فصل: تفسير الآيات (8- 12):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر المحيط في تفسير القرآن العظيم (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (8- 12):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12)}
ذكروا في النصوح أربعة وعشرين قولاً. وروي عن عمر وعبد الله وأبي ومعاذ أنها التي لا عودة بعدها، كما لا يعود اللبن إلى الضرع، ورفعه معاذ إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وقرأ الجمهور: {نصوحاً} بفتح النون، وصفاً لتوبة، وهو من أمثلة المبالغة، كضروب وقتول. وقرأ الحسن والأعرج وعيسى وأبو بكر عن عاصم، وخارجة عن نافع: بضمها، هو مصدر وصف به، ووصفها بالنصح على سبيل المجاز، إذ النصح صفة التائب، وهو أن ينصح نفسه بالتوبة، فيأتي بها على طريقها، وهي خلوصها من جميع الشوائب المفسدة لها، من قولهم: عسل ناصح، أي خالص من الشمع، أو من النصاحة وهي الخياطة، أي قد أحكمها وأوثقها، كما يحكم الخياط الثوب بخياطته وتوثيقه.
وسمع عليّ أعرابياً يقول: اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك، فقال: يا هذا إن سرعة اللسان بالتوبة توبة الكذابين، قال: وما التوبة؟ قال: يجمعها ستة أشياء: على الماضي من الذنوب الندامة، وعلى الفرائض الإعادة، ورد المظالم واستحلال الخصوم، وأن يعزم على أن لا يعودوا، وأن تدئب نفسك في طاعة الله كما أدأبتها في المعصية، وأن تذيقها مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعاصي. وعن حذيفة: بحسب الرجل من الشر أن يتوب من الذنب ثم يعود فيه. انتهى. ونصوحاً من نصح، فاحتمل وهو الظاهر أن تكون التوبة تنصح نفس التائب، واحتمل أن يكون متعلق النصح الناس، أي يدعوهم إلى مثلها لظهور أمرها على صاحبها. وقرأ زيد بن علي: توباً بغير تاء، ومن قرأ بالضم جاز أن يكون مصدراً وصف كما قدمناه، وجاز أن يكون مفعولاً له، أي توبوا لنصح أنفسكم. وقرأ الجمهور: {ويدخلكم} عطفاً على {أن يكفر}. وقال الزمخشري: عطفاً على محل عسى أن يكفر، كأنه قيل: توبوا يوجب تكفير سيآتكم ويدخلكم. انتهى. والأولى أن يكون حذف الحركة تخفيفاً وتشبيهاً لما هو من كلمتين بالكلمة الواحدة، تقول في قمع ونطع: قمع ونطع.
{يوم لا يخزي} منصوب بيدخلكم، ولا يخزي تعريض بمن أخزاهم الله من أهل الكفر، والنبي هو محمد رسول صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم تضرع إلى الله عز وجل في أمر أمته، فأوحى الله تعالى إليه: إن شئت جعلت حسابهم إليك، فقال: «يا رب أنت أرحم بهم»، فقال تعالى: إذاً لا أخزيك فيهم. وجاز أن يكون: {والذين} معطوفاً على {النبي}، فيدخلون في انتفاء الخزي. وجاز أن يكون مبتدأ، والخبر {نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم}. وقرأ سهل بن شعيب وأبو حيوة: وبإيمانهم بكسر الهمزة، وتقدم في الحديث. {يقولون ربنا أتمم لنا نورنا}. قال ابن عباس والحسن: يقولون ذلك إذا طفئ نور المنافقين.
وقال الحسن أيضاً: يدعونه تقرباً إليه، كقوله: {واستغفر لذنبِك} وهو مغفور له. وقيل: يقوله من يمر على الصراط زحفاً وحبوا. وقيل: يقوله من يعطى من النور مقدار ما يبصر به موضع قدميه. {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين}: تقدم نظير هذه الآية في التوبة.
