فصل: الحديث الثَّالِث:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول: اللَّهُمَّ هَذَا قَسَمِي فِيمَا أَمْلُك؛ فَلَا تلمني فِيمَا تَمْلُك وَلَا أَمْلُك».
هَذَا الحَدِيث ذكره الشَّافِعِي فِي الْمُخْتَصر بلاغًا، وَهُوَ حَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَحْمد والدارمي فِي مسنديهما وأصحابُ السّنَن الْأَرْبَعَة، وَالْحَاكِم وَابْن حبَان فِي صَحِيحهمَا من حَدِيث عَائِشَة- رَضِيَ اللَّهُ عَنْها.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ أَبُو دَاوُد: يَعْنِي: القلبَ. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: إِنَّمَا يَعْنِي بِهِ: الحُبَّ والمودة، كَذَا فسره بعض أهل الْعلم- قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. وَذكر التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ أَنه رُوي مُرْسلا وَقَالَ التِّرْمِذِيّ أَنه أصح. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله: إِنَّه أقرب إِلَى الصَّوَاب. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: لَا أعلم أحدا تَابع حَمَّاد بن سَلمَة عَلَى رفْعه. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم رَوَاهُ ابْن عُلَيَّة عَن أَيُّوب، عَن أبي قلَابَة مُرْسلا.
قلت: قد عُلم مَا فِي تعَارض الْوَصْل والإرسال.

.الحديث الخَامِس وَالثَّلَاثُونَ:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أعتق صَفِيَّة، وَجعل عِتْقَهَا صَدَاقها».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث أنس- رَضِيَ اللَّهُ عَنْه.
نَعَمْ فِي البخاريِّ من حَدِيث أبي مُوسَى: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أعْتقهَا، ثمَّ أصْدَقَهَا».
ذكره فِي بَاب: اتِّخَاذ السراري، من كتاب: النِّكَاح من صَحِيحه وَذَلِكَ يدل عَلَى تَجْدِيد العقد بِصَدَاق غير الْعتْق، وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي مَعْنَى الرِّوَايَة الأولَى عَلَى أَرْبَعَة أوجه، أوضحتها فِي الخصائص: أَصَحهَا: أَن مَعْنَاهُ: أعْتقهَا بِلَا عوض، وتزوَّجها بِلَا مهر، لَا فِي الْحَال وَلَا فِي الْمَآل، وَلم يحكه الرَّافِعِيّ؛ بل حَكَى وَجْهَيْن آخَرين عَن ابْن قُتَيْبَة كَذَلِك.

.الحديث السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ:

