبي جهل كان إذا رأى الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {أهذا الذي بعث الله رسولاً}؟ وأخبر بلفظ الجمع تعظيماً لقبح صنعه أو لكون جماعة معه قالوا ذلك: والظاهر أن قائل ذلك جماعة كثيرة وهذا الاستفهام استصغار واحتقار منهم أخرجوه بقولهم بعث الله رسولاً في معرض التسليم والإقرار وهم على غاية الجحود والإنكار سخرية واستهزاء، ولو لم يستهزئوا لقالوا هذا زعم أو ادعى أنه مبعوث من عند الله رسولاً.
وقولهم {إن كاد ليضلنا} دليل على فرط مجاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوتهم، وبذله قصارى الوسع والطاقة في استعطافهم مع عرض الآيات والمعجزات حتى شارفوا بزعمهم أن يتركوا دينهم إلى دين الإسلام لولا فرط لجاجهم واستمساكهم بعبادة آلهتهم. و{لولا} في مثل هذا الكلام جار من حيث المعنى لا من حيث اللفظ مجرى التقييد للحكم المطلق قاله الزمخشري. وقال أبو عبد الله الرازي: الاستهزاء إما بالصورة فكان أحسن منهم خلقة أو بالصفة فلا يمكن لأن الصفة التي تميز بها عنهم ظهور المعجز عليه دونهم، وما قدروا على القدح في حجته ففي الحقيقة هم الذين يستحقون أن يهزأ بهم ثم لوقاحتهم قلبوا القصة واستهزؤوا بالرسول عليه الصلاة والسلام انتهى. قيل: وتدل الآية على أنهم صاروا في ظهور حجته عليه الصلاة والسلام عليهم كالمجانين استهزوؤا به أولاً ثم إنهم وصفوه بأنه {كاد ليضلنا} عن مذهبنا {لولا} أنا قابلناه بالجمود والإصرار فهذا يدل على أنهم سلموا له قوة الحجة وكمال العقل، فكونهم جمعوا بين الاستهزاء وبين هذه الكيد ودة دل على أنهم كانوا كالمتحيرين في أمره تارة يستهزئون منه وتارة يصفونه بما لا يليق إلاّ بالعالم الكامل.
{وسوف يعلمون} وعيد ودلالة على أنهم لا يفوتونه وإن طالت مدة الإمهال فلابد للوعيد أن يلحقهم فلا يغرنهم التأخير، ولما قالوا {إن كاد ليضلنا} جاء قوله {من أضل سبيلاً} أي سيظهر لهم من المضل ومن الضال بمشاهدة العذاب الذي لا مخلص لهم منه. والظاهر أن من استفهامية وأضل خبره والجملة في موضع مفعول {يعلمون} إن كانت متعدية إلى واحد أو في موضع مفعولين إن كانت تعدت إلى اثنين، ويجوز أن تكون {من} موصولة مفعولة بيعلمون و{أضل} خبر مبتدأ محذوف أي هو أضل، وصار حذف هذا المضمر للاستطالة التي حصلت في قول العرب ما أنا بالذي قائل لك سواء.
{أرأيت من اتخذ إلهه هواه} هذا يأس عن إيمانهم وإشارة إليه عليه السلام أن لا يتأسف عليهم، وإعلام أنهم في الجهل بالمنافع وقلة النظر في العواقب مثل البهائم ثم ذكر أنهم {أضل سبيلاً} من الأنعام من حيث لهم فهم وتركوا استعماله فيما يخلصهم من عذاب الله. والأنعام لا سبيل لها إلى فهم المصالح. و{أرأيت} استفهام تعجب من جهل من هذه الحالة و{إلهه} المفعول الأول لاتخذ، و{هواه} الثاني أي أقام مقام الإله الذي يعبده هواه فهو جار على ما يكون في {هواه} والمعنى أنه لم يتخذ إلهاً إلا هواه وادعاء القلب ليس بجيد إذ يقدره من اتخذ هواه إلهه والبيت من ضرائر الشعر ونادر الكلام فينزه كلام الله عنه كان الرجل يعبد الصنم فإذا رأى أحسن منه رماه وأخذ الأحسن.
قيل: نزلت في الحارث بن قيس السهمي، كان إذا هوى شيئاً عبده، والهوى ميل القلب إلى الشيء أفأنت تجبره على ترك هواه، أو أفأنت تحفظه من عظيم جهله. وقرأ بعض أهل المدينة من اتخذ آلهةً منونة على الجمع، وفيه تقديم جعل هواه أنواعاً أسماء لأجناس مختلفة فجعل كل جنس من هواه إلهاً آخر. وقرأ ابن هرمز: إلاهة على وزن فعالة وفيه أيضاً تقديم أي هواه إلاهة بمعنى معبود لأنها بمعنى المألوهة. فالهاء فيها للمبالغة فلذلك صرفت. وقيل: بل الإلاهة الشمس ويقال لها أُلاهة بضم الهمزة وهي غير مصروفة للعلمية والتأنيث لكنها لما كانت مما يدخلها لام المعرفة في بعض اللغات صارت بمنزلة ما كان فيه اللام ثم نزعت فلذلك صرفت وصارت بمنزلة النعوت فتنكرت قاله صاحب اللوامح. ومفعول {أرأيت} الأول هو {من} والجملة الاستفهامية في موضع المفعول الثاني. وتقدم الكلام في {أرأيت} في أوائل الأنعام ومعنى {وكيلاً} أي هل تستطيع أن تدعو إلى الهدى فتتوكل عليه وتجبره على الإسلام. و{أم} منقطعة تتقدّر ببل والهمزة على المذهب الصحيح كأنه قال: بل أتحسب كان هذه المذمّة أشد من التي تقدمتها حتى حفت بالإضراب عنها إليها وهو كونها مسلوبي الأسماع والعقول لأنهم لا يلقون إلى استماع الحق أذناً إلى تدبره عقلاً، ومشبهين بالأنعام التي هي مثل في الغفلة والضلالة، ونفى ذلك عن أكثرهم لأن فيهم من سبقت له السعادة فأسلم، وجعلوا أضل من الأنعام لأنها تنقاد لأربابها وتعرف من يحسن إليها ممن يسيء إليها وتطلب منفعتها وتتجنب مضرّتها وتهتدي إلى مراعيها ومشاربها، وهم لا ينقادون لربهم ولا يعرفون إحسانه إليهم ولا يرغبون في الثواب الذي هو أعظم المنافع ولا يتقون العقاب الذي هو أشد المضار ولا يهتدون للحق.