{ضرب الله مثلاً للذين كفروا}: ضرب تعالى المثل لهم بامرأة نوح وامرأة لوط في أنهم لا ينفعهم في كفرهم لحمة نسب ولا وصلة صهر، إذ الكفر قاطع العلائق بين الكافر والمؤمن، وإن كان المؤمن في أقصى درجات العلا. ألا ترى إلى قوله تعالى: {إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح} كما لم ينفع تينك المرأتين كونهما زوجتي نبيين. وجاءت الكناية عن اسمهما العلمين بقوله: {عبدين من عبادنا}، لما في ذلك من التشريف بالإضافة إليه تعالى. ولم يأت التركيب بالضمير عنهما، فيكون تحتهما لما قصد من ذكر وصفهما بقوله: {صالحين}، لأن الصلاح هو الوصف الذي يمتاز به من اصطفاه الله تعالى بقوله في حق إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {وإنه في الآخرة لمن الصالحين} وفي قول يوسف عليه السلام: {وألحقني بالصالحين} وقول سليمان عليه الصلاة والسلام: {وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين} {فخانتاهما}، وذلك بكفرهما وقول امرأة نوح عليه السلام: هو مجنون، ونميمة امرأة لوط عليه السلام بمن ورد عليه من الأضياف، قاله ابن عباس. وقال: لم تزن امرأة نبي قط، ولا ابتلي في نسائه بالزنا. قال في التحرير: وهذا إجماع من المفسرين، وفي كتاب ابن عطية. وقال الحسن في كتاب النقاش: فخانتاهما بالكفر والزنا وغيره. وقال الزمخشري: ولا يجوز أن يراد بالخيانة الفجور، لأنه سمج في الطباع نقيصة عند كل أحد، بخلاف الكفر، فإن الكفر يستسمجونه ويسمونه حقاً. وقال الضحاك: خانتاهما بالنميمة، كان إذا أوحى إليه بشيء أفشتاه للمشركين، وقيل: خانتاهما بنفاقهما. قال مقاتل: اسم امرأة نوح والهة، واسم امرأة لوط والعة. {فلم يغنيا} بياء الغيبة، والألف ضمير نوح ولوط: أي على قربهما منهما فرق بينهما الخيانة. {وقيل ادخلا النار}: أي وقت موتهما، أو يوم القيامة؛ {مع الداخلين}: الذين لا وصلة بينهم وبين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أو مع من دخلها من إخوانكما من قوم نوح وقوم لوط. وقرأ مبشر بن عبيد: تغنيا بالتاء، والألف ضمير المرأتين، ومعنى {عنهما}: عن أنفسهما، ولابد من هذا المضاف إلا أن يجعل عن اسما، كهي في: دع عنك، لأنها إن كانت حرفاً، كان في ذلك تعدية الفعل الرافع للضمير المتصل إلى ضمير المجرور، وهو يجري مجرى المنصوب المتصل، وذلك لا يجوز.
{وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون}: مثل تعالى حال المؤمنين في أن وصلة الكفار لا تضرهم ولا تنقص من ثوابهم بحال امرأة فرعون، واسمها آسية بنت مزاحم، ولم يضرها كونها كانت تحت فرعون عدوّ الله تعالى والمدعي الإلهية، بل نجاها منه إيمانها؛ وبحال مريم، إذ أوتيت من كرامة الله تعالى في الدنيا والآخرة، والاصطفاء على نساء العالمين، مع أن قومها كانوا كفاراً.