رُوِيَ «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم تزوَّج امْرَأَة، فَرَأَى بكشحها بَيَاضًا، فَقَالَ: الْحِقَى بأهلكِ».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من رِوَايَة جميل بن زيد الطَّائِي، عَن زيد بن كَعْب بن عجْرَة، عَن أَبِيه قَالَ: «تزوَّج رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم العاليةَ، امْرَأَة مِنْ بني غِفَار، فلمَّا دخلتْ عَلَيْهِ ووضعتْ ثِيَابهَا رَأَى بكشحها بَيَاضًا، فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: البسى ثِيَابك، والْحَقِي بأهلك. وَأمر لَهَا بِالصَّدَاقِ».
ذكر هَذَا فِي ترجمتها من مُسْتَدْركه.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه أَيْضا من حَدِيث ابْن عُمر: «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تزوَّج امْرَأَة من بني غفار، فلمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ رَأَى بكشحها وَضْحًا، فردَّها إِلَى أَهلهَا وَقَالَ: دلستم عليَّ!».
وَفِي إسنادها أَيْضا: جميل بن زيد الْمَذْكُور، وَهُوَ ضَعِيف، قَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِثِقَة. قَالَ ابْن عدي: تفرد بِهِ، واضطربت رُوَاته عَنهُ. وَذكر الْبَيْهَقِيّ اخْتِلَافا فِيهِ، وَهُوَ أَنه رَوَاهُ جميل عَن سعيد بن زيد الْأنْصَارِيّ مرَّةً، ومرَّةَ عَن زيد بن كَعْب أَو كَعْب. ومرَّةً عَن جميل، عَن ابْن عمر كَمَا تقدم، ثمَّ قَالَ: مُخْتَلف فِيهِ كَمَا ترَى. وَقَالَ البُخَارِيّ: لم يَصح حَدِيثه. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بالقويّ. وَقَالَ ابْن حبَان: رَحل إِلَى الْمَدِينَة؛ فَسمع أَحَادِيث ابْن عمر بعد مَوته، ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْبَصْرَة فرواها. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: كَانَ يَقُول: مَا سمعتُ من ابْن عُمر شَيْئا. وَفِي تَارِيخ البُخَارِيّ: قَالَ أَحْمد عَن أبي بكر بن عَيَّاش، عَن جميل: مَا سمعتُ من ابْن عُمر شَيْئا. وَإِنَّمَا قَالَ: أكتب أَحَادِيثه، فَقَدِمْتُ الْمَدِينَة؛ فكتبها.
وَرَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث جميل الْمَذْكُور عَن زيد بن كَعْب- أَو كَعْب بن زيد: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم تزوَّج امْرَأَة من غِفَار، فلمَّا دخل عَلَيْهَا وَوضع ثَوْبه وَقعد عَلَى الِفَراش أبْصَرَ بكشحها بَيَاضًا، فامتار عَن الْفراش، ثمَّ قَالَ: خذي عَلَيْك ثِيَابك! وَلم يأخذْ مِمَّا أَتَاهَا شَيْئا».
تَنْبِيه: وَقع هَذَا الحَدِيث فِي الْخُلَاصَة عَلَى مَذْهَب أبي حنيفَة ونفاه بعضُ مَنْ تكلم عَلَيْهَا وَعَلَى الْهِدَايَة فِي جزءٍ لطيفٍ وَقَالَ: لَا مدْخل لكعب بن عجْرَة فِي هَذَا الحَدِيث. قَالَ: وَالظَّاهِر أَنه كَعْب بن زيد، كَمَا وَقع فِي بعض الرِّوَايَات، وَهُوَ غَرِيب، فَهُوَ فِي مُسْتَدْرك الْحَاكِم كَمَا عَزَيْنَاهُ إِلَيْهِ آنِفا فاستفده.
فَائِدَة: قَالَ الْحَاكِم: هَذِه- يَعْنِي: المُفَارَقة- لَيست بالكلابية؛ إِنَّمَا هِيَ أَسمَاء بنت النُّعْمَان الغِفَارية، ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ، عَن سعيد بن أبي عرُوبَة، عَن قَتَادَة قَالَ: «ثمَّ تزوَّج رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من أهل الْيمن أَسمَاء بنت النُّعْمَان الغفارية، وَهِي ابْنة النُّعْمَان بن الْحَارِث بن شرَاحِيل بن النُّعْمَان، فَلَمَّا دخل بهَا دَعَاهَا؛ فَقَالَت: تعال أَنْت! فَطَلَّقَهَا».
فَائِدَة أُخْرَى: الكشح- بِإِسْكَان الشين الْمُعْجَمَة-: بَين الخاصرة إِلَى الضلع؟ الحقب- كَذَا بِالتَّحْرِيكِ- دَاء يُصِيب الْإِنْسَان فِي كَشْحِهِ، فَيُكْوى، وَالْبَيَاض فِي الْخَبَر يجوز أَن يكون بَهَقًا أَو برصًا، قَالَ الْجَوْهَرِي: الوضح: الضَّوْء وَالْبَيَاض، يُقَال: بالفَرَسِ وضح، إِذا كَانَ بِهِ شِيَة وَقد يُكَنَّى بِهِ عَن البرص، وَمِنْه قيل لجذيمة الأبرش: الوضاح.

.الحديث السَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ:

عَن الْأَشْعَث بن قيس: «أَنه نكح المستعيذة فِي زمَان عُمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَأمر برجْمِهَا، فأُخْبِرَ أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَارَقَهَا قَبْلَ أَن يَمَسهَا، فخلاَّهما».
هَذَا حَدِيث تبع فِي إِيرَاده كَذَلِك القَاضِي حُسَيْن، وَالْمَاوَرْدِيّ وَالْإِمَام وَالْغَزالِيّ، وَالَّذِي فِي كتب الحَدِيث: مَا رَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي: فَضَائِل أَزوَاج النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِإِسْنَادِهِ إِلَى أبي عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم تزوَّج حِين قَدِمَ عَلَيْهِ وَفْدُ كِنْدَة قتيلةَ بنت قيس أخْتَ الْأَشْعَث بن قيس، فِي سنة عشرٍ، ثمَّ اشْتَكَى فِي النّصْف من صفر، ثمَّ قبض يَوْم الِاثْنَيْنِ ليومين مضيا من شهر ربيع الأول، وَلم تكن قَدِمَتْ عَلَيْهِ وَلَا دخل بهَا وَوَقَّتَ بَعْضُهُمْ وَقْتَ تَزْوِيجه إِيَّاهَا، فَزَعَمَ أَنه تزوَّجها، قبل وَفَاته بِشَهْر وَزعم آخَرُونَ أَنه تزوَّجها فِي مَرضه، وَزعم آخَرُونَ أَنه أَوْصَى أَن تُخَيَّرَ قتيلةُ؛ فَإِن شَاءَت فاختارتِ النكاحَ، فَتَزَوجهَا عكرمةُ بْنُ أبي جهل بحضرموت، فَبلغ أَبَا بكر فَقَالَ: لقد هممتُ أَن أحرق عَلَيْهِمَا. فَقَالَ عمر بن الْخطاب: مَا هِيَ من أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ وَلَا دخل بهَا النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا ضرب عَلَيْهَا الْحجاب وَزعم بَعضهم أَنَّهَا ارتدَّتْ».
هَذَا آخِرُ مَا نَقله الحاكمُ عَن شَيْخه مخلد بن جَعْفَر، عَن مُحَمَّد بن جرير، عَن أبي عُبَيْدَة.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه بِإِسْنَادِهِ إِلَى الزُّهْرِيّ قَالَ: «بلغنَا أَن الْعَالِيَة بنت ظبْيَان الَّتِي طَلَّقَهَا تَزَوَّجَتْ قبل أَن يُحَرِّمَ اللَّهُ نساءَهُ، فنكحتْ ابْنَ عَمٍّ لَهَا، وولدتْ فيهم».
وَفِي معرفَة الصَّحَابَة لأبي نعيم فِي تَرْجَمَة قتيلة بنت قيس من حَدِيث دَاوُد، عَن عَامر: «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مَلَكَ بِنْتَ الْأَشْعَث قتيلةَ، وتزوَّجها عكرمةُ بْنُ أبي جهل بعد ذَلِك، فَشَقَّ ذَلِك عَلَى أبي بكر مشقة شَدِيدَة، فَقَالَ لَهُ عُمرُ: يَا خَليفَة رَسُول الله، إِنَّهَا لَيست من نِسَائِهِ، وَلم يخيرها النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد بَرَّأها الله مِنْهُ بالرِّدَّة الَّذِي ارتدتْ مَعَ قَومهَا، فاطمأنَّ أَبُو بكر وَسكن».

