فصل: سورة الانفطار:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر المحيط في تفسير القرآن العظيم (نسخة منقحة)



.سورة الانفطار:

.تفسير الآيات (1- 19):

{إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5) يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8) كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12) إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18) يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19)}
انفطارها تقدم الكلام فيه، وانتثار الكواكب: سقوطها من مواضعها كالنظام. وقرأ الجمهور: {فجرت} بتشديد الجيم؛ ومجاهد والربيع بن خيثم والزعفراني والثوري: بخفها، وتفجيرها من امتلائها، فتفجر من أعلاها وتفيض على ما يليها، أو من أسفلها فيذهب الله ماءها حيث أراد. وعن مجاهد: فجرت مبنياً للفاعل مخففاً بمعنى: بغت لزوال البرزخ نظراً إلى قوله تعالى: {لا يبغيان} لأن البغي والفجر متقابلان. {بعثرت}، قال ابن عباس: بحثت. وقال السدي: أثيرت لبعث الأموات. وقال الفراء: أخرج ما في بطنها من الذهب والفضة. وقال الزمخشري: بعثر وبحثر بمعنى واحد، وهما مركبان من البعث والبحث مع راء مضمومة إليهما، والمعنى: بحثت وأخرج موتاها. وقيل: لبراءة المبعثرة، لأنها بعثرت أسرار المنافقين. انتهى. فظاهر قوله أنهما مركبان أن مادتهما ما ذكر، وأن الراء ضمت إلى هذه المادة، والأمر ليس كما يقتضيه كلامه، لأن الراء ليست من حروف الزيادة، بل هما مادتان مختلفتان وإن اتفقا من حيث المعنى. وأما أن إحداهما مركبة من كذا فلا، ونظيره قولهم: دمث ودمثر وسب وسبطر. {ما قدمت وأخرت}: تقدم الكلام على شبهه في سورة القيامة.
وقرأ الجمهور: {ما غرك}، فما استفهامية. وقرأ ابن جبير والأعمش: ما أغرك بهمز، فاحتمل أن يكون تعجباً، واحتمل أن تكون ما استفهامية، وأغرك بمعنى أدخلك في الغر. وقال الزمخشري: من قولك غر الرجل فهو غار، إذا غفل من قولك بينهم العدو وهم غارون، وأغرة غيره: جعله غاراً. انتهى. وروي أنه عليه الصلاة والسلام قرأ: {ما غرك بربك الكريم}، فقال: جهله وقاله عمر رضي الله تعالى عنه وقرأ أنه كان ظلوماً جهولاً، وهذا يترتب في الكافر والعاصي. وقال قتادة: عدوه المسلط عليه، وقيل: ستر الله عليه. وقيل: كرم الله ولطفه يلقن هذا الجواب، فهذا لطف بالعاصي المؤمن. وقيل: عفوه عنه إن لم يعاقبه أول مرة. وقال الفضيل رضي الله عنه: ستره المرخى. وقال ابن السماك:
يا كاتم الذنب أما تستحي ** والله في الخلوة رائيكا