{إذ قالت رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة}: هذا يدل على إيمانها وتصديقها بالبعث. قيل: كانت عمة موسى عليه السلام، وآمنت حين سمعت بتلقف عصاه ما أفك السحرة. طلبت من ربها القرب من رحمته، وكان ذلك أهم عندها، فقدمت الظرف، وهو {عندك بيتاً}، ثم بينت مكان القرب فقالت: {في الجنة}. وقال بعض الظرفاء: وقد سئل: اين في القرآن مثل قولهم: الجار قبل الدار؟ قال: قوله تعالى {ابن لي عندك بيتاً في الجنة}، فعندك هو المجاورة، وبيتاً في الجنة هو الدار، وقد تقدم {عندك} على قوله: {بيتًا}. {ونجني من فرعون}، قيل: دعت بهذه الدعوات حين أمر فرعون بتعذيبها لما عرف إيمانها بموسى عليه السلام. وذكر المفسرون أنواعاً مضطربة في تعذيبها، وليس في القرآن نصاً أنها عذبت. وقال الحسن: لما دعت بالنجاة، نجاها الله تعالى أكرم نجاة، فرفعها إلى الجنة تأكل وتشرب وتتنعم. وقيل: لما قالت: {ابن لي عندك بيتاً في الجنة}، أريت بيتها في الجنة يبنى، {وعمله}، قيل: كفره. وقيل: عذابه وظلمه وشماتته. وقال ابن عباس: الجماع. {ونجني من القوم الظالمين}، قال: أهل مصر، وقال مقاتل: القبط، وفي هذا دليل على الالتجاء إلى الله تعالى عند المحن وسؤال الخلاص منها، وإن ذلك من سنن الصالحين والأنبياء.
{ومريم}: معطوف على امرأة فرعون، {ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا}: تقدم تفسير نظير هذه في سورة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وقرأ الجمهور: ابنت بفتح التاء؛ وأيوب السختياني: ابنه بسكون الهاء وصلاً أجراه مجرى الوقف. وقرأ الجمهور: {فنفخنا فيه}: أي في الفرج؛ وعبد الله: فيها، كما في سورة الأنبياء، أي في الجملة. وجمع تعالى في التمثيل بين التي لها زوج والتي لا زوج لها تسلية للأرامل وتطييباً لقلوبهن. وقرأ الجمهور: {وصدقت} بشد الدال؛ ويعقوب وأبو مجلز وقتادة وعصمة عن عاصم: بخفها، أي كانت صادقة بما أخبرت به من أمر عيسى عليه السلام، وما أظهر الله له من الكرامات. وقرأ الجمهور: وكلماته جمعاً، فاحتمل أن تكون الصحف المنزلة على إدريس عليه السلام وغيره، وسماها كلمات لقصرها، ويكون المراد بكتبه: الكتب الأربعة. واحتمل أن تكون الكلمات: ما كلم الله تعالى به ملائكته وغيرهم، وبكتبه: جميع ما يكتب في اللوح وغيره. واحتمل أن تكون الكلمات: ما صدر في أمر عيسى عليه السلام. وقرأ الحسن ومجاهد والجحدري: بكلمة على التوحيد، فاحتمل أن يكون اسم جنس، واحتمل أن يكون كناية عن عيسى، لأنه قد أطلق عليه أنه كلمة الله ألقاها إلى مريم.
وقرأ أبو عمرو وحفص: وكتبه جمعاً، ورواه كذلك خارجة عن نافع. وقرأ باقي السبعة: وكتابه على الإفراد، فاحتمل أن يراد به الجنس، وأن يراد به الإنجيل لاسيما إن فسرت الكلمة بعيسى. وقرأ أبو رجاء: وكتبه. قال ابن عطية: بسكون التاء وكتبه، وذلك كله مراد به التوراة والإنجيل. وقال صاحب اللوامح أبو رجاء: وكتبه بفتح الكاف، وهو مصدر أقيم مقام الاسم. قال سهل: وكتبه أجمع من كتابه، لأن فيه وضع المضاف موضع الجنس، فالكتب عام، والكتاب هو الإنجيل فقط. انتهى.
