فصل: سورة الأحقاف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر المحيط في تفسير القرآن العظيم (نسخة منقحة)



.سورة الأحقاف:

.تفسير الآيات (1- 10):

{حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3) قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4) وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8) قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآَمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10)}
هذه السورة مكية. وعن ابن عباس وقتادة، أن: {قل أرأيتم إن كان من عند الله}. و{فاصبر كما صبر}، الآيتين مدنيتان. ومناسبة أولها لما قبلها، أن في آخر ما قبلها: {ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزواً} وقلتم: إنه عليه الصلاة والسلام اختلقها، فقال تعالى: {حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم}. وهاتان الصفتان هما آخر تلك، وهما أول هذه. {وأجل مسمى}: أي موعد لفساد هذه البنية. قال ابن عباس: هو القيامة؛ وقال غيره: أي أجل كل مخلوق. {عن ما أنذروا}: يحتمل أن تكون ما مصدرية، وأن تكون بمعنى الذي. {قل أرأيتم ما تدعون}: معناه أخبروني عن الذين تدعون من دون الله، وهي الأصنام. {أروني ماذا خلقوا من الأرض}: استفهام توبيخ، ومفعول أرأيتم الأول هو ما تدعون. وماذا خلقوا: جملة استفهامية يطلبها أرأيتم، لأن مفعولها الثاني يكون استفهاماً، ويطلبها أروني على سبيل التعليق، فهذا من باب الإعمال، أعمل الثاني وحذف مفعول أرأيتم الثاني. ويمكن أن يكون أروني توكيداً لأرأيتم، بمعنى أخبروني، وأروني: أخبروني، كأنهما بمعنى واحد.
وقال ابن عطية: يحتمل أرأيتم وجهين: أحدهما: أن تكون متعدية، وما مفعولة بها؛ ويحتمل أن تكون أرأيتم منبهة لا تتعدى، وتكون ما استفهاماً على معنى التوبيخ، وتدعون معناه: تعبدون. انتهى. وكون أرأيتم لا تتعدى، وأنها منبهة، فيه شيء؛ قاله الأخفش في قوله: {قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة} والذي يظهر أن ما تدعون مفعول أرأيتم، كما هو في قوله: {قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون} في سورة فاطر؛ وتقدم الكلام على نظير هذه الجملة فيها. وقد أمضى الكلام في أرأيتم في سورة الأنعام، فيطالع هناك: و{من الأرض}، تفسير للمبهم في: {ماذا خلقوا}. والظاهر أنه يريد من أجزاء الأرض، أي خلق ذلك إنما هو لله، أو يكون على حذف مضاف، أي من العالي على الأرض، أي على وجهها من حيوان أو غيره. ثم وقفهم على عبارتهم فقال: {أم لهم}: أي: بل.
{أم لهم شرك في السموات ائتوني بكتاب من قبل هذا}: أي من قبل هذا الكتاب، وهو القرآن، يعني أن هذا القرآن ناطق بالتوحيد وبإبطال الشرك، وكل كتب الله المنزلة ناطقة بذلك؛ فطلب منهم أن يأتوا بكتاب واحد يشهد بصحة ما هم عليه من عبادة غير الله. {أو أثارة من علم}، أي بقية من علم، أي من علوم الأولين، من قولهم: سمنت الناقة على أثارة من شحم، أو على بقية شحم كانت بها من شحم ذاهب. والأثارة تستعمل في بقية الشرف؛ يقال: لبني فلان أثارة من شرف، إذا كانت عندهم شواهد قديمة، وفي غير ذلك قال الراعي:
وذات أثارة أكلت علينا ** نباتاً في أكمته قفارا

أي: بقية من شحم. وقرأ الجمهور: أو أثارة، وهو مصدر، كالشجاعة والسماحة، وهي البقية من الشيء، كأنها أثرة. وقال الحسن: المعنى: من علم استخرجتموه فتثيرونه. وقال مجاهد: المعنى: هل من أحد يأثر علماً في ذلك؟ وقال القرطبي: هو الإسناد، ومنه قول الأعشى:
إن الذي فيه تماريتما ** بين للسامع والآثر

أي: وللمستدعين غيره؛ ومنه قول عمر رضي الله عنه: فما خلفت به ذاكراً ولا آثراً. وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن، وقتادة: المعنى: أو خاصة من علم، فاشتقاقها من الأثرة، فكأنها قد آثر الله بها من هي عنده. وقال ابن عباس: المراد بالأثارة: الخط في التراب، وذلك شيء كانت العرب تفعله وتتكهن به وتزجر تفسيره. الأثارة بالخط يقتضي تقوية أمر الخط في التراب، وأنه شيء ليس له وجه إذاية وقف أحد إليه. وقيل: إن صح تفسير ابن عباس الإثارة بالخط في التراب، كان ذلك من باب التهكم بهم وبأقوالهم ودلائلهم. وقرأ علي، وابن عباس: بخلاف عنهما، وزيد بن علي، وعكرمة، وقتادة، والحسن، والسلمي، والأعمش، وعمرو بن ميمون: أو أثرة بغير ألف، وهي واحدة، جمعها أثر؛ كقترة وقتر؛ وعلي، والسلمي، وقتادة أيضاً: بإسكان الثاء، وهي الفعلة الواحدة مما يؤثر، أي قد قنعت لكم بخبر واحد وأثر واحد يشهد بصحة قولكم. وعن الكسائي: ضم الهمزة وإسكان الثاء. وقال ابن خالويه، وقال الكسائي على لغة أخرى: إثرة وأثرة يعني بكسر الهمزة وضمها.
