فصل: الحديث الأول:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّالِث:

صلَاته عَلَيْهِ السَّلَام بعسفان.
وَهِي صَحِيحَة وَقد أخرجهَا البُخَارِيّ وَمُسلم فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث سهل بن أبي حثْمَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَّى بِأَصْحَابِهِ فِي الْخَوْف فصفهم خَلفه صفّين، فَصَلى بالذين يلونه رَكْعَة، ثمَّ قَامَ فَلم يزل قَائِما حَتَّى صَلَّى الَّذين خَلفه رَكْعَة، ثمَّ تقدمُوا وَتَأَخر الَّذين كَانُوا قدامه فَصَلى بهم رَكْعَة، ثمَّ قعد حَتَّى صَلَّى الَّذين تخلفوا رَكْعَة ثمَّ سلم».
وَأخرجه مُسلم من حَدِيث جَابر مطولا.
وَأخرجه أَحْمد فِي مُسْنده وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فِي سُنَنهمَا، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه بِإِسْنَاد عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ من حَدِيث أبي عَيَّاش الزرقي مطولا. قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِسْنَاده صَحِيح إِلَّا أَن بعض أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ يشك فِي سَماع مُجَاهِد من أبي عَيَّاش. ثمَّ ذكر الحَدِيث بِإِسْنَاد جيد عَن مُجَاهِد قَالَ: نَا أَبُو عَيَّاش. وَقَالَ: بَين فِيهِ سَماع مُجَاهِد من أبي عَيَّاش. وَقَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه بعد أَن أخرج الحَدِيث: ذكر الْخَبَر المدحض قَول من زعم أَن مُجَاهدًا لم يسمع هَذَا الْخَبَر من أبي عَيَّاش وَلَا لأبي عَيَّاش الزرقي صُحْبَة فِيمَا زعم.
ثمَّ أخرجه من حَدِيث مُجَاهِد، نَا أَبُو عَيَّاش الزرقي قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بعسفان» ثمَّ سَاق الحَدِيث، قَالَ الْمُنْذِرِيّ: سَمَاعه مِنْهُ مُتَوَجّه فَإِنَّهُ ذكر مَا يدل عَلَى أَن مولد مُجَاهِد سنة عشْرين، وعاش أَبُو عَيَّاش إِلَى بعد الْأَرْبَعين وَقيل إِلَى بعد الْخمسين. قَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه: وَأَبُو عَيَّاش هَذَا اخْتلف فِي اسْمه، فَمنهمْ من قَالَ: هُوَ زيد بن النُّعْمَان، وَمِنْهُم من قَالَ: زيد بن الصَّامِت، وَمِنْهُم من قَالَ: هُوَ عبيد بن مُعَاوِيَة بن الصَّامِت، وَمِنْهُم من قَالَ: عبيد بن معَاذ بن الصَّامِت.
وَرَوَى النَّسَائِيّ وَالْحَاكِم نَحْو هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة ابْن عَبَّاس.
قَالَ الْحَاكِم: صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ.
قلت: وَأخرجه البُخَارِيّ بِلَفْظ: «قَامَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَامَ النَّاس مَعَه فَكبر وَكَبرُوا مَعَه، وَركع وَركع نَاس مِنْهُم، وَسجد وسجدوا مَعَه، ثمَّ قَامَ ثَانِيَة فَقَامَ الَّذين سجدوا وحرسوا إخْوَانهمْ، وَأَتَتْ الطَّائِفَة الْأُخْرَى فركعوا وسجدوا مَعَه وَالنَّاس كلهم فِي صَلَاة وَلَكِن يحرس بَعضهم بَعْضًا».
تَنْبِيهَات:
أَحدهَا: لما ذكر الرَّافِعِيّ الْكَيْفِيَّة الَّتِي ذكرهَا الشَّافِعِي فِي الْمُخْتَصر أَن أهل الصَّفّ الثَّانِي يَسْجُدُونَ مَعَه فِي الرَّكْعَة الأولَى وَالْأول فِي الثَّانِيَة.
ثمَّ ذكر الرَّافِعِيّ اخْتِلَاف الْأَصْحَاب فِي ذَلِك وَأَن مِنْهُم من قَالَ: إِن هَذِه الْكَيْفِيَّة منقولة عَن فعل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمِنْهُم من قَالَ: هَذَا خلاف التَّرْتِيب فِي السّنة، فَإِن الثَّابِت فِي السّنة أَن أهل الصَّفّ الأول يَسْجُدُونَ مَعَه فِي الرَّكْعَة الأولَى، وَأهل الصَّفّ الثَّانِي يَسْجُدُونَ مَعَه فِي الثَّانِيَة، وَالشَّافِعِيّ عكس ذَلِك. وَقَالُوا: الْمَذْهَب مَا ورد بِهِ الْخَبَر؛ لِأَن الشَّافِعِي قَالَ: إِذا رَأَيْتُمْ قولي مُخَالفا للسّنة فاطرحوه.