غرك من ربك إمهاله ** وستره طول مساويكا

وقال الزمخشري: في جواب الفضيل، وهذا على سبيل الاعتراف بالخطأ. بالاغترار: بالستر، وليس باعتذار كما يظنه الطماع، ويظن به قصاص الحشوية، ويروون عن أئمتهم إنما قال: {بربك الكريم} دون سائر صفاته، ليلقن عبده الجواب حتى يقول: غرني كونه الكريم. انتهى. وهو عادته في الطعن على أهل السنة. {فسواك}: جعلك سوياً في أعضائك، {فعدلك}: صيرك معتدلاً متناسب الخلق من غير تفاوت. وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد وطلحة والأعمش وعيسى وأبو جعفر والكوفيون: بخف الدال؛ وباقي السبعة: بشدها. وقراءة التخفيف إما أن تكون كقراءة التشديد، أي عدل بعض أعضائك ببعض حتى اعتدلت، وإما أن يكون معناه فصرفك.
يقال: عدله عن الطريق: أي عدلك عن خلقة غيرك إلى خلقة حسنة مفارقة لسائر الخلق، أو فعدلك إلى بعض الأشكال والهيئات. والظاهر أن قوله:.
{في أي صورة} يتعلق بربك، أي وضعك في صورة اقتضتها مشيئة من حسن وطول وذكورة، وشبه ببعض الأقارب أو مقابل ذلك. وما زائدة، وشاء في موضع الصفة لصورة، ولم يعطف {ركبك} بالفاء كالذي قبله، لأنه بيان لعدلك، وكون في أي صورة متعلقاً بربك هو قول الجمهور. وقيل: يتعلق بمحذوف، أي ركبك حاصلاً في بعض الصور. وقال بعض المتأولين: إنه يتعلق بقوله: {فعدلك}، أي: لك في صورة، أي صورة؛ وأي تقتضي التعجيب والتعظيم، فلم يجعلك في صورة خنزير أو حمار؛ وعلى هذا تكون ما منصوبة بشاء، كأنه قال: أي تركيب حسن شاء ركبك، والتركيب: التأليف وجمع شيء إلى شيء. وأدغم خارجة عن نافع ركبك كلا، كأبي عمرو في إدغامه الكبير. وكلا: ردع وزجر لما دل عليه ما قبله من اغترارهم بالله تعالى، أو لما دل عليه ما بعد كلا من تكذيبهم بيوم الجزاء والدين أو شريعة الإسلام. وقرأ الجمهور: {بل تكذبون} بالتاء، خطاباً للكفار؛ والحسن وأبو جعفر وشيبة وأبو بشر: بياء الغيبة.
{وإن عليكم لحافظين}: استئناف إخبار، أي عليهم من يحفظ أعمالهم ويضبطها. ويظهر أنها جملة حالية، والواو واو الحال، أي تكذبون بيوم الجزاء. والكاتبون: الحفظة يضبطون أعمالكم لأن تجازوا عليها، وفي تعظيم الكتبة بالثناء عليهم تعظيم لأمر الجزاء. وقرأ الجمهور: {يصلونها}، مضارع صلى مخففاً؛ وابن مقسم: مشدّداً مبنياً للمفعول. {يعلمون ما تفعلون}، فيكتبون ما تعلق به الجزاء. قال الحسن: يعلمون ما ظهر دون حديث النفس. وقال سفيان: إذا هم العبد بالحسنة أو السيئة، وجد الكاتبان ريحها. وقال الحسين بن الفضل: حيث قال يعلمون ولم يقل يكتبون دل على أنه لا يكتب الجميع فيخرج عنه السهو والخطأ وما لا تبعة فيه. {وما هم عنها بغائبين}: أي عن الجحيم، أي لا يمكنهم الغيبة، كقوله: {وما هم بخارجين من النار} وقيل: إنهم مشاهدوها في البرزخ. لما أخبر عن صلبهم يوم القيامة، أخبر بانتفاء غيبتهم عنها قبل الصلي، أي يرون مقاعدهم من النار.
{وما أدراك}: تعظيم لهول ذلك اليوم. وقرأ ابن أبي إسحاق وعيسى وابن جندب وابن كثير وأبو عمرو: {يوم لا تملك} برفع الميم، أي هو يوم، وأجاز الزمخشري فيه أن يكون بدلاً مما قبله. وقرأ محبوب عن أبي عمرو: يوم لا تملك على التنكير منوناً مرفوعاً فكه عن الإضافة وارتفاعه على هو يوم، ولا تملك جملة في موضع الصفة، والعائد محذوف، أي لا تملك فيه. وقرأ زيد بن علي والحسن وأبو جعفر وشيبة والأعرج وباقي السبعة: يوم بالفتح على الظرف، فعند البصريين هي حركة إعراب، وعند الكوفيين يجوز أن تكون حركة بناء، وهو على التقديرين في موضع رفع خبر المحذوف تقديره: الجزاء يوم لا تملك، أو في موضع نصب على الظرف، أي يدانون يوم لا تملك، أو على أنه مفعول به، أي اذكر يوم لا تملك.
ويجوز على رأي من يجيز بناءه أن يكون في موضع رفع خبر المبتدأ محذوف تقديره: هو. {يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً}: عام كقوله: {فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعاً ولا ضراً} وقال مقاتل: لنفس كافرة شيئاً من المنفعة. {والأمر يومئذ لله}، قال قتادة: وكذلك هو اليوم، لكنه هناك لا يدعي أحد منازعة، ولا يمكن هو أحداً مما كان ملكه في الدنيا.