{ومن أضل ممن} يعبد الأصنام، وهي جماد لا قدرة لها على استجابة دعائهم ما دامت الدنيا، أي لا يستجيبون لهم أبداً، ولذلك غياً انتفاء استجابتهم بقوله: {إلى يوم القيامة}، ومع ذلك لا شعور لهم بعبادتهم إياهم، وهم في الآخرة أعداء لهم، فليس لهم في الدنيا بهم نفع، وهم عليهم في الآخرة ضرر، كما قال تعالى: {سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضداً} وجاء {من لا يستجيب}، لأنهم يسندون إليهم ما يسند لأولي العلم من الاستجابة والغفلة؛ أو كأن {من لا يستجيب} يراد به من عبد من دون الله من إنس وجن وغيرهما، وغلب من يعقل، وحمل أولاً على لفظ {من لا يستجيب}، ثم على المعنى في: وهم من ما بعده. والظاهر عود الضمير أولاً على لفظ {من لا يستجيب}، ثم على المعنى في: وهم على معنى من في: {من لا يستجيب}، كما فسرناه. وقيل: يعود على معنى من في: {ومن أضل}، أي والكفار عن ضلالهم بأنهم يدعون من لا يستجيب. {غافلون}: لا يتأملون ما عليهم في دعائهم من هذه صفته.
{وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات}: جمع بينة، وهي الحجة الواضحة. واللام في {للحق}، لام العلة، أي لأجل الحق. وأتى بالظاهرين بدل المضمرين في {قال الذين كفروا للحق}، ولم يأت التركيب: قالوا لها، تنبيهاً على الوصفين: وصف المتلو عليهم بالكفر، ووصف المتلو عليهم بالحق، ولو جاء بهما الوصفين، لم يكن في ذلك دليل على الوصفين من حيث اللفظ، وإن كان من سمى الآيات سحراً هو كافر، والآيات في نفسها حق، ففي ذكرهما ظاهرين، يستحيل على القائلين بالكفر، وعلى المتلو بالحق.
وفي قوله: {لما جاءهم} تنبيه على أنهم لم يتأملوا ما يتلى عليهم، بل بادروا أول سماعه إلى نسبته إلى السحر عناداً وظلماً، ووصفوه بمبين، أي ظاهر، إنه سحر لا شبهة فيه.