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَاعْلَم أَن مُسلما وَأَبا دَاوُد وَابْن مَاجَه وَغَيرهم من أَصْحَاب المسانيد لم يرووا إِلَّا الثَّانِي نعم فِي بعض الرِّوَايَات أَن طَائِفَة سجدت مَعَه، ثمَّ فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة سجد مَعَه الَّذين كَانُوا قيَاما، وَهَذَا يحْتَمل الترتيبين جَمِيعًا، وَلم يقل الشَّافِعِي إِن الْكَيْفِيَّة الَّتِي ذكرتها صَلَاة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بعسفان، وَلَكِن قَالَ: وَهَذَا نَحْوهَا.
قلت: وَهَذِه الرِّوَايَة الَّتِي قَالَ الرَّافِعِيّ أَنَّهَا مُحْتَملَة الترتيبين جَمِيعًا أخرجهَا الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث ابْن إِسْحَاق، حَدثنِي دَاوُد بن الْحصين، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «مَا كَانَت صَلَاة الْخَوْف إِلَّا كَصَلَاة أحراسكم هَؤُلَاءِ الْيَوْم خلف أئمتكم إِلَّا أَنَّهَا كَانَت أَظُنهُ قَالَ عقبه: قَامَت الطَّائِفَة وهم جَمِيع مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وسجدت مَعَه طَائِفَة، ثمَّ قَامَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسجد الَّذين كَانُوا قيَاما لأَنْفُسِهِمْ ثمَّ قَامَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَامُوا مَعَه جَمِيعًا، ثمَّ ركع وركعوا مَعَه جَمِيعًا، ثمَّ سجد فَسجدَ مَعَه الَّذين كَانُوا قيَاما أول مرّة، وَقَامَ الْآخرُونَ الَّذين كَانُوا سجدوا مَعَه أول مرّة، فَلَمَّا جلس رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالَّذين سجدوا مَعَه فِي آخر صلَاتهم سجد الَّذين كَانُوا قيَاما لأَنْفُسِهِمْ ثمَّ جَلَسُوا فَجَمعهُمْ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالسَّلَامِ».
ثَانِيهَا: قَالَ الرَّافِعِيّ: وَحَكَى أَبُو الْفضل بن عَبْدَانِ أَن من أَصْحَابنَا من قَالَ يَحْرُسُونَ فِي الرُّكُوع أَيْضا. قَالَ: وَفِي بعض الرِّوَايَات مَا يدل عَلَيْهِ.
قلت: هُوَ ظَاهر رِوَايَة البُخَارِيّ السالفة.
ثَالِثهَا: قَالَ الرَّافِعِيّ: واشتهر فِي البُخَارِيّ أَن الصَّفّ الثَّانِي يَحْرُسُونَ فِي الرَّكْعَة الأولَى، وَفِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة يتَقَدَّم أهل الصَّفّ الثَّانِي ويتأخر أهل الصَّفّ الأول، فَتكون الحراسة فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِمَّن خلف الصَّفّ الأول لَا من الصَّفّ الأول، كَذَلِك ورد فِي الْخَبَر.
قلت: حَدِيث أبي عَيَّاش الزرقي الَّذِي سقناه صَرِيح فِي ذَلِك.
فَائِدَة: عسفان- بِعَين مَضْمُومَة ثمَّ سين سَاكِنة- مهملتين- قَرْيَة جَامِعَة بهَا مِنْبَر وَهِي بَين مَكَّة وَالْمَدينَة.
وَقَالَ مَالك فِي الْمُوَطَّأ: بَين عسفان وَمَكَّة أَرْبَعَة برد. وَهُوَ صَحِيح فالأربعة برد ثَمَانِيَة وأَرْبَعُونَ ميلًا وَذَلِكَ مرحلتان.
ووَقع فِي الْمطَالع أَن بَينهمَا سِتَّة وَثَلَاثِينَ ميلًا.
قَالَ النَّوَوِيّ فِي تهذيبه بعد أَن حَكَاهُ عَنهُ: غير مَقْبُول مِنْهُ. وَتبع الْمُنْذِرِيّ فِي حَوَاشِيه صَاحب الْمطَالع وَأفَاد أَنَّهَا سميت بعسفان لعسف السُّيُول بهَا.