.سورة المطففين:

.تفسير الآيات (1- 17):

{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6) كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (8) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (9) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13) كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16) ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (17)}
لما ذكر تعالى السعداء والأشقياء ويوم الجزاء وعظم شأن يومه، ذكر ما أعد لبعض العصاة، وذكرهم بأخس ما يقع من المعصية، وهي التطفيف الذي لا يكاد يجدي شيئاً في تثمير المال وتنميته.
{إذا اكتالوا على الناس}: قبضوا لهم، {وإذا كالوهم أو وزنوهم}، أقبضوهم. وقال الفراء: من وعلى يعتقبان هنا، اكتلت على الناس، واكتلت من الناس. فإذا قال: اكتلت منك، فكأنه قال: استوفيت منك؛ وإذا قال: اكتلت عليك؛ فكأنه قال: أخذت ما عليك، والظاهر أن على متعلق باكتالوا كما قررنا. وقال الزمخشري: لما كان اكتيالهم من الناس اكتيالاً يضرهم ويتحامل فيه عليهم، أبدل على مكان من للدلالة على ذلك؛ ويجوز أن يتعلق بيستوفون، أي يستوفون على الناس خاصة، فأما أنفسهم فيستوفون لها. انتهى. وكال ووزن مما يتعدى بحرف الجر، فتقول: كلت لك ووزنت لك، ويجوز حذف اللام، كقولك: نصحت لك ونصحتك، وشكرت لك وشكرتك؛ والضمير ضمير نصب، أي كالوا لهم أو وزنوا لهم، فحذف حرف الجر ووصل الفعل بنفسه، والمفعول محذوف وهو المكيل والموزون. وعن عيسى وحمزة: المكيل له والموزون له محذوف، وهم ضمير مرفوع تأكيد للضمير المرفوع الذي هو الواو. وقال الزمخشري: ولا يصح أن يكون ضميراً مرفوعاً للمطففين، لأن الكلام يخرج به إلى نظم فاسد، وذلك أن المعنى: إذا أخذوا من الناس استوفوا، وإذا أعطوهم أخسروا. وإن جعلت الضمير للمطففين، انقلب إلى قولك: إذا أخذوا من الناس استوفوا، وإذا تولوا الكيل أو الوزن هم على الخصوص أخسروا، وهو كلام متنافر، لأن الحديث واقع في الفعل لا في المباشر. انتهى. ولا تنافر فيه بوجه، ولا فرق بين أن يؤكد الضمير وأن لا يؤكد، والحديث واقع في الفعل. غاية ما في هذا أن متعلق الاستيفاء، وهو على الناس، مذكور وهو في {كالوهم أو وزنوهم}، محذوف للعلم به لأنه معلوم أنهم لا يخسرون الكيل والميزان إذا كان لأنفسهم، إنما يخسرون ذلك لغيرهم. وقال الزمخشري: فإن قلت: هل لا. قيل أو اتزنوا، كما قيل أو وزنوهم؟ قلت: كأن المطففين كانوا لا يأخذون ما يكال ويوزن إلا بالمكاييل دون الموازين لتمكنهم بالاكتيال من الاستيفاء والسرقة، لأنهم يدعدعون ويحتالون في الملء، وإذا أعطوا كالوا أو وزنوا لتمكنهم من البخس في النوعين جميعاً. {يخسرون}: ينقصون. انتهى. ويخسرون معدّى بالهمزة، يقال: خسر الرجل وأخسره غيره.
{ألا يظن}: توقيف على أمر القيامة وإنكار عليهم في فعلهم ذلك، أي {ليوم عظيم}، وهو يوم القيامة، ويوم ظرف، العامل فيه مقدر، أي يبعثون يوم يقوم الناس. ويجوز أن يعمل فيه مبعوثون، ويكون معنى {ليوم}: أي لحساب يوم. وقال الفراء: هو بدل من يوم عظيم، لكنه بني وقرئ {يوم يقوم} بالجر، وهو بدل من {ليوم}، حكاه أبو معاد.
وقرأ زيد بن عليّ: يوم بالرفع، أي ذلك يوم، ويظن بمعنى يوقن، أو هو على وضعه من الترجيح. وفي هذا الإنكار والتعجب، ووصف اليوم بالعظم، وقيام الناس لله خاضعين، ووصفه برب العالمين، دليل على عظم هذا الذنب وهو التطفيف. {كلا}: ردع لما كانوا عليه من التطفيف، وهذا القيام تختلف الناس فيه بحسب أحوالهم، وفي هذا القيام إلجام العرق للناس، وأحوالهم فيه مختلفة، كما ورد في الحديث. والفجار: الكفار، وكتابهم هو الذي فيه تحصيل أعمالهم. {وسجين}، قال الجمهور: فعيل من السجن، كسكير، أو في موضع ساجن، فجاء بناء مبالغة، فسجين على هذا صفة لموضع المحذوف. قال ابن مقبل:
ورفقة يضربون البيض ضاحية ** ضرباً تواصت به الأبطال سجينا