{وكانت من القانتين}: غلب الذكورية على التأنيث، والقانتين شامل للذكور والإناث، ومن للتبعيض. وقال الزمخشري: ويجوز أن تكون لابتداء الغاية على أنها ولدت من القانتين، لأنها من أعقاب هارون أخي موسى، صلوات الله وسلامه عليهما، وقال يحيى بن سلام: مثل ضربه الله يحذر به عائشة وحفصة من المخالفة حين تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ضرب لهما مثلاً بامرأة فرعون ومريم ابنت عمران ترغيباً في التمسك بالطاعات والثبات على الدّين. انتهى. وأخذ الزمخشري كلام ابن سلام هذا وحسنه وزمكه بفصاحة فقال: وفي طيّ هذين التمثيلين تعريض بأمّي المؤمنين المذكورتين في أول السورة، وما فرط منهما من التظاهر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما كرهه، وتحذير لهما على أغلظ وجه وأشدّه لما في التمثيل من ذكر الكفر ونحوه. ومن التغليظ قوله: {ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} وإشارة إلى أن من حقهما أن يكونا في الإخلاص والكتمان فيه كمثل هاتين المؤمنتين، وأن لا يشكلا على أنهما زوجتا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن ذلك الفضل لا ينقصهما إلا مع كونهما مخلصين. والتعريض بحفصة أرج، لأن امرأة لوط أفشت عليه كما أفشت حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأسرار التنزيل ورموزه في كل باب بالغة من اللطف والخفاء حدّاً يدق عن تفطن العالم ويزل عن تبصره. انتهى. وقال ابن عطية: وقال بعض الناس: إن في المثلين عبرة لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم حين تقدم عتابهن، وفي هذا بعد، لأن النص أنه للكفار يبعد هذا، والله سبحانه وتعالى أعلم.

.سورة الملك:

.تفسير الآيات (1- 15):

{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4) وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5) وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11) إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)}
قال: {تبارك}: أي تعالى وتعاظم، {الذي بيده الملك}: وهو كناية عن الإحاطة والقهر، وكثيراً ما جاء نسبة اليد إليه تعالى كقوله: {فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء} {بيدك الخير} وذلك في حقه تعالى استعارة لتحقيق الملك، إذ كانت في عرف الآدميين آلة للتملك، والملك هنا هو على الإطلاق لا يبيد ولا يختل. وعن ابن عباس: ملك الملوك لقوله تعالى: {قل اللهم مالك الملك} وناسب الملك ذكر وصف القدرة والحياة ما يصح بوجوده الإحساس. ومعنى {خلق الموت}: إيجاد ذلك المصحح وإعدامه، والمعنى: خلق موتكم وحياتكم أيها المكلفون، وسمى علم الواقع منهم باختيارهم بلوى وهي الحيرة، استعارة من فعل المختبر. وفي الحديث أنه فسر {أيكم أحسن عملاً}: أي أحسن عقلاً وأشدّكم خوفاً وأحسنكم في أمره ونهيه نظراً، وإن كان أقلكم تطوعاً. وعن ابن عباس والحسن والثوري: أزهدكم في الدنيا. وقيل: كنى بالموت عن الدنيا، إذ هو واقع فيها، وعن الآخرة بالحياة من حيث لا موت فيها، فكأنه قال: هو الذي خلق الدنيا والآخرة، وصفهما بالمصدرين، وقدّم الموت لأنه أهيب في النفوس. وليبلوكم متعلق بخلق. {وإيكم أحسن عملاً} مبتدأ وخبر، فقدر الحوفي قبلها فعلاً تكون الجملة في موضع معموله، وهو معلق عنها تقديره: فينظر، وقدّر ابن عطية فينظر أو فيعلم.