.الحديث الرَّابِع:

«صلَاته عَلَيْهِ السَّلَام بِذَات الرّقاع» رَوَاهُ مَالك عَن يزِيد بن رُومَان، عَن صَالح بن خَوات بن جُبَير، عَمَّن صَلَّى مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم ذَات الرّقاع.
وَرَوَاهَا أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن صَالح، عَن سهل بن أبي حثْمَة، عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَرَوَاهَا ابْن عمر- رَضِيَ اللَّهُ عَنْه.
هَذَا آخر مَا ذكره الرَّافِعِيّ، وَهُوَ كَمَا قَالَ.
أما حَدِيث صَالح فمتفق عَلَيْهِ من حَدِيث عَمَّن صَلَّى مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم ذَات الرّقاع صَلَاة الْخَوْف «أَن طَائِفَة صفت مَعَه وَطَائِفَة وجاه الْعَدو، فَصَلى بالذين مَعَه رَكْعَة، ثمَّ ثَبت قَائِما وَأَتمُّوا لأَنْفُسِهِمْ، ثمَّ انصرفوا وصفوا وجاه الْعَدو، وَجَاءَت الطَّائِفَة الْأُخْرَى فَصَلى الرَّكْعَة الَّتِي بقيت، ثمَّ ثَبت جَالِسا وَأَتمُّوا لأَنْفُسِهِمْ، ثمَّ سلم بهم».
وَرَوَاهُ مَالك بلفظين:
أَحدهمَا هَذَا.
وَثَانِيهمَا: عَن صَالح أَن سهل بن أبي حثْمَة حَدثهُ «أَن صَلَاة الْخَوْف أَن يقوم الإِمَام وَمَعَهُ طَائِفَة من أَصْحَابه وَطَائِفَة مُوَاجهَة الْعَدو، فيركع الإِمَام رَكْعَة، وَيسْجد بالذين مَعَه، ثمَّ يقوم، فَإِذا اسْتَوَى قَائِما ثَبت وَأَتمُّوا لأَنْفُسِهِمْ الرَّكْعَة الْبَاقِيَة، ثمَّ يسلمُونَ وينصرفون، وَالْإِمَام قَائِم، فيكونون وجاه الْعَدو، ثمَّ يقبل الْآخرُونَ الَّذين لم يسلمُوا فيكبرون وَرَاء الإِمَام، فيركع بهم وَيسْجد ثمَّ يسلم، فَيقومُونَ فيركعون لأَنْفُسِهِمْ الرَّكْعَة الثَّانِيَة ثمَّ يسلمُونَ».
وَأما رِوَايَة أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ لَهُ، عَن صَالح، عَن سهل بن أبي حثْمَة، عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَصَحِيح كَمَا عزاهُ الرَّافِعِيّ إِلَيْهِمَا.
قَالَ عبد الْحق: وَمُرَاد صَالح بن خَوات بِمن صَلَّى مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ سهل بن أبي حثْمَة.
وَتوقف ابْن الْقطَّان فِي ذَلِك؛ لِأَن ذَات الرّقاع كَانَت بعد بني النَّضِير فِي صدر السّنة الرَّابِعَة من الْهِجْرَة، وَسَهل توفّي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ ابْن ثَمَان سِنِين. قَالَه جماعات. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم إِنَّه بَايع تَحت الشَّجَرَة وَشهد الْمشَاهد كلهَا إِلَّا بَدْرًا، وَكَانَ دَلِيل النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَصح؛ إِنَّمَا كَانَ الدَّلِيل أَبوهُ عَامر بن سَاعِدَة، وَهُوَ الَّذِي بَعثه رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خارصًا، وَأَبُو بكر وَعمر بعده. وَتُوفِّي فِي خلَافَة مُعَاوِيَة؛ فسهل كَانَ سنه فِي زمن ذَات الرّقاع سنتَيْن أَو نَحْوهَا. ثمَّ أوضح ذَلِك بدلائله.
وَأما حَدِيث ابْن عمر- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما- فمتفقٌ عَلَيْهِ من حَدِيثه، قَالَ: «صَلَّى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الْخَوْف بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَة، والطائفة الْأُخْرَى مُوَاجهَة الْعَدو، ثمَّ انصرفوا، وَقَامُوا فِي مقَام أَصْحَابهم مُقْبِلين عَلَى الْعَدو، وَجَاء أُولَئِكَ، ثمَّ صَلَّى بهم النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ سلم بهم النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ قَضَى هَؤُلَاءِ رَكْعَة وَهَؤُلَاء رَكْعَة.
وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث عَائِشَة.
فَائِدَة: خوَّات- بخاء مُعْجمَة مَفْتُوحَة ثمَّ وَاو مُشَدّدَة، ثمَّ مثناة فَوق- وَهُوَ فِي اللُّغَة: الرجل الجريء. كَمَا قَالَه الْجَوْهَرِي. وحثمة بمثلثة بعد الْمُهْملَة، والحثمة هِيَ الأكمة الْحَمْرَاء، وَبهَا سميت الْمَرْأَة حثْمَة. قَالَه الْجَوْهَرِي. قَالَ: وَتقول حثمْتُ بِمَعْنى أَعْطَيْت، وَبِمَعْنى دلكت.