.الحديث الثَّامِن بعد الثَّلَاثِينَ:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «كلُّ سَبَب ونَسَبٍ يَوْم الْقِيَامَة يَنْقَطِع، إِلَّا سببي ونسبي».
هَذَا الحَدِيث لَهُ طَرِيقَانِ:
أَحدهمَا: مَا رَوَاهُ الْبَزَّار فِي مُسْنده من حَدِيث عبد الله بن زيد بْنِ أسلم عَن أَبِيه عَن جده عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَرْفُوعا بِهِ، ثمَّ قَالَ: قد رَوَاهُ غَيْرُ واحدٍ عَن زيد بن أسلم عَن عمر مُرْسلا، وَلَا نعلم أحدا قَالَ: عَن زيد عَن أَبِيه إِلَّا عَبْدَ الله بن زيد وَحْدَهُ.
وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي تَرْجَمَة عليّ، من حَدِيث جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه أَن عُمرَ قَالَ: سمعتُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «كل سَبَبٍ وَنسب مُنْقَطع يَوْم الْقِيَامَة، إِلَّا سببي ونَسَبي».
ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَفِيمَا ذكره نَظَرٌ؛ فَإِن وَالِد جَعْفَر لم يدْرك عمر، كَمَا استدركه الذهبيُّ، لَا جرم أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، عَن جَابر قَالَ: سمعتُ عُمَرَ... فَذكره مَرْفُوعا، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، عَن جِدِّه، عَن عُمرَ، وَخَالفهُ الثوريُّ وابْنُ عُيَيْنَة وغَيْرُهما؛ فَرَوَوْه، عَن جَعْفَر، عَن أَبِيه، عَن عُمر، وَلم يذكرُوا بَينهمَا جدَّه عليَّ بْنَ الْحُسَيْن، وَقَوْلهمْ هُوَ الْمَحْفُوظ.
الطَّرِيق الثَّانِي: مَا رَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي تَرْجَمَة فَاطِمَة، بإسنادٍ صَحِيح من حَدِيث الْمسور بن مخرمَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِن الْأَنْسَاب تَنْقَطِع يَوْم الْقِيَامَة، غَيْر نسبي وسببي وصهري» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح، وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده أَيْضا.
وَله طَرِيق ثَالِث: من حَدِيث عُمر، غير مَا سلف من طَرِيقه، ذكره ابْن السكن فِي صحاحه من حَدِيث: حسن بن حُسَيْن بن عليّ، عَن أَبِيه: «أَن عمر خطب أُمَّ كُلْثُوم إِلَى عليِّ، فَقَالَ: إِنَّهَا تصغر عَن ذَلِك، فَقَالَ عمر: إِنِّي سمعتُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: كل سَبَب وَنسب مُنْقَطع يَوْم الْقِيَامَة، إِلَّا نسبي وسببي».
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِزِيَادَة: «وأحْبَبْتُ أَن يكون لي من رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سَبَب وَنسب» وَذكر فِيهِ قِصَّةً أُخْرَى.
وَله طَرِيق رَابِع: من حَدِيث ابْن عُمر، عَن عُمر أَيْضا، أبنا بِهِ الذَّهَبِيّ، أبنا أَحْمد بن سَلامَة- إجَازَة- عَن مَسْعُود بن أبي مَنْصُور أبنا أَبُو عَلّي الْمقري أبنا أَبُو نعيم، أبنا أَبُو إِسْحَاق بن حَمْزَة، ثَنَا أَبُو جَعْفَر الْحَضْرَمِيّ، ثَنَا عباد بن زِيَاد، ثَنَا يُونُس بن أبي يَعْفُور، عَن أَبِيه: سمعتُ ابْنَ عمر قَالَ: سَمِعت عمر يَقُول سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «كلُّ سَبَبٍ ونَسَبٍ مُنْقَطع يَوْم الْقِيَامَة، إِلَّا سببي ونسبي».
وَله طَرِيق خَامِس: من حَدِيث ابْن عَبَّاس، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه بإسنادٍ لَا أعلم بِهِ بَأْسا.
فَائِدَة:
حَكَى الرَّافِعِيّ فِي مَعْنَى هَذَا الحَدِيث خلافًا، فَقَالَ: قيل: مَعْنَاهُ: إِن أمته ينسبون إِلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة وأمم سَائِر الْأَنْبِيَاء لَا ينسبون إِلَيْهِم، وَقيل مَعْنَاهُ لَا ينْتَفع يَوْمئِذٍ سَائِر الْأَنْسَاب، وينْتَفع بِالنّسَبِ إِلَيْهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.