وقال الزمخشري: فإن قلت: من أين تعلق قوله: {أيكم أحسن عملاً} بفعل البلوى؟ قلت: من حيث أنه تضمن معنى العلم، فكأنه قيل: ليعلمكم أيكم أحسن عملاً، وإذا قلت: علمته أزيد أحسن عملاً أم هو؟ كانت هذه الجملة واقعة موقع الثاني من مفعوليه، كما تقول: علمته هو أحسن عملاً. فإن قلت: أيسمى هذا تعليقاً؟ قلت: لا، إنما التعليق أن توقع بعده ما يسد مسدّ المفعولين جميعاً، كقولك: علمت أيهما عمرو، وعلمت أزيد منطلق. ألا ترى أنه لا فصل بعد سبق أحد المفعولين بين أن يقع ما بعده مصدّراً بحرف الاستفهام وغير مصدّر به؟ ولو كان تعليقاً لافترقت الحالتان، كما افترقتا في قولك: علمت أزيد منطلق، وعلمت زيداً منطلقاً. انتهى. وأصحابنا يسمون ما منعه الزمخشري تعليقاً، فيقولون في الفعل إذا عدى إلى اثنين ونصب الأول، وجاءت بعده جملة استفهامية، أو بلام الابتداء، أو بحرف نفي، كانت الجملة معلقاً عنها الفعل، وكانت في موضع نصب، كما لو وقعت في موضع المفعولين وفيها ما يعلق الفعل عن العمل. وقد تقدّم الكلام على مثل هذه الجملة في الكهف في قوله تعالى: {لنبلوهم أيهم أحسن عملاً}، وانتصب {طباقاً} على الوصف السبع، فإما أن يكون مصدر طابق مطابقة وطباقاً لقولهم: النعل خصفها طبقاً على طبق، وصف به على سبيل المبالغة، أو على حذف مضاف، أي ذا طباق؛ وإما جمع طبق كجمل وجمال، أو جمع طبقة كرحبة ورحاب، والمعنى: بعضها فوق بعض.
وما ذكر من مواد هذه السموات. فالأولى من موج مكفوف، والثانية من درّة بيضاء، والثالثة من حديد، والرابعة من نحاس، والخامسة من فضة، والسادسة من ذهب، والسابعة من زمردة بيضاء يحتاج إلى نقل صحيح، وقد كان بعض من ينتمي إلى الصلاح، وكان أعمى لا يبصر موضع قدمه، يخبر أنه يشاهد السموات على بعض أوصاف مما ذكرنا. {من تفاوت}، قال ابن عباس: من تفرّق. وقال السدّي: من عيب. وقال عطاء بن يسار: من عدم استواء. وقال ثعلب: أصله من الفوت، وهو أن يفوت شيء شيئاً من الخلل. وقيل: من اضطراب. وقيل: من اعوجاج. وقيل: من تناقض. وقيل: من اختلاف. وقيل: من عدم التناسب والتفاوت، تجاوز الحد الذي تجب له زيادة أو نقص. قال بعض الأدباء:
تناسبت الأعضاء فيه فلا ترى ** بهن اختلافاً بل أتين على قدر

وقرأ الجمهور: {من تفاوت}، بألف مصدر تفاوت؛ وعبد الله وعلقمة والأسود وابن جبير وطلحة والأعمش: بشدّ الواو، مصدر تفوّت. وحكى أبو زيد عن العربي: تفاوتاً بضم الواو وفتحها وكسرها، والفتح والكسر شاذان. والظاهر عموم خلق الرحمن من الأفلاك وغيرها، فإنه لا تفوت فيه ولا فطور، بل كل جار على الإتقان. وقيل: المراد في {خلق الرحمن} السموات فقط، والظاهر أن قوله تعالى: {ما ترى} استئناف أنه لا يدرك في خلقه تعالى تفاوت، وجعل الزمخشري هذه الجملة صفة متابعة لقوله: {طباقاً}، أصلها ما ترى فيهن من تفاوت، فوضع مكان الضمير قوله: {خلق الرحمن} تعظيماً لخلقهن وتنبيهاً على سبب سلامتهن من التفاوت، وهو أنه خلق الرحمن، وأنه بباهر قدرته هو الذي يخلق مثل ذلك الخلق المناسب. انتهى. والخطاب في ترى لكل مخاطب، أو للرسول صلى الله عليه وسلم. ولما أخبر تعالى أنه لا تفاوت في خلقه، أمر بترديد البصر في الخلق المناسب فقال: {فارجع}، ففي الفاء معنى التسبب، والمعنى: أن العيان يطابق الخبر. و{الفطور}، قال مجاهد: الشقوق، فطر ناب البعير: شق اللحم وظهر، قال الشاعر:
بنى لكم بلا عمد سماء ** وسوّاها فما فيها فطور

وقال أبو عبيدة: صدوع، وأنشد قول عبيد بن مسعود:
شققت القلب ثم رددت فيه ** هواك فليط فالتأم الفطور

وقال السدي: خروق. وقال قتادة: خلل، ومنه التفطير والانفطار. وقال ابن عباس: وهن وهذه تفاسير متقاربة، والجملة من قوله: {هل ترى من فطور} في موضع نصب بفعل معلق محذوف، أي فانظر هل ترى، أو ضمن معنى {فارجع البصر} معنى فانظر ببصرك هل ترى؟ فيكون معلقاً. {ثم ارجع البصر}: أي ردده كرتين هي تثنية لا شفع الواحد، بل يراد بها التكرار، كأنه قال: كرة بعد كرة، أي كرات كثيرة، كقوله: لبيك، يريد إجابات كثيرة بعضها في إثر بعض، وأريد بالتنثية التكثير، كما أريد بما هو أصل لها التكثير، وهو مفرد عطف على مفرد، نحو قوله:
لو عدّ قبر وقبر كان أكرمهم ** بيتاً وأبعدهم عن منزل الزام

يريد: لوعدت قبور كثيرة. وقال ابن عطية وغيره: {كرتين} معناه مرتين ونصبها على المصدر. وقيل: أمر برجع البصر إلى السماء مرتين، غلط في الأولى، فيستدرك بالثانية. وقيل: الأولى ليرى حسنها واستواءها، والثانية ليبصر كواكبها في سيرها وانتهائها. وقرأ الجمهور: {ينقلب} جزماً على جواب الأمر؛ والخوارزمي عن الكسائي: يرفع الباء، أي فينقلب على حذف الفاء، أو على أنه موضع حال مقدرة، أي إن رجعت البصر وكررت النظر لتطلب فطور شقوق أو خللاً أو عيباً، رجع إليك مبعداً عما طلبته لانتفاء ذلك عنها، وهو كالّ من كثرة النظر، وكلاله يدل على أن المراد بالكرتين ليس شفع الواحد، لأنه لا يكل البصر بالنظر مرتين اثنتين. والحسير: الكال، قال الشاعر:
لهن الوجى لم كر عوناً على النوى ** ولا زال منها ظالع وحسير

يقال: حسر بعيره يحسر حسوراً: أي كلّ وانقطع فهو حسير ومحسور، قال الشاعر يصف ناقة:
فشطرها نظر العينين محسور

أي: ونحرها، وقد جمع حسير بمعنى أعيا وكل، قال الشاعر:
بها جيف الحسرى فأما عظامها

{السماء الدنيا}: هي التي نشاهدها، والدنو أمر نسبي وإلا فليست قريبة، {بمصابيح}: أي بنجوم مضيئة كالمصابيح، ومصابيح مطلق الأعلام، فلا يدل على أن غير سماء الدنيا ليست فيها مصابيح. {وجعلناها رجوماً للشياطين}: أي جعلنا منها، لأن السماء ذاتها ليست يرجم بها الرجوم هذا إن عاد الضمير في قوله: {وجعلناها} على السماء. والظاهر عوده على مصابيح. ونسب الرجم إليها، لأن الشهاب المتبع للمسترق منفصل من نارها، والكواكب قارّ في ملكه على حاله. فالشهاب كقبس يؤخذ من النار، والنار باقية لا تنقص. والظاهر أن الشياطين هم مسترقو السمع، وأن الرجم هو حقيقة يرمون بالشهب، كما تقدم في سورة الحجر وسورة والصافات. وقيل: معنى رجوماً: ظنوناً لشياطين الإنس، وهم المنجمون ينسبون إلى النجوم أشياء على جهة الظن من جهالهم، والتمويه والاختلاق من أزكيائهم، ولهم في ذلك تصانيف تشتمل على خرافات يموهون بها على الملوك وضعفاء العقول، ويعملون موالد يحكمون فيها بالأشياء لا يصح منها شيء. وقد وقفنا على أشياء من كذبهم في تلك الموالد، وما يحكونه عن أبي معشر وغيره من شيوخ السوء كذب يغرون به الناس الجهال. وقال قتادة: خلق الله تعالى النجوم زينة للسماء ورجوماً للشياطين، وليهتدي بها في البر والبحر؛ فمن قال غير هذه الخصال الثلاث فقد تكلف وأذهب حظه من الآخرة. والضمير في لهم عائد على الشياطين.