{أم يقولون افتراه}: أي بل يقولون افتراه، أي بل أيقولون اختلقه؟ انتقلوا من قولهم: {هذا سحر} إلى هذه المقالة الأخرى. والضمير في افتراه عائد إلى الحق، والمراد به الآيات. {قل إن افتريته}، على سبيل الفرض، فالله حسبي في ذلك، وهو الذي يعاقبني على الافتراء عليه، ولا يمهلني؛ {فلا تملكون لي} عقوبة الله بي شيئاً. فكيف أفتريه وأتعرض لعقابه؟ يقال: فلان لا يملك إذا غضب، ولا يملك عنانه إذا صم؛ ومثله: {فمن يملك من الله شيئاً إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم} {ومن يريد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً} ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: «لا أملك لكم من الله شيئاً» ثم استسلم إلى الله واستنصر به فقال: {هو أعلم بما تفيضون فيه}: أي تندفعون فيه من الباطل، ومراده الحق، وتسميته تارة سحراً وتارة فرية. والضمير في فيه يحتمل أن يعود على ما، أو على القرآن، وبه في موضع الفاعل يكفي على أصح الأقوال. {شهيداً بيني وبينكم}: شهيد إليّ بالتبليغ والدعاء إليه، وشهيد عليكم بالتكذيب. {وهو الغفور الرحيم}: عدة لهم بالغفران والرحمة إن رجعوا عن الكفر، وإشعار بحلمه تعالى عليهم، إذ لم يعاجلهم بالعقاب، إذ كان ما تقدم تهديداً لهم في أن يعاجلهم على كفرهم. {قل ما كنت بدعاً من الرسل}: أي جاء قبلي غيري، قاله ابن عباس، والحسن، وقتادة، والبدع والبديع: من الأشياء ما لم ير مثله، ومنه قول عدي بن زيد، أنشده قطرب:
فما أنا بدع من حوادث تعتري ** رجالاً عرت من بعد بؤسي فأسعد

والبدع والبديع: كالخف والخفيف، والبدعة: ما اخترع مما لم يكن موجوداً، وأبدع الشاعر: جاء بالبديع، وشيء بدع، بالكسر: أي مبتدع، وفلان بدع في هذا الأمر: أي بديع، وقوم إبداع، عن الأخفش. وقرأ عكرمة، وأبو حيوة، وابن أبي عبلة: بفتح الدال، جمع بدعة، وهو على حذف مضاف، أي ذا بدع. وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون صفة على فعل، كقولهم: دين قيم ولحم زيم. انتهى. وهذا الذي أجازه، إن لم ينقل استعماله عن العرب، لم نجزه، لأن فعل في الصفات لم يحفظ منه سيبويه إلا عدى. قال سيبويه: ولا نعلمه جاء صفة إلا في حرف معتل يوصف به الجمع، وهو قوم عدي، وقد استدرك، واستدراكه صحيح.
وأما قيم، فأصله قيام وقيم، مقصور منه، ولذلك اعتلت الواو فيه، إذ لو لم يكن مقصوراً لصحت، كما صحت في حول وعوض. وأما قول العرب: مكان سوى، وماء روى، ورجل رضى، وماء صرى، وسبى طيبه، فمتأولة عند البصريين لا يثبتون بها فعلاً في الصفات. وعن مجاهد، وأبي حيوة: بدعا، بفتح الباء وكسر الدال، كحذر.
{وما أدري ما يفعل بي ولا بكم}: أي فيما يستقبل من الزمان، أي لا أعلم مالي بالغيب، فأفعاله تعالى، وما يقدره لي ولكم من قضاياه، لا أعلمها. وعن الحسن وجماعة: وما أدري ما يصير إليه أمري وأمركم في الدنيا، ومن الغالب منا والمغلوب؟ وعن الكلبي، قال له أصحابه، وقد ضجروا من أذى المشركين: حتى متى نكون على هذا؟ فقال: ما أدري ما يفعل بي ولا بكم أأنزل بمكة؟ أم أومر بالخروج إلى أرض قد رفعت ورأيتها، يعني في منامه، ذات نخل وشجر؟ وقال ابن عباس، وأنس بن مالك، وقتادة، والحسن، وعكرمة: معناه في الآخرة، وكان هذا في صدر الإسلام، ثم بعد ذلك عرفه الله تعالى أنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأن المؤمنين لهم من الله فضل كبير وهو الجنة، وبأن الكافرين في نار جهنم؛ وهذا القول ليس بظاهر، بل قد أعلم سبحانه من أول الرسالة حال الكافر وحال المؤمن. وقيل: {ما يفعل بي ولا بكم} من الأوامر والنواهي، وما يلزم الشريعة. وقيل: نزلت في أمر كان النبي صلى الله عليه وسلم ينتظره من الله في غير الثواب والعقاب.