وقال الزمخشري: فإن قلت: {ما سجين}، أصفة هو أم اسم؟ قلت: بل هو اسم علم منقول من وصف كحاتم، وهو منصرف لأنه ليس فيه إلا سبب واحد وهو التعريف. انتهى. وكان قد قدم أنه كتاب جامع، وهو ديوان الشر، دوّن الله فيه أعمال الشياطين وأعمال الكفرة والفسقة من الجن والإنس، وهو: {كتاب مرقوم}: مسطور بين الكتابة، أو معلم يعلم من رآه أنه لا خير فيه، والمعنى: أن ما كتب من أعمال الفجار مثبت في ذلك الديوان. انتهى. واختلفوا في سجين إذا كان مكاناً اختلافاً مضطرباً حذفنا ذكره. والظاهر أن سجيناً هو كتاب، ولذلك أبدل منه {كتاب مرقوم}. وقال عكرمة: سجين عبارة عن الخسار والهوان، كما تقول: بلغ فلان الحضيض إذا صار في غاية الجمود. وقال بعض اللغويين: سجين، نونه بدل من لام، وهو من السجيل، فتلخص من أقوالهم أن سجين نونه أصلية، أو بدل من لام. وإذا كانت أصلية، فاشتقاقه من السجن. وقيل: هو مكان، فيكون {كتاب مرقوم} خبر مبتدأ محذوف، أي هو كتاب. وعني بالضمير عوده على {كتاب الفجار}، أو على {سجين} على حذف، أي هو محل {كتاب مرقوم}، و{كتاب مرقوم} تفسير له على جهة البدل أو خبر مبتدأ. والضمير المقدر الذي هو عائد على {سجين}، أو كناية عن الخسار والهوان، هل هو صفة أو علم؟ {وما أدراك ما سجين}: أي ليس ذلك مما كنت تعلم. مرقوم: أي مثبت كالرقم لا يبلى ولا يمحى. قال قتادة: رقم لهم: بشر، لا يزاد فيهم أحد ولا ينقص منهم أحد. وقال ابن عباس والضحاك: مرقوم: مختوم بلغة حمير، وأصل الرقم الكتابة، ومنه قول الشاعر:
سأرقم في الماء القراح إليكم ** على بعدكم إن كان للماء راقم