فَائِدَة:- ذَات الرّقاع بِكَسْر الرَّاء-: مَوضِع قبل نجد من أَرض غطفان، وَاخْتلف فِي سَبَب تَسْمِيَتهَا بذلك عَلَى أَقْوَال، أَصَحهَا كَمَا قَالَه أَبُو عبيد الْبكْرِيّ وَالنَّوَوِيّ مَا ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَنه قَالَ فِيهَا: نقبت أقدامنا فَكُنَّا نلف عَلَى أَرْجُلنَا الخِرق؛ فسميت غَزْوَة ذَات الرّقاع؛ لما كُنَّا نعصب عَلَى أَرْجُلنَا من الْخرق»
.
ونقبت- بِفَتْح النُّون، وَضمّهَا- أَي: تقرحت وتقطعت جلودها. وَعبارَة الرَّافِعِيّ، قيل: كَانَ الْقِتَال فِي سفح جبل فِيهِ جدد بيض وحمر كالرقاع. انْتَهَى.
وسفح الْجَبَل: أَسْفَله، حَيْثُ يسفح فِيهِ المَاء، أَي يُراق.
والجُدد: الطّرق، جمع جُدد، بِضَم الْجِيم فيهمَا، فالجبل الْمَذْكُور كَانَت فِيهِ طرائق تخَالف لون الْجَبَل.
وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي كَلَامه عَلَى الْمُهَذّب: الْأَصَح أَنه اسْم مَوضِع؛ لقَوْله فِي صَحِيح مُسلم: «حَتَّى إِذا كُنَّا بِذَات الرّقاع». وَهَذَا يدل عَلَى أَنه مَوضِع، قَالَ: وَذَات الرّقاع، قيل: إِنَّه اسْم شَجَرَة هُنَاكَ سميت بِهِ الْغَزْوَة، وَقيل: إِنَّه اسْم جبل هُنَالك بِنَجْد من أَرض غطفان فِيهِ بَيَاض وَحُمرَة وَسَوَاد يُقَال لَهَا الرّقاع، فسميت الْغَزْوَة بِهِ. وَيحْتَمل أَن هَذِه الْأُمُور كلهَا وجدت فِيهَا. وَجمع أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي أَمَالِيهِ أقوالاً فِي اسْمهَا، فَقَالَ: قَالَ بعض أهل الْعلم: التقَى الْقَوْم فِي أَسْفَل أكمة ذَات ألوان، فَهِيَ ذَات الرّقاع. وَقَالَ ابْن جرير: ذَات الرّقاع من نخل.
قَالَ: والْجَبَل الَّذِي سميت بِهِ ذَات الرّقاع، هُوَ جبل فِيهِ بَيَاض وَسَوَاد.
قَالَ ابْن إِسْحَاق: وَيُقَال: ذَات الرّقاع لشَجَرَة بذلك الْموضع. وَقيل: بل تقطعت راياتهم فرقعت، فَلذَلِك سميت ذَات الرّقاع. قَالَ غَيره: وَقيل: بل كَانَت راياتهم ملونة الرّقاع.
وَكَانَت غَزْوَة ذَات الرّقاع سنة أَربع من الْهِجْرَة. وَذكر البُخَارِيّ أَنَّهَا بعد خَيْبَر؛ لِأَن أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ جَاءَ بعد خَيْبَر.
فَائِدَة ثَالِثَة: جَاءَت صَلَاة الْخَوْف عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى سِتَّة عشر نوعا، وَهِي مفصلة فِي صَحِيح مُسلم، ومعظمها فِي سنَن أبي دَاوُد وَاخْتَارَ الشَّافِعِي- رَحِمَهُ اللَّهُ- فِيهَا هَذِه الْأَنْوَاع الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة، أَعنِي: صلَاته بِبَطن نخل، وبذات الرّقاع، وبعسفان، وَذكر الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه مِنْهَا ثَمَانِيَة أَنْوَاع، وَابْن حبَان فِي صَحِيحه مِنْهَا تِسْعَة، ثمَّ قَالَ: هَذِه الْأَخْبَار لَيْسَ بَينهَا تضَاد وَلَا تهاتر، وَلَكِن الْمُصْطَفَى صَلَّى صَلَاة الْخَوْف مرَارًا فِي أَحْوَال مُخْتَلفَة بأنواع متباينة عَلَى حسب مَا ذَكرنَاهَا، أَرَادَ بِهِ عَلَيْهِ السَّلَام تَعْلِيم أمته صَلَاة الْخَوْف، أَنه مُبَاح لَهُم أَن يصلوها أَي نوع من الْأَنْوَاع التِّسْعَة الَّتِي صلاهَا فِي الْخَوْف عَلَى حسب الْحَاجة إِلَيْهَا، والمرء مُبَاح لَهُ أَن يُصَلِّي مَا شَاءَ عِنْد الْخَوْف من هَذِه الْأَنْوَاع الَّتِي ذَكرنَاهَا، إِذْ هِيَ من الِاخْتِلَاف الْمُبَاح من غير أَن يكون بَينهَا تضَاد وَلَا تهاتر.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم: قد جَاءَ فِيهَا نَحْو أَرْبَعَة عشر نوعا. ونقل ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه عَن الإِمَام أَحْمد أَنه قَالَ: مَا أعلم فِي هَذَا الْبَاب إِلَّا حَدِيثا صَحِيحا. وَاخْتَارَ حَدِيث سهل بن أبي حثْمَة.
وَقَالَ دَاوُد الظَّاهِرِيّ: جَمِيع مَا ورد عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صَلَاة الْخَوْف جَائِز لَا يرجح بعضه عَلَى بعض.
قَالَ أهل الحَدِيث وَالسير عَلَى مَا نَقله عَنْهُم النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب: وَأول صَلَاة صلاهَا الشَّارِع للخوف صَلَاة بِذَات الرّقاع.
وَقَول الْغَزالِيّ فِي الْوَسِيط والرافعي فِي الْكتاب أَنَّهَا آخر غَزَوَاته غير صَحِيح، بل آخرهَا غَزْوَة تَبُوك كَمَا هُوَ الْمَشْهُور من أهل الْمَغَازِي وَالسير.