.الحديث التَّاسِع بعد الثَّلَاثِينَ:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «تَسَمٌّوا باسمي، وَلَا تكنُوا بِكُنْيَتِي».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث جماعةٍ من الصَّحَابَة، مِنْهُم جَابر وَأَبُو هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما.
هَذَا آخِرُ مَا ذكره الرَّافِعِيّ فِي هَذَا الْبَاب من الْأَحَادِيث الَّتِي اسْتشْهد عَلَيْهَا، وَقد ذكر فِي الْبَاب خَصَائِص أُخَرَ، يُمكن إِفْرَاد كل مِنْهَا بِآيَة وَأثر وَلَو فتحنا ذَلِك علينا لَطَاَلَ وخَرَجَ الكتابُ عَن مَوْضُوعه.
وَقد أفردنا- بِحَمْد الله- للخصائص مُصَنَّفًا ذكرنَا فِيهِ جَمِيع مَا ذكره الرَّافِعِيّ ومَنْ تأخَّر عَنهُ، وَكَذَا من تَقَدَّمَ علينا فِيمَا وقفنا عَلَيْهِ من مصنفاتهم، وَذكرنَا فِيهِ زياداتٍ مهمة، وَهُوَ جَامع لَهَا وَللَّه الْحَمد عَلَى تيسيره وإكماله.

.بَاب: مَا جَاءَ فِي اسْتِحْبَاب النِّكَاح:

للقادر عَلَى مؤنه وَصفَة الْمَنْكُوحَة وَأَحْكَام النّظر وَمَا يتَعَلَّق بِهِ ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ من الْأَحَادِيث سَبْعَة عشر حَدِيثا:

.الحديث الأول:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «يَا معشر الشَّبَاب، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُم الْبَاءَة فليتزوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغضّ لِلْبَصَرِ، وَأحْصن للفَرْج، ومَنْ لم يسْتَطع فَعَلَيهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاء».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا كَذَلِك، من حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود- رَضِيَ اللَّهُ عَنْه.
فَائِدَة: المَعْشَر: الطَّائِفَة الَّذين يشملهم وصف. والشباب: جَمْع شَاب، وَهُوَ عِنْد أَصْحَابنَا: مَنْ بَلَغ وَلم يُجاوِز ثَلَاثِينَ سنة، والباءه: بِالْمدِّ وَالْهَاء، عَلَى أفْصح اللُّغَات وأشهرها-: الْمنزل، وأَصْلهَا فِي اللُّغَة: الجِمَاع، وَهُوَ المُرَاد هُنَا عَلَى الْأَصَح، وَقيل: الْمُؤَن.
والوِجَاء- بِكَسْر الْوَاو وبالمد-: رَضُّ الخصيتين.
وَوَقع فِي صَحِيح ابْن حبَان فِي آخِرِ هَذَا الحَدِيث بعد قَوْله: «فَإِنَّهُ لَهُ وَجَاء»: «وَهُوَ الإخصاء».
وَلَا أَدْرِي هَذِه الزِّيَادَة مِمَّن. ورُوي: «وَجَا» بِفَتْح الْوَاو مَقْصُور بِوَزْن عَصا يُرِيد: الخصاء والتعب، نَقله الْمُنْذِرِيّ ثمَّ قَالَ: وَفِيه بُعْد، والأوَّل هُوَ الْمَشْهُور، قَالَ: وَيكون عَلَى هَذَا شبه الصَّوْم فِي بَاب النِّكَاح بالتعب فِي بَاب الْمَشْي.
قلت: وَالْمرَاد هُنَا عَلَى التَّفْسِير الأول: أَن الصَّوْم يقطع الشهوةَ وشَرّ الْجِمَاع كَمَا يَفْعَله الوجاء.