وقرأ الجمهور: {عذاب جهنم} برفع الباء؛ والضحاك والأعرج وأسيد بن أسيد المزني والحسن في رواية هارون عنه: بالنصب عطفاً على {عذاب السعير}، أي وأعتدنا للذين كفروا عذاب جهنم.
{إذا ألقوا فيها}: أي طرحوا، كما يطرح الحطب في النار العظيمة ويرمى به، ومثله حصب جهنم، {سمعوا لها}: أي لجهنم، {شهيقاً}: أي صوتاً منكراً كصوت الحمار، تصوت مثل ذلك لشدة توقدها وغليانها. ويحتمل أن يكون على حذف مضاف، أي سمعوا لأهلها، كما قال تعالى: {لهم فيها زفير وشهيق} {وهي تفور}: تغلي بهم غلي المرجل. {تكاد تميز}: أي ينفصل بعضها من بعض لشدة اضطرابها، ويقال: فلان يتميز من الغيظ إذا وصفوه بالإفراط في الغضب. وقرأ الجمهور: {تميز} بتاء واحدة خفيفة، والبزي يشدّدها، وطلحة: بتاءين، وأبو عمرو: بإدغام الدال في التاء، والضحاك: تمايز على وزن تفاعل، وأصله تتمايز بتاءين؛ وزيد بن علي وابن أبي عبلة: تميز من ماز من الغيظ على الكفرة، جعلت كالمغتاظة عليهم لشدة غليانها بهم، ومثل هذا في التجوز قول الشاعر:
في كلب يشتد في جريه ** يكاد أن يخرج من إهابه

وقولهم: غضب فلان، فطارت منه شقة في الأرض وشقة في السماء إذا أفرط في الغضب. ويجوز أن يراد من غيظ الزبانية. {كلما ألقي فيها فوج}: أي فريق من الكفار، {سألهم خزنتها}: سؤال توبيخ وتقريع، وهو مما يزيدهم عذاباً إلى عذابهم، وخزنتها: مالك وأعوانها، {ألم يأتكم نذير}: ينذركم بهذا اليوم، {قالوا بلى}: اعتراف بمجيء النذر إليهم. قال الزمخشري: اعتراف منهم بعدل الله، وإقرار بأنه عز وعلا أزاح عللهم ببعثة الرسل وإنذارهم فيما وقعوا فيه، وأنهم لم يؤتوا من قدره كما تزعم المجبرة، وإنما أتوا من قبل أنفسهم واختيارهم، خلاف ما اختار الله وأمر به وأوعد على ضده. انتهى، وهو على طريق المعتزلة. والظاهر أن قوله: {إن أنتم إلا في ضلال كبير}، من قول الكفار للرسل الذين جاءوا نذراً إليهم، أنكروا أولاً أن الله نزل شيئاً، واستجهلوا ثانياً من أخبر بأنه تعالى أرسل إليهم الرسل، وأن قائل ذلك في حيرة عظيمة. ويجوز أن يكون من قول الخزنة للكفار إخباراً لهم وتقريعاً بما كانوا عليه في الدنيا. أرادوا بالضلال الهلاك الذي هم فيه، أوسموا عقاب الضلال ضلالاً لما كان ناشئاً عن الضلال. وقال الزمخشري: أو من كلام الرسل لهم حكوه للخزنة، أي قالوا لنا هذا فلم نقبله. انتهى. فإن كان الخطاب في {إن أنتم} للرسل، فقد يراد به الجنس، ولذلك جاء الخطاب بالجمع. {وقالوا}: أي للخزنة حين حاوروهم، {لو كنا نسمع} سماع طالب للحق، {أو نعقل}. عقل متأمل له، لم نستوجب الخلود في النار. {فاعترفوا بذنبهم}: أي بتكذيب الرسل، {فسحقاً}: أي فبعداً لهم، وهو دعاء عليهم، والسحق: البعد، وانتصابه على المصدر: أي سحقهم الله سحقاً، قال الشاعر:
يجول بأطراف البلاد مغرباً ** وتسحقه ريح الصبا كل مسحق