.الحديث الخَامِس:

عَن ابْن عمر- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما- أَنه قَالَ فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {فَإِن خِفْتُمْ فرجالاً أَو ركبانًا} قَالَ ابْن عمر: أَي مستقبلي الْقبْلَة، وَغير مستقبليها. قَالَ نَافِع: لَا أرَاهُ ذكر ذَلِك إِلَّا عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
هَذَا الحَدِيث تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ وَاضحا فِي بَاب اسْتِقْبَال الْقبْلَة.

.الحديث السَّادِس:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من قتل دون مَاله فَهُوَ شَهِيد».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث ابْن عَمْرو رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَرَوَاهُ أَيْضا مَعَ الشَّيْخَيْنِ الشَّافِعِي وَأحمد فِي مسنديهما، وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن صَحِيح.
وَفِي أبي دَاوُد بعد ذَلِك: «وَمن قتل دون أَهله أَو دون مَاله، أَو دون دينه فَهُوَ شَهِيد».
وَفِي رِوَايَة للنسائي: «من قَاتل دون مَاله فَقتل فَهُوَ شَهِيد، وَمن قَاتل دون دَمه فَقتل فَهُوَ شَهِيد، وَمن قَاتل دون أَهله فَقتل فَهُوَ شَهِيد». وَفِي رِوَايَة لَهُ: «وَمن قَاتل دون دينه فَهُوَ شَهِيد».