.الحديث الثَّانِي:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لجَابِر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «هلاَّ تزوَّجْتَ بِكْرًا تُلاِعبُهَا وتُلاِعبُكَ».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البخاريُّ وَمُسلم فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «تزوجتُ فَقَالَ لي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا تزوَّجْتَ؟ قلت: تَزوجت ثَيِّبًا، فَقَالَ: مَا لكَ والعذارى ولعابها؟».
وَفِي حَدِيث مُسلم: «فَأَيْنَ أَنْت من العذارى ولِعَابها» قَالَ شُعْبَة: فذكرتُه لعَمرو بْنِ دِينَار، فَقَالَ: سمعته من جَابر، وَإِنَّمَا قَالَ: «فَهَلاَّ جَارِيَة تلاعبها وتلاعبك».
وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «فهلاَّ جَارِيَة تلاعبك. قلت: يَا رَسُول الله، إِن أبي قتل يَوْم أُحُد وَترك تِسْع بناتٍ كن لي تِسْع أَخَوَات، فَكرِهت أَن أجمع إلَيْهِنَّ جَارِيَة خرقاء مِثْلهنَّ، وَلَكِن امْرَأَة تمشطهن وَتقوم عَلَيْهِنَّ، قَالَ: أَصَبْتَ».
وَفِي رِوَايَة لمُسلم: قَالَ: «تزوجتُ امْرَأَة فِي عهد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فلقيتُ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا جَابر، تزوجتَ؟ فَقلت: نعم، قَالَ: بِكْر أَو ثيب؟ قلت: ثيب، قَالَ: فهلاَّ بكرا تلاعبها؟ قَالَ: قلت يَا رَسُول الله، كَانَ لي أَخَوَات، فخشيتُ أَن تدخل بيني وبينهن، قَالَ: ذَاك إِذا. إِن الْمَرْأَة تُنْكح عَلَى دينهَا وَمَالهَا وجمالها؛ فَعَلَيْك بِذَات الدِّينْ تَرِبَتْ يداك».
فَائِدَة: «تلاعبها وتلاعبك» المُرَاد بِهِ: اللّعب الْمَعْرُوف، وَيحْتَمل أَن يكون من اللعاب، وَهُوَ الرِّيق.
وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «تضاحكها وتضاحكك».
وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي أكبر معاجمه من حَدِيث كَعْب بن عجْرَة: «تَعُضُّهَا وتَعُضُّكَ».
وَفِي رِوَايَة لَهُ من حَدِيث جَابر: «تلاعبها وتلاعبك- أَو تضاحكها وتضاحكك».
وَقَوله: «ولِعابها» هُوَ بِالْكَسْرِ، ورُوي بِالضَّمِّ قَالَه فِي «الْمَشَارِق».
وَنقل النَّوَوِيّ فِي شَرحه لمُسلم عَن القَاضِي عِيَاض أَنه قَالَ: إِن الرِّوَايَة فِي كتاب مُسلم هُوَ بِالْكَسْرِ لَا غير، وَهُوَ مصدر: لاَعَبَ.
وَقَوله: «تَمشُطهن»: هُوَ بِفَتْح التَّاء وَضم الشين، كَذَا ضَبطه النَّوَوِيّ فِي شَرحه لمُسلم.