{إن أتبع إلا ما يوحى إليّ}: استسلام وتبرؤ من علم المغيبات، ووقوف مع النذارة إلا من عذاب الله. وقرأ الجمهور: ما يفعل بضم الياء مبنياً للمفعول؛ وزيد بن عليّ، وابن أبي عبلة: بفتحها. والظاهر أن ما استفهامية، وأدري معلقة؛ فجملة الاستفهام موصولة منصوبة. انتهى. والفصيح المشهور أن دَرَى يتعدى بالباء، ولذلك حين عدي بهمزة النقل يتعدى بالباء، نحو قوله: {ولا أدراكم به} فجعل ما استفهامية هو الأولى والأجود، وكثيراً ما علقت في القرآن نحو: {وإن أدري أقريب}، ويفعل مثبت غير منفي، لكنه قد انسحب عليه النفي، لاشتماله على ما ويفعل؛ فلذلك قال: {ولا بكم}. ولولا اعتبار النفي، لكان التركيب {ما يفعل بي ولا بكم}. ألا ترى زيادة من في قوله: {أن ينزل عليكم من خير} لانسحاب قوله: {ما يود الذين كفروا} على يود وعلى متعلق يود، وهو أن ينزل، فاذا انتفت ودادة التنزيل انتفى التنزيل. وقرأ ابن عمير: ما يوحي، بكسر الحاء، أي الله عز وجل.
{قل أرأيتم}: مفعولاً أرأيتم محذوفان لدلالة المعنى عليهما، والتقدير: أرأيتم حالكم إن كان كذا؟ ألستم ظالمين؟ فالأول حالكم، والثاني ألستم ظالمين، وجواب الشرط محذوف؛ أي فقد ظلمتم، ولذلك جاء فعل الشرط ماضياً.
وقال الزمخشري: جواب الشرط محذوف تقديره: إن كان هذا القرآن من عند الله وكفرتم به، ألستم ظالمين؟ ويدل على هذا المحذوف قوله: {إن الله لا يهدي القوم الظالمين}. انتهى. وجملة الاستفهام لا تكون جواباً للشرط إلا بالفاء. فإن كانت الأداة الهمزة، تقدمت الفاء نحو: إن تزرنا، أفما نحسن إليك؟ أو غيرها تقدمت الفاء نحو: إن تزرنا، فهل ترى إلا خيراً؟ فقول الزمخشري: ألستم ظالمين؟ بغير فاء، لا يجوز أن يكون جواب الشرط. وقال ابن عطية: وأرأيتم يحتمل أن تكون منبهة، فهي لفظ موضوع للسؤال لا يقتضي مفعولاً. ويحتمل أن تكون الجملة: كان وما عملت فيه، تسد مسد مفعوليها. انتهى. وهذا خلاف ما قرره محققو النحاة في أرأيتم. وقيل: جواب الشرط.
{فآمن واستكبرتم}: أي فقد آمن محمد به، أو الشاهد، واستكبرتم أنتم عن الإيمان. وقال الحسن: تقديره فمن أضل منكم. وقيل: فمن المحق منا ومنكم، ومن المبطل؟ وقيل: إنما تهلكون، والضمير في به عائد على ما عاد عليه اسم كان، وهو القرآن. وقال الشعبي: يعود على الرسول، والشاهد عبد لله بن سلام، قاله الجمهور، وابن عباس، والحسن، وعكرمة، ومجاهد، وقتادة، وابن سيرين؛ والآية مدنية. وعن عبد الله بن سلام: نزلت في آيات من كتاب الله، نزلت في {وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم}. وقال مسروق: الشاهد موسى عليه السلام، لا ابن سلام، لأنه أسلم بالمدينة، والسورة مكية، والخطاب في {وكفرتم به} لقريش. وقال الشعبي: الشاهد من آمن من بني إسرائيل بموسى والتوارة، لأن ابن سلام أسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بعامين، والسورة مكية. وقال سعد بن أبي وقاص، ومجاهد، وفرقة: الآية مكية، والشاهد عبد الله بن سلام، وهي من الآيات التي تضمنت غيباً أبرزه الوجود، وعبد الله بن سلام مذكور في الصحيح، وفيه بهت لليهود لعنهم الله.
ومن كذب اليهود وجهلهم بالتاريخ، ما يعتقدونه في عبد الله بن سلام، أنه صلى الله عليه وسلم حين سافر إلى الشام في تجارة لخديجة رضي الله عنها، اجتمع بأحبار اليهود وقص عليهم أحلامه، فعلموا أنه صاحب دولة، وعموا، فأصحبوه عبد الله بن سلام، فقرأ علوم التوراة وفقهها مدة، زعموا وأفرطوا في كذبهم، إلى أن نسبوا الفصاحة المعجزة التي في القرآن إلى تأليف عبد الله بن سلام، وعبد الله هذا لم تعلم له إقامة بمكة ولا تردد إليها. فما أكذب اليهود وأبهتهم لعنهم الله. وناهيك من طائفة، ما ذم في القرآن طائفة مثلها.