والفعل منه ثلاثي. وقال الزجاج: أي أسحقهم الله سحقاً، أي باعدهم بعداً. وقال أبو علي الفارسي: القياس إسحاقاً، فجاء المصدر على الحذف، كما قيل:
وإن أهلك فذلك كان قدري

أي تقديري. انتهى، ولا يحتاج إلى ادعاء الحذف في المصدر لأن فعله قد جاء ثلاثياً، كما أنشد:
وتسحقه ريح الصبا كل مسحق

وقرأ الجمهور: بسكون الحاء؛ وعلي وأبو جعفر والكسائي، بخلاف عن أبي الحرث عنه: بضمها. قال ابن عطية: {فسحقاً}: نصباً على جهة الدعاء عليهم، وجاز ذلك فيه، وهو من قبل الله تعالى من حيث هذا القول فيهم مستقر أولاً، ووجوده لم يقع إلا في الآخرة، فكأنه لذلك في حيز المتوقع الذي يدعى به، كما تقول: سحقاً لزيد وبعداً، والنصب في هذا كله بإضمار فعل، وإن وقع وثبت، فالوجه فيه الرفع، كما قال تعالى: {ويل للمطففين} و{سلام عليكم} وغير هذا من الأمثلة. انتهى. {يخشون ربهم بالغيب}: أي الذي أخبروا به من أمر المعاد وأحواله، أو غائبين عن أعين الناس، أي في خلواتهم، كقوله: ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه. {وأسروا قولكم}: خطاب لجميع الخلق. قال ابن عباس: وسببه أن بعض المشركين قال لبعض: أسروا قولكم لا يسمعكم إله محمد. {ألا يعلم من خلق}: الهمزة للاستفهام ولا للنفي، والظاهر أن من مفعول، والمعنى: أينتفي علمه بمن خلق، وهو الذي لطف علمه ودق وأحاط بخفيات الأمور وجلياتها؟ وأجاز بعض النحاة أن يكون من فاعلاً والمفعول محذوف، كأنه قال: ألا يعلم الخالق سركم وجهركم؟ وهو استفهام معناه الإنكار، أي كيف لا يعلم ما تكلم به من خلق الأشياء وأوجدها من العدم الصرف وحاله أنه اللطيف الخبير المتوصل علمه إلى ما ظهر من خلقه وما بطن؟
{هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً}: منة منه تعالى بذلك، والذلول فعول للمبالغة، من ذلك تقول: دابة ذلول: بينة الذل، ورجل ذليل: بين الذل. وقال ابن عطية: والذلول فعول بمعنى مفعول، أي مذلولة، فهي كركوب وحلوب. انتهى. وليس بمعنى مفعول لأن فعله قاصر، وإنما تعدى بالهمزة كقوله: {وتذل من تشاء} وأما بالتضعيف لقوله: {وذللناها لهم} وقوله: أي مذلولة يظهر أنه خطأ. {فامشوا في مناكبها}: أمر بالتصرف فيها والاكتساب؛ ومناكبها، قال ابن عباس وقتادة وبشر بن كعب: أطرافها، وهي الجبال. وقال الفراء والكلبي ومنذر بن سعيد: جوانبها، ومنكبا الرجل: جانباه. وقال الحسن والسدي: طرفها وفجاجها. قال الزمخشري: والمشي في مناكبها مثل لفرط التذليل ومجازوته الغاية، لأن المنكبين وملتقاهما من الغارب أرق شيء من البعير وأنبأه عن أن يطأه الراكب بقدمه ويعتمد عليه، فإذا جعلها في الذل بحيث يمشي في مناكبها لم ينزل. انتهى. وقال الزجاج: سهل لكم السلوك في جبالها فهو أبلغ التذليل. {وإليه النشور}: أي البعث، فسألكم عن شكر هذه النعمة عليكم.