.الحديث الثَّالِث:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «تزوّجوا الْوَدُود الْوَلُود؛ فَإِنِّي مكاثرٌ بكم الْأُمَم يَوْم الْقِيَامَة».
هَذَا الحَدِيث لَهُ طرق:
أَحدهَا: من حَدِيث معقل بن يسَار رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِنِّي أصبتُ امْرَأَة ذاتَ حسبٍ وجمال، وَإِنَّهَا لَا تَلد إِذا تزوجتُها؟ قَالَ: لَا. ثمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَة فَنَهَاهُ، ثمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَة، فَقَالَ تزوَّجُوا الْوَدُود الْوَلُود فَإِنِّي مكاثرٌ بكم الْأُمَم».
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فِي سنَنَيْهِمَا وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَقَالَ ابْن الصّلاح: حسن الْإِسْنَاد.
ثَانِيهَا: من حَدِيث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَأْمر بِالْبَاءَةِ، وَينْهَى عَن التبتل نهيا شَدِيدا، وَيَقُول: تزوّجوا الْوَدُود الْوَلُود فَإِنِّي مكاثرٌ بكم الْأَنْبِيَاء يَوْم الْقِيَامَة».
رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه.
ثَالِثهَا: حَدِيث عِيَاض بن غنم الْأَشْعَرِيّ «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ: لَا تزوَّجُنَّ عاقرًا وَلَا عجوزًا؛ فَإِنِّي مكاثرٌ بكم».
رَوَاهُ الْحَاكِم فِي تَرْجَمَة عِيَاض هَذَا من مُسْتَدْركه ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَفِيمَا ذكره نظر؛ فَإِن فِي إِسْنَاده مُعَاوِيَة بن يَحْيَى الصَّدَفِي، وَهُوَ ضَعِيف.
رَابِعهَا: من حَدِيث عبد الله بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «انكحوا أُمَّهَات الْأَوْلَاد؛ فَإِنِّي أُباهي بكم يَوْم الْقِيَامَة».
رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده من حَدِيث ابْن لَهِيعَة حَدثنِي حييّ بن عبد الله، عَن أبي عبد الرَّحْمَن الحُبُلِّي، عَن عبد الله بن عمر بِهِ.
فَائِدَة:
الْوَدُود: الْمَرْأَة الموادة، الْوَلُود: الَّتِي تكْثر وِلَادَتهَا، وَهَذَا الْبناء من أبنية الْمُبَالغَة.

.الحديث الرَّابِع:

رُوي أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إيَّاكُمْ وخضراءَ الدِّمن! قَالُوا: يَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم 979، وَمَا خضراء الدِّمَن؟! قَالَ: الْمَرْأَة الْحَسْنَاء فِي المنبت السوء».
هَذَا الحَدِيث لم يخرِّجْه أحد من أَصْحَاب الْكتب الْمُعْتَمدَة، وَذكره أَبُو عبد الله الْقُضَاعِي فِي كتاب الشهَاب وأسنده فِي مُسْنده من حَدِيث الْوَاقِدِيّ، عَن يَحْيَى بن سعيد بن دِينَار، عَن أبي وجزة يزِيد بن عبيد، عَن عَطاء بن يزِيد اللَّيْثِيّ، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ مَرْفُوعا: «إيَّاكم وخضراء الدِّمَن! فَقيل: يَا رَسُول الله، وَمَا خضراء الدمن؟! قَالَ: الْمَرْأَة الْحَسْنَاء فِي المنبت السوء».
وَكَذَا أسْندهُ الرامَهُرْمُزِي فِي أَمْثَاله لكنه قَالَ: عَن مُحَمَّد بن عمر الْمَكِّيّ، عَن يَحْيَى بن سعيد بن دِينَار، وأسنده الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب فِي كِتَابه إِيضَاح الملتبس من طَرِيق الْوَاقِدِيّ، وَذكره أَبُو عبيد فِي غَرِيبه وَقَالَ: إِنَّه يرْوَى عَن يَحْيَى بن سعيد بن دِينَار.... فَذكره.
قلت: وعلَّتُه: الْوَاقِدِيّ، قَالَ ابْن طَاهِر فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الشهَاب: هَذَا الحَدِيث يُعَدُّ فِي أَفْرَاده، وَهُوَ ضَعِيف. وَكَذَا قَالَ ابْن الصّلاح فِي مشكله أَنه يُعَدُّ فِي أَفْرَاده وَأَنه ضَعِيف. وَقَالَ ابْن دحْيَة فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الشهَاب: هَذَا الحَدِيث لَا يَصح بوجهٍ. قَالَه الدَّارَقُطْنِيّ، وَذكره ابْن دُرَيْد فِي كِتَابه الْمُجْتَبَى فِي أوَّل بابٍ: مَا سمع من النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يسمع من غَيره قَبْله، كَحَدِيث: «يَا خيل الله ارْكَبِي» و«لَا تنتطح فِيهَا عنزان» و«الْحَرْب خُدْعة» وَغير ذَلِك.
فَائِدَة: خضراء الدِّمن: هِيَ الشَّجَرَة الخضراء النابتة فِي مطارح البعر، وَهِي الدِّمَن- بِكَسْر الدَّال وَفتح الْمِيم- واحدَتُها: دِمْنة، شبَّه بهَا الْمَرْأَة الْحَسْنَاء ذَات النّسَب الْفَاسِد، مِثْل: أَن تكون بنت الزِّنَا، قَالَ ابْن دحْيَة فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الشهَاب: وَقيل: مَعْنَاهُ: ضحوك النُّفُوس وحسائك الصُّدُور، وَإِن أبْدَى صاحبُها جميلاً فَلَا يُؤمن. قَالَ ابْن دُرَيْد فِي كتاب الْمُجْتَبَى: هَذَا الحَدِيث قَالَه عَلَيْهِ السَّلَام فِي بعض مَا كَانَ يُؤَدب بِهِ أَصْحَابه، وَقد فسَّر هَذَا الْكَلَام فِي الحَدِيث، وَله تفسيران، قَالَ بَعضهم: يُرِيد: المرأةَ الحسناءَ فِي المنبت السوء، وَتَفْسِير ذَلِك: أَن الرّيح تجمع الدِّمن- وَهُوَ: البعر- فِي الْبقْعَة من الأَرْض، ثمَّ يركبه الساقي؛ فَإِذا أَصَابَهُ الْمَطَر ينْبت نَبْتَا غضًّا نَاعِمًا يَهْتَز وَتَحْته الدِّمَن الْخَبيث، يَقُول: فَلَا تنْكِحُوا هَذِه الْمَرْأَة لجمالها ومنبتها خَبِيث كالدِّمن، فَإِن أعراق السوء تنْزع أَوْلَادهَا.
وَالتَّفْسِير الآخر: مَعْنَى قَول زفر بن الْحَارِث:
وَقَدْ يَنبُتُ المَرعَى عَلَى دِمَن الثَّرَى وَتَبقَى حَزازَاتُ النُّفوسِ كَمَا هِيَا يَقُول: نَحن إِن أظهرنَا لكم شرًّا فَإِن تَحْتَهُ الحقد والشحنة، هَكَذَا الدِّمَن الَّذِي يظْهر، فَوْقه النبت مهتزًّا وَتَحْته الْفساد.
تَنْبِيه: هَذَا الحَدِيث اسْتدلَّ بِهِ الرَّافِعِيّ عَلَى أَوْلَوِيَّة النسيبة وَقد علم ضعفه ويغني عَنهُ حَدِيث أبي هُرَيْرَة الثَّابِت أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ «خير نسَاء ركبن الْإِبِل: صَالح نسَاء قُرَيْش، أحناه عَلَى ولد فِي صغر وأرعاه عَلَى زوج فِي ذَات يَده» وَالْبُخَارِيّ اسْتدلَّ بِهِ لهَذِهِ الْمَسْأَلَة.