وتبين من الإعراب السابق أن {كتاب مرقوم} بدل أو خبر مبتدأ محذوف. وكان ابن عطية قد قال: إن سجيناً موضع ساجن على قول الجمهور، وعبارة عن الخسار على قول عكرمة، من قال: {كتاب مرقوم}.
من قال بالقول الأول في سجين، فكتاب مرتفع عنده على خبر إن، والظرف الذي هو {لفي سجين} ملغى. ومن قال في سجين بالقول الثاني، فكتاب مرقوم على خبر ابتداء مضمر التقدير هو {كتاب مرقوم}، ويكون هذا الكتاب مفسراً لسجين ما هو. انتهى. فقوله: والظرف الذي هو {لفي سجين} ملغى قول لا يصح، لأن اللام التي في {لَفِى سِجّينٍ} داخلة على الخبر، وإذا كانت داخلة على الخبر، فلا إلغاء في الجار والمجرور، بل هو الخبر. ولا جائز أن تكون هذه اللام دخلت في {لفي سجين} على فضلة هي معمولة للخبر أو لصفة الخبر، فيكون الجار والمجرور ملغى لا خبراً، لأن كتاب موصوف بمرقوم فلا يعمل، ولأن مرقوماً الذي هو صفة لكتاب لا يجوز أن تدخل اللام في معموله، ولا يجوز أن يتقدم معموله على الموصوف، فتعين بهذا أن قوله: {لفي سجين} هو خبر إن.
{الذين يكذبون}: صفة ذم، {كل معتد}: متجاوز الحد، {أثيم}: صفة مبالغة. وقرأ الجمهور: {إذا}؛ والحسن: أئذا بهمزة الاستفهام. والجمهور: {تتلى} بتاء التأنيث؛ وأبو حيوة وابن مقسم: بالياء. قيل: ونزلت في النضر بن الحرث. {بل ران}، قرئ بإدغام اللام في الراء، وبالإظهار وقف حمزة على بل وقفاً خفيفاً يسير التبيين الإظهار. وقال أبو جعفر بن الباذش: وأجمعوا، يعني القراء، على إدغام اللام في الراء إلا ما كان من سكت حفص على بل، ثم يقول: {ران}، وهذا الذي ذكره ليس كما ذكر من الإجماع. ففي كتاب اللوامح عن قالون: من جميع طرقه إظهار اللام عند الراء، نحو قوله: {بل رفعه الله إليه} {بل ربكم} وفي كتاب ابن عطية، وقرأ نافع: {بل ران} غير مدغم، وفيه أيضاً: وقرأ نافع أيضاً بالإدغام والإمالة. وقال سيبويه: اللام مع الراء نحو: أسفل رحمه البيان والإدغام حسنان. وقال الزمخشري: وقرى بإدغام اللام في الراء، وبالإظهار والإدغام أجود، وأميلت الألف وفخمت. انتهى. وقال سيبويه: فإذا كانت، يعني اللام، غير لام المعرفة، نحو لام هل وبل، فإن الإدغام في بعضها أحسن، وذلك نحو: هل رأيت؟ فإن لم تدغم فقلت: هل رأيت؟ فهي لغة لأهل الحجاز، وهي غريبة جائزة. انتهى. وقال الحسن والسدي: هو الذنب على الذنب. وقال الحسن: حتى يموت قلبه. وقال السدي: حتى يسود القلب. وفي الحديث نحو من هذا. فقال الكلبي: طبع على قلوبهم. وقال ابن سلام: غطى. {ما كانوا يكسبون}، قال ابن عطية: وعلق اللوم بهم فيما كسبوه، وإن كان ذلك بخلق منه تعالى واختراع، لأن الثواب والعقاب متعلقان بكسب العبد. والضمير في قوله: {أنهم}، فمن قال بالرؤية، وهو قول أهل السنة، قال إن هؤلاء لا يرون ربهم، فهم محجوبون عنه.