.الحديث السَّابِع:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن الْفَأْرَة تقع فِي السّمن والودك فَقَالَ: «استصبحوا بِهِ وَلَا تأكلوه».
هَذَا الحَدِيث لَهُ طرق: أنسبها رِوَايَة عبد الْوَاحِد بن زِيَاد، عَن معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «سُئِلَ عَن فَأْرَة وَقعت فِي سمن فَقَالَ: إِن كَانَ جَامِدا فخذوها، وَمَا حولهَا فألقوه، وَإِن كَانَ ذائبًا أَو مَائِعا فاستصبحوا بِهِ- أَو فانتفعوا بِهِ».
ذكره الطَّحَاوِيّ فِي بَيَان الْمُشكل واخْتِلَاف الْعلمَاء عَن فَهد بن سُلَيْمَان، ثَنَا الْحسن بن الرّبيع، ثَنَا عبد الْوَاحِد... فَذكره، وَذكره أَيْضا ابْن عبد الْبر فِي تمهيده وَعبد الْوَاحِد هَذَا من رجال الصَّحِيحَيْنِ وَبَاقِي الْكتب السِّتَّة، وَهُوَ ثِقَة لَهُ أَوْهَام كَغَيْرِهِ، مَشاهُ ابْن عدي، وَتكلم فِيهِ ابْن معِين وَيَحْيَى الْقطَّان وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: إِنَّه ثِقَة إِذا انْفَرد بِحَدِيث قبل حَدِيثه، وَكَذَلِكَ إِذا انْفَرد بِزِيَادَة قبلت زِيَادَته.
الطَّرِيق الثَّانِي:
من حَدِيث ابْن عمر: «سُئِلَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْفَأْرَة تقع فِي السّمن والودك، فَقَالَ: اطرحوها واطرحوا مَا حولهَا إِن كَانَ جَامِدا، وَإِن كَانَ مَائِعا فانتفعوا بِهِ، وَلَا تأكلوه».
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من حَدِيث شُعَيْب بن يَحْيَى، عَن يَحْيَى بن أَيُّوب، عَن ابْن جريج، عَن ابْن شهَاب، عَن سَالم بن عبد الله، عَن أَبِيه. وَشُعَيْب بن يَحْيَى هَذَا ثِقَة عَابِد من رجال النَّسَائِيّ، وَقَالَ أَبُو حَاتِم فِي حَقه إِنَّه لَيْسَ بِمَعْرُوف. فَإِن أَرَادَ بِهِ أَنه لَيْسَ مَعْرُوف الْحَال، فقد عرف، أَو الْعين، فقد رَوَى عَن حَيْوَة بن شُرَيْح، وَاللَّيْث، وَعنهُ: الْحَارِث بن مِسْكين، وَبكر بن سهل.
وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي ضُعَفَائِهِ لأجل مقَالَة أبي حَاتِم هَذِه، وَقد عرفت مَا فِيهَا، وَأعله عبد الْحق فِي أَحْكَامه بِيَحْيَى بن أَيُّوب، وَقَالَ: إِنَّه لَا يحْتَج بِهِ. وَيَحْيَى هَذَا من رجال الصَّحِيحَيْنِ وَبَاقِي الْكتب السِّتَّة وَهُوَ ثِقَة يعرف، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِذَاكَ الْقوي. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: مَحَله الصدْق وَلَا يحْتَج بِهِ. وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي ضُعَفَائِهِ لأجل هَذَا.
الطَّرِيق الثَّالِث:
من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «سُئِلَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْفَأْرَة تقع فِي السّمن وَالزَّيْت، فَقَالَ: استصبحوا بِهِ، وَلَا تأكلوه».
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه أَيْضا من حَدِيث أبي هَارُون الْعَبْدي، عَن أبي سعيد بِهِ. وَأَبُو هَارُون الْعَبْدي: عمَارَة بن جُوَيْن واه بِالْإِجْمَاع، وَقَالَ حَمَّاد بن زيد: كَذَّاب. وَقَالَ شُعْبَة: لِأَن أقدم فَيضْرب عنقِي أحب إليّ من أَن أحدث عَنهُ.
الطَّرِيق الرَّابِع:
من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، عَن أبي جَابر البياضي، عَن ابْن الْمسيب «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن كَانَ جَامِدا أَخذ مَا حولهَا قدر الْكَفّ، وَإِذا وَقع فِي الزَّيْت، استصبح».
رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق فِي مُصَنفه عَن إِبْرَاهِيم بِهِ، وَهَذَا مَعَ إرْسَاله مُشْتَمل عَلَى إِبْرَاهِيم هَذَا، وَقد عرفت حَاله فِي كتاب الطَّهَارَة، وَأبي جَابر البياضي مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، وَقد تَرَكُوهُ، قَالَ الشَّافِعِي: من حدث عَن أبي جَابر البياضي بيض الله عَيْنَيْهِ.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث عبد الْجَبَّار بن عمر، عَن ابْن شهَاب، عَن سَالم، عَن أَبِيه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن فَأْرَة وَقعت فِي سمن، فَقَالَ: ألقوها وَمَا حولهَا، وكلوا مَا بَقِي. فَقيل: يَا نَبِي الله، أَفَرَأَيْت إِن كَانَ السّمن مَائِعا؟ فَقَالَ: انتفعوا بِهِ وَلَا تأكلوه ثمَّ قَالَ: عبد الْجَبَّار هَذَا غير مُحْتَج بِهِ». قَالَ: وَرَوَى ابْن جريج عَن ابْن شهَاب هَكَذَا، وَالطَّرِيق إِلَيْهِ غير قوي. ثمَّ رَوَى حَدِيث يَحْيَى بن أَيُّوب السالف ثمَّ قَالَ: وَالصَّحِيح عَن ابْن عمر مَوْقُوفا من قَوْله غير مَرْفُوع. ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيق يعْلى بن عبيد، عَن سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن أَيُّوب، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «فِي فَأْرَة وَقعت فِي زَيْت، قَالَ: استصبحوا بِهِ، وادهنوا بِهِ أدمكم» ثمَّ رَوَى حَدِيث أبي سعيد السالف مَرْفُوعا ثمَّ مَوْقُوفا، وَقَالَ: إِنَّه الْمَحْفُوظ.
ثمَّ اعْلَم بعد ذَلِك أَن حَدِيث الْفَأْرَة هَذَا رَوَاهُ البُخَارِيّ من حَدِيث مَيْمُونَة وَلم يفرق فِيهِ بَين الْمَائِع والجامد، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَغَيرهمَا من حَدِيث معمر، عَن الزُّهْرِيّ عَن ابْن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة بالتفرقة، وَضَعفه التِّرْمِذِيّ. وَقَالَ: إِنَّه غير مَحْفُوظ، سَمِعت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ يَقُول: حَدِيث معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن ابْن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة- فِي هَذَا- خطأ، وَالصَّحِيح حَدِيث الزُّهْرِيّ، عَن عبيد الله، عَن ابْن عَبَّاس، عَن مَيْمُونَة. وسيكون لنا عودة إِلَيْهِ فِي كتاب البيع حَيْثُ ذكره الرَّافِعِيّ هُنَاكَ إِن شَاءَ الله- تَعَالَى- ذَلِك وَقدره. هَذَا آخر أَحَادِيث الْبَاب.