.الحديث الخَامِس:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا تنْكِحُوا الْقَرَابَة الْقَرِيبَة؛ فَإِن الْوَلَد يُخْلق ضاويًّا».
هَذَا الحَدِيث تبع فِي إِيرَاده القَاضِي الْحُسَيْن وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ وَقَالا: إِنَّه رُوِيَ.
وَأما ابْن الصّلاح فَقَالَ: لَا أجد لَهُ أصلا مُعْتَمدًا، قَالَ: و«ضاويًّا» بتَشْديد الْيَاء أَي: نحيفًا ضَعِيفا لِأَن شَهْوَته لَا تتمّ عَلَى قريبَة.
وَقَالَ الإِمَام: أَرَادَ ضئيلاً نحيفَ الْخلق هزيلاً.
وَابْن الصّباغ وَجَّه ذَلِك أَعنِي: الحكم فِي الْمَسْأَلَة بِأَن الْوَلَد يكون الْغَالِب عَلَيْهِ الْحمق، وَفِي الْبَيَان عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ: إِذا تزوَّج الرجلُ فِي عشيرته فالغالب عَلَى وَلَده الْحمق.
قلت: وَهَذَا يشْهد لَهُ الْوَاقِع.
وَأورد القَاضِي حسينُ حَدِيثا آخَرَ فِي مَعْنَاهُ، وَهُوَ: «اغتربوا؛ لَا تُضووا» يَعْنِي: كي لَا تُضووا الْوَلَد، وَلم أر أَنا فِي الْبَاب فِي كتابٍ حَدِيثي مَا يسْتَأْنس بِهِ، إِلَّا مَا وجدتُ فِي غَرِيب الحَدِيث لإِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ من حَدِيث عبد الله بن المؤمل، عَن ابْن أبي مليكَة قَالَ: قَالَ عمر لآل السَّائِب: «قد أضويتم؛ فأنحكوا فِي النوابغ» قَالَ الْحَرْبِيّ: الْمَعْنى: تزوجوا الغرائب.
قَالَ: وَيُقَال: «اغتربوا؛ لَا تضووا». أَي: تزوَّجوا الغرائب، لَا تزوَّجوا أقرباءكم؛ فَيَجِيء الْوَلَد ضاويًّا، أَي: مهزولاً.
قَالَ ابْن درسْتوَيْه: وَيجوز تَخْفيف الْيَاء، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو مُحَمَّد: وَقد يجوز أَن تَقول: غُلَاما صاويًّا، بالصَّاد الْمُهْملَة، من قَوْلهم: صَوت النَّخْلَة تصوى صويًّا، إِذا يَبِسَتْ، ولبعض أهل الْأَدَب:
إِن طلبتَ الإنجابَ فانكح غَرِيبا وَإِلَى الْأَقْرَبين لَا تتوسل.
فأنبت الثِّمَار طيبا وحسنا ثَمَر غصنه غَرِيب موصل.