.وَأما آثاره:

فخمسة:

.أَولهَا وَثَانِيها وَثَالِثهَا:

«أَن عليًّا وَأَبا مُوسَى وَحُذَيْفَة- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم- وَغَيرهم صلوا صَلَاة الْخَوْف بعد وَفَاة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم».
هُوَ كَمَا قَالَ فقد صَحَّ ذَلِك عَنْهُم كَمَا أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَرُوِيَ ذَلِك أَيْضا عَن سعيد بن أبي وَقاص، وَعبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة، وَسَعِيد بن العَاصِي، وَغَيرهم، رَوَى أَحَادِيثهم الْبَيْهَقِيّ وَبَعضهَا فِي سنَن أبي دَاوُد والنَّسَائِيّ وصَحِيح الْحَاكِم وَغَيرهم. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَالصَّحَابَة الَّذين رووا صَلَاة النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْخَوْف لم يحملهَا أحد مِنْهُم عَلَى تخصيصها بِالنَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا بزمنه بل رَوَاهَا كل وَاحِد وَهُوَ يعتقدها مَشْرُوعَة عَلَى الصّفة الَّتِي رَوَاهَا.

.الْأَثر الرَّابِع:

«أَن عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه صَلَّى الْمغرب صَلَاة الْخَوْف لَيْلَة الهرير بالطائفة الأولَى رَكْعَة، وبالثانية رَكْعَتَيْنِ».
وَهَذَا الْأَثر ذكره عَلَى هَذَا الْوَجْه الصيدلاني، وَالْإِمَام، وَالْغَزالِيّ وَذكره الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه بِنَحْوِهِ بِغَيْر إِسْنَاد، وَأَشَارَ إِلَى ضعفه، فَقَالَ: وَيذكر عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه أَن عليًّا صَلَّى الْمغرب صَلَاة الْخَوْف لَيْلَة الهرير.
وَذكره الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة بِإِسْنَادِهِ إِلَى الشَّافِعِي قَالَ: وَحفظ عَن عَلّي بن أبي طَالب أَنه صَلَّى صَلَاة الْخَوْف لَيْلَة الهرير. كَمَا رَوَى صَالح بن خَوات، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
فَائِدَة:
الهرير- بِفَتْح الْهَاء وَكسر الرَّاء، ثمَّ يَاء مثناة تَحت ثمَّ رَاء أُخْرَى- تَقول الْعَرَب: هر فلَان الْحَرْب هريرًا أَي كرهها. كَذَا قَالَه الْجَوْهَرِي، وَكَأَنَّهَا سميت بذلك لكراهتهم الْحَرْب فِي تِلْكَ اللَّيْلَة لِكَثْرَة مَا وَقع فِيهَا من الْقَتْل. قَالَ النَّوَوِيّ فِي تهذيبه: هِيَ حَرْب بَين عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَبَين الْخَوَارِج، وَكَانَ بَعضهم يهر عَلَى بعض، فسميت بذلك. قَالَ: وَقيل: هِيَ لَيْلَة صفّين بَين عَلّي وَمُعَاوِيَة. وَجزم بِهَذِهِ الْمقَالة فِي شَرحه الْمُهَذّب فَقَالَ: هِيَ لَيْلَة من ليَالِي صفّين، سميت بذلك لِأَنَّهُ كَانَ لَهُم هرير عِنْد حمل بَعضهم عَلَى بعض. وَعبارَة صَاحب التنقيب عَلَى الْمُهَذّب: إِنَّهَا لَيْلَة صفّين بَين عَلّي وَأهل الشَّام، سميت بذلك لأَنهم لما عجزوا عَن الْقِتَال كَانَ بَعضهم يهر عَلَى بعض. قَالَ: وَكَانَ أَصْحَاب عَلّي تسعين ألفا، وَأَصْحَاب مُعَاوِيَة مائَة وعشْرين ألفا، وَقيل بِالْعَكْسِ. قَالَ: وَبَقِي الْقِتَال بَينهم مائَة وَعشرَة أَيَّام، وَقتل من أَصْحَاب عَلّي خَمْسَة وَعِشْرُونَ ألفا، مِنْهُم من الصَّحَابَة والبدريين خَمْسَة وَعِشْرُونَ، وَقتل من أَصْحَاب مُعَاوِيَة خَمْسَة وَأَرْبَعُونَ ألفا.

.الْأَثر الْخَامِس:

قَالَ الرَّافِعِيّ: وَأما تسميد الأَرْض بالزبل فَجَائِز. قَالَ الإِمَام: وَلم يمْنَع مِنْهُ أحد للْحَاجة الْقَرِيبَة من الضَّرُورَة، وَقد نَقله الْأَثْبَات عَن أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قلت: ترْجم الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه «بَاب مَا جَاءَ فِي طرح السرجين والعذرة فِي الأَرْض» فِي أثْنَاء كتاب الْمُزَارعَة ثمَّ رَوَى عَن سعد بن أبي وَقاص «أَنه كَانَ يحمل مكتل عُرّة إِلَى أَرض لَهُ» وَفِي لفظ لَهُ «مكتل عُرّة مكتل بر» قَالَ أَبُو عبيد، عَن الْأَصْمَعِي: العُرّة هِيَ عذرة النَّاس. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رُوِيَ عَن ابْن عمر خلاف ذَلِك فِي الْعذرَة خَاصَّة، ثمَّ رُوِيَ بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن عمر «أَنه كَانَ يشْتَرط عَلَى الَّذِي يكريه أرضه أَن لَا يَعُرّها، وَذَلِكَ قبل أَن يدع عبد الله الْكِرَاء» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رُوِيَ فِيهِ حَدِيث ضَعِيف. ثمَّ أسْندهُ من حَدِيث ابْن عَبَّاس: «كُنَّا نكرِي أَرض رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، ونشترط عَلَيْهِم أَن لَا يدملوها بعذرة النَّاس».
ثمَّ رَوَى عَن ابْن عمر «أَن رجلا أَتَاهُ، فَقَالَ: إِنِّي كنت أكنس حَتَّى تزوجت وعتقت وَحَجَجْت. فَقَالَ: مَا كنت تكنس؟ قَالَ: الْعذرَة. قَالَ: أَنْت خَبِيث وعتقك خَبِيث وحجك خَبِيث، اخْرُج مِنْهُ كَمَا دخلت فِيهِ».

.كتاب صَلَاة الْعِيدَيْنِ:

كتاب صَلَاة الْعِيدَيْنِ:
ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا:

.أما الْأَحَادِيث:

فخمسة وَثَلَاثُونَ حَدِيثا:

.الحديث الأول:

يرْوَى «أَن أول عيد صَلَّى فِيهِ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عيد الْفطر من السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة، وَلم يزل يواظب عَلَى صَلَاة الْعِيدَيْنِ حَتَّى فَارق الدُّنْيَا».
هُوَ كَمَا قَالَ؛ فقد اشْتهر فِي السّير أَن أول عيد شرع عيد الْفطر، وَأَنه فِي السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة، وَأما الْمُوَاظبَة عَلَى صلَاته فمستفيض فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَلم يصلها بمنى؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُسَافِرًا، كَمَا لم يصل الْجُمُعَة. أَي بِعَرَفَة أَو فِي سَفَره، وَهُوَ كَمَا قَالَ.