.الحديث السَّادِس:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «تُنْكح الْمَرْأَة لأَرْبَع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها؛ فاظفرْ بِذَات الدِّين تربت يداك».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه.
وَأوردهُ الْمَاوَرْدِيّ فِي الْحَاوِي فِي كتاب: الصّداق، بزيادةٍ غَرِيبَة فِيهِ، وَهِي: «تُنْكح الْمَرْأَة لدينها وجمالها وَمَالهَا وحسبها» ويُرْوَى: «ووسامتها».
وَلم أره هَكَذَا ورَوَاهُ مُسلم من حَدِيث جَابر كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ وَلم يذكر الحسبَ وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، وَلم يذكر الْحسب والمالَ، وَذكر بدل: الجمالَ: الخُلق.
وَرَوَاهُ ابْن حبَان بِلَفْظ: «تُنْكح الْمَرْأَة عَلَى مَالهَا، وتُنْكح الْمَرْأَة عَلَى جمَالهَا، وتُنكح الْمَرْأَة عَلَى دِيْنها».
وَكَذَا رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده بِزِيَادَة: «فَخُذْ ذاتَ الدِّين والخُلُق تربت يداك».
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث الأفريقي، عَن عبد الله بن يزِيد، عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لَا تزوَّجوا النِّسَاء لحُسْنهنَّ؛ فَعَسَى حُسْنهن أَن يُرْديهن، وَلَا تزوجوهن لأموالهن؛ فَعَسَى أموالهن أَن تطغيهن، وَلَكِن تزوجوهن عَلَى الدِّيْن، ولأَمَةٌ خرساء سَوْدَاء ذاتُ دِيْن أفضل».
فَائِدَتَانِ:
الأولَى: قَوْله: «تربت يداك» هَذِه كلمة أَصْلهَا عِنْد الْعَرَب: افْتَقَرت، وَلَكِن اعتادوا اسْتِعْمَالهَا غير قَاصِدين مَعْنَاهَا الأصْلي، وَمَا أحسن قَول البديع فِي بعض رسائله:
وَقد يُوحش اللَّفْظ وَكله ود ويُكره الشَّيْء وَمَا من فِعْله بُد.
هَذِه الْعَرَب تَقوله: لَا أَب لَك، إِذا أهم. وقاتَلَهُ اللَّه، وَلَا يُرِيدُونَ بِهِ الذَّم. وويل أمه، لِلْأَمْرِ إِذا تَمَّ. وللألباب فِي هَذَا الْبَاب أَن تنظر إِلَى القَوْل وقائله؛ فَإِن كَانَ وليًّا فَهُوَ الْوَلَاء، وَإِن حَسُنَ، وَإِن كَانَ عَدوًّا فَهُوَ الْبلَاء، وَإِن حَسُن.
الثَّانِيَة: الصَّحِيح فِي مَعْنَى هَذَا الحَدِيث: أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أخبر بِمَا يَفْعَله النَّاس فِي الْعَادة؛ فَإِنَّهُم يقصدون هَذِه الخِصال الْأَرْبَعَة وَآخِرهَا عِنْدهم: ذَات الدِّين، فاظفرْ أَنْت أَيهَا المسترشد بِذَات الدِّيْن، وَقيل:
مَعْنَاهُ: تربت يداك إِن لم تفعل مَا أَمرتك بِهِ، وَقيل مَعْنَاهُ لله دَرك إِذا اسْتعْملت مَا أَمرتك بِهِ... مَا لم آمُر بِهِ؛ لِأَنَّهُ رَأَى أَن الْفقر خيرٌ لَهُ من الْغِنَى.
قَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَعَلَى تَقْدِير أَن يكون دُعَاء؛ فقد قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: «اللَّهُمَّ مَنْ دعوتُ عَلَيْهِ فَاجْعَلْ دَعْوَتِي لَهُ رَحْمَة».
وَأغْرب بَعضهم فَادَّعَى أَن مَعْنَى تربت: استغنت، وَالْمَشْهُور الأول أَن مَعْنَاهُ: افْتَقَرت، وَلَا يُقال فِي الغِنَى إِلَّا: أترب.
وَفِي الحبلى عَن الزَّجَّاج أَنه قَالَ فِي كتاب: فعلت وأفعلت: تربت يداك: استغنت، وَجعل ترب وأترب بِمَعْنى وَاحِد، والذى فِيهِ خلاف ذَلِك؛ فَإِنَّهُ قَالَ: ترب الرجل: إِذا افْتقر، وأترب: إِذا اسْتَغنَى، فتنبَّه لذَلِك.
وَقد نقل ذَلِك ابْنُ الرّفْعَة فِي كِفَايَته عَن حِكَايَة الحبلي، وأقرَّه، وَهُوَ غَرِيب.